العدة شرح العمدة

كتاب الوقف وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، (1) ويجوز في كل عين يجوز بيعها وينتفع بها دائما مع بقاء عينها، ولا يصح في غير ذلك مثل الأثمان والمطعومات والرياحين
(2) ولا يصح إلا على بر أو معروف، مثل ما روي «عن عمر أنه قال: يا رسول الله، إني أصبت مالا بخيبر لم أصب مالًا قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني فيه؟ قال: " إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث " قال: فتصدق بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الوقف]
وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة
مسألة 1: (ويجوز في كل عين يجوز بيعها وينتفع بها دائمًا مع بقائها) كالعقار والحيوان والأثاث والسلاح، فما لا يجوز بيعه لا يصح وقفه كأم الولد والكلب؛ لأنه نقل للملك فيهما فلم يجز كالهبة. (وما لا ينتفع به دائمًا مع بقائه لا يصح وقفه كالمطعومات والرياحين) لأنه يتنافى.

مسألة 2: (ولا يصح إلا على بر أو معروف، مثل ما روى عبد الله بن عمر قال: «أصاب عمر أرضًا بخيبر فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستأمره فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث. قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقًا بالمعروف غير متأثل فيه -أو- غير متمول فيه» متفق عليه. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.

(1/311)


عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه»
(3) ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجدًا ويأذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 3: (ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه، مثل أن يبني مسجدًا ويأذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها للناس) لأن العرف جار به وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يثبت به كالقول، وجرى مجرى من قدم طعامًا لضيافة أو نثر نثارًا أو صب في خوابي السبيل ماء، وعنه لا يصح إلا بالقول. وألفاظه ست: ثلاث صريحة، وثلاث كناية. فالصريح: وقفت وحبست وسبلت، متى أتى بواحدة من هذه الثلاث صار وقفًا من غير انضمام أمر زائد؛ لأن هذه الألفاظ ثبت لها حكم الاستعمال بين الناس، يفهم الوقف منها عند الإطلاق، وانضم إلى ذلك الشرع بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر: «إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها» فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ الطلاق في التطليق. وأما الكناية فهي: تصدقت وحرمت وأبدت، فليست صريحة لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات، والتحريم يستعمل في الظهار والأيمان ويكون تحريمًا على نفسه أو على غيره، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف، ولم يثبت لهذه الألفاظ عرف الاستعمال فلا يحصل الوقف بمجردها، فإن ضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها: أحدها: أن ينضم إليها أخرى تخلصها من الألفاظ الخمسة فيقول: صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة. الثاني: أن يصفها بصفات الوقف فيقول: صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث؛ لأن هذه القرينة تزيل الاشتراك. الثالث: أن ينوي الوقف فيكون على ما نوى ليصير وقفًا في الباطن، فإن اعترف بما نواه لزم الحكم لظهوره، ولو قال: ما أردت الوقف فالقول قوله لأنه أعلم بما نوى، وظاهر كلام أحمد وظاهر المذهب أن الوقف يحصل بالفعل مع القرينة، مثل أن يبني مسجدًا ويأذن في الصلاة فيه. وذكر القاضي عنه ما يدل على أنه لا يصح إلا بالقول وهو مذهب الشافعي، ودليله أن هذا تحبيس أصل على وجه القربة فوجب أن يفتقر إلى اللفظ كالوقف على الفقراء، والأول أولى لما سبق، وأما الوقف على الفقراء فلم تجر به عادة بغير لفظ، ولو كان بشيء جرت به العادة ودلت عليه الحال لكان هكذا.

(1/312)


للناس
(4) ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه الكلية، فيباع ويشترى به ما يقوم مقامه
(5) والفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري به ما يصلح للجهاد
(6) والمسجد إذا لم ينتفع به في مكانه بيع ونقل إلى مكان ينتفع به
(7) ويرجع في الوقف ومصرفه وشروطه وترتيبه وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بها وكذلك الناظر فيه والنفقة عليه إلى شرط الواقف
(8) فلو وقف على ولد فلان ثم على المساكين كان الذكر والأنثى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 4: (ولا يجوز بيعه) لحديث عمر (إلا أن تتعطل منافعه بالكلية فيباع ويشترى به ما يقوم مقامه) لما روي أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد لما بلغه أنه قد نقب بيت المال بالكوفة: أن انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل، وكان هذا بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه، ووجه الحجة منه أنه أمره بنقله من مكانه فدل على جواز نقل الوقف من مكانه وإبداله بمكان آخر، وهذا معنى البيع، ولأن فيما ذكرنا استبقاء الوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته، فوجب كما لو استولد الموقوف عليه الجارية الموقوفة أو قتلها فإنه يجب قيمتها وتصرف في شراء مثلها، وعنه: لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر، لأن المقصود يحصل بنقلها لحديث عمر: "ولا يباع أصلها".

مسألة 5: (والفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشتري بثمنه ما يصلح للجهاد) إجماعًا.

مسألة 6: (والمسجد إذا لم ينتفع به في مكانه بيع ونقل إلى مكان ينتفع به) لحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

مسألة 7: (ويرجع في الوقف ومصرفه وشروطه وترتيبه وإدخال من شاء بصفة وإخراجه بها وكذلك الناظر فيه والنفقة عليه) وسائر أحواله (إلى شرط الواقف) لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه، ولأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقف أرضه على الفقراء وذوي القربى وفي الرقاب وابن السبيل والضيف، وجعل لمن وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقًا، ووقف الزبير على ولده وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج فلا حق لها.

مسألة 8: (فلو وقف على ولد فلان ثم على المساكين كان للذكر والأنثى بالسوية)

(1/313)


بالسوية إلا أن يفضل بعضهم، فإذا لم يبق منهم أحد رجع إلى المساكين
(9) وإن كان الوقف على من يمكن حصرهم لزم استيعابهم به، والتسوية بينهم، إلا أن يفضل بعضهم
(10) وإن لم يمكن حصرهم جاز تفضيل بعضهم على بعض وتخصيص واحد منهم به