الشرح الكبير على متن المقنع

باب إخراج الزكاة (لا يجوز تأخيره عن وقت وجوبها مع إمكانه إلا لضرر مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه أو نحو ذلك) الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه إذا لم يخش ضرراً، وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة له التأخير ما لم يطالب لأن الأمر بأدائها مطلق فلا يتعين الزمن للاداء دون غيره كما لا يتعين المكان ولنا أن الأمر المطلق يقتضي الفور على ما يذكر في موضعه، ولذلك يستحق مؤخر الامتثال العقاب بدليل أن الله تعالى أخرج ابليس وسخط عليه بامتناعه من السجود.
ولو أن رجلاً امر عبده ان يسقيه فأخر ذلك استحق العقوبة، ولأن جواز التأخير ينافي الوجوب لكون الواجب ما يعاقب على تركه ولو جاز التأخير لجاز الى غير غاية فتنتفي العقوبة بالترك.
ولو سلمنا ان مطلق الأمر لا يقتضي الفور لاقتضاه في مسئلتنا اذ لو جاز التأخير ههنا لأخره بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأتم بالتأخير فيسقط عنه بالموت أو بتلف ماله أو بعجزه عن الأداء فيتضرر الفقراء، ولأن هنا قرينة تقتضي الفور وهو ان الزكاة وجبت لحاجة الفقراء وهي ناجزة فيجب ان يكون الوجوب ناجزاً، ولأنها

(2/668)


عبادة تتكرر فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها كالصلاة والصوم، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يحول الحول على ماله فيؤخر عن وقت الزكاة فقال لا، ولم يؤخر إخراجه؟ وشدد في ذلك، قيل فابتدأ في إخراجها فجعل يخرج أولا فأولا فقال لا بل يخرجها كلها اذا حال الحول، فأما إن كان يتضرر بتعجيل الاخراج مثل أن يخشى ان أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى فله تأخيرها، نص عليه أحمد وكذلك إن خشي في اخراجها ضرراً في نفسه أو مال له سواها فله تأخيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " ولأنه إذا جاز تأخير دين الآدمي فتأخير الزكاة أولى (فصل) فان أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة فان كان شيئاً يسيراً فلا بأس وإن كان كثيراً لم يجز.
قال أحمد: لا يجزئ على أقرابه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر اخراجها حتى يدفعها اليهم مفرقة في كل شهر شيئاً، فأما إن عجلها فدفعها اليهم والى غيرهم
مفرقة أو مجموعة جاز لأنه لم يؤخرها عن وقتها، وكذلك إن كانت عنده أموال أحوالها مختلفة مثل أن يكون عنده نصاب وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها لانه يمكنه جمعها بتعجيلها في أول واجب منها (فصل) فإن أخرج الزكاة فضاعت قبل دفعها الى الفقير لم تسقط عنه، وهذا قول الزهري وحماد والثوري وأبي عبيد والشافعي إلا أنه قال: إن لم يكن فرط في اخراج الزكاة وفي حفظ ذلك المخرج رجع إلى ماله فإن كان فيما بقي زكاة أخرج وإلا فلا.
وقال أصحاب الرأي: يزكي ما بقي إلا أن ينقص عن النصاب وإن فرط.
وقال مالك: أراها تجزئه إذا أخرجها في محلها، وإن أخرجها بعد ذلك ضمنها.
وقال مالك: يزكي ما بقي بقسطه وإن بقي عشرة دراهم ولنا أنه حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقه فلم يبرأ منه بذلك كدين الآدمي.
قال أحمد: ولو دفع إلى رجل زكاته خمسة دراهم فقبل أن يقبضها منه قال اشتر لي ثوبا بها

(2/669)


أو طعاما فذهبت الدراهم أو اشترى بها ما قال فضاع منه فعليه أن يعطي مكانها لانه لم يقبضها منه ولو قبضها ثم ردها اليه وقال: اشتر لي بها أو اشتر بها فضاعت أو ضاع ما إشتراه فلا ضمان عليه إذا لم يكن فرط، وإنما قال ذلك لأن الفقير لا يملكها إلا بقبضه فإذا وكله في الشراء بها لم يصح التوكيل وبقيت على ملك رب المال فإذا تلفت كانت من ضمانه، ولو عزل قدر الزكاة ينوي انه زكاة فتلف فهو من ضمان رب المال ولا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على دفعها أو لم يقدر وهي كالمسألة قبلها * (مسألة) (فان جحد وجوبها جهلا به عرف ذلك فان أصر كفر وأخذت منه واستتيب ثلاثاً فان لم يتب قتل) من جحد وجوب الزكاة جهلا به وكان ممن يجهل ذلك اما لحداثة عهده بالاسلام أو لأنه نشأ ببادية بعيدة عرف وجوبها ولم يحكم بكفره لأنه معذور، وان كان مسلما ناشئا ببلاد الاسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين ويسثتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل لان أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة واجماع الامة فلا تكاد تخفى على من هذا حاله فاذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما
* (مسألة) * (وإن منعها بخلا بها أخذت منه وعزر، فإن غيب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة، وقال أبو بكر: يأخذها وشطر ماله) اذا منع الزكاة مع اعتقاد وجوبها وقدر الامام على أخذها منه أخذها وعزره قال ابن عقيل إلا أن يكون كتمها لفسق الامام لكونه يصرفها في غير مصرفها فلا يعزر لأن له عذراً في ذلك ولم يأخذ زيادة عليها في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم، وكذلك ان غل ماله فكتمه أو قاتل دونها فقدر عليه الامام، وقال اسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز يأخذها وشطر ماله لما روى أبو داود والنسائي والاثرم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول " في كل سائمة الإبل في كل أربعين بنت لبون لا تفرق الإبل عن حسابها من أعطاها مؤتجراً

(2/670)


فله أجرها، ومن أبى فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شئ " وسئل أحمد عن اسناده فقال هو عندي صالح الاسناد وقال ما أدري ما وجهه ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس في المال حق سوى الزكاة " ولان منع الزكاة كان عقيب موت النبي صلى الله عليه وسلم مع توفر الصحابة فلم ينقل عنهم أخذ زيادة ولا قول بذلك، واختلف أهل العلم في العذر عن هذا الخبر فقيل كان في بدء الاسلام حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخ بالحديث الذي رويناه ولذلك انعقد الاجماع على ترك العمل به في المانع غير الغال.
وحكى الخطاب عن إبراهيم الحربي أنه يؤخذ منه السن الواجب عليه من خيار ماله من غير زيادة في سن ولا عدد لكن ينتقي من خيار ماله ما يزيد به صدقته في القيمة بقدر شطر قيمة الواجب عليه فيكون المراد بماله ههنا الواجب عليه من ماله فيزاد في القيمة بقدر شطره والله أعلم * (مسألة) * (فإن لم يكن أخذها استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل وأخذت من تركته، وقال بعض أصحابنا أن قاتل عليها كفر) متى كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الامام قاتله لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على قتال مانعي الزكاة وقال أبو بكر: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
فان ظفر به وبماله أخذها من غير زيادة لما ذكرنا ولم يسب ذريته لأن الجناية من غيرهم ولأن المانع
لا يسبى فذريته أولى، وإن ظفر به دعاه الى أدائها فان تاب وأدى وإلا قتل قياسا على تارك الصلاة ولم يحكم بكفره في ظاهر المذهب.
وعن أحمد أنه قال: إذا منعوا الزكاة وقاتلوا عليها كما قاتلوا أبا بكر لم يورثوا ولم يصل عليهم.
وهذا حكم منه بكفرهم واختاره بعض أصحابنا.
قال عبد الله بن مسعود وما تارك الصلاة بمسلم، ووجه ذلك ما روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما قاتلهم وعضتهم الحرب قالوا نؤديها قال لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
ولم ينقل إنكار ذلك عن أحد من الصحابة فدل على كفرهم.
ووجه الأول أن عمر وغيره امتنعوا من القتال في بدء الامر ولو اعتقدوا

(2/671)


كفرهم لما توقفوا عنه ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على أصل النفي ولان الزكاة فرع من فروع الدين فلم يكفر بتركه كالحج، وإذا لم يكفر بتركه لم يكفر بالقتال عليه كأهل البغي، وأما الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل انهم جحدوا وجوبها فانه نقل عنهم أنهم قالوا إنما كنا نؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صلاته سكن لنا وليس صلاة أبي بكر سكناً لنا فلا نؤدي اليه.
وهذا يدل على انهم جحدوا وجوب الاداء إلى أبي بكر رضي الله عنه، ولأن هذه قضية في عين ولم يتحقق من الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل انهم كانوا مرتدين ويحتمل انهم جحدوا وجوب الزكاة ويحتمل غير ذلك فلا يجوز الحكم به في محل النزاع ويحتمل أن أبا بكر قال ذلك لانهم ارتكبوا كبائر وماتوا عليها من غير توبة فحكم لهم بالنار ظاهراً كما حكم لقتلى المجاهدين بالجنة ظاهراً والامر إلى الله تعالى في الجميع، ولانه لم يحكم عليهم بالتخليد ولا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر فقد أخبر عليه السلام إن قوماً من أمته يدخلون النار ثم يخرجهم الله تعالى منها ويدخلهم الجنة * (مسألة) * (وإن ادعى ما يمنع وجوب الزكاة من نقصان الحول، أو النصاب، أو انتقاله عنه في بعض الحول قبل قوله بغير يمين) نص عليه أحمد لأن الزكاة عبادة وحق لله فلم يستحلف عليه كالصلاة والحد * (مسألة) * (والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما)
تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون إذا كان حراً مسلماً تام الملك، روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد وعطاء ومجاهد وربيعة ومالك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى والشافعي والعنبري واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وحكي عن

(2/672)


ابن مسعود والثوري والاوزاعي أنهم قالوا: تجب الزكاة ولا يخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه وقال الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبو وائل والنخعي وأبو حنيفة: لا تجب الزكاة في أموالهما.
قال أبو حنيفة: إلا العشر وصدقة الفطر وذلك لقوله عليه السلام " رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق " (1) ولأنها عبادة محضة فلا تجب عليهما كالصلاة والحج ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ولي يتيماً له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة " أخرجه الدارقطني، وفي رواته المثنى بن الصباح وفيه مقال (2) وروي موقوفاً عن عمر رضي الله عنه وانما تأكله الصدقة باخراجها، وانما يجوز اخراجها إذا كانت واجبة لأنه ليس له أن يتبرع بمال اليتيم ولأن من وجب العشر في زرعه وجب نصف العشر في ورقه كالبالغ العاقل وتخالف الصلاة والصوم فانها مختصة بالبدن ونية الصبي ضعيفة عنها، والمجنون لا يتحقق منه نيتها والزكاة حق يتعلق بالمال أشبه نفقة الاقارب والزوجات وأروش الجنايات، والحديث أريد به رفع الاثم والعبادات البدنية بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق المالية، ثم هو مخصوص بما ذكرنا والزكاة في المال في معناه ومقيسة عليه.
إذا تقرر هذا فان الولي يخرج عنهما من مالهما لانها زكاة واجبة فوجب اخراجها كزكاة البالغ العاقل والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه، ولأنه حق واجب على الصبي والمجنون فكان على الولي اداؤه عنهما كنفقة أقاربه، وتعتبر نية الولي في الاخراج كما تعتبر النية من رب المال * (مسألة) * (ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه ويجوز دفعها إلى الساعي، وعنه يستحب أن يدفع إليه العشر ويتولى تفريق الباقي) وإنما استحب ذلك ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، وسواء كانت من الاموال الظاهرة والباطنة.
قال أحمد: أعجب إلي أن يخرجها، وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز.
وقال الحسن
ومكحول وسعيد بن جبير: يضعها رب المال في مواضعها.
وقال الثوري احلف لهم واكذبهم ولا
__________
" 1 " الظاهر انه ذكر منه ما يتعلق بغرضه بالمعنى.
والمروي عن أحمد وأصحاب السنن الا الترمذي والحاكم عن عائشة مرفوعا " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلي حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر " والاولان والاخير في واقعة مع على وعمر " رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم " " 2 " والحديث رواه الترمذي من طريقه أيضا وهو ضعيف لا يحتج به

(2/673)


تعطهم شيئاً اذا لم يضعوها مواضعها.
وقال طاوس: لا تعطهم.
وقال عطاء: أعطهم اذا وضعوها مواضعها.
وقال الشعبي وأبو جعفر: اذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة.
وقال ابراهيم ضعوها في مواضعها، فان أخذها السلطان أجزأك.
وقال ثنا سعيد ثنا أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها، ثم جئت مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال لي: ردها فضعها مواضعها، وقد روي عن أحمد أنه قال: أما صدقة الارض فيعجبني دفعها إلى السلطان، وأما زكاة الاموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين، فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة إلى الائمة، وذلك لان العشر قد ذهب قوم إلى أنه مؤنة الارض يتولاه الائمة كالخراج بخلاف سائر الزكاة.
قال شيخنا: والذي رأيت في الجامع قال: أما صدقة الفطر فيعجبني دفعها إلى السلطان، ثم قال أبو عبد الله قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب ويشربون بها الخمور، قال ادفعها اليهم * (مسألة) * (وعند أبي الخطاب دفعها إلى الإمام العادل أفضل) اختاره ابن أبي موسى وهو قول أصحاب الشافعي، وممن قال بدفعها إلى الامام الشعبي ومحمد بن علي والاوزاعي لان الامام أعلم بمصارفها ودفعها اليه يبرئه ظاهراً وباطناً ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطناً لاحتمال أن يكون غير مستحق لها، ولانه يخرج من الخلاف وتزول عنه التهمة، وكان ابن عمر يدفع
زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير أو نجدة الحروري، وقد روي عن سهيل ابن أبي صالح قال أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني، قال ادفعها اليهم، فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك، وروي نحوه عن عائشة رضي الله عنهم.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يفرق الأموال الظاهرة إلا الامام لقول الله تعالى (خذمن أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولأن أبا بكر

(2/674)


رضي الله عنه طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها وقال: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها.
ووافقه الصحابة على هذا، ولان ما للامام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعة الى المولى عليه كولي اليتيم وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه كما لو دفع الدين إلى غريمه وكزكاة الاموال الباطنة والآية تدل على أن للامام أخذها ولا خلاف فيه ومطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدوها الى أهلها ولو أدوها الى أهلها لم يقاتلهم عليها لأن ذلك مختلف في إجزائه ولا يجوز المقاتلة من أجله وإنما يطالب الامام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقها، فاذا دفعها اليهم جاز لانهم أهل رشد بخلاف اليتيم وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه فلأنه إيصال للحق إلى مستحقه مع توفير أجر العمالة وصيانة حقهم عن خطر الجناية، ومباشرة تفريج كربة مستحقها واغنائه بها مع اعطائها للاولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة رحمه بها فكان أفضل كما لو لم يكن أخذها من أهل العدل، فإن قيل فالكلام في الامام العادل والخيانة مأمونة في حقه، قلنا الامام لا يتولى ذلك بنفسه وانما يفوضه إلى نوابه فلا تؤمن منهم الخيانة، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شئ منها وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومؤاساته، وقولهم إن أخذ الامام يبرئه ظاهراً وباطناً، قلنا يبطل هذا بدفعها الى غير العادل فانه يبرأ أيضاً وقد سلموا أنه ليس بأفضل، ثم إن البراءة الظاهرة تكفي وقولهم إنه تزول به التهمة، قلنا متى أظهرها زالت التهمة سواء أخرجها بنفسه أو دفعها إلى الإمام، ولا يختلف
المذهب أن دفعها إلى الامام جائز سواء كان عادلا أو غير عادل، وسواء كانت من الاموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الامام أو لا، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها، لما ذكرنا عن الصحابة رضي الله عنهم، ولان الامام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها اليه كولي اليتيم اذا قبضها

(2/675)


له، ولا يختلف المذهب أيضاً في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه (فصل) وإذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة أجزأت عن صاحبها، حكاه ابن المنذر عن أحمد والشافعي وأبي ثور في الخوارج أنها تجزئ، وكذلك كل من أخذها من السلاطين أجزأت عن صاحبها سواء عدل فيها أو جار، وسواء أخذها قهراً أو دفعها اليه اختياراً لما ذكرنا من حديث أبي صالح.
وقال ابراهيم: تجزئ عنك ما أخذ العشارون، وعن سلمة بن الاكوع أنه دفع صدقته إلى نجدة، وعن ابن عمر أنه سئل عن مصدق ابن الزبير ومصدق نجدة فقال: إلى أيهما دفعت اجزأ عنك، وبهذا قال أصحاب الرأي فيما غلبوا عليه وقالوا: إذا مر على الخوارج فعشره لا يجزئ عن زكاته.
وقال أبو عبيد: على من أخذ الخوارج منه الزكاة الاعادة لانهم ليسوا بأئمة أشبهوا قطاع الطريق ولنا قول الصحابة رضي الله عنهم من غير خلاف في عصرهم علمناه فيكون إجماعاً، ولأنه دفعها إلى أهل الولاية فأشبه دفعها إلى أهل البغي.
" مسألة " (ولا يجزئ اخراجها إلا بنية إلا أن يأخذها الامام منه قهرا.
وقال أبو الخطاب لا تجزئه أيضاً بغير نية) مذهب عامة أهل العلم أن النية شرط في اخراج الزكاة، وحكي عن الأوزاعي أنها لا تجب لها النية لانها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون، ولهذا يخرجها ولي اليتيم ويأخذها السلطان من الممتنع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " وأداؤها عمل ولانها عبادة منها فرض ونفل فافتقرت إلى النية كالصلاة وتفارق قضاء الدين فانه ليس بعبادة فانه يسقط باسقاط مستحقة وولي اليتيم والسلطان ينويان عند الحاجة إذا ثبت ذلك فالنية أن يعتقد انها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون ومحلها القلب لانها محل الاعتقادات كلها
(فصل) ويجوز تقديم النية على الآداء بالزمن اليسير كسائر العبادات ولأنها يجوز التوكيل فيها فاعتبار مقارنة النية للاخراج يؤدي الى التقرين بماله ولو تصدق الانسان بجميع ماله ولم ينو به

(2/676)


الزكاة لم يجزئه وهذا قول الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة يجزئه استحساناً ولنا أنه لم ينو الفرض فلم يجزئه كما لو تصدق ببعض ماله وكما لو صلى مائة ركعة لم ينو الفرض بها (فصل) ومن له مال غائب يشك في سلامته يجوز اخراج الزكاة عنه وتصح منه نية الاخراج لأن الأصل بقاؤه فإن نوى ان هذا زكاة مالي ان كان سالما وإلا فهو تطوع فبان سالماً أجزأت لانه أخلص النية للفرض ثم رتب عليها النقل وهذا حكمها لو لم يقله فاذا قاله لم يضر ولو قال هذا زكاة مالي الغائب والحاضر صح لأن التعيين لا يشترط بدليل أن من له أربعون ديناراً اذا أخرج نصف دينار عنها صح وإن كان يقع عن عشرين غير معينة وإن قال هذا زكاة مالي الغائب أو تطوع لم تجزئه ذكره أبو بكر لانه لم يخلص النية للفرض أشبه ما لو قال أصلي فرضاً أو تطوعاً وإن قال هذا زكاة مالي الغائب ان كان سالما وإلا فهو زكاة لمالي الحاضر أجزأه عن السالم منهما، فإن كانا سالمين فعن أحدهما لان التعيين ليس بشرط وان قال زكاة مالي الغائب وأطلق فبان تالفاً لم يكن له أن يصرفه الى كفارة غيره انه عينه فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها فلم يقع عنها لم يكن له صرفه الى كفارة أخرى.
هذا التفريع فيما إذا كانت الغيبة مما لا تمنع اخراج زكاته في بلد رب المال أما لقربه أو لكون البلد لا يوجد فيه أهل السهمان أو على الرواية التي نقول باجزاء اخراجها في بلد بعيد من بلد المال وإن كان له موروث غائب فقال إن كان موروثي قد مات فهذه زكاة ماله الذي ورثته عنه فبان ميتا لم يجزئه لأنه ينبني على غير أصل فهو كقوله ليلة الشك إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل (فصل) فإن أخذها الامام منه قهرا أجزأت بغير نية وهذا قول الخرقي ومفهوم هذا الكلام انه متى دفعها طوعا لم يجزئه إلا بنية سواء دفعها إلى الإمام وغيره أما في حال القهر فتسقط النية لان تعذرها في حقه أسطقها كالصغير والمجنون وقال القاضي لا تشترط النية اذا أخذها الامام في حال الطوع والكره وهو قول الشافعي لأن أخذ الامام بمنزلة القسم بين الشركاء فلم يحتج إلى نية ولان
للامام ولاية في أخذها ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقا ولو لم تجزئه لما أخذها ولاخذها ثانياً

(2/677)


وثالثاً حتى ينفد ماله لأن أخذها ان كان لاجزائها فهو لا يحصل بدون النية وإن كان لوجوبها فهو باق بحاله واختار أبو الخطاب وابن عقيل أنها لا تجزئه أيضاً من غير نية فيما بينه وبين الله تعالى لأن الامام إما وكيله وإما وكيل الفقراء أو وكيلهما وأي ذلك كان فلا بد من نية رب المال ولأنها عبادة تجب لها النية فلا تجزئ عمن وجبت عليه إذا كان من أهل النية بغير نية كالصلاة وانما أخذت منه حراسة للعلم الظاهر كالممتنع من الصلاة يحبر عليها ليأتي بصورتها ولو صلى بغير نية لم تجزئه والمرتد يطالب بالشهادة فإذا أتى بها حكم باسلامه ظاهراً وإن لم يعتقد صحتها لم يصح إسلامه باطنا ومن نصر القول الأول قال ان للامام ولاية على الممتنع فقامت نيته مقام نيته كولي المجنون واليتيم وفارق الصلاة فإن النيابة فيها لا تصح فلابد من نية فاعلها وقوله لا يخلو من كونه وكيلا له أو للفقراء أو لهما قلنا بل هو وكيل على المالك والحاق الزكاة بالقسمة غير صحيح لأنها ليست عبادة ولا يعتبر لها نية بخلاف الزكاة * (مسألة) * (وإن دفعها إلى وكيله اعتبرت النية في الموكل دون الوكيل) إذا وكل في دفع الزكاة فدفعها الوكيل الى مستحقها قبل تطاول الزمن أجزأت نية الموكل ولم يفتقر الى نية الوكيل لان الموكل هو الذي عليه الفرض فاكتفى بنيته ولان تأخر الأداء عن النية بالزمن اليسير جائز على ما ذكرنا فان تطاول الزمن فقال أبو الخطاب يجزئ كما لو تقارب الدفع وهو ظاهر كلام شيخنا ها هنا والصحيح انه لابد من نية الموكل حال الدفع الى الوكيل ونية الوكيل عند الدفع الى المستحق لئلا يخلو الدفع الى المستحق عن نية مقارنة أو مقاربة ولو نوى الوكيل دون الموكل لم يجز تتعلق الفرض بالموكل ووقوع الاجزاء عنه وإن دفعها إلى الامام ناويا ولم ينو الامام حال دفعها الى الفقراء جاز وإن طال الزمن لأنه وكيل الفقراء * (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الدفع اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما) ويحمد الله على التوفيق لادائها لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أعطيتم الزكاة

(2/678)


فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرماً " أخرجه ابن ماجة * (مسألة) * (ويقول الآخذ آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهوراً) (فصل) وإن دفعها إلى الساعي أو الامام شكره ودعا له لقول الله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) وقال عبد الله بن أبي أوفى كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال " اللهم صل على آل فلان " فأتاه أبي بصدقته فقال " اللهم صلى على آل أبي أوفى " متفق عليه والصلاة ها هنا الدعاء والتبرك وليس هذا بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا أو أمره يأخذ الزكاة منهم لم يأمره بالدعاء ولأن ذلك لا يجب على الفقير المدفوع اليه فالنائب أولى * (مسألة) * ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر اليه الصلاة فإن فعل فهل تجزئه؟ على روايتين قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال لا، قيل وان كان قرابته بها؟ قال لا.
واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها وروي عن الحسن والنخعي انهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد الا لذي قرابة وكان أبو العالية يبعث بزكاته الى المدينة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم وهذا يختص فقراء بلدهم وقال سعيد حدثنا سفيان عن معمر عن بن طاوس عن أبيه قال في كتاب معاذ ابن جبل من أخرج من مخلاف الى مخلاف فان صدقته وعشره ترد الى مخلافه وروي عن عمر بن عبد العزيز انه رد زكاة أتي بها من خراسان الى الشام الى خراسان ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن الى عمر أنكر ذلك عمر وقال لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذ ما بعثت اليك بشئ وأنا اجد من يأخذه مني، رواه أبو عبيد في الاموال وروي أيضاً عن ابراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين أن زياداً أو بعض الامراء بعث عمران على الصدقة فلما رجع قال أين المال؟ قال اللمال بعثتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله

(2/679)


صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن المقصود اغناء الفقراء بها فاذا أبحنا نقلها أفضى الى بقاء فقراء أهل ذلك البلد محتاجين فان خالف ونقل ففيه روايتان إحداهما
تجزئه وهو قول أكثر أهل العلم واختارها ابو الخطاب لأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ كالدين وكما لو فرقها في بلدها والأخرى لا تجزئه اختارها ابن حامد لأنه دفع الزكاة الى غير من أمر بدفعها إليه أشبه ما لو دفعها إلى غير الاصناف (فصل) فإن استغنى عنها فقرا أهل بلدها جاز نقلا نص عليه أحمد فقال قد تحمل الصدقة إلى الإمام إذا لم يكن فقراء أو كان فيها فضل عن حاجتهم وقال أيضاً لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد إلا أن يكون فيها فضل لكن الذي كان يجئ إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من الصدقة إنما كان عن فضل منهم يعطون ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده عن عمرو بن شعيب أن معاذاً لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث اليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم.
فقال معاذ: ما بعثت اليك بشئ وأنا اجد من يأخذه مني، فلما كان العام الثاني بعث إليه بشرط الصدقة فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث اليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه فقال معاذ: ما وجدت أحداً يأخذ مني شيئاً، وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها اليه فرقها على فقراء أقرب البلاد اليه (فصل) ويستحب أن يفرق الصدقة في بلدها ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان.
قال أحمد في رواية صالح: لا بأس ان يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في اتيانها ويبدأ بالأقرب فالأقرب، فإن نقلها إلى البعيد لتحري قرابة أو من كان أشد حاجة فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر

(2/680)


" مسألة " (فإن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده وفطرته في البلد الذي هو فيه) قال أحمد في رواية محمد بن الحكم: إذا كان الرجل في بلد وماله في بلد فأحب إلى أن يؤدي حيث كان المال، فإن كان بعضه حيث هو وبعضه في مصر يؤدي زكاة كل مال حيث هو، فإن كان
غائباً عن مصره وأهله والمال معه فأسهل أن يعطي بعضه في هذا البلد بعضه في البلد الآخر، فأما إن كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته الى بلد آخر، فإن كان المال تجارة يسافر به فقال القاضي: يفرق زكاته حيث حال حوله في أي موضع كان، ومفهوم كلام أحمد في اعتباره الحول التام أنه يسهل في أن يفرقها في ذلك البلد وغيره من البلدان التي أقام بها في ذلك الحول.
وقال في الرجل يغيب عن أهله فتجب عليه الزكاة يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه، فأما زكاة الفطر فانه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن لأنه سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي سببها فيه (فصل) إذا أخذ الساعي الصدقة فاحتاج إلى بيعها لمصلحة من كلفة نقلها أو مرضها ونحوهما فله ذلك لما روى قيس بن أبي حازم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها فقال المصدق: إني ارتجعتها بابل فسكت عنه.
رواه أبو عبيد في الأموال وقال: الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها، فإن لم يكن حاجة إلى بيعها فقال القاضي: لا يجوز والبيع باطل وعليه الضمان قال شيخنا: ويحتمل الجواز لحديث قيس فإن النبي صلى الله عليه وسلم سكت حين أخبره المصدق بارتجاعها ولم يستفصل " مسألة " (وإذا حصل عند الامام ماشية استحب له وسم الابل في أفخاذها والغنم في آذانها فان كانت زكاة كتب لله أو زكاة، وإن كانت جزية كتب صغاراً أو جزية)

(2/681)


إنما استحب ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لتمييزها من غنم الجزية والضوال ولترد إلى مواضعها اذا شردت ويسم الابل والبقر في أفخاذها لانه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه وهو قليل الشعر فتطهر السمة ويسم الغنم في آذانها لانه مكان تظهر فيه السمة لا تضرر به الغنم (فصل) قال ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول اذا كمل النصاب ولا يجوز قبل ذلك وجملة ذلك أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة وهو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة، وبهذا
قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والاوزاعي وأبو حنيفة والشافعي واسحاق وأبو عبيد، وحكي عن الحسن أنه لا يجوز، وبه قال ربيعة ومالك وداود لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تؤدى زكاة قبل حلول الحول " ولأن الحول أحد شرطي الزكاة فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب، ولأن للزكاة وقتاً فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة ولنا ما روى علي أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك، وفي لفظ في تعجيل الزكاة فرخص له في ذلك.
رواه أبو داود، وقال يعقوب بن شيبة هو أثبتها اسناداً، وروى الترمذي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر " إنا قد أخذنا زكاة العباس عام أول للعام " وفي لفظ قال " إنا كنا تعجلنا صدقة العباس لعامنا هذا عام أول " رواه سعيد عن عطاء وابن أبي مليكة والحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ولان تعجيل المال وجد سبب وجوبه فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، واداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق، وقد سلم مالك تعجيل الكفارة وفارق تقديمها قبل النصاب لأنه تقديم لها على سببها فأشبه تقديم الكفارة على اليمين وكفارة القتل على الجرح، ولأنه قدمها على الشرطين وههنا قدمها على أحدهما، وقولهم إن للزكاة وقتاً قلنا الوقت إذا دخل في الشئ رفقاً بالانسان كان له

(2/682)


أن يعجله ويترك الارفاق بنفسه كالدين المؤجل وكمن أدى زكاة مال غائب: وإن لم يكن على يقين من وجوبها، ومن الجائز أن يكون المال تالفاً في ذلك الوقت، وأما الصلاة والصيام فتعبد محض والتوقيت فيها غير معقول فيجب أن يقتصر عليه (فصل) فأما تعجيلها قبل ملك النصاب فلا يجوز بغير خلاف نعلمه، فلو ملك بعض نصاب فعجل زكاته أو زكاة نصاب لم يجز لأنه تعجل الحكم قبل سببه " مسألة " (وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان) (إحداهما) لا يجوز لأن النص لم يرد بتعجيلها لاكثر من حول فاقتصر عليه (والثانية) يجوز لأنه قد روي في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وأما العباس فهي علي ومثلها " متفق عليه ورواه
الإمام أحمد، وروي أنه قال عليه السلام في حديث العباس " أنا استسلفنا زكاة عامين " ولأنه تعجيل لها بعد وجود النصاب أشبه تقديمها على الحول الواحد وما لم يرد به النص يقاس على المنصوص إذا كان في معناه، ولا يعلم معنى سوى أنه تقديم للمال الذي وجد سبب وجوبه على شرط وجوبه وهذا متحقق في التقديم في الحولين كتحققه في الحول الواحد، فعلى هذا إذا كان عنده أكثر من النصاب فعجل زكاته لحولين جاز، وإن كان قدر النصاب مثل من عنده أربعون شاة فعجل شاتين لحولين وكان المعجل من غيره جاز، وإن أخرج شاة منه وشاة من غيره أجزأ عن الحول الأول ولم يجز عن الثاني لان النصاب نقص، فان تكمل بعد ذلك صار أخراج زكاته وتعجيله لها قبل كمال نصابها وإن أخرج الشاتين جميعاً من النصاب لم تجب الزكاة في الحول الأول إذا قلنا ليس له ارتجاع ما عجله لأنه كالتالف فيكون النصاب ناقصاً، فان كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين كمل النصاب وكان ما عجله سابقاً على كمال النصاب فلم يجز عنه (فصل) فأما تعجيلها لما زاد على الحولين فقال ابن عقيل: لا يجوز رواية واحدة لأن التعجيل على خلاف الأصل وإنما جاز في عامين للنص فيبقى فيما عداه على قضية الأصل

(2/683)


" مسألة " (وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ عن النصاب دون الزيادة) إذا ملك نصابا فعجل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربحه فيه أجزأه عن النصاب دون الزيادة، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يجزئه لأنه تابع لما هو مالكه، وحكى ابن عقيل عن أحمد رواية فيما إذا ملك مائتي درهم وعجل زكاة أربعمائة أنه يجزئه عنهما لأنه قد وجد سبب وجوب الزكاة في الجملة بخلاف تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب، وكذلك لو كان عنده نصاب من الماشية فعجل زكاة نصابين ولنا أنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلم يجز كالنصاب الاول، ولأن الزائد من الزكاة على زكاة النصاب انما سببها الزائد في الملك فقد عجل الزكاة قبل وجود سببها فأشبه ما لو عجل الزكاة قبل ملك النصاب، وقوله انه تابع قلنا انما يتبع في الحول، فأما في الايجاب فان الوجوب ثبت بالزيادة لا بالاصل
ولأنه انما يصير له حكم بعد الوجود، فأما قبل ظهوره فلا حكم له في الزكاة (فصل) وإن عجل زكاة نصاب من الماشية فتوالدت نصابا، ثم ماتت الامهات وحال الحول على النتاج اجزأ المعجل عنها لأنها دخلت في حول الامهات وقامت مقامها فأجزأت زكاتها عنها، فاذا كان عنده أربعون من الغنم فعجل عنها شاة ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الامهات وحال الحول على السخال اجزأت المعجلة عنها لأنها كانت مجزئة عنها وعن أمهاتها لو بقيت فلان تجزئ عن أحدهما أولى.
وإن كان عنده ثلاثون من البقر فعجل عنها تبيعاً ثم توالدت ثلاثين عجلة وماتت الامهات وحال الحول على العجول احتمل أن يجزئ عنها لأنها تابعة لها في الحول واحتمل أن لا يجزئ عنها لأنه لو عجل عنها تبيعاً مع بقاء الامهات لم يجزئ عنها فلان لا يجزئ عنها اذا كان التعجيل عن غيرها أولى وهكذا الحكم في مائة شاة اذا عجل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الامهات وحال الحول على السخال وإن توالد نصفها ومات نصف الامهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبار، فان قلنا بالوجه الأول اجزأ المعجل عنهما جميعاً، وإن قلنا بالثاني فعليه في الخمسين سخلة شاة لأنها نصاب لمم تؤد

(2/684)


زكاته، وليس عليه في العجول اذا كانت خمس عشر شئ لانها لم تبلغ تصابا، وانما وجبت الزكاة فيها بناء على أمهاتها التي عجلت زكاتها، وإن ملك ثلاثين من البقر فعجل مسنة زكاة لها ولنتاجها فنتجت عشراً اجزأته عن الثلاثين دون العشر ووجب عليه في العشر ربع مسنة، ويحتمل أن تجزئه المسنة المعجلة عن الجميع لان العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول فانه لولا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شئ فصارت الزيادة على النصاب منقسمة أربعة أقسام (الأول) ما لا يتبع في وجوب ولا حول وهو المستفاد من غير الجنس فهذا لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده وملك نصابه بغير خلاف (الثاني) ما يتبع في الوجوب دون الحول وهو المستفاد من الجنس بسبب مستقل فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضاً قبل وجوده مع الخلاف في ذلك وحكي ابن عقيل رواية أنه يجزئ (الثالث) ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والريح إذا بلغ نصابا فانه يتبع أصله في الحول
فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده كالذي قبله (الرابع) ما يتبع في الحول والوجوب وهو الربح والنتاج اذا لم يبلغ نصابا فهذا يحتمل وجهين: (احدهما) لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده كالذي قبله (والثاني) يجزئ لأنه تابع في الوجوب والحول أشبه الموجود * (مسألة) * (وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم يجزه) لأنه تقديم لها قبل وجود سببها فاما تعجيلها بعد وجود الطلع والحصرم وتعجيل عشر الزرع بعد نباته فظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز لأنه قال: كل ما تتعلق الزكاة فيه بشيئين حول ونصاب جاز تعجيل زكاته فمفهومه أنه لا يجوز تعجيل زكاة غيره لان الزكاة معلقة بسبب واحد وهو ادراك الزرع والثمرة، فاذا قدمها كان قبل وجود سببها، لكن إن أداها بعد الادراك وقبل اليبس والتصفية جاز.
وقال أبو الخطاب: يجوز بعد ظهور الطلع والحصرم ونبات الزرع، ولا يجوز قبل ذلك لان وجود الزرع

(2/685)


واطلاع النخل بمنزلة ملك النصاب والادراك بمنزلة حولان الحول فجاز تقديمها عليه، وتعلق الزكاة بالادراك لا يمنع جواز التعجيل بدليل أن زكاة الفطر يتعلق وجوبها بهلال شوال وهو زمن الوجوب ويجوز تعجيلها قبله * (مسألة) * (وإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز) لأن حكم ما عجله حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به، فاذا زاد ماله حتى بلغ النصاب أو زاد عليه وحال الحول اجزأ المعجل عن زكاته لما ذكرنا، فإن نقص أكثر مما عجله فقد نقص بذلك عن كونه سبباً للزكاة مثل من له أربعون شاة فعجل شاة، ثم تلفت أخرى فقد خرج عن كونه سبباً للزكاة فان زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول كمل النصاب ولم يجز ما عجله كما ذكرنا من قبل * (مسألة) * (وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته شاة ثالثة) وبما ذكرنا قال الشافعي في المسألتين.
وقال أبو حنيفة: ما عجله في حكم التالف فقال في المسألة
الأولى لا تجب الزكاة ولا يكون المخرج زكاة.
وقال في هذه المسألة: لا يجب عليه زيادة لان ما عجله زال ملكه عنه فلم يحسب من ماله كما لو تصدق به تطوعا ولنا أن هذا نصاب تجب الزكاة فيه بحلول الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين ولأن ما عجله بمنزلة الموجود في إجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به، ولأنها لو لم تعجل كان عليه شاتان، فكذلك اذا عجلت لأن التعجيل انما كان رفقاً بالمساكين فلا يصير سبباً لنقص حقوقهم والتبرع يخرج ما تبرع به عن حكم الموجود في ماله، وهذا في حكم الموجود في الاجزاء عن الزكاة (فصل) وكل موضع قلنا لا يجزئه ما عجله عن الزكاة فان كان دفعها إلى الفقراء مطلقاً فليس له

(2/686)


الرجوع فيها، وإن كان دفعها بشرط أنها زكاة معجلة فهل له الرجوع؟ على وجهين يأتي توجيههما إن شاء الله تعالى (فصل) وإن عجل زكاة ماله ثم مات فأراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز، وذكر القاضي وجها في جوازه بناء على ما لو عجل زكاة عامين ولا يصح لأنه تعجيل للزكاة قبل وجود سببها أشبه ما لو عجل زكاة نصاب لغيره ثم اشتراه وذلك لأن سبب الزكاة ملك النصاب وملك الوارث حادث ولا يبني الوارث على حول الموروث، ولأنه لم يخرج الزكاة وانما أخرجها غيره عن نفسه، واخراج الغير عنه من غير ولاية ولا نيابة لا يجزئ ولو نوى فكيف إذا لم ينو؟ وقد قال أصحابنا: لو أخرج زكاته وقال: إن كان موروثي قد مات فهذه زكاة ماله فبان انه قد مات لم يقع الموقع وهذا أبلغ ولا يشبه هذا تعجيل الزكاة لعامين لأنه ثم عجل بعد وجود السبب وأخرجها بنفسه بخلاف هذا فإن قيل فإنه لو مات الموروث قبل الحول كان للوارث ارتجاعها فاذا لم يرتجعها احتسب بها كالدين قلنا فلو أراد أن يحسب الدين عن زكاته لم يصح، ولو كان له عند رجل شاة من غصب أو قرض فأراد أن يحسبها عن زكاته لم يجزئه " مسألة " (وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى أجزأت عنه)
اذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقها لم يخل من أربعة اقسام (أحدها) أن لا يتغير الحال ففي هذا القسم يقع المدفوع موقعه ويجزئ عن المزكي ولا يلزمه بدله ولا له استرجاعه كما لو دفعها بعد وجوبها (الثاني) أن يتغير حال الاخذ بأن يموت قبل الحول أو يستغني أو يرتد فهذا في حكم القسم الذي قبله وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يجزئ لأن ما كان شرطاً للزكاة اذا عدم قبل الحول لم يجزء كما لو تلف المال أو مات ربه ولنا أنه أدى الزكاة إلى مستحقها فلم يمنع الأجزاء تغير حاله كما لو استغنى بها، ولأنه حق أداه إلى مستحقه فبرئ منه كالدين يعجله قبل أجله وما ذكروه منتقض بما إذا استغنى بها والحكم

(2/687)


في الأصل ممنوع ثم الفرق بينهما ظاهر، فإن المال اذا تلف تبين عدم الوجوب فأشبه ما لو أدى إلى غريمه دراهم يظنها عليه فتبين أنها ليست عليه، وكما لو أدى الضامن الدين فبان أن المضمون عنه قضاه وفي مسألتنا الحق واجب وقد أخذه مستحقه (القسم الثالث) أن يتغير حال رب المال وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى (القسم الرابع) أن يتغير حالهما فهو كالقسم الثالث " مسألة " (وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم يجزه) لأنه لم يدفعها إلى مستحقها أشبه ما لو لم يفتقر " مسألة " (وإن عجلها ثم تلف المال لم يرجع على الآخذ.
وقال ابن حامد: إن كان الدافع الساعي أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه) وجملة ذلك أن من عجل زكاة ماله فدفعها إلى مستحقها ثم تلف المال أو بعضه فنقص عن النصاب قبل الحول أو تغير حال رب المال بموت أو رده أو باع النصاب فقال أبو بكر: لا يرجع بها على الفقير سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لم يعلمه.
قال القاضي: وهو المذهب عندي لأنها وصلت إلى الفقير فلم يكن له ارتجاعها كما لو لم يعلمه، ولأنها زكاة دفعت إلى مستحقها فلم يجز ارتجاعها كما لو تغير حال الآخذ وحده، وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان الدافع لها الساعي استرجعها بكل حال، وإن كان رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها، وإن أطلق لم يرجع وهذا مذهب الشافعي لأنه مال دفعه عما يستحقه
القابض في الثاني، فاذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالاجرة اذا انهدمت الدار قبل السكنى، أما إذا لم يعلمه فيحتمل أن يكون تطوعا ويحتمل أن يكون هبة فلم يقبل قوله في الرجوع، فعلى قول ابن حامد أن كانت العين لم تتغير أخذها وان زادت زيادة متصلة بزيادتها لأنها تتبع في الفسوخ، وإن كانت منفصلة أخذها دون زيادتها لأنها حدثت في ملك الفقير، وإن كانت ناقصة رجع على الفقير بالنقص لان الفقير قد ملكها بالقبض فكان نقصها عليه كالمبيع اذا نقص في يد المشتري ثم علم عيبه، وإن كانت تالفة أخذ قيمتها يوم القبض لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنما هو في ملك الفقير فلم يضمنه كالصداق يتلف في يد المرأة فان تغير حالهما فهو كما لو تغير حال رب المال سواء

(2/688)


(فصل) إذا قال رب المال قد أعلمته أنها زكاة معجلة فلي الرجوع وأنكر الاخذ فالقول قوله لأنه منكر والأصل عدم الاعلام وعليه اليمين، وإن مات الآخذ واختلف وارثه والمخرج فالقول قول الوارث ويحلف أنه لا يعلم أن موروثه أعلم بذلك (فصل) إذا تسلف الامام الزكاة فهلكت في يده فلا ضمان عليه وكانت من ضمان الفقراء ولا فرق بين أن يسأله ذلك رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد لأن يده كيد الفقراء.
وقال الشافعي إن تسلفها من غير سؤال ضمنها لان الفقراء رشد لا يولى عليهم، فاذا قبض بغير اذنهم ضمن كالأب اذا قبض لابنه الكبير، وإن كان بسؤالهم كان من ضمانهم لأنه وكيلهم، وإن كان بسؤال أرباب الاموال لم يجزهم الدفع وكان من ضمانهم لأنه وكيلهم، وإن كان بسؤالهما ففيه وجهان أصحهما أنه في ضمان الفقراء ولنا أن للامام ولاية على الفقراء بدليل جواز قبض الصدقة لهم بغير اذنهم سلفاً وغيره، فاذا تلفت في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم اذا قبض له، وما ذكروه يبطل بالقبض بعد الوجوب وفارق الأب فإنه لا يجوز له القبض لولده الكبير لعدم ولايته عليه ولهذا يضمن ما قبضه له بعد وجوبه