العدة شرح العمدة

كتاب الحج والعمرة يجب الحج والعمرة مرة في العمر على المسلم العاقل البالغ الحر إذا استطاع إليه سبيلًا
(1) والاستطاعة أن يجد زادًا وراحلة بآلتهما مما يصلح لمثله فاضلًا عما يحتاج إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الحج والعمرة]
كتاب الحج (يجب الحج والعمرة مرة في العمر على المسلم العاقل البالغ الحر إذا استطاع إليه سبيلًا) فيجب بخمسة شروط: الإسلام والحرية والبلوغ والعقل والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله خلافًا. فأما الكافر فإنه غير مخاطب بفروع الدين، وأما العبد فلا يجب عليه لأنها عبادة تطول مدتها وتتعلق بقطع مسافة فتضيع حقوق السيد المتعلقة به فلم يجب عليه كالجهاد، وأما الصبي والمجنون فغير مكلفين بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل» رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن، وغير المستطيع لا يجب عليه لقوله سبحانه وتعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقال سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فخص المستطيع بالوجوب فيدل على نفيه عن غيره.

[فصل أقسام شروط الحج والعمرة] 1
فصل: وهذه الشروط تنقسم ثلاثة أقسام: قسم منها ما هو شرط للوجوب والصحة، وهو الإسلام والعقل، فلا يصح الحج من كافر ولا مجنون، ومنها ما هو شرط الوجوب والإجزاء، وهو البلوغ والحرية، وليس ذلك بشرط للصحة، ولو حج الصبي والعبد صح حجهما ولم يجزهما عن حجة الإسلام، ومنها ما هو شرط للوجوب فقط، وهو الاستطاعة، فلو تجشم غير المستطيع المشقة وسار بغير زاد ولا راحلة كان حجه صحيحًا مجزيًا.

مسألة 1: (والاستطاعة أن يجد زادًا وراحلة بآلتهما مما يصلح لمثله فاضلًا عما يحتاج إليه لقضاء دينه ومؤنة نفسه وعياله على الدوام) لما روي أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسر

(1/177)


لقضاء دينه ومؤنة نفسه وعياله على الدوام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الاستطاعة بالزاد والراحلة» رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وروى الإمام أحمد «لما نزلت {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قال رجل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة» ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشترط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد، وتختص الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر، فأما القريب الذي يمكنه المشي إليها وبينه وبينها مسافة دون القصر فيلزمه السعي إليها كالسعي إلى الجمعة.
1 -
مسألة 2: والزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وكسوة في ذهابه ورجوعه ويعتبر قدرته على الآلات التي يحتاج إليها من أوعية الماء والدقيق وما أشبههما مما لا يستغني عنه فهو كعلف البهائم.
1 -
مسألة 3: وأما الراحلة فيشترط أن يجد راحلة تصلح لمثله إما بشراء أو كراء ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله، وإن كان ممن لا يخدم نفسه اعتبر القدرة على خادم يخدمه لأن هذا كله من سبيله.
1 -
مسألة 4: ويعتبر أن يكون ذلك فاضلًا عن ما يحتاج إليه لنفقة أهله والذين تلزمه نفقتهم في مضيه ورجوعه، لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين وهم أحوج وحقهم آكد، وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» رواه أبو داود.
1 -
مسألة 5: ويعتبر أن يكون ذلك فاضلًا عما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن وخادم،

(1/178)


(6) ويعتبر للمرأة وجود محرمها وهو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح
(7) ومن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وأن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته من تجارة أو صناعة أو أجرة عقار على الدوام لأن ذلك من حقوق الآدميين وهو مقدم على حق الله سبحانه.

مسألة 6: (ويعتبر للمرأة وجود محرمها وهو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم» متفق عليه.

مسألة 7: (ومن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة) لقوله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أمر والأمر يدل على الوجوب، وإذا ثبت هذا فمتى لم يحج حتى توفي وجب أن يخرج من ماله ما يحج به عنه ويعتمر، لما روى ابن عباس «أن امرأة سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أبيها مات ولم يحج قال: "حجي عن أبيك» [رواه النسائي] ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدين، والعمرة كالحج في القضاء فإنها واجبة، وقد «أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا رزين فقال: "حج عن أبيك واعتمر» [رواه أبو داود] ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله لأنه دين مستقر عليه فيكون من رأس ماله كدين الآدمي.
1 -
مسألة 8: ويستناب من يحج عنه من حيث وجبت عليه الحجة: إما من بلده، أو من الموضع الذي أيسر فيه، لأنه الموضع الذي مات فيه، ولأن الحج واجب على الميت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه، لأن القضاء يكون على وفق الأداء كقضاء الصلاة والصيام.
1 -
مسألة 9: فإن خرج حاجًا فمات في بعض الطريق أخرج من حيث مات، لأنه أسقط بعض ما وجب عليه بفعله فلم يجب ثانيًا.

(1/179)


(10) ولا يصح الحج من كافر ولا مجنون، ويصح من الصبي والعبد ولا يجزئ عنهما
(11) ويصح من غير المستطيع والمرأة بغير محرم
(12) ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه أو عن نذره أو عن نفله قبل حجة الإسلام وقع حجه عن فرض نفسه دون غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 10: (لا يصح الحج من كافر ولا مجنون) لأنهما ليسا من أهل الوجوب، (ويصح من الصبي) لما روى مسلم عن ابن عباس قال: «رفعت امرأة صبيًا فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر» (ويصح من العبد) أيضًا لأنه من أهل العبادات (ولا يجزئ عنهما) كما لو صلى الصبي ثم بلغ في أثناء الوقت، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم ممن لا يعد خلافه خلافًا، على أن الصبي إذا حج في حال صغره والعبد إذا حج في حال رقه ثم بلغ الصبي وأعتق العبد أن عليهما حجة الإسلام إذا وجدا إليه سبيلًا، كذلك قال ابن عباس والحسن.

مسألة 11: (ويصح من غير المستطيع) كما تصح الجمعة من المريض إذا حضرها، (ويصح من المرأة بغير محرم) لأنها من أهل الوجوب.

مسألة 12: (ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه أو عن نذره أو عن نفله وفعله قبل حجة الإسلام وقع حجه عن فرض نفسه دون غيره) لما روى ابن عباس "أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال: هل حججت قط؟ قال: لا. قال: فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وهذا لفظه، ولأنه حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه فلم يقع عن الغير كما لو كان صبيًا.
مسألة 13: (فإن أحرم تطوعًا أو عن حجة منذورة وعليه حجة الإسلام وقع عن حجة الإسلام لأنه أحرم بالحج وعليه فرضه فوجب أن يقع عن فرضه كالمطلق) .

(1/180)


باب المواقيت وميقات أهل المدينة ذو الحليفة، وأهل الشام والمغرب ومصر الجحفة، واليمن يلملم، ولنجد قرن، وللمشرق ذات عرق، فهذه المواقيت لأهله، ولكل من يمر عليها، ومن منزله دون الميقات فميقاته من منزله،
(14) حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم «ويهلون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب المواقيت]
(وميقات أهل المدينة ذو الحليفة، والشام ومصر والمغرب الجحفة، واليمن يلملم، ولنجد قرن، وللمشرق ذات عرق) لما روى ابن عباس قال: «وقّت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم، فهن لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهم فمهله من أهله، وكذلك أهل مكة يهلون منها» : متفق عليه. وأما ميقات أهل المشرق فمن ذات عرق؛ لما روت عائشة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل اليمن يلملم» [رواه مسلم] رواه أبو داود مختصرًا قال: "إن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت لأهل العراق ذات عرق» . وأجمع أهل العلم على أن إحرام العراقي من ذات عرق إحرام من الميقات.

مسألة 14: (وأهل مكة يهلون منها) لحديث ابن عباس «ويهلون بالعمرة من أدنى الحل» لا نعلم في هذا خلافًا، وروي أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمر عائشة من التنعيم وكانت بمكة يومئذ» وإنما لزم ذلك ليجمع في النسك بين الحل والحرم، بخلاف الحج فإنه يفتقر إلى الخروج من الحرم إلى عرفة للوقوف فيجتمع له الحل والحرم فلذلك جاز أن يحرم به من الحرم.

(1/181)


للعمرة من أدنى الحل»
(15) ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه
(16) ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات غير محرم
(17) إلا لقتال مباح وحاجة تتكرر كالحطاب ونحوه
(18) ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه
(19) وإن جاوزه غير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 15: (ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه) وذلك أن من سلك طريقًا بين ميقاتين فإنه يجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات الذي هو إلى طريقه أقرب، لما روينا أن أهل العراق قالوا لعمر: إن قرنًا جاوز عن طريقنا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فوقت لهم ذات عرق، ولأن هذا مما يدخله الاجتهاد والتقدير فإذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة.

مسألة 16: (ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات غير محرم) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم من الميقات وقد قال: "خذوا عني مناسككم» [رواه مسلم] فكان واجبًا بالأمر ولا يجوز ترك الواجب.

مسألة 17: (إلا لقتال مباح) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر» (أو لحاجة تتكرر كالحطاب) لأنا لو ألزمناه الإحرام لأفضى إلى أنه لا يزال محرمًا فيشق ذلك عليه.

مسألة 18: (ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه) لأن هذا لم يكن الإحرام من الميقات عليه واجبًا فكان ميقاته من حيث نوى العبادة، بدليل أن المكي يحرم من مكة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس: «وكذلك أهل مكة يهلون منها» متفق عليه.

مسألة 19: (وإن جاوزه غير محرم رجع فأحرم من الميقات ولا دم عليه، لأنه أحرم من الميقات، فإن أحرم من دونه فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع) لما روي عن ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من ترك نسكًا فعليه دم» رواه البيهقي بلفظ: «من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما» روي موقوفًا عليه ومرفوعًا، ولأنه أحرم دون

(1/182)


محرم رجع فأحرم من الميقات ولا دم عليه لأنه أحرم من ميقاته، فإن أحرم من دونه فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع
(20) والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات فإن فعل فهو محرم
(21) وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة
باب الإحرام (22) من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل
(23) ويتنظف ويتطيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الميقات فوجب عليه الدم وجوبًا مستقرًا كما لو رجع بعد أن طاف، ولأن الدم وجب بهتك حرمة الميقات حيث أحرم من دونه وهذا لا يرتفع برجوعه، وإذا أحرم منه فلم يهتكه.

مسألة 20: (والأفضل ألا يحرم قبل الميقات، فإذا فعل فهو محرم) ولا خلاف أن من أحرم قبل الميقات أنه يصير محرمًا تثبت في حقه أحكام المحرمين، لكن الأفضل الإحرام من الميقات لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أحرموا من الميقات وتبعهم أهل العلم على ذلك ولا يفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا الأفضل، وروى الأثرم أن عمران بن حصين أحرم من البصرة فبلغ ذلك عمر فغضب وقال: لا يتسامع الناس أن رجلًا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحرم من البصرة، وأنكر عثمان على رجل أحرم من خراسان أو كرمان ولأنه تغرير بالإحرام وتعرض لفعل المحظورات وفيه مشقة على النفس فكره كالمواصلة في الصيام.

مسألة 21: (وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) قاله ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير، ولا خلاف بينهم أن أول أشهر الحج شوال.

[باب الإحرام]
مسألة 22: (من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل) لأنه ثبت «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل عند الإحرام» [رواه مسلم] ، «وأمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال وهي حائض» . وقد «روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تجرد لإهلاله واغتسل» رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

مسألة 23: (ويستحب له أن يتنظف) بإزالة الشعث وقطع الرائحة وحلق شعر العانة

(1/183)


(24) ويتجرد عن المخيط ويلبس إزارًا ورداء أبيضين نظيفين
(25) ثم يصلي ركعتين
(26) ويحرم عقيبهما، وهو أن ينوي الإحرام
(27) ويستحب أن ينطق بما أحرم به، ويشترط ويقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ونتف الإبط وتقليم الأظافر ونحو ذلك لأنه أمر يسن له الاغتسال أشبه الجمعة. (ويسن له الطيب) لأنه مكان يجتمع الناس فيه أشبه الجمعة.

مسألة 24: (ويتجرد عن المخيط في إزار ورداء أبيضين نظيفين) فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين» [رواه أحمد] قال ابن المنذر: ثبت ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا لم يجد إزارًا لبس السراويل، وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين» [رواه البخاري] .

مسألة 25: (ثم يصلي ركعتين) ويستحب له أن يحرم عقيب الصلاة، فإن حضرت مكتوبة صلاها وأحرم عقيبها، وإلا صلى ركعتين تطوعًا وأحرم عقيبها، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: أيما أحب إليك الإحرام في دبر الصلاة أو إذا استوت به ناقته؟ قال: كل قد جاء، في دبر الصلاة، وإذا علا البيداء أو إذا استوت به ناقته، فوسع فيه كله. «وقال سعيد بن جبير: "ذكرت لابن عباس إهلال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أوجب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإحرام حين فرغ من صلاته ثم خرج، فلما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل فأدرك ذلك منه قوم فقالوا أهل حين علا البيداء» رواه أبو داود، فأخذ به أحمد لأن فيه بيانًا وفضل علم فتعين الأخذ به.

مسألة 26: (ويحرم عقيبهما، وهو أن ينوي الإحرام) بقلبه، ولا ينعقد الإحرام بغير نية لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات» ، ويكون عقيب الصلاة لقول ابن مسعود: «أوجب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإحرام حين فرغ من صلاته» .

مسألة 27: (ويستحب أن ينطق بما أحرم به، ويشترط فيقول: اللهم إني أريد النسك

(1/184)


(28) وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران
(29) وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الفلاني، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) ويفيد الاشتراط أنه إذا عاقه عائق من عدو أو مرض أو ذهاب نفقة فله التحلل ولا دم عليه ولا صوم، لما روى ابن عباس «أن ضباعة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج فكيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني، فإن لك على ربك ما استثنيت» رواه مسلم. وروت عائشة قالت: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ضباعة بنت الزبير وهي شاكية، فقال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني» متفق عليه.

مسألة 28: (وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران) أي ذلك أحرم به جاز بغير خلاف بين العلماء، «قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بحج» متفق عليه، [ «وقالت عائشة: "أهللت بعمرة، ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا» متفق عليه] .

مسألة 29: (وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران) عند إمامنا أحمد رحمة الله عليه، واختار المتعة جماعة من الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لما «روى جابر وابن عباس وأبو موسى وعائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أصحابه لما طافوا بالبيت أن يحلوا ويجعلوها عمرة» ونقلهم من الإفراد والقران إلى المتعة، ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل الأولى. ولم يختلف عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من ساق هديًا، وثبت على إحرامه وقال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة» [رواه البخاري] . فهذا معلوم صحته يقينًا، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نقلهم من الحج إلى المتعة وتأسف كيف لم يمكنه ذلك، ولو كان الإفراد والقران أفضل لكان الأمر بالعكس، ولأن المتعة منصوص عليها في كتاب الله تعالى بقوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] من بين سائر الأنساك، ولأن التمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج كاملين غير متداخلين على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك هو الدم فكان ذلك أولى.

(1/185)


(30) والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه. والإفراد أن يحرم بالحج وحده، والقران أن يحرم بهما، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج
(32) ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة
(33) فإذا استوى على راحلته لبى فقال: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 30: (والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه. والإفراد أن يحرم بالحج وحده، والقران أن يحرم بهما، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج) كما أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه.
1 -
مسألة 31: (ويستحب أن ينطق بما أحرم به ليزول الالتباس وتتأكد النية كما قلنا، وتشترط لما سبق من حديث عائشة وابن عباس.

مسألة 32: (ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد إحرامه بالعمرة) لأنه لم يرد بذلك أمر ولا هو في معنى ما جاء به الأثر لأن إحرامه بها لا يزيد عملًا على ما لزمه بالإحرام بالحج ولا يعتبر ترتيبه بخلاف إدخال الحج على العمرة.

مسألة 33: (فإذا استوى على راحلته لبى فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) والتلبية في الإحرام مسنونة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلها، [في حديث عائشة رواه البخاري، وحديث جابر رواه مسلم] وأمر برفع الصوت بها، وأقل أحوال ذلك الاستحباب، وروى سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا» رواه ابن ماجه. ويستحب أن يبدأ بالتلبية إذا استوى على راحلته، لما روى أنس وابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل» أخرجه البخاري. وقال ابن عباس: «أوجب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإحرام حين فرغ من صلاته، فلما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل» [رواه البخاري] يعني لبى،

(1/186)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ومعنى الإهلال رفع الصوت من قولهم: استهل الصبي إذا صاح، والأصل فيه أنهم كانوا إذا رأوا الهلال صاحوا فيقال: استهل الهلال، ثم قيل لكل صائح مستهل. وإنما يرفع صوته بالتلبية لما روي «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "أتاني جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية" رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقال أنس: "سمعتهم يصرخون بها صراخًا» وروي عن الصديق: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل: أي الحج أفضل؟ قال: العج والثج» . وهذا حديث غريب رواه الترمذي ومعنى العج رفع الصوت، والثج إسالة الدماء بالذبح والنحر. وقال ابن عباس: رفع الصوت زينة الحج. وقال أبو حازم: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية. وعن سالم قال: كان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية فلا يأتي الروحاء حتى يضمحل صوته.
1 -
مسألة 34: ولا يجهد نفسه في رفع الصوت زيادة على الطاقة لئلا ينقطع صوته فتنقطع تلبيته. وجاء في الصحيحين عن ابن عمر «أن تلبية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» رواه البخاري عن عائشة، ومسلم عن جابر. والتلبية مأخوذة من قولهم لب بالمكان إذا لزمه، فكأنه قال: أنا مقيم على طاعتك وأمرك غير خارج عن ذلك ولا شارد عليك، هذا وما أشبهه. وكرره، لأنه أراد إقامة بعد إقامة، كما قالوا: حنانيك، أي رحمة بعد رحمة أو رحمة مع رحمة. ويقول: لبيك إن الحمد، بكسر الألف نص عليه أحمد. قال ثعلب: من قال بكسر الألف فقد عم، ومن قال بفتحها فقد خص، يعني أن من فضل كسر الألف جعل الحمد على كل حال، ومن فتح فمعناه لبيك لأن الحمد لك، أي لبيك لهذا السبب.

(1/187)


(35) ويستحب الإكثار منها ورفع الصوت بها لغير النساء
(36) وهي آكد فيما إذا علا نشزًا أو هبط واديًا أو سمع ملبيًا أو فعل محظورًا ناسيًا أو لقي ركبًا، وفي أدبار الصلاة المكتوبة وبالأسحار، وإقبال الليل والنهار
باب محظورات الإحرام (37) وهي تسعة: 1، 2: حلق الشعر وقلم الظفر، ففي ثلاثة منها دم، وفي كل واحد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 35: (ويستحب الإكثار منها) على كل حال لما روى ابن ماجه عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما من مسلم يضحي لله يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كيوم ولدته أمه» [رواه الترمذي] (ويستحب رفع الصوت بها) لما سبق (ولا يستحب ذلك للنساء) لأنهن عورة فالإخفاء في حقهن أستر لهن.

مسألة 36: (وهي آكد إذا علا نشزًا، أو هبط واديًا، ... أو لقي ركبا، وفي أدبار الصلاة، وبالأسحار) لما روى جابر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلبي في حجته إذا لقي راكبًا أو علا أكمة أو هبط واديًا وفي أدبار المكتوبة ومن آخر الليل» وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة وإذا هبط واديًا وإذا علا نشزًا وإذا لقي راكبًا وإذا استوت به راحلته.

[باب محظورات الإحرام]
مسألة 37: (وهي تسعة: حلق الرأس، وقلم الظفر: ففي ثلاثة منها دم، وفي كل واحد مما دونها مد طعام وهو ربع الصاع) أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع عن أخذ شعره إلا من عذر، والأصل فيه قول الله سبحانه: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] ، وروى البخاري ومسلم «عن كعب بن عجرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال له: "لعلك تؤذيك هوام رأسك. قال: نعم يا رسول الله. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة» . وهذا يدل على أن الحلق قبل ذلك محرم، وشعر الرأس والجسد في ذلك سواء.

(1/188)


مما دونه مد طعام وهو ربع الصاع
(38) وإن خرج في عينه شعر فقلعه، أو نزل شعره فغطى عينه، أو انكسر ظفره فقصه فلا شيء عليه. الثالث: لبس المخيط إلا أن لا يجد إزارًا فيلبس سراويل أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من تقليم أظفاره إلا من عذر، ولأن قطع الأظفار إزالة جزء يترفه به فحرم كإزالة الشعر، إلا أن ينكسر فله إزالته من غير فدية. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر لأنه يؤذيه ويؤلمه، أشبه الشعر يطلع في عينه والصائل يصول عليه. والقدر الذي يجب به الدم أن يحلق ثلاث شعرات فصاعدًا. قال القاضي: هذا المذهب لأنه شعر آدمي يقع عليه اسم الجمع المطلق فجاز أن يتعلق به الدم كالربع، وعنه أن القدر الذي يجب به الدم أربع شعرات وهو اختيار الخرقي لأنها كثير فوجب بها الدم كالربع فصاعدًا.

[فصل في الفدية الواجبة بحلق الشعر] 1
فصل: والفدية الواجبة بحلق الشعر هي المذكورة في حديث كعب بن عجرة وقد سبق، وهي على التخيير، لأنه ذكرها بلفظ "أو" وهي على التخيير.
فصل: وفي كل واحدة فما دونها مد من طعام يكون ضمانًا لها، يعني ما دون الثلاث، لأن ما ضمنت جملته ضمنت أبعاضه كالصيد، وعنه في كل شعرة قبضة من طعام، روي ذلك عن عطاء، وعنه في الشعرة درهم وفي الشعرتين درهمان، والأول أولى لما سبق، والأظفار كالشعر ومقيسة عليها.

مسألة 38: (وإن خرج في عينه شعر فقلعه، أو نزل شعره فغطى عينيه، أو انكسر ظفر فقصه فلا شيء عليه) لما سبق. (الثالث: لبس المخيط إلا أن لا يجد إزارًا فيلبس سراويل، أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القميص والسراويل والخفاف والبرانس. والأصل في هذا ما روى ابن عمر «أن رجلًا سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما من أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه الزعفران ولا الورس» متفق عليه. وروى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

(1/189)


الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه. الخامس: الطيب في بدنه وثيابه. السادس: قتل الصيد، وهو ما كان وحشيًا مباحًا، وأما الأهلي فلا يحرم، وأما صيد البحر فإنه مباح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال: «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب بعرفات: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل المحرم» متفق عليه، وهو ظاهر في إسقاط الفدية لأنه لم يذكرها.
(الرابع: تغطية الرأس والأذنان منه) لا نعلم في هذا خلافًا بين أهل العلم، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من تخمير رأسه، والأصل فيه نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن لبس العمائم والبرانس، «وقوله في المحرم الذي وقصته راحلته: "لا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» [أخرجه البخاري] علل منع تغطية رأسه ببقائه على إحرامه فعلم أن المحرم ممنوع من ذلك، وكان ابن عمر يقول: إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها، وإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يشد المحرم رأسه بالسير، وفائدة قوله: (والأذنان من الرأس) أي يحرم تغطيتهما، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأذنان من الرأس» [رواه ابن ماجه] .
(الخامس: الطيب في بدنه وثيابه) أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب، وقد «قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المحرم الذي وقصته راحلته: "لا تحنطوه" متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: "لا تمسوه بطيب» ، فلما منع الميت الطيب لإحرامه كان الحي أولى بذلك وعليه الفدية لذلك. ومعنى الطيب كل ما يعد للشم كالمسك والكافور والعنبر والغالية والزعفران وما أشبه ذلك مما تطيب رائحته.
(السادس: قتل الصيد، وهو ما كان وحشيًا مباحًا) لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل الصيد واصطياده على المحرم، وقد قال سبحانه: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقال

(1/190)


(السابع: عقد النكاح حرام ولا فدية فيه. الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج، فإن أنزل بها فعليه بدنة، وإلا ففيها شاة وحجه صحيح. التاسع: الوطء في الفرج فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ووجب المضي في فاسده والحج من قابل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] . (وأما الأهلي فلا يحرم) لأنه ليس بصيد، وإنما حرم الصيد، والحرام ليس بصيد أيضًا لأنه محرم. (وأما صيد البحر فإنه مباح) قال سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] .
(السابع: عقد النكاح حرام) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب» متفق عليه من رواية عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، نهي والنهي يقتضي التحريم، وإن زوج أو تزوج فلا فدية عليه لأنه عقد فسد لأجل الإحرام فلم تجب به الفدية كشراء الصيد.
(الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج، فإن أنزل بها فعليه بدنة، وإن لم ينزل فعليه شاة وحجه صحيح) لا نعلم أحدًا قال بفساد حجه، ولأنها مباشرة فيما دون الفرج عريت عن الإنزال فلم يفسد بها الحج كاللمس، والمباشرة لا توجب الاغتسال فأشبهت اللمس، وعليه الفدية لأنه هتك الإحرام بذلك الفعل كما لو تطيب أو لبس، والفدية شاة لأنها ملامسة لم يقترن بها الإنزال فأشبه لمس ما دون الفرج، فأما إن أنزل فعليه بدنة لأنه جماع اقترن به الإنزال فأوجب بدنة، كما لو كان في الفرج. وهل يفسد حجه بذلك على روايتين: إحداهما: لا يفسد، نص عليه أحمد لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد فلا يفسد به الحج كما لو لم ينزل. الثانية: يفسد، نص عليه لأنها عبادة يفسدها الوطء فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصائم اختارها أبو بكر والخرقي، ومن نصر الأولى قال: الأصل عدم الإفساد، والجماع إنما هو الوطء في الفرج ولا يصح إلحاق غيره به فإنه أعظم. ولذلك لا يختلف الحال فيه بين الإنزال أو عدمه ويجب بنوعه الحد ويتعلق به اثنا عشر حكمًا، فكيف يلحق به ما دونه مع أن شرط القياس التساوي، ولا يصح قياسه على الصيام، فإن الصيام يخالف الحج في المفسدات. كذلك يفسد بالإنزال بتكرر النظر والمذي إذا لمس، ويفسده الأكل والشرب وغيرهما، والحج لا يفسده إلا الوطء فكيف يصلح إلحاقه به ولا حجة فيه من نص ولا إجماع فلا يثبت فيه حكم الإفساد.
(والتاسع: الوطء في الفرج، فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج ووجب المضي في

(1/191)


)
(39) ويجب على المجامع بدنة وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة. ويحرم من التنعيم ليطوف محرمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فاسده والحج من قابل) أما فساد الحج في الجماع في الفرج فليس فيه خلاف، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع، والأصل في ذلك ما روي عن ابن عمر أن رجلًا سأله فقال: إني وقعت على امرأتي ونحن محرمان، فقال: أفسدت حجك، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقض ما يقضون وحل إذا حلوا، فإذا كان العام المقبل فحج أنت وامرأتك وأهديا هديًا، فإن لم تجدا هديًا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتما. وكذلك قال ابن عباس وعبد الله بن عمرو ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، وروى حديثهم الأثرم في سننه، وزاد في حديث ابن عباس: ويفترقان من حيث يحرمان ولا يجتمعان حتى يقضيا حجهما. قال ابن المنذر: قول ابن عباس أعلى شيء روي فيمن وطئ في حجه، وروي ذلك عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

مسألة 39: (ويجب على المجامع بدنة) روي ذلك عن ابن عباس لأنه جماع صادف إحرامًا تامًا فوجبت به البدنة كبعد الوقوف، هذا إذا وطئ قبل التحلل الأول لأنه يكون قد وطئ في إحرام تام (وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة. ويحرم من التنعيم ليطوف محرمًا) ولا يفسد حجه وهو قول ابن عباس، وذلك لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه» [رواه أبو داود] ، ولأن الحج عبادة لها تحللان فوجود المفسد بعد تحللها الأول لا يفسدهما كما بعد التسليمة الأولى في الصلاة، والواجب شاة لأنه وطء لم يفسد الحج فلم يوجب الفدية كما لو وطئ دون الفرج إذا لم ينزل، ولأن حكم الإحرام حف بالتحلل الأول فينبغي أن يكون موجبه دون موجب الإحرام التام، ويحرم من التنعيم لأن إحرامه فسد بالوطء كما يفسد به قبل التحلل الأول فيجب أن يحرم ليأتي بالطواف في

(1/192)


(40) وإن وطئ في العمرة أفسدها ولا يفسد النسك بغيره
(41) والمرأة كالرجل، إلا أن إحرامها في وجهها، ولها لبس المخيط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إحرام صحيح، لأن الطواف ركن فيجب أن يأتي به في إحرام صحيح كالوقوف، وإنما لزمه أن يحرم من التنعيم ليجمع فيه بين الحل والحرم ثم يطوف للزيارة ويسعى ويتحلل.

مسألة 40: (وإن وطئ في العمرة أفسدها ولا يفسد النسك بغيره) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع، والعمرة كالحج.

مسألة 41: (والمرأة كالرجل إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط) وذلك لأن أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحرم باجتناب شيء يدخل فيه الرجال والنساء، فما ثبت في حق الرجل فمثله في حق المرأة، لكن استثنى منه لبس المخيط والتظليل مبالغة في ستر المرأة لأنها عورة كلها إلا وجهها فتجردها يفضي إلى انكشافها فأبيح لها هذا، ولهذا أبحنا للمحرم عقد الإزار لئلا يسقط فتنكشف العورة ولم يبح عقد الرداء، وهذا مما لا نعلم فيه خلافًا.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة ممنوعة مما منع عنه الرجال إلا بعض اللباس. وأجمع أهل العلم على أن للمحرمة لبس القميص والدرع والسراويلات والخمر والخفاف. وفي حديث ابن عمر أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى النساء في إحرامهن عن لبس القفازين والنقاب» [رواه أبو داود] وتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف وهذا صريح، والمعني باللبس هاهنا المخيط من القميص والدروع والسراويلات وما يستر الرأس والخفاف ونحو ذلك. وقوله: (إحرامها في وجهها) يعني أن المرأة يحرم عليها في الإحرام تغطية وجهها كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، ولا نعلم في هذا اختلافًا إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها. قال ابن المنذر: ويحتمل أن يكون معنى هذا كما قالت عائشة، وهو ما روى أبو داود والأثرم «عن عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا

(1/193)


باب الفدية (42) وهي على ضربين: أحدهما: على التخيير، وهي فدية الأذى واللبس والطيب، فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو طعام ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة
(43) وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كشفناه» وهذا لفظ أبي داود، ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها فلا يحرم عليها ستره على الإطلاق كالعورة من الرجل.

[باب الفدية]
مسألة 42: (وهي على ضربين: أحدهما على التخيير، وهي فدية الأذى واللبس والطيب، فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعامه ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة) أما فدية الأذى فهي على التخيير لما سبق في محظورات الإحرام من الآية وحديث كعب بن عجرة المتفق عليه. وأما فدية اللبس والطيب فهي مقيسة على فدية الأذى لكونه ترفه بذلك في إحرامه فلزمته الفدية كالمترفه بحلق شعره، ولا فرق بين قليل الطيب وكثيره وقليل اللبس وكثيره لأنه معنى حصل به الاستمتاع بالمحظور فاعتبر مجرد الفعل كالوطء. وكذلك الحكم في كل دم وجب لترك واجب [بالقياس على فدية الأذى واللبس والطيب] يعني أن ذلك على التخيير لا على الترتيب.

مسألة 43: (وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم) أجمع أهل العلم على وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد، وقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] ، فمن قتل الصيد ابتداء من غير سبب يبيح قتله ففيه الجزاء، فأما إن اضطر إلى أكله فيباح له أكله بلا خلاف نعلمه، ويلزمه ضمانه لأنه قتله لحاجة نفسه ودفع الأذى عنه من غير معنى حدث في الصيد يقتضي قتله، فلزمه جزاؤه كحلق الرأس لدفع الأذى عنه، وإن صال عليه فلم يقدر على دفعه إلا بقتله فله قتله ولا ضمان عليه لأنه ألجأه إلى قتله فلم يجب ضمانه كالآدمي

(1/194)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الصائل، ولو خلص صيدًا من سبع أو شبكة فتلف بذلك فلا ضمان عليه، لأنه فعل أبيح لحاجة الحيوان فلم يضمن ما تلف به كما لو داوى ولي الصبي فمات بذلك.
1 -
مسألة 44: ولا فرق بين العامد والمخطئ في وجوب الجزاء، لما روى جابر قال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الضبع يصيده المحرم كبشًا" وقال في بيض النعام يصيده المحرم: "ثمنه ولم يفرق» رواهما ابن ماجه ولأنه ضمان إتلاف أشبه مال الآدمي، وعنه لا كفارة في الخطأ لأن الله سبحانه قال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فدليل خطابه أنه لا جزاء على الخاطئ.
1 -
مسألة 45: والصيد ما جمع ثلاثة أشياء: أن يكون مباح الأكل، لا مالك له، ممتنعًا، قاله بعض أهل اللغة، فيخرج منه ما لا يحل أكله كسباع البهائم والمستخبث من الحشرات، وما عليه ملك فما ليس بوحشي يباح للمحرم ذبحه وأكله، كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافًا، والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال، فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء، ولو توحش الإنسي لم يجب فيه جزاء، ولهذا وجب في الحمام اعتبارًا بأصله.
1 -
مسألة 46: والواجب في صيد البر دون صيد البحر، لقوله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] إذا ثبت هذا فجزاء الصيد مثله من بهيمة الأنعام وهي الإبل والغنم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] ، وليس المراد حقيقة المماثلة فإنها لا تتحقق بين النعم والصيود، لكن أريد المماثلة من حيث الصورة، والمشابهة من وجه، وكونه أقرب بهيمة الأنعام به شبهًا، لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أجمعوا على وجوب المثل فقال عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عباس

(1/195)


(47) إلا الطائر فإن فيه قيمته
(48) إلا الحمامة ففيها شاة، والنعامة فيها بدنة
(49) ويتخير بين إخراج المثل وتقويمه بطعام، فيطعم كل مسكين مدًا أو يصوم عن كل مد يومًا
الضرب الثاني على الترتيب وهو: المتمتع يلزمه شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ومعاوية: في النعامة بدنة، وحكم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش بدنة، وحكم عمر وعلي في الظبي بشاة، وحكموا في الحمام بشاة.

مسألة 47: (إلا الطائر فإن فيه قيمته) في موضعه، وهذا هو الأصل في الضمان بدليل سائر المضمونات من الأموال، وتعتبر القيمة في موضع الإتلاف كما لو أتلف مال آدمي قوِّم في موضع الإتلاف كذا هاهنا.

مسألة 48: (إلا الحمامة ففيها شاة، والنعامة فيها بدنة) لما سبق من قضاء الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

مسألة 49: (ويتخير بين إخراج المثل وتقويمه بطعام، فيطعم كل مسكين مدًا أو يصوم عن كل مد يومًا) وعن أحمد أنها على الترتيب فيجب المثل أولًا، فإن لم يجد أطعم، فإن لم يجد صام، روي نحوه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن هدي المتعة على الترتيب وهذا آكد منه فإنه يفعل محظورًا، وعنه لا طعام في الكفارة، وإنما ذكر في الآية ليعدل به الصيام، لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح، قال: كذا قال ابن عباس. ودليل الرواية الأولى قوله سبحانه: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] و "أو" في الأمر للتخيير، روي عن ابن عباس قال: كل شيء أو ... أو فهو مخير، وأما ما كان "فإن لم يجد" فهو للأول الأول، ولأن هذه الفدية تجب بفعل محظور فكان مخيرًا بين ثلاثتها كفدية الأذى.

مسألة 50: فإذا اختار المثل ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم، لأنه سبحانه قال: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ، وإن اختار الإطعام فإنه يقوم المثل بدراهم والدراهم بالطعام ويتصدق به على المساكين، كل مسكين مد من البر كما يدفع إليهم كفارة اليمين، وإن اختار الصيام صام عن كل مد يومًا لأنها كفارة دخلها الصيام والإطعام فكان اليوم في مقابلة المد ككفارة الظهار، وعنه يصوم عن كل نصف صاع يومًا روي عن ابن عباس واحتج به أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(الضرب الثاني على الترتيب وهو: المتمتع يلزمه شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام

(1/196)


الحج وسبعة إذا رجع
(51) وفدية الجماع بدنة، فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع
(52) وكذلك الحكم في دم الفوات
(53) والمحصر يلزمه دم، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام
(54) ومن كرر محظورًا من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة) (فإن كفر عن الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
في الحج وسبعة إذا رجع) ، لقوله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] .

مسألة 51: (وفدية الجماع بدنة، فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع) لما سبق من إجماع الصحابة، وكذلك الحكم في البدنة الواجبة بالمباشرة بالقياس على البدنة الواجبة بالوطء.

مسألة 52: (وكذلك الحكم في دم الفوات) لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال لهبار بن الأسود لما فاته الحج: إذا كان عام قابل فاحجج، فإن وجدت سعة فأهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله، رواه الأثرم. وعنه لا هدي عليه، لأنه لو لزمه هدي لزم المحصر هديان بالفوات والإحصار، والأول أصح لأنه قول عمر وجماعة من الصحابة، وعنه لا قضاء عليه إن كانت نفلًا، فيخرج الهدي في عامه، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.

مسألة 53: (والمحصر يلزمه دم، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام) لقوله سبحانه: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وثبت «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا، فإن لم يجد صام عشرة أيام» [رواه البخاري] لأنه دم واجب الإحرام فكان له بدل ينتقل إليه كدم المتمتع والطيب واللباس.

مسألة 54: (ومن كرر محظورًا من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة) وذلك مثل من حلق ثم حلق، أو لبس ثم لبس، أو تطيب ثم تطيب، فالحكم فيه كما لو فعل ذلك دفعة واحدة، وتجزئه كفارة واحدة، لأنها تتداخل فهي كالحدود والأيمان، (فإن كفر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفر عنه) فصار كأنه لم يفعله، وثبت لما بعده حكم المنفرد، وهكذا لو كرر شيئًا من محظورات الإحرام اللاتي لا يزيد الواجب فيها بزيادتها ولا يتقدر بقدرها، فأما ما يتقدر الواجب بقدره وهو إتلاف للصيد فإن في كل واحد منها له جزاؤه سواء فعل مجتمعًا أو متفرقًا، ولا يتداخل بحال ما لم يكفر عن الأول قبل فعل

(1/197)


قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفر عنه
(55) وإن فعل محظورًا من أجناس فلكل واحدة كفارة
(56) والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه) (وسائر المحظورات لا شيء في سهوه
(57) وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الثاني لما سبق. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كرره لأسباب - مثل إن لبس للبرد ثم لبس للحر ثم لبس للمرض - فكفارات، وإن كان لسبب واحد فكفارة واحدة.

مسألة 55: (وإن فعل محظورًا من أجناس فلكل واحد كفارة) وذلك مثل إن حلق وقلم ولبس وتطيب ووطئ فعليه لكل واحد كفارة، وعنه إن مس طيبًا ولبس وحلق فكفارة، وإن فعل ذلك واحدًا بعد واحد ففي كل واحد دم، ودليل الأولى أنه فعل محظورات من أجناس فلم تتداخل أجزاؤها كالحدود المختلفة والأيمان المختلفة.

مسألة 56: (والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه) يعني في وجوب الضمان لأنه ضمان إتلاف فاستوى عمده وخطؤه كمال الآدمي. وأما الوطء فلأنه وطء في عبادة فاستوى عمده وسهوه كالوطء في رمضان. (وسائر المحظورات لا شيء في سهوه) قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال سفيان: ثلاثة في الحج العمد والنسيان سواء: إذا أتى أهله، وإذا أصاب صيدًا، وإذا حلق رأسه. قال أحمد: إذا جامع أهله بطل حجه لأنه شيء لا يقدر على رده، والشعر إذا حلقه فقد ذهب لا يقدر على رده، والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده، فهذه الثلاثة العمد والخطأ والنسيان فيها سواء، وكل شيء من النسيان بعد الثلاثة فهو يقدر على رده مثل إذا غطى المحرم رأسه ثم ذكر ألقاه عن رأسه وليس عليه شيء، أو لبس خفًا نزعه وليس عليه شيء. وعنه أن الفدية تلزم الجميع لأنه هتك حرمة الإحرام فاستوى عمده وسهوه كحلق الشعر وتقليم الأظافر، ودليل الأولى عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» [رواه ابن ماجه] .

مسألة 57: (وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم) لقوله سبحانه: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] ، والطعام كالهدي في اختصاصه بمساكين الحرم، لقول ابن عباس:

(1/198)


(59) إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق به
(60) وهدي المحصر ينحره في موضعه
(61) وأما الصيام فيجزئه بكل مكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الهدي والطعام بمكة، والصوم حيث شاء، ولأنه طعام يتعلق بالإحرام فأشبه لحم الهدي، [والطعام بمكة حيث شاء فأشبه لحم الهدي] .
1 -
مسألة 58: ومساكين الحرم من كان فيه، سواء كان من أهله أو واردًا إليه كالحاج وغيره، وهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم.

مسألة 59: (إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق فيه) نص عليه، واحتج بحديث علي حين ذبح عن الحسين بالسقيا، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر كعب بن كعب بالفدية في الحديبية ولم يأمره ببعثه إلى الحرم.

مسألة 60: (وهدي المحصر ينحره في موضعه) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه نحروا هداياهم بالحديبية. وروي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نحر هديه عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان» وهي من الحل باتفاق أهل السير والنقل، وقد دل على ذلك قوله سبحانه: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] ولأنه موضع تحلله فكان موضع ذبحه كالحرم. وأما قوله سبحانه: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فمحمول على غير المحصر.
وقال ابن المنذر: إن ذلك ينصرف على وجهين: أحدهما أن بلوغه محله هو الذبح والنحر وإن كان في الحل، وذلك في حق المحصر، اقتداء بما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية.
والثاني: أن محله الذبح في الحرم وذلك في حق الآمنين لقوله سبحانه: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] .

مسألة 61: (وأما الصيام فيجزئه بكل مكان) لا نعلم في هذا خلافًا إلا في الصيام عن هدي المتعة، فإن قومًا اشترطوا أن يرجع إلى أهله. وقال ابن عباس: الدم والطعام بمكة، والصوم حيث شاء، لأن الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحد فلا معنى لتخصيصه بمكان، بخلاف الهدي والإطعام فإنه يتعدى نفعه إلى من يعطاه.

(1/199)


باب دخول مكة يستحب أن يدخل مكة من أعلاها
(62) ويدخل المسجد من باب بني شيبة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل منه
(63) فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب دخول مكة]
(يستحب أن يدخل من أعلاها) لما روى ابن عمر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى» . وروت عائشة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها» متفق عليه.

مسألة 62: (ويدخل المسجد من باب بني شيبة لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل منه) وفي حديث جابر الذي رواه مسلم وغيره: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة عند ارتفاع الضحى فأناخ راحلته عند باب بني شيبة ودخل المسجد» .

مسألة 63: (فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا) ، وروي رفع اليدين عند رؤية البيت عن ابن عمر وابن عباس، وروى أبو بكر بن المنذر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: افتتاح الصلاة، واستقبال البيت، وعلى الصفا والمروة، وعلى الموقفين، والجمرتين» ولأن الدعاء يستحب عند رؤية البيت فقد أمر برفع اليدين عند الدعاء. ويستحب أن يدعو فيقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام. اللهم زد هذا البيت تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومهابة وبرًا. وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومهابة وبرًا. الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا كما هو أهله وكما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله. الحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلًا. والحمد لله على كل حال. اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك. اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت» . ذكر هذا الدعاء أبو بكر الأثرم، وبعضه مروي عن سعيد بن المسيب، وهو يليق بالمكان فذكرناه.

(1/200)


(64) ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرًا، أو بطواف القدوم إن كان مفردًا أو قارنًا، فيضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر
(65) ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله ويقول بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
(66) ثم يأخذ عن يمينه ويجعل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 64: (ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرًا، أو بطواف القدوم إن كان مفردًا أو قارنًا، فيضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على الأيسر) وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة، وهو مستحب في طواف القدوم لما روى أبو داود وابن ماجه عن يعلى بن أمية «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوها على عواتقهم اليسرى» .

مسألة 65: (ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه) وهو أن يمسحه بيده (ويقبله) ، قال أسلم: «رأيت عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبل الحجر وقال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبلك ما قبلتك» متفق عليه. وروى ابن ماجه عن ابن عمر قال: «استقبل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلًا، فإذا هو بعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: يا عمر هاهنا تسكب العبرات» (ويقول) عند استلامه: (بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

مسألة 66: (ثم يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره، فيطوف سبعًا، يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر، ويمشي في الأربعة الأخر) ومعنى الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطى من غير وثب. وهو سنة في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم، لا نعلم في ذلك خلافًا بين أهل العلم. وقد ثبت «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمل ثلاثًا ومشى أربعًا»

(1/201)


البيت عن يساره، فيطوف سبعًا، يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر، ويمشي في الأربعة الأخر
(68) وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل ويقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ويدعو في سائره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
رواه جابر وابن عباس وابن عمر في أحاديث متفق عليها، وحديث جابر من أفراد مسلم. وسبب الرمل فيما روى ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدم مكة فقال المشركون: إن محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه، قال: فأمرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرملوا ثلاثًا ويمشوا أربعًا» رواه مسلم.
فإن قيل: أليس الحكم إذا تعلق بعلة زال بزوالها؟ فالجواب: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد رمل واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح، ثبت أنها سنة ثانية. وقال ابن عباس: «رمل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عمره كلها وفي حجه، وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعدهم» رواه أحمد في المسند. وروى ابن عمر: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمل من الحجر» متفق عليه. وفي مسلم عن جابر قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمل من الحجر حتى انتهى إليه» .
1 -
مسألة 67: ولا يسن الرمل والاضطباع في غير الأشواط الثلاثة من طواف القدوم أو طواف العمرة إن كان معتمرًا، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه إنما رملوا واضطبعوا في طواف القدوم.

مسألة 68: (وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل) لأن ابن عمر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في طوافه» قال نافع: وكان ابن عمر يفعله، رواه أبو داود، وروى البخاري عن ابن عباس قال: «طاف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه وكبر» (ويقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] لما روى الإمام

(1/202)


بما أحب
(69) ثم يصلي ركعتين خلف المقام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أحمد في المناسك عن عبد الله بن السائب أنه «سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول بين ركن بني جمح والركن الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] » وروى ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وكل به - يعني الركن اليماني - سبعون ألف ملك، فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] قالوا آمين» .
(ويدعو في سائره بما أحب) لما روي عن ابن عباس أنه كان إذا جاء إلى الركن اليماني قال: اللهم قنعني بما رزقتني، وأخلف لي على كل غائبة بخير. ويستحب أن يقول: اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا، رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم. وكان عبد الرحمن بن عوف يقول: رب قني شح نفسي. وعن عروة قال: كان أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون: لا إله إلا أنت، وأنت تحيينا بعدما أمتنا. ويستحب الإكثار من ذلك. قالت عائشة: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه الأثرم وابن المنذر.

مسألة 69: (ثم يصلي ركعتين خلف المقام) روى جابر في صفة حج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت. قال محمد بن علي: ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ومهما قرأ فيهما بعد الفاتحة جاز وحيث ركعهما جاز فإن ابن عمر ركعهما بذي طوى،» رواه أحمد والبخاري. ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة

(1/203)


(70) ويعود إلى الركن فيستلمه
(71) ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه ويكبر الله ويهلله ويدعوه
(72) ثم ينزل فيمشي إلى العلم، ثم يسعى إلى العلم الآخر، ثم يمشي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاهما والطواف بين يديه ليس بينهما شيء، وكذلك سائر الصلوات بمكة لا يعتبر لها سترة.

مسألة 70: (ويعود إلى الركن فيستلمه) يعني إذا فرغ من ركعتي الطواف وأراد أن يخرج إلى الصفا فقال أحمد: يعود فيستلم الحجر، وكان ابن عمر يفعل ذلك ولا نعلم فيه خلافًا، والأصل فيه فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له، ذكره جابر في صفة حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة 71: (ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه ويكبر الله عز وجل ويهلله ويدعوه) قال جابر: «ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به» [رواه الترمذي] ، «فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات» . وكان ابن عمر يقوم على الصفا فيكبر سبع مرات ثلاثًا ثلاثًا ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك، اللهم جنبني حدودك، اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم يسرني لليسرى، وجنبني العسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم إنك قلت وقولك الحق: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وإنك لا تخلف الميعاد، اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى توفاني عليه، اللهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن. ويدعو دعاء كثيرًا حتى إنه ليملنا وإنا لشباب. وكان إذا أتى المسعى سعى وكبر.

مسألة 72: (ثم ينزل فيمشي إلى العلم، ثم يسعى إلى العلم الآخر، ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل كفعله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع

(1/204)


حتى يأتي المروة فيفعل كفعله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، حتى يكمل سبعة أشواط، يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية، يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة
(74) ثم يقصر من شعره إن كان معتمرًا وقد حل، إلا المتمتع إن كان معه هدي والقارن والمفرد فإنه لا يحل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
سعيه، حتى يكمل سبعة أشواط، يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية، يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة) هذا وصف السعي، قال جابر في صفة حج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، فلما كان آخر طوافه على المروة قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة» وهذا يقتضي أنه آخر طوافه.
1 -
مسألة 73: يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة، لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ بالصفا وقال: "أبدأ بما بدأ الله به» فيقتضي الترتيب لأنه أمر فيقتضي الوجوب، فلو بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط، فإذا صار إلى الصفا اعتد بما يأتي به بعد ذلك، قال ابن عباس: قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ، فيبدأ بالصفا، وقال: اتبعوا القرآن، فما بدأ به القرآن فابدءوا به.

مسألة 74: (ثم يقصر من شعره إن كان معتمرًا وقد حل، إلا المتمتع إن كان معه هدي والقارن والمفرد فإنه لا يحل) والمتمتع هو الذي يحرم من الميقات بعمرة مفردة، فإذا فرغ من أفعالها فقد حل، وأفعالها الطواف والسعي والتقصير أو الحلق على إحدى الروايتين إذا لم يكن معه هدي؛ لما روى ابن عمر قال: «تمتع الناس مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة قال للناس: من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة وليقصر وليحلل» متفق عليه، والأحاديث فيه كثيرة ولا نعلم فيه خلافًا.
1 -
مسألة 75: وأما من كان معه هدي فإنه يقيم على إحرامه ويدخل إحرام الحج على

(1/205)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا، وفي حديث عائشة: «فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا» .
1 -
مسألة 76: وأما المعتمر غير المتمتع فإنه يحل سواء كان معه هدي أو لم يكن معه هدي، فإن كان معه هدي نحره عند المروة، وحيث نحره من مكة جاز، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتمر ثلاث عمر سوى العمرة التي مع حجته فكان يحل، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل فجاج مكة طريق ومنحر» رواه أبو داود وابن ماجه.

[فصل فيما يستحب للقارن والمفرد إذا طاف وسعى] 1
فصل: وأما القارن والمفرد فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نية الحج وينوي عمرة مفردة، فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعًا، وإنما يجوز ذلك بشرطين:
أحدهما: أن لا يكون معه هدي، فإن كان معه هدي بقي محرمًا حتى يفرغ من أفعال الحج، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق معه هديًا» رواه جابر وابن عباس وعائشة متفق عليه.
واحتج أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة» والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحاح تقرب من التواتر والقطع.
وقال مسلمة بن شبيب لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله كل شيء منك حسن، إلا خلة واحدة. فقال: وما هي؟ قال: تقول بفسخ الحج. فقال أحمد: قد كنت أرى أن لك قولًا، عندي ثمانية عشر حديثًا صحاحًا جيادًا كلها في فسخ الحج، أتركها لقولك؟ ولأنه قلب الحج إلى العمرة فجاز، دليله من لحقه الفوات.
الشرط الثاني: أن لا يكون قد وقف بعرفة، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمرهم بالفسخ قبل الوقوف، ولأنه أتى بركن الحج المختص به فلم يجز له الفسخ، كما لو أتى بطواف الزيارة.

(1/206)


(77) والمرأة كالرجل، إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي
باب صفة الحج (78) وإذا كان يوم التروية فمن كان حلالًا أحرم من مكة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 77: (والمرأة كالرجل، إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع، لأن الأصل في الرمل والاضطباع أمر الجلد، ولا يقصد ذلك في النساء، ولأن النساء يقصد فيهن الستر وفي الرمل والاضطباع تعرض للانكشاف.

[باب صفة الحج]
مسألة 78: (وإذا كان يوم التروية فمن كان حلالًا أحرم من مكة وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين، ثم يروح إلى الموقف - وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة) وروى جابر في صفة حج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث إلى أن قال: «فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج فركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب حتى أتى الموقف واستقبل القبلة حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئًا. ثم اضطجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى طلع الفجر فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده ولم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا، فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلًا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده، ثم أعطى عليًا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر

(1/207)


(79) وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين، ثم يروح إلى الموقف - وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة،
(80) ويستحب أن يقف في موقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قريبًا من الصخرات) (ويجعل حبل المشاة بين يديه، ويستقبل القبلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وطبخت وأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: " انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم" فناولوه دلوًا فشرب منه» [رواه مسلم] . (فصل) ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم كانوا يتروون من الماء فيما يعدونه ليوم عرفة، فالمستحب لمن كان بمكة حلالًا - من المتمتعين الذين حلوا من عمرتهم ومن كان مقيمًا بها من أهلها وغيرهم - أن يحرموا يوم التروية حين يتوجهون إلى منى، لما تقدم من حديث جابر.
مسألة 79: (وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس صلى بها الظهر والعصر يجمع بينهما) لما سبق من حديث جابر، ثم يصير إلى الموقف، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وذلك لأن الوقوف بعرفة ركن لا يتم الحج إلا به إجماعًا، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه» أخرجه أبو داود وابن ماجه، وقال محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثًا أشرف منه، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل عرفة موقف، ارتفعوا عن بطن عرنة» رواه ابن ماجه، ولأنه لم يقف بعرفة فلم يجزه كما لو وقف بمزدلفة.

مسألة 80: (ويستحب أن يقف في موقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند الجبل قريبًا من الصخرات) لما في حديث جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات

(1/208)


(81) ويكون راكبًا
(82) ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير
(83) ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، (ويجعل حبل المشاة بين يديه ويستقبل القبلة) لذلك.

مسألة 81: (ويكون راكبًا) وهو أفضل، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف راكبًا، لما ذكر في حديث جابر، فإن ذلك أعون له على الدعاء، وقد قيل: إن الراجل أفضل، ويحتمل أنهما سواء.

مسألة 82: (ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «أكثر دعاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» [رواه مسلم] .

مسألة 83: (ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس) لأنه يوم ترجى فيه الإجابة، ولذلك أحببنا له الفطر ليتقوى على الدعاء، مع أن صومه بعرفة يعدل سنتين، وروى ابن ماجه قال: قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: "إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، فإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بكم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء» ويستحب أن يدعو بالمأثور من الأدعية مثل ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ويسر لي أمري» رواه مسلم. وكان ابن عمر يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، اللهم اهدني بالهدى، وقني بالتقوى، واغفر لي في الآخرة والأولى. ثم يرد يده فيسكت قدر ما كان إنسان قارئًا بفاتحة الكتاب، ثم يعود

(1/209)


(84) ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار
(85) ويكون ملبيًا ذاكرًا لله عز وجل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فيرفع يديه ويقول مثل ذلك، ولم يزل يفعل ذلك حتى أفاض. وسئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. فقيل له: هذا ثناء وليس بدعاء. فقال: أما سمعت قول الشاعر:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء
وقوله: "إلى غروب الشمس" معناه أنه يجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف بعرفة حتى غربت الشمس. كذا في حديث جابر.

مسألة 84: (ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار) وذلك أنه لا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع الإمام وهو الوالي الذي إليه أمر الحاج من قبل الإمام، فالمستحب أن يقف حتى يدفع الإمام ثم يسير نحو المزدلفة على طريق المأزمين لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلكه، وإن سلك الطريق الآخر جاز، ويكون عليه سكينة ووقار «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دفع وقد شنق القصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب موركة رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة» ذكره في حديث جابر. «وروى ابن عباس أنه دفع مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم عرفة فسمع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وراءه زجرًا شديدًا وضربًا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: "أيها الناس عليكم السكينة فإن البر ليس بإيضاع الإبل» رواه البخاري، «وقال عروة: سئل أسامة وأنا جالس كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير في حجة الوداع؟ قال: "كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص» . قال هشام بن عروة: والنص فوق العنق. متفق عليه.

مسألة 85: (ويكون ملبيًا ذاكرًا لله عز وجل) فإن ذكره مستحب في جميع الأوقات وهو في هذا الوقت آكد، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198]

(1/210)


(86) فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما
(87) ثم يبيت بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ولأنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى والتلبس بعبادته والسعي إلى شعائره، فيستحب الإكثار فيه من ذكره، ويستحب التلبية لما روى الفضل بن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة» متفق عليه، وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: شهدت ابن مسعود يوم عرفة يلبي، فقال له رجل كلمة، فسمعته زاد في التلبية شيئًا لم أسمعه قبل ذلك: "لبيك عدد التراب".

مسألة 86: (فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما) السنة لمن دفع من عرفة أن لا يصلي المغرب حتى يصل إلى مزدلفة، فيجمع بين المغرب والعشاء قبل حط الرحال. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن السنة أن يجمع الحاج بجمع بين المغرب والعشاء، والأصل في ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع بينهما، رواه جابر وابن عمر وأسامة وغيرهم في أحاديث صحاح، ويكون ذلك قبل حط الرحال، لما روى مسلم عن أسامة بن زيد، أن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام عشاء الآخرة فصلوا ثم حلوا» .

مسألة 87: (ثم يبيت بها) والمبيت بمزدلفة واجب، من تركه فعليه دم، وقال بعضهم: من فاته جمع فاته الحج لقوله سبحانه: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه» [رواه ابن ماجه] يعني من جاء من عرفة، وما احتجوا به من الآية فإن المنطوق فيها ليس بركن إجماعًا، فإنه لو بات بجمع ولم يذكر الله تعالى صح حجه بغير خلاف، فيحمل ذلك على مجرد الإيجاب أو الفضيلة والاستحباب.

(1/211)


(88) ثم يصلي الفجر بغلس
(89) ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو، ويستحب أن يكون من دعائه: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] ، ويقف حتى يسفر جدًا
(90) ثم يدفع قبل طلوع الشمس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 88: (ثم يصلي الفجر بغلس) السنة أن يبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح، والسنة أن يعجلها في أول وقتها ليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام، وفي حديث جابر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الصبح حين تبين له الصبح» وفي حديث ابن مسعود «أنه صلى الفجر حين طلع الفجر، وقائل يقول قد طلع، وقائل يقول لم يطلع" ثم قال في آخر الحديث: "رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله» رواه البخاري بنحو هذا.

مسألة 89: (ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو) وفي حديث جابر: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى المشعر الحرام فرقي عليه، وحمد الله وهلله وكبره ووحده» . (ويستحب أن يكون من دعائه: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا فيه لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] ويقف حتى يسفر جدًا) لما في حديث جابر: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا» .

مسألة 90: (ثم يدفع قبل طلوع الشمس) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعله، «قال عمر: "إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس فيقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خالفهم وأفاض قبل أن تطلع الشمس» رواه البخاري.

(1/212)


(91) فإذا بلغ محسرًا أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى
(92) فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف، يكبر مع كل حصاة
(93) ويرفع يديه في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 91: (فإذا بلغ محسرًا أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى) يستحب الإسراع في وادي محسر، وهو ما بين جمع ومنى، فإن كان ماشيًا أسرع وإن كان راكبًا حرك دابته، قال جابر: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أتى بطن محسر حرك دابته قليلًا» وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما أتى محسرًا أسرع وقال:
إليك تعدو قلقًا وضينها ... مخالفًا دين النصارى دينها
معترضًا في بطنها جنينها
مسألة 92: (فيبدأ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف، يكبر مع كل حصاة، ويرفع يده في الرمي، ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي، ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ولا يقف عندها) . وجمرة العقبة آخر الجمرات مما يلي منى وأولها مما يلي مكة عند العقبة، فلذلك سميت جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات مثل حصى الخذف، فإن ابن عباس قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة العقبة وهو على ناقته: "القط لي حصى، فلقطت له سبع حصيات هن كحصى الخذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا» رواه ابن ماجه. وفي حديث جابر: «كل حصاة منها مثل حصى الخذف» وروى سليمان بن عمر بن الأخوص «بمثل حصى الخذف» رواه أبو داود وابن ماجه، وفي حديث جابر: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها» ، وروى حنبل في المناسك بإسناده عن زيد بن أسلم قال: «رأيت سالم بن عبد الله استبطن الوادي ورمى جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وعملًا مشكورًا. فسألته عما صنع فقال: "حدثني أبي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى الجمرة من هذا المكان، ويقول كلما رمى حصاة مثل ما قلت» .

مسألة 93: (ويرفع يديه في الرمي) لأن ابن عمر وابن عباس كانا يرفعان أيديهما في الدعاء إذا رميا الجمرة.

(1/213)


الرمي
(94) ويقطع التلبية بابتداء الرمي
(95) ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة
(96) ولا يقف عندها
(97) ثم ينحر هديه
(98) ثم يحلق رأسه أو يقصره
(99) ثم قد حل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 94: (ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي) لأن الفضل بن عباس روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة» متفق عليه، وكان رديفه يومئذ وهو أعلم بحاله من غيره. ويقطعها عند أول حصاة يرميها لأنه قد روي في بعض ألفاظ حديث ابن عباس: «فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، قطع عند أول حصاة» رواه حنبل في المناسك.

مسألة 95: (ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة) لما روى الترمذي قال: «لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة، وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن، ثم رمى بسبع حصيات ثم قال: والله الذي لا إله غيره من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة» وهو حديث صحيح [رواه الترمذي] .

مسألة 96: (ولا يسن الوقوف عندها) لأن ابن عمر وابن عباس رويا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يعقب» رواه ابن ماجه.

مسألة 97: (ثم ينحر هديه) وذلك أنه إذا فرغ من رمي الجمرة يوم النحر لم يقف وانصرف إلى منزله، فأول شيء يبدأ به نحر الهدي إن كان معه هدي واجبًا كان أو تطوعًا، وينحر الإبل ويذبح ما سواها، ويستحب أن يتولى ذلك بيده، وإن استناب غيره جاز لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر بعض هديه واستناب في الباقي» رواه جابر، وفي رواية أنس «نحر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده سبع بدن قيامًا» رواه البخاري.

مسألة 98: (ثم يحلق رأسه أو يقصر) والحلق أفضل لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة» والكل جائز.

مسألة 99: (ثم قد حل له كل شيء إلا النساء) لما روت عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(1/214)


كل شيء إلا النساء،
(100) ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة، وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج
(101) ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا أم ممن لم يسع مع طواف القدوم، ثم قد حل من كل شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
قال: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة وحلق رأسه فقد حل له كل شيء إلا النساء» رواه الأثرم وأبو داود وقال: هو ضعيف، لأن راويه الحجاج عن الزهري ولم يلقه، وليس في رواية أبي داود "وحلق رأسه". وروى ابن ماجه عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء. فقال له رجل: يا ابن عباس، والطيب؟ فقال: أما أنا فقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينضح رأسه بالمسك، أفطيب ذا أم لا؟» رواه أبو بكر في الشافي ورفعه، وعن عائشة قالت: «طيبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لإحرامه حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت» متفق عليه.

مسألة 100: (ثم يفيض إلى مكة فيطوف للزيارة، وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج) ويسمى طواف الإفاضة، لأنه يأتي به عند إضافته من منى إلى مكة وهو ركن الحج لا يتم إلا به لا نعلم فيه خلافًا لأن الله سبحانه قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] قال ابن عبد البر: هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء عند جميعهم، قال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] .

مسألة 101: (ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا أو ممن لم يسع مع طواف القدوم، ثم قد حل من كل شيء) وذلك أن المتمتع هو الذي ينوي عمرة مفردة ويفرغ من أفعالها، [وأفعالها الطواف لها والسعي والتقصير] ثم يحل، فإذا أحرم بالحج ومضى إلى عرفات ثم رجع إلى منى ورمى يوم النحر ونحر ثم أفاض وطاف للزيارة فإنه يسعى بين الصفا والمروة للحج، وذلك السعي كان للعمرة وهذا للحج. وعند الخرقي

(1/215)


(102) ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وريًا وشبعًا، وشفاء من كل داء واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
يسن في حق الحاج طواف القدوم، فإن كان قد سعى مع طواف القدوم ثم طاف للزيارة لم يحتج إلى سعي آخر، بل يكفيه سعيه مع طواف القدوم، ثم قد حل له كل شيء. قال ابن عمر: «لم يحل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض بالبيت ثم قد حل من كل شيء حرم منه» متفق عليه، ولا نعلم خلافًا في حصول الحل بطواف الزيارة. وأما السعي فإن قلنا هو ركن لم يحل حتى يسعى، وإن قلنا هو سنة احتمل أن يحل عقيب الطواف قبل السعي، لأنه لم يبق عليه واجب من الحج. ويحتمل أن لا يحل حتى يأتي به، لأنه من أفعال الحج، فأشبه السعي في حق المعتمر لا يتحلل حتى يأتي به.

مسألة 102: (ويستحب أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويتضلع منه، ثم يقول: اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وريًا وشبعًا، وشفاء من كل داء واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك) وروى ابن ماجه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ماء زمزم لما شرب له» «وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال: من أين جئت؟ قال: من زمزم، قال: فشربت منها كما ينبغي؟ قال: فكيف؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل الكعبة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثًا من زمزم وتضلع منها، إذا فرغت فاحمد الله، فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من زمزم» رواه ابن ماجه. ويقول عند الشرب: بسم الله، اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا. . . إلى آخر الدعاء.

(1/216)


باب ما يفعله بعد الحل (103) ثم يرجع إلى منى ولا يبيت لياليها إلا بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب ما يفعله الحاج بعد الحل]
باب ما يفعله بعد الحل مسألة 103: (ثم يرجع إلى منى ولا يبيت لياليها إلا بها) وذلك أن السنة لمن أفاض يوم النحر أن يرجع إلى منى، قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أفاض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق» رواه أبو داود، وروى أحمد عن عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى» . والمبيت في منى ليالي منى واجب، وهي إحدى الروايتين عن أحمد، لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته» متفق عليه. وتخصيص العباس بالرخصة من أجل السقاية دليل على أنه لا رخصة لغيره، وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال: «لم يرخص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأحد يبيت بمكة إلا العباس من أجل سقايته» وروى الأثرم عن ابن عمر أن عمر قال: لا يبيتن أحد من الحاج إلا بمنى. وكان يبعث رجالًا لا يدعون أحدًا يبيت وراء العقبة، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله نسكًا وقد قال: «خذوا عني مناسككم» والرواية الثانية أن المبيت غير واجب ولا شيء على تاركه، قال ابن عباس: إذا رميت فبت حيث شئت. فعلى هذا لا شيء على تاركه. وعلى الرواية الأولى قال: يطعم شيئًا من تمر أو نحوه. فعلى هذا أي شيء تصدق به أجزأه، وعنه يلزمه في الليلة درهم وفي الليلتين درهمان وفي الثلاث دم، روي عن عطاء. وروي في ليلة نصف درهم، وروي في ليلة مد

(1/217)


(104) فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها، كل جمرة بسبع حصيات، يبتدئ بالجمرة الأولى فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة، ثم يتقدم فيقف فيدعو الله، ثم يأتي الوسطى فيرميها كذلك، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وفي ليلتين مدان وفي الثلاث دم قياسًا على الشعر، ودليل الأولى أنه لا توقيت فيه لأن التوقيت توقيف ولم يرد فيه نص فلا يصار فيه إلى التوقيت. والله أعلم.

مسألة 104: (فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها، كل جمرة بسبع حصيات، فيبتدئ بالجمرة الأولى فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة) لأن جملة ما يرمي به الحاج سبعون حصاة: سبع منها يوم النحر بعد طلوع الشمس وسائرها في أيام التشريق بعد زوال الشمس، كل يوم إحدى وعشرين حصاة لثلاث جمرات، يبتدئ بالجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما وصفنا في جمرة العقبة (ثم يتقدم) عنها إلى موضع لا يصيبه الحصا (فيقف) طويلًا (يدعو الله) عز وجل رافعًا يديه، (ثم يتقدم إلى الوسطى) فيجعلها عن يمينه، ويستقبل القبلة (ويرميها) بسبع حصيات، ويفعل من الوقوف والدعاء كما فعل في الأولى، (ثم يرمي جمرة العقبة) بسبع حصيات ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة (ولا يقف عندها) قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أفاض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث فيها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية ويطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها» رواه أبو داود. وروى البخاري «عن ابن عمر: "أنه كان يرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات فيكبر على أثر كل حصاة، ثم يتقدم ويسهل ويقوم قيامًا طويلًا ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ بذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبلًا القبلة قيامًا طويلًا، ثم يرفع يديه ويقوم طويلًا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله» . وروى أبو داود أن ابن عمر كان يدعو بدعائه بعرفة ويزيد:

(1/218)


(105) ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك
(106) فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب، فإن غربت الشمس وهو بمنى لزمه المبيت بمنى والرمي من غد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
" وأصلح - أو أتم - لنا مناسكنا " وقال ابن المنذر: كان ابن عمر وابن مسعود يقولان عند الرمي: "اللهم اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا". وكان ابن عمر وابن عباس يرفعان أيديهما في الدعاء إذا رميا الجمرة ويطيلان الوقوف. وروى الأثرم قال: كان ابن عمر يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ الرجل سورة البقرة. ويكون الرمي بعد الزوال لما سبق. وقال جابر: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرمي الجمرة ضحى يوم النحر، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس" أخرجه مسلم، وقد قال: "خذوا عني مناسككم» .

مسألة 105: (ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك) يعني في وقته وصفته وهيئته، لا نعلم في ذلك خلافًا غير ما روي عن إسحاق.

مسألة 106: (وإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل المغرب، وإن غربت الشمس وهو بمنى لزمه المبيت بها والرمي من غد) أجمع أهل العلم أن لمن أراد الخروج من منى شاخصًا عن الحرم غير مقيم بمكة أو ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق إذا رمى فيه، فأما إن أحب أن يقيم بمكة فقد قال أحمد: لا يعجبني لمن نفر النفر الأول أن يقيم بمكة. وكان مالك يقول: من كان له عذر من أهل مكة فله أن يتعجل في يومين، وإن أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحج فلا، ويحتج من يذهب إلى هذا بقول عمر: من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول، إلا آل خزيمة فلا ينفروا إلا في النفر الآخر. قال ابن المنذر: جعل أحمد وإسحاق معنى قول عمر: "إلا آل خزيمة " أي أنهم أهل حزم. وظاهر المذهب جواز النفر في النفر الأول لكل أحد، وهو مقتضى كلام الخرقي وعامة العلماء، لعموم قوله سبحانه: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] . قال عطاء: هي للناس عامة. وروى أبو داود، وابن ماجه، عن يحيى بن عمران أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى» . قال ابن عيينة: هذا أجود حديث رواه سفيان،

(1/219)


(107) فإن كان متمتعًا أو قارنًا فقد انقضى حجه وعمرته، وإن كان مفردًا خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه، ثم يأتي مكة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، فإن لم يكن له شعر استحب أن يمر الموسى على رأسه، وقد تم حجه وعمرته
(108) وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وقال وكيع: هذا الحديث أم المناسك، ولأن أهل مكة وغيرهم سواء في سائر المناسك فكذلك في هذا. وإذا أحب التعجيل في النفر الأول خرج قبل غروب الشمس، فإذا غربت قبل خروجه، لم يجز له الخروج لقوله سبحانه: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] واليوم اسم للنهار. وقال ابن المنذر: ثبت عن عمر أنه قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس.

مسألة 107: (فإن كان متمتعًا أو قارنًا فقد انقضى حجه وعمرته، وإن كان مفردًا خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه، ثم أتى مكة فطاف وسعى وحلق أو قصر، فإن لم يكن له شعر استحب أن يمر الموسى على رأسه، وقد تم حجه وعمرته) لأنه قد فعل أفعال الحج والعمرة.

مسألة 108: (وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد، ولكن عليه وعلى المتمتع دم) المشهور عن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن القارن بين الحج والعمرة لا يلزمه من العمل أكثر مما يلزم المفرد، بل فعلهما سواء، ويجزيه طواف واحد [وسعي واحد] لحجه وعمرته، نص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه.
وعنه أن عليه طوافين وسعيين، روي ذلك عن علي ولم يصح عنه، واحتج من قال ذلك بقوله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وتمامهما أن يأتي بأفعالهما على الكمال، ولم يفرق بين القارن وغيره.
قالوا: وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من جمع بين الحج والعمرة فعليه طوافان» [رواه الدارقطني] ولأنهما نسكان فلزم لهما طوافان كما لو كانا منفردين. ولنا ما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: «وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافًا واحدًا» متفق عليه، وفي مسلم: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة لما قرنت بين الحج

(1/220)


(109) لكن عليه وعلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والعمرة: يسعك طوافك لحجك وعمرتك» وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد حتى يحل منهما جميعًا» ، رواه الترمذي، وعن جابر: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرن بين الحج والعمرة، وطاف لهما طوافًا واحدًا» رواهما الترمذي وقال في كل واحد منهما: حديث حسن. وعنه: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يطف هو وأصحابه لعمرتهم وحجهم حين قدموا إلا طوافًا واحدًا» رواه الأثرم وابن ماجه، وروى الأثرم عن سلمة قال: حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للحج والعمرة إلا طوافًا واحدًا، ولأنه نسك يكفيه حلاق واحد ورمي واحد، فكفاه طواف واحد وسعي واحد كالمفرد، ولأنهما عبادتان من جنس واحد فإذا اجتمعا دخلت أفعال الصغرى في الكبرى كالطهارتين. وأما الآية فإن الأفعال إذا وقعت لهما فقد تما، وحديثهم لا نعلم صحته، وكفى به ضعفًا معارضته بما روينا من الأحاديث الصحيحة، وإن صح فيحتمل أنه أراد عليه طواف وسعي فسماهما طوافين، فإن السعي بين الصفا والمروة يسمى طوافًا، ويحتمل أنه أراد أن عليهم طوافين، طواف الزيارة وطواف الوداع.
مسألة 109: (لكن عليه دم) أكثر أهل العلم على القول بوجوب الدم عليه، ولا نعلم فيه اختلافًا إلا ما حكي عن داود أنه قال: لا دم عليه، وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من قرن بين حجه وعمرته فليهرق دمًا» ، ولأنه ترفه بسقوط أحد السفرين فلزمه دم كالمتمتع، فإن عدم الدم فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع قياسًا على دم المتعة فإنه مشبه به ومقيس عليه، وقال ابن عبد البر: القران نوع من المتعة لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين، وهو داخل في قوله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] .

(1/221)


(110) المتمتع دم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 110: (وعلى المتمتع دم لقوله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] الآية) ووقت وجوبه، قال القاضي: إذا وقف بعرفة، ورواه المروذي عن أحمد، وعنه يجب إذا أحرم بالحج لأن الله تعالى قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وهذا قد فعل ذلك، ولأن ما جعل غاية فوجود أوله كان كقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، ووجه الأول أن التمتع بالعمرة إلى الحج إنما يحصل بعد وجود الحج منه ولا يحصل ذلك إلا بالوقوف، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحج عرفة» ولأنه قبل ذلك يعرض للفوات فلا يحصل له التمتع فيعتبر وجود ما يأمن به فواته، ووقت إخراجه يوم النحر لأن ما قبله لا يجوز ذبح الأضحية فلا يجوز فيه هدي التمتع كقبل التحلل من العمرة. مسألة 111: (فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع) لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن المتمتع إذا لم يجد الهدي ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وقد نص الله سبحانه عليه في كتابه بقوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196] الآية.
فأما وقت الصيام فالاختيار في الثلاثة أن يصومها في ثامن الإحرام بالحج ويوم النحر لقول الله سبحانه: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وكان ابن عمر وعائشة وإمامنا يقولون: يصومهن ما بين إهلاله بالحج ويوم عرفة، فإن لم يحرم إلا يوم التروية صام ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة. وقال طاوس: يصوم ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة، وصوم عرفة بعرفة غير مستحب وإنما أحببناه هاهنا لموضع الحاجة ولأنه واجب. وذكر القاضي في المجرد أنه يكون آخرها يوم التروية.
قال شيخنا: والمنصوص عن أحمد فيما وقفنا عليه من نصوصه أن يكون آخرها يوم عرفة، ولا خلاف في جواز ذلك، وإنما الخلاف في استحبابه. وأما وقت الجواز لصيام الثلاثة فأوله إذا أحرم بالعمرة. وعن ابن عمر: إنما يجوز صيامهن إذا تحلل من العمرة، اختاره ابن المنذر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] ولأنه صيام واجب فلا يجوز

(1/222)


(112) وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره حتى يكون آخر عهده بالبيت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
تقديمه على وقت وجوبه كسائر الصيام الواجب. ولنا أنه أحد إحرامي التمتع فجاز الصوم بعده وإن تخلف الوجوب كتقديم الزكاة بعد النصاب وقبل الحول، والكفارة بعد اليمين قبل الحنث. فأما قوله سبحانه: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] فقال بعض أهل العلم: معناه في أشهر الحج، وكلام أحمد يدل عليه بدليل من لم يحرم إلا يوم التروية. وأما تقديمه على وقت الوجوب فيجوز بعد السبب كتقديم التكفير قبل الحنث. (فصل) وأما السبعة الأيام فلها وقت اختيار واستحباب وجواز.
أما وقت الاختيار فإذا رجع إلى أهله لأنه عمل بالإجماع، وأقرب إلى موافقة لفظ الاختيار. قال ابن عمر: روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله» متفق عليه.
وأما وقت الجواز فظاهر كلام أحمد أنه إذا رجع من مكة، ويكون معنى الآية إذا رجعتم من الحج لأنه ذكر ذلك بعد الحج فيكون متعلقًا به، ويمكن أن يقال: إن الله سبحانه جوز له تأخير الصيام حتى يرجع إلى أهله رخصة فلا يمنع ذلك الإجزاء قبله كما جوز تأخير صوم رمضان في السفر والمرض بقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ثم لو صام في المرض والسفر جاز كذا هاهنا وهو الجواب عن الحديث.
(فصل) الاختيار لعموم الثلاثة - كما ذكرنا - أن يكون بعد الإهلال بالحج. والاستحباب أن يحرم بالحج يوم التروية، فلا [يتم له] الجمع بين المستحبين، [فماذا] يصنع؟
سئل أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ذلك فقال: إن شاء قدم إهلاله بالحج.
وقال في موضع آخر كلامًا يشير إلى أنه إذا لم يكن بد من ترك أحد المستحبين فأيهما ترك جاز، فإن شاء ترك الإحرام يوم التروية وقدمه عليه، وإن شاء صام قبل الإحرام.

مسألة 112: (وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره حتى يكون آخر عهده بالبيت) لما روى ابن عباس قال: «أمر الناس أن يكون

(1/223)


(113) فإن اشتغل بعده بتجارة أعاده
(114) ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب فيلتزم البيت ويقول: اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن الآن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» متفق عليه. ولمسلم قال: «كان الناس ينصرفون كل وجه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» .

مسألة 113: (فإن اشتغل بعده بتجارة أعاده) وذلك أن الوداع إنما يكون عند خروجه ليكون آخر عهده بالبيت، فإن طاف الوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة أعاد طواف الوداع للحديث ولأنه إذا أقام خرج عن أن يكون وداعًا في العادة فلم يجز كما لو طاف قبل السفر.

مسألة 114: (ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب، فيلتزم البيت) كما روى أبو داود «عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا نتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر فقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطًا وقال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله» . وعن عبد الرحمن بن صفوان قال: «لما فتح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة انطلقت فرأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد خرج من الكعبة هو وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، ووضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسطهم» رواه أبو داود، ورواه حنبل في المناسك، قال بعض أصحابنا: (ويقول في دعائه: اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن أذنت

(1/224)


، قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك. اللهم أصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير". ويدعو بما أحب ثم يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(115) فمن خرج قبل الوداع رجع إليه إن كان قريبًا، وإن بعد بعث بدم
(116) إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما ويستحب لهما الوقوف عند باب المسجد والدعاء
باب أركان الحج والعمرة أركان الحج: الوقوف بعرفة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
، لي، غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير. وما زاد على ذلك من الدعاء فحسن. ثم يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . والمرأة إذا كانت حائضًا على باب المسجد ودعت بذلك

مسألة 115: (فمن خرج قبل الوداع رجع إن كان قريبًا، وإن أبعد بعث بدم) وذلك لأن طواف الوداع واجب يجب بتركه دم وليس بركن. فإذا خرج قبل فعله لزمه الرجوع إن كان قريبًا لأنه أمكنه الإتيان بالواجب من غير مشقة فلزمه، كما لو كان بمكة، وإن كان بعيدًا لم يلزمه الرجوع لأن فيه مشقة فلم يلزمه، كما لو رجع إلى بلده، لكن عليه دم. ولا فرق بين تركه عمدًا أو سهوًا أو خطأ فإن واجبات الحج لا فرق بين خطئها وعمدها. ودليل وجوبه ما سبق من حديث ابن عباس: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» متفق عليه.

مسألة 116: (إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما) للخبر، والنفساء في معنى الحائض (ويستحب لهما الوقوف عند باب المسجد والدعاء) بما ذكرناه.

[باب أركان الحج والعمرة]
(أركان الحج: الوقوف بعرفة) فلا يتم الحج إلا به إجماعًا. وروى عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفة، فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله

(1/225)


وطواف الزيارة
وواجباته: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل، والسعي، والمبيت بمنى، والرمي، والحلق، وطواف الوداع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
كيف الحج؟ قال: الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه» أخرجه أبو داود وابن ماجه. قال محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثًا أشرف منه. (وطواف الزيارة) ركن لا يتم الحج إلا به، بدليل «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين ذكر له أن صفية حاضت قال: "أحابستنا هي؟ قيل: إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: فلتنفر إذًا» [رواه البخاري] فدل على أن هذا الطواف لا بد منه، وأنه حابس لمن لم يأت به.

[فصل في واجبات الحج والعمرة]
فصل: (وواجباته: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل، والسعي، والمبيت بمنى، والرمي، والحلق، وطواف الوداع) [فهي ثمانية] أما الإحرام فهو أن ينوي الدخول في العبادة. قال ابن عباس: «أوجب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإحرام حين فرغ من صلاته» [رواه أبو داود] وفي حديث جابر: «أمرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى» [رواه مسلم] وفي حديث: «أمر النبي أصحابه أن يهلوا بالحج إذا خرجوا إلى منى» وأمرهم بالإحرام والأمر يقتضي الوجوب. ويستحب النطق بذلك كما في صلاة الفرض. ويحرم من الميقات كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد قال: «خذوا عني مناسككم» . وأما الوقوف بعرفة إلى الليل فواجب، ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وقف بعرفة حتى غابت الشمس» كذا في حديث جابر، فإن دفع قبل الغروب فعليه دم وحجه صحيح عند أكثرهم لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عروة بن مضرس: "من «شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع ووقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه» قال الترمذي:

(1/226)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
حديث صحيح. فإذا تركه فعليه دم لقول ابن عباس: من ترك نسكًا فعليه دم. وأما المبيت بمزدلفة فواجب لما في حديث جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الصبح حين تبين له الصبح» يعني بالمزدلفة. وفي حديث ابن مسعود: «صلى الفجر حين طلع الفجر» وهذا دليل على أنه بات بها وقد قال: «خذوا عني مناسككم» فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم لأنه لم يبت، وإن دفع بعد نصف الليل فلا شيء عليه لأنه يكون قد بات، ولأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرخص للعباس في ترك المبيت بمزدلفة» لأجل سقايته، وللرعاة من أجل رعايتهم. وذلك دليل على وجوبه على غيرهم لكونه سقط عن هؤلاء رخصة، وعنه أن المبيت بها غير واجب ولا شيء على تاركه، والمذهب الأول لما سبق.

[فصل في ركن السعي بين الصفا والمروة] 1
فصل: وأما السعي فعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يتم الحج إلا به ولا ينوب عنه دم بوجه وهو قول عائشة وعروة، وعنه أنه مستحب ولا يجب بتركه دم، روي ذلك عن ابن عباس وأنس وعبد الله بن الزبير، فإن الله تعالى قال: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] ، وفي مصحف أُبيّ وابن مسعود: "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما" وهذا إن لم يكن قرآنًا فلا ينحط عن درجة الخبر لأنهما يرويانه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. واختار القاضي أن يكون حكمه حكم الرمي يكون واجبًا ينوب عنه الدم، ووجه الأول ما روى مسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «طاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وطاف المسلمون بين الصفا والمروة فكانت سنة، فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة» . وأما الآية فنزلت لما تحرج المسلمون من السعي بين الصفا والمروة في الإسلام لما كانوا يطوفون فيهما في الجاهلية لأجل صنمين كانا في الصفا والمروة. كذلك قالت عائشة. وروي «عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يسعى بين الصفا والمروة وإن مئزره يدور في وسطه من شدة سعيه حتى أقول: إني لأرى ركبتيه، وسمعته يقول: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» قال شيخنا: وقول القاضي أقرب

(1/227)


(117) وأركان العمرة الطواف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إلى الحق إن شاء الله تعالى، فإن ما روت عائشة من فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعل أصحابه دليل على وجوبه، ولا يلزم كونه ركنًا كالرمي والحلاق وغيرهما. وقول عائشة يعارضه قول غيرها، فمن مذهبه أنه ليس بواجب، وحديث بنت أبي تجراة قال ابن المنذر: يرويه عبد الله بن المؤمل وقد تكلموا في حديثه، ثم هو يدل على أنه مكتوب وهو الواجب.

[فصل في المبيت بمنى] 1
فصل: والمبيت بمنى واجب، وعنه أنه غير واجب، قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا رميت فبت حيث شئت. ووجه الأولى ما سبق من الترخيص للعباس في المبيت بمزدلفة.

[فصل في رمي الجمرات] 1
فصل: والرمي واجب، قالت عائشة: «ثم رجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس» رواه أبو داود. وقال جابر: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس» ، أخرجه مسلم، وقد قال: «خذوا عني مناسككم» .

[فصل في الحلق والتقصير] 1
فصل: والحلق واجب؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعله، قال أنس: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله فدعا بذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه فجعل يقسم بينه وبين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه ثم قال: هاهنا أبو طلحة فدفعه إلى أبي طلحة " رواه أبو داود، وقد قال: "خذوا عني مناسككم» وأمر بالتقصير. وروي عن ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لم يكن له هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحلل» [رواه مسلم] وهو أمر والأمر يقتضي الوجوب.

[فصل في طواف الوداع] 1
فصل: وطواف الوداع واجب، بدليل ما سبق من حديث ابن عباس: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت" إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» [متفق عليه] .

مسألة 117: (وأركان العمرة الطواف) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر به، فروى ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة

(1/228)


(118) وواجباتها الإحرام، والسعي، والحلق
(119) فمن ترك ركنًا لم يتم نسكه إلا به ومن ترك واجبًا جبره بدم ومن ترك سنة فلا شيء علي
(120) ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج، فيتحلل بطواف وسعي وينحر هديًا إن كان معه وعليه القضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
وليقصر وليحلل» وأمره يقتضي الوجوب، متفق عليه، ولأنه طواف في عبادة كان ركنًا فيها كالحج.

مسألة 118: (وواجباتها الإحرام، والسعي، والحلق) كما في الحج، وفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك وقد قال: «خذوا عني مناسككم» وقد أمر بالحلق في حديث ابن عمر بقوله: «فليقصر وليحلل» والتقصير مقام الحلق.

مسألة 119: (فمن ترك ركنًا لم يتم نسكه إلا به) لما سبق، (ومن ترك واجبًا جبره بدم) لما سبق، (ومن ترك سنة فلا شيء عليه) لأنه ترك سنة في عبادة فلم يلزمه لها جبران كالصلاة.

مسألة 120: (ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج فيتحلل بطواف وسعي وينحر هديًا إن كان معه وعليه القضاء) .
في هذه المسألة أربعة فصول:
الأول: أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر فاته الحج، لا نعلم في ذلك خلافًا. «قال جابر: لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع. قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك؟ قال: نعم» رواه الأثرم.
الثاني: أن يتحلل بطواف وسعي وحلاق، هذا الصحيح من المذهب، روي ذلك عن عمر وابن عمر وزيد وابن عباس وابن الزبير ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعًا. وروى الأثرم بإسناده أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر، فقال له عمر: ما حبسك؟ قال: حسبت أن اليوم عرفة. قال: فانطلق إلى البيت فطف به سبعًا وإن كانت معك هدية فانحرها ثم إذا كان عام قابل فاحجج وإن وجدت سعة فاهد فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت. وروى البخاري عن عطاء أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من فاته الحج فعليه دم وليجعلها عمرة وليحج من قابل» ولأنه يجوز فسخ الحج إلى

(1/229)


(121) وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك) (وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
العمرة من غير فوات فمع الفوات أولى. إذا ثبت هذا فإنه يجعلها عمرة لحديث عطاء وهو قول من ذكرناه من الصحابة.
الثالث: أنه يلزمه القضاء من قابل سواء كان الفائت واجبًا أو تطوعًا، روي ذلك عن جماعة من الصحابة، وعن أحمد أنه لا قضاء عليه بل إن كانت فرضًا فعلها بالوجوب السابق وإن كانت نفلًا سقطت لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سئل عن الحج أكثر من مرة قال: بل مرة واحدة» [رواه ابن ماجه] . ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة، ولأنها عبادة تطوع بها فإذا فاتت لم يلزمه قضاؤها كسائر التطوعات، وعلى هذا يحمل قول الصحابة عن من كان حجه مفروضًا، والرواية الأولى أولى لما ذكرنا من الحديث وإجماع الصحابة، لأن الحج يلزم بالشروع فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات. وأما الحديث فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة، وهذا إنما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها فتصير كالمنذورة [وإذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم فيه خلافًا] .
الرابع: أن الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين، وهو قول من سمينا من الصحابة في الفصل الثاني، والرواية الأخرى: لا هدي عليه لأنه لو كان الفوات سببًا لوجوب الهدي للزم المحصر هديان للفوات والإحصار. ولنا قول الصحابة وحديث عطاء، ولأنه تحلل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه الهدي كالمحصر، والمحصر لم يف حجه ويخرج الهدي في سنة القضاء نص عليه، والحجة فيه حديث عمر المذكور في الفصل الثاني.

مسألة 121: (وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك) لأنه لا يؤمر مثل ذلك في القضاء فيشق (وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج) لتفريطهم، وقد روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال لهبار: ما حبسك؟ قال: كنت أحسب أن اليوم عرفة، فلم يعذره بذلك.

(1/230)


(122) ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبري صاحبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
باب الهدي والأضحية والهدي والأضحية سنة
(123) لا تجب إلا بالنذر
(124) والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها
(125) والأفضل فيهما الإبل ثم البقر ثم الغنم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 122: (ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبري صاحبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) قال أحمد في رواية عبد الله عن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» .

[باب الهدي والأضحية]
(والهدي والأضحية سنة) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدى في حجته مائة بدنة، وضحى بكبشين أملحين موجوءين ذبحهما بيده وقال: "اللهم هذا منك ولك" [رواه أبو داود] [واضعًا قدمه على صفاحهما» ] .

مسألة 123: (ولا يجب الهدي والأضحية إلا بالنذر) فيقول: لله علي أن أذبح هذا الهدي أو هذه الأضحية، وإن قال: هذا نذر لله وجب، لأن لفظه يقتضي الإيجاب فأشبه لفظ الوقوف، ولا يجب بسوقه مع نيته، كما لا تجب الصدقة بالمال بخروجه به.

مسألة 124: (والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر بدنة» [رواه البخاري] ، ولا يفعل إلا الأفضل.

مسألة 125: (والأفضل فيهما الإبل ثم البقر ثم الغنم) لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح [في الساعة الأولى] فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا، ومن

(1/231)


(126) ويستحب استحسانها واستسمانها
(127) ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه، وثني المعز ما له سنة، وثني الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان
(128) وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» متفق عليه.

مسألة 126: (ويستحب استحسانها واستسمانها) لقوله سبحانه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] قال ابن عباس: هو الاستسمان والاستحسان.

مسألة 127: (ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن) وهو الذي به ستة أشهر (والثني من غيره ومن المعز ما له سنة، وثني الإبل ما كمل له خمس سنين ومن البقر ما له سنتان) لما روى ابن ماجه عن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يجوز الجذع من الضأن أضحية» «وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا مع رجل من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له مجاشع من بني سليم: فغرت الغنم، فأمر مناديًا فنادى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "الجذع يوفي بما توفي منه الثنية» رواه ابن ماجه، وأحكام الهدي والأضاحي سواء. قال أبو عبيد الهروي: قال إبراهيم الحربي: إنما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي، لأنه ينزو فيلقح، فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يصير ثنيًا.

مسألة 128: (وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة) وروى جابر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من

(1/232)


(129) ولا تجزئ العوراء البين عورها، ولا العجفاء التي لا تنقى، ولا العرجاء البين ظلعها، ولا المريضة البين مرضها
(130) ولا العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها
(131) وتجزئ الجماء والبتراء والخصي وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الضأن» رواه ابن ماجه، «وعن جابر قال: كنا ننحر البدنة عن سبعة، فقيل له: والبقر؟ فقال: وهل هي إلا من البدن» [رواه مسلم] . وأحكام الهدي والأضاحي سواء.

مسألة 129: (ولا تجزئ العوراء البين عورها، ولا العجفاء التي لا تنقى، ولا العرجاء البين ظلعها، ولا المريضة البين مرضها) قال البراء بن عازب: قام فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسيرة التي لا تنقى» [رواه ابن ماجه] .

مسألة 130: (ولا تجزئ العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها) لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضحي بأعضب الأذن والقرن» [رواه ابن ماجه] قال قتادة: فسألت سعيد بن المسيب فقال: نعم العضب النصف فأكثر من ذلك. رواه النسائي.

مسألة 131: (وتجزئ الجماء والبتراء والخصي وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها) والأبتر المقطوع الذنب؛ لأن ذلك ليس بمقصود، والجماء التي لم يخلق لها قرن فتجزئ لأن القرن غير مقصود، ويجزئ الخصي لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجوءين» والموجوء الذي رضت خصيتاه أو قطعتا، ولا فرق بينهما لأن المرضوض كالمقطوع ولأن ذلك العضو غير مستطاب وذهابه يؤثر في سمنه وكثرة اللحم، وطيبه لا نعلم فيه خلافًا.
1 -

(1/233)


نصفها
(133) والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى
(134) وذبح البقر والغنم على صفاحها
(135) ويقول عند ذلك: " باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك "
(136) ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل
(137) ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد إلى آخر يومين من أيام التشريق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 132: وتجزئ ما شقت أذنها بالكي أو خرقت أو قطع أقل من نصفها لأنه يسير ولا يمكن التحرز منه لا نعلم فيه خلافًا.

مسألة 133: (والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى) لقوله سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وقال زياد بن جبير: «رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنته ينحرها فقال: ابعثها قيامًا مقيدة، سنة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . متفق عليه.

مسألة 134: (وذبح البقر والغنم) لأن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: "دخل علينا بلحم بقر، فقلت ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أزواجه» [رواه البخاري] ، وقال أنس: «ضحى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما» متفق عليه، «ونحر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده ثلاثًا وستين بدنة وأعطى عليًا فنحر ما غبر منها» .

مسألة 135: (ويستحب أن يقول عند الذبح: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك) لما روى أنس قال: «ضحى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبر» متفق عليه، وروى جابر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال عند أضحيته: "اللهم هذا منك ولك وعن محمد وأمته، باسم الله والله أكبر" ثم ذبح» .

مسألة 136: (ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم) لأنها قربة (وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل) لحديث أنس.

مسألة 137: (ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد) أو قدرها (إلى آخر يومين

(1/234)


(138) وتتعين الأضحية بقوله: هذه أضحية، والهدي بقوله: هذا هدي وإشعاره وتقليده مع النية
(139) ولا يعطى الجزار بأجرته شيئًا منها
(140) والسنة أن يأكل ثلث أضحيته، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثه، وإن أكل أكثر جاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
من أيام التشريق) لما روى البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك. ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى» متفق عليه. هذا في حق أهل المصر، فأما غيرهم فبقدر الصلاة والخطبة، لأنه تعذر في حقهم اعتبار حقيقة الصلاة فاعتبر قدرها، وآخر وقتها آخر اليومين الأولين من أيام التشريق، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث» متفق عليه، فوجه الحجة أنه منع من الزيادة على ثلاث ولا ينبغي أن ينهى عن الادخار في زمن التضحية، فلو جازت التضحية في اليوم الرابع كان ناهيًا عن إمساك اللحم في يوم يحل إمساك اللحم وأكله فيه.

مسألة 138: (وتتعين الأضحية بقوله: هذه أضحية) أو هذا لله، ونحوه من القول، ولا يحصل ذلك بالشراء مع النية لأنه إزالة ملك على وجه القربة فلم تؤثر فيها النية المقارنة للشراء كالوقف والعتق (وكذلك الهدي، ويتعين بإشعاره أو تقليده مع النية) كما لو أذن على باب بيته وأذن بالصلاة فيه.

مسألة 139: (ولا يعطى الجزار بأجرته شيئًا منها) لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أقوم على بدنه، وأن أقسم جلودها وجلالها، وأن لا أعطي الجازر منها شيئًا، وقال: "نحن نعطيه من عندنا» متفق عليه.

مسألة 140: (والسنة أن يأكل من أضحيته ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها) لما روى عمر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأضحية قال: "ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث» قال الحافظ أبو موسى: هذا حديث حسن. وقال ابن عمر: الضحايا والهدايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين (وإن أكل أكثر جاز) لأنها سنة غير واجبة.

(1/235)


(141) وله أن ينتفع بجلدها (142) ولا يبيعه
ولا شيئا منها
(143) فأما الهدي إن كان تطوعا استحب له الأكل منه، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من كل جزور ببضعة فطبخت فأكل من لحمها، وحسا من مرقها
(144) ولا يأكل من واجب إلا من هدي المتعة والقران
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 141: (وله أن ينتفع بجلدها) ويصنع منه النعال والخفاف والفراء والأسقية ويدخر منها، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوها ما بدا لكم» رواه مسلم، ولأن الجلد جزء من الأضحية فجاز الانتفاع به كاللحم، (ولا يبيع جلدها) لأنه لا يجوز بيع شيء منها والجلد جزء منها.

مسألة 142: (ولا يجوز أن يبيع شيئًا منها) لأنه لا يجوز أن يعطى الجازر بأجرته شيئًا منها للخبر فكذلك لا يجوز أن يبيع شيئًا منها.

مسألة 143: (فأما الهدي إن كان تطوعًا استحب له الأكل منه، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من كل جزور ببضعة فطبخت وأكل من لحمها وحسا من مرقها) في حديث جابر.

مسألة 144: (ولا يأكل من واجب إلا من هدي التمتع والقران) لأن أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كن متمتعات إلا «عائشة فإنها كانت قارنة لإدخالها الحج على العمرة وقالت: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة، قالت: فدخل علينا لحم بقر فقلت ما هذا؟ فقيل: ذبح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أزواجه» ولأنه دم نسك فجاز الأكل منه كالأضحية، ولا يجوز الأكل من واجب سواها لأنه كفارة فلم يجز الأكل منه ككفارة اليمين، وعنه: له الأكل من الجميع إلا المنذور وجزاء الصيد، وروت أم سلمة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي» رواه مسلم.

(1/236)


باب العقيقة (145) وهي سنة، عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة، تذبح يوم سابعه، ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورقا، فإن فات يوم سابعه ففي أربعة عشر، فإن فات ففي أحد وعشرين
(146) وينزعها أعضاء ولا يكسر لها عظمًا وحكمها حكم الأضحية فيما سوى ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب العقيقة]
مسألة 145: هي الذبيحة عن المولود، (وهي سُنّة) لما روى سمرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل غلام رهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه» رواه أبو داود (عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة) لما روت أم كرز الكعبية قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة» رواه أبو داود. وقالت عائشة: السنة شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة تطبخ جدولًا ولا يكسر عظمها ويأكل ويطعم ويتصدق (وذلك في اليوم السابع، ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورقًا) [لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عق عن الحسن والحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بكبش كبش وأنه تصدق بوزن شعرهما ورقًا» . رواه سعيد] (فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي أحد وعشرين) لما روى بريدة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال في العقيقة: "تذبح لسبع، ولأربع عشرة، ولإحدى وعشرين» أخرجه الحسين بن يحيى بن عباس القطان.

مسألة 146: (وينزعها أعضاء ولا يكسر لها عظمًا) لحديث عائشة تفاؤلًا بسلامة أعضائه (وحكمها حكم الأضحية فيما سوى ذلك) قياسًا عليها.

(1/237)