الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل

كتاب الشهادات
*
مدخل
...
كتاب الشهادات
وأحدها شهادة تطلق على التحمل والأداء وهي حجة شرعية تظهر الحق ولا نوجبه وهي: الأخبار بما علمه بلفظ خاص وتحملها في غير حق الله فرض كفاية وإذا تحملها وجبت كفايتها ويتأكد ذلك في حق رديء الحفظ وأداؤها فرض عين وإن قام بالفرض في التحمل والأداء اثنان سقط عن الجميع وإن امتنع الكل أثموا،

(4/430)


ويشترط في وجوب التحمل والأداء أن يدعى إليهما من تقبل شهادته ويقدر عليهما بلا ضرر يلحقه في بدنه أو ماله أو أهله أو عرضه ولا تبذل في التزكية ويختص الأداء بمجلس الحكم ومن تحملها أو رأى فعلا أو سمع قولا بحق لزمه أداؤها: على القريب والبعيد فيما دون مسافة القصر والنسب وغيره سواء ولو أدى شاهد وأبى الآخر وقال: احلف أنت بدلي أثم ولو دعي فاسق إلى تحملها فله الحضور ولو مع وجود غيره لأن التحمل لا يعتبر له العدالة ومن شهد مع ظهور فسقه لم يعذر لأنه لا يمنع صدقه فدل أنه لا يحرم أداء الفاسق ولا يضمن من باب فسقه ويحرم أخذ أجرة وجعل عليها: تحملا وأداء ولو لم تتعين عليه لكن إن عجز عن المشي أو تأذى به فله أخذ أجرة مركوب من رب الشهادة وفي الرعاية: وكذا مزك ومعرف ومترجم ومفت ومقيم حد وقود وحافظ مال بيت المال ومحتسب والخليفة ولا يقيمها على مسلم بقتل كافر ويباح لمن عنده شهادة بحد لله - أقامتها من غير تقدم دعوى ولا تستحب وتجوز الشهادة بحد قديم وللحاكم أن يعرض للشهود بالوقف عنها في حق الله تعالى: كتعريضه للمقربة ليرجع ومن عنده شهادة لآدمي يعلمها - لم يقمها حتى يسأله ولا يقدح فيه: كشهادة حسبة ويقيمها بطلبه ولو لم يطلبها حاكم ويحرم كتمها ويسن الإشهاد في كل عقد: سوى نكاح - فيجب ولا يجوز للشاهد أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع غالبا لجوازه ببقية الحواس قليلا، فالرؤية

(4/431)


تختص بالأفعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة ونحو ذلك فإن جهل حاضرا جاز أن يشهد في حضرته لمعرفة عينه وإن كان غائبا فعرفه من يسكن إليه - جاز أن يشهد ولو على امرأة وإن لم تتعين معرفتها لم يشهد مع غيبتها ويجوز أن يشهد على عينها إذا عرف عينها ونظر إلى وجهها قال أحمد: لا يشهد على امرأة حتى ينظر إلى وجهها وهذا محمول على الشهادة على من لم يتيقن معرفتها فأما من تيقن معرفتها وعرف صوتها يقينا فيجوز وقال أحمد أيضا: لا يشهد على امرأة إلا بإذن زوجها وهذا يحتمل أنه لا يدخل عليها بيتها إلا بإذن زوجها ولا تعتبر إشارته إلى مشهود عليه حاضر مع نسبه ووصفه وإن شهد بإقرار لم يعتبر ذكر سببه: كباستحقاق مال ولا قوله: طوعا في صحته مكلفا عملا بالظاهر وإن شهد بسبب يوجب الحق أو استحقاق غيره - ذكره والسماع ضربان: سماع من المشهود عليه: كالطلاق والعتاق والإبراء والعقود وحكم الحاكم وإنفاذه والإقرار ونحوها فيلزمه أن يشهد به على من سمعه وإن لم يشهده به لاستحقاقه أو مع العلم به وإذا قال المتحاسبان لا يشهدوا علينا بما يجري بيننا لم يمنع ذلك الشهادة ولزوم إقامتها وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا به وبها: كالنسب والموت والملك المطلق والنكاح عقدا ودواما والطلاق والخلع وشرط الوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وما أشبه ذلك فيشهد بالاستفاضة في ذلك كله ولا يشهد بها إلا عن عدد يقع العلم بخبرهم ولا يشترط ما يشترط في الشهادة على الشهادة،

(4/432)


ويكتفي بالسماع ويلزم الحكم بشهادة لم يعلم تلقيها من الاستفاضة ومن قال: شهدت بها ففرع وفي المغني شهادة أصحاب المسائل شهادة استفاضة لا شهادة على شهادة وقال القاضي: الشهادة بالاستفاضة خبر لا شهادة وقال: تحصل بالنساء والعبيد وإن سمع النساء فأقر بنسب أب أو ابن فصدقه المقر له جاز أن يشهد له به وإن كذبه لم يجز له أن يشهد له به وإن سكت جاز أن يشهد ومن رأى شيئا في يد إنسان مدة طويلة يتصرف فيه تصرف الملاك من نقض وبناء وإجارة وإعارة ونحوها جاز أن يشهد له بالملك والورع أن لا يشهد إلا باليد والتصرف خصوصا في هذه الأزمنة.

(4/433)


فصل: - ومن شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه
وتقدم في طريق الحكم وإن شهد برضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات وأنه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه في الحولين فلا يكفي أن يشهد أنه ابنها من الرضاع وإن شهد بقتل احتاج أن يقول: ضربه بسيف أو غيره أو جرحه فقتله أو مات من ذلك وإن قال: جرحه فمات لم يحكم به وإن شهد بزنا - ذكر المزني بها وأين وكيف وفي أي زمان وأنه رأى ذكره في فرجها وإن شهد بسرقة اشترط ذكر المسروق منه والنصاب والحرز وصفة المسروق وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف وإن شهد أن هذا العبد ابن أمته أو هذه الثمرة من ثمرة شجرته - لم يحكم بهما حتى يقولا: ولدته وأثمرته في ملكه وإن شهد أنه اشتراها من فلان أوقفها عليه أو أعتقها لم يحكم بها حتى

(4/433)


يقولا: وهي ملكه وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه أو الطائر من بيضه أو الدقيق من حنطته حكم له بها: لا إن شهدا أن هذه البيضة من طيره حتى يقولا: باضتها في ملكه وإن شهدا لمن ادعى إرث ميت أنه وارثه لا يعلمان له وارثا سواه - حكم له بتركته: سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لا ويعطي ذو الفرض فرضه كاملا وإن قالا: لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد أو بأرض كذا فكذلك: لا إن قالا: لا نعلم له وارثا في البيت ثم إن شهدا أن هذا وارثه شارك الأول وإن شهدت بينة أن هذا ابنه لا وارث له غيره وبينة أخرى لآخر أن هذا ابنه لا وارث له غيره ثبت نسبهما وقسم المال بينهما ولا ترد الشهادة على النفي بدليل المسئلة المذكورة ومسئلة الإعسار والبينة فيه وإن كان النفي محصورا قبلت: كقول الصحابي "فطرح السكني وصلى ولم يتوضأ" ولو شهد اثنان في محفل على واحد منهم أنه طلق أو أعتق - قبل وكذا لو شهدا على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما مع المشاركة في سمع وبصر ولا يعارضه قولهم: إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله مع مشاركة خلق كثير - رد وإن شهدا أنه طلق أو أعتق أو أبطل من وصاياه واحدة ونسيا عينها - لم يقبل وتصح شهادة مستخف وشهادة من سمع مكلفا يقر بحق أو عتق أو طلاق أو يشهد شاهدا بحق أو يسمع الحاكم يحكم أو يشهد على حكمه وإنفاذه ويلزمه أن يشهد بما سمع.

(4/434)


فصل: - وإن شهد أحد الشاهدين أنه أقر بقتله عمدا أو قتله عمدا وشهد الآخر أنه أقر بقتله، أو قتله وسكت -
ثبت القتل وصدق المدعى عليه في صفته وإن شهدا بفعل متحد في نفسه: كإتلاف ثوب ونحوه وقتل زيد أو باتفاقهما: كسرقة وغصب واختلفا في وقته أو مكانه أو صفة متعلقة به: كلونه: وآلة قتل: مما يدل على تغاير الفعلين لم تكمل البينة فلو شهد أحدهما أنه غصب ثوبا أحمر وشهد الآخر أنه غصب ثوبا أبيض أو شهد أحدهما أنه غصب اليوم وشهد الآخر أنه غصب أمس لم تكمل البينة وكذا لو شهد أنه تزوجها أمس والآخر أنه تزوجها اليوم أو شهد أحدهما أنه سرق مع الزوال كيسا أبيض وشهد آخر أنه سرق مع الزوال كيسا أسود أو شهد أحدهما أنه سرق هذا الكيس غدوة وشهد الآخر أنه سرقه عشية وكذا القذف إذا اختلف الشاهدان في وقت قذفه وإن أمكن تعدده ولم يشهدا باتحاده فبكل شيء شاهدة فيعمل بمقتضى ذلك ولا تنافي وإن كان بدل كل شاهد بينة - ثبتا هنا إن ادعاهما وإلا ما ادعاه وإن كان الفعل مما لا يمكن تكراره: كقتل رجل بعينه - تعارضتا ولو كانت الشهادة على إقرار بفعل أو بغيره ولو نكاحا أو قذفا - جمعت فلو شهد أحدهما أنه أقر بألف أمس والآخر أنه أقر بألف اليوم أو شهد أحدهما أنه أقر بألف أمس والآخر أنه أقر بألف اليوم أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس وآخر أنه باعه إياها اليوم - كملت وثبت البيع والإقرار وإن شهد واحد بالفعل وآخر على إقراره - جمعت وإن شهد واحد بعقد نكاح أو قتل خطأ وآخر على إقراره لم تجمع ولمدعي القتل أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الدية ومتى جمعنا مع اختلاف وقت في قتل أو طلاق فالعدة والإرث يليان آخر الديتين،

(4/435)


وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف وآخر أنه أقر له بألفين أو شهد أحدهما أن له عليه ألفا آخر أن له عليه ألفين - كملت بينة الألف وثبت وله أن يحلف مع شاهده على الألف الأخرى ولو شهدا بمائة وآخران بخمسين دخلت فيها: إلا مع ما يقتضي التعدد فيلزمانه ولو شهد واحد بألف من قرض وآخر بألف من ثمن مبيع - لم تكمل ولو شهدوا حد بألف وآخر بألف من قرض - كملت وإن شهدا أن له عليه ألفا ثم قال أحدهما: قضاه بعضه - بطلت شهادته وإن شهدا أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما: قضاه خمسمائة صحت شهادتهما بالألف وإذا كانت له بينة بألف فقال: أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم يجز إذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها.

(4/436)


باب شروط من تقبل شهادته
مدخل
...
باب شروط من تقبل شهادته
وهي ستة - أحدها: البلوغ فلا نقبل شهادة من هو دونه في جرح ولا غيره ولو ممن هو في حال أهل العدالة - الثاني: العقل وهو نوع من العلوم الضرورية والعاقل: من عرف الواجب عقلا: الضروري وغيره والممكن والممتنع وما يضره وما ينفعه غالبا فلا تقبل شهادة مجنون ومعتوه ويقبل ممن يجن أحيانا في حلا إفاقته - الثالث الكلام فلا تقبل شهادة أخرس ولو فهمت إشارته: إلا إذا أداها بخطه - الرابع: الإسلام فلا تقبل شهادة كافر ولو من أهل الذمة ولو على مثله: إلا رجال أهل الكتاب بالوصية في السفر من حضره الموت من مسلم وكافر عند عدم مسلم فتقبل شهادتهم في هذه المسئلة فقط ولو لم تكن لهم ذمة ويحلفهم الحاكم وجوبا بعد العصر مع

(4/436)


ريب: ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل فإن عثر على أنهما استحقا إثما - حلف اثنان من أولياء الموصي - بالله: لشهادتنا أحق من شهادتهما ولقد خانا وكتما ويقضي لهم - الخامس: الحفظ فلا تقبل شهادة مغفل ولا معروف بكثرة غلط ونسيان - السادس: العدالة ظاهرا وباطنا وهي: استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله ويعتبر لها شيئان: - الصلاح في الدين: وهو أداء الفرائض بسننها الراتبة فلا تقبل إن داوم على تكرها لفسقه واجتناب المحرم فلا يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة والكبيرة: ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة زاد الشيخ: أو غضب أو لعنة أو نفي أيمان والكذب صغيرة: إلا في شهادة زور أو كذب على نبي أو رمي فتن ونحوه - فكبيرة ويجب أن يخلص به مسلم من قتل ويباح لإصلاح وحرب وزوجة قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود حسن لا يتوصل إليه إلا به فلا تقبل شهادة فاسق من جهة الأفعال أو الاعتقاد ولو تدين به فلو قلد بخلق القرآن أو نفي الرؤية أو الرفض أو التهجم ونحوه - فسق ويكفر مجتهدهم الداعية ومن أخذ بالرخص فسق قال الشيخ: لا يتريب أحد فيمن صلى محدثا أو لغير القبلة أو بعد الوقت أو بلا قراءة - أنه كبيرة ومن الكبائر على ما ذكر أصحابنا - الشرك وقتل النفس المحرمة وأكل الربا والسحر والقذف بالزنا واللواط وأكل مال اليتيم بغير حق والتولي يوم الزحف والزنا واللواط وشرب الخمر وكل مسكر وقطع الطريق والسرقة وأكل الأموال بالباطل ودعواه ما ليس له وشهادة الزور والغيبة والنميمة واليمين الغموس وترك الصلاة والقنوط من رحمة

(4/437)


الله، وإساءة الظن بالله تعالى وأمن مكر الله وقطيعة الرحم والكبر والخيلاء والقيادة والدياثة ونكاح المحلل وهجرة المسلم العدل وترك الحج للمستطيع ومنع الزكاة والحكم بغير الحق والرشوة فيه والفطر في نهار رمضان بلا عذر والقول على الله بلا علم وسب الصحابة والإسرار على العصيان وترك التنزه من البول ونشوزها على زوجها وإلحاقها به ولدا من غيره وإتيانها في الدبر وكتم العلم عن أهله وتصوير ذي الروح والدعاء إلى بدعة أو ضلالة والغلول والنوح والتطير والأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وجور الموصي في وصيته ومنعه ميراثه وإباق الرقيق وبيع الخمر واستحلال البيت الحرام وكتابة الربا والشهادة عليه وكونه ذا وجهين وادعاؤه نسبا غير نسبه وغش الإمام الرعية وإتيان البهائم وترك الجمعة بغير عذر وسيئ الملكة وغير ذلك فأما من أتى شيئا من الفروع المختلف فيها: كمن تزوج بلا ولي أو شرب من النبيذ ما لا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا له - لم ترد شهادته وإن اعتقد تحريمه ردت وأدخل القاضي وغيره الفقهاء في أهل الأهواء وأخرجهم ابن عقيل وغيره وهو المعروف عند العلماء وأولي ذكره ابن مفلح في أصوله الشيء الثاني - استعمال المروءة: وهو ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه عادة فلا تقبل شهادة مصافع ومتمسخر ومغن ويكره سماع الغناء والنوح بلا آلة لهو ويحرم معها ويباح الحداء الذي يساق به الإبل ونشيد العرب ولا شهادة شاعر مفرط بالمدح

(4/438)


بإعطاء أو ذم بعدمه فالشعر كالكلام: حسنه حسن وقبيحه قبيح ولا مشيب بمدح خمر: لا أن شبب بامرأته أو أمته ولا رقاص ولا مشعوذ ومن يلعب بنرد أو شطرنج لتحريمهما وإن عريا عن القمار غير مقلد في الشطرنج كمع عوض أو ترك واجب أو فعل محرم إجماعا ولا من يلعب بحمام طيارة أو يسترعيها من المزارع أو ليصيد بها حمام غيره أو يراهن بها وتباح للأنس بصوتها ولاستفراخها وحمل كتب من غير أذى الناس ولا بكل ما فيه دناءة حتى في أرجوحة وأحجار ثقيلة ومن يكشف من بدنه ما العادة تغطيته ونومه بين جالسين وخروجه عن مستوى الجلوس بلا عذر وطفيلي ومن يدخل الحمام بلا مئزر أو يتغذى في السوق بحضرة الناس زاد في الفتية أو على الطريق ولا يضر أكل اليسير كالكسرة ونحوها أو يمد رجليه في مجمع الناس أو يتحدث بما يصنعه مع أهله وأمته وغيرهما أو يخاطب أهله أو أمته أو غيرهما بفاحش بحضرة الناس وحاكى المضحكات ومنزي بزي يسخر منه ونحوه قال الشيخ: وتحرم محاكاة الناس ويعزر هو ومن يأمره - انتهى ولا بأس بالثقاف واللعب بالحراب ونحوها وتقبل شهادة من صناعته دنيئة عرفا: كحجام وحائك وحارس ونخال: وهو الذي يتخذ غربالا أو نحوه يغربل به في مجاري الماء وما في الطرقات: من حصى وتراب ليجد في ذلك شيئا من الفلوس أو الدراهم وغيرها: وهو المقلش ومحرش بين البهائم وصباغ ونفاط: وهو اللعاب بالنفط وزبال وكناس العذرة

(4/439)


فإن صلى بالنجاسة ولم يتنظف لم تقبل شهادته وكباش: وهو الذي يلعب بالكبش ويناطح به ودباغ وقراد: وهو الذي يلعب بالقرد ويطوف به في الأسواق ونحوها متكسبا بذلك وحداد ودباب إذا حسنت طريقتهم في دينهم ويكره كسب من صفته دنيته وتقدم أول باب الصيد وأما سائر الصناعات التي لا دناءة فيها فلا ترد الشهادة بها إلا من كان يحلف منهم كاذبا أو يعد ويخلف وغلب هذا عليه أو كان يؤخر الصلاة عن أوقاتها أو لا يتنزه عن النجاسات أو كانت صناعة محرمة: كصناعة المزامير من خشب أو قصب والطنابير أو يكثر في صناعته الربا كالصائغ والصيرفي ولم يتوق ذلك - ردت شهادته وكذا من داوم على استماع المحرمات من ضرب النايات والمزامير والعود والطنبور والرباب ونحو ذلك والصفاقين من نحاس ويضرب بإحداهما على الأخرى فتحرم آلات اللهو اتخاذا واستعمالا وصناعة ولعب فيه قمار وتكرر منه أو سأل من غير أن تحل له المسئلة فأكثر أو بنى حماما للنساء.

(4/440)


فصل: - ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق - قبلت شهادتهم بمجرد ذلك
ولا يعتبر في التائب إصلاح العمل وتوبة غير قاذف - ندم وإقلاع وعزم أن لا يعود وإن كان فسقه بترك واجب فلا بد من فعله ويسارع ويعتبر رد مظلمة إلى ربها أو إلى ورثته إن كان ميتا أو يجعله منها في حل ويستمهله معسرا وتوبة قاذف بزنا - أن يكذب نفسه لكذبه حكما،

(4/440)


وتصح توبته قبل الحد لصحتها من قذف وغيبة ونحوهما قبل إعلامه والتحلل منه والقاذف بالشتم ترد شهادته وروايته وفتياه حتى يتوب والشاهد بالزنا إذا لم تكمل البينة تقبل روايته: لا شهادته وتقدم بعضه في القذف وتقبل شهادة العبد حتى في موجب حد وقود: كالحر وتقبل شهادة الأمة فيما تقبل فيه شهادة الحرة ومتى تعينت عليه حرم على سيده منعه منها وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وبما سمعه قبل صممه وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه فإن لم يعرفه إلا بعينه قبلت إذا وصفه للحاكم بما يتميز به قال الشيخ: وكذا الحكم إن تعذرت رؤية العين المشهود لها أو عليها أو بها لغيبة أو موت أو عمى وإن شهد عند الحاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحاكم بشهادته وتقبل شهادة ولد الزنا في الزنا وغيره وتقبل شهادة الإنسان على فعل نفسه: كالمرضعة على إرضاعها وإن كان الإرضاع بأجرة والقاسم على قسمته بعد فراغه ولو بعوض والحاكم على حكمه بعد العزل وشهادة القروي على البدوي وعكسه

(4/441)


باب موانع الشهادة
موانع الشهادة
...
باب موانع الشهادة
وهي ستة - أحدها: قرابة الولادة فلا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض من والد وإن علا ولو من جهة الأم وولد وإن سفل من ولد البنين والبنات: إلا من زنا أو رضاع وتقبل شهادة بعضهم على بعض ولباقي أقاربه: كلأخيه وعمه، وابن عمه،

(4/441)


وخاله، ونحوهم، والصديق لصديقه والمولى لعتيقه وعكسه ولو أعتق عبدين فادعى رجل أن المعتق غصبهما منه فشهد العتيقان بصدق المعدي لم تقبل شهادتهما لردهما إلى الرق وكذا لو شهدا بعد عتقهما أن معتقهما كان غير بالغ حال العتق أو يجرح شاهدي حريتهما وكذا لو عتقا بتدبير أو وصية فشهدا بدين يستوعب التركة أو وصية مؤثرة في الرق.
الثاني : الزوجية فلا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه ولو بعد الفراق إن كانت ردت قبله وإلا قبلت وتقبل عليه في غير الزنا ولا شهادة السيد لعبده ولا العبد لسيده.
قال ابن نصر الله: لو شهد عند الحاكم من لا تقبل شهادة الحاكم له عند الأجنبي كشهادة ولد الحاكم أو والده أو زوجته فيما تقبل فيه شهادة النساء - يتوجه عدم قبولها وقال: لو شهد على الحاكم بحكمه من شهد عنده بالمحكوم فيه - الأظهر لا تقبل وقال: تزكية الشاهد رفيقه في الشهادة لا تقبل - انتهى ولو شهد اثنان على أبيهما بقذف ضرة أمهما وهي تحته أو طلاقها قبلت قال في الترغيب ومن موانعها العصبية فلا شهادة لمن عرف بها وبالإفراط في الحمية لتعصب قبيلة على قبيلة وإن لم تبلغ رتبة العداوة ومن حلف مع شهادته لم ترد.
الثالث : أن يجر إلى نفسه نفعا: كشهادة السيد لمكاتبة والمكاتب لسيده والوارث بجرح موروثه قبل اندماله فلا تقبل وتقبل له بدينه في مرضه فلو حكم بهذه الشهادة لم يتغير الحكم بعد موته ولا تقبل

(4/442)


شهادة الوصي للميت ولو بعد عزله وفراغ الإجارة وانفصال الشريك ولا أحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته أو بيع الشقص الذي تجب فيه الشفعة وإن أسقط شفعته قبل الحكم بشهادته قبلت: لا بعد الرد ولا غريم لمفلس بمال بعد الحجر أو لميت له عليه دين بمال ولا مضارب بمال المضاربة ولا حاكم ولا وصي لمن في حجره وتقبل عليه ولا تقبل لمن له كلام واستحقاق في شيء وإن قل: كرباط ومدرسة.
الرابع : أن يدفع عن نفسه ضررا: كشهادة العاقلة بجرح شهود الخطأ والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس والسيد بجرح من شهد على مكاتبه أو عبده بدين والوصي بجرح الشاهد على الأيتام والشريط بجرح الشاهد على شريكه كشهادة من لا تقبل شهادته لإنسان إذا شهد بجرح الشاهد عليه ولا تقبل شهادة الضامن للمضمون عنه بقضاء الحق والإبراء منه ولا شهادة بعض غرماء المفلس على بعض بإسقاط دينه أو استيفائه ولا من أوصى له بمال على آخر بما يبطل وصيته إذا كانت وصيته يحصل بها مزاحمة: إما لضيق الثلث عنها أو لكون الوصيتين بمعين وتقبل فتيا من يدفع عن نفسه ضررا بها.
الخامس : العداوة الدنيوية: كشهادة المقذوف على قاذفه والزوج على امرأته بالزنا ولا المقتول وليه على القاتل والمجروح على الجارح والمقطوع عليه الطريق على قاطعه فلو شهدوا أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا أو على القافلة لم تقبل وإن شهدوا أن هؤلاء قطعوا الطريق بل هؤلاء - قبلت وليس للحاكم أن يسألهم هل قطعوا الطريق عليكم

(4/443)


معهم؟ وإن شهدوا أنهم عرضوا لنا وقطعوا الطريق على غيرنا قبلت ويعتبر في عدم قبول الشهادة كون العداوة لغير الله: سواء كانت موروثة أو مكتسبة فأما العداوة في الدين: كالمسلم يشهد على الكافر والمحق من أهل السنة يشهد على المبتدع فلا ترد شهادته لأن الدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه وتقبل شهادة العدة لعدوه وتقبل عليه في عقد نكاح ومن شهد بحق مشترط بين من ترد شهادته له وبين من لا ترد لم تقبل لأنها لا تتبعض في نفسها ومن سره مساءة أحد أو غمه فرحا وطلب له الشر ونحوه فهو عدوه.
السادس : من شهد عند حاكم فردت شهادته بتهمة لرحم أو زوجية أو عداوة أو طلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع فأعادها لم تقبل كما لو ردت لفسق ثم أعادها بعد التوبة ولو لم يشهد بها الفاسق عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت وإن ردت لكفر أو صغر أو جنون أو خرس نم أعادها بعد زوال المانع - قبلت وإن شهد عنده ثم حدث مانع لم يمنع الحكم إلا كفر أو فسق أو تهمة فأما عداوة ابتدأها مشهود عليه كقذفه البينة لما شهدت عليه لم ترد شهادتها بذلك وكذا مقاولته وقت غضب ومحاكمة بدون عداوة ظاهرة سابقة وإن حدث مانع بعد الحكم لم يستوف حد ولو قذفا ولا قود بل مال وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بجرح قبل برئه فردت ثم أعادها بعد العتق والبرء لم تقبل.

(4/444)


باب ذكر المشهود به وعدد شهوده
باب ذكر المشهود وعدد شهوده
...
باب ذكر المشهود به وعدد شهوده
لا يقبل في الزنا واللواط أقل من أربعة رجال وكذا الإقرار به يشهدون أنه أقر أربعا فإن كان المقر بهما أعجميا قبل فيه ترجمانان ومن عزر بوطء فرج من بهيمة وأمة مشتركة ونحوها ثبت برجلين ولا يقبل قول من عرف بالغني أنه فقير إلا بثلاثة وتقدم لا تثبت بقية الحدود بأقل من رجلين وكذا القود ويثبت القود بإقراره مرة ولا يقبل فيما ليس بعقوبة ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا: كنكاح وطلاق ورجعة ونسب وولاء وإيصاء وتوكيل في غير مال وتعديل شهود وجرحهم - أقل من رجلين ويقبل في موضحة ونحوها وداء دابة - طبيب واحد وبيطار واحد مع عدم غيره فغن لم يتعذر فاثنان فإن اختلفا قدم قول مثبت ويقبل في ماله وما يقصد به المال كالبيع وأجله خياره ورهن ومهر وتسميته ورق مجهول النسب وإجارة وشركة ومصلح وهبة وإيصاء في مال وتوكيل فيه وقرض وجناية الخطأ ووصية لمعين ووقف عليه وشفعة وحوالة وغصب وإتلاف وما ل وضمانة فسخ عقد معاوضة ودعوى قتل كافر لأخذ سلبه ودعوى أسير تقدم إسلامه لمنع رق وعتق وكتابة وتدبير ونحو ذلك - رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعي وجب تقديم الشاهد على اليمين ولا يشترط في يمينه أن يقول: وإن شاهدي صادق في شهادته وكل موضع قبل فيه شاهد ويمين فلا فرق بين كون المدعي مسلما أو كافرا أو عدلا،

(4/445)


أو فاسقا: رجلا أو امرأة ولا تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعي ولا أربع نسوة فأكثر مقام رجلين قال القاضي: يجوز أن يحلف على ما لا تجوز الشهادة عليه مثل: أن يجد بخطه دينا له على إنسان وهو يعرف أنه لا يكتب إلا حقا ولم يذكره أو يجد في روزمانج أبيه بخطه دينا له على إنسان ويعرف من أبيه الأمانة وأنه لا يكتب إلا حقا - فله أن يحلف عليه ولا يجوز أن يشهد به ولو أخبره بحق أبيه ثقة فسكن إليه جاز أن يحلف عليه ولم يجز أن يشهد به والأولى الورع عن ذلك فلو نكل عن اليمين من أقام شاهدا حلف المدعي عليه فإن نكل حكم عليه ولو كان لجماعة حق بشاهد فأقاموه - فمن حلف منهم أخذ نصيبه ولا يشاركه من لم يحلف ولا يحلف وارث ناكل: إلا أن يموت قبل نكوله ويقبل في جناية عمد موجبها المال: دون قصاص في قود: كمأمومة وهاشمة ومنقلة مما له قود موضحة من ذلك وفي عمد لا قصاص فيه حال - شاهد ويمين فيثبت المال وإن ادعى أن زيدا ضرب أخاه بسهم عمدا فقتله ونفذ إلى أخيه الآخر فتقله خطأ وأقام بذلك شاهدا وامرأتين أو شاهدا وحلف معه ثبت قتل الثاني فقط ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال: كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والحيض والولادة والرضاع والاستهلال ونحوه - شهادة امرأة واحدة عدل وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره رجلا والأحوط اثنتان وإن شهد به رجل كان أولى لكماله وإن شهد رجل وامرأتان أو رجل مع

(4/446)


يمين فيما يثبت القود لم يثبت به قود ولا مال وإن أتى بذلك في سرقة ثبت المال دون القطع وإن أتى بذلك رجل في خلع ثبت له العوض وثبت البينونة بمجرد دعواه وإن ادعت امرأة الخلع لم يقبل فيه إلا رجلان ولو آتت برجل وامرأتين أنه تزوجها بمهر ثبت المهر لأن النكاح حق له ولو ادعى شخص على رجل أنه سرق منه أو غصبه مالا فحلف بالطلاق والعتاق ما سرق منه ولا غصبه وأقام المدعي شاهدا وامرأتين شهدوا بالسرقة والغصب أو شاهدا وحلف معه - استحق المسروق والمغصوب ولم يثبت طلاق ولا عتق وإن ادعى رجل على أخر أمة بيده لها ولد أنها أم ولده وإن ولدها ولده وشهد بذلك رجل وامرأتان - حكم له بالأمة وأنها أم ولد له ولا يحكم له بالولد ولا يحريته ويقر في يد المنكر مملوكا له وإن ادعى أنها كانت ملكه فأعتقها وشهد بذلك رجل وامرأتان لم يثبت ملك ولا عتق ولو وجد على دابة مكتوب: حبيس في سبيل الله أو على أسكفة دار أو حائطها: وقف أو مسجد أو مدرسة - حكم به ولو وجد على كتب علم في خزانة: هذه طويلة فكذلك وإلا توقف فيها وعمل بالقرائن.

(4/447)


باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة وأدائها
مدخل
...
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة وأدائها
لا تقبل الشهادة على الشهادة: إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي وترد فيما يرد ولا يحكم بها إلا أن يتعذر شهادة شهود الأصل

(4/447)


بموت أو مرض أو غيبة إلى مسافة قصر أو خوف من سلطان أو غيره أو حبس قال ابن عبد القوي: وفي معناه الجهل بمكانهم ولو في المصر والمرأة المخدرة كالمريض ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه غيره وهو يسمع فيقول: أشهد أني أشهد على فلان بكذا أو أشهد على شهادتي بكذا أو يسمعه يشهد عند الحاكم أو يشهد بحق يعزوه إلى سبب من بيع أو قرض أو إجارة ونحوه فله أن يشهد وأن يؤديها الفرع بصفة تحمله لها فيقول: أشهد أن فلان بن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه وعدالته - وإن لم يعرف عدالته لم يذكرها - أشهدني أنه يشهد لفلان بن فلان بن فلان كذا أو أشهدني أنه يشهد أن فلانا أقر عندي بكذا وإن سمعه يشهد غيره قال: أشهد أن فلان بن فلان أشهد على شهادته أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان - كذا وإن كان سمعه يشهد عند الحاكم قال: أشهد أن فلان بن فلان شهد على فلان بن فلان عند الحاكم بكذا وإن كن الحق إلى سببه قال: أشهد أن فلان بن فلان قال أشهد أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا من جهة كذا وإن أراد الحاكم أن يكتب كتبه على ما ذكرنا في الأداء وما عدا هذه المواضع لا يجوز أن يشهد فيها على الشهادة فإذا سمعه يقول: أشهد أن لفان على فلان ألف درهم لم يجز أن يشهد على شهادته لأنه لم يسترعه الشهادة ولم يعزها إلى سبب ولو قال شاهد الأصل: أنا أشهد أن لفلان على فلان ألفا فاشهد به أنت عليه - لم يجز أن يشهد على شهادته ولا تثبت شهادة

(4/448)


شاهدي الأصل: إلا بشهادة شاهدين يشهدان عليهما: سواء شهدا على كل واحد منهما أو شهد على كل شاهد شاهد والنساء تدخل في شهادة الأصل والفرع في كل حق يثبت بشهادتهن فيشهد رجلان على رجل وامرأتين أو رجل وامرأتان على رجل وامرأتين أو على رجلين فتصح شهادة امرأة على امرأة وسأله حرب عن شهادة امرأتين على امرأتين فقال: يجوز وإن شهد بالحق شاهد الأصل وشاهد فرع يشهدان أو واحد على شهادة أصل آخر جاز وإن شهد شاهد فرع على أصل وتعذر الآخر حلف واستحق وتصح شهادة فرع على فرع بشرطه فإذا شهد الفروع فلم يحكم الحاكم حتى حضر الأصول أو صحوا أو زال خوفهم وقف حكمه على سماعه شهادتهم منهم وإن حدث فيهم ما يمنع قبول الشهادة لم يجز الحكم ولا يجوز أن يحكم بالفروع حتى تثبت عدالتهم وعدالة أصولهم ولا يجب على فرع تعديل أصله ويتولى الحاكم ذلك وإن عدله الفرع قبل ولا تصح تزكية أصل لرقيقه وتقدم وإذا حكم بشهادة شهود الفرع ثم رجعوا لزمهم الضمان ما لم يقولوا: بان لنا كذب الأصول أو غلطهم وإن رجع شهود الأصل قبل الحكم لم يحكم بها وإن رجعوا بعده فقالوا: كذبنا أو غلطنا - ضمنوا ولو قالوا بعد الحكم ما أشهدناهم بشيء لم يضمن الفريقان شيئا ومن زاد في شهادته أو نقص بحضرة الحاكم قبل الحكم: مثل أن يشهد بمائة ثم يقول: بل هي مائة وخمسون أو بل هي تسعون أو أدى بعد إنكارها - قبل كقوله: لا أعرف الشهادة ثم يشهد وإن كان بعد الحكم لم يقبل وإن

(4/449)


رجع قبله لغت ولا حكم ولم يضمن وإن لم يصرح بالرجوع بل قال للحاكم: توقف فتوقف ثم أعاد الشهادة قبلت ويعتد بها.

(4/450)


فصل: - وإذا رجع شهود المال أو العتق بعد الحكم:
قبل الاستيفاء أو بعده - لم ينقض ويلزمهم الضمان: ما لم يصدقهم المشهود له ولا ضمان على مزك إذا رجع مزك وإن شهدوا بدين فأبرأ منه مستحقه ثم رجعا لم يغرماه للمشهود عليه ولو قبضه مشهود له ثم وهبه لمشهود عليه ثم رجعا - غرماه وإن رجع شهود طلاق قبل الدخول وبعد الحكم - غرموا نصف المسمى أو بدله وإن كان بعده ولو بائنا لم يغرموا وإن رجع شهود قصاص أو حد بعد الحكم وقبل الاستيفاء لم يستوف ووجبت دية قود للمشهود له ويستوفى إذا طرأ فسقهم وإن كان بعد الاستيفاء لم يبطل الحكم ولا يلزم المشهود له شيء: سواء كان المشهود به مالا أو عقوبة فإن قالوا: عمدنا عليه بالزور ليقتل أو يقطع فعليهم القصاص وإن قالوا: عمدنا الشهادة عليه ولم نعلم أنه يقتل بها وكانا ممن يجوز أن يجهل ذلك - وجبت الدية في أموالهما مغلظة وإن قالوا: أخطأنا فعليهم دية ما تلف أو أرش الضرب وتقدم ذلك مستوفى في كتاب الجنايات: وكل موضع وجب الضمان على الشهود بالرجوع فإنه يوزع بينهم على عددهم بحيث لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر وتغرم المرأة كنصف ما يغرم الرجل وإن رجع رجل وثمان نسوة لزم الرجل الخمس وكل امرأة العشر وإذا شهد أربعة بأربعمائة فحكم الحاكم بها ثم رجع

(4/450)


واحد عن مائة وآخر عن مائتين وآخر عن ثلاثمائة والرابع عن أربعمائة - فعلى كل واحد مما رجع عنه بقسطه فعلى الأول خمسة وعشرون وعلى الثاني خمسون وعلى الثالث خمسة وسبعون وعلى الرابع مائة وإن كان الحكم بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد - غرم المال كله وإن رجع أحد الشاهدين وحده فكرجوعهما في أن الحاكم لا يحكم بشهادتهما إذا كان رجوعه قبل الحكم وإن كان بعد الاستيفاء لزمه حكم إقراره وإن شهد عليه ستة بزنا فرجم ثم رجع منهم اثنان غرما ثلث الدية وثلاثة - النصف والكل تلزمهم الدية أسداسا وإن شهد أربعة بزنا واثنان بإحصان فرجم ثم رجعوا - لزمتهم الدية أسداسا وإن كان شاهدا الإحصان من الأربعة فعليهما ثلثا الدية وعلى الأخرين الثلث ولو رجع شهود الزنا دون الإحصان أو بالعكس لزم الراجع الضمان كاملا وإن رجع الزائد عن البينة: قبل الحكم أو بعده - استوفى ويحد الراجع لقذفه ورجوع شهود تزكية كرجوع من زكوهم وإن رجع شهود تعليق عتق أو طلاق وشهود وجود بشرطه فالغرم على عددهم وإن رجع شهود قرابة غرموا قيمته لمعتقه وإن رجع شهود كتابة غرموا ما بين قيمته سليما ومكاتبا فإن عتق غرموا ما بين قيمته ومال كتابته وكذا شهود باستيلاء أمته فيضمنون نقص قيمتها فإن عتقت بالموت فتمام قيمتها وإن رجع شهود تأجيل ثمن مبيع ونحوه بعد الحكم غرموا ما تفاوت ما بين الحال والموجل ولا ضمان برجوع عن شهادة كفالة بنفس أو ببراءة منها أو أنها زوجته

(4/451)


أو أنه عفا عن دم عمد لعدم تضمنه مالا ومن شهد بعد الحكم بمناف للشهادة الأولى فكرجوع وأولى وإن بان بعد الحكم أن الشاهدين كافران أو فاسقان نقض فينقضه الإمام أو غيره ورجع بالمال أو ببدله وببدل قود مستوفى على المحكوم له وإن كان المحكوم به إتلافا فالضمان على المزكين وكذا إن كان لله بإتلاف حسي أو بما سرى إليه فإن لم يكن مزكون فعلى الحاكم وإن شهدوا عند الحاكم بحق ثم ماتوا أو جنوا حكم بشهادتهم إذا كانوا عدولا وإن بان الشهود عبيدا أو والدا أو ولدا أو عدوا والحاكم لا يرى الحكم به نقضه ولم ينفذ وإن كان يرى الحكم به لم ينقض ويعزر شاهد زور ولو تاب بما يراه الحاكم إن لم يخالف نصا أو معنى نص ويطاف به في المواضع التي يشهر فيها فيقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه وله أن يجمع له من عوبات إن لم يرتدع إلا به ولا يعزر حتى يتحقق أنه شاهد زور وتعمد ذلك: إما بإقراره أو يشهد بما يقطع بكذبه مثل أن يشهد على رجل بفعل في الشام ويعلم أن المشهود عليه في ذلك الوقت في العراق أو يشهد بقتل رجل وهو حي أو أن هذه البهيمة في يد هذا منذ ثلاثة أعوام وسنها أقل من ذلك أو شهد على رجل أنه قتل في وقت كذا وقد مات قبل ذلك وأشباه هذا مما يعلم به كذبه ويعلم تعمده لذلك ويتبين بذلك أن الحكم كان باطلا ولزم نقضه فإن كان المحكوم به مالا - رد إلى صاحبه وإن كان إتلافا فعلى الشاهدين ضمانه: إلا أن يثبت بإقرارهما على أنفسهما من غير موافقة المحكوم له فيكون ذلك رجوعا

(4/452)


منهما عن شهادتهما ومضى حكم ذلك وتقدم في التعزير ولا يعزر بتعارض البينة ولا بغلطه في شهادته ولا تقبل الشهادة من ناطق إلا بلفظ الشهادة فإن قال: أعلم أو أحق أو أتيقن ونحوه أو قال آخر: أشهد بمثل ما شهد به أو بما وضعت به خطى لم يقبل وإن قال بعد الأول: وبذلك أشهد وكذلك أشهد - قبلت وقال الشيخ و ابن القيم: لا يعتبر لفظ الشهادة.

(4/453)


باب اليمين في الدعاوى
مدخل
...
باب اليمين في الدعاوى
اليمين تقطع الخصومة في الحال ولا تسقط الحق ولا يستحلف المنكر في حقوق الله تعالى: كحد وعبادة وصدقة وكفارة ونذر فإن تضمنت دعواه حقا له: مثل أن يدعي سرقة ماله ليضمن السارق أو ليأخذ منه ما سرقه أو يدعي عليه لحق الآدمي دون حق الله ويستحلف في حق لآدمي وغير نكاح ورجعة: وطلاق وإيلاء وأصل رق لدعوى رق لقيط وولاء واستيلاء ونسب وقذف وقصاص في غير قسامة وفي الترغيب وغيره: ولا يحلف شاهد وحاكم ووصي على نفي دين على الموصي ولا منكر وكالة وكيل وتحلف المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها قبل رجعة زوجها ويحلف المولى إذا أنكر مضي أربعة أشهر وما يقضى فيه بالنكول هو المال وما يقصد به المال ومن لم يقض عليه بنكول خلي سبيله ويثبت عتق بشاهد ويمين العبد وتقدم ومن حلف على فعل غيره أو ادعى عليه في إثبات؛ أو فعل

(4/453)


نفسه، أو دعوى عليه حلف على البت ومن حلف على نفي فعل غيره أو نفي دعوى عليه فعلى نفي العلم وعبده كأجنبي في حلف على البت أو على نفي علمه إما بهيمته فما نسب إلى تقصير وتفريط فعلى البت وإلا على نفي العلم ومن توجه عليه الحلف بحق جماعة فبذلك لهم يمينا واحدة ورضوا بها جاز وإن أبوا حلف لكل واحد يمينا ولو ادعى واحد حقوقا على واحد فعليه في كل حق يمين.

(4/454)


فصل: - واليمين المشروعة:
هي اليمين بالله جل اسمه فإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمان أو مكان جاز ولم يستحب ففي اللفظ يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والزمان: أن يحلف بعد العصر أو بين الأذان والإقامة والمكان بمكة بين الركن والمقام وببيت المقدس عند الصخرة وسائر البلاد عند منبر الجامع وتقف الحائض عند باب المسجد ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها واللفظ أن يقول اليهودي: والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملئه والنصراني: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص والمجوسي: والله الذي خلقني وصورني ورزقني: والوثني والصابئ ومن يعبد غير الله يحلف بالله وحده ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر: كجناية لا توجب قودا أو عتق ونصاب زكاة ولو أبى من وجبت عليه اليمين التغليظ - لم يصر ناكلا ولا يحلف

(4/454)


بالطلاق وفاقا للأئمة الأربعة قاله الشيخ: وفي الأحكام السلطانية للوالي إحلاف الشهود استبراء وتغليظا في الكشف في حق الله وحق آدمي وتحليفه بطلاق وعتق وصدقة ونحوه وسماع شهادة أهل اليمين إذا كثروا وليس للقاضي ذلك ومن توجهت عليه يمين وهو فيها صادق أو توجهت له أبيح له الحلف ولا شيء عليه من إثم ولا غيره والأفضل افتداء يمينه ومن ادعى عليه دين هو عليه وهو معسر لم يحل له أن يحلف أنه لا حق له علي ويمين الحالف على حسب جوابه فإذا ادعى أنه غصبه أو أودعه أو باعه أو اقترض منه فإن قال: ما غصبتك ولا استودعتك ولا بعتني ولا أقرضتني - كلف أن يحلف على ذلك وإن قال: ما لك علي حق أو لا تستحق علي شيئا أو لا تستحق علي ما ادعيته ولا شيئا منه كان جوابا صحيحا ولا يكلف الجواب عن الغصب وغيره لجواز أن يكون غصب منه ثم رده وكذلك الباقي فلو كلف جحد ذلك لكان كاذبا وإن أقر به ثم ادعى الرد لم يقبل ولا تدخل النيابة في اليمين فلا يحلف أحد عن غيره فلو كان المدعى عليه صغيرا أو مجنونا لم يحلف ووقف الأمر إلى أن يكلفا فإن كان الحق لغير المكلف وادعاه وليه وأنكر المدعى عليه فالقول قوله مع يمينه فإن نكل قضي عليه وإن ادعى على العبد دعوى وكانت مما يقبل قول العبد فيها: كالقصاص والطلاق والقذف فالخصومة معه دون سيده وإن كان مما لا يقبل قول العبد فيه: كإتلاف مال أو جناية توجبه فالخصم سيده واليمين عليه ولا يحلف العبد

(4/455)


فيها بحال ومن حلف فقال: إن شاء الله أعيدت عليه اليمين وكذلك إن وصل كلامه بشرط أو كلام غير مفهوم وإن حلف قبل أن يستحلفه الحاكم أو استحلفه الحاكم قبل أن يسأله المدعي أعيدت عليه ولو ادعى عليه حقا فقال: أبرأتني منه أو استوفيته مني فأنكر فقوله مع يمينه فيحلف بالله أن هذا الحق - ويسميه بعينه - ما برئت ذمتك منه ولا من شيء منه وإن ادعى استيفاءه أو البراءة بجمعة معلومة كفى الحلف على تلك الجهة وحدها.

(4/456)