الشرح
الكبير على متن المقنع باب التيمم التيمم في اللغة القصد قال الله
تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وقال امرؤ القيس تيممت العين التي
عند ضارج * يفئ عليها الظل عرمضها طامي وقول الله تعالى (فتيمموا صعيدا
طيبا) أي اقصدوه ثم نقل في عرف الفقهاء إلى مسح الوجه واليدين بشئ من
الصعيد، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه) وأما السنة فحديث عمار وغيره، وأجمعت الأمة على جواز التيمم
في الجملة وله شروط وفرائض وسنن ومبطلات تأتي في أثناء الباب إن شاء الله
تعالى (مسألة) قال (وهو بدل لا يجوز إلا بشرطين (أحدهما) دخول الوقت فلا
يجوز لفرض
قبل وقته ولا لنفل في وقت النهي عنه) وجملة ذلك أن التيمم بدل عن الماء
إنما يجوز عند تعذر الطهارة بالماء لعدمه أو مرض أو خوف أو نحوه لقوله
تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " التراب
كافيك ما لم تجد الماء "
(1/233)
ولحديث ضاحب الشجة وحديث عمرو بن العاص
وغير ذلك، ويشترط له ثلاثة شروط (أحدها) دخول الوقت فلا يجوز لصلاة مفروضة
قبل دخول وقتها ولا لنافلة في وقت النهي عنها لأنه ليس بوقت لها ولأنه
مستغن عن التيمم فيه فأشبه مالو تيمم عند وجود الماء، وإن كانت فائتة جاز
التيمم لها في كل وقت لجواز فعلها فيه.
وهذا قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يصح التيمم قبل وقت الصلاة لأنها
طهارة مشترطة للصلاة فأبيح تقديمها على الوقت كسائر الطهارات.
وروى عن أحمد أنه قال القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو
يحدث، فعلى هذا يجوز قبل دخول الوقت.
والصحيح الأول لأنها طهارة ضرورة فلم تجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة.
وقياسهم ينتقض بطهارة المستحاضة ويفارق التيمم سائر الطهارات لكونها ليست
لضرورة (الشرط الثاني) العجز عن استعمال الماء لعدمه لما ذكرنا وعدم الماء
إنما يشترط لمن تيمم لعذر عدم الماء دون من تيمم لغيره من الأعذار (الشرط
الثالث) طلب الماء وفيه خلاف نذكره إن شاء الله (فصل) وعدم الماء يبيح
التيمم في السفر الطويل والقصير، والطويل ما يبيح القصر، والقصير ما دونه
مثل أن يكون بين قريتين متباعدتين أو متقاربتين.
قال القاضي: لو خرج إلى ضيعة له تفارق البنيان والمنازل ولو بخمسين خطوة
جاز له التيمم والصلاة على الراحلة وأكل الميتة للضرورة.
وهذا قول مالك والشافعي.
وقال قوم لا يباح إلا في الطويل قياساً على سائر رخص السفر ولنا قوله تعالى
(وإن كنتم مرضى أو على سفر - إلى قوله - فتيمموا) فإنه يدل بمطلقه على
إباحة التيمم
(1/234)
في كل سفر ولأن السفر القصير يكثر فيكثر
عدم الماء فيه فيحتاج إلى التيمم فيه فينبغي أن يسقط به الفرض كالطويل.
والقياس على رخص السفر لا يصح لأن التيمم يباح في الحضر على ما يأتي ولأن
التيمم
عزيمة لا يجوز تركه بخلاف سائر الرخص.
ولا فرق بين سفر الطاعة والمعصية لأن التيمم عزيمة لا يجوز تركه بخلاف بقية
الرخص فإن تيمم وصلى فهل يعيد؟ ذكر القاضي فيه احتمالين أولاهما لا يعيد
لأنه عزيمة (فصل) فإن عدم الماء في الحضر بأن انقطع عنهم الما أو حبس وعدم
الماء تيمم وصلى وهذا قول مالك والثوري والاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة
في رواية عنه لا يصلي لأن الله تعالى شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز في
غيره وقد روي عن أحمد أنه سئل عن رجل حبس في دار أو أغلق عليه الباب بمنزل
المضيف أيتيمم؟ قال لا ولنا ما روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد
الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير " قال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا عام في
السفر وغيره ولأنه عادم للماء أشبه المسافر فأما الآية فلعل ذكر السفر فيها
خرج مخرج الغالب لكون الغالب أن الماء إنما يعدم فيه - كما ذكر السفر وعدم
وجود الكاتب في الرهن وليسا شرطين فيه.
ثم أن الآية إنما تدل على ذلك بدليل الخطاب وأبو حنيفة لا يقول به ولو كان
حجة
(1/235)
فالمنطوق راجح عليه فعلى هذا إذا تيمم في
الحضر لعدم الماء وصلى فهل يعيد إذا قدر على الماء؟ على روايتين (إحداهما)
يعيد وهو مذهب الشافعي لأنه عذر نادر فلا يسقط به القضاء كالحيض في الصوم
(والثانية) لا يعيد وهو مذهب مالك لأنه أتى بما أمر به فخرج عن العهدة
ولأنه صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع فأشبه المريض والمسافر مع أن
عموم الخبر يدل عليه، وقال أبو الخطاب أن حبس في المصر صلى ولم يذكر إعادة
وذكر الروايتين في غيره.
قال شيخنا: ويحتمل أنه إن كان عدم الماء لعذر نادر أو يزول قريباً كرجل
أغلق عليه الباب مثل الضيف وما أشبه هذا فعليه الإعادة لأن هذا بمنزلة
المتشاغل بطلب الماء وتحصيله، وإن كان عذراً ممتداً ويوجد كثيراً كالمحبوس
ومن انقطع الماء من قريته واحتاج إلى استقاء الماء من مسافة بعيدة فله
التيمم ولا إعادة عليه لأن هذا عادم للماء بعذر متطاول معتاد فهو كالمسافر
ولأن عدم هذا الماء أكثر من عدم المسافر له فالنص على التيمم للمسافر تنبيه
على التيمم ههنا.
وما قاله صحيح والله تعالى أعلم
(فصل) ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله كالحراث والحصاد والحطاب
وأشباههم ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه فحضرت الصلاة ولا ماء معه ولا
يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته فله أن يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه
لأنه مسافر أشبه الخارج إلى قرية اخرى ويحتمل أن تلزمه الإعادة لكونه في
أرض من عمل المصر أشبه المقيم فيه فإن كانت الأرض التي خرج إليها من غير
(1/236)
أرض قريبة فلا إعادة عليه وجهاً واحداً
لأنه مسافر (فصل) فإن لم يجد إلا ماء ولغ فيه بغل أو حمار فروي عن أحمد أنه
قال إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه فيقدم الوضوء ثم يتيمم نص عليه أحمد
ليكون عادماً للماء بيقين.
قال ابن عقيل: ويحتمل في المذهب أن يصلي بكل واحد منهما ليحصل له تأدية
فرضه بيقين، فعلى هذا يقدم التيمم ويصلي ثم يتوضأ لجواز أن يكون الماء
نجساً ولا يضر ههنا تقديم التيمم مع كونه مسقطاً للفرض كما إذا اشتبهت
الثياب فإن أراد أن يصلي صلاة أخرى في وقت واحد لم يحتج إلى إعادة الوضوء
إذا لم يحدث لأن الماء إن كان طاهراً فالوضوء بحاله وإن كان نجساً فلا حاجة
إلى تكرار الوضوء بماء نجس ولا يحتاج في الصلاة الثانية إلى أن يفعلها
مرتين لأنه لا يحصل له تأدية فرضه بيقين لأن أعضاءه قد تنجست بالماء على
تقدير نجاسته هذا إذا كان مستديماً للطهارة الأولى ذكره ابن عقيل قال ويمكن
تأديته بيقين بأن يتيمم للحدث والنجاسة ويصلي لأنه إن كان الماء طاهراً فقد
صحت صلاته وإن كان نجساً فقد تيمم للنجاسة والحدث فتصح صلاته (مسألة) قال
(أو لضرر في استعماله من جرح أو برد شديد أو مرض يخشى زيادته أو تطاوله)
هذه تشتمل على مسائل أحدها التيمم لخوف البرد متى أمكنه تسخين الماء أو
استعماله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضواً عضواً كلما غسل شيئاً ستره
لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر أهل العلم، وقال عطاء والحسن
يغتسل وإن مات.
ومقتضى قول ابن مسعود نحو ذلك.
ووجه الأول قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) ولما روى عمرو بن العاص قال
احتلمت في ليلة باردة في عزوة ذات
(1/237)
السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت
ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " يا عمرو
صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت
الله عزوجل يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً.
رواه الخلال وأبو داود وسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز
لأنه لا يقر على الخطأ ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض، وهل تلزمه الإعادة
إذا قدر على استعمال الماء؟ فيه روايتان (إحداهما) لا تلزمه وهو قول الثوري
ومالك وأبي حنيفة وابن المنذر لحديث عمرو فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يأمره بإعادة ولو وجبت لأمره بها فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض (والثانية) تلزمه الإعادة في الحضر دون
السفر وهو قول أبي يوسف ومحمد لأنه عذر نادر غير متصل فلم يمنع الإعادة
كنسيان الطهارة، قال الشيخ والأول أصح ويفارق نسيان الطهارة فإنه لم يأت
بما أمر به وإنما ظن أنه أتى به بخلاف مسئلتنا، وقال الشافعي يعيد الحاضر
لما ذكرنا وفي المسافر قولان (فصل) الثاني الجريح والمريض إذا خاف على نفسه
من استعمال الماء فله التيمم هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس ومجاهد
وعكرمة وطاوس والنخعي وقتادة ومالك والشافعي، وقال عطاء والحسن لا يجوز
التيمم إلا عند عدم الماء
(1/238)
ولنا قول الله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم)
وحديث عمرو بن العاص حين تيمم من خوف البرد وحديث صاحب الشجة ولأنه يباح له
التيمم إذا خاف العطش أو خاف من سبع فكذلك ههنا لأن الخوف لا يختلف وإنما
اختلفت جهاته، واختلفوا في الخوف المبيح للتيمم فروي عن أحمد لا يبيحه إلا
خوف التلف وهذا أحد قولي الشافعي، والصحيح من المذهب أنه يباح له التيمم
إذا خاف زيادة المرض أو تباطؤ البرء أو خاف شيئاً فاحشاً أو ألماً غير
محتمل وهذا مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي لعموم قوله تعالى (وإن
كنتم مرضى) ولأنه يجوز له التيمم إذا خاف ذهاب شئ من ماله أو ضرراً في نفسه
من لص أو سبع أو لم يجد الماء إلا بزيادة كثيرة على ثمن مثله فلأن يجوز
ههنا أولى.
ولأن ترك القيام في
الصلاة وتأخير الصوم في المرض لا ينحصر في خوف التلف فكذا ههنا.
فأما المريض والجريح الذي لا يخاف الضرر باستعمال الماء مثل من به الصداع
والحمى الحارة وأمكنه استعمال الماء الجاري ولا ضرر عليه فيه لزمه ذلك لأن
إباحة التيمم لنفي الضرر ولا ضرر عليه، وحكي عن مالك وداود إباحة التيمم
للمريض مطلقاً لظاهر الآية.
ولنا أنه قادر على استعمال الماء من غير ضرر فأشبه الصحيح والآية اشترط
فيها عدم الماء فلم يتناول محل النزاع على أنه لابد من إضمار الضرورة
والضرورة إنما تكون عند الضرر (مسألة) (أو عطش يخافه على نفسه أو رفيقه أو
بهيمته) متى خاف العطش على نفسه جاز له التيمم ولا إعادة عليه إجماعاً قال
إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان
(1/239)
معه ماء وخشي العطش أنه يبقى الماء للشرب
ويتيمم منهم علي وابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد والثوري ومالك والشافعي
واسحاق وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وإن خاف على رفيقه أو رقيقه
أو بهائمه فهو كما لو خاف على نفسه لأن حرمه رفيقه كحرمة نفسه والخائف على
بهائمه خائف من ضياع ماله وعليه ضرر فيه فجاز له التيمم كالمريض، وإن وجد
عطشان يخاف تلفه لزمه سقيه ويتيمم.
قيل لاحمد رجل معه إداوة من ماء للوضوء فيرى قوماً عطاشاً أحب إليك أن
يسقيهم أو يتوضأ؟ قال لا بل يسقيهم ثم ذكر عدة من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم يتيممون ويحبسون الماء لشفاههم وقال أبو بكر والقاضي لا يلزمه
بذله لأنه محتاج إليه ولنا أن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة بدليل مالو رأى
حريقاً أو غريقاً عند ضيق وقت الصلاة لزمه ترك الصلاة والخروج لإنقاذه فلأن
يقدمها على الطهارة بالماء أولى وقد روي في حديث البغي أن الله غفر لها
بسقي الكلب عند العطش فإذا كان في سقي الكلب فالآدمي أولى (فصل) واذا وجد
الخائف من العطش ماء طاهراوماء نجساً يكفيه أحدهما لشربه فإنه يحبس الطاهر
لشربه ويريق النجس إن استغنى عنه، وقال القاضي: يتوضأ بالطاهر ويحبس النجس
لشربه لأنه وجد ماء طاهراً يستغني عن شربه أشبه ما لو كان الكل طاهراً
(1/240)
ولنا أنه لا يقدر على ما يجوز شربه والوضوء
به إلا الطاهر فجاز له حبسه لشربه كما لو انفرد، وإن وجدهما وهو عطشان شرب
الطاهر وأراق النجس إذا استغنى عنه سواء كان في الوقت أو قبله، وقال بعض
الشافعية إن كان في الوقت شرب النجس لأن الطاهر مستحق للطهارة فهو كالعدم،
ولا يصح لأن شرب النجس حرام وإنما يصير الطاهر مستحقاً للطهارة إذا استغنى
عن شربه، وهذا غير مستغن عن شربه فوجود النجس كعدمه (مسألة) قال (أو خشية
على ماله في طلبه) متى خاف على نفسه أو ماله في طلب الماء كمن بينه وبين
الماء سبع أو عدو أو حريق أو لص فهو كالعادم لأنه خائف للضرر باستعماله أو
التلف فهو كالمريض ولو كان الماء بمجمع الفساق تخاف المرأة على نفسها منهم
فهي كالعادمة وقد توقف أحمد عن هذه المسألة وقال ابن أبي موسى تتيمم ولا
إعادة عليها في أصح الوجهين، قال شيخنا والصحيح جواز التيمم لها وجهاً
واحداً ولا إعادة عليها بل لا يحل لها الخروج إلى الماء لما فيه من التعرض
للزنا وهتك نفسها وعرضها وتنكيس رؤس أهلها وربما أفضى إلى قتلها.
وقد أبيح لها التيمم حفظاً للقليل من مالها المباح لها بذله وحفظ نفسها من
زيادة مرض أو تباطؤ برء فههنا أولى وكذلك إن كان يخاف إذا ذهب إلى الماء
شرود دابته أو سرقتها أو يخاف على أهله لصاً أو سبعاً فهو كالعادم لما
دكرنا، فإن كان خوفه جبناً لا عن سبب يخاف من مثله كالذي يخاف بالليل وليس
شئ يخاف منه لم يجز له التيمم نص عليه أحمد قال شيخنا ويحتمل أن يباح له
التيمم ويعيد إذا اشتد خوفه لأنه بمنزلة الخائف لسبب، ومن كان خوفه لسبب
ظنه مثل من رأى سواداً ظنه عدواً فتبين أنه ليس بعدو أو رأى كلباً فظنه
نمراً فتيمم
(1/241)
وصلى فبان خلافه فهل تلزمه الإعادة؟ على
وجهين (أحدهما) لا تلزمه الإعادة لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته
(والثاني) تلزمه لأنه تيمم من غير سبب يبيح التيمم أشبه من نسي الماء بموضع
يمكنه استعماله (فصل) ومن كان مريضاً لا يقدر على الحركة ولا يجد من يناوله
الماء فهو كالعادم قاله ابن أبي موسى وهو قول الحسن لأنه لا سبيل له إلى
الماء أشبه من وجده في بئر ليس له ما يستقي به منها، وإن
وجد من يناوله قبل خروج الوقت فهو كالواجد في الحال لأنه بمنزلة من يجد ما
يستقي به في الوقت، وإن خاف خروج الوقت قبل مجيئه فقال ابن أبي موسى والحسن
له التيمم ولا إعادة عليه لأنه عادم في الوقت أشبه العادم مطلقاً ويحتمل أن
ينتظر مجئ من يناوله لأنه حاضر ينتظر حصول الماء أشبه المشتغل باستقاء
الماء وتحصيله (فصل) واذا وجد بئراً وقدر على النزول إلى مائها من غير ضرر
أو الاغتراف بشئ أو ثوب يبله ثم يعصره لزمه ذلك وإن خاف فوت الوقت لأن
الإشتغال به كالاشتغال بالوضوء وحكم من في السفينة في الماء كحكم واجد
البئر إن لم يمكنه الوصول إلى الماء إلا بمشقة أو تغرير بالنفس فهو كالعادم
وهذا قول الثوري والشافعي، وإذا كان الماء موجوداً إلا أنه إن اشتغل
بتحصيله واستعماله فات الوقت لم يبح له التيمم سواء كان حاضراً أو مسافراً
في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن
الاوزاعي والثوري أنه يتيمم رواه عنهما الوليد بن مسلم وروي عن مالك
(1/242)
وابن أبي ذئب كقول الجمهور لقوله تعالى
(فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد ولقوله عليه السلام " التراب كافيك ما
لم تجد الماء " ولأنه قادر على الماء فلم يجز له التيمم كما لو لم يخف فوت
الوقت (مسألة) قال (أو تعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن مثله أو ثمن يعجز عن
آدائه) وجملته أنه متى وجد ماء بثمن مثله في موضعه لزمه شراؤه إذا قدر على
الثمن مع استغنائه عنه لقوته ومؤنة سفره لأنه قادر على استعماله من غير ضرر
وكذلك إن كانت الزيادة يسيرة لا تجحف بماله ذكره أبو الخطاب لما ذكرنا،
وقال الشافعي لا يلزمه شراؤه مع الزيادة قليلة كانت أو كثيرة لأن عليه
ضرراً في الزيادة أشبه مالو خاف لصاً يأخذ من ماله ذلك المقدار ولنا قوله
تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد فإن القدرة على ثمن العين كالقدرة
على العين في المنع من الانتقال إلى البدل كما لو بيعت بثمن مثلها لأن ضرر
المال دون ضرر النفس وقد قالوا في المريض يلزمه الغسل ما لم يخف التلف
فتحمل الضرر اليسير في المال أحرى وما ذكروه من الدليل يبطل بما إذا كان
بثمن المثل فإن كان عاجزاً عن الثمن فهو كالعادم لأنه عاجز عن إستعمال
الماء.
وإن
بذل له ثمنه لم يلزمه قبوله لأن فيه منه.
فأما إن وهب له ماء لزمه قبوله لأنه قادر على استعمال الماء ولا منة في ذلك
في العادة.
فأما إن كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه لأن عليه ضرراً
كثيراً وإن كانت كثيرة لا تجحف بماله ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه شراؤه لأنه
واجد للماء قادر عليه من غير إجحاف بماله فلزمه استعماله للآية وكما لو
كانت الزيادة بسيرة (والثاني) لا يلزمه لأن فيه ضرراً ولما ذكرنا في
الزيادة اليسيرة
(1/243)
(فصل) فإن بذل له بثمن في الذمة يقدر على
ادائه في بلده فقال القاضي يلزمه شراؤه لأنه قادر على أخذه بما لا مضرة
فيه.
وقال الآمدي لا يلزمه لأن عليه ضرراً في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله
قبل أدائه وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، وإن لم يكن له في بلده ما يؤدي
ثمنه لم يلزمه شراؤه لأن عليه ضرراً، وإن لم يبذله له وكان فاضلاً عن حاجته
لم يجز له أخذه منه قهراً (1) لأن الضرورة لا تدعو إليه ولأن هذا له بدل
وهو التيمم بخلاف الطعام في المجاعة (مسألة) (فإن كان بعض بدنه جريحاً تيمم
له وغسل الباقي) وجملة ذلك أن الجريح والمريض إذا أمكنه غسل بعض بدنه دون
بعض لزمه غسل ما أمكنه غسله وتيمم للباقي وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة
ومالك إن كان أكثر بدنه صحيحاً غسله ولا يتيمم وإن كان أكثره جريحاً تيمم
ولا غسل عليه لأن الجمع بين البدل والمبدل لا يجب كالصيام والإطعام ولنا ما
روى جابر قال خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا شجة في وجهه ثم احتلم فسأل
أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على
الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فاقل
" قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال إنما
كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ثم يغسل سائر جسده " رواه
أبو داود ولأنها شرط من شرائط الصلاة فالعجز عن بعضها لا يسقط جميعها
كالستارة وما ذكروه ينتقض بالمسح على الخفين مع غسل بقية الأعضاء، فأما
الذي قاسوا عليه فانه جمع بين البدل والمبدل في محل واحد بخلاف مسئلتنا فإن
التيمم بدل عما لم يصبه، وكل مالا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء
إلى الجريح حكمه حكم الجريح فان لم يمكنه ضبطه وقدر أن يستنيب من يضبطه
لزمه ذلك فإن عجز تيمم وصلى واجزأه
لأنه عجز عن غسله فأجزأه التيمم عنه كالجريح
__________
1) عبارة المغني لم يجز له مكارته الخ فهل سقط من كل مكان ما ثبت نظيره في
الاخر؟ يتأمل
(1/244)
(فصل) ولا يلزمه أن يمسح على الجرح بالماء
إذا أمكنه ذلك سواء كان معصوباً أو لا هذا اختيار الخرقي، وقال ابن عقيل نص
أحمد في رواية صالح في المجروح إذا خاف مسح موضع الجرح وغسل ما حوله لقوله
عليه السلام " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " لأنه عجز عن غسله
وقدر على مسحه وهو بعض الغسل فوجب الإتيان بما قدر عليه كمن عجز عن الركوع
والسجود وقدر على الإيماء ووجه القول الأول أنه محل واحد فلا يجمع فيه بين
المسح والتيمم كالجبيرة فإذا قلنا يجب المسح على موضع الجرح فهل يتيمم معه؟
على روايتين (إحداهما) لا يتيمم كالجرح المعصوب عليه والجبيرة على الكسر
(والثانية) عليه التيمم لأن المسح بعض الغسل فيجب أن يتيمم للباقي، ويفارق
هذا الجبيرة لأن الفرض فيها انتقل إلى الحائل فهي كالخفين (فصل) فإن كانت
جميع أعضاء الوضوء قريحة تيمم لها فان لم يمكنه التيمم صلى على حسب حاله
وفي الإعادة روايتان كمن عدم الماء والتراب وسنذكر ذلك إن شاء الله
(1/245)
(فصل) إذا كان الجريح جنباً فهو مخير إن
شاء قدم التيمم على الغسل وإن شاء أخره بخلاف ما إذا كان التيمم لعدم ما
يكفيه لطهارته فإنه يلزمه استعمال الماء أولاً لأن التيمم للعدم ولا يتحقق
مع وجود الماء وههنا التيمم للعجز وهو متحقق على كل حال ولأن الجريح يعلم
أن التيمم بدل عن غسل الجرح والعادم لا يعلم القدر الذي يتيمم له إلا بعد
استعمال الماء فلزمه تقديم استعماله وإن كان الجريح يتطهر للحدث الأصغر
فذكر القاضي أنه يلزمه الترتيب فيجعل التيمم في مكان الغسل الذي يتيمم
بدلاً عنه، فإن كان الجرح في الوجه بحيث لا يمكنه غسل شئ منه تيمم أولاً ثم
أتم الوضوء، وإن كان في بعض وجهه خير بين غسل الصحيح منه ثم يتيمم وبين
التيمم ثم يغسل صحيح وجهه
ويتم الوضوء، وإن كان الجرح في عضو آخر لزمه غسل ما قبله ثم كان فيه على ما
ذكرنا في الوجه.
وإن كان في وجهه ويديه ورجليه احتاج في كل عضو إلى تيمم في محل غسله ليحصل
الترتيب ولو غسل صحيح وجهه ثم تيمم له وليديه تيمماً واحداً لم يجزه لأنه
يؤدي إلى سقوط الفرض عن جزء من الوجه واليدين في حال واحدة، فإن قيل هذا
يبطل بالتيمم عن جملة الطهارة حيث يسقط الفرض عن جميع الأعضاء جملة واحدة
قلنا.
إذا كان عن جملة الطهارة فالحكم له دونها وإن كان عن بعضها ناب عن ذلك
البعض فاعتبر فيه ما يعتبر فيما ينوب عنه من الترتيب (قال شيخنا) ويحتمل أن
لا يجب هذا الترتيب لأن التيمم طهارة مفردة فلا يجب الترتيب بينها وبين
الطهارة الأخرى كما لو كان الجريح جنباً
(1/246)
ولأنه تيمم عن الحدث الأصغر فلا يجب أن
يتيمم عن كل عضو في موضع غسله كما لو تيمم عن جملة الوضوء ولأن فيه حرجاً
فيندفع بقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وحكى الماوردي عن مذهب
الشافعي مثل هذه وحكي ابن الصباغ عنه مثل القول الأول والله تعالى أعلم
(فصل) وإن تيمم الجريح لجرح في بعض أعضائه ثم خرج الوقت بطل تيممه ولم تبطل
طهارته بالماء إن كان غسلاً للجنابة أو نحوها لأن الترتيب والموالاة غير
واجبين فيها، وإن كانت وضوءاً وكان الجرح في وجهه.
فإن قلنا يجب الترتيب بين التيمم والوضوء بطل الوضوء ههنا لأن طهارة العضو
الذي ناب التيمم عنه بطلت فلو لم يبطل ما بعده لتقدمت طهارة ما بعده عليه
فيفوت الترتيب.
فإن قلنا لا يجب الترتيب لم يبطل الوضوء وجوز له التيمم لاغير، وإن كان
الجرح في رجليه فعلى قولنا لا يجب الترتيب لا تجب الموالاة بينهما أيضاً
وعليه التيمم وحده.
وإن قلنا يجب الترتيب فينبغي أن يخرج وجوب الموالاة ههنا على وجوبها في
الوضوء وفيها روايتان.
فان قلنا تجب في الوضوء بطل الوضوء ههنا لفواتها.
وإن قلنا لا تجب كفاه التيمم وحده (قال شيخنا) ويحتمل ان لا تجب الموالاة
بين الوضوء والتيمم وجهاً واحداً لأنهما طهارتان فلم تجب الموالاة بينهما
كسائر الطهارات ولأن في إيجابها حرجاً فينتفي بقوله تعالى (ما جل عليكم في
الدين من حرج) (مسألة) قال (وإن وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه إستعماله وتيمم
للباقي إن كان جنباً.
وإن كان
(1/247)
محدثاً فهل يلزمه استعماله على وجهين)
وجملة ذلك أنه إذا وجد الجنب ماء يكفي بعض بدنه لزمه إستعماله وتيمم للباقي
نص عليه أحمد فيمن وجد ماء يكفيه لوضوئه وهو جنب قال يتوضأ ويتيمم وهذا قول
عطاء وهو أحد قولي الشافعي، وقال الحسن والزهري ومالك وأصحاب الرأي وابن
المنذر والقول الثاني للشافعي يتيمم ويتركه لأن هذا الماء لا يطهره فلم
يلزمه استعماله كالمستعمل ولنا قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وخبر
أبي ذر شرط في التيمم عدم الماء.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم "
رواه البخاري.
ولأنه وجد ما يمكنه استعماله في بعض جسده أشبه مالو كان أكثر جسده صحيحاً
وباقيه جريحاً.
ولأنه قدر على بعض الشرط فلزمه كالسترة وإزالة النجاسة والحكم الذي ذكروه
في المستعمل ممنوع وإن سلم فلأنه لا يطهر شيئاً منه بخلاف هذا ويجب عليه
استعمال الماء قبل التيمم ليتحقق العدم وقد ذكرناه (فصل) فإن وجده المحدث
الحدث الأصغر فهل يلزمه استعماله؟ على وجهين (أحدهما) يلزمه استعماله
اختاره القاضي لما ذكرنا في الجنب وكما لو كان بعض بدنه صحيحاً وبعضه
جريحاً (والثاني) لا يلزمه لأن الموالاة شرط فيه فإذا غسل بعض الأعضاء دون
بعض لم يفد بخلاف الجنابة وكذلك لو وجد الماء في الجنابة أجزأه غسل ما لم
يغسله فقط.
وفي الحدث الأصغر يلزمه استئناف الطهارة وفارق ما إذا كان بعض أعضائه
صحيحاً وبعضه جريحاً لأن العجز ببعض البدن يخالف العجز ببعض الواجب لأن من
بعضه حر إذا ملك يجزئه الحر رقبة لزمه اعتاقها في كفارته.
ولو ملك الحر بعض رقبة لم يلزمه
(1/248)
اعتاقه وللشافعي قولان كهذين.
والصحيح أنه يلزمه استعماله لما ذكرنا بمن الأدلة فيما إذا كان جنباً
قياساً عليه وكما لو كان بعض أعضائه صحيحاً وما ذكروه من أن العجز ببعض
الواجب يخالف العجز ببعض البدن يبطل بالجنب وقولهم أنه إذا وجد الماء في
الحدث الأصغر يلزمه استئناف الطهارة - قلنا هذا لا يمنع وجوب استعمال الماء
كالجريح.
وإن منعوا ذلك ثم فهذا في معناه والله أعلم، وإن قلنا لا تجب الموالاة في
الوضوء فهو كالجنب سواء
(مسألة) قال (ومن عدم الماء لزمه طلبه في رحله وما قرب منه.
وإن دل عليه قريباً لزمه قصده وعنه لا يجب الطلب) المشهور عن أحمد رحمه
الله اشتراط طلب الماء لصحة التيمم وهذا مذهب الشافعي وروي عنه لا يشترط
الطلب وهو مذهب أبي حنيفة لقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد
الماء " ولأنه غير واجد للماء قبل الطلب أشبه من طلب فلم يجد - ووجه الاولى
قوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولا يقال لم يجد إلا لمن طلب لجواز أن
يكون بقربه ماء لا يعلمه ولأنه بدل فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل
كالصيام في الظهار ولانه سبب في الصلاة مختص بها فلزمه الاجتهاد في طلبه
عند الاعواز كالقبلة.
إذا ثبت هذا فصفة الطلب أن يطلب في رحله وما قرب منه وإن رأى خضرة أو شيئاً
يدل على الماء قصده فاستبرأه وإن كان بقربه ربوة أو شئ قائم أتاه فطلب عنده
وينظر وراءه وأمامه وعن يمينه وشماله.
وإن كانت له رفقة يدل عليهم طلب منهم وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله فان
لم يجد تيمم.
فإن دل على ماء قريب لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أو يخشى فوات
(1/249)
رفقته ولم يفت الوقت وهذا مذهب الشافعي
(فصل) وإنما يكون الطلب بعد الوقت فإن طلب قبله لزمه إعادة الطلب بعده ذكره
ابن عقيل لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه كالشفيع إذا طلب
الشفعة قبل البيع.
وإن طلب بعد الوقت ولم يتيمم عقيبه جاز التيمم بعد ذلك من غير تجديد طلب
(فصل) إذا كان معه ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتاجوزه وعدم
الماء في الوقت صلى بالتيمم من غير إعادة وهو قول الشافعي.
وقال الأوزاعي إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت وإلا صلى بالتيمم من غير
إعادة كقولنا وإلا صلى بالتيمم وعليه الإعادة لأنه مفرط ولنا أنه لم يجب
عليه استعماله أشبه ما لو ظن أنه يدرك الماء في الوقت.
فأما إن أراق الماء في الوقت أو مر به في الوقت فلم يستعمله ثم عدم الماء
تيمم وصلى، وفي الإعادة وجهان (أحدهما) لا يعيد لأنه صلى بتيمم صحيح فهو
كما لو أراقه قبل الوقت (والثاني) يعيد لأنه وجبت عليه الصلاة بوضوء وهو
فوت القدرة على نفسه فبقي في عهدة الواجب وإن وهبه بعد دخول الوقت لم تصح
الهبة ذكره
القاضي لأنه تعلق به حق الله تعالى فلم تصح هبته كالأضحية.
وقال ابن عقيل يحتمل أن تصح والأول أولى، فإن تيمم مع بقاء الماء لم يصح
تيممه لأنه واجد للماء وإن تصرف فيه الموهوب له فهو كما لو أراقه إلا أن
يهبه لمحتاج إلى شربه من العطش وقد ذكرناه (مسألة) (وإن نسي الماء بموضع
يمكنه استعماله وتيمم لم يجزه) نص عليه أحمد وقطع أنه لا يجزئه وقال هذا
واجد للماء وروي عنه التوقف في هذه المسألة والمذهب الأول وهو آخر قولي
الشافعي
(1/250)
وقال أبو حنيفة وابن المنذر يجزئه وعن مالك
كالمذهبين وعنه أنه يعيد ما دام في الوقت لأنه مع النسيان غير قادر على
استعمال الماء أشبه العادم ولنا أنها طهارة تجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان
كما لو صلى ناسياً لحدثه ثم ذكر أو صلى الماسح ثم بان له انقضاء مدة المسح
قبل الصلاة ويفارق ما قاسوا عليه فإنه غير مفرط وههنا مفرط بترك الطلب
(فصل) وإن ضل عن رحله الذي فيه الماء أو كان يعرف بئراً فضاعت عنه ثم وجدها
فقال ابن عقيل يحتمل أن يكون كالناسي، والصيح أنه لا إعادة عليه وهو قول
الشافعي لأنه ليس بواجد للماء فيدخل في عموم قوله تعالى (فلم تجدوا ماء
فتيمموا) ولانه غير مفرط بخلاف الناسي، وإن كان الماء مع عبده فنسيه العبد
حتى صلى سيده احتمل أن يكون كالناسي واحتمل أن لا يعيد لأن التفريط من غيره
فإن صلى ثم بان أنه كان بقربه بئر أوماء فإن كانت أعلامه ظاهرة فعليه
الإعادة لأنه مفرط وإن كانت خفية وطلب فلم يجدها فلا إعادة عليه لعدم
التفريط والله أعلم (مسألة) (ويجوز التيمم لجميع الأحداث وللنجاسة على جرح
يضره إزالتها) يجوز التيمم للحدث الأصغر بغير خلاف علمناه إذا وجدت الشرائط
لما ذكرنا من الأدلة ويجوز للجنابة في قول أكثر أهل العلم منهم علي وابن
عباس وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري وعماراً وهو قول الثوري ومالك
والشافعي
(1/251)
واسحاق وأصحاب الرأي وكان ابن مسعود لا يرى
التيمم للجنب وروي نحوه عن عمر رضي الله عنهما والدليل على إباحته ما روى
عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم
يصل مع القوم فقال " يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم؟ " فقال أصابتني
جنابة ولا ماء فقال " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " متفق عليه وحديث أبي ذر
وعمرو بن العاص وحديث صاحب الشجة ولأنه حدث أشبه الحدث الأصغر وحكم الحائض
إذا انقطع دمها حكم الجنب (فصل) ويجوز التيمم للنجاسة على بدنه إذا عجز عن
غسلها لخوف الضرر أو عدم الماء قال أحمد هو بمنزلة الجنب يتيمم روي نحو ذلك
عن الحسن، وقال الاوزاعي والثوري وأبو ثور يمسحها بالتراب ويصلي لأن طهارة
النجاسة إنما تكون في محل النجاسة دون غيره.
وقال أكثر الفقهاء لا يتيمم للنجاسة لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث وغسل
النجاسة ليس في معناه لأن الغسل إنما يكون في محل النجاسة دون غيره ولأن
مقصود الغسل إزالة النجاسة ولا يحصل ذلك بالتيمم.
(ووجه الأول) قوله عليه السلام " الصعيد الطيب طهور المسلم " وقوله " جعلت
لي الأرض مسجدا وطهورا " ولأنها طهارة في البدن تراد للصلاة فجاز لها
التيمم قياسا على الحدث ويفارق الغسل التيمم فإنه في طهارة الحدث يؤتى به
في غير محله فيما إذا تيمم لجرح في رجله بخلاف الغسل - قولهم لم يرد به
الشرع قلنا هو داخل في عموم الأخبار، إذا ثبت هذا فتيمم وصلى فهل تلزمه
الإعادة؟ فيه
(1/252)
روايتان (إحداهما) لا تجب عليه الإعادة
لأنه أتى بما أمر (والثانية) تجب عليه لأنه صلى مع النجاسة أشبه إذا لم
يتمم.
واختار أبو الخطاب وجوب الإعادة فيما إذا تيمم لعدم الماء بخلاف ما إذا
كانت النجاسة على جرح لأنه خائف للضرر باستعمال الماء أشبه المريض.
وقال أصحابنا لا تلزمه الإعادة فيهما لقوله عليه السلام " التراب كافيك ما
لم تجد الماء " وقياساً على طهارة الحدث وكما لو تيمم للنجاسة على الجرح
عند أبي الخطاب فأما إن كانت النجاسة على ثوب لم يتيمم لها لأن التيمم
طهارة في البدن فلا تنوب عن غير البدن كالغسل (فصل) إذا ثبت أنه تيمم
للنجاسة فقال القاضي يحتمل أن لا يحتاج إلى نية لأن غسلها لا يفتقر إلى نية
كذلك التيمم لها وقياساً على الاستجمار، قال ابن عقيل ويحتمل أن يشترط
لقوله عليه السلام " وإنما لكل امرئ ما نوى " ولأن التيمم طهارة حكمية،
وغسل النجاسة بالماء طهارة عينية فجاز أن تشترط النية في الحكمية دون
العينية لما بينهما من الاختلاف
(فصل) وإن اجتمع عليه نجاسة وحدث ومعه ماء يكفي أحدهما حسب قدم غسل النجاسة
نص عليه أحمد وروي عن سفيان ولا نعلم فيه خلافاً لأن التيمم للحدث ثابت
بالإجماع والتيمم للنجاسة مختلف فيه، وإن كانت النجاسة على ثوبة قدم غسلها
وتيمم للحدث، وحكي عن أحمد أنه يدع الثوب ويتوضأ لأنه واجد للماء والوضوء
أشد من الثوب وحكاه أبو حنيفة عن حماد في الدم والأول أولى لما ذكرنا،
ولأنه إذا قدمت نجاسة البدن مع أن للتيمم فيها مدخلاً فتقديم طهارة الثوب
وليس له فيها مدخل أولى.
وإ ن اجتمع نجاسة على الثوب ونجاسة على البدن غسل الثوب وتيمم لنجاسة البدن
لأن للتيمم فيها مدخلاً (مسألة) وإن تيمم في الحضر خوفاً من البرد وصلى ففي
وجوب الإعادة روايتان (إحداهما) تجب عليه الإعادة لأن الحضر مظنة إسخان
الماء ودخول الحمامات فهو عذر نادر بخلاف السفر (والثانية) لا إعادة عليه
لأنه خائف أشبه المريض والمسافر (مسألة) فإن عدم الماء والتراب صلى على حسب
حاله في الصحيح من المذهب وهو قول الشافعي وروي عن أحمد أنه لا يصلي حتى
يقدر على أحدهما وهو قول الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة لأنها
(1/253)
عبادة لا تسقط القضاء فلم تجب كصيام
الحائض.
وقال مالك لا يصلي ولا يقضي لأنه عجز عن الطهارة فلم تجب عليه الصلاة
كالحائض قال ابن عبد البر هذه رواية منكرة عن مالك وذكر عن أصحابه قولين
(أحدهما) كقول أبي حنيفة (والثاني) يصلي ويعيد ولنا ما روى مسلم في صحيحه
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أناساً لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت
الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا للنبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له
فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا أمرهم بإعادة
فدل على أنها غير واجبة ولأن الطهار شرط فلم تؤخر الصلاة عند عدمه كالسترة،
إذا ثبت هذا فصلى ثم وجد الماء والتراب لم تجب عليه الإعادة في أصح
الروايتن لما ذكرنا من الخبر ولأنه أتى بما أمر فوجب أن يخرج عن العهدة
ولأنه أحد شروط الصلاة فسقط عند العجز كسائر شروطها (والثانية) تجب عليه
الإعادة وهو مذهب الشافعي لأنه فقد شرط الصلاة أشبه مالو
صلى بالنجاسة والاولى أولى لما ذكرنا وما قاسوا عليه ممنوع.
فأما قياس أبي حنيفة على الحائض في تأخير الصيام فلا يصح لأن الصوم يدخله
التأخير بخلاف الصلاة لأن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة ولأن عدم الماء لو
قام مقام الحيض لأسقط الصلاة بالكلية لأن قياس الصلاة على جنسها أولى من
قياسها على الصوم وقياس مالك لا يصح لمخالفته لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " ولأن قياس الطهارة على
شرائط الصلاة أولى من قياسه على الحائض والحيض عذر معتاد يتكرر والعجز ههنا
عذر نادر فلا يصح إلحاقه بالحيض لأن النادر لا يشق إيجاب القضاء فيه بخلاف
المعتاد ولأنه عذر نادر فلم يسقط الفرض كنسيان الصلاة وفقد سائر الشروط
والله أعلم (مسألة) (ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد)
لأن الله تعالى قال (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) قال
ابن عباس الصعيد تراب الحرث والطيب الطاهر وقال سبحانه (فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه) وما لا غبار له لا يمسح بشئ منه.
وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو يوسف وداود وقال مالك وأبو حنيفة يجوز بكل ما
كان من جنس الأرض كالنورة والزرنيخ والحجارة وقال الأوزاعي الرمل من
الصعيد.
وقال حماد بن أبي سليمان لا بأس ان يتيمم بالرخام لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً " رواه البخاري ولأنه من جنس
(1/254)
الأرض فجاز التيمم به كالتراب.
ولنا أن الله تعالى أمر بالصعيد وهو التراب وقال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم
منه) ولا يحصل المسح بشئ منه إلا أن يكون ذا غبار يعلق باليد، وعن علي رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت ما لم يعط نبي من
أنبياء الله جعل لي التراب طهوراً " وذكر الحديث رواه الشافعي في مسنده ولو
كان غير التراب طهوراً ذكره فيما من الله به عليه، ولأن الطهارة اختصت بأعم
المائعات وجوداً وهو الماء فتختص بأعم الجامدات وجوداً وهو التراب وحديثهم
تخصه بحديثنا (فصل) فأما السبخة فعن أحمد أنه يجوز التيمم بها رواها عنه
أبو الحارث أنه قال أرض الحرث أحب إلي، وإن تيمم من أرض السبخة أجزأه وهذا
مذهب الشافعي والاوزاعي وابن المنذر
لقوله عليه السلام " وجعل تربتها طهوراً " وعن أحمد في الرمل والنورة والجص
نحو ذلك، وحمل القاضي قول أحمد في جواز التيمم بذلك إذا كان له غبار
والموضع الذي منع إذا لم يكن لها غبار، وعنه قول ثالث أنه يجوز ذلك مع
الإضطرار خاصة رواه عنه سندي.
وقال الخلال إنما سهل أحمد فيها مع الأضطرار إذا كانت غبرة كالتراب، فمأ
إذا كانت قحلة كالملح فلا يتيمم بها أصلاً، وقال ابن أبي موسى يتيمم عند
عدم التراب بكل طاهر تصاعد على وجه الأرض مثل الرمل والسبخة والنورة والكحل
وما في معنى ذلك ويصلي وهل يعيد؟ على روايتين (فصل) وإن دق الخزف أو الطين
المحرق لم يجز التيمم به لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب وكذا
إن نحت المرمر والكذان حتى صار غباراً لم يجز التيمم به لأنه غير تراب وإن
دق الطين الصلب كالأرمني جاز تيممه به لأنه تراب.
وقال ابن عقيل يخرج عندي فيه وجهان لشبهة بالمعادن فهو كالنورة، وإن ضرب
بيده على لبد أو ثوب أو في شعير أو نحوه فعلق بيديه غبار فتيمم به جاز نص
عليه أحمد وكذلك لو ضرب بيده على صخرة أو حائط أو حيوان أو أي شئ كان فصار
على يده
(1/255)
غبار بدليل ما روى ابن عمر أن النبي صلى
الله عليه وسلم ضرب يديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح
ذراعيه.
رواه أبو داود، ولأن المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه، وقد روي عن
مالك وأبي حنيفة التيمم بصخرة لا غبار عليها وتراب ندي لا يعلق باليد منه
غبار، وأجاز مالك التيمم بالثلج والحشيش وكل ما تصاعد على وجه الأرض ومنع
من التيمم بغبار اللبد والثوب قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضرب
بيديه نفخهما ولنا قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ومن للتبعيض
فيحتاج أن يمسح بجزء منه والنفخ لا يزيل الغبار الملاصق وذلك يكفي.
وروى الأثرم عن عمر أنه قال: لا يتيمم بالثلج فان لم يجد فصفحة فرسه (1) أو
معرفة دابته (فصل) فأما التراب النجس فلا يجوز التيمم به لا نعلم فيه
خلافاً إلا أن الأوزاعي قال إن تيمم بتراب المقبرة وصلى مضت صلاته.
ولنا قوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا) والنجس ليس بطيب ولأن
التيمم طهارة لم تجز بغير طاهر كالوضوء، فأما المقبرة فإن كانت لم تنبش
فترابها طاهر وإن تكرر نبشها والدفن فيها لم يجز التيمم بترابها لاختلاطه
بصديد الموتى ولحومهم ذكر ذلك شيخنا.
وقال ابن عقيل في التربة المنبوشة لا يجوز التيمم منها سوا تكرر النبش أم
لا، وإن شك في ذلك أو في نجاسة التراب الذي يتيمم به جاز التيمم به لأن
الأصل الطهارة فهو كما لو شك في نجاسة الماء، وذكر ابن عقيل فيما إذا لم
يعلم حال المقبرة وجهين (أحدهما) يجوز لما ذكرنا (والثاني) لا يجوز لأن
الظاهر من الدفن فيها حصول النجاسة في بعضها فيشتبه بغيره والمشتبه لا تجوز
الطهارة به كالأواني.
قال ابن عقيل ويكره الوضوء من البئر الذي في المقبرة وأكل البقل وثمر الشجر
الذي فيها كالزروع التي تسمد بالنجاسة وكالجلالة
__________
1) عبارة المغني فضفة سرجه
(1/256)
(فصل) ويجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد
بغير خلاف كما يجوز أن يتوضؤا من حوض واحد، فأما التراب الذي يتناثر من
الوجه واليدين بعد مسحهما به ففيه وجهان (أحدهما) يجوز التيمم به لأنه لم
يرفع الحدث وهو قول أبي حنيفة (والثاني) لا يجوز لأنه مستعمل في طهارة
أباحت الصلاة أشبه الماء المستعمل في الطهارة وللشافعي وجهان كهذين وكذلك
التراب الذي بقي على وجه المتيمم ويديه إذا مسح غيره به أعضاء تيممه كالماء
المستعمل (مسألة) (فإن خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به كالجص ونحوه فهو
كالماء إذا خالطته الطاهرات) إن كانت الغلبة للتراب جاز وإن كانت للمخالط
لم يجز، ذكره القاضي وأبو الخطاب قياساً على الماء وقال ابن عقيل يمنع
التيمم به وإن كان قليلاً، وهو مذهب الشافعي لأنه ربما حصل في العضو فمنع
وصول التراب إليه بخلاف الماء فإن المائع يستهلك فيه فلا يجري على العضو
إلا ومعه جزء من الماء، فأما إن كان المخالط لا يعلق باليد لم يمنع لأن
أحمد قد نص على جواز التيمم من الشعير وذلك لأنه لا يحصل على اليد منه بما
يحول بين الغبار وبينها (فصل) فإن خالطه نجاسة فقال ابن عقيل: لا يجوز
التيمم به وإن كثر التراب لأن التراب لا يدفع النجاسة عن نفسه فهو
كالمائعات تتنجس بالنجاسة وإن كثرت
(فصل) وإن كان في طين لا يجد تراباً فحكي عن ابن عباس أنه يأخذ الطين فيطلي
به جسده فإذا جف تيمم به وإن خاف فوات الوقت قبل جفافه فهو كالعادة، ويحتمل
أنه إن كان يجف قريباً انتظر جفافه وإن فات الوقت كالمشتغل بتحصيل الماء من
بئر ونحوه، وإن لطخ وجهه بطين لم يجزه لأنه لا يقع عليه اسم الصعيد ولأنه
لا غبار فيه أشبه التراب الندي (فصل) (فرائض التيمم أربعة: مسح جميع وجهه
ويديه إلى كوعيه والترتيب والموالاة على إحدى
(1/257)
الروايتين) لا خلاف في وجوب مسح الوجه
والكفين في التيمم لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ويجب استيعاب
الوجه والكفين بالمسح فيمسح ما يأتي عليه الماء إلا المضمضة والاستنشاق وما
تحت الشعور الخفيفة وهذا قول الشافعي، وقال سليمان بن داود يجزئه إذا لم
يصب إلا بعض وجهه وبعض كفيه ولنا قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم)
والباء للإلصاق فصار كأنه قال فامسحوا وجوهكم وأيديكم، فيجب تعميمهما كما
وجب تعميمهما بالغسل بقوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فإن
بقي من محل الفرض شئ لم يصله التراب أمر يده عليه ما لم يفصل راحته فإن فصل
راحته وكان قد بقي عليها غبار جاز أن يمسح بها وإن لم يبق عليها غبار احتاج
إلى ضربة أخرى، وإن كان المتروك من الوجه مسحه وأعاد مسح يديه ليحصل
الترتيب، وإن تطاول الفصل بينهما وقلنا بوجوب الموالاة استأنف التيمم ويرجع
في طول الفصل وقصره إلى القدر الذي ذكرناه في الطهارة لأن التيمم فرع عليها
وقد ذكرنا الخلاف في وجوب الترتيب والموالاة في الوضوء وذكرنا الدليل بما
يغني عن إعادته والتيمم مبني عليه لأنه بدل عنه ومقيس عليه، وظاهر المذهب
وجوبهما في الوضوء كذلك ههنا، والحكم في التسمية ههنا كالحكم في التسمية في
الوضوء على ما ذكرنا من الخلاف فيه (فصل) ويجب مسح اليدين إلى الموضع الذي
يقطع منه السارق أومأ إليه أحمد وقال: قال الله
(1/258)
تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)
من أين تقع يد السارق أليس من ههنا.
وأشار إلى الرسغ
وقد روينا عن ابن عباس نحو هذا، وقال الشافعي يجب المسح إلى المرفقين
كالوضوء وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى فإن كان أقطع من فوق الرسغ سقط مسح
اليدين وإن كان من دونه مسح ما بقي وإن كان من المفصل فقال ابن عقيل يمسح
موضع القطع ونص عليه أحمد لأن الرسغين في التيمم كالمرفقين في الوضوء فكما
إنه إذا قطع من المرفقين في الوضوء غسل ما بقي كذلك ههنا يمسح العظم الباقي
وقال القاضي يسقط الفرض لأن محله الكف الذي يؤخذ في السرقة وقد ذهب لكن
يستحب إمرار التراب عليه، ومسح العظم الباقي مع بقاء اليد إنما كان ضرورة
استيعاب الواجب لأن الواجب لا يتم إلا به فإذا زال الأصل أسقط ما هو من
ضرورته كمن سقط عنه غسل الوجه لا يجب عليه غسل جزء من الرأس (فصل) وإن أوصل
التراب إلى محل الفرض بخرقة أو خشبة فقال القاضي يجزئه لأن الله تعالى أمر
بالمسح ولم يعين آلته وقال ابن عقيل فيه وجهان بناء على مسح الرأس بخرقة
رطبة وإن مسح محل الفرض بيد واحدة أو ببعض يده أجزأه وإن يممه غيره جاز كما
لو وضأه وتعتبر النية في المتيمم دون الميمم لأنه الذي يتعلق به الإجزاء
والمنع (مسألة) (ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره) وجملته أن
النية شرط للتيمم وهو قول أكثر أهل العلم منهم الليث وربيعة ومالك والشافعي
وأصحاب الرأي وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم إلا ما حكي عن الاوزاعي
والحسن بن صالح أنه يصح بغير نية وقد ذكرنا قول القاضي في التيمم للنجاسة،
وسائر أهل العلم على خلافهم لقوله عليه السلام " وإنما لأمرئ ما نوى "
وينوي به
(1/259)
استباحة الصلاة فإن نوى رفع الحدث لم يصح
تيممه لأنه لا يرفع الحدث قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن طهارة
التيمم لا ترفع الحدث إذا وجد الماء بل إذا وجده أعاد الطهارة جنباً كان أو
محدثاً وهذا مذهب مالك والشافعي وغيرهما، وحكي عن أبي حنيفة أنه يرفع الحدث
وعن أحمد ما يدل على ذلك لأنها طهارة عن حدث تبيح الصلاة فرفعت الحدث
كطهارة الماء ولنا أنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل
التيمم وإن كان جنباً أو محدثاً أو امرأة حائضاً ولو رفع الحدث لاستوى
الجميع لاستوائهم في الوجدان ولأنها طهارة ضرورة فلم ترفع
الحدث كطهارة المستحاضة وبهذا فارق الماء (فصل) ويجب تعيين النية لما يتيمم
له من الحدث الأصغر والجنابة والحيض والنجاسة وإن كان التيمم عن جرح في عضو
من أعضائه نوى التيمم عن غسل ذلك العضو لقول النبي صلى الله عليه وسلم "
إنما الأعمال بالنيات وانما لا مرئ ما نوى " (مسألة) (فإن نوى جميعها جاز)
لقوله عليه السلام " وإنما لأمرئ ما نوى " ولأن فعله واحد أشبه ما لو كانت
عليه أحداث توجب الوضوء أو الغسل فنواها وقال ابن عقيل إذا كان عليه حدث
ونجاسة هل يكتفي بتيمم واحد؟ يبني على تداخل الطهارتين في الغسل فإن قلنا
لا يتداخلان ثم فأولى أن لا يتداخلا ههنا لكونهما من جنسين وإن قلنا
يتداخلان فقال القاضي ههنا كذلك قياساً عليه فعلى هذا يتيمم لها تيمماً
واحداً قال والأشبه عندي لا يتداخلان كالكفارات والحدود وإذا كانت من جنسين
والأول أصح.
(مسألة) قال (وإن نوى أحدهما لم يجزه عن الآخر) وبهذا قال مالك وأبو ثور
وقال أبو
(1/260)
حنيفة والشافعي يجزئه لأن طهارتهما واحدة
فسقطت إحداهما بفعل الأخرى كالبول والغائط، ولنا قول النبي صلى الله عليه
وسلم " وإنما لا مرئ ما نوى " فيدل على أنه لا يحصل له ما لم ينوه، ولأنها
أسباب مختلفة فلم تجزي نية بعضها عن الآخر كالحج والعمرة وهذا يفارق ما
قاسوا عليه فإن حكمهما واحد وهو الحدث الأصغر ولهذا تجزئ نية أحدهما عن نية
الآخر في طهارة الماء (فصل) إذا تيمم للجنابة دون الحدث الأصغر أبيح له ما
يباح للمحدث من قراءة القرآن واللبث في المسجد ولم تبح له الصلاة والطواف
ومس المصحف فإن أحدث لم يؤثر ذلك في تيممه كمالا يؤثر في الغسل.
وإن تيمم للجنابة والحدث ثم أحدث بطل تيممه للحدث وبقي تيمم الجنابة بحاله،
ولو تيممت المرأة بعد طهرها من حيضها للحيض ثم أجنبت لم يحرم وطؤها لأن حكم
تيمم الحيض باق ولا يبطل بالوطئ لأنه إنما يوجب حدث الجنابة، وقال ابن عقيل
أن قلنا كل صلاة تحتاج إلى تيمم احتاج كل وطئ إلى تيمم يخصه والأول أصح
(مسألة) (وإن نوى نفلا أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلاً) وهو قول
الشافعي، وقال أبو حنيفة له أن يصلي بها ما شاء ويتخرج لنا مثل ذلك إذا
قلنا إن التيمم لا يبطل بخروج الوقت فيكون حكمه حكم طهارة الماء لأنها
طهارة يصح بها النفل فأشبهت طهارة الماء
(1/261)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما
الأعمال بالنيات وإنما لأمرئ ما نوى " وهذا ما نوى الفرض فلا يحصل له وفارق
طهارة الماء لأنها ترفع الحدث المانع من فعل الصلاة فيباح له جميع ما يمنعه
الحدث ولا يلزمه استباحة النفل بنية الفرض لأن الفرض أعلى ما في الباب
فنيته تضمنت نية ما دونه فإذا إستباحة استباح ما دونه تبعاً (مسألة) قال
(وإن نوى فرضاً فله فعله والجمع بنى الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى
آخر الوقت) وجملة ذلك أنه متى نوى بتيممه فريضة سواء كانت معينة أو مطلقة
فله أن يصلي ما شاء من الصلوات فيصلي الحاضرة ويجمع بين الصلاتين ويقضي
فوائت إن كان عليه ويتطوع قبل الصلاة وبعدها إلى آخر الوقت هذا قول أبي
ثور.
وقال مالك والشافعي لا يصلي به فرضين وقد روي عن أحمد أنه قال لا يصلي
بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى.
وهذا يحتمل أن يكون مثل قولهما لما
(1/262)
روى ابن عباس أنه قال من السنة أن لا يصلي
بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للأخرى وهذا مقتضى سنة محمد صلى الله عليه
وسلم ولأنها طهارة ضرورة فلا يجمع فيها بين فريضتين كما لو كانا في وقتين
ولنا أنها طهارة صحيحة أباحت فرضاً فأباحت فرضين كطهارة الماء ولأنه بعد
الفرض الأول تيمم صحيح مبيح للتطوع نوى به المكتوبة فكان له أن يصلي به
فرضاً كحالة ابتدائه.
ولأن الطهارة في الأصول إنما تتقيد بالوقت دون الفعل كطهارة الماسح على
الخف وهذه في النوافل وطهارة المستحاضة ولأن كل تيمم أباح صلاة أباح ما هو
من نوعها بدليل النوافل، وأما حديث ابن عباس فيرويه الحسن ابن عمارة وهو
ضعيف ثم يحتمل أنه أراد أن لا يصلي به صلاتين في وقتين بدليل أنه يجوز أن
يصلي به صلاة من التطوع وإنما امتنع أن يصلي به فرضين في وقتين لبطلان
التيمم بخروج الوقت ولذلك لا تصح به نافلة بخلاف هذا
(فصل) وإذا تيممت الحائض عند انقطاع دمها وقلنا أن التيمم لا يبطل إلا
بالحدث جاز له وطؤها ما لم تحض وإن قلنا يبطل بخروج الوقت فمتى خرج إحتاجت
إلى تيمم للوطئ وإن قلنا يتيمم لكل فريضة احتاج كل وطئ إلى تيمم ذكره ابن
عقيل
(1/263)
(فصل) إذا نوى الفرض استباح كل ما يباح
بالتيمم من النفل قبل الفرض وبعده وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في
المسجد وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يتطوع قبل الفريضة
بصلاة غير راتبة وروي ذلك عن أحمد لأن النفل تبع للفرض فلا يتقدم المتبوع
ولنا أنه تطوع فأبيح له فعله إذا نوى الفرض كالسنن الراتبة وكما بعد الفرض،
وقوله أنه تبع قلنا إنما هو تبع في الإستباحة لا في الفعل كالسنن الراتبة
وقراءة القرآن وغيرهما، وإن نوى نافلة أبيح له قراءة القرآن ومس المصحف
والطواف لأن النافلة آكد من ذلك كله لكون الطهارة مشترطة لها بالإجماع
وفيما سواها خلاف فدخل في نيتها كدخول النافلة في الفريضة ولأن النافلة
تشتمل على قراءة القرآن، وإن نوى شيئاً من ذلك لم تبح له النافلة لأنها
أعلى منه لما بينا، وإن نوى الطواف أبيح له قراءة القرآن واللبث في المسجد
لأنه أعلى منهما فإنه صلاة وله نفل وفرض ويدخل في ضمنه اللبث في المسجد
لأنه إنما يكون في المسجد وإن نوى أحدهما لم يستبح الطواف لأنه أعلى منهما
وإن نوى فرض الطواف إستباح نفله ولا يستبيح الفرض منه بنية النفل كالصلاة،
وإن نوى قراءة القرآن لكونه جنباً أو مس المصحف أو اللبث في المسجد لم
يستبح غير ما نواه لقوله عليه السلام " وإنما لأمرئ ما نوى " (فصل) وإن
تيمم الصبي لإحدى الصلوات الخمس ثم بلغ لم يستبح بتيممه فرضاً لأن ما نواه
كان
(1/264)
نفلاً، ويباح له أن يتنفل به كما نوى به
البالغ النفل، فأما إن توضأ قبل البلوغ ثم بلغ فله أن يصلي به فرضاً ونفلاً
لأن الوضوء للنفل يبيح فعل الفرض (فصل) وإذا قلنا يجوز أن يصلي بالتيمم
فرائض إلى آخر الوقت جاز أن يطوف طوافي فرض وطوافي فرض ونذر، وأن يصلي على
جنائز إذا تعينت عليه وإن فاتته صلاة لا يعلم عينها كفاه تيمم
واحد يصلي به خمس صلوات، وإن قلنا لا يصلي به إلا فرضاً واحداً فينبغي أن
يحتاج كل واحد مما ذكرنا إلى تيمم قياساً عليه
(1/265)
(مسألة) (ويبطل التيمم بخروج الوقت ووجود
الماء ومبطلات الوضوء) مبطلات التيمم ثلاثة كما ذكر وزاد بعض أصحابنا ظن
وجود الماء على ما يأتي ذكره وخروج الوقت مبطل للتيمم في ظاهر المذهب فلا
يجوز أن يصلي بالتيمم صلاتين في وقتين روى ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس
رضي الله عنهم وهو قول الشعبي والنخعي وقتادة ومالك والشافعي واسحاق، وروى
الميموني عن أحمد أنه قال في المتيمم أنه ليعجبني أن يتيمم لكل صلاة ولكن
القياس أنه بمنزلة الطهارة حتى
(1/266)
يجد الماء أو يحدث لحديث النبي صلى الله
عليه وسلم في الجنب يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر الصعيد
الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين وإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك
" وهذا مذهب سعيد بن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي، وروي عن
ابن عباس كما ذكرنا ولأنها طهارة تبيح الصلاة فلم تتقدر بالوقت كطهارة
الماء
(1/267)
ولنا أنه روي عن علي وابن عمر أنه قال
يتيمم لكل صلاة ولأنها طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة وطهارة
الماء ليست للضرورة بخلاف مسئلتنا والحديث أراد به أنه يشبه الوضوء في
إباحة الصلاة ولا يلزم التساوي في سائر الأحكام (الثاني) وجود الماء
المقدور على استعماله من غير ضرر على ما مر في موضعه وهو مبطل للتيمم خارج
الصلاة إجماعاً لا نعلم فيه خلافاً لما ذكرنا
(1/268)
من الأحاديث، وإن وجده في الصلاة ففيه
اختلاف نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى (الثالث) مبطلات الوضوء وهو مبطل
للتيمم عن الحدث الأصغر لأنه بدل عنه فإذا أبطل الأصل أبطل البدل بطريق
الأولى فأما التيمم عن الجنابة فلا يبطل إلا بخروج الوقت ووجود الماء
وموجبات
الغسل وكذلك التيمم لحدث الحيض والنفاس لا يزول حكمه إلا بحدثهما أو بأحد
الأمرين (مسألة) (فإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه
وقال أصحابنا يبطل)
(1/269)
إذا تيمم وعليه خف أو عمامة يجوز المسح
عليها ثم خلعها أو خلع الخف لم يبطل تيممه في اختيار شيخنا، وقال أصحابنا
يبطل قال بعضهم نص عليه أحمد لأنه مبطل للوضوء فأبطل التيمم كسائر مبطلاته
وهذا يختص التيمم عن الحدث الأصغر على ما ذكرنا، والصحيح ما اختاره شيخنا
رحمه الله وهو قول سائر الفقهاء لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه فلا
يبطل بنزعه كطهارة الماء وكما لو كان الملبوس مما لا يجوز المسح عليه.
ولا يصح قولهم أنه مبطل للوضوء لأن مبطل الوضوء نزع ما هو ممسوح عليه فيه
ولم يوجد ههنا.
ولأن إباحة المسح لا يصير بها ماسحاً ولا بمنزلة الماسح كما لو لبس عمامة
يجوز المسح عليها
(1/270)
ومسح على رأسه من تحتها فإن الطهارة لا
تبطل بنزعها كذلك هذا (فصل) ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له من نافلة أو مس
مصحف أو قراءة قرآن أو سجود تلاوة أو شكر أو لبث في مسجد، قال أحمد يتيمم
ويقرأ جزأه يعني الجنب وبذلك قال عطاء ومكحول والزهري ومالك والشافعي
والثوري وأصحاب الرأي، وقال أبو مجلز لا يتيمم إلا لمكتوبة، وكره الأوزاعي
أن يمس المتيمم المصحف ولنا حديث أبي ذر وقوله عليه السلام " جعلت لي الأرض
مسجداً وطهوراً " ولأنه يستباح بطهارة الماء فيستباح بالتيمم كالمكتوبة
(1/271)
(فصل) فإن تيمم ثم رأى ركباً يظن أن معه
ماء أو خضرة أوما يدل على الماء وقلنا بوجوب الطلب بطل تيممه وكذلك إن رأى
سراباً ظنه ماء وهو قول الشافعي لأنه لما وجب الطلب بطل التيمم وسواء تبين
له خلاف ظنه أو لا (قال شيخنا) ويحتمل أن لا يبطل تيممه لأن الطهارة
المتيقنة لا تبطل بالشك كطهارة الماء ووجوب الطلب لا يبطل التيمم لأن كونه
مبطلاً إنما ثبت بدليل شرعي وليس
ههنا نص ولا معنى نص فينتفي الدليل (مسألة) (وإن وجد الماء بعد الصلاة لم
تجب إعادتها) وجملته أن العادم للماء في السفر إذا وجد الماء بعد خروج
الوقت وكان قد صلى بالتيمم لم تجب عليه إعادة الصلاة إجماعاً حكاه ابن
المنذر وإن وجد في الوقت لم يلزمه أيضاً إعادة سواء يئس من وجود الماء في
الوقت أو ظن وجوده فيه وهذا قول أبي سلمة والشعبي والنخعي والثوري ومالك
والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال عطاء وطاوس والقاسم بن محمد
وابن سيرين والزهري يعيد الصلاة ولنا ما روى أبو داود عن أبي سعيد أن رجلين
خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيما صعيدا فصليا، ثم وجدا الماء
في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد " أصبت وأجزأتك صلاتك " وقال
للذي أعاد " لك الأجر مرتين " واحتج أحمد بأن ابن عمر تيمم وهو يرى بيوت
المدينة فصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد، ولأنه أدى فرضه
كما أمر فلم تلزمه الإعادة كما لو وجده بعد الوقت ولأن عدم الماء عذر معتاد
فإذا تيمم معه يجب أن يسقط فرض الصلاة كالمرض وكما لو وجده بعد الوقت
(1/272)
(مسألة) (وإن وجده فيها بطلت وعنه لا تبطل)
ظاهر المذهب أن المتيمم إذا قدر على استعمال الماء وهو في الصلاة بطل تيممه
وبطلت صلاته لبطلان طهارته فيتوضأ إن كان محدثاً ويغتسل إن كان جنباً
واستقبل الصلاة ويتخرج أن يبني على ما مضى من صلاته كمن سبقه الحدث.
وفيه روايتان أصحهما أن يستقبل الصلاة وههنا أولى لأن ما مضى من صلاته
إنبنى على طهارة ضعيفة فلم يكن له البناء عليه كطهارة المستحاضة بخلاف من
سبقه الحدث.
والقول ببطلان الصلاة قول الثوري وأبي حنيفة وقال مالك والشافعي وأبو ثور
وابن المنذر لا تبطل الصلاة وروى عن أحمد نحو ذلك وروي عنه أنه قال كنت
أقول يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث على أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن
هذه الرواية، واحتجوا بأنه وجد المبدل بعد تلبسه بمقصود البدل فلم يلزمه
الخروج كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام ولأنه غير قادر على استعمال
الماء لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة وهو منهي
عن إبطالها بقوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ولنا قوله عليه السلام "
الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه
جلدك " أخرجه أبو داود والنسائي.
دل بمفهومه على أنه لا يكون طهوراً عند وجود الماء وبمنطوقه
(1/273)
على وجوب استعماله عند وجوده ولأنه قدر على
استعمال الماء فبطل تيممه كالخارج من الصلاة ولأن التيمم طهارة ضرورة فبطلت
بزوال الضرورة كطهارة المستحاضة إذا انقطع دمها.
وقياسهم لا يصح فإن الصوم هو البدل نفسه فنظيره إذا قدر على الماء بعد
تيممه ولا خلاف في بطلانه، ثم الفرق بينهما أن مدة الصيام تطول فيشق الخروج
منه لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف مسئلتنا.
وقوله هو غير قادر غير صحيح فإن الماء قريب وآلته صحيحة والموانع منتفية.
قولهم إنه منهي عن إبطال الصلاة قلنا لم يبطلها وإنما هي بطلت بزوال
الطهارة كما في نظائرها (فصل) فإن وجد الماء قد ولغ فيه بغل أو حمار أو شئ
من سباع البهائم وقلنا إنه مشكوك فيه لم يلزمه الخروج لأنه دخل في الصلاة
بطهارة متيقنة فلم يخرج بأمر مشكوك فيه ذكره ابن عقيل، قال ويحتمل ان يخرج
كما لو وجد ماء طاهراً والأول أولى.
وكذلك إن رأى ركباً أو خضرة أو ما يدل على الماء في الصلاة لم تبطل صلاته
ولا تيممه لأنه دخل فيها بطهارة متيقنة فلا تزول بالشك (فصل) والمصلي على
حسب حاله بغير وضوء ولا تيمم إذا وجد ماء في الصلاة أو تراباً خرج منها بكل
حال لأنها صلاة بغير طهارة، ويحتمل أن لا يخرج منها إذا قلنا لا تلزمه
الإعادة كما في المتيمم إذا وجد الماء في الصلاة ولأن الطهارة شرط سقط
إعتباره فأشبهت السترة إذا عجز عنها فصلى عرياناً ثم وجد السترة في أثناء
الصلاة قريباً منه، وكل صلاة تلزمه إعادتها فإنه يلزمه الخروج منها إذا زال
العذر فيها ويلزمه إستقبالها (فصل) ولو يمم الميت ثم قدر على الماء في
أثناء الصلاة عليه لزمه الخروج لأن غسل الميت ممكن غير متوقف على إبطال
المصلي صلاته بخلاف مسئلتنا، ويحتمل أن يكون كمسئلتنا لأن الماء وجد بعد
الدخول في الصلاة
(فصل) وإذا قلنا لا يلزم المصلي الخروج لرؤية الماء فهل يجوز له الخروج؟
فيه وجهان (أحدهما)
(1/274)
له ذلك لأنه شرع في مقصود البدل فجاز له
الرجوع الى المبدل كمن شرع في صوم الكفارة يجوز له الانتقال إلى العتق
(والثاني) لا يجوز له الخروج وهو أولى لأن ما لا يوجب الخروج من الصلاة لا
يبيحه كسائر الأشياء ولأن فيه إبطالاً للغسل فلم يجز لقوله تعالى (ولا
تبطلوا أعمالكم) ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (فصل) إذا رأى ماء في الصلاة
ثم انقلب قبل استعماله بطل تيممه وصلاته إن قلنا يلزمه الخروج منها ويلزمه
استئناف التيمم والصلاة.
وإن قلنا لا يبطل واندفق وهو في الصلاة فقال ابن عقيل ليس له أن يصلي بذلك
التيمم صلاة أخرى وهو مذهب الشافعي لأن رؤية الماء حرمت عليه إفتتاح صلاة
أخرى.
ولو تلبس بنافلة ثم رأى ماء فإن كان نوى عدداً أتى به وإن لم يكن نوى عدداً
لم يكن له أن يزيد على ركعتين لأنه أقل الصلاة على ظاهر المذهب قال شيخنا،
ويقوى عندي أننا إذا قلنا لا تبطل الصلاة برؤية الماء فله إفتتاح صلاة أخرى
لأن رؤية الماء لم تبطل التيمم في الصلاة ولا وجد بعدها ما يبطله فأشبه ما
لو رآه وبينه وبينه سبع ثم اندفق قبل زوال المانع فعلى هذا له أن يصلي ما
يشاء كما لو رأى الماء والله أعلم (فصل) وإن خرج الوقت وهو في الصلاة بطل
تيممه وصلاته لأن طهارته انتهت بانتهاء وقتها فبطلت كما لو انقضت مدة المسح
وهو في الصلاة (مسألة) (ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود
الماء) ذكره أبو الخطاب وإن يئس من وجوده استحب تقديمه وهذا مذهب مالك،
وقال الشافعي في أحد قوليه التقديم أفضل إلا أن يكون واثقاً بوجود الماء في
الوقت لان أول الوقت فضيلة متيقنة فلا تترك لأمر مظنون، وظاهر كلام الخرقي
إستحباب تأخير التيمم بكل حال وهو قول القاضي نص عليه أحمد روى ذلك
(1/275)
عن علي وعطاء والحسن وابن سيرين والزهري
والثوري وأصحاب الرأي لقول علي رضي الله عنه
في الجنب يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم، ولأنه
يستحب تأخير الصلاة إلى بعد العشاء وقضاء الحاجة كيلا يذهب خشوعها وحضور
القلب فيها، ويستحب تأخيرها لإدراك الجماعة فتأخيرها لإدراك الطهارة
المشترطة أولى (مسألة) (فإن تيمم في أول الوقت وصلى أجزأه) ولا تجب عليه
الإعادة سواء وجد الماء في الوقت أو لم يجد وقد ذكرنا ذلك ولأنه أتى بما
أمر في حال العذر فلم تجب عليه الإعادة بزوال العذر كمن صلى عرياناً ثم قدر
على السترة وكمن صلى جالساً لمرض ثم برأ في الوقت (مسألة) (والسنة في
التيمم أن ينوي ويسمي ويضرب بيديه مفرجتي الأصابع على التراب ضربة واحدة
فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه) المسنون عن أحمد رحمه الله التيمم
بضربة واحدة، قال الأثرم قلت لأبي عبد الله التيمم ضربة واحدة؟ فقال نعم
للوجه والكفين.
ومن قال ضربتين فإنما هو شئ زاده، قال الترمذي وهو قول غير واحد من أهل
العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم منهم علي وعمار وابن
عباس وعطاء والشعبي والاوزاعي ومالك واسحاق، قال الشافعي: لا يجزئ التيمم
إلا بضربتين للوجه واليدين إلى المرفقين، وروي ذلك عن ابن عمر وابنه سالم
والحسن والثوري وأصحاب الرأي لما روى ابن الصمة أن النبي صلى الله عليه
وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه، وروى ابن عمر وجابر وأبو أمامة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " ولأنه
بدل يؤتى به في محل مبدله فكان حده فيهما واحداً كالوجه، ولنا ما روى عمار
قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت
في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له
فقال " إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا " ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم
مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه متفق عليه، ولأنه حكم علق على مطلق
اليدين فلم يدخل فيه الذراع كقطع السارق ومس الفرج، وقد احتج ابن عباس بهذا
وأما أحاديثهم فضعيفة قال الخلال الأحاديث في ذلك ضعاف جداً ولم يرو أصحاب
السنن منها إلا حديث ابن عمر، وقال أحمد ليس بصحيح عن النبي صلى الله عليه
وسلم وهو عندهم
(1/276)
حديث منكر قال الخطابي يرويه محمد بن ثابت
وهو ضعيف وحديث ابن الصمة صحيح لكن إنما جاء
في المتفق عليه فمسح وجهه ويديه فيكون حجة لنا لأن ما علق على مطلق اليدين
لا يتناول الذراعين.
ثم أحاديثهم لا تعارض حديثنا لأنها تدل على جواز التيمم بضربتين ولا ينفي
ذلك جواز التيمم بضربة كما أن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لا
ينفي الأجزاء بمرة فإن قيل: فقد روي في حديث عمار إلى المرفقين فيحتمل أنه
أراد بالكفين اليدين إلى المرفقين.
قلنا حيث إلى المرفقين لا يعول عليه إنما رواه سلمة وشك فيه ذكر ذلك
النسائي فلا يثبت مع الشك مع أنه قد أنكر عليه وخالف به سائر الرواة الثقاة
فكيف يلتفت إلى مثل هذا؟ وأما التأويل فباطل لأمور: أحدها أن عماراً الراوي
له الحاكي فعل النبي صلى الله عليه وسلم أفتى بعد النبي صلى الله عليه وسلم
في التيمم للوجه والكفين عملاً بالحديث وقد شاهد فعل النبي صلى الله عليه
وسلم والفعل لا احتمال فيه (الثاني) أنه قال ضربة واحدة وهم يقولون ضربتان
(الثالث) أنا لا نعرف في اللغة التعبير بالكفين عن الذراعين (الرابع) أن
الجمع بين الخبرين بما ذكرناه من أن كل واحد من الفعلين جائز أقرب من
تأويلهم وأسهل وقياسهم ينتقض بالتيمم عن الغسل الواجب فإنه ينقص عن المبدل
وكذلك في الوضوء فإنه في عضوين وكذا في الوجه فإنه لا يجب مسح ما تحت
الشعور الخفيفة والله أعلم.
(فصل) لا يختلف المذهب أنه يجزئ التيمم بضربة واحدة وبضربتين وإن تيمم
بأكثر من ضربتين جاز لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض فكيفما حصل
جاز كالوضوء، فإن تيمم بضربة فإنه يمسح وجهه بباطن أصابعه وظاهر كفيه إلى
الكوعين بباطن راحتيه.
ويستحب أن يمسح إحدى الراحتين بالأخرى ولا يجب ذلك لأن فرض الراحتين قد سقط
بإمرار كل واحدة على ظهر الكف.
ويفرق أصابعه عند الضرب ليدخل الغبار فيما بينها، وإن كان التراب ناعماً
فوضع اليدين عليه وضعاً أجزأه، وإن مسح بضربتين مسح بإحداهما وجهه وبالأخرى
يديه.
قال ابن عقيل: رأيت التيمم بضربة واحدة قد أسقط ترتيباً مستحقاً في الوضوء
وهو أنه يعتد بمسح باطن أصابعه مع مسح وجهه وكيفما مسح بعد أن يستوعب محل
الفرض أجزأه
(1/277)
(فصل) والمسنون عن أحمد رحمه الله التيمم
بضربة كما وصفنا نص عليه، وقال القاضي التيمم
بضربة إلى الكوعين صفة الأجزاء، والمسنون ضربتان يمسح بأولاهما وجهه
وبالأخرى يديه إلى المرفقين فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى
يمرها إلى مرفقه ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليه ويمر إبهام
اليسرى على ظهر إبهام اليمنى ثم يمسح يده اليسرى بيده اليمنى كذلك ويمسح
إحدى الراحتين بالأخرى، ويستحب تخليل الأصابع قياسا على الوضوء وإنما استحب
ذلك لوجهين (أحدهما) أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم
بضربتين إلى المرفقين وأقل أحوال فعله إذا لم يدل على الإيجاب الاستحباب
(الثاني) أنه فيه خروجاً من الخلاف وإنما إختار الإمام أحمد الأول لأن
الأحاديث الصحيحة إنما جاء فيها المسح إلى الكوعين (فصل) وإذا وصل التراب
إلى وجهه ويديه بغير ضرب نحو أن نسفت الريح عليه غباراً فإن لم يكن قصد
الريح ولاصمد لها فمسح وجهه بما عليه لم يجزه لأن الله تعالى أمر بقصد
الصعيد ولم يوجد وإن مسح وجهه بغير ما عليه أجزأه لأنه قد أخذ التراب لوجهه
فلا فرق بين أن يأخذ من ثيابه أو من الأرض، وإن كان صمد للريح وأحضر النية
فقال القاضي والشريف أبو جعفر يجزئه كما لو صمد للمطر حتى جرى على أعضائه،
قال شيخنا والصحيح أنه لا يجزئه وهو اختيار ابن عقيل لأنه لم يمسح وقد أمر
الله تعالى بالمسح فعلى هذا إن مسح وجهه بما عليه أجزأه لحصول المسح،
ويحتمل أن لا يجزئه
(1/278)
لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسخ به
والله أعلم (فصل) وإذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه لأن في حديث
عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه الأرض ونفخ فيهما قال أحمد لا
يضره فعل أو لم يفعل، وهذا قول ابن المنذر وممن لم يكره نفخ اليدين ونفضهما
الشعبي.
وقال مالك نفضاً خفيفاً.
وقال الشافعي لا بأس به إذا بقي علي يديه غبار وهو قول إسحاق، وقال أصحاب
الرأي ينفضهما وكان ابن عمر لا ينفض يديه، وذكر القاضي وابن عقيل رواية أنه
يكره كما يكره نفض الماء عن اليدين في الوضوء.
فإن كان التراب خفيفاً فقال أصحابنا يكره نفخه رواية واحدة.
فإن ذهب ما عليهما بالنفخ أعاد الضرب لأنه مأمور بالمسح بشئ من الصعيد
(مسألة) (ومن حبس في المصر صلى بالتيمم ولا إعادة عليه) قد ذكرنا أن من صلى
بالتيمم
في الحضر لعدم الماء هل تجب عليه الإعادة؟ فيه روايتان على الإطلاق
(إحداهما) لا تجب عليه الإعادة وهو مذهب مالك قياساً على السفر (والثانية)
تجب عليه وهو مذهب الشافعي لأنه عذر نادر فلا يلحق بالغالب وعنه لا يصلي
حتى يجد الماء أو يسافر ذكره في المجرد، وقال أبو الخطاب لا تجب عليه
الإعادة في هذه المسألة وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.
وذكر في غيرها روايتين ووجه قول أبي الخطاب أن هذا عادم للماء بعذر متطاول
معتاد أشبه المسافر (مسألة) (ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفاً من فوات
المكتوبة ولا الجنازة وعنه يجوز للجنازة) وجملة ذلك أنه إذا كان الماء
موجوداً إلا أنه إن اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت لم يبح له التيمم
سواء كان حاضراً أو مسافراً في قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي وأبو ثور
وابن المنذر وأصحاب الرأي، وعن الاوزاعي والثوري له التيمم.
وروي عن مالك وسعيد بن عبد العزيز نحو القول الأول لقول الله تعالى (فلم
تجدوا ماء فتيمموا) وحديث أبي ذر وهذا واجد للماء ولأنه قادر على الماء فلم
يجز له التيمم كما لو لم يخف فوت الوقت ولأن الطهارة شرط فلم يبح تركها
خيفة فوت وقتها كسائر شرائطها وإن خاف فوت العيد فكذلك، وقال الأوزاعي
وأصحاب الرأي له التيمم لأنه يخاف فوتها بالكلية فأشبه العادم، ووجه الأول
ما ذكرنا من الآية والمعنى.
فأما إن خاف فوت الجنازة ففيه روايتان أظهرهما
(1/279)
لا يجوز له التيمم لما ذكرنا وهو قول
الشافعي وابن المنذر (والثانية) يجوز يروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وبه
قال النخعي والزهري والحسن والثوري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي لأنه لا
يمكن استدراكها بالوضوء أشبه العادم، وقال الشعبي يصلي عليها من غير وضوء
ولا تيمم لأنه لا ركوع فيها ولا سجود أشبهت الدعاء في غير الصلاة ولنا قول
النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " ولأن الله تعالى
قال (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية ثم أباح ترك الغسل مشروطاً
بعدم الماء بقوله (فلم تجدوا ماء فتيمموا) فيبقى فيما عداه على قضية
العموم.
(مسألة) (وان اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض فبذل ماء يكفي أحدهم -
لاولاهم به فهو
للميت وعنه أنه للحي وأيهما يقدم؟ فيه وجهان) وجملته أنه إذا إجتمع جنب
وميت ومن عليها غسل حيض ومعهم ماء لا يكفي إلا أحدهم فإن كان ملكاً لأحدهم
فهو أحق به لأنه محتاج إليه لنفسه ولا يجوز بذله لغيره وإن كان الماء
لغيرهم فأراد أن يجود به على أولاهم به ففيه روايتان (أولاهما) إن الميت
أحق به لأن غسله خاتمة طهارته وصاحباه يرجعان إلى الماء فيغتسلان ولان
لاقصد بغسل الميت تنظيفه ولا يحصل بالتيمم والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة
وذلك يحصل بالتراب (والثانية) الحي أولى لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء
والميت قد سقط الفرض عنه بالموت ولأن الحي يستفيد مالا يستفيد الميت من
قراءة القرآن ومس المصحف والوطئ إختارها الخلال.
وهل يقدم الجنب أو الحائض فيه وجهان (أحدهما) الحائض لأنها تقصي حق الله
تعالى وحق زوجها في إباحة وطئها (والثاني) الجنب أحق إذا كان رجلاً لأنه
يصلح إماماً لها ولا تصلح لإمامته.
وان كان على أحدهم نجاسة فهو أولى لأن طهارة الحدث لها بدل مجمع عليه بخلاف
النجاسة.
وإن وجدوا الماء في مكان فهو للأحياء لأنه لا وجدان
(1/280)
للميت وإن كان للميت ففضلت منه فضلة فهو
لورثته فإن لم يكن له وارث حاضر فللحي أخذه بقيمته لأن في تركه إتلافه،
وقال بعض أصحابنا ليس له أخذه لأن مالكه لم يأذن فيه الا إن يحتاج إليه
للعطش فيأخذه بشرط الضمان (فصل) وإن اجتمع جنب ومحدث وكان الماء لا يكفي
الجنب فهو أولى لأنه يستفيد به مالا يستفيده المحدث، وإن كان فوق حاجة
المحدث فهو أولى به لأنه يستفيد به طهارة كاملة، وإن كان لا يكفي واحداً
منهما فالجنب أولى به لأنه يستفيد به تطهير بعض أعضائه، وإن كان يفضل عن كل
واحد منهما فضلة لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقدم الجنب لأنه
يستفيد بغسله ما لا يستفيده المحدث (والثاني) يقدم المحدث لان فضلته يلزم
الجنب إستعمالها رواية واحدة (والثالث)
(1/281)
التسوية لأنه تقابل الترجيحان فتساويا
فيدفع إلى أحدهما أو يقرع بينهما، وإذا تغلب من غيره أولى منه على الماء
فاستعمله كان مسيئاً وأجزأه لأن الآخر لم يملكه وإنما رجح لشدة حاجته
(فصل) وهل يكره للعادم جماع زوجته إذا لم يخف العنت؟ فيه روايتان (إحداهما)
يكره يروى نحوه عن مالك لأنه يفوت على نفسه طهارة ممكناً بقاؤها (والثانية)
لا يكره روى ذلك عن علي وابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم وهو قول الزهري
وجابر بن زيد والحسن وقتادة والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وأصحاب
الرأي وابن المنذر، وحكي عن عطاء أن كان بينه وبين الماء أربع ليال فأكثر
فليصب أهله، وإن كان ثلاث ليال فما دونها فلا يصبها وقال الزهري إن كان في
سفر فلا
(1/282)
يقربها حتى يأتي وإن كان لاماء معزباً فلا بأس أن يصيبها، والأولى جواز
وطئها مطلقاً من غير كراهة لان أبا ذر قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني
أعزب عن الماء ومعي أهل فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور؟ فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم " الصعيد الطيب طهور " رواه أبو داود والنسائي.
وأصاب ابن عباس جارية له رومية وهو عادم للماء وصلى بأصحابه وفيهم عمار فلم
ينكروه، قال اسحاق بن راهويه هو سنة مسنونة عن النبي صلى الله عليه وسلم في
أبي ذر وعمار وغيرهما فإذا فعلا ووجدا من الماء ما يغسلان به فرجيهما
غسلاهما ثم تيمما وإن لم يجدا تيمماً للجنابة والحدث الاصغر والنجاسة
وصليا، ويجوز للمتيمم أن يصلي بالمتوضئين لما ذكرنا من حديث عمرو بن العاص
رضي الله عنه والله أعلم |