الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط دار الفكر
كتاب البيع
شروط البيع
...
كتاب البيع:
جائز بالإجماع لقوله تعالى: {وأحل الله البيع}
1.
وهو في اللغة: أخذ شيء وإعطاء شيء قاله ابن
هبيرة مأخوذ من الباع لأن كل واحد من
المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء. وشرعا:
مبادلة مال ولو في الذمة بقول أو معاطاة
والمال: عين مباحة النفع بلا حاجة أو منفعة
مباحة مطلقا كممر في دار أو غيرها بمثل أحدهما
متعلق بمبادلة أي بمال أو منفعة مباحة فتناول
تسع صور: عين بعين أو دين أو منفعة ودين بعين
أو دين بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق أو
بمنفعة منفعة بعين أو دين أو منفعة وقوله: على
التأبيد يخرج الإجارة غير ربا وقرض فلا يسميان
بيعا وان وجدت فيهما المبادلة لقوله تعالى:
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبا} 2 والمقصود الأعظم في القرض الإرفاق
وإن قصد فيه التملك أيضا.
وينعقد البيع بإيجاب وقبول بفتح القاف وحكي
ضمها بعده أي بعد الإيجاب فيقول البائع: بعتك
أو ملكتك أو نحوه بكذا ويقول المشتري: ابتعت
أو قبلت ونحوه و يصح القبول أيضا قبله أي قبل
الإيجاب بلفظ أمر أو ماض مجرد عن استفهام
ونحوه لأن المعنى حاصل به ويصح القبول متراخيا
عنه أي عن الإيجاب ما داما في مجلسه لأن حالة
المجلس كحالة العقد فإن تشاغلا بما يقطعه عرفا
أو انقضى المجلس قبل القبول بطل لأنهما صارا
معرضين عن البيع وإن خالف القبول الإيجاب لم
ينعقد وهي أي الصورة المذكورة أي الإيجاب
والقبول الصيغة القولية للبيع و ينعقد أيضا
بمعاطاة وهي الصيغة الفعلية مثل أن يقول:
أعطني بهذا خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول
البائع: خذ هذا بدرهم فيأخذه المشتري أو وضع
ثمنه عادة وأخذه عقبه فتقوم المعطاة مقام
ـــــــ
1- سورة البقرة من الآية "275".
2- سورة النساء من الآية "6".
(1/207)
الإيجاب
والقبول للدلالة على الرضى لعدم التعبد فيه
وكذا حكم الهبة والهدية والصدقة ولا بأس بذوق
المبيع حال الشراء.
ويشترط للبيع سبعة شروط:
أحدها التراضي منهما أي من المتعاقدين فلا يصح
البيع من مكره بلا حق لقوله صلى الله عليه
وسلم: "إنما البيع عن تراض" رواه ابن حبان فإن
أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه صح لأنه
حمل عليه بحق وإن أكره على وزن مال فباع ملكه
كره الشراء منه وصح.
و الشرط الثاني أن يكون العاقد وهو البائع
والمشتري جائز التصرف أي حرا مكلفا رشيدا فلا
يصح تصرف صبي وسفيه بغير إذن ولي فإن أذن صح
لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى
حَتَّى} 1 أي اختبروهم وإنما يتحقق بتفويض
البيع والشراء إليه ويحرم الإذن بلا مصلحة
وينفذ تصرفهما في الشىء اليسير بلا إذن وتصرف
العبد بإذن سيده2.
و الشرط الثالث أن تكون العين المعقود عليها
أو على منفعتها مباحة النفع من غير حاجة بخلاف
الكلب لأنه إنما يقتنى لصيد أو حرث أو ماشية
وبخلاف جلد ميتة ولو مدبوغا لأنه إنما يباح في
يابس والعين هنا مقابل المنفعة فتتناول ما في
الذمة كالبغل والحمار لأن الناس يتبايعون ذلك
في كل عصر من غير نكير و كـ دود القز لأنه
حيوان طاهر يقتنى لما يخرج منه3 و كـ بزرة
لأنه ينتفع به في المال و كـ الفيل وسباع
البهائم التي تصلح للصيد كالفهد والصقر لأنه
يباح نفعها واقتناؤها مطلقا إلا الكلب فلا يصح
بيعه لقول ابن مسعود: نهى النبى صلى الله عليه
وسلم عن ثمن الكلب متفق عليه ولا بيع آلة لهو
وخمر ولو كانا ذميين والحشرات لا يصح بيعها
لأنه لا نفع فيها إلا علقا لمص الدم وديدانا
لصيد السمك وما يصاد عليه كبومة شباشا والمصحف
لا يصح بيعه ذكر في المبدع أن الأشهر لا يجوز
بيعه قال أحمد: لا نعلم في بيع المصحف رخصة
قال ابن عمر: وددت أن الأيدي تقطع في بيعها
ولأن تعظيمه واجب وفي بيعه ابتذال له ولا يكره
إبداله وشراؤه استنقاذا وفي كلام بعضهم يعني
من كافر ومقتضاه أنه إن كان البائع
ـــــــ
1- النساء من الآية "6".
2- فإن لم يكن سيده قد أذن له فبيعه وشراؤه
باطل ونكاحه أيضا بغير إذن مولاه باطل لأن
الشرط في البيع والشراء والنكاح أن يكون الشخص
مالكا لحق التصرف في السلعة التي يبيعها
وللمال الذي يشتري به وفي حالة العبودية فإن
العبد لا يملك هذا الحق إن لم يأذن له سيده
وفي النكاح لا يملك الولاية على نفسه.
3- وهو الحرير.
(1/208)
مسلما حرم
الشراء منه لعدم دعاء الحاجة إليه بخلاف
الكافر ومفهوم التنقيح و المنتهى يصح بيعه
لمسلم. والميتة لا يصح بيعها لقوله صلى الله
عليه وسلم: "إن الله حرم بيع الميتة والخمر
والأصنام" متفق عليه ويستثنى منها السمك1
والجراد و لا السرجين النجس لأنه كالميتة
وظاهره أنه يصح بيع الطاهر منه قاله في المبدع
و لا الأدهان النجسة ولا المتنجسة لقوله صلى
الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم شيئا حرم
ثمنه" وللأمر بإراقته ويجوز الاستصباح بها أي
بالمتنجسة على وجه لا تتعدى نجاسته كالانتفاع
بجلد الميتة المدبوغ في غير مسجد لأنه يؤدي
إلى تنجيسه ولا يجوز الاستصباح بنجس العين ولا
يجوز بيع سم قاتل.
و الشرط الرابع أن يكون العقد من مالك للمعقود
عليه أو من يقوم مقامه كالوكيل والوالي لقوله
صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: "لا تبع ما
ليس عندك" رواه ابن ماجة والترمذي و صححه وخص
منه المأذون فيه لقيامه مقام المالك فإن باع
ملك غيره بغير إذنه لم يصح ولو مع حضوره
وسكوته ولو أجازه المالك ما لم يحكم به من
يراه أو اشترى بعين ماله أي مال غيره شيئا بلا
إذنه لم يصح ولو أجيز لفوات شرطه وإن اشترى له
أي لغيره في ذمته بلا إذنه ولم يسمه في العقد
صح العقد لأنه متصرف في ذمته وهي قابلة للتصرف
ويصير ملكا لمن الشراء له من حين العقد
بالإجازة لأنه اشترى لأجله ونزل المشتري نفسه
منزلة الوكيل فملكه من اشتري له كما لو أذن
ولزم العقد الم شترى بعدمها أي عدم الإجازة
لأنه لم يأذن فيه فتعين كونه للمشتري ملكا كما
لو لم ينو غيره وإن سمى في العقد من اشترى له
لم يصح وإن باع ما يظنه لغيره فبان وارثا أو
وكيلا صح ولا يباع غير المساكن مما فتح عنوة
كأرض الشام ومصر والعراق وهو قول عمر وعلي
وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم لأن عمر رضي
الله عنه وقفها على المسلمين وأما المساكن
فيصح بيعها لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في
الكوفة والبصرة قي زمن عمر وبنوها مساكن
وتبايعوها من غير نكير ولو كانت آلتها من أرض
العنوة أو كانت موجودة حال الفتح وكأرض العنوة
في ذلك ما جلوا عنه فزعا منا وما صولحوا على
أنه لنا ونقره معهم بالخراج بخلاف ما صولحوا
على أنها لهم كالحيرة وألسيس وبانقياء و أرض
بني صلوبا من أراضي العراق فيصح بيعها كالتي
أسلم أهلها عليها كالمدينة بل يصح أن تؤجر أرض
العنوة ونحوها لأنها مؤجرة في أيدي أربابها
بالخراج المضروب عليها في كل عام وإجارة
المؤجرة جائزة.
ـــــــ
1- لقوله صلى الله عليه وسلم عن البحر: "هو
الطهور ماؤه الحل ميتته" .
(1/209)
ولا يجوز بيع
رباع مكة ولا إجاراتها لما روى سعيد بن منصور
عن مجاهد مرفوعا: "رباع مكة حرام بيعها حرام
إجارتها" وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
مرفوعا: "مكة لا تباع رباعها ولا تكرى بيوتها"
رواه الأثرم فإن سكن بأجرة لم يأثم بدفعها جزم
به في المغني وغيره.
ولا يصح بيع نقع البئر وماء العيون لأن ماءها
لا يملك لحديث: "المسلمون شركاء في ثلاث: في
الماء والكلأ والنار" رواه أبو داود وابن ماجة
بل رب الأرض أحق به من غيره لأنه صار في ملكه
ولا يصح بيع ما ينبت في أرضه من كلأ وشوك لما
تقدم وكذا معادن جارية كنفط وملح وكذا لو عشش
في أرضه طير لأنه لم يملكه به فلم يجز بيعه
ويملكه آخذه لأنه من المباح لكن لا يجوز دخول
ملك غيره بغير إذنه وحرم منع مستأذن بلا ضرر.
و الشرط الخامس أن يكون المعقود عليه مقدورا
على تسليمه لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه
بالمعدوم فلم يصح بيعه فلا يصح بيع آبق علم
خبره أو لا لما رواه أحمد عن أبي سعيد: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء
العبد وهو آبق و لا بيع شارد و لا طير في هواء
ولو ألف الرجوع إلا أن يكون بمغلق ولو طال زمن
أخذه و لا بيع سمك في ماء لأنه غرر ما لم يكن
مرئيا بمحوز يسهل أخذه منه لأنه معلوم يمكن
تسليمه, ولا يصح بيع مغصوب من غير غاصبه أو
قادر على أخذه من غاصبه لأنه لا يقدر على
تسليمه فإن باعه من غاصبه أو قادر على أخذه صح
لعدم الغرر فإن عجز بعد فله الفسخ.
و الشرط السادس أن يكون المبيع معلوما عند
المتعاقدين لأن جهالة المبيع غرر ومعرفة
المبيع إما برؤية له أو لبعضه الدال عليه
مقارنة أو متقدمة بزمن لا يتغير فيه المبيع
ظاهرا ويلحق بذلك ما عرف بلمسه أو شمه أو ذوقه
أو صفة تكفي في السلم فتقوم مقام الرؤية في
بيع ما يجوز السلم فيه خاصة ولا يصح بيع
الأنموذج بان يريه صاعا مثلا ويبيعه الصبرة
على أنها من جنسه ويصح بيع الأعمى وشراؤه
بالوصف واللمس والشم والذوق فيما يعرف به
كتوكيله فان اشترى ما لم يره بلا وصف أو راه
وجهله بأن لم يعلم ما هو أو وصف له بما لا
يكفي سلما لم يصح البيع لعدم العلم بالمبيع
ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين
للجهالة فإن باع ذات لبن أو حمل دخلا تبعا.
ولا يباع مسك في فأرته 1 أي الوعاء الذي يكون
فيه للجهالة ولا نوى في تمر للجهالة و لا صوف
على ظهر لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في حديث
ابن عباس ولأنه متصل
ـــــــ
1- لأنه بيع غرر قد يوجد وقد لا يوجد.
(1/210)
بالحيوان فلم
يجز إفراده بالعقد كأعضائه و لا بيع فجل ونحوه
مما المقصود منه مستتر بالأرض قبل قلعه
للجهالة.
ولا يصح بيع الملامسة بأن يقول: بعتك ثوبي هذا
على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا أو يقول: أي
ثوب لمسته فهو لك بكذا و لا المنابذة كأن
يقول: أي ثوب نبذته إلي أي طرحته فهو عليك
بكذا لقول أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه
وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة متفق عليه
وكذا بيع الحصاة كارمها فعلى أي ثوب وقعت فلك
بكذا ونحوه ولا بيع عبد غير معين من عبيد
ونحوه كشاة من قطيع وشجرة من بستان للجهالة
ولو تساوت القيم.
ولا يصح استثناؤه إلا معينا فلا يصح بعتك
هؤلاء العبيد إلا واحدا للجهالة ويصح إلا هذا
ونحوه لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا
إلا أن تعلم قال الترمذي: حديث صحيح وان
استثنى بائع من حيوان يؤكل رأسه وجلده وأطرافه
صح لفعله صلى الله عليه وسلم في خروجه من مكة
إلى المدينة رواه أبو الخطاب فإن امتنع
المشتري من ذبحه لم يجبر بلا شرط ولزمته قيمته
على التقريب وللمشتري الفسخ بعيب يختص هذا
المستثنى وعكسه أي عكس استثناء الأطراف في
الحكم استثناء الشحم والحمل ونحوه مما لا يصح
إفراده بالبيع فيبطل البيع باستثنائه وكذا لو
استثنى منه رطلا من لحم أو نحوه.
ويصح بيع ما مأكوله في جوفه كرمان وبطيخ وبيض
لدعاء الحاجة لذلك ولكونه مصلحة لفساده
بإزالته و يصح بيع الباقلاء ونحوه كالحمص
والجوز واللوز في قشره يعني ولوتعدد قشره لأنه
مفرد مضاف فيعم وعبارة الأصحاب في قشريه لأنه
مستور بحائل من أصل الخلقة أشبه الرمان و يصح
بيع الحب المشتد في سنبله لأنه صلى الله عليه
وسلم جعل الاشتداد غاية للبيع وما بعد الغاية
يخالف ما قبلها فوجب زوال المنع.
و الشرط السابع: أن يكون الثمن معلوما
للمتعاقدين أيضا كما تقدم لأنه أحد العوضين
فاشترط العلم به كالمبيع فان باعه برقمه أي
ثمنه المكتوب عليه وهما يجهلانه أو أحدهما لم
يصح للجهالة أو باعه بألف درهم ذهبا وفضة لم
يصح لأن مقدار كل جنس منهما مجهول أو باعه بما
ينقطع به السعر أي بما يقف عليه من غير زيادة
لم يصح للجهالة أو باعه بما باع به زيد وجهلاه
أو جهله أحدهما لم يصح البيع للجهل بالثمن
وكذا لو باعه كما يبيع الناس أو بدينار أو
درهم مطلق وثم نقود متساوية رواجا وإن لم يكن
إلا واحدا وغلب صح وصرف إليه ويكفي علم الثمن
بالمشاهدة كصبرة من دراهم أو فلوس ووزن صنجة
وملء كيل مجهولين. وإن باع ثوبا أو صبرة وهي
الكومة المجموعة
(1/211)
من الطعام أو
باع قطيعا كل ذراع من الثوب بكذا أو كل قفيز
من الصبرة بكذا أو كل شاة من القطيع بدرهم صح
البيع ولو لم يعلما قدر الثوب والصبرة والقطيع
لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم
لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق
بالمتعاقدين وهي الكيل والعد والذرع.
تفريق الصفقة:
وإن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح لأن
من للتبعيض و كل للعدد فيكون مجهولا بخلاف ما
سبق لأن المبيع الكل لا البعض فانتفت الجهالة
وكذا لو باعه من الثوب كل ذراع بكذا أو من
القطيع كل شاة بكذا لم يصح لما ذكر أو باعه
بمائة درهم إلا دينارا لم يصح وعكسه بأن باع
بدينار أو دنانير إلا درهما لم يصح لأن قيمة
المستثنى مجهولة فيلزم الجهل بالثمن إذ
استثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا أو
باع معلوما ومجهولا يتعذر علمه كهذه الفرس وما
في بطن أخرى ول م يقل: كل منهما بكذا لم يصح
البيع لأن الثمن يوزع على المبيع بالقيمة
والمجهول لا يمكن تقويمه فلا طريق إلى معرفة
ثمن المعلوم وكذا لو باعه بمائة ورطل خمر وإن
قال كل منهما: بكذا صح في المعلوم بثمنه للعلم
به فان لم يتعذر علم مجهول أبيع مع معلوم صح
في المعلوم بقسطه من الثمن لعدم الجهالة وهذه
مسائل تفريق الصفقة الثلاث.
والثانية أشار إليها بقوله: ولو باع مشاعا
بينه وبين غيره كعبد مشترك بينهما أو ما ينقسم
عليه الثمن بالأجزاء كقفيزين متساويين لهما صح
البيع في نصيبه بقسطه من الثمن لفقد الجهالة
في الثمن لانقسامه على الأجزاء ولم يصح في
نصيب شريكه لعدم إذنه.
والثالثة ذكرها بقوله: وان باع عبده وعبد غيره
بغير إذنه أو باع عبدا وحرا أو باع خلا وخمرا
صفقة واحدة بثمن واحد صح البيع في عبده بقسطه
وفي الخل بقسطه من الثمن لأن كل واحد منهما له
حكم يخصه فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما ويقدر
خمر خلا وحر عبدا ليتقسط الثمن ولمشتر الخيار
إن جهل الحال بين إمساك ما يصح فيه البيع
بقسطه من الثمن وبين رد المبيع لتبعيض الصفقة
عليه وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه أو باع
عبديه لاثنين أو اشترى عبدين من اثنين أو
وكيلهما بثمن واحد صح وقسط الثمن على قيمتيهما
وكبيع إجارة ورهن وصلح ونحوها.
فصل
ولا يصح البيع ولا الشراء ممن تلزمه الجمعة
بعد ندائها الثاني أي الذي عند المنبر عقب
جلوس الإمام على المنبر لأنه الذي كان على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختص به
(1/212)
الحكم لقوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ} 1 والنهي يقتضي الفساد وكذا قبل
النداء لمن منزله بعيد في وقت وجوب السعي عليه
وتحرم المساومة والمناداة إذن لأنهما وسيلة
للبيع المحرم وكذا لو تضايق وقت مكتوبة.
ويصح بعد النداء المذكور البيع لحاجة كمضطر
إلى طعام أو سترة ونحوهما إذا وجد ذلك يباع
ويصح أيضا النكاح وسائر العقود كالقرض والرهن
والضمان والإجارة وإمضاء بيع خيار لأن ذلك يقل
وقوعه فلا تكون إباحته ذريعة إلى فوات الجمعة
أو بعضها بخلاف البيع.
ولا يصح بيع عصير ونحوه ممن يتخذه خمرا لقوله
تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ} 2 ولا بيع سلاح في فتنة بين
المسلمين لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه
قاله أحمد قال: وقد يقتل به ولا يقتل به وكذا
بيعه لأهل حرب أو قطاع طريق لأنه إعانة على
معصية ولا بيع مأكول ومشموم لمن يشرب عليهما
المسكر ولا قدح لمن يشرب به ولا جوز وبيض
لقمار ونحو ذلك ولا بيع عبد مسلم لكافر إذا لم
يعتق عليه لأنه نوع من استدامة ملكه عليه لما
فيه من الصغار فمنع من ابتدائه فإن كان يعتق
عليه بالشراء صح لأنه وسيلة إلى حريته.
وان أسلم قن في يده أي يد كافر أو عند مشتريه
منه ثم رده لنحو عيب أ جبر على إزالة ملكه عنه
بنحو بيع أو هبة أو عتق لقوله تعالى: {وَلَنْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} 3 ولا تكفي مكاتبته
لأنها لا تزيل ملك سيده عنه ولا بيعه بخيار
لعدم انقطاع علقه عنه وإن جمع في عقد بين بيع
وكتابة بأن باع عبده شيئا وكاتبه بعوض واحد
صفقة واحدة أو جمع بين بيع وصرف أو إجارة أو
خلع أو نكاح بعوض واحد صح البيع وما جمع إليه
في غير المكاتبة فيبطل البيع لأنه باع ماله
لماله وتصح هي لأن بطلان وجد في البيع فاختص
به ويقسط العوض عليهما أي على المبيع وما جمع
إليه بالقيم.
ويحرم بيعه على بيع أخيه المسلم كأن يقول لمن
اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك
ـــــــ
1- سورة الجمعة من الآية "9".
2- سورة المائدة من الآية "2".
3- سورة النساء من الآية "141".
(1/213)
مثلها بتسعة
لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع بعضكم على
بيع بعض" 1 " و" يحرم أيضا "شراؤه على شرائه
كان يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة"
لأنه في معنى البيع عليه المنهي عنه ومحل ذلك
إذا وقع في زمن الخيارين "ليفسخ" المقول له
العقد " ويعقد معه" وكذا سومه على سومه بعد
الرضى صريحا لا بعد رد. "ويبطل العقد فيهما"
أي في البيع على بيعه والشراء على شرائه ويصح
في السوم على سومه والإجارة كالبيع في ذلك
ويحرم بيع حاضر لباد ويبطل إن قدم ليبيع سلعته
بسعر يومها جاهلا بسعرها وقصده الحاضر وبالناس
حاجة إليها.
"ومن باع ربويا بنسيئة" أي مؤجل وكذا حال لم
يقبض "واعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئه"
كثمن بر اعتاض عنه برا أو غيره من المكيلات لم
يجز لأنه ذريعة لبيع الربوي بالربوي نسيئة وإن
اشترى من المشتري طعاما بدراهم وسلمها إليه ثم
أخذها منه وفاء لم يسلم إليه لكن قاصه جاز "أو
اشترى شيئا" ولو غير ربوي "نقدا بدون ما باع
به نسيئة" أو حالا لم يقبض "لا بالعكس لم يجز"
لأنه ذريعة إلى الربا ليبيع ألفا بخمسمائة
وتسمى: مسألة العينة وقوله لا بالعكس يعني: لا
إن اشتراها بأكثر مما باعه به فإنه جائز كما
لو اشتراه بمثله وأما عكس مسألة العينة بأن
باع سلعة بنقد ثم اشتراه بأكثر منه نسيئة فنقل
أبو داود: يجوز بلا حيلة ونقل حرب: أنها مثل
مسألة العينة وجزم به المصنف في الإقناع وصاحب
المنتهى وقدمه في المبدع وغيره قال في شرح
المنتهى: وهو المذهب لأنه يتخذ وسيلة للربا
كمسألة العينة وكذا العقد الأول فيهما حيث كان
وسيلة إلى الثاني فيحرم ولا يصح وإن اشتراه أي
اشترى المبيع في مسألة العينة أو عكسها "بغير
جنسه" بأن باعه بذهب ثم اشتراه بفضة أو بالعكس
أو اشتراه "بعد قبض ثمنه أو بعد تغير صفته"
بأن هزل العبد أو نسي صنعة "أو" تخرق الثوب
"أو اشتراه من غير مشتريه" بأن باعه مشتريه أو
وهبه ونحوه ثم اشتراه بائعه ممن صار إليه جاز
"أو اشتراه أبوه" أي أبو بائعه "أو ابنه" أو
مكاتبه أو زوجته "جاز" الشراء ما لم يكن حيلة
على التوصل إلى فعل مسألة العينة ومن احتاج
إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر ليتوسع
بثمنه فلا بأس وتسمى: مسالة التورق ويحرم
التسعير والاحتكار في قوت آدمي ويجبر على بيعه
كما يبيع الناس ولا يكره إدخار قوت أهله
ودوابه ويسن الإشهاد على البيع2.
ـــــــ
1 لأن في ذلك منافسة غير مشروعة تقود إلى
العداوة والبغضاء والأفضل الابتعاد عن مسببات
العداوة والبغضاء بين المسلمين.
2 كي لا ينكر أحدهما إن رأى ما هو أفضل له من
بعد ذلك.
(1/214)
1-
باب الشروط في
البيع
والشرط هنا: إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب
العقد ما له فيه منفعة ومحل المعتبر منها صلب
العقد وهي ضربان:
ذكر الأول منها بقوله: "منها صحيح" وهو ما
وافق مقتضى العقد وهو ثلاثة أنواع.
أحدهما - شرط مقتضى البيع كالتقابض وحلول
الثمن فلا يؤثر فيه لأنه بيان وتأكيد لمقتضى
العقد فلذلك اختصه المصنف.
الثاني - شرط ما كان من مصلحة العقد " كالرهن
المعين" أو الضامن المعين "و" كـ " تأجيل ثمن"
أو بعضه إلى مدة معلومة و كشرط صفة في المبيع
كـ "كون العبد كاتبا أو خصيا أو مسلما" أو
خياطا مثلا "والأمة بكرا" أو تحيض والدابة
هملاجة والفهد أو نحوه صيودا فيصح فإن وفى
بالشرط وإلا فلصاحبه الفسخ أو أرش فقد الصفة
وإن تعذر رد تعين أرش وإنا شرط صفة فبان أعلى
منهما فلا خيار.
"و" الثالث - شرط بائع نفعا معلوما في مبيع
غير وطء ودواعيه "نحو أن يشترط البائع سكنى
الدار" أو نحوها "شهرا وحملان البعير" أو نحوه
المبيع إلى "موضع معين" لما روى جابر أنه باع
النبي صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره
إلى المدينة متفق عليه. واحتج في التعليق
والانتصار وغيرهما بشراء عثمان من صهيب أرضا
وشرط وقفها عليه وعلى عقبه ذكره في المبدع
ومقتضاه صحة الشرط المذكور ولبائع إجارة
وإعارة ما استثنى وإن تعذر انتفاعه بسبب مشتر
فعليه أجرة المثل له " أو شرط المشتري على
البائع" نفعا معلوما في مبيع "كحمل الحطب"
المبيع إلى موضع معلوم "أو تكسيره أو خياطة
الثوب" المبيع "أو تفصيله" إذا بين نوع
الخياطة أو التفصيل واحتج أحمد لذلك بما روي
أن محمد بن سلمة اشترى من نبطي جرزة حطب
وشارطه على حملها ولأنه بيع وإجارة فالبائع
كالأجير وإن تراضيا على أخذ أجرته ولو بلا عذر
جاز. "وإن جمع بين شرطين" من غير النوعين
الأولين كحمل حطب وتكسيره وخياطة ثوب وتفصيله
"بطل البيع" لما روى أبو داود والترمذي عن
عبدالله ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع
ولا بيع ما ليس عندك" قال الترمذي: حديث حسن
صحيح.
والضرب الثاني من الشروط أشار إليه بقوله:
"ومنها فاسد" وهو ما ينافي مقتضى العقد وهو
ثلاثة أنواع.
أحدها : "يبطل العقد" من أصله "كاشتراط أحدهما
على الأخر عقدا آخر كسلف" أي
(1/215)
سلم " وقرض
وبيع وإجارة وصرف" للثمن أو غيره وشركة وهو
بيعتان في بيعة المنهي عنه قاله أحمد.
الثاني : ما يصح معه البيع وقد ذكره بقوله:
"وإن شرط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع
وإلا رده أو" شرط أن "لا يبيع" المبيع "ولا
يهبه ولا يعتقه أو" شرط " إن عتق فالولاء له"
أي للبائع " أو" شرط البائع على المشتري "أن
يفعل ذلك" أي أن يبيع المبيع أو يهبه ونحوه "
بطل الشرط وحده" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن
كان مائة شرط" متفق عليه والبيع صحيح لأنه صلى
الله عليه وسلم في حديث بريرة أبطل الشرط ولم
يبطل العقد "لا إذا شرط" البائع "العتق" على
المشتري فيصح الشرط أيضا ويجبر المشتري على
العتق إن أباه والولاء له فإن أصر أعتقه حاكم
وكذا شرط رهن فاسد كخمر ومجهول وخيار أو أجل
مجهولين ونحو ذلك فيصح البيع ويفسد الشرط "أو"
إن قال البائع: "بعتك" كذا بكذا "على أن
تنقدني الثمن إلى ثلاث" ليال مثلا أو على أن
ترهنه بثمنه "وإلا" تفعل ذلك "فلا بيع بيننا"
وقبل المشتري "صح" البيع والتعليق كما لو شرط
الخيار وينفسخ إن لم يفعل.
"و" الثالث : ما لا ينعقد معه بيع نحو "بعتك
إن جئتني بكذا أو" إن "رضي زيد" بكذا وكذا
تعليق القبول "أو يقول الراهن للمرتهن: إن
جئتك بحقك" في محله "وإلا فالرهن لك لا يصح
البيع" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق
الرهن من صاحبه" رواه الأثرم وفسره أحمد بذلك
وكذا كل بيع علق على شرط مستقبل غير إن شاء
الله وغير بيع العربون بأن يدفع بعد العقد
شيئا ويقول: إن أخذت المبيع أتممت الثمن وإلا
فهو لك فيصح لفعل عمر رضي الله عنه والمدفوع
للبائع إن لم يتم البيع والإجارة مثله.
"وإن باعه" شيئا "وشرط" في البيع "البراءة من
كل عيب مجهول" أو من عيب كذا إن كان "لم يبرأ"
البائع فإن وجد المشتري بالمبيع عيبا فله
الخيار لأنه إنما يثبت بعد البيع فلا يسقط
بإسقاطه قبله وإن سمي العيب أو أبرأه بعد
العقد برئ. "وإن باعه دارا" أو نحوها مما يذرع
"على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر" من عشرة "أو
أقل" منها "صح" البيع والزيادة للبائع والنقص
عليه "ولمن جهله" أي الحال من زيادة أو نقص
"وفات غرضه الخيار" فلكل منهما الفسخ ما لم
يعط البائع الزيادة للمشتري مجانا في المسألة
الأولى أو يرضى المشتري بأخذه بكل الثمن في
الثانية لعدم فوات الغرض وإن تراضيا على
المعاوضة عن الزيادة أو النقص جاز ولا يجبر
أحدهما على ذلك وإن كان المبيع نحو صبرة على
أنها عشرة أقفزة فبانت أقل أو أكثر صح البيع
ولا خيار والزيادة للبائع والنقص عليه.
(1/216)
2-
باب الخيار وقبض
المبيع والإقالة
الخيار اسم مصدر اختار أي طلب خير الأمرين من
الإمضاء والفسخ.
"وهو" ثمانية "أقسام: الأول: خيار المجلس"
بكسر اللام: موضع الجلوس والمراد هنا: مكان
التبايع "يثبت" خيار المجلس "في البيع1 لحديث
ابن عمر يرفعه: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد
منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو
يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر
فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع" متفق عليه لكن
يستثنى من البيع الكتابة وتولي طرفي العقد
وشراء من يعتق عليه أو اعترف بحريته قبل
الشراء "و" كالبيع "الصلح بمعناه" كما لو أقر
بدين أو عين ثم صالحه عنه بعوض وقسمة التراضي
والهبة على عوض لأنها نوع من البيع
و كبيع أيضا اجارة لأنها عقد معاوضة أشبهت
البيع و كذا "الصرف والسلم" لتناول البيع لهما
دون سائر العقود كالمساقاة والحوا لة والوقف
والرهن والضمان.
"ولكل من المتبايعين" ومن في معناهما ممن تقدم
"الخيار ما لم يتفرقا عرفا بأبدانهما" من مكان
التبايع فإن كانا في مكان واسع كصحراء فبأن
يمشي أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات "وإن كانا
في دار كبيرة ذات مجالس وبيوت فبأن يفارقه من
بيت إلى بيت" أو إلى نحو صفة وإن كانا في دار
صغيرة فإذا صعد أحدهما السطح أو خرج منها فقد
افترقا وإن كانا في سفينة كبيرة فبصعود أحدهما
أعلاها إن كانا أسفل أو بالعكس وان كانت صغيرة
فبخروج أحدهما منها ولو حجز بينهما بحاجز
كحائط أو ناما لم يعد تفرقا لبقائهما
بأبدانهما بمحل العقد ولو طالت المدة "وإن
نفياه" أي الخيار بأن تبايعا على أن لا خيار
بينهما لزم بمجرد العقد "أو أسقطاه" أي الخيار
بعد العقد "سقط" لأن الخيار حق للعاقد فسقط
بإسقاطه "وإن أسقطه" أحدهما أي أحد المتبايعين
أو قال لصاحبه: اختر سقط خياره "وبقي خيار
الأخر" لأنه لم يحصل منه إسقاط لخياره بخلاف
صاحبه وتحرم الفرقة خشية الفسخ وينقطع الخيار
بموت أحدهما لا بجنونه "وإذا مضت مدته" بأن
تفرقا كما تقدم "لزم البيع" بلا خلاف.
القسم "الثاني" من أقسام الخيار: خيار الشرط
بـ "أن يشترطاه" أي يشترط المتعاقدان الخيار
في صلب العقد أو بعده في مدة خيار المجلس أو
الشرط "مدة معلومة ولو طويلة"
ـــــــ
1 وقد قال صلى الله عليه وسلم: "البيعان
بالخيار مالم يتفرقا" فإن تفرقا انقضى الخيار
وثبت البيع إلا أن اشترط أحدهما الخيار إلى
أجل معين ووافق الآخر على هذا الشرط فهما على
شروطهما والأفضل أن يشهدا على ذلك فإن لم
يشهدا كان القول قول البائع فإن رفض المشتري
قول البائع ألغيت الصفقة كلها.
(1/217)
لقوله صلى الله
عليه وسلم: "المسلمون على شروطه" ولا يصح
اشتراطه بعد لزوم العقد ولا إلى أجل مجهول ولا
في عقد حيلة ليربح في قرض فيحرم ولا يصح
البيع.
"وابتداؤها" أي ابتداء مدة الخيار "من العقد"
إن شرط في العقد وإلا فمن حين اشترط "وإذا مضت
مدته" أي مدة الخيار ولم يفسخ لزم البيع "أو
قطعاه" أي قطع المتعاقدان الخيار " بطل" ولزم
البيع كما لو لم يشترطاه.
"ويثبت" خيار الشرط "في البيع والصلح" والقسمة
والهبة "وما بمعناه" أي بمعنى البيع كالصلح
بعوض عن عين أو دين مقر به وقسمة التراضي وهبة
الثواب لأنها أنواع من البيع "و" في "الإجارة
في الذمة" كخياطة ثوب أو في إجارة "على مدة لا
تلي العقد" كسنة ثلاث في سنة اثنين إذا شرط
مدة تنقضي قبل دخول سنة ثلاث فإن وليت المدة
العقد كشهر من الآن لم يصح شرط الخيار لئلا
يؤدي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها أو
استيفائها في مدة الخيار وكلاهما غير جائز ولا
يثبت خيار الشرط في غير ما ذكر كصرف وسلم
وضمان وكفالة ويصح شرطه للمتعاقدين ولو وكيلين
"وان شرطاه لأحدهما دون صاحبه صح" الشرط وثبت
له الخيار وحده لأن الحق لهما فكيفما تراضيا
به جاز و إن شرطاه "إلى الغد أو الليل صح و
يسقط بأوله" أي أول الغد أو الليل لأن إلى
لانتهاء الغاية فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها
وإلى صلاة يسقط بدخول وقتها "و" يجوز "لمن له
الخيار الفسخ ولو مع غيبة" صاحبه الأخر و مع
"سخطه" كالطلاق "والملك" في البيع "مدة
الخيارين" أي خيار الشرط وخيار المجلس
"للمشتري" سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من باع عبدا وله
مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع" رواه
مسلم فجعل المال للمبتاع باشتراطه وهو عام في
كل بيع فشمل بيع الخيار "وله" أي للمشتري
"نماؤه" أي نماء المبيع "المنفصل" كالثمرة
"وكسبه" في مدة الخيارين ولو فسخاه بعد لأنه
نماء ملكه الداخل في ضمانه لحديث: "الخراج
بالضمان" صححه الترمذي وأما النماء المتصل
كالسمن فإنه يتبع العين مع الفسخ لتعذر
انفصاله.
"ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في المبيع و" لا
في "عوضه المعين فيها" أي في مدة الخيارين
"بغير إذن الآخر" فلا يتصرف المشتري في المبيع
بغير إذن البائع إلا معه كأن آجره له ولا
يتصرف البائع في الثمن المعين زمن الخيارين
الا بإذن المشتري أو معه كأن استأجر منه به
عينا هذا إن كان التصرف "بغير تجربة المبيع"
فإن تصرف بها لتجربته كركوب دابة لينظر سيرها
وحلب دابة ليعلم قدر لبنها لم يبطل خياره لأن
ذلك هو المقصود من الخيار كاستخدام الرقيق
ليختبره "إلا عتق المشتري" لمبيع زمن الخيار
فينفذ مع الحرمة ويسقط
(1/218)
خيار البائع
حينئذ "وتصرف المشتري" في المبيع بشرط الخيار
له في زمنه بنحو وقف أو بيع أو هبة أو لمس
لشهوة "فسخ لخياره" وإمضاء للبيع لأنه دليل
الرضى به بخلاف تجربة المبيع واستخدامه وتصرف
البائع في المبيع إذا كان الخيار له وحده ليس
فسخا للبيع ويبطل خيارهما مطلقا بتلف مبيع بعد
قبض وبإتلاف مشتر إياه مطلقا سواء كان لهما أو
لأحدهما أي "ومن مات منهما" أي من البائع
والمشتري بشرط الخيار بطل خياره فلا يورث إن
لم يكن طالب به قبل موته كالشفعة وحد القذف1.
"الثالث" من أقسام الخيار: خيار الغبن "إذا
غبن في المبيع غبنا يخرج عن العادة" لأنه لم
يرد الشرع بتحديده فرجع فيه إلى العرف وله
ثلاث صور إحداها: تلقي الركبان لقوله صلى الله
عليه وسلم: " لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى
منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار" رواه مسلم.
"و" الثانية المشار إليها بقوله: "بزيادة
الناجش" 2 الذي لا يريد شراء ولو بلا مواطأة
ومنه أعطيت كذا وهو كاذب لتغريره المشتري.
الثالثة ذكرها بقوله: "والمسترسل" وهو من جهل
القيمة ولا يحسن يماكس من استرسل إذا اطمأن
واستأنس فإذا غبن ثبت له الخيار ولا أرش مع
إمساك والغبن محرم وخياره على التراخي.
"الرابع" من أقسام الخيار: "خيار التدليس" من
الدلسة وهي الظلمة فيثبت بما يزيد به الثمن
"كتسويد شعر الجارية وتجعيده" أي جعله جعدا
وهو ضد السبط "وجمع ماء الرحى" أي الماء الذي
تدور به الرحى "وإرساله عند عرضها" للبيع لأنه
إذا أرسله بعد حبسه اشتد دوران الرحى حين ذلك
فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في الثمن
فإذا تبين له التدليس ثبت له الخيار وكذا
تصرية اللبن3 في ضرع بهيمة الأنعام لحديث أبي
هريرة يرفعه: "لا تصروا الإبل والغنم فمن
ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن
شاء أمسك
ـــــــ
1 وهذان لا يسقطان بالموت بل يرثهما الورثة مع
ما ورثاه من مال الميت.
2 والنجش هو المزايدة على سعر السلعة لرفع
ثمنها على المشتري الآخر بدون أن يكون لدى
الناجش نية الشراء وقد يتفق مع البائع على ذلك
وقد يفعله دون اتفاق بينهما على ذلك لاستجلاب
النفع لصديق أو قريب من غريب.
3 وتصرية اللبن هو ترك النعجة أو الماعز أو
البقرة أو الناقة دون حلب أياما عديدة كي
يجتمع اللبن في ضرعها فيطن المشتري أن هذا
اللبن كله نتاج يوم واحد وأن هذه عادتها فهذا
المشتري متى اطلع على لحقيقة كان بالخيار فله
أن يستقيل من البيع ويرد المبتاع من الأنعام
للبائع ويستعيد الثمن ويؤدي له شيئا مقابل ما
استفاده من اللبن.
(1/219)
وإن شاء ردها
وصاعا من تمر" متفق عليه. وخيار التدليس على
التراخي إلا المصراة فيخير ثلاثة أيام منذ علم
بين إمساك بلا أرش ورد مع صاع تمر سليم إن
حلبها فإن عدم التمر فقيمته ويقبل رد اللبن
بحاله.
"الخامس" من أقسام الخيار: "خيار العيب" وما
بمعناه "وهو" أي العيب "ما ينقص قيمة المبيع"
عادة فما عده التجار في عرفهم منقصا أنيط
الحكم به وما لا فلا والعيب كمرضه على جميع
حالاته في جميع الحيوانات "وفقد عضو" كأصبع
"وسن أو زيادتهما وزنا الرقيق" إذا بلغ عشرا
من عبد أو أمة وسرقته وشربه مسكرا "وإباقه
وبوله في الفراش" وكونه أعسر لا يعمل بيمينه
عملها المعتاد وعدم ختان ذكر كبير وعثرة مركوب
وحرنه ونحوه وبخر وحال وخرس وطرش وكلف وقرع
وحمل أمة وطول مدة نقل ما في دار مبيعة عرفا
وكونها ينزلها الجند
لا سقوط آيات يسيرة بمصحف ونحوه ولا حمى ولا
صداع يسيرين ولا ثيوبة أو كفر أو عدم حيض ولا
معرفة غناء "فإذا علم المشتري العيب بعد العقد
أمسكه بإرشه" إن شاء لأن المتبايعين تراضيا
على أن العوض في مقابلة المبيع فكل جزء منه
يقابله جزء من الثمن ومع العيب فات جزء من
المبيع فله الرجوع ببدله "وهو" الأرش وهو أي
الأرش "قسط ما بين قيمة الصحة والعيب" فيقوم
المبيع صحيحا ثم معيبا ويؤخذ قسط ما بينهما من
الثمن فإن قوم صحيحا بعشرة ومعيبا بثمانية رجع
بخمس الثمن قليلا كان أو كثيرا وإن أفضى أخذ
الأرش إلى ربا كشراء حلي فضة بزنته دراهم أمسك
مجانا إن شاء "أو رده وأخذ الثمن" المدفوع
للبائع وكذا لو أبرأ المشتري من الثمن أو وهب
له ثم فسخ البيع لعيب أو غيره رجع بالثمن على
البائع وان علم المشتري قبل العقد بعيب المبيع
أو حدث العيب بعد العقد فلا خيار له إلا في
مكيل ونحوه تعيب قبل قبضه.
"وان تلف المبيع" المعيب "أو عتق العبد" أو لم
يعلم عيبه حتى أصبغ الثوب أو نسج أو وهب
المبيع أو باعه أو بعضه "تعين الأرش" لتعذر
الرد وعدم وجود الرضى به ناقصا وإن دلس البائع
بأن علم العيب وكتمه عن المشتري فمات المبيع
أو أبق ذهب على البائع لأنه غره ورد للمشتري
ما أخذه "وان اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره
كجوز هند وبيض نعام فكسره فوجده فاسدا فأمسكه
فله أرشه وان رده رد أرش كسره" الذي تبقى له
معه قيمة وأخذ ثمنه لأن عقد البيع يقتضي
السلامة ويتعين أرش مع كسر لا تبقى معه قيمة
وإن كان المبيع "كبيض دجاج" فكسره فوجده فاسدا
"رجع بكل الثمن" لأنا تبينا فساد العقد من
أصله لكونه وقع على ما لا نفع فيه وليس عليه
رد فاسد ذلك إلى بائعه لعدم الفائدة فيه
"وخيار عيب متراخ" لأنه لدفع ضرر متحقق فلم
يبطل بالتأخير "ما لم يوجد دليل الرضى" كتصرف
فيه بإجارة أو إعارة أو نحوهما عالما بعيبه
واستعماله لغير تجربة.
(1/220)
"ولا يفتقر"
الفسخ للعيب "إلى حكم ولا رضى ولا حضور صاحبه"
أي البائع كالطلاق ولمشتر مع غيره معيبا أو
بشرط خيار الفسخ في نصيبه ولو رضي الآخر
والمبيع بعد فسخ أمانة بيد مشتر "وإن اختلفا"
أي البائع والمشتري في معيب "عند من حدث
العيب" مع الاحتمال "فقول مشتر مع يمينه" إن
لم يخرج عن يده لأن الأمل عدم القبض في الجزء
الفائت فكان القول قول من ينفيه فيحلف أنه
اشتراه و به العيب أو أنه ما حدث عنده ويرده
"وان لم يحتمل الأقوال أحدهما" كالإصبع
الزائدة والجرح الطري الذي لا يحتمل أن يكون
قبل العقد "قبل قول المشتري" في المثال الأول
والبائع في المثال الثاني "بلا يمين" لعدم
الحاجة إليه ويقبل قول البائع أن المبيع
المعيب ليس المردود إلا في خيار شرط فقول مشتر
وقول قابض في ثابت في ذمة من ثمن وقرض وسلم
ونحوه إن لم يخرج عن يده وقول مشتر في عيب ثمن
معين بعقد ومن اشترى متاعا فوجده خيرا مما
اشترى فعليه رده إلى بائعه.
"السادس" من أقسام الخيار: "خيار في البيع
بتخيير الثمن متى بان" الثمن "أقل أو كثر" مما
أخبر به "ويثبت" في أنواعه الأربعة: "في
التولية" وهي بيع برأس المال1 "و" في "الشركة"
وهي بيع بعضه بقسطه من الثمن وأشركتك ينصرف
إلى نصفه "و" في "المرابحة" وهي بيعه بثمنه
وربح معلوم2 وإن قال: على أن أربح في كل عشرة
درهما كره "و" في " المواضعة" وهي بيعه برأس
ماله وخسران معلوم "ولا بد في جميعها" أي
الصور الأربعة " من معرفة المشتري" والبائع
"رأس المال" لأن ذلك شرط لصحة البيع فإن فات
لم يصح وما ذكره من ثبوت الخيار في الصور
الأربع تبع فيه المقنع وهو رواية والمذهب أنه
متى بان رأس المال أقل حط الزائد ويحط قسطه في
مرابحة وينقصه في مواضعة ولا خيار للمشتري ولا
تقبل دعوى بائع غلطا في رأس المال بلا بينة.
"وإن اشترى" السلعة "بثمن مؤجل أو" اشترى "ممن
لا تقبل شهادته" له كأبيه وابنه وزوجته أو
اشترى شيئا بأكثر من ثمنه حيلة أو محاباة أو
لرغبة تحضه أو موسم فات "أو باع بعض الصفقة
بقسطها من الثمن" الذي اشتراها به "ولم يبين
ذلك" للمشتري "في تخبيره بالثمن فلمشتر الخيار
بين الإمساك والرد" كالتدليس والمذهب فيما إذا
بان الثمن مؤجلا أنه يؤجل على المشتري ولا
خيار لزوال الضرر كما في الإقناع و المنتهى
"وما يزاد في ثمن
ـــــــ
1 أي دون ربح.
2 أي يظهر البائع للمشتري القيمة الأصلية التي
اشتراه بها ويطلب على ذلك ربحا معينا يحدده أو
نسبة معينة كـ 10% ربحا على رأس المال.
(1/221)
أو يحط منه" أي
من الثمن "في مدة خيار" مجلس أو شرط "أو يؤخذ
أرش العيب أو الجناية عليه" أي على المبيع ولو
بعد لزوم البيع "يلحق برأس ماله و" يجب أن
"يخبر به" كأصله وكذا ما يزاد في مبيع أو أجل
أو خيار أو ينقص منه في مدة خيار فيلحق بعقد
وإن كان ذلك أي ما ذكر من زيادة أو حط بعد
"لزوم البيع" بفوات الخيارين "لم يلحق به" أي
بالعقد فلا يلزم أن يخبر به ويخبر بأرش العيب
والجناية عليه مطلقا لأنه بدل جزء من المبيع
لا إن جنى المبيع ففداه المشتري لأنه لم يزد
به المبيع ذاتا ولا قيمة "وإن أخبر بالحال"
بأن يقول: اشتريته بكذا وزدته أو نقصته كذا
ونحوه فحسن لأنه أبلغ في الصدق ولا يلزم
الإخبار بأخذ نماء واستخدام ووطء إن لم ينقصه
وإن اشترى شيئا بعشرة مثلا وعمل فيه صنعة أو
دفع أجرة كيله أو مخزنه أخبر بالحال ولا يجوز
أن يجمع ذلك ويقول: تحصل علي بكذا وما باعه
اثنان مرابحة فثمنه بحسب ملكيهما لا على رأس
ماليهما.
"السابع" من أقسام الخيار: "خيار" يثبت
"لاختلاف المتبايعين" في الجملة "فإذا اختلفا"
هما أو ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر في قدر
الثمن بأن قال بائع: بعتكه بمائة وقال مشتر:
بثمانين ولا بينة لهما أو تعارضت بينتاهما
تحالفا ولو كانت السلعة تالفة "فيحلف البائع
أولا ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم يحلف
المشترى ما اشتريته بكذا وإنما اشريته بكذا"
وإنما بدأ بالنفي لأنه الأصل في اليمين "ولكل"
من المتبايعين بعد التحالف "الفسخ إن لم يرض
أحدهما بقول الأخر" وكذا إجارة وإن رضي أحدهما
بقول ا لآخر أو حلف أحدهما ونكل الآخر أقر
العقد "فإن كانت السلعة" التي فسخ البيع فيها
بعد التحالف "تالفة رجعا الى قيمة مثلها"
ويقبل قول المشتري فيها لأنه غارم وفي قدر
المبيع "فإن اختلفا في صفته" أي صفة السلعة
التالفة بأن قال البائع: كان العبد كاتبا
وأنكره المشتري "فقول مشتر" لأنه غارم وإذا
تحالفا في الإجارة وفسخت بعد فراغ المدة فأجرة
المثل وفي أثنائها بالقسط
"وإذا فسخ العقد" بعد التحالف "انفسخ ظاهرا
وباطنا" في حق كل منهما كالرد بالعيب
"وإن اختلفا في أجل" بأن يقول المشتري:
اشتريته بكذا مؤجلة وأنكره البائع "أو" اختلفا
في شرط صحيح أو فاسد كرهن أو ضمين أو قدرهما
"فقول من ينفيه" يمينه لأن الأصل عدمه "وإن
اختلفا في عين المبيع" كبعتني هذا العبد قال:
بل هذه الجارية " تحالفا وبطل" أي فسخ "البيع"
كما لو اختلفا في الثمن وعنه القول قول بائع
بيمينه لأنه كالغارم وهي المذهب وجزم بها في
الإقناع و المنتهى وغيرهما وكذا لو اختلفا في
قدر المبيع وإن سميا نقدا واختلفا في صفته أخذ
نقد البلد ثم غالبه رواجا ثم الوسط إن استوت
"وان أبى
(1/222)
كل منهما تسليم
ما بيده" من المبيع والثمن "حتى يقبض العوض
بأن قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض
الثمن وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أستلم
المبيع". "والثمن عين" أي معين "نصب عدل" أي
نصبه الحاكم "يقبض منهما" المبيع والثمن
"ويسلم المبيع" للمشتري "ثم الثمن" للبائع
لجريان عادة الناس بذلك.
"وإن كان" الثمن دينا "حالا أجبر بائع" على
تسليم المبيع لتعلق حق المشتري بعينه "ثم"
أجبر "مشتر إن كان الثمن في المجلس" لوجوب
دفعه عليه فورا لتمكنه منه وإن كان دينا غائبا
في البلد أو فيما دون مسافة القصر1 "حجر عليه"
أي على المشتري "في المبيع وبقية ماله حتى
يحضره" خوفا من أي تصرف في ماله تصرفا يضر
بالبائع وإن كان المال غائبا بعيدا مسافة
القصر أو غيبه بمسافة القصر عنها أي عن البلد
"والمشترى معسر" - يعني - و ظهر أن المشتري
معسر "فللبائع الفسخ" لتعذر الثمن عليه كما لو
كان المشتري مفلسا وكذا مؤجر بنقد حال "ويثبت
الخيار للخلف في الصفة" إذا باعه شيئا موصوفا
"ولتغير ما تقدمت رؤيته" العقد وبذلك تمت
أقسام الخيار ثمانية.
فصل في التصرف في المبيع قبل قبضه وما يحصل به
قبضه
"ومن اشترى مكيلا ونحوه" وهو الموزون والمعدود
والمذروع2 " صح" البيع "ولزم بالعقد" حيث لا
خيار "ولم يصح تصرفه فيه" ببيع أو هبة أو
إجارة أو رهن أو حوالة "حتى يقبضه" 3 لقوله
صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعاما فلا
يبيعه حتى يستوفيه" متفق عليه. ويصح عتقه
وجعله مهرا وعوض خلع ووصيته به وإن اشترى
المكيل ونحوه جزافا صح التصرف فيه قبل قبضه
لقول ابن عمر رضي الله عنهما: مضت السنة ما
أدركته الصفقة حبا مجموعا فهو من مال المشتري.
"وإن تلف" المبيع بكيل ونحوه أو بعضه "قبل
قبضه فمن ضمان البائع" 4 وكذا لو تعيب قبل
قبضه "وإن تلف" المبيع المذكور "بآفة سماوية"
لا صنع لآدمي فيها بطل أي انفسخ "البيع" وإن
بقي البعض خير المشتري في أخذه بقسطه من
الثمن5. "و إن أتلفه
ـــــــ
1 أي أقل من المسافة التي قصر لها الصلاة.
2 المذروع: الذي يقاس بالذارع ويختلف قياس
الذراع من بلد لآخر.
3 أي حتى يصير في حوزته.
4 لأنه مازال في عهدته وعلى مسؤوليته.
5 أي إن بقي نصفه خير بشرائه بنصف الثمن وإن
بقي ربعه فبربع الثمن وهكذا...
(1/223)
أي المبيع بكيل
أو نحوه "آدمي" سواء كان هو البائع أو أجنبيا
" خير مشتر بين فسخ" البيع ويرجع على بائع بما
أخذ من ثمنه و بين "إمضاء ومطالبة متلفه
ببدله" أي بمثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان
متقوما وإن تلف بفعل مشتر فلا خيار له لأن
إتلافه كقبضه "وما عداه" أي عدا ما اشترى بكيل
أو وزن أو عد أو ذرع كالعبد والدار "يجوز تصرف
المشتري فيه قبل قبضه" لقول ابن عمر: كنا نبيع
الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير
وبالعكس فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: "لا باس أن تؤخذ بسعر يومها ما لم
يتفرقا وبينهما شيء" رواه الخمسة إلا المبيع
بصفة أو رؤية متقدمة فلا يصح التصرف فيه قبل
قبضه لان تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن
ضمانه أي ضمان المشتري لقوله صلى الله عليه
وسلم: "الخراج بالضمان" وهذا المبيع للمشتري
فضمانه عليه وهذا ما لم يمنعه بائع من قبضه
فإن منعه حتى تلف ضمنه ضمان غصب والثمر على
الشجر والمبيع بصفة أو رؤية سابقة من ضمان
بائع ومن تعين ملكه في موروث أو وصية أو غنيمة
فله التصرف فيه قبل قبضه.
"ويحصل قبض ما بيع بكيل" بالكيل "أو" أبيع بـ
"وزن" بالوزن "أو" أبيع بـ "عد" بالعد "أو"
أبيع بـ "ذرع بذلك" الذرع لحديث عثمان يرفعه:
"إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل" رواه الإمام.
وشرطه حضور مستحق أو نائبه ويصح استنابة من
عليه الحق للمستحق ومؤنة كيال ووزان وعداد
ونحوه على باذل ولا يضمن ناقد حاذق أمين خطأ و
يحصل "القبض في صبرة وما ينقل" كثياب وحيوان
"بمنقله، و" يحصل القبض في ما يتناول كالجواهر
والأثمان "بتناوله" إذ العرف فيه ذلك "وغيره"
أي غير ما ذكر كالعقار والثمرة على الشجر قبضه
"بتخليته" بلا حائل بأن يفتح له باب الدار
ويسلمه مفتاحها ونحوه وإن كان فيها متاع
للبائع قاله الزركشي ويعتبر لجواز قبض مشاع
ينقل إذن شريكه.
"والإقالة" 1 مستحبة لما روى ابن ماجة عن أبي
هريرة مرفوعا: "من أقال مسلما أقال الله عز
وجل عثرته يوم القيامة" . وهي "فسخ" لأنها
عبارة عن الرفع والإزالة يقال: أقالك الله
عثرتك أي أزالها فكانت فسخا للبيع لا بيعا
"فتجوز قبل قبض المبيع" ولو نحو مكيل ولا تجوز
إلا "بمثل الثمن" الأول قدرا ونوعا لأن العقد
إذا ارتفع رجع كل منهما بما كان له وتجوز بعد
نداء الجمعة ولا يلزم إعادة كيل أو وزن وتصح
من مضارب وشريك وبلفظ صلح وبيع و معاطاة ولا
يحنث بها من حلف لا يبيع "ولا خيار فيها" أي
لا يثبت في الإقالة خيار مجلس ولا خيار شرط أو
نحوه "ولا شفعة" فيها لأنها ليست بيعا ولا تصح
مع تلف مثمن أو
ـــــــ
1 الإقالة فسخ البيع.
(1/224)
موت عاقد ولا
بزيادة على ثمن أو نقصه أو غير جنسه ومؤونة رد
مبيع تقايلاه على بائع.
(1/225)
3-
باب الربا والصرف
الربا مقصور وهو لغة: الزيادة لقوله تعالى:
{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ
اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} 1 أي علت وشرعا: زيادة
في شيء مخصوص والإجماع على تحريمه لقوله
تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبا} 2 والصرف: بيع نقد
بنقد قيل: سمي به لصريفهما وهو تصويتهما في
الميزان قيل: لانصرافهما عن مقتضى البياعات من
عدم جواز التفرق قبل القبض ونحوه والربا
نوعان: ربا فضل وربا نسيئة3.
ربا الفضل
"يحرم ربا الفضل" في كل "مكيل" بيع بجنسه
مطعوما كان كالبر أو غيره كلأشنان "و" في كل
"موزون بيع بجنسه" مطعوما كان كالسكر أو لا
كالكتان لحديث عبادة بن الصامت مرفوعا: "الذهب
بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير
بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا
بمثل يدا بيد" رواه أحمد ومسلم ولا ربا في ماء
ولا فيما لا يوزن عرفا لصناعته كفلوس غير ذهب
وفضة ولا في مطعوم لا يكال ولا يوزن كبيض
وجوز4.
"ويجب فيه" أي يشترط في بيع مكيل أو موزون
بجنسه مع التماثل "الحلول القبض" من الجانبين
بالمجلس لقوله صلى الله عليه وسلم فيما سبق:
"يدا بيد" " ولا يباع مكيل بجنسه إلا كيلا"
فلا يباع بجنسه وزنا ولو تمرة بتمرة. ولا يباع
موزون بجنسه إلا وزنا فلا يصح كيلا لقوله صلى
الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن":
[والفضة بالفضة وزنا بوزن والبر بالبر كيلا
بكيل
ـــــــ
1 سورة الحج من الآية "5".
2 سورة البقرة من الآية "275".
3 وهما محرمان كلاهما وربا الفضل هو أن يعطي
الأول للثاني كمية من المال أو السلع مما يكال
ويوزن على أن يؤديها الثاني إليه بعد أجل
بزيادة معينة متفق عليها فإذا لم يقدر على ذلك
أدى إليه الزيادة فقط ثم هما على شرط هما لمدة
أخرى يؤدي فيها الأصل وفوقه زيادة جديدة أو
يؤجله بزيادة جديدة فوق الزيادة القديمة.
وربا النسيئة هو البيع المؤجل الدفع بسعر يزيد
عن سعر البيع المعجل الدفع والفرق بينهما هو
ربا المال المؤجل.
4 إذ قد يسدد الدين بما هو أفضل منه إذ يختلف
حجم البيض و الجوز والربا هنا لا يكون بفرق
النوع إنما بفرق العدد.
(1/225)
والشعير
بالشعير كيلا بكيل" رواه الأثرم من حديث عبادة
بن الصامت ولأن ما خولف معياره الشرعي لا
يتحقق فيه التماثل والجهل به كالعلم بالتفاضل
ولو كيل المكيل أو وزن الموزون فكانا سواء صح
"ولا" يباع "بعضه" أي بعض المكيل والموزون "
ببعض" من جنسه جزافا لما تقدم ما لم يعلما
تساويهما في المعيار الشرعي فلو باعه صبرة
بأخرى وعلما كيلهما وتساويهما أو تبايعاهما
مثلا بمثل وكيلتا فكانتا سواء صح وكذا زبرة
حديد1 بأخرى من جنسها "فان اختلف الجنس" كبر
بشعير وحديد بنحاس "جازت الثلاثة" أي الكيل
والوزن والجزاف لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا
كان يدا بيد" رواه مسلم وأبو داود.
"والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعا" فالجنس:
هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها والنوع: هو
الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها وقد يكون النوع
جنسا وبالعكس والمراد هنا الجنس الأخص والنوع
الأخص فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهو جنس
وقد مثله بقوله: " كبر ونحوه" من شعير وتمر
وملح "وفروع الأجناس أجناس كالأدقة والأخباز
والأدهان أجناس" لأن الفرع يتبع الأصل فلما
كانت أصول هذه أجناسا وجب أن تكون هذه أجناسا
فدقيق الحنطة جنس ودقيق الذرة جنس وكذا
البواقي "واللحم أجناس باختلاف أصوله" لأنه
فرع أصول هي أجناس فكان أجناسا كالأخباز
والضان والمعز جنس واحد ولحم البقر والجواميس
جنس ولحم الإبل جنس واحد وهكذا "وكذا اللبن"
أجناس باختلاف أصوله لما تقدم "واللحم والشحم
والكبد" والقلب والألية والطحال والرئة
والأكارع "أجناس" لأنها مختلفة في الاسم
والخلقة فيجوز بيع جنس منها بآخر متفاضلا.
"ولا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه" لما روى
مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم
بالحيوان. "ويصح" بيع اللحم بحيوان من "غير
جنسه" كلحم ضأن ببقرة لأنه ليس أصله ولا جنسه
فجاز كما لو بيع بغير مأكول.
"ولا يجوز بيع حب" كبر "بدقيقه ولا سويقه"
لتعذر التساوي لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن
والنار قد أخذت من السويق وإن بيع الحب بدقيق
أو سويق من غير جنسه صح لعدم اعتبار التساوي
إذا "و" لا بيع "نيئه بمطبوخه" كالحنطة
بالهريسة أو الخبز أو النشاء لأن النار تعقد
أجزاء المطبوخ فلا يحصل التساوي و لا بيع
"أصله بعصيره" كزيتون بزيت وسمسم بشيرج وعنب
بعصيره و لا بيع "خالصه بمشوبه" كحنطة فيها
شعير بخالصة ولبن
ـــــــ
1 زبرة الحديد: قضيب الحديد أو القطعة منه.
(1/226)
مشوب بخالص
لانتفاء التساوي المشترط إلا أن يكون الخلط
يسيرا وكذا بيع اللبن بالكشك ولا بيع الهريسة
والحريرة والفالوذج والسنبوسك بعضه ببعض ولا
بيع نوع منها بنوع آخر "و" لا بيع "رطبه
بيابسه" كبيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب لما
روى مالك وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص أن
النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب
بالتمر قال: "أينقص الرطب إذا يبس" ؟ قالوا:
نعم فنهى عن ذلك.
"ويجوز بيع دقيقه" أي دقيق الربوي "بدقيقه إذا
استويا في النعومة" لأنهما تساويا حال العقد
على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان و يجوز بيع
"مطبوخه بمطبوخه" كسمن بقري بسمن بقري مثلا
بمثل و يجوز بيع "خبزه بخبزه إذا استويا في
النشاف" فإن كان أحدهما أكثر رطوبة من الآخر
لم يحصل التساوي المشترط ويعتبر التماثل في
الخبز بالوزن كالنشاف لأنه يقدر به عادة ولا
يمكن كيله لكن إن يبس ودق وصار فتيتا بيع
بمثله كيلا و يباع "عصيره بعصيره" كماء عنب
بماء عنب "ورطبه برطبه" كالرطب والعنب بمثله
لتساويهما ولا يصح بيع المحاقلة وهي: بيع الحب
المشتد في سنبله بجنسه ويصح بغير جنسه ولا بيع
المزابنة وهي: بيع الرطب على النخل بالتمر إلا
في العرايا بان يبيعه خرصا بمثل ما يؤول إليه
إذا جف كيلا فيما دون خمسة أوسق لمحتاج لرطب
ولا ثمن معه بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق
ففي نخل بتخلية وفي تمر بكيل ولا يصح في بقية
الثمار.
"ولا يباع ربوي بجنسه ومعه" أي أحد العوضين
"أو معهما من غير جنسه" كمد عجوة ودرهم
بدرهمين أو بمد عجوة أو بمد ودرهم لما روى أبو
داود عن فضالة بن عبيد قال: أتي النبي صلى
الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها
رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "لا حتى تميز بينهما"
قال: فرده حتى ميز بينهما فإن كان ما مع
الربوي يسيرا لا يقصد كخبز فيه ملح بمثله
فوجوده كعدمه1.
"ولا" يباع "تمر بلا نوى بما" أي بتمر "فيه
نوى" لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه وكذا
لو نزع النوى ثم باع التمر والنوى بتمر ونوى
"ويباع النوى بتمر فيه نوى و" يباع " لبن و
يباع "صوف بشاة ذات لبن وصوف" لأن النوى في
التمر واللبن والصوف في الشاة غير مقصود كدار
مموه سقفها بذهب بذهب وكذا درهم فيه نحاس
بمثله أو بنحاس ونخلة عليها ثمرة بمثلها أو
بتمر ويصح بيع نوعي جنس بنوعيه أو نوعه كحنطة
حمراء وسوداء ببيضاء وتمر معقلي وبرني
بإبراهيمي وصيحاني2.
ـــــــ
1 لأن الملح الزائد هنا في النوع الثاني من
الخبز لا يمكن استخلاصه منه والاستفادة منه
منفردا.
2 وهذه أنواع من التمر الجيد وأنواع من التمر
على ما أخبرنا أحد العارفين به العاملين في
حقله يزيد على الثلاثماية نوع أفضلها البرجي
والمكيوي والبرني وأدناها الدقل والأشرس.
(1/227)
ومرد أي مرجع
الكيل لعرف المدينة على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم و مرجع الوزن لعرف مكة زمن
النبي صلى الله عليه وسلم لما روى عبد الملك
بن عمير عن النبى صلى الله عليه وسلم:
"المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة"
."وما لا عرف له هناك" أي بالمدينة ومكة "
اعتبر عرفه في موضعه" لأن ما لا عرف له في
الشرع يرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز فإن
اختلفت البلاد اعتبر الغالب فإن لم يكن رد إلى
أقرب ما يشبهه بالحجاز وكل مائع مكيل ويجوز
التعامل بكيل لم يعهد.
فصل: في ربا النسيئة
"ويحرم ربا النسيئة" من النساء بالمد وهو
التأخير " في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا
الفضل" وهي الكيل أو الوزن "ليس أحدهما" أي
أحد الجنسين نقدا فإن كان أحدهما نقدا كحديد
بذهب أو فضة جاز النساء1 وإلا لا نسد باب
السلم2 في الموزونات غالبا إلا صرف فلوس نافقة
بنقد فيشترط فيه الحلول والقبض واختار ابن
عقيل وغيره: لا وتبعه في الإقناع كالمكيلين
والموزونين ولو من جنسين فإذا بيع بر بشعير أو
حديد بنحاس اعتبر الحلول و التقابض قبل التفرق
"وان تفرقا قبل القبض بطل" العقد لقوله صلى
الله عليه وسلم: "إذا اختلفت هذه الأصناف
فبيعوا كيف شيءتم يدا يد" والمراد به القبض
"وإن باع مكيلا بموزون" أو عكسه "جاز التفرق
قبل القبض" و جاز "النساء" لأنهما لم يجتمعا
في أحد وصفي علة ربا الفضل أشبه الثياب
بالحيوان "وما لا كيل فيه ولا وزن كالثياب
والحيوان يجوز فيه النساء" لأمر النبي صلى
الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو أن يأخذ على
قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى
إبل الصدقة رواه أحمد والدارقطني وصححه وإذا
جاز في الجنس الواحد ففي الجنسين أولى.
"ولا يجوز بيع الدين بالدين" حكاه ابن المنذر
إجماعا لحديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن بيع الكالئ بالكالئ3 وهو بيع ما في الذمة
بثمن مؤجل لمن هو عليه وكذا بحال لم يقبض قبل
التفرق وجعله رأس مال سلم.
ـــــــ
1 النساء: تأجيل الدفع.
2 السلف: التسليف أي إعطاء السلفة من أصل
القيمة.
3 وهذا بيع غائب بغائب قد يحصل أحدهما ولا
يحصل الآخر.
(1/228)
فصل
"ومتى افترق المتصارفان" 1 بأبدانهما كما تقدم
في خيار المجلس " قبل قبض الكل" أي كل العوض
المعقود عليه في الجانبين أو قبل قبض البعض
منه "بطل العقد فيما لم يقبض" سواء كان الكل
أو البعض لأن القبض شرط لصحة العقد لقوله صلى
الله عليه وسلم: "وبيعوا الذهب بالفضة كيف
شيءتم يدا بيد" ولا يضر طول المجلس مع
تلازمهما ولو مشيا إلى منزل أحدهما مصطحبين صح
وقبض الوكيل قبل مفارقة موكله المجلس كقبض
موكله ولو مات أحدهما قبل القبض فسد العقد.
"والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد"
لأنها عوض مشار إليه في العقد فوجب أن تتعين
كسائر الأعواض "فلا تبدل" بل يلزم تسليمها إذا
طولب بها لوقوع العقد على عينها " وان وجدها
مغصوبة بطل" العقد كالمبيع إذا ظهر مستحقا وإن
تلفت قبل القبض فمن مال بائع إن لم تحتج لوزن
أو عد "و" إن وجدها "معيبة من جنسها" كالوضوح
في الذهب والسواد في الفضة أمسك بلا أرش إن
تعاقدا على مثلين كدرهم فضة بمثله وإلا فله
أخذه في المجلس وكذا بعده من غير الجنس أو رد
العقد للعيب وإن وجدها معيبة من غير جنسها كما
لو وجد الدراهم نحاسا بطل العقد لأنه باعه غير
ما سمى له.
"ويحرم الربا بين المسلم والحربي" بأن يأخذ
المسلم زيادة من الحربي لعموم ما تقدم فيه من
الأدلة "و" يحرم الربا "بين المسلمين مطلقا
بدار إسلام أو حرب" لما تقدم إلا بين سيد
ورقيقه وإذا كان له على آخر دنانير فقضاه
دراهم شيئا فشيئا فإن كان يعطيه كل درهم
بحسابه من الدنانير صح وإن لم يفعل ذلك ثم
تحاسبا بعد فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز
لأنه بيع دين بدين وإن قبض أحدهما من الآخر
ماله عليه ثم صارفه بعين وذمة صح.
ـــــــ
1 المتصارفان: بائعا الأثمان أي الذي يصرف
الدنانير بدراهم أو الدراهم بدنانير أو بائع
الذهب بالذهب والفضة بالفضة.
(1/229)
باب بيع الأصول والثمار
بيع الأصول
...
4- باب بيع الأصول والثمار
الأصول جمع أصل وهو ما يتفرع عنه غيره والمراد
هنا: الدور والأرض والشجر والثمار: جمع ثمر
كجبل وجبال وواحد الثمر ثمرة.
"إذا باع دارا" أو وهبها أو رهنها أو وقفها أو
أقر أو وصى بها " شمل" العقد " أرضها"
(1/229)
أي إذا كانت
الأرض يصح بيعها فإن لم يجز كسواد العراق فلا
"و" شمل "بناءها وسقفها" لأنهما داخلان في
مسمى الدار "و" شمل "الباب المنصوب" وحلقته
"والسلم والرف المسمرين والخابية المدفونة"
والرحى المنصوبة لأنه متصل بها لمصلحتها أشبه
الحيطان وكذا المعدن الجامد وما فيها من شجر
وعرش دون ما هو مودع فيها من كنز وهو المال
المدفون "وحجر" مدفون " ومنفصل منها كحبل ودلو
وبكرة وقفل وفرش ومفتاح" ومعدن جار وماء نبع
وحجر رحى فوقاني لأنه غير متصل بها واللفظ لا
يتناوله ولو كانت الصيغة المتلفظ بها الطاحونة
أو المعصرة دخل الفوقاني كالتحتاني.
"وإن باع أرضا" أو وهبها أو وقفها أو رهنها أو
أقر أو وصى بها "ولو لم يقل بحقوقها شمل"
العقد "غرسها وبناءها" لأنهما من حقوقها وكذا
- إن باع ونحوه - بستانا لأنه اسم للأرض
والشجر والحائط "وإن كان فيها زرع "لا يحصد
إلا مرة كبر وشعير فلبائع ونحوه مبقى إلى أول
وقت أخذه بلا أجرة ما لم يشترطه مشتر
"وان كان" الزرع "يجز" مرارا كرطبة وبقول "أو
يلقط مرارا" كقثاء وباذنجان وكذا نحو ورد
فأصوله للمشتري لأنها تراد للبقاء فهي كالشجر
"والجزة واللقطة الظاهرتان عند البيع للبائع"
وكذا زهر تفتح لأنه كالثمر المؤبر وعلى البائع
قطعها في الحال "وان اشترط المشتري ذلك صح"
والشرط وكان له الثمر المؤبر إذا اشترطه مشتري
الشجر ويثبت الخيار لمشتر ظن دخول ما ليس له
من زرع وثمر كما كما لو جهل وجودهما ولا يشمل
بيع قرية مزارعها بلا نص أو قرينة.
(1/230)
فصل في بيع الفاكهة والثمار
"ومن باع" أو وهب أو رهن نخلا "تشقق طلعه" ولو
لم يؤبر1 "ف" الثمر "لبائع مبقى إلى الجذاذ
إلا أن يشترطه مشتر" ونحوه لقوله صلى الله
عليه وسلم: "من ابتاع نخلا بعد أن يؤبر
فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع"
متفق عليه. والتأبير: التلقيح وإنما نعى عليه
والحكم منوط بالتشقق لملازمته له غالبا وكذا
لو صالح بالنخل أو جعله أجرة أو صداقا آو عوض
خلع بخلاف وقف ووصية فإن الثمرة تدخل فيهما
أبرت أو لم تؤبر كفسخ لعيب ونحوه وكذلك أي
كالنخل شجر العنب والتوت وغيره كجميز من كل
شجر لا قشر على ثمرته فإذا بيع ونحوه بعد ظهور
الثمرة كانت للبائع ونحوه "و" كذا " ما ظهر من
نوره
ـــــــ
1 التأبير: تلقيح النخلة الأنثى بطلع النخلة
الذكر لأنها بغير لا تحمل ثمرا يؤكل بل يكون
ثمرها صغيرا مزا غير صالح للأكل ولا للتمر.
(1/230)
كالمشمش
والتفاح وما خرج من أكمامه" جمع كم وهو الغلاف
"كالورد" والبنفسج "والقطن" الذي يحمل في كل
سنة لأن ذلك كله بمثابة تشقق الطلع "وما قبل
ذلك" أي قبل التشقق في الطلع والظهور في نحو
العنب والتوت والمشمش والخروج من الأكمام في
نحو الورد والقطن والورق فلمشتر ونحوه لمفهوم
الحديث السابق في النخل وما عداه فبالقياس
عليه وان تشقق أو ظهر بعض ثمره ولو من نوع
واحد فهو لبائع وغيره لمشتر إلا في شجرة فالكل
لبائع ونحوه ولكل السقي لمصلحة ولو تضرر
الآخر.
ولا يباع ثمر قبل بدو صلاحه لأنه صلى الله
عليه وسلم "نهى عن بيع الثمار حتى يبدو
صلاحها، نهى البائع والمبتاع" متفق عليه
والنهي يقتضي الفساد ولا يباع " زرع قبل
اشتداد حبه" لما روى مسلم عن ابن عمر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى
يزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة
نهى البائع وا لمشتري . ولا تباع " رطبة وبقل
ولا قثاء ونحوه وباذنجان دون الأصل" أي منفردة
عن أصولها لأن ما في الأرض مستور مغيب وما
يحدث منه معدوم فلم يجز بيعه كالذي يحدث من
الثمرة فإن بيع الثمر قبل بدو صلاحه بأصوله أو
الزرع الأخضر بأرضه أو بيعا لمالك أصلهما أو
بيع قثاء ونحوه مع أصله صح البيع لأن الثمر
إذا بيع مع الشجر والزرع إذا بيع مع الأرض
دخلا تبعا في البيع فلم يضر احتمال الغرر وإذا
بيعا لمالك الأصل فقد حصل التسليم للمشتري على
الكمال "إلا" إذا باع الثمرة قبل بدو صلاحها
أو الزرع قبل اشتداد حبه "بشرط القطع في
الحال" فيصح إن انتفع بهما لأن المنع من البيع
لخوف التلف وحدوث العاهة وهذا مامون فيما يقطع
أو إلا إذا باع الرطبة والبقول "جزة" موجودة
فـ "جزة" فيصح لأنه معلوم لا جهالة فيه ولا
غرر "أو" إلا إذا باع القثاء ونحوها "لقطة"
موجودة لما تقدم وما لم يخلق لم يجز بيعه
"والحصاد" لزرع والجذاذ لثمر "واللقاط" لقثاء
ونحوها "على المشترى" لأنه نقل لملكه وتفريغ
لملك البائع عنه فهو كنقل الطعام.
"وإن باعه" أي الثمر قبل بدو صلاحه أو الزرع
قبل اشتداد حبه أو القثاء ونحوه "مطلقا" أي من
غير ذكر قطع ولا تبقية لم يصح البيع لما تقدم
أو باعه ذلك "بشرط البقاء" لم يصح البيع لما
تقدم "أو اشترى ثمرا لم يبد صلاحه بشرط القطع
وتركه حتى بدا" صلاحه بطل البيع بزيادته لئلا
يجعل ذلك ذريعة إلى شراء الثمرة قبل بدو
صلاحها وتركها حتى يبدو صلاحها وكذا زرع أخضر
بيع بشرط القطع ثم ترك حتى اشتد حبه أو اشترى
جزة ظاهرة من بقل أو رطبة "أو" اشترى "لقطة"
ظاهرة من قثاء ونحوها ثم تركهما "فنمتا" بطل
البيع لئلا يتخذ حيلة على بيع الرطبة ونحوها
والقثاء ونحوها بغير شرط القطع "أو اشترى ما
بدا صلاحه" من ثمر "وحصل" معه "آخر واشتبها"
بطل البيع قدمه في المقنع وغيره
(1/231)
والصحيح أن
البيع صحيح وإن علم قدر الثمرة الحادثة دفع
للبائع والباقي للمشتري وإلا اصطلحا ولا يبطل
البيع لأن المبيع اختلط بغيره ولم يتعذر
تسليمه والفرق بين هذه والتي قبلها اتخاذه
حيلة على شراء الثمرة قبل بدو صلاحها كما
تقدم. " أو" اشترى رطبا "عرية" وتقدمت صورتها
في ا لربا فتركها فأتمرت أي صارت تمرا "بطل"
البيع لأنه إنما جاز للحاجة إلى أكل الرطب
فإذا أتمر تبينا عدم الحاجة سواء كان الترك
لعذر أو لا والكل أي الثمرة وما حدث معها على
ما سبق للبائع لفساد البيع.
"وإذا بدا" أي ظهر "ما له صلاح في الثمرة
واشتد الحب جاز بيعه" أي بيع ما ذكر من الثمرة
والحب "مطلقا" أي من غير شرط و جاز بيعه "بشرط
التبقية" أي تبقية الثمر إلى الجذاذ والزرع
إلى الحصاد لأمن العاهة ببدو الصلاح و"للمشتري
تبقيته إلى الحصاد والجذاذ" وله قطعه في الحال
وله بيعه قبل جذه "ويلزم البائع سقيه" بسقي
الشجر الذي هو عليها إن احتاج إلى ذلك أي إلى
السقي وكذا لو لم تحتج إليه لأنه يجب عليه
تسليمه كاملا فلزمه سقيه "وإن تضرر الأصل"
بالسقي ويجبر إن أبى بخلاف ما إذا باع الأصل
وعليه ثمر للبائع فإنه لا يلزم المشتري سقيها
لأن البائع لم يملكها من جهته.
"وإن تلفت" ثمرة بيعت بعد بدو صلاحها دون
أصلها قبل أوان جذاذها "بآفة سماوية" وهي ما
لا صنع لآدمي فيها كالريح والحر والعطش "رجع"
ولو بعد القبض "على البائع" لحديث جابر "أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح"
رواه مسلم ولأن التخلية في ذلك ليست بقبض تام
وإن كان التالف يسيرا لا ينضبط فات على
المشتري "وإن أتلفه" أي الثمر المبيع على ما
تقدم "آدمي" ولو البائع "خير مشتر بين الفسخ"
ومطالبة البائع بما دفع من الثمن والإمضاء أي
البقاء على البيع "ومطالبة المتلف" بالبدل
وصلاح بعض ثمرة "الشجرة صلاح لها ولسائر النوع
الذي في البستان" لأن اعتبار الصلاح في الجميع
يشق.
"وبدو الصلاح في ثمر النخل أن تحمر أو تصفر"
لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة
حتى تزهو قيل لأنس: وما زهوها ؟ قال: تحمار
وتصفار، " وفي العنب أن يتموه حلوا" لقول أنس:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب
حتى يسود رواه أحمد ورواته ثقات قاله في
المبدع "وفي بقية الثمرات" كالتفاح والبطيخ أن
يبدو نيه النضج ويطيب أكله لأنه صلى الله عليه
وسلم: نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب متفق عليه
والصلاح في نحو قثاء أن يؤكل عادة وفي حب أن
يشتد أو يبيض.
"ومن باع عبدا" أو أمة "له مال فماله لبائعه
إلا أن يشترطه المشتري" لحديث ابن عمر مرفوعا:
"من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن
يشترطه المبتاع" رواه مسلم "فإن كان
(1/232)
قصده" أي
المشتري " المال" الذي مع العبد " اشترط علمه"
أي العلم بالمال " وسائر شروط البيع" لأنه بيع
مقصود أشبه ما لو ضم إليه عينا أخرى " وإلا"
يكن قصده المال " فلا" يشترط له شروط البيع
وصح شرطه ولو كان مجهولا لأنه دخل تبعا أشبه
أساسات الحيطان وسواء كان مثل الثمن أو فوقه
أو دونه وإذا شرط مال العبد ثم رده بإقالة أو
غيرها رده معه "وثياب الجمال" التي على العبد
المبيع " للبائع" لأنها زيادة على العادة ولا
يتعلق بها حاجة العبد و ثياب لبس "العادة
للمشترى" لجريان العادة ببيعها معه ويشمل بيع
دابة كفرس لجاما ومقودا ونعلا.
(1/233)
5-
باب السلم1
هو لغة أهل الحجاز والسلف لغة أهل العراق وسمي
سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا
لتقديمه " وهو" شرعا " عقد على موصوف" ينضبط
بالصفة " في الذمة" فلا يصح في عين كهذه الدار
" مؤجل" بأجل معلوم بثمن مقبوض بمجلس العقد
وهو جائز بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن
معلوم إلى أجل معلوم" متفق عليه.
"ويصح" السلم " بألفاظ البيع" لأنه بيع حقيقة
و بلفظ "السلم والسلف" لأنهما حقيقة فيه إذ
هما اسم للبيع الذي عجل ثمنه وأجل مثمنه
"بشروط سبعة" زائدة على شروط البيع والجار
متعلق بـ يصح:
"أحدها: انضباط صفاته" التي يختلف الثمن
باختلافها اختلافا كثيرا ظاهرا لأن ما لا يمكن
ضبط صفاته يختلف كثيرا فيفضي إلى المنازعة
والمشاقة " بمكيل" أي كمكيل من حبوب و ثمار و
خل و دهن و لبن ونحوها " وموزون" من قطن و
حرير وصوف ونحاس و زئبق وشب وكبريت وشحم ولحم
نيء ولو مع عظمه إن عين موضع قطع " ومذروع" من
ثياب وخيوط " وأما المعدود المختلف كالفواكه"
المعدودة كرمان فلا يصح السلم فيه لاختلافه
بالصغر والكبر و كـ البقول لأنها تختلف ولا
يمكن تقديرها بالحزم و كـ " الجلود" لأنها
تختلف ولا يمكن ذرعها لاختلاف الأطراف و كـ "
الرؤوس" والأكارع لأن أكثر ذلك
ـــــــ
1 والسلم أو السلف: هو أن يعطي صاحب المال بعض
المال لصاحب الأرض أو الشجر سلفا قبل الموسم
يساعده بذلك على خمة الأرض والزرع والنفقة على
نفسه وعياله على أن يبيعه ما تنتج أرضه أو
أشجاره متفق عليه عند التسليف.
(1/233)
العظام
والمشافر " و" كـ " الأواني المختلفة الرؤوس
والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس"
لاختلافها " و" كـ " الجواهر" واللؤلؤ والعقيق
ونحوه لأنها تختلف اختلافا متباينا بالصغر
والكبر وحسن التدوير وزيادة الضوء والصفاء و
كـ " الحامل من الحيوان" كأمة حامل لأن الصفة
لا تأتي على ذلك والولد مجهول غير محقق وكذا
لو أسلم في أمة وولدها لندرة جمعهما الصفة
"وكل مغشوش" لأن غشه يمنع العلم بالقدر
المقصود منه فإن كانت الأثمان خالصة صح السلم
فيها ويكون رأس المال غيرها ويصح السلم في
فلوس ويكون رأس المال عرضا " و ما يجمع
أخلاطا" مقصودة "غير متميزة كالغالية" والند "
والمعاجين" التي يتداوى بها "فلا يصح السلم"
فيه لعدم انضباطه.
"ويصح" السلم "في الحيوان" ولو آدميا لحديث
أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف
من رجل بكرا رواه مسلم. و يصح أيضا في "الثياب
المنسوجة من نوعين" كالكتان والقطن ونحوهما
لأن ضبطهما ممكن وكذا نشاب ونبل مريشان وخفاف
ورماح و يصح أيضا في "ما خلطه" بكسر الخاء
"غير مقصود كالجبن" فيه المنفحة "وخل التمر"
فيه الماء "والسكنجبين" فيه الخل " ونحوها"
كالشيرج والخبز والعجين.
الشرط " الثاني: ذكر الجنس والنوع" أي جنس
المسلم فيه ونوعه "وكل وصف يختلف به" أي بسببه
" الثمن" اختلافا " ظاهرا" كلونه وقدره وبلده
"وحداثته وقدمه" ولا يجب استقصاء كل الصفات
لأنه يتعذر ولا ما لا يختلف به الثمن لعدم
الاحتياج إليه. " ولا يصح شرط" المتعاقدين
"الأردأ أو الأجود" لأنه لا ينحصر إذ ما من
ردئ أو جيد إلا ويحتمل وجود أردأ أو أجود منه
بل يصح شرط جيد ورديء ويجزئ ما صدق عليه أنه
جيد أو رديء فينزل الوصف على أقل درجة "فإن
جاء" المسلم إليه "بما شرط" للمسلم لزمه أخذه
أو جاءه بـ أجود منه أي من المسلم فيه "من
نوعه ولو قبل محله" أي حلوله "ولا ضرر قي قبضه
لزمه أخذه" لأنه جاءه بما تناوله العقد وزيادة
تنفعه وإن جاءه بدون ما وصف أو بغير نوعه من
جنسه فله أخذه ولا يلزمه وإن جاءه بجنس آخر لم
يجز قبوله وإن قبض المسلم فيه فوجد به عيبا
فله رده وإمساكه مع الأرش.
الشرط "الثالث: ذكر قدره" أي قدر المسلم فيه "
بكيل" معهود فيما يكال " أو بوزن" معهود فيما
يوزن لحديث: "من أسلف في شيء فليسلف في كيل
معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" متفق عليه "
أو ذرع يعلم" عند العامة لأنه إذا كان مجهولا
تعذر الاستيفاء به عند التلف فيفوت العلم
بالمسلم فيه فإن شرطا مكيالا غير معلوم بعينه
أو صنجة غير معلومة بعينها لم يصح وإن كان
معلوما صح السلم دون التعيين "وان أسلم في
المكيل" كالبر
(1/234)
والشيرج1 "
وزنا أو في الموزون" كالحديد "كيلا لم يصح"
السلم لأنه قدره بغير ما هو مقدر به فلم يجز
كما لو أسلم في المذروع وزنا و لا يصح في
فواكه معدودة كرمان وسفرجل ولو وزنا.
الشرط "الرابع: ذكر أجل معلوم" للحديث السابق
ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه ويعتبر أن
يكون الأجل "له وقع في الثمن" عادة كشهر فلا
يصح السلم إن أسلم حالا لما سبق ولا إن أسلم
إلى أجل مجهول كـ "إلى الحصاد والجذاذ" وقدوم
الحاج لأنه يختلف فلم يكن معلوما ولا يصح
السلم إلى أجل قريب كـ "يوم" ونحوه لأنه لا
وقع له في الثمن إلا أن يسلم " في شيء يأخذه
منه كل يوم" أجزاء معلومة " كخبز ولحم
ونحوهما" من كل ما يصح السلم فيه إذ الحاجة
داعية إلى ذلك فإن قبض البعض وتعذر الباقي رجع
بقسطه من الثمن ولا يجعل الباقي فضلا على
المقبوض لتماثل أجزائه بل يقسط الثمن عليهما
بالسوية.
الشرط " الخامس: أن يوجد" المسلم فيه غالبا في
محله بكسر الحاء أي وقت حلوله لوجوب تسليمه
إذا فإن كان لا يوجد فيه أو يوجد نادرا كالسلم
في العنب والرطب إلى الشتاء لم يصح و يعتبر
أيضا وجود المسلم فيه في "مكان الوفاء" غالبا
فلا يصح إن أسلم في ثمرة بستان صغير معين أو
قرية صغيرة أو في نتاج من فحل بغي فلان أو
غنمه أو مثل هذا الثوب لأنه لا يؤمن تلفه
وانقطاعه و لا يعتبر وجود المسلم فيه "وقت
العقد" لأنه ليس وقت وجود التسليم "فان أسلم
إلى محل يوجد فيه غالبا فـ "تعذر" المسلم فيه
بأن لم تحمل الثمار تلك السنة أو تعذر " بعضه
فله" أي لرب السلم2 " الصبر" إلى أن يوجد
فيطالب به " أو فسخ" العقد في " الكل" إن تعذر
الكل " أو" في " البعض" المتعذر "ويأخذ الثمن
الموجود أو عوضه" أي عوض الثمن التالف لأن
العقد إذا زال وجب رد الثمن ويجب رد عينه إن
كان باقيا أو عوضه إن كان تالفا أي مثله إن
كان مثليا أو قيمته إن كان متقوما هذا إن كان
فسخ في الكل فإن فسخ في البعض فبقسطه.
الشرط "السادس: أن يقبض الثمن تاما" لقوله صلى
الله عليه وسلم: "من أسلف في شيء فليسلف..."
الحديث أي فليعط قال الشافعي: لأنه لا يقع اسم
السلف فيه حتى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارق من
أسلفه ويشترط أن يكون رأس مال السلم "معلوما
قدره ووصفه" كالمسلم فيه فلا يصح بصبرة لا
يعلمان قدرها ولا بجوهر ونحوه مما لا ينضبط
بالصفة
ـــــــ
1 الشيرج أو السيرج هو زيت السمسم وقد تطلق
على السمسم نفسه.
2 رب السلم: صاحب المال المسلم إلى صاحب
السلعة.
(1/235)
ويكون القبض "
قبل التفرق" من المجلس وكل ما لين1 حرم النساء
فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر لأن
السلم من شرطه التأجيل "وإن قبض البعض" من
الثمن في المجلس " ثم افترقا" قبل قبض الباقي
"بطل فيما عداه" أي عدا المقبوض وصح في
المقبوض ولو جعل دينا سلما لم يصح وأمانة أو
عينا مغصوبة أو عارية يصح لأنه في معنى القبض
"وإن أسلم" ثمنا واحدا "في جنس" كبر "إلى
أجلين" كرجب وشعبان مثلا "أو عكسه" بأن أسلم
في جنسين كبر وشعير إلى أجل كرجب مثلا " صح"
السلم "إن بين" قدر "كل جنس وثمنه" في المسألة
الثانية بأن يقول: أسلمتك دينارين أحدهما في
إردب قمح صفته كذا وأجله كذا والثاني في
إردبين شعيرا صفته كذا والأجل كذا و صح أيضا
إن بين قسط كل أجل في المسألة الأولى بأن
يقول: أسلمتك دينارين أحدهما في إردب قمح إلى
رجب والآخر في إردب وربع مثلا إلى شعبان فإن
لم يبين ما ذكر فيهما لم يصح لأن مقابل كل من
الجنسين أو الأجلين مجهول.
الشرط " السابع: أن يسلم في الذمة فلا يصح"
السلم " في عين" كدار وشجرة لأنها ربما تلفت
قبل أوان تسليمها.
"و" لا يشترط ذكر مكان الوفاء لأنه صلى الله
عليه وسلم لم يذكره بل " يجب الوفاء موضع
العقد" لأن العقد يقتضي التسليم في مكانه وله
أخذه في غيره إن رضيا ولو قال: خذه وأجرة حمله
إلى موضع الوفاء لم يجز
"ويصح شرطه" أي الوفاء " في غيره" أي غير مكان
العقد لأنه بيع فصح شرط الإيفاء في غير مكانه
كبيوع الأعيان وإن شرطا الوفاء في موضع العقد
كان تأكيدا "وإن عقد" السلم "ببر" ية " أو
بحر2 شرطاه"3 أي مكان الوفاء لزوما وإلا فسد
السلم لتعذر الوفاء موضع العقد وليس بعض
الأماكن سواه أولى من بعض فاشترط تعيينه
بالقول كالكيل ويقبل قول المسلم إليه في
تعيينه مع يمينه "ولا يصح بيع المسلم فيه" لمن
هو عليه أو غيره "قبل قبضه" لنهيه صلى الله
عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه ولا تصح
أيضا " هبته" لغير من هو عليه لعدم القدرة على
تسليمه "ولا الحوالة به" لأنها لا تصح إلا على
دين مستقر والسلم عرضة للفسخ " ولا" الحوالة "
عليه" أي على المسلم فيه أو رأس ماله بعد فسخ
" ولا أخذ
ـــــــ
1 مالين مثنى مال.
2 بر: هو اسم الأرض إطلاقا وجعلها برية من
الشارح يعني في مكان لا عمارة فيه أي خراج
المدن والقرى أو بحر أي عند شاطئ بحر أو في
نهر معين على بعد كذا من الشاطئ وهكذا..
3 شرطاه: أي جعلا شرطا له أي أن أسلم في برية
فالأداء يكون فيها وإن أسلم في بحر فالأداء
يكون فيه فإن كان ذلك مما يتعسر أو لا يمكن
فسد السلم.
(1/236)
عوضه" لقوله
صلى الله عليه وسلم: "من أسلم في شيء فلا
يصرفه في غيره" وسواء فيما ذكر إذا كان المسلم
فيه موجودا أو معدوما والعوض مثله في القيمة
أو أقل أو أكثر وتصح الإقالة في السلم.
"ولا يصح" أخذ " الرهن والكفيل به" أي بدين
السلم رويت كراهيته عن علي وابن عباس وابن عمر
إذ وضع الرهن للاستيفاء من ثمنه عند تعذر
الاستيفاء من الغريم ولا يمكن استيفاء المسلم
فيه من عين الرهن ولا من ذمة الضامن حذرا من
أن يصرفه إلى غيره ويصح بيع دين مستقر كقرض أو
ثمن مبيع لمن هو عليه بشرط قبض عوضه في المجلس
وتصح هبة كل دين لمن هو عليه ولا يجوز لغيره
وتصح استنابة من عليه الحق للمستحق.
(1/237)
6-
باب القرض
بفتح القاف وحكي كسرها ومعناه لغة: القطع.
واصطلاحا: دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله وهو
جائز بالإجماع.
وهو مندوب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث
ابن مسعود: "ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين
إلا كان كصدقة مرة" . وهو مباح للمقترض وليس
من المسألة المكروهة لفعله صلى الله عليه
وسلم.
"وما يصح بيعه" من نقد أو عرض " صح قرضه"
مكيلا كان أو موزونا أو غيرهما لأنه صلى الله
عليه وسلم استسلف من رجل بكرا "إلا بني آدم"
فلا يصح قرضهم لأنه لم ينقل ولا هو من المرافق
ويفضي إلى أن يقترض جارية يطأها ثم يردها.
ويشترط معرفة قدر القرض ووصفه وأن يكون
المقترض ممن يصح تبرعه ويصح بلفظه وبلفظ السلف
وكل ما أدى معناهما وإن قال: ملكتك ولا قرينة
على رد بدله فهبة " ويملك" القرض " بقبضه"
كالهبة ويتم بالقبول وله الشراء به من مقرضه "
فلا يلزم رد عينه" للزومه بالقبض "بل يثبت
بدله في ذمته" أي ذمة المقترض حالا ولو أجله
المقرض لأنه عقد منع فيه من التفاضل فمنع
الأجل فيه كالصرف قال الإمام: القرض حال
وينبغي أن يفي بوعده فإن رده المقترض أي رد
القرض بعينه " لزم" المقرض " قبوله" إن كان
مثليا لأنه رده على صفة حقه سواء تغير سعره أو
لا حيث لم يتعيب وإن كان متقوما لم يلزم
المقرض قبوله وله الطلب بالقيمة وإن كانت
الدراهم التي وقع القرض عليها " مكسرة أو" كان
القرض "فلوسا فمنع السلطان المعاملة بها" أي
بالدراهم المكسرة أو الفلوس فله أي للمقرض "
القيمة وقت القرض" لأنه كالعيب فلا يلزمه
قبولها وسواء كانت باقية أو استهلكها وتكون
القيمة من غير جنس الدراهم وكذلك المغشوشة إذا
حرمها السلطان " ويرد" المقترض " المثل" أي
مثل ما اقترضه " في المثليات"
(1/237)
لأن المثل أقرب
شبها من القيمة فيجب رد مثل فلوس غلت أو رخصت
أو كسدت " و" يرد "القيمة في غيرها" من
المتقومات وتكون القيمة في جوهر ونحوه يوم
قبضه وما يصح سلم فيه يوم قرضه فان أعوز أي
تعذر "المثل فالقيمة إذا" أي وقت إعوازه لأنها
حينئذ تثبت في الذمة.
"ويحرم" اشتراط "كل شرط جر نفعا" كأن يسكنه
داره أو يقضيه خيرا منه لأنه عقد إرفاق وقربة
فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه " وإن
بدأ به" أي بما فيه نفع كسكنى داره " بلا شرط"
ولا مواطأة بعد الوفاء جاز لا قبله "أو أعطاه
أجود" بلا شرط جاز لأنه صلى الله عليه وسلم
استسلف بكرا فرد خيرا منه وقال: "خيركم أحسنكم
قضاء" متفق عليه " أو" أعطاه " هدية بعد
الوفاء جاز" لأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في
القرض ولا وسيلة إليه " و إن تبرع" المقترض "
لمقرضه قبل وفاته بشئ لم تجز عادته به" قبل
القرض " لم يجز إلا أن ينوي" المقرض مكافأته
على ذلك الشئ "أو احتسابه من دينه" فيجوز له
قبوله لحديث أنس مرفوعا قال: "إذا أقرض أحدكم
قرضا فأهدي إليه أو حمله على الدابة فلا
يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه
قبل ذلك" رواه ابن ماجة وفي سنده جهالة.
"وإن أقرضه أثمانا فطالبه بها ببلد آخر لزمته"
الأثمان أي مثلها لأنه أمكنه قضاء الحق من غير
ضرر فلزمه ولأن القيمة لا تختلف فانتفى الضرر
"و" تجب " فيما لحمله مؤنة قيمته" ببلد القرض
لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه ولا يلزمه
المثل في البلد الآخر لأنه لا يلزمه حمله إليه
إن لم تكن قيمته " ببلد الفرض أنقص" صوابه
أكثر فإن كان القيمة ببلده القرض أكثر لزمه
مثل المثلي لعدم الضرر إذا ولا يجبر رب الدين
على أخذ قرضه ببلد آخر إلا فيما لا مؤنة لحمله
مع أمن البلد والطريق وإذا قال: اقترض لي مائة
ولك عشرة صح لأنها في مقابلة ما بذله من جاهه
ولو قال: اضمني فيها ولك ذلك لم يحسن.
(1/238)
باب الرهن
مدخل
...
7- باب الرهن
هو لغة: الثبوت والدوام يقال: ماء راهن أي
راكد ونعمة راهنة أي دائمة.
وشرعا: توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو
من ثمنها وهو جائز بالإجماع ولا يصح بدون
إيجاب وقبول أو ما يدل عليهما ويعتبر معرفة
قدره وجنسه وصفته وكون راهن جائز التصرف مالكا
للمرهون أو مأذونا له فيه1.
ـــــــ
1 أي يملك حق التصرف فيه حق ملك أو كالملك
كالعبد يأذن مولاه وهذا يعني أن من ارتهن شيئا
فكان لديه لا يحق له أن يرهنه لآخر لأن حقه
فيه وهو حق حيازة ضمانا لماله ولا حق له ببيعه
ولا رهنه لأنه مسؤول عن تأويته في أي وقت
لمالكه الأصلي متى أدى إليه ماله.
(1/238)
"ويصح" الرهن "
في كل عين يجوز بيعها" لأن القصد منه
الاستيثاق بالديون ليتوصل إلى استيفائه من ثمن
الرهن عند تعذره من الراهن وهذا متحقق في كل
عين يجوز بيعها "حتى المكاتب" لأنه يجوز بيعه
ويمكن من الكسب وما يؤديه من النجوم رهن معه
وإن عجز ثبت الرهن فيه وفي كسبه وإن عتق بقي
ما أداه رهنا ولا يصح شرط منعه من التصرف
والمعلق عتقه بصفة إن كانت توجد قبل حلول
الدين لم يصح رهنه وإلا صح. ويصح الرهن "مع
الحق" بأن يقول: بعتك هذا بعشرة إلى شهر
ترهنني بها عبدك هذا فيقول: اشتريت منك ورهنته
لأن الحاجة داعية إلى جوازه إذا " و" يصح "
بعده" أي بعد الحق بالإجماع ولا يجوز قبله
لأنه وثيقة بحق فلم يجز قبل ثبوته ولأنه تابع
للحق فلا يسبقه ويعتبر أن يكون "بدين ثابت" أو
مآله إليه حتى على عين مضمونة كعارية ومقبوض
بعقد فاسد ونفع إجارة في ذمة لا على دين كتابة
أو دية على عاقلة قبل الحلول ولا بعهدة مبيع
وثمن وأجرة معينين ونفع نحو دار معينة.
"ويلزم" الرهن بالقبض " في حق الراهن فقط" لأن
الحظ فيه لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق
الضامن " و يصح رهن المشاع" لأنه يجوز بيعه في
محل الحق ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في
يد أحدهما أو غيرهما جاز وإن اختلفا جعله حاكم
بيد أمين أمانة أو بأجرة "ويجوز رهن المبيع"
قبل قبضه " غير المكيل والموزون" و المذروع
والمعدود " على ثمنه وغيره" عند بائعه وغيره
لأنه يصح بيعه بخلاف المكيل ونحوه لأنه لا يصح
بيعه قبل قبضه فكذلك رهنه.
"وما لا يجوز بيعه" كالوقف وأم الولد " لا يصح
رهنه" لعدم حصول مقصود الرهن منه إلا الثمرة
والزرع الأخضر قبل بدو صلاحهما بدون شرط القطع
فيصح رهنهما مع أنه لا يصح بيعهما بدونه لأن
النهي عن البيع لعدم الأمن من العاهة ولهذا
أمر بوضع الجوائح وبتقدير تلفها لا يفوت حق
المرتهن من الدين لتعلقه بذمة الراهن ويصح رهن
الجارية دون ولدها وعكسه ويباعان ويختص
المرتهن بما قابل الرهن من الثمن " ولا يلزم
الرهن" في حق الراهن " إلا بالقبض" كقبض
المبيع لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}
1 ولا فرق بين المكيل وغيره وسواء كان القبض
من المرتهن أو من اتفقا عليه والرهن قبل القبض
صحيح وليس بلازم فللراهن فسخه والتصرف فيه فإن
تصرف فيه بنحو بيع أو عتق بطل وبنحو إجارة أو
تدبير لا يبطل لأنه لا يمنع من البيع.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "283".
(1/239)
"واستدامته" أي
القبض " شرط" في اللزوم للآية وكالابتداء "
فإن أخرجه" المرتهن " إلى الراهن باختياره"
ولو كان نيابة عنه " زال لزومه" لزوال استدامة
القبض وبقي العقد أنه لم يوجد فيه قبض ولو
آجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه فلزومه
باق. فإن رده أي رد الراهن الرهن " إليه" أي
إلى المرتهن " عاد لزومه إليه" لأنه أقبضه
باختياره فلزم كالابتداء ولا يحتاج إلى تجديد
عقد لبقائه ولو استعار شيئا ليرهنه جاز ولربه
الرجوع قبل إقباضه لا بعده لكن له مطالبة
الراهن بفكاكه مطلقا ومتى حل الحق ولم يقضه
فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه منه ويرجع المعير
بقيمته أو مثله إن تلف ضمنه الراهن وهو
المستعير ولو لم يفرط المرتهن.
"ولا ينفذ تصرف واحد منهما" أي من الراهن
والمرتهن " فيه" أي في الرهن المقبوض "بغير
إذن الأخر" لأنه يفوت على الآخر حقه فإن لم
يتفقا على المنافع لم يجز الانتفاع وكانت
معطلة وإن اتفقا على الإجارة أو الإعارة جاز
ولا يمنع المرتهن الراهن من سقي شجر وتلقيح
ومداواة وفصد و إنزاء فحل على مرهونة بل من
قطع سلعة خطرة إلا عتق الراهن المرهون "فإنه
يصح مع الإثم" لأنه مبني على السراية والتغليب
" وتؤخذ قيمته" حال الإعتاق من الراهن لأنه
أبطل حق المرتهن من الوثيقة وتكون " رهنا
مكانه" لأنها بدل عنه وكذا لو قتله أو أحبل
الأمة بلا إذن المرتهن أو أقر بالعتق وكذبه.
"ونماء الرهن" المتصل والمنفصل كالسمن وتعلم
الصنعة الولد والثمرة والصوف " وكسبه وأرش
الجناية عليه ملحق به" أي بالرهن فيكون رهنا
معه ويباع معه لوفاء الدين إذا بيع " ومؤنته"
أي الرهن " على الراهن" لحديث سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له
غنمه وعليه غرمه" رواه الشافعي والدارقطني
وقال: إسناده حسن متصل. " و" على الراهن أيضا
كفنه و مؤنة تجهيزه بالمعروف لأن ذلك تابع
لمؤنته و عليه أيضا " أجرة مخزنه" إن كان
مخزونا وأجرة حفظه " وهو أمانة في يد المرتهن"
للخبر السابق ولو قبل عقد الرهن كبعد الوفاء "
وإن تلف من غير تعد" ولا تفريط منه أي من
المرتهن "فلا شيء" عليه قاله علي رضي الله عنه
لأنه أمانة في يده كالوديعة فإن تعدى أو فرط
ضمن.
"ولا يسقط بهلاكه" أي الرهن "شيء من دينه"
لأنه كان ثابتا في ذمة الراهن قبل التلف ولم
يوجد ما يسقطه فبقي بحاله وكما لو دفع إليه
عبدا ليبيعه ويستوفي حقه من ثمنه " وإن تلف
بعضه" أي الرهن "فباقيه رهن بجميع الدين" لأن
الدين كله متعلق بجميع أجزاء الرهن "و لاينفك
بعضه مع بقاء بعض الدين" لما سبق سواء كان مما
تمكن قسمته أو لا
(1/240)
ويقبل قول
المرتهن في التلف وإن ادعاه بحادث ظاهر كلف
بينة بالحادث وقبل قوله في التلف وعدم التفريط
ونحوه.
"وتجوز الزيادة فيه" أي في الرهن بأن رهنه
عبدا بمائة ثم رهنه عليها ثوبا لأنه زيادة
استيثاق دون الزيادة في " دينه" فإذا رهنه
عبدا بمائة لم يصح جعله رهنا بخمسين مع المائة
ولو كان يساوي ذلك لأن الرهن أشغل بالمائة
الأولى والمشغول لا يشغل.
"وإن رهن" واحد " عند اثنين شيئا" على دين
لهما " فوفى أحدهما" انفك في نصيبه لأن عقد
الواحد مع اثنين بمنزلة عقدين فكأنه رهن كل
واحد منهما النصف منفردا وإن طلب المقاسمة
أجيب إليها إن كان الرهن مكيلا و موزونا " أو
رهناه شيئا استوفى من أحدهما انفك في نصيبه"
لأن الراهن متعدد فلو رهن اثنان عبدا لهما شد
اثنين بألف فهذه أربعة عقود ويصير كل ربع منه
رهنا بمائتين وخمسين ومتى قضى بعض دينه أو
أبرئ منه و ببعضه رهن أو كفيل فعما نواه فإن
أطلق صرفه إلى أيهما شاء " ومتى حل الدين" لزم
الراهن الإيفاء كالدين الذي لا رهن به.
"و" إن " امتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن
للمرتهن أو العدل" الذي تحت يده الرهن "في
بيعه باعه" لأنه مأذون له فيه فلا يحتاج
لتجديد إذن من الراهن وإن كان البائع العدل
اعتبر إذن المرتهن أيضا "ووفاء الدين" لأنه
المقصود بالبيع وإن فضل من ثمنه شيء فلمالكه
وإن بقي منه شيء فعلى الراهن " وإلا" يأذن في
البيع ولم يوف "أجبره الحكم على وفائه أو بيع
الرهن" لأن هذا شأن الحاكم فإن امتنع حبسه أو
عزره حتى يفعل "فإن لم يفعل" أي أصر على
الامتناع أو كان غائبا أو تغيب "باعه الحكم
ووفى دينه" لأنه حق تعين عليه فقام الحاكم
مقامه فيه وليس للمرتهن بيعه إلا بإذن ربه أو
الحاكم.
(1/241)
فصل في شروط الراهن
"و يكون" الرهن " عند من اتفقا عليه أمانة"
فإذا اتفقا أن يكون تحت يد جائز التصرف1 صح
وقام قبضه مقام قبض المرتهن ولا يجوز تحت يد
صبي أو عبد بغير إذن سيده أو مكاتب بغير جعل
إلا بإذن سيده وإن شرط جعله بيد اثنين لم
ينفرد أحدهما بحفظه وليس للراهن ولا للمرتهن
إذا لم يتفقا ولا للحاكم نقله عن يد العدل إلا
أن تتغير
ـــــــ
1 أي بيد شخص ثالث يكون الرهن عنده أمانة.
(1/241)
حاله وللوكيل
رده عليهما لا على أحدهما "وإن أذنا له في
البيع" أي بيع الرهن "لم يبع إلا بنقد البلد"
لأن الحظ فيه لرواجه فإن تعدد باع بجنس الدين
فإن عدم فبما ظنه أصلح فإن تساوت عينه حاكم
وإن عينا نقدا تعين ولم تجز مخالفتهما فإن
اختلفا لم يقبل قول واحد منهما ويرفع الأمر
للحاكم ويأمر ببيعه بنقد البلد سواء كان من
جنس الحق أو لم يكن وافق قول أحدهما أو لا.
"وإن" باع بإذنهما و " قبض الثمن فتلف في يده"
من غير تفريط " فمن ضمان الراهن" لأن الثمن في
يد العدل أمانة فهو كالوكيل وإن ادعى العدل
دفع الثمن إلى المرتهن "فأنكره ولا بينة"
للعدل بدفعه للمرتهن "ولم يكن" الدفع " بحضور
الراهن" ضمن العدل لأنه فرط حيث لم يشهد ولأنه
إنما أذن له في قضاء مبرئ ولم يحصل فيرجع
المرتهن على راهنه ثم هو على العدل وإن كان
القضاء ببينة لم يضمن لعدم تفريطه سواء كانت
البينة قائمة أو معدومة كما لو كان بحضرة
الراهن لأنه لا يعد مفرطا " كوكيل" في قضاء
الدين فحكمه حكم العدل فيما تقدم لأنه في
معناه.
"وإن شرط أن لا يبيعه" المرتهن " إذا حل
الدين" ففاسد لأنه شرط ينافي مقتضى العقد
كشرطه أن لا يستوفي الدين من ثمنه أو لا يباع
ما خيف تلفه " أو" شرط "إن جاءه بحقه في وقت
كذا وإلا فالرهن له" أي للمرتهن بدينه لم يصح
الشرط وحده لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا
يغلق الرهن" رواه الأثرم وفسره الإمام بذلك
و يصح الرهن للخبر "ويقبل قول راهن في قدر
الدين" بأن قال المرتهن: هو رهن بألف وقال
الراهن: بل بمائة فقط و يقبل قوله أيضا في قدر
"الرهن" فإذا قال المرتهن: رهنتني هذا العبد
والأمة وقال الراهن: بل العبد وحده فقوله لأنه
منكر "و" يقبل قوله أيضا في "رده" بأن قال
المرتهن: رددته إليك وأنكر الراهن فقوله لأن
الأصل معه والمرتهن قبض العين لمنفعته فلم
يقبل قوله في الرد كالمستأجر "و" يقبل قوله
أيضا " في كونه عصيرا لا خمرا" في عقد شرط فيه
بأن قال: بعتك كذا بكذا على أن ترهنني هذا
العصير وقبل على ذلك وأقبضه له ثم قال
المرتهن: كان خمرا فلي فسخ البيع وقال الراهن:
بل كان عصيرا فلا فسخ فقوله لأن الأصل
السلامة.
"وإن أقر" الراهن " أنه" أي أن الرهن "ملك
غيره" قبل على نفسه دون المرتهن فيلزمه رده
للمقر له إذا انفك الرهن "أو أقر" الراهن "
أنه" أي أن الرهن " جنى قبل" إقرار الراهن
"على نفسه" لا على المرتهن إن كذبه لأنه متهم
في حقه وقول الغير على غيره غير مقبول "وحكم
بإقراره بعد فكه" أي فك الرهن بوفاء الدين أو
الإبراء منه "إلا أن يصدقه المرتهن" فيبطل
الرهن لوجود المقتضى السالم عن المعارض ويسلم
للمقر له به.
(1/242)
فصل في الانتفاع بالمرهون
"وللمرتهن أن يركب" من الرهن "ما يركب و أن
يحلب ما يحلب بقدر نفقته" متحريا للعدل بلا
إذن راهن لقوله صلى الله عليه وسلم: "الظهر
يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب
بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب
النفقة" رواه البخاري. و تسترضع الأمة بقدر
نفقتها وما عدا ذلك من الرهن لا ينتفع به إلا
بإذن مالكه1.
"وإن أنفق على" الحيوان "الرهن بغير إذن
الراهن مع إمكانه" أي إمكان استئذانه "لم
يرجع" على الراهن ولو نوى الرجوع لأنه متبرع
أو مفرط حيث لم يستأذن المالك مع قدرته عليه
"وإن تعذر" استئذانه وأنفق بنية الرجوع " رجع"
على الراهن "ولو لم يستأذن الحاكم" لاحتياجه
لحراسة حقه "وكذا وديعة وعارية ودواب مستأجرة
هرب ربها" فله الرجوع إذا أنفق على ذلك بنية
الرجوع عند تعذر إذن مالكها بالأقل مما أنفق
أو نفقة المثل "ولو خرب الرهن" إن كان دارا "
فعمره" المرتهن "بلا إذن" الراهن "رجع بآلته
فقط" لأنها ملكه لا بما يحفظ به مالية الدار
وأجرة المعمرين لأن العمارة ليست واجبة على
الراهن فلم يكن لغيره أن ينوب عنه فيها بخلاف
نفقة الحيوان لحرمته في نفسه وإن جنى الرهن
ووجب مال خير سيده بين فدائه وبيعه وتسليمه
إلى ولي الجناية فيملكه فإن فداه فهو رهن
بحاله وإن باعه أو سلمه في الجناية بطل الرهن
وإن لم يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره و
باقيه رهن وإن جني عليه فالخصم سيده فإن أخذ
الأرش كان رهنا وإن اقتص فعليه قيمة أقل
العبدين الجاني والمجني عليه قيمة تكون رهنا
مكانه.
ـــــــ
1 أي إن كان الاستعمال مما فيه خطر على
المرتهن فلا يجوز إلا بإذن مالكه لأنه قد يكون
في ذلك ذهاب للعين المرهونة وهو لا يملك حق
التصرف الكامل فيها.
(1/243)
باب الضمان
مدخل
...
باب الضمان
مأخوذ من الضمن فذمة الضامن في ضمن ذمة
المضمون عنه. ومعناه شرعا: التزام ما وجب على
غيره مع بقائه وما قد يجب ويصح بلفظ سمين
وكفيل وقبيل وحميل وزعيم وتحملت دينك أو ضمنته
أو هو عندي نحو ذلك وبإشارة مفهومة من أخرس1.
ـــــــ
1 أي يفهم منها عادة ما يعني قوله ذلك.
(1/243)
"ولا يصح"
الضمان "إلا من جائز التصرف" لأنه إيجاب مال
فلا يصح من صغير ولا سفيه ويصح من مفلس لأنه
تصرف في ذمته ومن قن ومكاتب بإذن سيدهما ويؤخذ
مما بيد مكاتب ومما ضمنه قن من يده.
"ولرب الحق مطالبة من شاء منهما" أي من
المضمون والضامن "في الحياة والموت" لأن الحق
ثابت في ذمتهما فملك مطالبة من شاء منهما
لحديث: "الزعيم غارم" رواه أبو داود والترمذي
وحسنه " فإن برئت ذمة المضمون عنه" من الدين
المضمون بإبراء أو قضاء أو حوالة ونحوها "
برئت ذمة الضامن" لأنه تبع له لا عكسه فلا
يبرأ المضمون ببراءة الضامن لأن الأصل لا يبرأ
ببراءة التبع وإذا تعدد الضامن لم يبرأ أحدهم
بإبراء الآخر ويبرؤون بإبراء المضمون عنه "ولا
تعتبر معرفة الضامن للمضمون عنه ولا" معرفته
للمضمون " له" لأنه لا يعتبر رضاهما فكذا
معرفتهما بل يعتبر رضى الضامن لأن الضمان تبرع
بالتزام الحق فاعتبر له الرضى كالتبرع
بالأعيان.
"و يصح ضمان المجهول إذا آل إلى العلم" لقوله
تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ
وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} 1 وهو غير معلوم لأنه
يختلف " و" يصح أيضا ضمان ما يؤول إلى الوجوب
كـ "العواري والمغصوب والمقبوض بسوم" إن ساومه
وقطع ثمنه أو ساومه فقط ليريه أهله إن رضوه
وإلا رده وإن أخذه ليريه أهله بلا مساومة ولا
قطع ثمن فغير مضمون.
"و" يصح ضمان " عهدة مبيع" بأن يضمن الثمن إن
استحق المبيع أو رد بعيب أو الأرش إن خرج
معيبا أو يضمن الثمن للبائع قبل تسليمه أو إن
ظهر به عيب أو استحق فيصح لدعاء الحاجة إليه.
وألفاظ ضمان العهدة: ضمنت عهدته أو دركه
ونحوها ويصح أيضا ضمان ما يجب بأن يضمن ما
يلزمه من دين أو ما يداينه زيد لعمرو ونحوه
وللضامن إبطاله قبل وجوبه "لا ضمان الأمانات
كوديعة" ومال شركة وعين مؤجرة لأنها في
الأمانات غير مضمونة على صاحب اليد فكذا ضامنه
" بل" يصح ضمان "التعدى فيها" أي في الأمانات
لأنها حينئذ تكون مضمونة على من هي بيده
كالمغصوب وإن قضى الضامن الدين بنية الرجوع
رجع وإلا فلا وكذا كفيل وكل مؤد عن غيره دينا
واجبا غير نحو زكاة.
ـــــــ
1 سورة يوسف من الآية "72".
(1/244)
فصل في الكفالة
وهي التزام رشيد إحضار من عليه حق مالي لربه
وتنعقد بما ينعقد به ضمان وإن ضمن معرفته أخذ
به.
(1/244)
"وتصح الكفالة
بـ" بدن " كل" إنسان عنده "عين مضمونة" كعارية
ليردها أو بدلها.
"و" تصح أيضا " ببدن من عليه دين" ولو جهله
الكفيل لأن كلا منهما حق مالي فصحت الكفالة به
كالضمان.
و " لا" تصح ببدن من عليه " حد" لله تعالى
كالزنا أو لآدمي كالقذف لحديث عمرو ابن شعيب
عن أبيه عن جده مرفوعا: "لا كفالة في حد" .
ولا ببدن من عليه " قصاص" لأنه لا يمكن
استيفاؤه من غير الجاني ولا بزوجة وشاهد ولا
بمجهول أو إلى أجل مجهول ويصح إذا قدم الحاج
فأنا كفيل بزيد شهرا.
"ويعتبر رضى الكفيل" لأنه لا يلزمه الحق
ابتداء إلا برضاه " لا" رضى " مكفول به" أو له
كالضمان " فإن مات" المكفول برئ الكفيل لأن
الحضور سقط عنه "أو تلفت العين بفعل الله
تعالى" قبل المطالبة برئ الكفيل لأن تلفها
بمنزلة موت المكفول به فإن تلفت بفعل آدمي
فعلى المتلف بدلها ولم يبرأ الكفيل "أو سلم"
المكفول "نفسه برئ الكفيل" لأن الأصيل أدى ما
على الكفيل أشبه ما لو قضى المضمون عنه الدين
وكذا يبرأ الكفيل إذا سلم المكفول بمحل العقد
وقد حل الأجل أو لا بلا ضرر في قبضه وليس ثم
يد حائلة ظالمة وإن تعذر إحضار المكفول مع
حياته أو غاب ومضى زمن يمكن إحضاره فيه ضمن ما
عليه إن لم يشترط البراءة منه ومن كفله اثنان
فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر وإن سلم نفسه
برئا.
(1/245)
9-
باب الحوالة
مشتقة من التحول1 لأنها تحول الحق من ذمة إلى
ذمة أخرى وتنعقد بـ: أحلتك وأتبعتك بدينك على
فلان ونحوه.
"و لا تصح" الحوالة "إلا على دين مستقر" إذ
مقتضاها إلزام المحال عليه بالدين مطلقا وما
ليس بمستقر عرضة للسقوط فلا تصح على مال
مكاتبة أو سلم أو صداق قبل دخول أو ثمن مبيع
مدة خيار ونحوها وإن أحاله على من لا دين عليه
فهي وكالة و الحوالة على ماله في الديوان أو
الوقف إذن في الاستيفاء. "لا يعتبر استقرار
المحال فيه" فإن أحال المكاتب سيده أو الزوج
زوجته صح لأن له تسليمه و حوالته تقوم مقام
تسليمه.
ـــــــ
1 التحول: هو الانتقال من مكان لآخر أو من
وجهة إلى أخرى والاشتقاق هنا مستند إلى الدين
نفسه لأنه هو المحول من ذمة إلى أخرى.
(1/245)
"ويشترط" أيضا
للحوالة "اتفاق الدينين" أي تماثلهما " جنسا"
كدنانير بدنانير أو دراهم بدراهم فإن أحال من
عليه ذهب بفضة أو عكسه لم يصح " ووصفا" كصحاح
بصحاح أو مضروبة بمثلها فإن اختلفا لم يصح "
ووقتا" أي حلولا أو تأجيلا أجلا واحدا فلو كان
أحدهما حالا والآخر مؤجلا أو أحدهما يحل بعد
شهر والآخر بعد شهرين لم تصح وقدرا فلا يصح
بخمسة على ستة لأنها إرفاق كالقرض فلو جوزت مع
الاختلاف لصار المطلوب منها الفضل فتخرج عن
موضوعها "ولا يؤثر الفاضل" في بطلان الحوالة
فلو أحال بخمسة من عشرة على خمسة أو بخمسة على
خمسة من عشرة صحت لاتفاق ما وقعت فيه الحوالة
والفاضل باق بحاله لربه.
"وإذا صحت" الحوالة بأن اجتمعت شروطها نقل
الحق إلى ذمة المحال عليه " وبرئ المحيل"
بمجرد الحوالة فلا يملك المحتال الرجوع على
المحيل بحال سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر
لمطل أو فلس أو موت أو غيرهما وإن تراضى
المحتال والمحال عليه على خير من الحق أو دونه
في الصفة أو تعجيله أو تأجيله أو عوضا جاز "
ويعتبر" لصحة الحوالة "رضاه" أي رضا المحيل
لأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين
على المحال عليه.
ويعتبر أيضا علم المال وأن يكون مما يثبت مثله
في الذمة بالإتلاف من الأثمان والحبوب ونحوها
و لا يعتبر رضا المحال عليه لأن للمحيل أن
يستوفي الحق بنفسه بوكيله وقد أقام المحتال
مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع
إليه ولا رضا المحتال إن أحيل على مليء ويجبر
على إتباعه لحديث أبي هريرة يرفعه: "مطل الغني
ظلم1 وإذا اتبع أحدكم على ملىء2 فليتبع" متفق
عليه وفي لفظ: "من أحيل بحقه على مليء فليحتل"
و الملىء القادر بماله وقوله وبدنه فماله
القدرة على الوفاء وقوله أن لا يكون مماطلا
وبدنه إمكان حضوره إلى مجلس الحاكم قاله
الزركشي.
"وإن كان" المحال عليه "مفلسا ولم يكن"
المحتال " رضي" الحوالة عليه "رجع به" أي
بدينه على المحيل لأن الفلس عيب ولم يرض به
فاستحق الرجوع كالمبيع لمعيب فإن رضي بالحوالة
عليه فلا رجوع له إن لم يشترط الملاءة
لتفريطه.
"ومن أحيل بثمن" مبيع بأن أحال المشتري البائع
به على من له عليه دين فبان البيع
ـــــــ
1 أي مماطلة القادر على سداده فلا يسدد الدين
رغم استطاعته بل يؤجل ذلك من وقت إلى آخر هي
ظلم للدائن لأنه يمنعه حقه وهو قادر على
أدائه.
2 أي قادر على السداد.
(1/246)
باطلا فلا
حوالة "أو أحيل به" أي بالثمن " عليه" بأن
أحال البائع على المشترى مدينه بالثمن فبان
البيع باطلا بأن كان المبيع مستحقا أو حرا أو
خمرا فلا حوالة لظهور أن لا ثمن على المشتري
لبطلان البيع والحوالة فرع على لزوم الثمن
ويبقى الحق على ما كان عليه أولا.
"وإذا فسخ البيع" بتقايل أو خيار عيب أو نحوه
"لم تبطل" الحوالة لأن عقد البيع لم يرتفع فلم
يسقط الثمن فلم تبطل الحوالة وللمشتري الرجوع
على البائع لأنه لما رد المعوض استحق الرجوع
بالعوض "ولهما أن يحيلا" أي للبائع أن يحيل
المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة
الأولى وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على
البائع في الثانية. وإذا اختلفا فقال: أحلتك
قال بل وكلتني أو بالعكس فقول مدعي الوكالة
وإن اتفقا على أحلتك أو أحلتك بديني وادعى
أحدهما إرادة الوكالة صدق وإن اتفقا على أحلتك
بدينك فقول مدعي الحوالة وإذا طالب الدائن
المدين فقال: أحلت فلانا الغائب وأنكر رب
المال قبل قوله مع يمينه ويعمل بالبينة.
(1/247)
10-
باب الصلح
هو لغة: قطع المنازعة وشرعا: معاقدة يتوصل بها
إلى إصلاح بين متخاصمين.
والصلح في الأموال قسمان: على إقرار وهو
المشار إليه بقوله: "إذا أقر له بدين أو عين
فأسقط" عنه من الدين بعضه "أو وهبه" من العين
" البعض وترك الباقي" أي لم يبرئ منه ولم يهبه
" صح" لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه
كما لا يمنع من استيفائه لأنه صلى الله عليه
وسلم كلم غرماء جابر ليضعوا عنه ومحل صحة ذلك
إن لم يكن بلفظ الصلح فإن وقع بلفظه لم يصح
لأنه صالح عن بعض ماله ببعض فهو هضم للحق.
ومحله أيضا "إن لم يكن شرطاه" بأن يقول بشرط
أن تعطيني كذا أو على أن تعطيني أو تعوضني كذا
ويقبل على ذلك فلا يصح لأنه يقتضي المعاوضة
فكأنه عاوض عن بعض حقه ببعض واسم يكن ضمير
الشأن وفي بعض النسخ: إن لم يكن شرطا أي بشرط
ومحله أيضا أن لا يمنعه حقه بدونه وإلا بطل
لأنه أكل لمال الغير بالباطل
"و" محله أيضا أن لا يكون ممن " لا يصح تبرعه"
كمكاتب وناظر وقف وولي صغير ومجنون لأنه تبرع
وهؤلاء لا يملكونه إلا إن أنكر من عليه الحق
ولا بينة لأن استيفاء البعض عند العجز عن
استيفاء الكل أولى من تركه.
وإن وضع رب دين "بعض الدين الحال وأجل باقيه
صح الإسقاط فقط" لأنه أسقط عن طيب نفسه ولا
مانع من صحته ولم يصح التأجيل لأن الحال لا
يتأجل وكذا لو صالحه عن مائة صحاح بخمسين
مكسرة فهو إبراء من الخمسين ووعد في الأخرى ما
لم يقع بلفظ
(1/247)
الصلح فلا يصح
كما تقدم. " و إن صالح عن المؤجل ببعضه حالا"
لم يصح في غير الكتابة لأنه يبذل القدر الذي
يحطه عوضا عن تعجيل ما في ذمته وبيع الحلول
والتأجيل لا يجوز " أو بالعكس" بأن صالح عن
الحال ببعضه مؤجلا لم يصح إن كان بلفظ الصلح
كما تقدم فإن كان بلفظ الإبراء ونحوه صح
الإسقاط دون التأجيل وتقدم " أو أقر له ببيت"
ادعاه " فصالحه على سكناه" ولو مدة معينة كسنة
أو على أن " يبني له فوقه غرفة" أو صالحه على
بعضه لم يصح الصلح لأنه صالح عن ملكه على ملكه
أو منفعته وإن فعل ذلك كان تبرعا متى شاء
أخرجه وإن فعله على سبيل المصالحة معتقدا
وجوبه عليه بالصلح رجع عليه بأجرة ما سكن وأخذ
ما كان بيده من الدار لأنه أخذه بعقد فاسد "أو
صالح مكلفا ليقر له بالعبودية" أي بأنه مملوكه
لم يصح أو صالح " امرأة لتقر له بالزوجية بعوض
لم يصح" الصلح لأن ذلك صلح يحل حراما لأن
إرقاق النفس وبذل المرأة نفسها بعوض لا يجوز.
" وإن بذلاهما" أي دفع العبد المدعى عليه
العبودية والمرأة المدعى عليهما الزوجية عوضا
" له" أي للمدعي "صلحا عن دعواه صح" لأنه يجوز
أن يعتق عبده ويفارق امرأته بعوض ومن علم بكذب
دعواه لم يبح له أخذ العوض لأنه أكل لمال
الغير بالباطل.
"وإن قال: أقر لي بديني وأعطيك منه كذا ففعل"
أي فأقر بالدين " صح الإقرار" لأنه أقر بحق
يحرم عليه إنكاره و "لا" يصح " الصلح" لأنه
يجب عليه الإقرار بما عليه من الحق فلم يحل له
أخذ العوض عليه فإن أخذ شيئا رده وإن صالحه عن
الحق بغير جنسه كما لو اعترف له بعين أو دين
فعوضه عنه ما يجوز تعويضه فإن كان بنقد عن نقد
فصرف وإن كان بعرض فبيع يعتبر له ما يعتبر فيه
ويصح بلفظ صلح وما يؤدي معناه وإن كان بمنفعة
كسكنى دار فإجارة وإن صالحت المعترفة بدين أو
عين بتزويج نفسها صح ويكون صداقا وإن صالح عما
في الذمة بشئ في الذمة لم يجز التفرق قبل
القبض لأنه بيع دين بدين وإن صالح عن دين بغير
جنسه جاز مطلقا وبجنسه لا يجوز بأقل أو أكثر
على وجه المعاوضة ويصح الصلح عن مجهول تعذر
علمه من دين أو عين بمعلوم فإن لم يتعذر علمه
فكبراءة من مجهول.
فصل
القسم الثاني: صلح على إنكار وقد ذكره بقوله:
" ومن ادعي عليه بعين أو دين فسكت أو أنكر وهو
يجهله" أي يجهل ما ادعي به عليه " ثم صالح"
عنه "بمال" حال أو مؤجل " صح" الصلح لعموم
قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلح جائز بين
المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما"
رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح
وصححه الحاكم. ومن ادعي
(1/248)
عليه بوديعة أو
تفريط فيها أو قرض فأنكر وصالح على مال فهو
جائز ذكره في الشرح وغيره "وهو" أي صلح
الإنكار "للمدعي بيع لأنه" يعتقده عوضا عن
ماله فلزمه حكم اعتقاده " يرد معيبه" أي معيب
ما أخذه من العوض "وبفسخ الصلح" كما لو اشترى
شيئا فوجده معيبا " ويؤخذ منه" العوض إن كان
شقصا1 " بشفعة" لأنه بيع. وإن صالح ببعض عين
المدعى به فهو فيه كمنكر " و" الصلح " للآخر"
المنكر إبراء لأنه دفع المال افتداء ليمينه
وإزالة للضرر عنه لا عوضا عن حق يعتقده فلا رد
لما صالح عنه بعيب يجده فيه " ولا شفعة" فيه
لاعتقاده أنه ليس بعوض وإن كذب أحدهما في
دعواه أو إنكاره وعلم بكذب نفسه "لم يص" الصلح
" في حقه باطنا" لأنه عالم بالحق قادر على
إيصاله لمستحقه غير معتقد أنه محق " وما أخذه
حرام" عليه لأنه أكل للمال بالباطل و إن صالح
عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح ولم يرجع عليه
ويصح الصلح عن قصاص وسكنى دار وعيب بقليل
وكثير.
"ولا يصح" الصلح " بعوض عن حد سرقة وقذف" أو
غيرهما لأنه ليس بمال ولا يؤول إليه "ولا" عن
حق " شفعة" أو خيار لأنهما لم يشرعا لاستفادة
مال وإنما شرع الخيار للنظر في الأحظ والشفعة
لإزالة الضرر بالشركة " و" لا عن " ترك شهادة"
بحق أو باطل. " وتسقط الشفعة" إذا صالح عنها
لرضاه بتركها ويرد العوض " و" كذا حكم " الحد"
و الخيار وإن صالحه على أن يجري على أرضه أو
سطحه ماء معلوما صح لدعاء الحاجة إليه فإن كان
بعوض مع بقاء ملكه فإجارة وإلا فبيع ولا يشترط
في الإجارة هنا بيان المدة له للحاجة ويجوز
شراء ممر في ملكه وموضع في حائط يجعله بابا و
بقعة يحفرها بئرا وعلو بيت يجني عليه بنيانا
موصوفا ويصح فعله صلحا أبدا وإجارة مدة معلومة
"وإن حصل غصن شجرته في هواء غيره" الخاص به أو
المشترك " أو" حصل غصن شجرته في " قراره" أي
قرار غيره الخاص أو المشترك أي في أرضه وطالبه
بإزالة ذلك أزاله وجوبا إما بقطعه أو ليه إلى
ناحية أخرى "فإن أبى" مالك الغصن إزالته "
لواه" مالك الهواء " إن أمكن وإلا" يمكن " فله
قطعه" لأنه أخلى ملكه الواجب إخلاؤه ولا يفتقر
إلى حاكم ولا يجبر المالك على إزالته لأنه ليس
من فعله وإن أتلفه مالك الهواء مع إمكان ليه
ضمنه وإن صالحه على بقاء الغصن بعوض لم يجز
وان اتفقا على أن لثمرة بينهما ونحوه صح جائزا
وكذا حكم عرق شجرة حصل في أرض غيره.
ـــــــ
1 شقصا: حصة أو جزءا.
(1/249)
"ويجوز في
الدرب النافذ فتح الأبواب للاستطراق" لأنه لم
يتعين له مالك ولا ضرر فيه على المجتازين. و
"لا" يجوز "إخراج روشن" على أطراف خشب أو نحوه
مدفونة في الحائط " و" لا إخراج " ساباط" وهو
المستوفي للطريق كله على جدارين " و" لا إخراج
"دكة" بفتح الدال وهي الدكان والمصطبة بكسر
الميم و لا إخراج " ميزاب" ولو لم يضر بالمارة
إلا أن يأذن إمام أو نائبه ولا ضرر لأنه نائب
المسلمين فجرى مجرى إذنهم. " ولا يفعل ذلك" أي
لا يخرج روشنا ولا ساباطا ولا دكة ولا ميزابا
" في ملك جار ودرب مشترك" غير نافذ "بلا إذن
المستحق" أي الجار أو أهل الدرب لأن المنع لحق
المستحق فإذا رضي بإسقاطه جاز ويجوز نقل باب
في درب غير نافذ إلى أوله بلا ضرر لا إلى داخل
إن لم يأذن من فوقه ويكون إعارة و حرم أن يحدث
بملكه ما يضر بجاره كحمام ورحى وتنور وله منعه
كدق وسقي يتعدى. وحرم أن يتصرف في جدار جار أو
مشترك بفتح طاق أو ضرب وتد ونحوه إلا بإذنه.
"و ليس له وضع خشبة على حائط جاره" أو حائط
مشترك "إلا عند الضرورة" فيجوز "إذا لم يمكن
التسقيف إلا به" ولا ضرر لحديث أبي هريرة
يرفعه: "لا يمنعن جار جاره أن يضع خشبة على
جداره" ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها
معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم متفق
عليه. " وكذلك" حائط " المسجد وغيره" كحائط
نحو يتيم فيجوز لجاره وضع خشبة عليه إذا لم
يمكن تسقيف إلا به بلا ضرر لما تقدم وإذا
انهدم جدارهما المشترك أو سقفهما " أو خيف
ضرره" بسقوطه " فطلب أحدهما أن يعمره الأخر
معه أجبر عليه" إن امتنع لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" فإن أبى أخذ حاكم من
ماله وأنفق عليه وإن بناه شريك شركة بنية
الرجوع رجع. " و كذا النهر والدولاب والقناة"
المشتركة إذا احتاجت لعمارة ولا يمنع شريك من
عمارة فإن فعل فالماء على الشركة وإن أعطى قوم
قناتهم أو نحوها لمن يعمرها وله منها جزء
معلوم صح ومن له علو لم يلزمه عمارة سفله إذا
انهدم بل يجبر عليه مالكه ويلزم الأعلى سترة
تمنع مشارفة1 الأسفل فإن استويا اشتركا.
ـــــــ
1 أي تمنع إشرافه على عورات الأسفل.
(1/250)
باب الحجر
مدخل
...
11- باب الحجر
وهو في اللغة: التضييق والمنع ومنه سمي الحرام
والعقل حجرا. وشرعا: منع إنسان من تصرفه في
ماله. وهو ضربان: حجر لحق الغير كعلى مفلس
ولحق نفسه كعلى نحو صغير.
(1/250)
"ومن لم يقدر
على وفاء شيء من دينه لم يطالب به وحرم حبسه"
وملازمته لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 1 فإن
ادعى العسرة ودينه عن عوض كثمن وقرض أو لا
وعرف له مال سابق الغالب بقاؤه أو كان أقر
بالملاءة حبس إن لم يقم بينة تخبر باطن حاله
وتسمع قبل حبس وبعده وإلا حلف وخلي سبيله. "
ومن له "مال قدر دينه لم يحجر عليه" لعدم
الحاجة إلى الحجر عليه " وأمر" أي ووجب على
الحاكم أمره بوفائه بطلب غريمه لحديث: "مطل
الغني ظلم" ولا يترخص من سافر قبله ولغريم من
أراد سفرا منعه من غير جهاد متعين حتى يوثق
برهن يحرز أو كفيل ملئ. فإن أبى القادر وفاء
الدين الحال "حبس بطلب ربه" ذلك لحديث: "لي
الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" رواه أحمد وأبو
داود وغيرهما قال الإمام: قال وكيع: عرضه:
شكواه وعقوبته: حبسه فإن أبى عزره مرة بعد
أخرى "فان أصر" على عدم قضاء الدين " ولم يبع
ماله باعه الحاكم وقضاه" لقيامه مقامه ودفعا
لضرر رب الدين بالتأخير.
"و لا يطلب" مدين " بـ" دين " مؤجل" لأنه لا
يلزمه أداؤه قبل حلوله ولا يحجر عليه من أجله
" ومن ماله لا يفي بما عليه" من الدين " حالا
وجب" على الحاكم " الحجر عليه بسؤال غرمائه"
كلهم " أو بعضهم" لحديث كعب بن مالك: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع
ماله رواه الحلال بإسناده.
"ويستحب إظهاره" أي إظهار حجر المفلس وكذا
السفيه ليعلم الناس بحاله فلا يعاملوه إلا على
بصيرة " ولا ينفذ تصرفه" أي المحجور عليه لفلس
" في ماله" الموجود والحادث بإرثه أو غيره "
بعد الحجر" بغير وصية أو تدبير "ولا إقراره
عليه" أي على ماله لأنه محجور عليه و أما
تصرفه في ماله في الحجر عليه فصحيح لأنه رشيد
غير محجور عليه لكن يحرم عليه الإضرار بغريمه.
"ومن باعه أو أقرضه شيئاً" قبل الحجر ووجده
باقيا بحاله ولم يأخذ شيئا من ثمنه فهو أحق به
لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك متاعه عند
إنسان أفلس فهو أحق به" متفق عليه من حديث أبي
هريرة وكذا لو أقرضه أو باعه شيئا بعده أي بعد
الحجر عليه " رجع فيه" إذا وجده بعينة "إن جهل
حجره" لأنه معذور بجهل حاله " وإلا" يجهل
الحجر عليه " فلا" رجوع له في عينه لأنه دخل
على بصيرة ويرجع بثمن المبيع وبدل القرض إذا
انفك حجره.
"وإن تصرف" المفلس " في ذمته" بشراء أو ضمان
أو نحوهما " أو أقر" المفلس " بدين أو" أقر بـ
" جناية توجب قودا أو مالا صح" تصرفه في ذمته
وإقراره بذلك لأنه أهل
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "280".
(1/251)
للتصرف والحجر
متعلق بماله لا بذمته "ويطالب به أي بما لزمه
من ثمن مبيع ونحوه" وما أقر به "بعد فك الحجر
عنه" لأنه حق عليه وإنما منعنا تعلقه بماله
لحق الغرماء فإذا استوفى فقد زال المعارض
"ويبيع الحاكم ماله" أي مال المفلس الذي ليس
من جنس الدين بثمن مثله أو أكثر " ويقسم ثمنه"
فورا بقدر ديون غرمائه الحالة1 لأن هذا هو جل
المقصود من الحجر عليه وفي تأخيره مطل وهو ظلم
لهم.
"ولا يحل" دين "مؤجل بفلس" مدين لأن الأجل حق
للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه " ولا" يحل
مؤجل أيضا " بموت" مدين " إن وثق ورثته برهن"
يحرز " أو كفيل مليء" بأقل الأمرين من قيمة
التركة أو الدين لأن الأجل حق للميت فورث عنه
كسائر حقوقه فإن لم يوثقوا حل لغلبة الضرر. "
وإن ظهر غريم" للمفلس " بعد القسمة" لماله لم
تنقض، و " رجع على الغرماء بقسطه" لأنه لو كان
حاضرا شاركهم فكذا إذا ظهر وإن بقي على المفلس
بقية وله صنعة أجبر على التكسب لوفائها كوقف
وأم ولد يستغنى عنهما " ولا يفك حجره إلا
حاكم" لأنه ثبت بحكمه فلا يزول إلا به وإن وفى
ما عليه انفك الحجر بلا حاكم لزوال موجبه.
ـــــــ
1 الحالة: المستحقة الأداء فوراً.
(1/252)
فصل في المحجور عليه لحظه
"و يحجر على السفيه والصغير والمجنون لحظهم"
إذا المصلحة تعود عليهم بخلاف المفلس والحجر
عليهم عام في ذممهم ومالهم ولا يحتاج لحاكم
فلا يصح تصرفهم قبل الإذن ومن أعطاهم ماله
بيعا أو قرضا أو وديعة ونحوها "رجع بعينه" إن
بقي لأنه ماله وإن تلف في أيديهم أو أتلفوه لم
يضمنوا لأنه سلطهم عليه برضاه علم بالحجر أو
لا لتفريطه "ويلزمهم أرش الجناية" إن جنوا
لأنه لا تفريط من المجني عليه والإتلاف يستوي
فيه الأهل وغيره. " و" يلزمهم أيضا " ضمان مال
من لم يدفعه إليهم" لأنه لا تفريط من المالك
والإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره.
"وإذا تم لصغير خمس عشرة سنة" حكم ببلوغه لما
روى ابن عمر قال: عرضت على النبي صلى الله
عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم
يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس
عشرة سنة فأجازني متفق عليه " أو نبت حول قبله
شعر خشن" حكم ببلوغه
(1/252)
لأن سعد بن
معاذ لما حكم في بني قريظة: بقتلهم وسبي
ذراريهم أمر أن يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو
من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من الذرية وبلغ
ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لقد حكمت
بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" متفق عليه " أو
أنزل" حكم ببلوغه لقوله تعالى: {وَإِذَا
بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ
فَلْيَسْتَأْذِنُوا} 1 " أو عقل مجنون ورشد"
أي من بلغ وعقل " أو رشد سفيه زال حجرهم"
لزوال علته قال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ
مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
أَمْوَالَهُمْ} 2 بلا قضاء حاكم لأنه ثبت بغير
حكمه فزال لزوال موجبه بغير حكمه.
"وتزيد الجارية" على الذكر " في البلوغ
بالحيض" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل
الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه الترمذي
وحسنه. " وان حملت" الجارية " حكم ببلوغها"
عند الحمل لأنه دليل إنزالها لأن الله تعالى
أجرى العادة بخلق الولد من مائها فإذا ولدت
حكم ببلوغها من ستة أشهر لأنه اليقين.
"ولا ينفك الحجر" عنهم " قبل شروطه" السابقة
بحال ولو صار شيخا " والرشد: الصلاح في المال"
لقول ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} 3 أي: صلاحا في
أموالهم فعلى هذا يدفع إليه ماله وإن كان
مفسدا لدينه ويؤنس رشده " بأن يتصرف مرارا فلا
يغبن" غبنا فاحشا غالبا " ولا يبذل ماله في
حرام" كخمر وآلات لهو أو في غير فائدة كغناء
ونفط لأن من صرف ماله في ذلك عد سفيها. " ولا
يدفع إليه" أي الصغير " حتى يختبر" ليعلم رشده
" قبل بلوغه بما يليق" به لقوله تعالى:
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى...} 4 الآية
والاختبار يختص بالمراهق الذي يعرف المعاملة
والمصلحة. ووليهم أي ولي السفيه الذي بلغ
سفيها واستمر والصغير والمجنون " حال الحجر:
الأب" الرشيد العدل ولو ظاهرا لكمال شفقته "
ثم وصيه" لأنه نائبه ولو بجعل وثم متبرع " ثم
الحاكم" لأن الولاية انقطعت من جهة الأب
فتعينت للحاكم. ومن فك عنه الحجر فسفه أعيد
عليه ولا ينظر في ماله إلا الحاكم كمن جن بعد
بلوغ ورشد " ولا يتصرف لأحدهم وليه إلا
بالأحظ" لقوله تعالى: { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ
الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 5
والسفيه والمجنون في معناه.
"ويتجر" ولي المحجور عليه " له مجانا" أي إذا
إتجر ولي اليتيم في ماله كان الربح كله لليتيم
لأنه نماء ماله فلا يستحقه غيره إلا بعقد ولا
يعقد الولي لنفسه " وله دفع ماله لمن
ـــــــ
1 سورة النور من الآية "59".
2 سورة النساء من الآية "6"
3 سورة النساء من الآية "6"
4 سورة الأنعام من الآية "152".
5 سورة الإسراء من الآية "34".
(1/253)
يتجر فيه "
مضاربة بجزء" معلوم " من الربح" للعامل لأن
عائشة أبضعت مال محمد بن أبي بكر رضي الله
عنهم ولأن الولي نائب عنه فيما فيه مصلحته.
وله البيع نساء والقرض برهن وإيداعه وشراء
العقار وبناؤه لمصلحة وشراء الأضحية لموسر
وتركه في المكتب بأجرة ولا يبيع عقاره إلا
لضرورة أو غبطة.
"ويأكل الولي الفقير من مال موليه" لقوله
تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ
بِالْمَعْرُوفِ} 1 " الأقل من كفايته أو
أجرته" أي أجرة عمله لأنه يستحق بالعمل
والحاجة جميعا فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجدا
فيه " مجانا" فلا يلزمه عوضه إذا أيسر لأنه
عوض عن عمله فهو فيه كالأجير والمضارب.
"ويقبل قول الولي" بيمينه " والحاكم" بغير
يمين " بعد فك الحجر في النفقة" وقدرها ما لم
يخالف عادة وعرفا ولو قال: أنفقت عليك منذ
سنتين فقال: منذ سنة قدم قول الصبي لأن الأصل
موافقته قاله في المبدع. " و" يقبل قول الولي
أيضا " في وجود الضرورة والغبطة" إذا باع
عقاره وادعاهما ثم أنكره. " و" يقبل قول الولي
أيضا في " التلف" وعدم التفريط لأنه أمين
والأصل براءته. " و" يقبل قوله أيضا في " دفع
المال" إليه بعد رشده لأنه أمين وإن كان بجعل2
لم يقبل قوله في دفع المال لأنه قبضه لنفعه
كالمرتهن ولولي مميز وسيده أن يأذن له في
التجارة فينفك عنه الحجر في قدر ما أذن له
فيه.
"وما استدان العبد لزم سيده" أداؤه " إن أذن
له" في استدانته ببيع أو قرض لأنه غر الناس
بمعاملته " وإلا" يكن استدان بإذن سيده " فـ"
ما استدانه " في رقبته" يخير سيده بين بيعه
وفدائه بالأقل من قيمته أو دينه ولو أعنته3
وإن كانت العين باقية ردت لربها" كاستيداعه"
أي أخذه وديعة فيتلفها " وأرش جنايته وقيمة
متلفه" فيتعلق ذلك كله برقبته ويخير سيده كما
تقدم ولا يتبرع المأذون له بدراهم ولا كسوة بل
بإهداء مأكول إعارة دابة وعمل دعوة بلا إسراف
ولغير المأذون له الصدقة من قوته بنحو رغيف
إذا لم يضره. وللمرأة الصدقة من بيت زوجها
بذلك ما لم تضطرب العادة أو يكن بخيلا وتشك في
رضاه.
ـــــــ
1 سورة النساء من الآية "6".
2 جعل: أجر معلوم أو حصة محددة من الربح.
3 أعنته: شق عليه ذلك.
(1/254)
باب الوكالة
الوكالة بفتح الواو وكسرها: التفويض تقول:
وكلت أمري إلى الله أي: فوضته إليه واصطلاحا:
استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
"تصح" الوكالة " بكل قول يدل على الإذن" كـ:
افعل كذا أو أذنت لك في فعله ونحوه وتصح مؤقتة
ومعلقة بشرط كوصية وإباحة أكل وولاية قضاء
وإمارة. " ويصح القبول على الفور والتراخي"
بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه
أنه وكله بعد شهر فيقول: قبلت " بكل قول أو
فعل" دال عليه أي دال على القبول لأن قبول
وكلائه صلى الله عليه وسلم كان بفعلهم وكان
متراخيا عن توكيله إياهم قاله في المبدع
ويعتبر تعيين الوكيل. " ومن له التصرف في شيء
لنفسه فله التوكيل" فيه " والتوكل فيه" أي جاز
أن يستنيب غيره وأن ينوب عن غيره لانتفاء
المفسدة والمراد فيما تدخله النيابة ويأتي ومن
لا يصح تصرفه بنفسه فنائبه أولى فلو وكله في
بيع ما سيملكه أو طلاق من يتزوجها لم يصح ويصح
توكيل امرأة في طلاق نفسها وغيره وأن يتوكل
واجد الطول في قبول نكاح أمة لمن تباح له وغني
لفقير في قبول زكاة وفي قبول نكاح أخته و
نحوها لأجنبي.
"ويصح التوكيل في كل حق آدمي من العقود" لأنه
صلى الله عليه وسلم وكل عروة بن الجعد في
الشراء وسائر العقود كالإجارة والقرض
والمضاربة والإبراء ونحوها في معناه "والفسوخ"
كالخلع والإقالة " والعتق والطلاق" لأنه يجوز
التوكيل في الإنشاء فجاز في الإزالة بطريق
الأولى " والرجعة وتملك المباحات من الصيد
والحشيش ونحوه" كإحياء الموات لأنها تملك مال
بسبب لا يتعين عليه فجاز كالابتياع. " لا
الظهار" لأنه قول منكر وزور " واللعان
والأيمان" والنذر والقسامة والقسم بين الزوجات
والشهادة والرضاع والالتقاط والاغتنام والغصب
والجناية فلا تدخلها النيابة " و" تصح الوكالة
أيضا " في كل حق لله تدخله النيابة من
العبادات" كتفرقة صدقة وزكاة ونذر وكفارة لأنه
صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله لقبض
الصدقات وتفريقها وكذا حج وعمرة على ما سبق.
وأما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم
والطهارة من الحدث فلا يجوز التوكيل فيها
لأنها تتعلق ببدن من هي عليه لكن ركعتا الطواف
تتبع الحج " و" تصح في " الحدود في إثباتها
واستيفائها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "اغد
يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها
فاعترفت فأمر بها فرجمت" متفق عليه ويجوز
الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته " وليس
للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه" إذا كان يتولاه
مثله ولم يعجزه لأنه لم يأذن له في التوكيل
ولا تضمنه إذنه لكونه يتولى مثله " إلا أن
يجعل إليه" بأن يأذن له في التوكيل أو يقول
له: اصنع ما شيءت ويصح توكيل عبد بإذن سيده.
(1/255)
"والوكالة عقد
جائز" لأنها من جهة الموكل إذن ومن جهة الوكيل
بذل نفع وكلاهما غير لازم فلكل واحد منهما
فسخها. " وتبطل بفسخ أحدهما وموته" وجنونه
المطبق لأن الوكالة تعتمد الحياة والعقل فإذا
انتفيا انتفت صحتها وإذا وكل في طلاق الزوجة
ثم وطئها أو في عتق العبد ثم كاتبه أو دبره
بطلت. " و" تبطل أيضا بـ " عزل الوكيل" ولو
قبل علمه لأنه رفع عقد1 لا يفتقر إلى رضى
صاحبه فصح بغير علمه كالطلاق ولو باع أو تصرف
فادعى أنه عزله قبله لم يقبل إلا ببينة "و"
تبطل أيضا " بحجر السفيه" لزوال أهلية التصرف
لا بالحجر لفلس لأنه لم يخرج عن أهلية التصرف
لكن إن حجر على الموكل وكانت في أعيان ماله
بطلت لانقطاع تصرفه فيها.
"ومن وكل في بيع أو شراء لم يبع ولم يشتر من
نفسه" لأن العرف في البيع بيع الرجل من غيره
فحملت الوكالة عليه ولأنه تلحقه تهمة. " و" لا
من " ولده" ووالده وزوجته ومكاتبه وسائر من لا
تقبل شهادته له لأنه متهم في حقهم ويميل إلى
ترك الاستقصاء عليهم في الثمن كتهمته في حق
نفسه وكذا حاكم وأمينه وناظر وقف ووصي ومضارب
وشريك عنان ووجوه.
"ولا يبيع" الوكيل " بعرض ولا نساء ولا بغير
نقد البلد" لأن عقد الوكالة لم يقتضه فإن كان
في البلد نقدان باع بأغلبهما رواجا فإن تساويا
خير " وإن باع بدون ثمن المثل" إن لم يقدر له
ثمن أو باع بـ دون ما قدره له الموكل صح " أو
اشترى له بكثر من ثمن المثل" وكان لم يقدر له
ثمنا أو مما قدره له صح الشراء لأن من صح منه
ذلك بثمن مثله صح بغيره "وضمن النقص" في مسألة
البيع "و" ضمن " الزيادة" في مسألة الشراء
لأنه مفرط والوصي وناظر الوقف كالوكيل في ذلك
ذكره الشيخ تقي الدين وإن قال: بعه بدرهم
فباعه بدينار صح لأنه زاده خيرا2.
"وإن باع" الوكيل " بأزيد" مما قدره له الموكل
صح. " أو قال" الموكل: " بع بكذا مؤجلا فباع"
الوكيل " به حالا" صح " أو" قال الموكل: "
اشتر بكذا حالا فاشترى به مؤجلا ولا ضرر
فيهما" أي فيما إذا باع بالمؤجل حالا أو اشترى
بالحال مؤجلا " صح" لأنه زاده خيرا فهو كما لو
وكله في بيعه بعشرة فباعه بأكثر منها " وإلا
فلا" أي وإن لم يبع أو يشتر بمثل ما قدره له
بلا ضرر بأن قال: بعه بعشرة مؤجلة فباعه بتسعة
حالة أو بعه بعشرة
ـــــــ
1 هو رقع عقد من صاخب الصلاحية بإمضائه ووقفه
وفسخه.
2 فإن باعه بأقل من ذلك لم يجز لأن ما فوضه به
هو الحد الأدنى المقبول لديه أي مادام الضرر
لم يحصل بفعله جائز أما إذا في فعله ضرر لم
يوكل به ففعله غير جائز.
(1/256)
حالة فباعه
بأحد عشر مؤجلة وعلى الموكل ضرر بحفظ الثمن في
الحال أو قال: اشتره بعشرة حالة فاشتراه بأحد
عشر مؤجلة أو بعشرة مؤجلة مع ضرر لم ينفذ
تصرفه لمخالفته موكله وقدم في الفروع أن الضرر
لا يمنع الصحة وتبعه في المنتهى و التنقيح في
مسألة البيع وهو ظاهر المنتهى أيضا في مسألة
الشراء وقد سبق لك أن بيع الوكيل بأنقص مما
قدر له وشراءه بأكثر منه صحيح ويضمن.
فصل
"و إن اشترى" الوكيل " ما يعلم عيبه لزمه" أي
لزم الشراء الوكيل فليس له رده لدخوله على
بصيرة " إن لم يرض" به " موكله" فإن رضيه كان
له لنيته بالشراء وإن اشتراه بعين المال لم
يصح " فإن جهل" عيبه " رده" لأنه قائم مقام
الموكل وله أيضا رده لأنه ملكه فإن حضر قبل رد
الوكيل ورضي بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن
الحق له بخلاف المضارب لأن له حقا فلا يسقط
برضى غيره فإن طلب البائع الإمهال حتى يحضر
الموكل لم يلزم الوكيل ذلك وحقوق العقد كتسليم
الثمن وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك
تتعلق بالموكل.
"ووكيل البيع يسلمه" أي يسلم المبيع لأن إطلاق
الوكالة في البيع يقتضيه لأنه من تمامه " ولا
يقبض" الوكيل في البيع " الثمن" بغير إذن
الموكل لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على
قبض الثمن " بغير قرينة" فإن دلت القرينة على
قبضه مثل توكيله في بيع شيء في سوق غائبا عن
الموكل أو موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل له
كان إذنا في قبضه فإن تركه ضمنه لأنه يعد
مفرطا هذا المذهب عند الشيخين وقدم في التنقيح
وتبعه في المنتهى: لا يقبضه إلا بإذن فإن تعذر
لم يلزم الوكيل شيء لأنه ليس بمفرط لكونه لا
يملك قبضه.
"ويسلم وكيل المشتري الثمن" لأنه من تتمته
وحقوقه كتسليم المبيع فلو أخره أي أخر تسليم
الثمن بلا عذر وتلف الثمن " ضمنه" لتعديه
بالتأخير وليس لوكيل في بيع تقليبه على مشتر
إلا بحضرته وإلا ضمن. " وإن وكله في بيع فاسد"
لم يصح ولم يملكه لأن الله تعالى لم يأذن فيه
ولأن الموكل لا يملكه و لو باع الوكيل إذا
بيعا " صحيحا" لم يصح لأنه لم يوكل فيه " أو
وكله في كل قليل وكثير" لم يصح لأنه يدخل فيه
كل شيء من هبة ماله وطلاق نسائه وإعتاق رقيقه
فيعظم الغرر والضرر "أو" وكله في " شراء ما
شاء أو عينا بما شاء ولم يعين" نوعا وثمنا "
لم يصح" لأنه يكثر فيه الغرر وإن وكله في بيع
ماله كله أو ما
(1/257)
شاء منه صح.
قاله في المبدع: وظاهر كلامهم في: بع من مالي
ما شيءت له بيع ماله كله.
"والوكيل في الخصومة لا يقبض" لأن الإذن لم
يتناوله نطقا ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة
من لا يرضاه للقبض " والعكس بالعكس" فالوكيل
في القبض له الخصومة لأنه لا يتوصل إليه إلا
بها فهو إذن فيها عرفا1. " و" إن قال الموكل:
" اقبض حقي من زيد" ملكه من وكيله لأنه قائم
مقامه " و لا يقبض من ورثته" لأنه لم يؤمر
بذلك ولا يقتضيه العرف " إلا أن يقول" الموكل
للوكيل: اقبض حقي " الذي قبله" أو عليه فله
القبض من وارثه لأن الوكالة اقتضت قبض حقه
مطلقا وإن قال: اقبضه اليوم لم يملكه غدا "
ولا يضمن وكيل" في " الإيداع إذا" أودع " ولم
يشهد" وأنكر المودع لعدم الفائدة في الإشهاد
لأن المودع يقبل قوله في الرد والتلف و أما
الوكيل في قضاء الدين إذا كان بغير حضور
الموكل ولم يشهد ضمن إذا أنكر رب الدين وتقدم
في الضمان.
فصل
"والوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط"
لأنه نائب المالك في اليد والتصرف فالهلاك في
يده كالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك ولو
بجعل فإن فرط أو تعدى أو طلب منه المال فامتنع
من دفعه لغير عذر ضمن
"ويقبل قوله" أي الوكيل " في نفيه" أي نفي
التفريط ونحوه و في " الهلاك مع يمينه" لأن
الأصل براءة ذمته لكن إن ادعى التلف بأمر ظاهر
كحريق عام ونهب جيش كلف إقامة البينة عليه2 ثم
يقبل قوله فيه. وإن وكله في شراء شيء فاشتراه
واختلفا في قدر ثمنه قبل قول الوكيل وإن
اختلفا في رد العين أو ثمنها إلى الموكل فقول
وكيل متطوع وإن كان بجعل فقول موكل و إذا قبض
الوكيل الثمن حيث جاز فهو أمانة في يده لا
يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره
ويقبل قول الوكيل فيما وكله فيه.
"ومن ادعى وكالة زيد في قبض حقه من عمرو" بلا
بينة " لم يلزمه" أي عمرا "دفعه إن صدقه"
لجواز أن ينكر زيد الوكالة فيستحق الرجوع عليه
" ولا" يلزمه " اليمين إن كذبه" لأنه لا يقضى
عليه بالنكول فلا فائدة في لزوم تحليفه " فإن
دفعه" عمرو " فأنكر زيد الوكالة
ـــــــ
1 و الموكل يقبض الإيجارات مثلا له حق التأجير
والخصومة والمقاضاة وإخلاء وكل ما من شأنه
تأمين الإيجار للمالك وبالتالي فإن كل في موكل
في أمر لابد من أمور عديدة لحصوله فهو موكل
بهذه الأمور حكما وعرفا.
2 أي إن ادعى سببا لابد أن يعم العلم به كلف
بإظهار بينته.
(1/258)
حلف" لاحتمال
صدق الوكيل فيها " وضمنه عمرو" فيرجع عليه زيد
لبقاء حقه في ذمته ويرجع عمرو على الوكيل مع
بقاء ما قبضه أو تعديه لا إن صدقه وتلف بيده
بلا تفريط. " وإن كان المدفوع" لمدعي الوكالة
بغير بينة " وديعة أخذها" حيث وجدها لأنها عين
حقه " فإن تلفت ضمن أيهما شاء" لأن الدافع
ضمنها بالدفع والقابض قبض ما لا يستحقه فإن
ضمن الدافع لم يرجع على القابض إن صدقه وإن
ضمن القابض لم يرجع على الدافع وكدعوى الوكالة
دعوى الحوالة والوصية وإن ادعى أنه مات وأنا
وارثه لزمه الدفع إليه مع التصديق واليمين مع
الإنكار على نفي العلم.
(1/259)
13-
باب الشركة
الشركة بوزن سرقة ونعمة ونمرة. " وهي" نوعان:
شركة أملاك وهي: "اجتماع في استحقاق" كثبوت
الملك في عقار أو منفعة لاثنين فأكثر أو شركة
عقود وهي اجتماع في "تصرف" من مبيع ونحوه
"وهي" أي شركة العقود وهي - المقصودة هنا -
"أنواع" خمسه:
فأحدها: "شركة عنان"1 سميت بذلك لتساوي
الشريكين في المال والتصرف كالفارسين إذا سويا
بين فرسيهما وتساويا في السير وهي "أن يشترك
اثنان" أي شخصان فأكثر مسلمين أو أحدهما ولا
تكره مشاركة كتابي لا يلي التصرف "بماليهما
المعلوم" كل منهما الحاضرين "ولو" كان مال كل
"متفاوتا" بأن لم يتساو المالان قدرا أو جنسا
أو صفة "ليعملا فيه ببدنيهما" أو يعمل فيه
أحدهما ويكون له من الربح أكثر من ربح ماله
فإن كان بدونه لم يصح وبقدره إبضاع
وإن اشتركا في مختلط بينهما شائعا صح إن علما
قدر ما لكل منهما "فينفذ تصرف كل منهما فيهما"
أي في المالين" بحكم الملك في نصيبه و" بحكم
"الوكالة في نصيب شريكه" ويغني لفظ الشركة عن
إذن صريح في التصرف.
ويشترط لشركة العنان والمضاربة "أن يكون رأس
المال من النقدين المضرويين" لأنهما قيم
الأموال وأثمان البياعات فلا تصح بعروض ولا
فلوس ولو نافقة وتصح بالنقدين ولو "مغشوشين
يسيرا" كحبة فضة في دينار ذكره في المغني و
الشرح لأنه لا يمكن التحرز منه فإن كان الغش
كثيرا لم تصح لعدم انضباطه.
"و" يشترط أيضا "أن يشترطا لكل منهما جزءا من
الربح مشاعا معلوما" كالثلث والربع لأن الربح
مستحق لهما
ـــــــ
1 لأن الشريكين يملكان حق التصرف أي كأنهما
يمسكان معا بعنان فرس واحد.
(1/259)
بحسب الاشتراط
فلم يكن بد من اشتراطه كالمضاربة فإن قالا:
والربح بيننا فهو بينهما نصفين " فان لم يذكرا
الربح" لم تصح لأنه المقصود من الشركة فلا
يجوز الإخلال به " أو شرطا لأحدهما جزءا
مجهولا" لم تصح لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب
"أو" شرطا ربح "دراهم معلومة" لم تصح لاحتمال
أن لا يربحها أو لا يربح غيرها "أو" شرطا "ربح
أحد الثويين" أو إحدى السفرتين أو ربح تجارته
في شهر أو عام بعينه "لم تصح" لأنه قد يربح في
ذلك المعين دون غيره أو بالعكس فيختص أحدهما
بالربح وهو مخالف لموضوع الشركة "وكذا مساقاة
ومزارعة ومضاربة" فيعتبر فيها تعيين جزء مشاع
معلوم للعامل لما تقدم "والوضيعة" أي الخسران
"على قدر المال" بالحساب سواء كانت لتلف أو
نقصان في الثمن أو غير ذلك.
"ولا يشترط خلط المالين" لأن القصد الربح وهو
لا يتوقف على الخلط "ولا" يشترط أيضا "كونهما
من جنس واحد" فتجوز إن أخرج أحدهما دنانير
والآخر دراهم فإذا اقتسما رجع كل بماله ثم
اقتسما الفضل وما يشتريه كل منهما بعد عقد
الشركة فهو بينهما وإن تلف أحد المالين فهو من
ضمانهما ولكل منهما أن يبيع ويشتري ويقبض
ويطالب بالدين ويخاصم فيه ويحيل ويحتال ويرد
بالعيب ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما لا
أن يكاتب رقيقا أو يزوجه أو يعتقه أو يحابي أو
يقترض على الشركة إلا بإذن شريكه وعلى كل
منهما أن يتولى ما جرت العادة بتوليه من نشر
ثوب وطيه و إحرازه وقبض النقد ونحوه فإن
استأجر له فالأجرة عليه.
(1/260)
فصل في المضاربة
النوع " الثانية: المضاربة" من الضرب في الأرض
وهو السفر للتجارة قال الله تعالى:
{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ
يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} 1 وتسمى
قراضا ومعاملة وهي دفع مال معلوم "لمتجر" أي
لمن يتجر "به ببعض ربحه" أي بجزء مشاع معلوم
منه كما تقدم فلو قال: خذ هذا المال مضاربة
ولم يذكر سهم العامل فالربح كله لرب المال ث
الوضيعة عليه وللعامل أجرة مثله و إن شرط جزءا
من الربح لعبد أحدهما أو لعبديهما صح وكان
لسيده وإن شرطاه للعامل ولأجنبي معا ولو ولد
أحدهما أو امرأته وشرطا عليه عملا مع العامل
صح وكانا عاملين وإلا لم تصح المضاربة "فإن
قال" رب المال للعامل: اتجر به "والربح بيننا
فنصفان "لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة ولا
مرجح فاقتضى التسوية "وإن قال:"
ـــــــ
1 سورة المزمل الآية "20".
(1/260)
اتجر به "ولي"
ثلاثة أرباعه أو ثلثه أو قال: اتجر به " ولك
ثلاثة أرباعه أو ثلثه صح" لأنه متى علم نصيب
أحدهما أخذه والباقي للآخر لأن الربح مستحق
لهما فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر
بمفهوم اللفظ1.
"وإن اختلفا لمن" الجزء "المشروط ف" هو
"لعامل" قليلا كان أو كثيرا لأنه يستحقه
بالعمل وهو يقل ويكثر وإنما تقدر حصته بالشرط
بخلاف رب المال فإنه يستحقه بماله ويحلف مدعيه
وإن اختلفا في قدر الجزء بعد الربح فقول مالك
بيمينه وكذا "مساقاة ومزارعة" إذا اختلفا في
الجزء المشروط أو قدره لما تقدم ومضاربة كشركة
عنان فيما تقدم وإن فسدت فالربح لرب المال
وللعامل أجرة مثله وتصح مؤقتة ومعلقة.
"ولا يضارب" العامل "بمال لآخر إن أضر الأول
ولم يرض" لأنها تنعقد على الحظ والنماء فلم
يجز له أن يفعل ما يمنعه وإن لم يكن فيها ضرر
على الأول أو إذن جاز "فإن فعل" بأن ضارب لآخر
مع ضرر الأول بغير إذنه "رد حصته" من ربح
الثانية" في الشركة" الأولى لأنه استحق ذلك
بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول ولا نفقة
لعامل إلا بشرط "ولا يقسم" الربح "مع بقاء
العقد" أي المضاربة "إلا باتفاقهما" لأن الحق
لا يخرج عنهما والربح وقاية لرأس المال.
"وإن تلف رأس المال أو" تلف "بعضه" قبل التصرف
انفسخت فيه المضاربة كالتالف قبل القبض وإن
تلف "بعد التصرف" جبر من الربح لأنه دار في
التجارة وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات
المؤدية إلى الربح "أو خسر" في إحدى سلعتين أو
سفرتين "جبر" ذلك "من الربح" أي وجب جبر
الخسران من الربح ولم يستحق العامل شيئا إلا
بعد كمال رأس المال لأنها مضاربة واحدة "قبل
قسمته" ناضا "أو تنضيضه" مع محاسبته فإذا
احتسبا وعلما ما لهما لم يجبر الخسران بعد ذلك
مما قبله تنزيلا للتنضيض مع المحاسبة منزلة
المقاسمة وإن انفسخ العقد والمال عرض أو دين
فطلب رب المال تنضيضه لزم العامل.
وتبطل بموت أحدهما فإن مات عامل أو مودع أو
وصي ونحوه وجهل بقاء ما بيدهم فهو دين في
التركة لأن الإخفاء وعدم التعيين كالغصب ويقبل
قول العامل فيما يدعيه من هلاك وخسران وما
يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للمضاربة لأنه أمين
والقول قول رب المال في عدم رده إليه.
ـــــــ
1 أي يجب أن يكون على حق كل واحد منهما واضحا
محددا قبل العمل وحدود تصرف المضارب بالمال
أيضا وذلك لقطع الخلاف.
(1/261)
فصل في أنواع الشركات
"الثالث: شركة الوجوه" سميت بذلك لأنهما
يعاملان فيها بوجههما أي جاههما الجاه والوجه
واحد. وهي أن يشتركا على "أن يشتريا في
ذمتيهما" من غير أن يكون لهما مال "بجاهيهما"
فما ربحاه " فـ" هو "بينهما" على ما شرطاه
سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو جنسه أو
وقته أو لا فلو قال: ما اشتريت من شيء فبيننا
صح
"وكل واحد منهما وكيل صاحبه وكفيل عنه بالثمن"
لأن مبناها على الوكالة والكفالة "والملك
بينهما على ما شرطاه" لقوله صلى الله عليه
وسلم: "المسلمون عند شروطهم" " والوضيعة على
قدر ملكيهما" كشركة العنان لأنها في معناها
"والربح على ما شرطاه" كالعنان وهما في تصرف
كشريكي عنان.
"الرابع: شركة الأبدان" وهي "أن يشتركا فيما
يكتسبان بأبدانهما" أي يشتركان في كسبهما من
صنائعهما فما رزق الله تعالى فهو بينهما "فما
تقبله أحدهما من عمل يلزمهما فعله" ويطالبان
به لأن شركة الأبدان لا تنعقد إلا على ذلك
وتصح مع اختلاف الصنائع كقصار مع خياط ولكل
واحد منهما طلب الأجرة وللمستأجر دفعها إلى
أحدهما ومن تلفت بيده بغير تفريط لم يضمن.
"وتصح" شركة الأبدان "في الاحتشاش والاحتطاب
وسائر المباحات" كالثمار المأخوذة من الجبال
والمعادن والتلصص على دار الحرب لما روى أبو
داود بإسناده عن عبد الله قال: اشتركت أنا
وسعد وعمار يوم بدر فلم أجىء أنا وعمار بشئ
وجاء سعد بأسيرين قال أحمد: شرك بينهم النبي
صلى الله عليه وسلم. "وإن مرض أحدهما فالكسب"
الذي عمله أحدهما "بينهما" احتج الإمام بحديث
سعد وكذا لو ترك العمل لغير عذر "وإن طالبه
الصحيح أن يقيم مقامه لزمه" لأنهما دخلا على
أن يعملا فإذا تعذر عليه العمل بنفسه لزمه أن
يقيم مقامه توفية للعقد بما يقتضيه وللآخر
الفسخ وإن اشتركا على أن يحملا على دابتيهما
والأجرة بينهما صح وإن أجراهما بأعينهما فلكل
أجرة دابته ويصح دفع دابة ونحوها كآلة صنعة
لمن يعمل عليها وما رزقه الله تعالى بينهما
على ما شرطاه.
"الخامس: شركة المفاوضة" وهي "أن يفوض كل
منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع
الشركة" بيعا وشراء ومضاربة وتوكيلا وابتياعا
في الذمة ومسافرة بالمال وارتهانا وضمان ما
يرى من الأعمال أو يشتركا في كل ما يثبت لهما
وعليهما فتصح.
ـــــــ
أي يقيم مقامه شخصا آخر ينوب عنه ويقوم بالعمل
الذي كان يقوم به.
(1/262)
"والربح على ما
شرطاه والوضيعة بقدر المال" لما سبق في العنان
"فان أدخلا فيها كسبا أو غرامة نادرين" كوجدان
لقطة أو ركاز أو ميراث أو أرش جناية "أو" ما
يلزم أحدهما من ضمان "غصب أو نحوه فسدت" لكثرة
الغرر فيها ولأنها تضمنت كفالة وغيرها مما لا
يقتضيه العقد.
(1/263)
باب المساقاة
مدخل
...
14- باب المساقاة
من السقي لأنه أهم أمرها بالحجاز وهي دفع شجر
له ثمر مأكول ولو غير "مغروس" 1 إلى آخر ليقوم
بسقيه وما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمرة.
"تصح" المساقاة "على شجر له ثمر يؤكل" من نخل
وغيره لحديث ابن عمر عامل النبي صلى الله عليه
وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو
زرع متفق عليه. وقال أبو جعفر: عامل النبي صلى
الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ثم أبو بكر ثم
عمر ثم عثمان ثم علي ثم أهلوهم إلى اليوم
يعطون الثلث أو الربع ولا تصح على ما لا ثمر
له كالجور أو له ثمر غير مأكول كالصنوبر
والقرظ.
"و" تصح المساقاة أيضا "على" شجر ذي "ثمرة
موجودة" لم تكمل تنمى بالعمل كالمزارعة على
زرع نابت لأنها إذا جازت بالمعدوم مع كثرة
الغرر ففي الموجود وقلة الغرر أولى "و" تصح
أيضا " على شجر يغرسه" 2 في أرض رب الشجر
"ويعمل عليه حتى يثمر" احتج الإمام بحديث خيبر
ولأن العوض والعمل معلومان فصحت كالمساقاة على
شجر مغروس "بجزء من الثمرة" مشاع معلوم وهو
متعلق بقوله تصح فلو شرطا في المساقاة الكل
لأحدهما أو آصعا معلومة أو ثمرة شجرة معينة لم
تصح وتصح المناصبة والمغارسة وهي دفع أرض وشجر
لمن يغرسه كما تقدم بجزء مشاع معلوم من الشجر.
"وهو" أي عقد المساقاة والمغارسة والمزارعة
"عقد جائز" من الطرفين قياسا على المضاربة
لأنها عقد على جزء من النماء في المال فلا
يفتقر إلى ذكر مدة ولكل منهما فسخها متى شاء
"فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل
الأجرة" أي أجرة مثله لأنه منعه من إتمام عمله
الذي يستحق به العوض "وان فسخها هو" أي فسخ
العامل المساقاة قبل ظهور الثمرة "فلا شىء له"
لأنه رضي بإسقاط حقه وإن انفسخت بعد ظهور
الثمرة فهي بينهما على ما شرطا ويلزم العامل
تمام العمل كالمضارب.
ـــــــ
1 فيغرسه الآخر ويسقيه.
2 وهذا ما يسمى المغارسة فيقدم أحدهما الأرض
الآخر الغراس والعمل والناتج من ثمر بعد ذلك
بينهما أو قد يقدم صاحب الأرض الغراس على أن
يقوم الآخر بالغرس والرعاية.
(1/263)
"ويلزم العامل
كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث وسقي وزبار"
بكسر الزاي وهو قطع الأغصان الرديئة من الكرم
" وتلقيح وتشميس لإصلاح موضعه و" إصلاح "طرق
الماء وحصاد ونحوه" كآلة حرث وبقرة وتفريق زبل
وقطع حشيش مضر وشجر يابس وحفظ ثمر على شجر إلى
أن يقسم "وعلى رب المال ما يصلحه" أي ما يحفظ
الأصل "كسد حائط وإجراء الأنهار" وحفر البئر "
والدولاب ونحوه" كآلته التي تديره ودوابه
وشراء ما يلقح به وتحصيل ماء وزبل والجذاذ
عليهما بقدر حصتيهما إلا أن يشترطه على العامل
والعامل فيها كالمضارب فيما يقبل ويرد وغير
ذلك.
(1/264)
فصل في المزارعة
"وتصح المزارعة" لحديث خيبر السابق وهي دفع
أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه أو حب مزروع
ينمى بالعمل لمن يقوم عليه "بجزء" مشاع "معلوم
النسبة" كالثلث أو الربع ونحوه "مما يخرج من
الأرض لربها" أي لرب الأرض "أو للعامل والباقي
للأخر" أي إن شرط الجزء المسمى لرب الأرض
فالباقي للعامل وان شرط للعامل فالباقي لرب
الأرض لأنهما يستحقان ذلك فإذا عين نصيب
أحدهما منه لزم أن يكون الباقي للآخر.
"ولا يشترط" في المزارعة والمغارسة "كون البذر
والغراس من رب الأرض" فيجوز أن يخرجه العامل
في قول عمر وابن مسعود وغيرهما ونص عليه في
رواية مهنا وصححه في المغني و الشرح واختاره
أبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين "وعليه عمل
الناس" لأن الأصل المعمول عليه في المزارعة
قصة خيبر ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم
أن البذر على المسلمين وظاهر المذهب اشتراطه
نص عليه في رواية جماعة وأختاره عامة الأصحاب
وقدمه في التنقيح وتبعه المصنف في الإقناع
وقطع به في المنتهى. وإن شرط رب الأرض أن يأخذ
مثل بذره ويقتسما الباقي لم يصح وإن كان في
الأرض شجر فزارعه على الأرض وساقاه على الشجر
صح
وكذا لو أجره الأرض وساقاه على شجرها فيصح ما
لم يتخذ حيلة على بيع الثمرة قبل بدو صلاحها
وتصح مساقاة ومزارعة بلفظهما ولفظ المعاملة
وما في معنى ذلك ولفظ إجارة لأنه مؤد للمعنى
وتصح إجارة أرض بجزء مشاع مما يخرج منها فإن
لم تزرع نظر الى معدل المغل فيجب القسط
المسمى1.
ـــــــ
1 أي القسط المتفق عليه.
(1/264)
باب الإجارة
مدخل
...
15- باب الإجارة
مشتقة من الأجر وهو العوض ومنه سمي الثواب
أجرا وهي عقد على منفعة مباحة معلومة من عين
معينة أو موصوفة في الذمة مدة معلومة أو عمل
معلوم بعوض معلوم وتنعقد بلفظ الإجارة و
الكراء وما في معناهما وبلفظ بيع إن لم يضف
للعين.
و "تصح" الإجارة "بثلاثة شروط:"
أحدها : "معرفة المنفعة" لأنها المعقود عليها
فاشترط العلم بها كالمبيع. وتحصل المعرفة إما
بالعرف "كسكنى دار" لأنها لا تكرى إلا لذلك
فلا يعمل فيها حدادة ولا قصارة ولا يسكنها
دابة ولا يجعلها مخزنا لطعام ويدخل ماء بئر
تبعا وله إسكان ضيف وزائر و كـ "خدمة آدمي"
فيخدم ما جرت به العادة من ليل ونهار وإن
استأجر حرة أو أمة صرف وجهه عن النظر و يصح
استئجار آدمي لعمل معلوم كـ ت"عليم علم"
وخياطة ثوب أو قصارته أو ليدل على طريق ونحوه
لما في البخاري عن عائشة في حديث الهجرة:
واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
بكر رجل هو عبدالله بن أرقط وقيل: ابن أريقط
كان كافرا من بني الديل هاديا خريتا والخريت:
الماهر بالهداية. وإما بالوصف كحمل زبرة حديد
وزنها كذا إلى موضع معين وبناء حائط يذكر طوله
وعرضه وسمكه وآلته.
الشرط الثاني : " معرفة الأجرة" بما تحصل به
معرفة الثمن لحديث أحمد عن أبي سعيد أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتى
يبين له أجره. فإن أجره الدار بعمارتها أو عوض
معلوم وشرط عليه عمارتها خارجا عن الأجرة لم
تصح ولو أجرها بمعين على أن ينفق المستأجر ما
تحتاج إليه محتسبا به من الأجرة صح. " وتصح"
الإجارة "في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما"
روي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى في الأجير وأما
الظئر فلقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ} 1. ويشترط لصحة العقد العلم
بمدة الرضاع ومعرفة الطفل المشاهدة وموضع
الرضاع ومعرفة العوض. " وإن دخل حماما أو
سفينة" بلا عقد " أو أعطى ثوبه قصارا أو
خياطا" ليعملاه "بلا عقد صح بأجرة العادة" لأن
العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول وكذا لو
دفع متاعه لمن يبيعه أو استعمل حمالا ونحوه
فله أجرة مثله ولو لم يكن له عادة بأخذ
الأجرة.
الشرط الثالث : " الإباحة" في نفع "العين"
المقدور عليه المقصود كإجارة دار يجعلها
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "233".
(1/265)
مسجدا وشجر
لنشر ثياب أو قعود بظله "فلا تصح" الإجارة
"على نفع محرم كالزنا والزمر والغناء وجعل
داره كنيسة أو لمبيع الخمر" لأن المنفعة
المحرمة مطلوب إزالتها والإجارة تنافيها وسواء
شرط ذلك في العقد أو لا إذا ظن الفعل ولا تصح
إجارة طير ليوقظه للصلاة لأنه غير مقدور عليه
ولا شمع وطعام ليتجمل به ويرده1 ولا ثوب يوضع
على نعش ميت ذكره في المغني و الشرح ولا نحو
تفاحة لشم " وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خشبه"
المعلوم "عليه" لإباحة ذلك " ولا تؤجر المرأة
نفسها" 2 بعد عقد النكاح عليها "بغير إذن
زوجها" لتفويت حق الزوج.
ـــــــ
1 لأنه مما يسرع إليه الفساد فإذا فسد كان ذلك
بابا للخلاف بينهما وأصل الأحكام إزالة الخلاف
بين الناس ومسبباته.
2 أي للقيام بعمل معين في أرض أو خدمة منزل أو
ما شابه ذلك.
(1/266)
فصل في شروط الإجابة
"ويشترط في العين المؤجرة" خمسة شروط:
أحدها : " معرفتها برؤية أو صفة" إن انضبطت
بالوصف ولهذا قال: " في غير الدار ونحوها" مما
لا يصح فيه السلم فلو استأجر حماما فلا بد من
رؤيته لأن الغرض يختلف بالصغر والكبر ومعرفة
مائه ومشاهدة الإيوان و مطرح الرماد ومصرف
الماء وكره أحمد كراء الحمام لأنه يدخله من
تنكشف عورته فيه.
"و" الشرط الثاني : "أن يعقد على نفعها"
المستوفي "دون أجزائها" لأن الإجارة هي بيع
المنافع فلا تدخل الأجزاء فيها "فلا تصح إجارة
الطعام للأكل ولا الشمع ليشعله" ولو أكرى شمعة
ليشعل منها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر
الباقي فهو فاسد "ولا حيوان ليأخذ لبنه" أو
صوفه أو شعره أو وبره "إلا في الظئر" فيجوز
وتقدم ، " ونقع البئر" أي ماؤها المستنقع فيها
"وماء الأرض يدخلان" تبعا كحبر ناسخ وخيوط
خياط وكحل كحال ومرهم طبيب ونحوه.
"و" الشرط الثالث : " القدرة على التسليم"
كالبيع "فلا تصح إجارة" العبد "الآبق و" الجمل
" الشارد" والطير في الهواء و لا المغصوب ممن
لا يقدر على أخذه1 و لا إجارة المشاع مفردا
لغير الشريك ولا يؤجر مسلم لذمي ليخدمه وتصح
لغيرها.
ـــــــ
1 لأن فيه غررا فقد يحصل وقد لا يحصل ففيه
وجوه من وجوه القمار والمغامرة.
(1/266)
"و" الشرط
الرابع : اشتمال العين على المنفعة فلا تصح
إجارة بهيمة زمنة لحمل ولا أرض لا تنبت للزرع
لأن الإجارة عقد على المنفعة ولا يمكن تسليم
هذه المنفعة من هذه العين.
"و" الشرط الخامس: " أن تكون المنفعة" مملوكة
" للمؤجر أو مأذونا له فيها" فلو تصرف فيما لا
يملكه بغير إذن مالكه لم يصح كبيعه. "وتجوز
إجارة العين" المؤجرة بعد قبضها إذا أجرها
المستأجر "لمن يقوم مقامه" في الانتفاع أو
دونه لأن المنفعة لما كانت مملوكة له جاز له
أن يستوفيها بنفسه ونائبه لا بأكثر منه ضررا
لأنه لا يملك أن يستوفيه بنفسه فبنائبه أولى
وليس للمستعير أن يؤجر إلا بإذن مالك والأجرة
له.
"وتصح إجارة الوقف" لأن منافعه مملوكة للموقوف
عليه فجاز له إجارتها كالمستأجر "فإن مات
المؤجر فانتقل" الوقف "إلى من بعده لم تنفسخ"
لأنه أجر ملكه في زمن ولايته فلم تبطل بموته
كمالك الطلق "وللثاني حصته من الأجرة" من حين
موت الأول فإن كان قبضها رجع في تركته بحصته
لأنه تبين عدم استحقاقه لها فإن تعذر أخذها
فظاهر كلامهم أنها تسقط قاله في المبدع وإن لم
تقبض فمن مستأجر وقدم في التنقيح أنها تنفسخ
إن كان المؤجر الموقوف عليه بأصل الاستحقاق
وكذا حكم مقطع أجر إقطاعه ثم أقطع لغيره وإن
أجر الناظر العام أو من شرط له وكان أجنبيا لم
تنفسخ الإجارة بموته ولا بعزله وإن أجر الولي
اليتيم أو ماله أو السيد العبد ثم بلغ الصبي
ورشد وعتق العبد أو مات الولي أو عزل لم تنفسخ
الإجارة إلا أن يؤجره مدة يعلم بلوغه أو عتقه
فيها فتنفسخ من حينها.
"وإن أجر الدار ونحوه" كالأرض "مدة" معلومة
"ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين فيها صح"
ولو ظن عدم العاقد فيها ولا فرق بين الوقف
والملك لأن المعتبر كون المستأجر يمكنه
استيفاء المنفعة منها غالبا وليس لوكيل مطلق
إجارة مدة طويلة بل العرف كسنتين ونحوهما قاله
الشيخ تقي الدين ولا يشترط أن تلي المدة العقد
فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح ولو كانت
العين مؤجرة أو مرهونة حال العقد إن قدر على
تسليمها عند وجوبه "وإن استأجرها" أي العين
"لعمل كدابة لركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث"
أرض معلومة بالمشاهدة لاختلافها بالصلابة
والرخاوة أو دياس زرع معين أو موصوف لأنها
منفعة مباحة مقصودة "أو" استأجر "من يدله على
طريق اشترط معرفة ذلك" العمل " وضبطه بما لا
يختلف" لأن العمل هو المعقود عليه فاشترط فيه
العلم كالمبيع.
"ولا تصح" الإجارة "على عمل يختص أن يكون
فاعله من أهل القرية" أي مسلما
(1/267)
كالحج والأذان
وتعليم القرآن لأن من شرط هذه الأفعال كونها
قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجرة عليها
كما لو استأجر قوما يصلون خلفه ويجوز رزق أخذ
على ذلك من بيت المال وجعالة وأخذ بلا شرط
ويكره للحر أكل أجرة على حجامة ويطعمه الرقيق
والبهائم.
"و" يجب " على المؤجر كل ما يتمكن به"
المستأجر " من النفع كزمام الجمل" وهو الذي
يقوده به ورحله وحزامه بكسر الحاء المهملة
"والشد عليه" أي على الحل "وشد الأحمال
والمحامل والرفع والحط ولزوم البعير" لينزل
المستأجر لصلاة فرض وقضاء حاجة إنسان وطهارة
ويدع البعير واقفا حتى يقضي ذلك ومفاتيح الدار
على المؤجر لأن عليه التمكين من الانتفاع وبه
يحصل وهي أمانة في يد المستأجر و على المؤجر
أيضا عمارتها فلو سقط حائط أو خشبة فعليه
إعادته "فأما تفريغ البالوعة والكنيف" وما في
الدار من زبل أو قمامة ومصارف حمام " فيلزم
المستأجر إذا تسلمها فارغة" من ذلك لأنه حصل
بفعله فكان عليه تنظيفه ويصح كراء العقبة بأن
يركب في بعض الطريق ويمشي في بعض مع العلم به
أما بالفراسخ أو الزمان وإن استأجر اثنان جمل
يتعاقبان عليه صح وإن اختلفا في البادئ منهما
أقرع بينهما في الأصح قاله في المبدع.
فصل
"وهي" أي الإجارة "عقد لازم" من الطرفين لأنها
نوع من البيع فليس لأحدهما فسخها لغير عيب أو
نحوه "فان أجره شيئا ومنعه" أي منع المؤجر
المستأجر الشئ المؤجر كل المدة أو بعضها بأن
سلمه العين ثم حوله قبل تقضي المدة "فلا شيء
له" من الأجرة لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد
الإجارة فلم يستحق شيئا "وإن بدأ الآخر" أي
المستأجر فتحول " قبل انقضائها" أي انقضاء مدة
الإجارة "فعليه" جميع الأجرة لأنها عقد لازم
فترتب مقتضاها وهو ملك المؤجر الأجر والمستأجر
المنافع.
"وتنفسخ" الإجارة "بتلف العين المؤجرة" كدابة
وعبد ماتا لأن المنفعة زالت بالكلية وإن كان
التلف بعد مضي مدة لها أجرة انفسخت فيما بقي
ووجب للماضي القسط "و" تنفسخ الإجارة أيضا
"بموت المرتضع" لتعذر استيفاء المعقود عليه
لأن غيره لا يقوم مقامه لاختلافهم في الرضاع.
و تنفسخ الإجارة أيضا بموت "الراكب إن لم يخلف
بدلا" أي من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة
بأن لم يكن له وارث أو كان غائبا كمن يموت
بطريق مكة ويترك جمله فظاهر كلام أحمد أنها
تنفسخ في الباقي لأنه قد جاء أمر غالب منع
المستأجر منفعة العين أشبه ما لو غصبت هذا
كلامه في المقنع والذي في الإقناع
(1/268)
و المنتهى
وغيرهما: أنها لا تبطل بموت راكب. و تنفسخ
أيضا "بانقلاع ضرس" اكترى لقلعه "أو برئه"
لتعذر استيفاء المعقود عليه فإن لم يبرأ
وامتنع المستأجر من قلعه لم يجبر "ونحوه" أي
تنفسخ الإجارة بنحو ذلك كاستئجار طبيب ليداويه
فبرئ.
و لا تنفسخ "بموت المتعاقدين أو أحدهما" مع
سلامة المعقود عليه للزومها "ولا" تنفسخ بعذر
لأحدهما مثل "ضياع نفقة المستأجر" للحج ونحوه
كاحتراق متاع من اكترى دكانا لبيعه.
"وإن اكترى دارا فانهدمت أو" اكترى "أرضا لزرع
فانقطع ماؤها أو غرقت انفسخت الإجارة في
الباقي" من المدة "لأن المقصود بالعقد قد فات
أشبه ما لو تلف" وإن أجره أرضا بلا ماء صح
وكذا إن أطلق مع علمه بحالها1 وإن ظن وجوده
بالأمطار وزيادة الأنهار صح كالعلم وإن غصبت
المؤجرة خير المستأجر بين الفسخ وعليه أجرة ما
مضى وبين الإمضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل
ومن استؤجر لعمل شي فمرض أقيم مقامه من ماله
من يعمله ما لم تشترط مباشرته أو يختلف فيه
القصد كالنسخ فيتخير فيه المستأجر بين الصبر
والفسخ "وإن وجد" المستأجر "العين معيبة أو
حدث بها" عنده عيب وهو ما يظهر به تفاوت الأجر
"فله الفسخ" إن لم يزل بلا ضرر يلحقه "وعليه
أجرة ما مضى" لاستيفائه المنفعة فيه وله
الإمضاء مجانا والخيار على التراخي
ويجوز بيع العين المؤجرة ولا تنفسخ الإجارة به
وللمشتري الفسخ إن لم يعلم.
"ولا يضمن أجير خاص" وهو من استؤجر مدة معلومة
يستحق المستأجر نفعه في جميعها سوى فعل الخمس
بسننها في أوقاتها وصلاة جمعة وعيد يسمى خاصا
لاختصاص المستأجر بنفعه تلك المدة ولا يستنيب
"ما جنت يده خطأ" لأنه نائب المالك في صرف
منافعه فيما أمر به فلم يضمن كالوكيل وإن تعدى
أو فرط ضمن
"ولا" يضمن أيضا "حجام وطبيب وبيطار" وختان
"لم تجن أيديهم إن عرفه حذقهم" 2 أي معرفتهم
صنعتهم لأنه فعل فعلا مباحا فلم يضمن سرايته
ولا فرق بين خاصهم ومشتركهم فإن لم يكن لهم
حذق في الصنعة ضمنوا لأنه لا يحل لهم مباشرة
القطع إذا وكذا لو كان حاذقا وجنت يده بأن
تجاوز بالختان إلى بعض الحشفة أو بآلة كالة أو
تجاوز بقطع السلعة موضعها ضمن
ـــــــ
1 فإن لم يعلمه بحالها وكان حالها غير معلوم
لم يجز.
2 أي كانت مهاراتهم وخبرتهم في هذا الأمر
معلومة معروفة.
(1/269)
لأنه إتلاف لا
يختلف ضمانه بالعمد والخطأ "ولا" يضمن أيضا
"راع لم يتعد" لأنه مؤتمن على الحفظ كالمودع
فإن تعدى أو فرط ضمن.
"ويضمن" الأجير "المشترك" وهو من قدر نفعه
بالعمل كخياطة ثوب وبناء حائط سمي مشتركا لأنه
يتقبل أعمالا لجماعة في وقت واحد يعمل لهم
فيشتركون في نفعه كالحائك والقصار والصباغ
والحمال فكل منهم ضامن "ما تلف بفعله" كتخريق
الثوب وغلطه في تفصيله روي عن عمر وعلي و شريح
والحسن رضي الله عنهم لأن عمله مضمون عليه
لكونه لا يستحق العوض إلا بالعمل وأن الثوب لو
تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجرة فيما عمل
به بخلاف الخاص والمتولد من المضمون مضمون
وسواء عمل في بيته أو بيت المستأجر أو كان
المستأجر على المتاع أو لا "ولا يضمن" المشترك
"ما تلف من حرزه أو بغير فعله" لأن العين في
يده أمانة كالمودع "ولا أجرة له" فيما عمل فيه
لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق
عوضه سواء كان في بيت المستأجر أو غيره بناء
كان أو غيره وإن حبس الثوب على أجرته فتلف
ضمنه لأنه لم يرهنه عنده ولا أذن له في إمساكه
فلزمه الضمان كالغاصب وإن ضرب الدابة بقدر
العادة لم يضمن.
"وتجب الأجرة بالعقد" كثمن وصداق وتكون حالة
"إن لم تؤجل" بأجل معلوم فلا تجب حتى يحل
"وتستحق" أي يملك الطلب بها "بتسليم العمل
الذي في الذمة" ولا يجب تسليمها قبله وإن وجبت
بالعقد لأنها عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع
تسليم المعوض كالصداق وتستقر كاملة باستيفاء
المنفعة وبتسليم العين ومضي المدة مع عدم
المانع أو فراغ عمل ما بيد مستأجر ودفعه إليه
وإن كانت لعمل فببذل تسليم العين ومضي مدة
يمكن الاستيفاء فيها ومن تسلم عينا بإجارة
فاسدة وفرغت المدة لزمه أجرة المثل لمدة
بقائها في يده سكن أو لم يسكن لأن المنفعة
تلفت تحت يده بعوض لم يسلم للمؤجر فرجع إلى
قيمتها.
(1/270)
16-
باب السبق
هو بتحريك الباء: العوض الذي يسابق عليه
وبسكونها: المسابقة أي المجاراة بين حيوان و
غيره.
"ويصح" أي يجوز السباق "على الأقدام وسائر
الحيوانات والسفن والمزاريق" جمع مزراق وهو:
الرمح القصير وكذا المناجيق ورمي الأحجار
بمقاليع ونحو ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم
(1/270)
سابق عائشة
رواه أحمد وأبو داود و صارع ركانة فصرعه رواه
أبو داود و سابق سلمة بن الأكوع رجلا من
الأنصار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
رواه مسلم.
"ولا تصح" أي لا تجوز المسابقة "بعوض إلا في
إبل وخيل وسهام" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" رواه
الخمسة عن أبي هريرة ولم يذكر ابن ماجه: أو
نصل وإسناده حسن قاله في المبدع.
"ولابد" لصحة المسابقة "من تعيين المركوبين"
لا الراكبين لأن المقصد معرفة سرعة عدو
الحيوان الذي يسابق عليه و لا بد من اتحادهما
في النوع فلا تصح بين عربي وهجين. و لابد في
المناضلة من تعين الرماة لأن القصد معرفة
حذقهم ولا يحصل إلا بالتعيين بالرؤية و يعتبر
فيها أيضا كون القوسين من نوع واحد فلا تصح
بين قوس عربية وفارسية. و لابد أيضا من تحديد
"المسافة" بأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية
لا يختلفان فيه ويعتبر في المناضلة تحديد مدى
رمي "بقدر معتاد" فلو جعل مسافة بعيدة تتعذر
الإصابة في مثلها غالبا وهو ما زاد على
ثلاثمائة ذراع لم تصح لأن الغرض يفوت بذلك
ذكره في الشرح وغيره.
"وهي" أي المسابقة "جعالة لكل واحد منهما
فسخها" لأنها عقد على ما لا تتحقق القدرة على
تسليمه إلا أن يظهر الفضل لأحدهما فله الفسخ
دون صاحبه.
"وتصح المناضلة" أي المسابقة بالرمي من النصل
وهو: السهم التام على "من معينين" سواء كانا
اثنين أو جماعتين لأن القصد معرفة الحذق كما
تقدم "يحسنون الرمي" لأن من لا يحسنه وجوده
كعدمه ويشترط لها أيضا تعيين عدد الرمي
والإصابة ومعرفة قدر الغرض طوله وعرضه وسمكه
وارتفاعه من الأرض والسنة أن يكون لهم غرضان
إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الأخر بالثاني لفعل
الصحابة رضي الله عنهم.
ـــــــ
1 وذلك بأن يكون العوض من شخص ثالث يؤدي
للسباق منهما أو من أحدهما على ألا يؤدي الآخر
شيئا إن خسر السباق جاز فإن كان عليه أن يؤدي
شيئا لم يجز لأنه صار في حكام القمار وصورته
فإن كانوا ثلاثة والجائزة من أحدهم جاز على
ألا يكون العوض من الخاسر للرابح شرطا للسباق.
(1/271)
17-
باب العارية
بتخفيف الياء وتشديدها: من العري وهو التجرد
سميت عارية لتجردها عن العوض
(1/271)
"وهي إباحة نفع
عين" يحل الانتفاع بها "تبقى بعد استيفائه"
ليردها على مالكها وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل
عليها ويشترط أهلية مستعير للتبرع شرعا وأهلية
مستعير للتبرع له وهي مستحبة لقوله تعالى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
1.
"وتباح إعارة كل ذي نفع مباح" كالدار والعبد
والدابة والثوب ونحوها "إلا البضع" لأن الوطء
لا يجوز إلا في نكاح أو ملك يمين وكلاهما منتف
"و" إلا "عبدا مسلما لكافر" لأنه لا يجوز له
استخدامه "و" الا "صيدا ونحوه" كمخيط "لمحرم"
لقوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى
الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 22. "و" إلا "أمة
شابة لغير امرأة أو محرم" لأنه لا يؤمن عليها
ومحل ذلك إن خشي المحرم وإلا كره فقط ولا بأس
بشوهاء وكبيرة لا تشتهى ولا بإعارتها لامرأة
أو ذي محرم لأنه مأمون عليها وللمعير الرجوع
متى شاء ما لم يأذن في شغله بشيء يستضر
المستعير في رجوعه فيه كسفينة لحمل متاعه فليس
له الرجوع مادامت في لجة البحر وإن أعاره
حائطا ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام
عليه.
"و لا أجرة لمن أعار حائطا" ثم رجع "حتى يسقط"
لأن بقاءه بحكم العارية فوجب كونه بلا أجرة
بخلاف من أعار أرضا لزرع ثم رجع فيبقى الزرع
بأجرة المثل لحصاده جمعا بين الحقين "ولا يرد"
الخشب "إن سقط" الحائط لهدم أو غيره لأن الإذن
تناول الأول فلا يتعداه لغيره "إلا بإذنه" أي
إذن صاحب الحائط أو عند الضرورة إلى وضعه إذا
لم يتضرر الحائط كما تقدم في الصلح.
"وتضمن العارية" المقبوضة إذا تلفت في غير ما
استعيرت له لقوله صلى الله عليه وسلم: "وعلى
اليد ما أخذت حتى تؤديه" رواه الخمسة وصححه
الحاكم وروي عن ابن عباس وأبي هريرة لكن
المستعير من المستأجر أو لكتب علم ونحوها
موقوفة لا ضمان عليه إن لم يفرط. وحيث ضمنها
المستعير فـ "بقيمتها يوم تلفت" إن لم تكن
مثلية وإلا فبمثلها كما تضمن في الإتلاف "ولو
شرط نفي ضمانها" لم يسقط لأن كل عقد اقتضى
الضمان لم يغيره الشرط وعكسه نحو وديعة لا
تصير مضمونة بالشرط وإن تلفت هي أو أجزاؤها في
انتفاع بمعروف لم تضمن لأن الإذن في الاستعمال
تضمن الإذن في الإتلاف وما أذن في إتلافه غير
مضمون
"وعليه" أي على المستعير "مؤنة ردها" أي رد
العارية لما تقدم من حديث: "على اليد ما أخذت
حتى تؤديه" وإذا كانت واجبة الرد وجب أن تكون
مؤنة الرد على من وجب عليه الرد لا المؤجرة
فلا يجب على المستأجر مؤنة ردها لأنه لا يلزمه
الرد بل
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "2".
2 سورة المائدة من الآية "2".
(1/272)
يرفع يده إذا
انقضت المدة ومؤنة الدابة المؤجرة والمعارة
على المالك وللمستعير استيفاء المنفعة بنفسه
وبوكيله لأنه نائبه. "ولا يعيرها" ولا يؤجرها
لأنها إباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها غيره
كإباحة الطعام "فإن" أعارها و "تلفت عند
الثاني استقرت عليه قيمتها" إن كانت متقومة
سواء كان عالما بالحال أو لا لأن التلف حصل في
يده و استقر "على معيرها أجرتها" للمعير الأول
إن لم يكن المستعير الثاني عالما بالحال وإلا
استقرت عليه أيضا و للمالك أن "يضمن أيهما
شاء" من المعير لأنه سلط على إتلاف ماله أو
المستعير لأن التلف حصل تحت يده
"وإن أركب" دابته "منقطعا" طلبا "للثواب لم
يضمن" لأن يد ربها لم تزل عليها كرديفه ووكيله
ولو سلم شريك شريكه الدابة فتلفت بلا تفريط
ولا تعد لم يضمن إن لم يأذن له في الاستعمال
فإن أذن له فيه فكعارية وإن كان بإجرة فإجارة
فلو سلمها إليه ليعلفها ويقوم بمصالحها لم
يضمن.
"وإذا قال" المالك: "أجرتك" و "قال" من هي
بيده: "بل أعرتني أو بالعكس" بأن قال: أعرتك
قال: بل أجرتني فقول المالك في الثانية وترد
إليه في الأولى إن اختلفا "عقب العقد" أي قبل
مضي مدة لها أجرة "قبل قول مدعي الإعارة" مع
يمينه لأن الأصل عدم عقد الإجارة و حينئذ ترد
العين إلى مالكها إن كانت باقية و إن كان
الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة فالقول "قول
المالك" مع يمينه لأن الأصل في مال الغير
الضمان ويرجع المالك حينئذ "بأجرة المثل" لما
مضى من المدة لأن الإجارة لم تثبت. "وإن قال"
الذي في يده العين: "أعرتني أو قال: أجرتني
قال المالك: "بل غصبتني" فقول مالك كما لو
اختلفا في ردها " أو قال" المالك: "أعرتك" و "
قال" من هي بيده: "بل أجرتني والبهيمة تالفة"
فقول مالك لأنهما اختلفا في صفة القبض والأصل
فيما يقبضه الإنسان من مال غيره الضمان للأثر
ويقبل قول الغارم في القيمة "أو اختلفا في رد
فقول المالك" لأن المستعير قبض العين لحظ نفسه
فلم يقبل قوله في الرد وإن قال: أودعتني فقال:
غصبتني أو قال: أودعتك قال: بل أعرتني صدق
المالك بيمينه وعليه الأجرة بالانتفاع1.
ـــــــ
1 أي على المستعير أو المستأجر تأدية الأجرة
مقابل انتفاعه.
(1/273)
18-
باب الغصب
مصدر غصب يغصب - بكسر الصاد - "وهو" لغة: أخذ
الشئ ظلما واصطلاحا: "الاستيلاء" عرفا: "على
حق غيره" مالا كان أو اختصاصا "قهرا بغير حق"،
(1/273)
فخرج بقيد
القهر: المسروق والمنتهب والمختلس وبغير حق:
استيلاء الولي على مال الصغير ونحوه والحاكم
على مال المفلس وهو محرم لقوله تعالى: {وَلا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ} 1. من عقار بفتح العين: الضيعة
والنخل والأرض قاله أبو السعادات ومنقول من
أثاث وحيوان ولو أم ولد لكن لا تثبت اليد على
بضع فيصح تزويجها ولا يضمن نفعه ولو دخل دارا
قهرا وأخرج ربها فغاصب وإن أخرجه قهرا ولم
يدخل أو دخل مع حضور ربها وقوته فلا وإن دخل
قهرا ولم يخرجه فقد غصب ما استولى عليه وإن لم
يرد الغصب فلا وإن دخلها قهرا في غيبة ربها
فغاصب ولو كانا فيها قماشه ذكره في المبدع.
وإن غصب كلبا يقتنى ككلب صيد وماشية وزرع أو
غصب خمر ذمي مستورة ردهما لأن الكلب يجوز
الانتفاع به واقتناؤه وخمر الذمي يقر على
شربها وهي مال عنده ولا يلزم أن يرد جلد ميتة
غصب ولو بعد الدبغ لأنه لا يطهر بدبغ وقال
الحارثي: يرده حيث قلنا: يباح الانتفاع به في
اليابسات قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب
وإتلاف الثلاثة أي الكلب والخمر المحرمة وجلد
المية هدر سواء كان المتلف مسلما أو ذميا لأنه
ليس لها عوض شرعي لأنه لا يجوز بيعها وإن
استولى على حر كبير أو صغير لم يضمنه لأنه ليس
بمال وإن استعمله كرها فعليه أجرته لأنه
استوفى منافعه وهي متقومة أو حبسه مدة لمثلها
أجرة فعليه أجرته لأنه فوت منفعته وهي مال
يجوز أخذ العوض عنها وإن منعه العمل من غير
غصب أو حبس لم يضمن منافعه.
ويلزم غاصبا رد المغصوب إن كان باقيا وقدر على
رده لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يأخذ أحدكم
متاع أخيه لا لاعبا و لا جادا ومن أخذ عصا
أخيه فليردها" رواه أبو داود وإن زاد لزمه رده
بزيادته متصلة كانت أو منفصلة لأنها من نماء
المغصوب وهو لمالكه فلزمه رده كالأصل وإن غرم
على رد المغصوب أضعافه لكونه بنى عليه أو بعد
و نحوه. وإن بنى في الأرض المغصوبة أو غرس
لزمه القلع إذا طالبه المالك بذلك لقوله صلى
الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق" و لزمه
أرش نقصها أي نقض الأرض وتسويتها لأنه ضرر حصل
بفعله والأجرة أي أجرة مثلها إلى وقت التسليم
وإن بذل ربها قيمة الغراس والبناء ليملكه لم
يلزم الغاصب قبوله وله قلعها وإن زرعها وردها
بعد أخذ الزرع فهو للغاصب وعليه أجرتها وإن
كان الزرع قائما فيها خير ربها بين تركه إلى
الحصاد بأجرة مثله وبين أخذه بنفقته وهي مثل
بذره وعوض لواحقه ولو غصب جارحا أو عبدا أو
فرشا فحصل بذلك
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "188".
(1/274)
الجارح أو
العبد أو الفرس "صيد فلمالكه" أي مالك الجارح
ونحوه لأنه بسبب ملكه فكان له وكذا لو غصب
شبكة أو شركا وصاد به ولا أجرة لذلك وكذا لو
كسب العبد بخلاف ما لو غصب منجلا وقطع به شجرا
أو حشيشا فهو للغاصب لأنه آلة فهو كالحبل يربط
به "وإن ضرب المصنوع" المغصوب "ونسج الغزل
وقصر الثوب أو صبغه ونجر الخشبة" بابا "ونحوه
أو صار الحب زرعا و" صارت "البيضة فرخا و" صار
"النوى غرسا" رده "وأرش نقصه" إن نقص "ولا شيء
للغاصب" نظير عمله ولو زاد به المغصوب لأنه
تبرع في ملك غيره وللمالك إجباره على إعادة ما
أمكن رده إلى الحالة الأولى كحلي ودراهم
ونحوها ويلزمه أي الغاصب "ضمان نقصه" أي
المغصوب ولو بنبات لحية أمرد فيغرم ما نقص من
قيمته وإن جني عليه ضمنه بأكثر الأمرين ما نقص
من قيمته وأرش الجناية لأن سبب كل واحد منهما
قد وجد فوجب أن يضمنه بأكثرهما.
"و إن خصى الرقيق رده مع قيمته" لأن الخصيتين
يجب فيهما كمال القيمة كما يجب فيهما كمال
الدية من الحر وكذا لو قطع منه ما فيه دية
كيديه أو ذكره أو أنفه "وما نقص بسعر لم" يضمن
لأنه رد العين بحالها لم ينقص منها عين ولا
صفة فلم يلزمه شيء. "ولا" يضمن نقصا حصل
"بمرض" إذا "عاد" إلى حاله "ببرئه" من المرض
لزوال موجب الضمان وكذا لو انقلع سنه ثم عاد
فإن رد المغصوب معيبا وزال عيبه في يد مالكه
وكان أخذ الأرش لم يلزمه رده لأنه استقر ضمانه
برد المغصوب وإن لم يأخذه لم يسقط ضمانه لذلك.
"وإن عاد" النقص "بتعليم صنعة" كما لو غصب
عبدا سمينا قيمته مائة فهزل فصار يساوي تسعين
وتعلم صنعة فزادت قيمته بها عشرة "ضمن النقص"
لأن الزيادة الثانية غير الأولى " وإن تعلم"
صنعة زادت بها قيمته عند الغاصب أو سمن عنده "
فزادت قيمته ثم نسي" الصنعة "أو هزل فنقصت"
قيمته "ضمن الزيادة" لأنها زيادة في نفس
المغصوب فلزم الغاصب ضمانها كما لو طالبه
بردها فلم يفعل و "كما لو عادت من غير جنس
الأول" بأن غصب عبدا فسمن وصار يساوي مائة ثم
هزل فصار يساوي تسعين فتعلم صنعة فصار يساوي
مائة ضمن نقص الهزال لأن الزيادة الثانية غير
الأولى و إن كانت الزيادة الثانية "من جنسها"
أي من جنس الزيادة الأولى كما لو نسي صنعة ثم
تعلمها ولو صنعة بدل صنعة "لا يضمن" لأن ما
ذهب عاد فهو كما لو مرض ثم برئ "إلا أكثرهما"
يعني إذا نسي صنعة وتعلم أخرى وكانت الأولى
أكثر ضمن الفضل بينهما لفواته وعدم عوده وان
جنى المغصوب فعلى غاصبه أرش جنايته.
(1/275)
فصل
"وإن خلط" المغصوب بما يتميز كحنطة بشعير وتمر
بزبيب لزم الغصب تخليصه ورده وأجرة ذلك عليه و
"بما لا يتميز كزيت أو حنطة بمثلهما" لزمه
مثله منه لأنه مثلي فيجب مثل مكيله وبدونه أو
خير منه أو بغير جنسه كزيت بشيرج فهما شريكان
بقدر ملكيهما فيباع ويعطى كل واحد قدر حصته
وإن نقص المغصوب عن قيمته منفردا ضمنه الغاصب
"أو صبغ" الغاصب "الثوب أو لت سويقا" مغصوبا
"بدهن" من زيت أو نحوه "أو عكسه" بأن غصب دهنا
ولت به سويقا "ولم تنقص القيمة" أي قيمة
المغصوب "ولم تزد فهما شريكان بقدر ماليهما
فيه" لأن اجتماع الملكين يقتضي الاشتراك فيباع
ويوزع الثمن على القيمتين "وإن نقصت القيمة"
في المغصوب "ضمنها" الغاصب لتعديه "وإن زادت
قيمة أحدهما فلصاحبه أي لصاحب الملك الذي زادت
قيمته لأنها تبع للأصل.
ولا يجبر من أبى قلع الصبغ" إذا طلبه صاحبه
وإن وهب الصبغ لمالك الثوب لزمه قبوله "ولو
قلع غرس المشتري أو بناءه لاستحقاق الأرض" أي
لخروج الأرض مستحقة للغير رجع الغارس أو
الباني إذا لم يعلم بالحال على "بائعها
بالغرامة" له لأنه غره وأوهمه أنها ملكه
ببيعها له "وإن أطعمه" الغاصب "لعالم بغصبه
فالضمان عليه" لأنه أتلف مال الغير بغير إذنه
من غير تغرير وللمالك تضمين الغاصب لأنه حال
بينه وبين ماله وقرار الضمان على الأكل "وعكسه
بعكسه" فإن أطعمه لغير عالم فقرار الضمان على
الغاصب لأنه غر الآكل "وإن أطعمه" الغاصب
"لمالكه أو رهنه" لمالكه "أو أودعه" لمالكه
"أو آجره إياه لم يبرأ" الغاصب إلا أن يعلم
المالك أنه ملكه فيبرأ الغاصب لأنه حينئذ يملك
التصرف فيه على حسب اختياره وكذا لو استأجره
الغاصب على قصارته أو خياطته.
"ويبرأ" الغاصب "بإعارته" المغصوب لمالكه من
ضمان عينه علم أنه ملكه أو لم يعلم لأنه دخل
على أنه مضمون عليه والأيدي المترتبة على يد
الغاصب كلها أيدي ضمان فإن علم الثاني فقرار
الضمان عليه وإلا فعلى الأول إلا ما دخل
الثاني على أنه مضمون عليه فيستقر عليه ضمانه
"وما تلف" أو أتلف من مغصوب "أو تغيب" ولم
يمكن رده كعبد أبق وفرس شرد "من منصوب مثلي"
وهو كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح
السلم فيه غرم مثله إذا لأنه لما تعذر رد
العين لزمه رد ما يقوم مقامها والمثل أقرب
إليه من القيمة وينبغي أن يستثني منه الماء في
المفازة فإنه يضمن بقيمته في مكانه ذكره في
المبدع "وإلا" يمكن رد مثل المثلي لإعوازه
"فقيمته يوم تعذر" لأنه وقت استحقاق الطلب
بالمثل فاعتبرت القيمة إذا.
(1/276)
"ويضمن غير
المثلي" إذا تلف أو أتلف "بقيمته يوم تلفه" في
بلده من نقده أو غالبه لقوله صلى الله عليه
وسلم: "من أعتق شركا له في عبد قوم عليه" ولو
أخذ حوائج من بقال ونحوه في أيام ثم يحاسبه
فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه وإن تلف بعض المغصوب
فنقصت قيمة باقيه كزوجي خف تلف أحدهما رد
الباقي وقيمة التالف وأرش نقصه. "وإن تخمر
عصير" مغصوب "ف" على الغاصب "المثل" لأن
ماليته زالت تحت يده كما لو أتلفه "فإن انقلب
خلا دفعه" لمالكه لأنه عين ملكه و دفع معه نقص
قيمته حين كان عصيرا إن نقص لأنه نقص حصل تحت
يده ويسترجع الغاصب ما أداه بدلا عنه وإذا كان
المغصوب مما جرت العادة بإجارته لزم الغاصب
أجرة مثله مدة بقائه بيده استوفى المنافع أو
تركها تذهب.
فصل
"وتصرفات الغاصب الحكمية" أي التي لها حكم من
صحة وفساد كالحج والطهارة ونحوها والبيع
والإجارة والنكاح ونحوهما "باطلة" لعدم إذن
المالك وإن اتجر بالمغصوب فالربح لمالكه
"والقول في قيمة التالف" قول الغاصب لأنه غارم
أو قدره أي قدر المغصوب "أو صفته" بأن قال:
غصبتني عبدا كاتبا وقال الغاصب: لم يكن كاتبا
فـ " قوله" أي قول الغاصب لما تقدم و القول في
رده أو تعييبه بأن قال الغاصب: كانت فيه أصبع
زائدة أو نحوها وأنكره مالكه فـ "قول ربه" لأن
الأصل عدم الرد والعيب وإن شهدت البينة أن
المغصوب كان معيبا وقال الغاصب: كان معيبا وقت
غصبه وقال المالك: تعيب عندك قدم قول الغاصب
لأنه غارم "وإن جهل" الغاصب ربه أي رب المغصوب
سلمه إلى الحاكم فبرى من عهدته ويلزمه تسلمه
"أو تصدق به عنه مضمونا" أي بنية ضمانه إن جاء
ربه فإذا تصدق به كان ثوابه لربه وسقط عنه إثم
الغصب وكذا حكم رهن ووديعة ونحوها إذا جهل
ربها وليس لمن هي عنده أخذ شيء منها ولو كان
فقيرا.
"ومن أتلف" لغيره مالا" محترما" بغير إذن ربه
ضمنه لأنه فوته عليه "أو فتح قفصا" عن طائر
فطار ضمنه أو فتح بابا فضاع ما كان مغلقا عليه
بسببه "أو حل وكاء" زق مائع أو جامد فأذابته
الشمس أو ألقته ريح فاندفق ضمنه أو حل رباطا
عن فرس "أو" حل "قيدا" عن مقيد "فذهب ما فيه
أو أتلف" ما فيه "شيئا ونحوه" أي نحو ما ذكره
"ضمنه" لأنه تلف بسبب فعله "وإن ربط دابة
بطريق ضيق فتعثر به إنسان" أو أتلفت شيئا
"ضمن" لتعديه بالربط ومثله لو ترك في الطريق
طينا أو خشبة أو حجرا أو كيس دراهم أو أسند
خشبة إلى حائط "ك" ما يضمن مقتني "الكلب
العقور لمن دخل بيته بإذنه أو عقره خارج"
منزله لأنه متعد باقتنائه فإن دخل منزله بغير
إذنه لم يضمنه لأنه متعد بالدخول وان أتلف
العقور
(1/277)
شيئا بغير
العقر كما لو ولغ أو بال في إناء إنسان فلا
ضمان لأن هذا لا يختص بالعقور وحكم أسد ونمر
وذئب وهر تأكل الطيور وتقلب القدور في العادة
حكم كلب عقور وله قتل هر بأكل لحم ونحوه
والفواسق
وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها
وإن حفرها لنفع المسلمين بلا ضرر في سابلة لم
يضمن ما تلف بها لأنه محبس وإن مال حائطه ولم
يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه لأن الميل حادث
والسقوط بغير فعله.
"وما أتلفت البهيمة من الزرع" والشجر وغيرهما
"ليلا" ضمنه صاحبها "وعكسه النهار" لما روى
مالك عن الزهري عن حزام بن سعد: أن ناقة
للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظها
بالنهار وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم
"إلا أن ترسل" نهارا "بقرب ما تتلفه عادة"
فيضمن مرسلها لتفريطه وإذا طرد دابة من زرعه
لم يضمن إلا أن يدخلها مزرعة غيره فإذا اتصلت
المزارع صبر ليرجع على ربها ولو قدر أن يخرجها
وله منصرف غير المزارع فتركها فهدر. "وإن
كانت" البهيمة "بيد راكب أو قائد أو سائق ضمن
جنايتها بمقدمها" كيدها وفمها لا ما جنت
"بمؤخرها" كرجلها لما روى سعيد مرفوعا: "الرجل
جبار" وفي رواية أبي هريرة: "رجل العجماء
جبار" ولو كان السبب من غيرهم كنخس وتنفير ضمن
فاعله فلو ركبها اثنان فالضمان على المتصرف
منهما1 "وبقي جنايتها هدر" إذا لم يكن يد أحد
عليها لقوله صلى الله عليه وسلم: "العجماء
جبار" أي هدر إلا الضارية والجوارح وشبهها"
كقتل الصائل عليه" من آدمي أو غيره إن لم
يندفع إلا بالقتل فإذا قتله لم يضمنه لأن قتله
بدفع جائز لما فيه من صيانة النفس "و" كـ "
كسر مزمار" أو غيره من آلات اللهو "وصليب
وآنية ذهب وفضة وآنية خمر غير محترمة" لما روى
أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
أمره أن يأخذ مدية ثم خرج إلى أسواق المدينة
وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام فشققت
بحضرته وأمر أصحابه بذلك ولا يضمن كتابا فيه
أحاديث رديئة ولا حليا محرما على رجال إذا لم
يصلح للنساء.
ـــــــ
1 أي على الماسك بزمامها لأنه بيد تركها تسير
وتفعل ما تريد إن أرض زمامها وبيده ردعها إن
شد زمامها.
(1/278)
19-
باب الشفعة1
بإسكان الفاء من الشفع وهو الزوج لأن الشفيع
بالشفعة يضم المبيع إلى ملكه الذي كان منفردا.
ـــــــ
1 الشفعة: حق الأفضلية للجار إن أراد بيعها
فعليه أن يعرضها عليه أولا بالسعر المعروض فإن
وافق واشتراها فيها وإن رفض فرفضه تنازل عن
حقه بالشفعة وله أن يبيعه لطرف ثالث إن شاء
والعادة أن يراعي الجار عند بيعه فلا يتغالى
في طلبه لثمن الأرض ليمنعه حقه فإن اختلفا
(1/278)
"وهي استحقاق"
الشريك "انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه
بعوض مالي" كالبيع والصلح والهبة بمعناه فيأخذ
الشفيع نصيب البائع "بثمنه الذي استقر عليه
العقد" لما روى أحمد والبخاري عن جابر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل
ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا
شفعة. "فإن انتقل" نصيب الشريك "بغير عوض"
كالإرث والهبة بغير ثواب والوصية "أو كان
عوضه" غير مالي بأن جعل "صداقا أو خلعا أو
صلحا عن دم عمد فلا شفعة" لأنه مملوك بغير مال
أشبه الإرث ولأن الخبر ورد في البيع وهذه ليست
في معناه.
"ويحرم التحيل لإسقاطها" قال الإمام: لا يجوز
شيء من الحيل فى إبطالها ولا إبطال حق مسلم
واستدل الأصحاب بما روى أبو هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترتكبوا ما
ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى
الحيل".
"وتثبت" الشفعة "لشريك في أرض تجب قسمتها" فلا
شفعة في منقول كسيف ونحوه لأنه لا نص فيه ولا
هو في معنى المنصوص ولا فيما لا تجب قسمته
كحمام ودور صغيرة ونحوها لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة"
رواه أبو عبيد في الغريب والمنقبة: طريق ضيق
بين دارين لا يمكن أن يسلكه أحد "ويتبعها" أي
الأرض "الغراس والبناء" فتثبت الشفعة فيهما
تبعا للأرض إذا بيعا معها لا إن بيعا منفردين
"لا الثمرة والزرع" إذا بيعا مع الأرض فلا
يؤخذان بالشفعة لأن ذلك لا يدخل في البيع فلا
يدخل في الشفعة كقماش الدار "فلا شفعة لجار"
لحديث جابر السابق.
"وهي" أي الشفعة "على الفور وقت علمه فان لم
يطلبها إذن" أي وقت علم الشفيع بالبيع " بلا
عذر بطلت" لقوله صلى الله عليه وسلم: "الشفعة
لمن واثبها" وفي رواية: "الشفعة كحل العقال"
رواه ابن ماجة فإن لم يعلم بالبيع فهو على
شفعته ولو مضى سنون وكذا لو أخر لعذر بأن علم
ليلا فأخره إلى الصباح أو لحاجة أكل أو شرب أو
طهارة أو إغلاق باب أو خروج من حمام أو ليأتي
بالصلاة وسننها وإن علم وهو غائب أشهد على
الطلب بها إن قدر.
"وإن قال" الشفيع "للمشتري: بعني" ما اشتريت
"أو" صالحني سقطت لفوات الفور "أو كذب العدل"
المخبر له بالبيع سقطت لتراخيه عن الأخذ بلا
عذر فإن كذب
ـــــــ
= في ذلك كان للقاضي أن يقدر قيمة الأرض بما
يعادل قيمة مثلها إلا إن وجد ثالث يؤدي الثمن
المطلوب والشفعة في كل مال مشترك ما لم يقسم
فإن وقعت الحدود فلا شفعة ولا شفعة لكافر على
مسلم.
(1/279)
فاسقا لم تسقط
لأنه لم يعلم الحال على وجهه "أو طلب" الشفيع
"أخذ البعض" أي بعض الحصة المبيعة "سقطت"
شفعته لأن فيه إضرارا بالمشتري بتبعيض الصفقة
عليه والضرر لا يزال بمثله ولا تسقط الشفعة إن
عمل الشفيع دلالا بينهما أو توكل لأحدهما أو
أسقطها قبل البيع. "والشفعة لـ" شريكين "اثنين
بقدر حقيهما" لأنها حق يستفاد بسبب الملك
فكانت على قدر الأملاك فدار بين ثلاثة نصف
وثلث وسدس فباع رب الثلث فالمسألة من ستة
والثلث يقسم على أربعة لصاحب النصف ثلاثة
ولصاحب السدس واحد " فإن عفا أحدهما" أي أحد
الشفيعين "أخذ الأخر الكل أو ترك" الكل لأن في
أخذ البعض إضرارا بالمشتري ولو وهبها لشريكه
أو غيره لم يصح وإن كان أحدهما غائبا فليس
للحاضر أن يأخذ إلا الكل أو يترك فإن أخذ الكل
ثم حضر الغائب قاسمه.
"وإن اشترى اثنان حق واحد" فللشفيع أخذ حق
أحدهما لأن العقد مع اثنين بمنزلة عقدين "أو
عكسه" بأن اشترى واحد حق اثنين صفقة فللشفيع
أخذ أحدهما لأن تعدد البائع كتعدد المشتري "أو
اشترى واحد شقصين" بكسر الشين أي حصتين من
أرضين صفقة واحدة فللشفيع أخذ أحدهما لأن
الضرر قد يلحقه بأرض دون أرض.
"وإن باع شقصا وسيفا" في عقد واحد فللشفيع أخذ
الشقص بحصته من الثمن لأنه تجب فيه الشفعة إذا
بيع منفردا فكذا إذا بيع مع غيره "أو تلف بعض
المبيع فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن"
لأنه تعذر أخذ الكل فجاز له أخذ الباقي كما لو
أتلفه آدمي فلو اشترى دارا بألف تساوي ألفين
فباع بابها أو هدمها فبقيت بألف أخذها الشفيع
بخمسمائة "ولا شفعة بشركة وقف" لأنه لا يؤخذ
بالشفعة فلا تجب به ولأن مستحقه غير تام الملك
ولا شفعة أيضا بـ " غير ملك" للرقبة "سابق"
بأن كان شريكا في المنفعة كالموصي له بها أو
ملك الشريكان دارا صفقة واحدة فلا شفعة
لأحدهما على الآخر لعدم الضرر ولا شفعة "لكافر
على مسلم" لأن الإسلام يعلو ولا يعلى.
فصل
"وإن تصرف مشتريه" أي مشتري شقص تثبت فيه
الشفعة "بوقفه أو هبته أو رهنه" أو صدقة به
"لا بوصية سقطت الشفعة" لما فيه من الإضرار
بالموقوف عليه والموهوب له ونحوه لأنه ملكه
بغير عوض ولا تسقط الشفعة بمجرد الوصية به قبل
قبول الموصى له بعد موت الموصي لعدم لزوم
الوصية و إن تصرف المشتري فيه "ببيع فله" أي
الشفيع "أخذه بأحد البيعين" لأن سبب الشفعة
الشراء وقد وجد في كل منهما ولأنه شفيع في
العقدين
(1/280)
فإن أخذ بالأول
رجع الثاني على بائعه بما دفع له لأن العوض لم
يسلم له وان أجره فللشفيع أخذه وتنفسخ به
الإجارة. هذا كله إن كان التصرف قبل الطلب
لأنه ملك المشتري وثبوت حق التملك للشفيع لا
يمنع من تصرفه وأما تصرفه بعد الطلب فباطل
لأنه ملك الشفيع إذا.
"وللمشتري الغلة" الحاصلة قبل الأخذ و له أيضا
"النماء المنفصل" لأنه من ملكه والخراج
بالضمان و له أيضا "الزرع والثمرة الظاهرة" أي
المؤبرة لأنه ملكه ويبقى إلى الحصاد و الجذاذ
لأن ضرره لا يبقى ولا أجرة عليه
وعلم منه أن النماء المتصل كالشجر إذا كبر
والطلع إذا لم يؤبر يتبع في الأخذ بالشفعة
كالرد بالعيب "فإن بنى" المشتري "أو غرس" في
حال يعذر فيه الشريك بالتأخير بأن قاسم
المشتري وكيل الشفيع أو رفع الأمر للحاكم
فقاسمه أو قاسم الشفيع لإظهاره زيادة في الثمن
ونحوه ثم غرس أو بنى "فللشفيع تملكه بقيمته"
دفعا للضرر فتقوم الأرض مغروسة أو مبنية ثم
تقوم خالية منهما فما بينهما فهو قيمة الغراس
والبناء.
"و" للشفيع "قلعه ويغرم نقصه" أي ما نقص من
قيمته بالقلع لزوال الضرر به فإن أبى فلا شفعة
ولربه أي رب الغراس أو البناء أخذه ولو اختار
الشفيع تملكه بقيمته "بلا ضرر يلحق الأرض
بأخذه وكذا مع ضرر كما في المنتهى وغيره لأنه
ملكه والضرر لا يزال بالضرر وإن مات الشفيع
قبل الطلب بطلت" الشفعة لأنه نوع خيار للتمليك
أشبه خيار القبول "و" إن مات "بعده" أي بعد
الطلب ثبتت "لوارثه" لأن الحق قد تقرر بالطلب
ولذلك لا تسقط بتأخير الأخذ بعده "ويأخذ"
الشفيع الشقص "بكل الثمن" الذي استقر عليه
العقد لحديث جابر: "فهو أحق به بالثمن" رواه
أبو إسحاق الجوزجاني في المترجم "فإن عجز عن"
الثمن أو " بعضه سقطت شفعته" لأن في أخذه بدون
دفع كل الثمن إضرارا بالمشتري والضرر لا يزال
بالضرر وإن أحضر رهنا أو كفيلا لم يلزم
المشترى قبوله وكذا لا يلزمه قبول عوض عن
الثمن وللمشتري حبسه على ثمنه قاله في الترغيب
وغيره لأن الشفعة قهري والبيع عن رضى ويمهل إن
تعذر في الحال ثلاثة أيام.
"و" الثمن "المؤجل يأخذ" الشفيع "المليء به"
لأن الشفيع يستحق الأخذ بقدر الثمن وصفته
والتأجيل من صفته "وضده" أي ضد المليء وهو
المعسر يأخذه إذا كان الثمن مؤجلا " بكفيل
ملئ" دفعا للضرر وإن لم يعلم الشفيع حتى حل
فهو كالحال. "ويقبل في الخلف" في قدر الثمن مع
عدم البينة لواحد منهما "قول المشتري" مع
يمينه لأنه العاقد فهو أعلم بالثمن والشفيع
ليس بغارم لأنه لا شيء عليه وإنما يريد تملك
الشقص بثمنه بخلاف
(1/281)
الغاصب ونحوه
"فإن قال" المشتري: "اشتريته بألف أخذ الشفيع
به" أي بالألف "ولو أثبت البائع" أن البيع
"بأكثر" من الألف مؤاخذة للمشترى بإقراره فإن
قال: غلطت أو كذبت أو نسيت لم يقبل لأنه رجوع
عن إقراره
ومن ادعى على إنسان شفعة في شقص فقال: ليس لك
ملك في شركتي فعلى الشفيع إقامة البينة
بالشركة ولا يكفي مجرد وضع اليد "وإن أقر
البائع بالبيع" في الشقص المشفوع "وأنكر
المشتري" شراءه "وجبت" الشفعة لأن البائع أقر
بحقين حق للشفيع وحق للمشتري فإن أسقط حقه
بإنكاره ثبت حق الآخر فيقبض الشفيع من البائع
ويسلم إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع
وليس له ولا للشفيع محاكمة المشتري "وعهدة
الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع"
في غير الصورة الأخيرة فإذا ظهر الشقص مستحقا
أو معيبا رجع الشفيع على المشتري بالثمن أو
بأرش العيب ثم يرجع المشتري على البائع فإن
أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم ولا شفعة
في بيع خيار قبل انقضائه ولا في أرض السواد
ومصر والشام لأن عمر وقفها إلا أن يحكم ببيعها
حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه لأنه مختلف فيه
وحكم الحاكم ينفذ فيه.
(1/282)
20-
باب الوديعة
من ودع الشيء: إذا تركه لأنها متروكة عند
المودع. والإيداع توكيل في الحفظ تبرعا
والاستيداع توكل فيه كذلك. ويعتبر لها ما
يعتبر في وكالة ويستحب قبولها لمن علم أنه ثقة
قادر على حفظها ويكره لغيره إلا برضى ربها.
"و إذا تلفت" الوديعة "من بين ماله ولم يتعد
ولم يفرط لم يضمن" لما روى عمرو ابن شعيب عن
أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من أودع وديعة فلا ضمان عليه" رواه ابن ماجة
وسواء ذهب معها شيء من ماله أو لا.
"ويلزمه" أي المودع "حفظها في حرز مثلها" عرفا
كما يحفظ ماله لأنه تعالى أمر بأدائها ولا
يمكن ذلك إلا بالحفظ قال في الرعاية: من
استودع شيئا حفظه في حرز مثله عاجلا مع القدرة
وإلا ضمن "فإن عينه" أي الحرز "صاحبها فأحرزها
بدونه ضمن" سواء ردها إليه أو لا لمخالفته له
في حفظ ماله و إن أحرزها " بمثله أو أحرز" منه
"فلا" ضمان عليه لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي
ما هو مثله فما فوقه من باب أولى. "وإن قطع
العلف عن الدابة" المودعة "بغير قول صاحبها
ضمن" لأن العلف من كمال الحفظ بل هو الحفظ
بعينه لأن العرف يقتضي علفها وسقيها فكأنه
مأمور به عرفا وإن نهاه المالك عن علفها
(1/282)
وسقيها لم يضمن
إتلافها أشبه ما لو أمره بقتلها لكن يأثم بترك
علفها إذا لحرمة الحيوان.
"وإن عين جيبه" بان قال له: احفظها في جيبك
"فتركها في كمه أو يده ضمن" لأن الجيب أحرز
وربما نسي فسقط ما في كمه أو يده " وعكسه
بعكسه" فإذا قال له: اتركها في كمك أو يدك
فتركها في جيبه لم يضمن لأنه أحرز وإن قال:
اتركها في يدك فتركها في كمه أو بالعكس أو
قال: اتركها في بيتك فشدها في ثيابه وأخرجها
ضمن لأن البيت أحرز.
"وإن دفعها إلى من يحفظ ماله" عادة كزوجته
وعبده أو ردها لمن يحفظ "مال ربها لم يضمن"
لجريان العادة به ويصدق في دعوى التلف والرد
كالمودع "وعكسه الأجنبي والحاكم" بلا عذر
فيضمن المودع بدفعها إليهما لأنه ليس له أن
يودع من غير عذر "ولا يطالبان" أي الحاكم
والأجنبي بالوديعة إذا تلفت عندهما بلا تفريط
"إن جهلا" جزم به في الوجيز لأن المودع ضمن
بنفس الدفع والإعراض عن الحفظ فلا يجب على
الثاني ضمان لأن دفعا واحدا لا يوجب ضمانين
وقال القاضي: له ذلك فللمالك مطالبة من شاء
منهما ويستقر الضمان على الثاني إن علم وإلا
فعلى الأول وجزم بمعناه في المنتهى.
"وإن حدث خوف أو" حدث للمودع "سفر ردها على
ربها" أو وكيله فيها لأن في ذلك تخليصا له من
دركها فإن دفعها للحاكم إذن ضمن لأنه لا ولاية
له على الحاضر "فإن غاب" ربها "حملها" المودع
"معه" في السفر سواء كان لضرورة أو لا "إن كان
أحرز" ولم ينهه عنه لأن القصد الحفظ وهو موجود
هنا وله ما أنفق بنية الرجوع قاله القاضي
"وإلا" يكن السفر أحفظ لها أو كان نهي عنه
دفعها إلى الحاكم لأن في السفر بها غررا لأنه
عرضة للنهب وغيره والحاكم يقوم مقام صاحبها
عند غيبته فإن أودعها مع قدرته على الحاكم
ضمنها لأنه لا ولاية له فإن تعذر حاكم "أودعها
أهل ثقة" لفعله صلى الله عليه وسلم لما أراد
أن يهاجر أودع الودائع التي كانت عنده لأم
أيمن رضي الله عنها ولأنه موضع حاجة وكذا حكم
من حضره الموت.
"ومن" تعدى في الوديعة بأن "أودع دابة فركبها
لغير نفعها" أي علفها وسقيها "أو" أودع "ثوبا
فلبسه" لغير خوف من عث أو نحوه أو أودع "دراهم
فأخرجها من محرز ثم ردها" إلى حرزها "أو رفع
الختم" عن كيسها أو كانت مشدودة فأزال الشد
ضمن أخرج منها شيئا أو لا لهتك الحرز "أو
خلطها" بغير متميز كدراهم بدراهم وزيت بزيت من
ماله أو غيره "فضاع الكل ضمن" الوديعة لتعديه
وإن ضاع البعض ولم يدر أيهما ضاع ضمن أيضا وإن
خلطها بمتميز كدراهم بدنانير لم يضمن وإن أخذ
درهما من غير محرزه ثم رده فضاع الكل ضمنه
وحده وإن رد بدله غير متميز ضمن الجميع ومن
أودعه صبي وديعة لم
(1/283)
يبرأ إلا بردها
لوليه ومن دفع لصبي ونحوه وديعة لم يضمنها
مطلقا ولعبد ضمنها بإتلافها في رقبته1.
فصل
"ويقبل قول المودع في ردها إلى ربها" أو من
يحفظ ماله "أو غيره بإذنه" بأن قال: دفعتها
لفلان بإذنك فأنكر مالكها الإذن أو الدفع قبل
قول المودع كما لو ادعى ردها على مالكها. و
يقبل قوله أيضا "في تلفها وعدم التفريط"
بيمينه لأنه أمين لكن إن ادعى التلف بظاهر كلف
به ببينة ثم قبل قوله في التلف وإن أخر ردها
بعد طلبها بلا عذر ضمن ويمهل لأكل ونوم وهضم
طعام بقدره وإن أمره بالدفع إلى وكيله فتمكن
وأبى ضمن ولو لم يطلبها وكيله "فإن قال: لم
تودعني ثم ثبتت" الوديعة "ببينة أو إقرار ثم
ادعى ردا أو تلفا سابقين لجحوده لم يقبلا ولو
ببينة" لأنه مكذب للبينة وان شهدت بأحدهما ولم
تعين وقتا لم تسمع بل يقبل قوله بيمينه في
الرد والتلف في ما إذا أجاب بـ "قوله: مالك
عندي شيء ونحوه" كما لو أجاب بقوله: لا حق لك
قبلي أو لا تستحق علي شيئا أو ادعى الرد أو
التلف بعده أي بعد جحوده بها أي بالبينة2 لأن
قوله لا ينافي ما شهدت به البينة ولا يكذبها.
"وإن" مات المودع و "ادعى وارثه الرد منه" أي
من وارث المودع لربها "أو من مورثه" وهو
المودع "لم يقبل إلا ببينة" لأن صاحبها لم
يأتمنه عليها بخلاف المودع "وإن طلب أحد
المودعين نصيبه من مكيل أو موزون ينقسم" بلا
ضرر "أخذه" أي أخذ نصيبه فيسلم إليه لأن قسمته
ممكنة بغير ضرر ولا غبن "وللمستودع والمضارب
والمرتهن والمستأجر" إذا غصبت العين منهم
"مطالبة غاصب العين" لأنهم مأمورون بحفظها
وذلك منه وإن صادره سلطان أو أخذها منه قهرا
لم يضمن قاله أبو الخطاب.
ـــــــ
1 أي في حدود قيمة رقبته ولصاحبه أن يؤدي عنه
ما يعادل ذلك لا أكثر أو تقديمه بنفسه ليباع
وتؤدي قيمته رقبته.
2 وجاهد الوديعة إن قامت عليه البنية عليه حد
السرقة لحديث المخزومية التي قطعت يدها لجحدها
الوديعة وجاحد الوديعة حاله حال فهو أخذ الشيء
من حرز لأن الأمانة حرز والمؤتمن مسؤول وعن
حفظها.
(1/284)
21-
باب إحياء الموات
بفتح الميم والواو "وهي" مشتقة من الموت وهو
عدم الحياة واصطلاحا: "الأرض
(1/284)
المنفكة عن
الاختصاصات وملك معصوم" بخلاف الطرق و الأقنية
ومسيل المياه والمحتطبات ونحوها وما جرى عليه
ملك معصوم بشراء أو عطية أو غيرهما فلا يملك
شيء من ذلك بالإحياء فمن أحياها أي الأرض
الموات ملكها لحديث جابر يرفعه: "من أحيا أرضا
ميتة فهي له" رواه أحمد والترمذي وصححه وعن
عائشة مثله رواه مالك وأبو داود وقال ابن عبد
البر: هو مسند صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء
المدينة وغيرهم "من مسلم وكافر" ذمي مكلف
وغيره لعموم ما تقدم لكن على الذمي خراج ما
أحيى من موات عنوة "بإذن الإمام" في الإحياء
"وعدمه" لعموم الحديث ولأنها عين مباحة فلا
يفتقر ملكها إلى إذن "في دار الإسلام وغيرها"
فجميع البلاد سواء في ذلك "والعنوة" كأرض مصر
والشام والعراق "كغيرها" مما أسلم أهله عليه
أو صولحوا عليه إلا ما أحياه مسلم من أرض كفار
صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج.
"ويملك بالإحياء ما قرب من عامر إن لم يتعلق
بمصلحته" لعموم ما تقدم وانتفاء المانع فإن
تعلق بمصالحه كمقبرته وملقى كناسته ونحوه لم
يملك وكذا موات الحرم وعرفات لا يملك بإحياء
وإذا وقع في الطريق وقت الإحياء نزاع فلها
سبعة أذرع ولا تغير بعد وضعها ولا يملك معدن
ظاهر كملح وكحل وجص بإحياء وليس للإمام إقطاعه
وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يحي بالبناء
لأنه يرد الماء إلى الجانب الآخر فيضر بأهله
وينتفع به بنحو زرع "ومن أحاط مواتا" بأن أدار
حوله حائطا منيعا بما جرت العادة به فقد أحياه
سواء أرادها للبناء أو غيره لقوله صلى الله
عليه وسلم: "من أحاط حائطا على أرض فهي له"
رواه أحمد وأبو داود عن جابر "أو حفر بئرا
فوصل إلى الماء" فقد أحياه "أو أجراه" أي
الماء إليه أي إلى الموات "من عين ونحوها أو
حبسه" أي الماء "عنه" أي عن الموات إذا كان لا
يزرع معه ليزرع فقد أحياه لأن نفع الأرض بذلك
أكثر من الحائط ولا إحياء بحرث وزرع.
"ويملك" المحيي "حريم البئر العادية" بتشديد
الياء أي القديمة منسوبة إلى عاد ولم يردها
عادا بعينها "خمسين ذراعا" من كل جانب إذا
كانت انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو
انقطع ماؤها فاستخرجه "وحريم البدية" المحدثة
"نصفها" خمسة وعشرون ذراعا لما روى أبو عبيد
في الأموال عن سعيد بن المسيب قال: السنة في
حريم القليب العادي خمسون ذراعا والبدي خمسة
وعشرون ذراعا وروى الخلال والدارقطني نحوه
مرفوعا
وحريم شجرة: قدر مد أغصانها وحريم دار من موات
حوالها مطرح تراب وكناسة وثلج وماء ميزاب
و لاحريم لدار محفوفة بملك ويتصرف كل منهم
بحسب العادة ومن تحجر مواتا بأن أدار حوله
أحجارا ونحوها لم يملكه وهو أحق به ووارثه من
بعده وليس له
(1/285)
بيعه "وللإمام
إقطاع موات لمن يحييه" لأنه صلى الله عليه
وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق "ولا يملكه"
بالإقطاع بل هو أحق من غيره فإذا أحياه ملكه.
وللإمام أيضا إقطاع غير موات تمليكا وانتفاعا
للمصلحة "وله إقطاع الجلوس" للبيع والشراء "في
الطرق الواسعة" ورحبة مسجد غير محوطة ما لم
يضر بالناس لأنه ليس للإمام أن يأذن فيما لا
مصلحة فيه فضلا عما فيه مضرة "ويكون" المقطع
له أ"حق بجلوسها" ولا يزول حقه بنقل متاعه
منها لأنه قد استحق بإقطاع الإمام وله التظليل
على نفسه بما ليس ببناء بلا ضرر ويسمى هذا
إقطاع إرفاق "ومن غير إقطاع" للطرق الواسعة
والرحبة غير المحوطة الحق " لمن سبق بالجلوس
ما في قماشه فيها وإن طال" جزم به في الوجيز
لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فلم يمنع
فإذا نقل متاعه كان لغيره الجلوس وفي المنتهى
وغيره: فإن أطاله أزيل لأنه يصير كالمالك
"وان سبق اثنان" فأكثر إليها وضاقت اقترعا
لأنهما استويا في السبق والقرعة مميزة ومن سبق
إلى مباح من صيد أو حطب أو معدن ونحوه فهو أحق
به وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما " ولمن في
أعلى الماء المباح" كماء مطر " السقي وحبس
الماء إلى أن يصل إلى كعبه ثم يرسله إلى من
يليه" فيفعل كذلك وهلم جرا فإن لم يفضل عن
الأول أو من بعده شيء فلا شيء للآخر لقوله صلى
الله عليه وسلم: "استق يا زبير ثم احبس الماء
حتى يرجع إلى الجدر" متفق عليه وذكر عبد
الرزاق عن معمر عن الزهري قال: نظرنا إلى قول
النبي صلى الله عليه وسلم ثم حبس الماء حتى
يرجع إلى الجدر فكان ذلك إلى الكعبين فإن كان
الماء مملوكا قسم بين الملاك بقدر النفقة
والعمل وتصرف كل واحد في حصته بما شاء.
وللإمام دون غيره حمى مرعى" أي أن يمنع الناس
من مرعى "لدواب المسلمين التي يقوم بحفظها
كخيل الجهاد والصدقة "ما لم يضرهم" بالتضييق
عليهم لما روى عمر أن النبي صلى الله عليه
وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين رواه أبو عبيد
وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم ليس لأحد
نقضه وما حماه غيره من الأئمة يجوز نقضه
و لا يجوز لأحد أن يأخذ من أرباب الدواب عوضا
عن مرعى موات أو حمى لأنه صلى الله عليه وسلم
شرك الناس فيه ومن جلس في نحو جامع لفتوى أو
إقراء فهو أحق بمكانه مادام فيه أو غاب لعذر
وعاد قريبا
ومن سبق إلى رباط أو نزل فقيه بمدرسة أو صوفي
بخانقاه لم يبطل حقه بخروجه منه لحاجة.
(1/286)
22-
باب الجعالة
بتثليث الجيم قاله ابن مالك قال ابن فارس:
الجعل والجعالة والجعيلة: ما يعطاه الإنسان
على أمر يفعله. "وهي" اصطلاحا: "أن يجعل" جائز
التصرف شيئا متمولا "معلوما لمن يعمل له عملا
معلوما" كرد عبده من محل كذا أو بناء حائط كذا
أو عملا "مجهولا مدة معلومة" كشهر كذا أو مدة
مجهولة فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة
ويجوز الجمع بينهما هنا بخلاف الإجارة ولا
تعيين العامل للحاجة ويقوم العمل مقام القبول
لأنه يدل عليه كالوكالة ودليلها قوله تعالى:
{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} 1.
و حديث اللديغ والعمل الذي يؤخذ الجعل عليه
"كرد عبد ولقطة" فإن كانت في يده فجعل له
مالكها جعلا ليردها لم يبح له أخذه "و" كـ "
خياطة وبناء حائط" وسائر ما يستأجر عليه من
الأعمال " فمن فعل بعد علمه بقوله" أي بقول
صاحب العمل: من فعل كذا فله كذا " استحقه" لأن
العقد استقر بتمام العمل. "والجماعة" إذا
عملوه "يقتسمونه" بالسوية لأنهم اشتركوا في
العمل الذي بستحق به العوض فاشتركوا فيه و إن
بلغه الجعل "في أثنائه" أي أثناء العمل "يأخذ
قسط تمامه" لأن ما فعله قبل بلوغ الخبر غير
مأذون له فيه فلم يستحق به عوضا وإن لم يبلغه
إلا بعد العمل لم يستحق شيئا لذلك "و" الجعالة
عقد جائز "لكل" منهما "فسخها" كالمضاربة.
فـ متى كان الفسخ "من العامل" قبل تمام العمل
فإنه "لا يستحق شيئا" لأنه أسقط حق نفسه حيث
لم يأت بما شرط عليه و إن كان الفسخ "من
الجاعل بعد الشروع" في العمل فـ "للعامل أجرة
مثل عمله" لأنه عمله بعوض لم يسلم له وقبل
الشروع في العمل لا شيء للعامل وإن زاد أو نقص
قبل الشروع في الجعل جاز لأنها عقد جائز "ومع
الاختلاف في أصله" أي أصل الجعل "أو قدره يقبل
قول الجاعل" لأنه منكر والأصل براءة ذمته.
"ومن رد لقطة أو ضالة أو عمل لغيره عملا بغير
جعل" ولا إذن "لم يستحق عوضا" لأنه بذل منفعته
من غير عوض فلم يستحقه ولئلا يلزم الإنسان ما
لم يلتزمه إلا في تخليص متاع غيره من هلكة فله
أجرة المثل ترغيبا وإلا "دينارا أو اثني عشر
درهما عن رد الآبق" من المصر أو خارجه روي عن
عمر وعلي وابن مسعود لقول ابن أبي مليكة
ـــــــ
1 سورة يوسف من الآية "72".
(1/287)
وعمرو بن دينار
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في رد الآبق
إذا جاء به خارجا من الحرم دينارا. "ويرجع"
راد الآبق "بنفقته أيضا" لأنه مأذون في
الإنفاق شرعا لحرمة النفس ومحله إن لم ينو
التبرع ولو هرب في الطريق وإن مات السيد رجع
في تركته وعلم منه جواز أخذ الآبق لمن وجده
وهو أمانة بيده ومن ادعاه فصدقه العبد أخذه
فإن لم يجد سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه
ليحفظه لصاحبه وله بيعه لمصلحة ولا يملكه
ملتقطه بالتعريف كضوالع الإبل وإن باعه ففاسد.
(1/288)
23-
باب اللقطة
اللقطة: بضم اللام وفتح القاف - ويقال: لقاطة
- بضم اللام ولقطة - بفتح اللام والقاف1.
"وهي مال أو مختص ضل عن ربه" قال بعضهم: وهي
مختصة بغير الحيوان ويسمى ضالة. "و" يعتبر
فيما يجب تعريفه أن "تتبعه همة أوساط الناس"
بأن يهتموا في طلبه "فأما الرغيف والسوط" -
وهو الذي يضرب به - وفي شرح المهذب: هو فوق
القضيب ودون العصا "ونحوهما" كشسع النعل
"فيملك" بالالتقاط "بلا تعريف" ويباح الانتفاع
به لما روى جابر قال: رخص رسول الله صلى الله
عليه وسلم في العصا والسوط والحبل يلتقطه
الرجل ينتفع به رواه أبو داود وكذا التمرة
والخرقة وما لا خطر له ولا يلزمه دفع بدله
"وما امتنع من سبع صغير" كذئب ويرد الماء
"كثور وجمل ونحوهما" كالبغال والحمير والظباء
والطيور والفهود ويقال لها: الضوال والهوامى
والهوامل "حرم أخذه" لقوله صلى الله عليه وسلم
لما سئل عن ضالة الإبل: "ما لك ولها معها
سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى
يجدها ربها" متفق عليه
وقال عمر: من أخذ الضالة فهو ضال أي: مخطئ فإن
أخذها ضمنها وكذا نحو حجر طاحون وخشب كبير
"وله التقاط غير ذلك" أي: غير ما تقدم من
الضوال ونحوها "من حيوان" كغنم وفصلان وعجاجيل
وأفلاء "وغيره" كأثمان ومتاع "إن أمن نفسه على
ذلك" وقوي على تعريفها لحديث زيد بن خالد
الجهني قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن
لقطة الذهب والورق فقال: "اعرف وكاءها وعفاصها
ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن
وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر
فادفعها إليه" وسأله عن الشاة فقال: "خذها
فإنما هي
ـــــــ
1 اللقطة هي كل مال أو متاع متروكا أو مرميا
في أرض لا يحفظ مثله في مثلها في غير حرز وهي
غير قادرة على حرز نفسها ولا يكون حيوانا لأن
الحيوان يسمى ضالا.
(1/288)
لك أو لأخيك أو
للذئب" متفق عليه مختصرا والأفضل تركها روي عن
ابن عباس وابن عمر. "وإلا" يأمن نفسه عليها
"فهو كغاصب" فليس له أخذها لما فيه من تضييع
مال غيره ويضمنها إن تلفت فرط أو لم يفرط ولا
يملكها وإن عرفها ومن أخذها ثم ردها إلى
موضعها أو فرط فيها ضمنها ويخير في الشاة
ونحوها بين ذبحها وعليه القيمة أو بيعها ويحفظ
ثمنها أو ينفق عليها من ماله بنية الرجوع وما
يخشى فساده له بيعه وحفظ ثمنه أو أكله بقيمته
أو تجفيف يمكن تجفيفه.
"ويعرف الجميع" وجوبا لحديث زيد السابق نهارا
"في مجامع الناس" كالأسواق وأبواب المساجد في
أوقات الصلوات لأن المقصود إشاعة ذكرها
وإظهارها ليظهر عليها صاحبها غير المساجد فلا
تعرف فيها حولا كاملا روي عن عمر وعلي وابن
عباس عقب الالتقاط لأن صاحبها يطلبها إذا كل
يوم أسبوعا ثم عرفا وأجرة المنادي على
الملتقط.
"ويملكه بعده" أي بعد التعريف "حكما" أي من
غير اختيار كالميراث غنيا كان أو فقيرا لعموم
ما سبق ولا يملكها بدون تعريف "لكن لا يتصرف
فيها قبل معرفة صفاتها" أي حتى يعرف وعاءها
ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها ويستحب ذلك عند
وجدانها والإشهاد عليها "فمتى جاء طالبها
فوصفها لزم دفعها إليه" بلا بينة ولا يمين وإن
لم يغلب على ظنه صدقة لحديث زيد وفيه: "فإن
جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها
إياه وإلا فهي لك" رواه مسلم ويضمن تلفها
ونقصها بعد الحول مطلقا لا قبله إن لم يفرط.
"والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما" لقيامه
مقامهما ويلزمه أخذها منهما فإن تركها في
يدهما فتلفت ضمنها فإن لم تعرف فهي لهما وإن
وجدها عبد عدل فلسيده أخذها منه وتركها معه
ليعرفها فإن لم يأمن سيده عليها سترها عنه
وسلمها للحاكم ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان
والمكاتب كالحر ومن بعضه حر فهي بينه وبين
سيده. "ومن ترك حيوانا" لا عبدا أو متاعا
"بفلاة لانقطاعه أو "عجز ربه عنه ملكه آخذه"
بخلاف عبد ومتاع وكذا ما يلقى في البحر خوفا
من غرق فيملكه آخذه وإن انكسرت سفينة فاستخرجه
قوم فهو لربه وعليه أجرة المثل "ومن أخذ نعله"
ونحوه من متاعه "ووجد موضعه غيره فلقطة" ويأخذ
حقه منه بعد تعريفه
وإذا وجد عنبرة على الساحل فهي له.
(1/289)
24-
باب اللقيط
بمعنى ملقوط "وهو" اصطلاحا: "طفل لا يعرف نسبه
ولا رقه نبذ" أي طرح في شارع أو غيره "أو ضل"
و "أخذه فرض كفاية" لقوله تعالى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
1. ويسن الإشهاد عليه وهو حر في جميع الأحكام
لأن الحرية هي الأصل والرق عارض.
"وما وجد معه" من فراش تحته أو ثياب فوقه أو
مال في جيبه "أو تحته ظاهرا أو مدفونا طريا أو
متصلا به كحيوان وغيره" مشدودا بثيابه "أو"
مطروحا "قريبا منه فـ" هو له عملا بالظاهر
ولأن له يدا صحيحة كالبالغ "وينفق عليه منه"
ملتقطه بالمعروف لولاية عليه "وإلا" يكن معه
شيء "فمن بيت المال" لقول عمر رضي الله عنه:
اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته وفي لفظ
وعلينا رضاعه ولا يجب على الملتقط فإن تعذر
الإنفاق من بيت المال فعلى من علم بحاله من
المسلمين فإن تركوه أثموا "وهو مسلم" إذا وجد
في دار الإسلام وإن كان فيها أهل ذمة تغليبا
للإسلام والدار وإن وجد في بلد كفار لا مسلم
فيه فكافر تبعا للدار
"وحضانته لواجده الأمين" لأن عمر أقر اللقيط
في يد أبي جميلة حين قال له عريفه: إنه رجل
صالح "وينفق علي"ه مما وجد معه من نقد أو غيره
"بغير إذن حاكم" لأنه وليه وإن كان فاسقا أو
رقيقا أو كافرا واللقيط مسلم أو بدويا ينتقل
في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى
البادية لم يقر بيده "وميراثه وديته" كدية حر
"لبيت المال" إن لم يخلف وارثا كغير اللقيط
ولا ولاء عليه لحديث: "إنما الولاء لمن أعتق"
. "ووليه في" القتل "العمد" العدوان " الإمام
يتخير بين القصاص والدية" لبيت المال لأنه ولي
من لا ولي له وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه
ورشده ليقتص أو يعفو وإن ادعى إنسان أنه
مملوكه ولم يكن بيده لم يقبل إلا ببينة تشهد
أن أمته ولدته في ملكه و نحوه.
"وإن أقر رجل أو امرأة" ولو "ذات زوج مسلم أو
كافر أنه ولده لحق" به لأن الإقرار به محض
مصلحة للطفل لاتصال نسبه ولا مضرة على غيره
فيه وشرطه أن ينفرد بدعوته وأن يمكن كونه منه
حرا كان أو عبدا وإذا ادعته المرأة لم يلحق
بزوجها كعكسه "ولو بعد موت اللقيط" فيلحقه وإن
لم يكن له توأم أو ولد احتياطا للنسب "ولا
يتبع" اللقيط " الكافر" المدعي أنه ولده في
دينه إلا أن يقيم بينة تشهد أنه ولد على فراشه
لأن اللقيط محكوم بإسلامه بظاهر الدار فلا
يقبل قول الكافر في كفره بغير بينة وكذا لا
يتبع رقيقا في رقه.
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "2".
(1/290)
"وإن اعترف"
اللقيط " بالرق مع سبق مناف" للرق من بيع
ونحوه أو عدم سبقه لم يقبل لأنه يبطل حق الله
من الحرية المحكوم بها سواء أقر ابتداء لإنسان
أو جوابا لدعوى عليه " أو قال" اللقيط بعد
بلوغه: " إنه كافر لم يقبل منه" لأنه محكوم
بإسلامه و يستتاب فإن تاب وإلا قتل. " وإن
ادعاه جماعة قدم ذو البينة" مسلما أو كافرا
حرا أو عبدا لأنها تظهر الحق وتبينه " وإلا"
يكن لهم بينة أو تعارضت عرض معهم على القافة "
فمن ألحقته القافة به" لحقه لقضاء عمر به
بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وإن ألحقته
باثنين فأكثر لحق بهم وإن ألحقته بكافر أو أمة
لم يحكم بكفره ولا رقه ولا يلحق بأكثر من أم
والقافة: قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص
ذلك بقبيلة معينة ويكفي واحد وشرطه أن يكون
ذكرا عدلا مجربا في الإصابة ويكفي مجرد خبره
وكذا إن وطئ اثنان امرأة بشبهة في طهر واحد
وأتت بولد يمكن أن يكون منهما.
(1/291)
|