الفروع و معه تصحيح الفروع

كتاب الصلاة
مدخل
معناها لغة و اصطلاحا
...
كتاب الصلاة
وهي لغة: الدعاء، وشرعا أفعال وأقوال مخصوصة: سميت صلاة لاشتمالها على الدعاء، هذا قول عامة الفقهاء وأهل العربية وغيرهم. وقال بعض العلماء لأنها ثانية لشهادة التوحيد، كالمصلي من السابق في الخيل، وقيل: لرفع الصلا؛ وهو مغرز الذنب من الفرس، وقيل: أصلها الإقبال على الشيء، وقيل من صليت العود إذا لينته: والمصلي يلين ويخشع.
وفرضت ليلة الإسراء وهو قبل الهجرة بنحو خمس سنين، وقيل بست، وقيل: بعد البعثة بنحو سنة، وقوله تعالى في آل حم1: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ} [غافر: 55] والمراد به الصلوات، روي عن ابن عباس2 وغيره، وقيل: صلاتا الفجر والعصر، وعن الحسن ركعتان قبل فرض الصلوات ركعتان بكرة، وركعتان عشية، وكذا قال إبراهيم الخرقي: كان قبل الإسراء صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 آل حم: سور في القرآن، قال ابن مسعود رضي الله عنه: آل حم ديباج القرآن. قال الفراء: إنما هو كقولك: آل فلان، كأنه نسب السور كلها إلى حم. "الصحاح": "حم".
2 تفيسر البغوي 4/101.

(1/401)


حكمها و على من تجب
...
وهي فرض عين
يلزم كل مسلم مكلف غير حائض ونفساء "ع" في الكل، ويقضي المرتد "و ش" وعنه لا "و هـ م" كأصلي1 "ع" والمذهب قضاء ما تركه قبل ردته، لا زمنها، وفي خطابه بالفروع روايتا أصلي.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أي: ككافر أصلي.

(1/401)


وإن طرأ جنون قضى، لأن عدمه رخصة تخفيفا، وقيل: لا، كحيض، والخلاف في زكاة "ق"1 إن بقي ملكه، وصوم وحج، فإن لزمته الزكاة أخذها الإمام وينويها للتعذر، وإن لم تكن قربة كسائر الحقوق الممتنع منها، ذكره الأصحاب.
وإن أسلم بعد أخذ الإمام أجزأته ظاهرا، وفيه باطنا وجهان "م 1"
ـــــــ
مسألة – 1: قوله في المرتد: إذا أخذ الإمام الزكاة منه وإن أسلم بعد أخذ الإمام أجزأته ظاهرا وفيه باطنا وجهان انتهى.
لم أر هذه المسألة صريحا ولكن لها نظائر، قال ابن تميم في باب إخراج الزكاة ولا تجزئ نية الإمام عن نية رب المال إلا أن يكون ممتنعا، فيجزئ في الظاهر، وفي
ـــــــ
1 ليست في الأصل.

(1/402)


وقيل: إن أسلم قضاها على الأصح.
ولا يجزئه إخراجه زمن كفره "ش" زاد غير واحد وقيل ولا قبله، ولم ينقطع حوله بردته فيه، وإلا انقطع.
وفي بطلان استطاعة قادر على الحج بردته ووجوبه باستطاعته فقط في ردته الروايتان، ومذاهب الأئمة الثلاثة على أصلهم السابق، ولا يلزم1 إعادة حج فعله قبل ردته في رواية "و ش" وعنه يلزمه "م 2" "و هـ م"2 قيل لحبوط العمل، وقيل: لا، كإيمانه، فإنه لا يبطل، ويلزمه ثانيا
ـــــــ
الباطن وجهان. وقال في الرعاية الكبرى ويجزئ المالك أخذ الإمام المسلم لها في الأظهر مطلقا، وقيل بل مع نية ربها وكما لو بذلها طوعا وقيل يجزئ الممتنع نية الإمام وحده في الظاهر. وقيل والباطن، انتهى، تقدم الإجزاء مطلقا وهو الصواب وقدم على الطريقة الثانية عدمه.
مسألة – 2: قوله في المرتد ولا يلزم إعادة حج فعله قبل ردته في رواية، وعنه يلزمه، انتهى، وأطلقهما في المجد والرعاية الكبرى والفائق وغيرهم إحداهما لا يلزمه إعادته بعد إسلامه، وهو الصحيح، نص عليه قال المجد في شرحه. هذا الصحيح، وصححه القاضي موفق الدين في شرح مناسك المقنع؛ قال
ـــــــ
1 في "س" و"ط": "يلزمه".
2 ليست في "ط".

(1/403)


والوجهان في كلام القاضي وغيره "م 3".
ـــــــ
في تجريد العناية ولا تبطل عباداته في إسلامه إذا عاد ولو الحج على الأظهر، وجزم به في المقنع1 وغيره في باب حكم المرتد وقدمه ابن تميم، وابن عبيدان والحاوي الكبير وغيرهم، واختاره ابن عبدوس في تذكرته في باب الحج.
والرواية الثانية يلزمه إعادته، جزم به2 في "الفصول" في كتاب الحج، وجزم به3 في الجامع الصغير والإفادات وصححه في الرعايتين والحاويين في كتاب الحج واختاره القاضي وغيره قال أبو الحسن الجزري4. وجماعة يبطل الحج بالردة.
مسألة – 3: قوله: على القول بلزوم إعادة الحج "قيل: لحبوط العمل، 4وقيل لا كإيمانه فإنه لا يبطل، ويلزمه ثانيا، والوجهان في كلام القاضي وغيره". انتهى:
أحدهما: يلزمه الإعادة لحبوط العمل4، وهو ظاهر ما جزم به في المغني5 والشرح6، وغيرهما.
والقول الثاني: يلزمه الإعادة،/ لا لحبوط العمل، وهو ظاهر بحث المجد في "شرحه" ومن تابعه، وهو الصواب. قال الشيخ تقي الدين: الأكثر أن الرد لا تحبط العمل إلا بالموت عليها. قال جماعة: الإحباط إنما ينصرف إلى الثواب دون حقيقة العمل، لبقاء صحة صلاة من صلى خلفه، وحل ما كان ذبحه، وعدم نقض تصرفه، قاله المصنف، والله أعلم
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 27/149.
2 ليست في "ط".
3 في النسخ الخطية: "الخرزي". والمثبت من "ط". وهو: أبو الحسن الجزري البغدادي، تخصص بصحبة أبي علي النجاد وكان له قدم في المناظرة، ومعرفة الأصول والفروع. "طبقات الحنابلة" 2/167.
4 ليست في "ص".
5 4/370.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 27/ 150. وفيه: أنه لا يجب عليه إعادتها، وليس كما ذكر.

(1/404)


وذكر أبو الحسن الجوزي1 وجماعة بطلانه بها، وجعلته حجة في بطلان الطهارة التي هي شطره2، قال شيخنا: اختار الأكثر أنها لا تحبطه إلا بالموت عليها، قال جماعة والإحباط إنما ينصرف إلى الثواب دون حقيقة العمل، لبقاء صحة صلاة من صلى خلفه، وحل ما كان ذبحه، وعدم نقض تصرفه3.
قال الأصحاب: ولا تبطل عبادة فعلها في إسلامه إذا عاد. وفي الرعاية إن صام قبلها ففي القضاء وجهان، وإن أسلم بعد الصلاة لوقتها فكالحج "م 4" وقال القاضي: لا يعيد، لفعلها في إسلامه الثاني، ويقضيها مسلم قبل بلوغ الشرع "و م ش" وقيل: لا، ذكره القاضي، واختاره شيخنا بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم.
ـــــــ
مسألة -4: قوله: 4"وإن أسلم بعد الصلاة لوقتها فكالحج" انتهى، يعني هل يلزمه إعادتها أم لا كالحج؟ وقد علمت الصحيح من المذهب في الحج فكذا هنا4.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "الخزري"، والمثبت من "ط".
2 في "س": "شرطه".
3 تقدم هذا النقل في الصفحة السابقة.
4 ليست في "ح".

(1/405)


وقيل حربي "و هـ" وقال شيخنا والوجهان في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع، كمن لم يتيمم لعدم الماء لظنه عدم الصحة به، أو لم يترك1، أو أكل حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لظنه ذلك، أو لم تصل مستحاضة ونحوه.
والأصح لا قضاء قال ولا إثم اتفاقا، للعفو عن الخطإ والنسيان ومعناه ولم يقصر وإلا أثم وكذا لو عامل بربا، أو أنكح فاسدا ثم تبين له التحريم ونحوه.
وإن صلى كافر حكم بإسلامه، نص عليه وذكر أبو محمد التميمي2 في شرح الإرشاد إن صلى جماعة "و هـ" وزاد أو بمسجد "و م" إن صلى غير خائف "و ش" في المرتد إن صلى بدار الحرب.
ولا يقبل منه دعوى تخالف الإسلام، ذكره في عيون المسائل، ومنتهى الغاية، وغيرهما كالشهادتين، ويتوجه احتمال إلا مع قرينة، ولعله مرادهم.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "س": "ينزل".
2 هو: أبو محمد، رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، البغدادي، الحنبلي، كانت له المعرفة الحسنة بالقرآن والحديث والفقه والأصول، وغير ذلك. له: "شرح الإرشاد" و"الخصال والأقسام". "ت488هـ". "طبقات الحنابلة" 2/250.

(1/406)


وفي صحة صلاته في الظاهر وجهان، وذكر ابن الزاغوني: روايتين "م 5" فإن صحت1 لم تصح إمامته في المنصوص وكذا إن
ـــــــ
مسألة – 5: قوله: "وإن صلى كافر حكم بإسلامه... وفي صحة صلاته في الظاهر وجهان، وذكر ابن الزاغوني روايتين" انتهى: أحدهما لا تصح وهو الصحيح، وقد قطع صاحب المستوعب والرعايتين وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم بإعادة الصلاة، قال القاضي صلاته باطلة نقله المصنف في النكت، قال الشيخ تقي الدين شرط الصلاة تقدم الشهادة المسبوقة بالإسلام، فإذا تقرب بالصلاة يكون بها مسلما، وإن كان محدثا، ولا يصح الائتمام به لفقد شرطه، لا لفقد الإسلام، وعلى هذا عليه أن يعيد. انتهى.
ـــــــ
1 ليست في "س" و"ط".

(1/407)


أذن، وقيل في وقته ومحله ولا يعتد به.
وفي حجه وصومه قاصدا رمضان وزكاة ماله، وقيل وبقية الشرائع والأقوال المختصة بنا كجنازة1 "هـ" وسجدة تلاوة وجهان "م 6" ويدخل فيه كل ما يكفر المسلم بإنكاره إذا أقر به الكافر، وهذا متجه.
ـــــــ
والوجه الثاني: تصح في الظاهر، اختاره أبو الخطاب، فعليه لا تصح إمامته على الصحيح، نص عليه، وقيل تصح، قال أبو الخطاب الأصوب أنه إن قال بعد الفراغ إنما فعلتها وقد اعتقدت الإسلام، قلنا صلاته صحيحة، وصلاة من خلفه، وإن قال فعلتها تهيؤا قبلنا منه فيما عليه من إلزام الفرائض، ولم نقبل منه فيما يؤثره من دينه انتهى، قال في المغني2 ومن تبعه إن علم أنه قد أسلم ثم توضأ، وصلى بنية صحيحة فصلاته صحيحة، وإلا فعليه الإعادة، انتهى، قلت الذي يظهر أن هذا عين الصواب، وأن محل الخلاف في غير الشق الأول من كلامه.
مسألة -6: قوله: "وفي حجه وصومه قاصدا رمضان وزكاة ماله، وقيل وبقية الشرائع والأقوال المختصة بنا كجنازة3 وسجدة تلاوة وجهان" انتهى، يعني إذا فعل ذلك هل يحكم بإسلامه أم لا، أما الثلاثة الأول فأطلق الخلاف فيها وأطلقه ابن تميم وابن حمدان:
ـــــــ
1 في "ط": "كختان".
2 3/37.
3 في النسخ الخطية و"ط": "كختان"، والتصويب من "الفروع".

(1/408)


ويلزم من زال عقله بمحرم "و" خلافا لشيخنا فلو جن متصلا ففي زمن جنونه احتمالان "م 7"، وكذا بمباح "و هـ" وقيل لا يلزمه "و م ش"
ـــــــ
أحدهما: لا يحكم بإسلامه بفعل شيء من ذلك وهو الصحيح، قلت وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وجزم به في المغني1 في باب المرتد وصرح به ابن الجوزي في تبصرة الوعظ والتزمه المجد في شرحه ومن تابعه في غير الحج.
والوجه الثاني: يحكم بإسلامه اختاره أبو الخطاب واختار القاضي الحكم بإسلامه بالحج فقط، نقله عنه ابن تميم والتزمه المجد ومن تابعه فيه أيضا.
مسألة – 7: قوله: "ويلزم من زال عقله بمحرم... فلو جن متصلا ففي زمن جنونه احتمالان" انتهى، يعني في لزوم قضاء ما فاته حال جنونه احتمالان، قال أبو المعالي بن منجى في النهاية: لو شرب محرما فسكر به ثم جن متصلا بالسكر لزمه قضاء ما فاته في وقت السكر، وجها واحدا، وهل يلزمه قضاء ما فاته في حال الجنون؟ فيه احتمالان:
أحدهما: يلزمه القضاء لاتصاله بالسكر، لأنه هو الذي تعاطى سببا أثر في وجود الجنون.
والثاني: لا يلزمه لأن طريان الجنون ليس من فعله كما لو وجد ذلك ابتداء، انتهى، قلت الاحتمال الأول هو الصواب، ويعضده ما قطع به المجد وغيره لو جن المرتد أن الصلاة لا تسقط عنه زمن جنونه، لأن سقوطها بالجنون رخصة، وتخفيف وليس من أهله فكذا، يقال في هذا، والله أعلم.
ـــــــ
1 12/291.

(1/409)


وذكره في الخلاف قياس المذهب في السكر كرها، كمن عدم الماء في الحضر يصلي ولا يقضي، وإن كان نادرا. وقيل إن طال زمنه.
وتلزم مغمى عليه نص عليه "و هـ" في خمس صلوات كنائم "ع" وقيل لا، كمجنون على الأصح "و" وفي المستوعب لا يجب على الأبله الذي لا يعقل. وقال في الصوم: لا يجب على المجنون، ولا على الأبله اللذين لا يفيقان، وفي الرعاية: يقضي، مع قوله في الصوم: الأبله كالمجنون، كذا ذكر، وجزم بعضهم وقدمه بعضهم إن زال عقله بغير جنون لم يسقط.
قال أهل اللغة: يقال رجل أبله بين البله والبلاهة، وهو الذي غلب عليه سلامة الصدر، وقد بله بكسر اللام وتبله، والمرأة بلهاء. وفي الحديث: "أكثر أهل الجنة البله" 1. يعني في أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها وهم أكياس في أمر الآخرة، وتباله: أرى من نفسه ذلك، وليس به، والله أعلم.
وفي لزوم إعلام النائم بدخول وقتها احتمالات، الثالث يلزم مع ضيقه، وجزم به في التمهيد، وجعله دليلا لعدم وجوب العزم أول
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه البزار "1983"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "2982"، وابن عدي في "الكامل" 3/1160، والقضاعي في "مسند الشهاب" "990"، والبيهقي في "شعب الإيمان" "1367". بلفظ: "إن أكثر أهل الجنة البله".

(1/410)


الوقت "م 8".
وتصح من مميز "و" صلاة كذا. وفي التعليق وهو من له سبع سنين واختار صاحب الرعاية وست1 نفلا، ويقال لما فعله صلاة كذا. وفي التعليق مجاز، وثواب فعله له، ذكره الشيخ في غير موضع، وذكره شيخنا وذكر في شرح مسلم في حجه أنه صحيح يقع تطوعا يثاب عليه عند مالك والشافعي وأحمد، وكذا قال ابن عقيل في الفنون في أوائل المجلد التاسع عشر: وعندي أنه يثاب على طاعات بدنه، وما يخرج من العبادات المالية من ماله، وكذا قال ابن هبيرة في الحج: معنى قولهم يصح منه أي يكتب
ـــــــ
مسألة -8: قوله: "وفي لزوم إعلام النائم بدخول وقتها احتمالات، الثالث يلزم مع ضيقه، وجزم به في التمهيد، وجعله دليلا لعدم وجوب العزم أول الوقت" انتهى.
قلت: وهو الصواب، ويليه في القوة القول بعدم لزوم الإعلام، قال في الرعاية الكبرى وهل يجب إعلام النائم بدخول الوقت ليصلي، قلت يحتمل أوجها، الثالث يجب إن ضاق الوقت وخاف الفوت، انتهى، والظاهر أن المصنف تابعه، فيكون في إطلاقه الخلاف نظر، والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ط": "وتثبت".

(1/411)


له، قال: وكذا أعمال البر كلها فهو يكتب له ولا يكتب عليه، وعلل ابن عقيل في الجنائز تقديم النساء على الصبيان بالتكليف ففضلهن بالثواب والتعويض، والصبي ليس من أهل الثواب والعقاب كذا قال.
وفي طريقة بعض أصحابنا في مسألة تصرفه: ثوابه لوالديه، ولأحمد وغيره بإسناد ضعيف عن أنس مرفوعا: "أن حسنات الصبي لوالديه أو أحدهما" وذكره ابن الجوزي في الموضوعات1.
والمتسبب يثاب بنية القربة، ولأنه دل على هدى، ولأن امرأة رفعت صبيا في خرقة فقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر" رواه أحمد ومسلم وغيرهما2.
ولا تلزمه "و" كبقية الأحكام وعنه بلى، ذكره الشيخ وغيره وأنه مكلف، وذكرها في المذهب وغيره في الجمعة.
وعنه ابن عشر سنين يضربه عليها وجوبا، وعنه مراهقا اختاره أبو
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 لم نهتد إليه.
2 أحمد "1898"، ومسلم "1336" "409"، وأبو داود "1736" من حديث ابن عباس بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم بالروحاء، فلقي ركبا، فسلم عليهم، فقال: "من القوم؟" قالوا: المسلمون. قالوا فمن أنتم؟ قال: "رسول الله". ففزعت امرأة، فأخذت بعضد صبي، فأخرجته من محفتها، فقالت: يا رسول الله، هل لهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر".

(1/412)


الحسين التميمي، فعلى الأولى يلزم الولي أمره بها وتعليمه إياها والطهارة، نص عليه خلافا لما قاله ابن عقيل في مناظراته وبعض العلماء لظاهر الأمر، وكإصلاح ماله، وكفه عن المفاسد.
وقال ابن الجوزي: لا يجب على ولي صغير ومجنون أن ينزههما عن النجاسة، ولا أن يزيلها عنهما، بل يستحب، وذكره أيضا وجها في أن الطهارة تلزم المميز، ويأتي في الظهار1 قول2 بعضهم يصح لدون سبع، وهو الشيخ أو غيره.
وذكر أيضا أن ظاهر الخرقي تصح صلاة العاقل من غير تقدير بسن "و ش" وذكر أيضا أن ابن ثلاث ونحوه يصح إسلامه إذا عقله، وكذا مذهب الشافعي أن تعليم الأب وسائر الأولياء ما يحتاجه الابن لدينه يجب، قال الشافعي وأصحابه: وكذا الأم لعدم الأب، ويتوجه لنا مثله، لحديث عبد الله بن عمرو3: "وإن لولدك عليك حقا". رواه أحمد ومسلم4.
ـــــــ
تنبيه: قوله: "ويأتي في الظهار قول بعضهم يصح لدون سبع وهو الشيخ أو غيره" انتهى. لم يذكر ذلك في الظهار، وقوله "وهو الشيخ" قد نقل وهو عن الشيخ ضد ذلك فقال: لا يصح من الصبي المميز ظهار ولا إيلاء، والله أعلم.
فهذه ثمان مسائل قد فتح الله بتصحيحها.
ـــــــ
1 ينظر ما علق عليه المرداوي في هذا التنبيه.
2 بعدها في الأصل: "أن ضابطه العقل وفاقاً للشافعية على الأصح".
3 في "ط": "عمر".
4 مسلم "1159" "183" بهذا اللفظ، وأحمد "6867"، بلفظ: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع".

(1/413)


قالوا والأجرة من الصبي، ثم على من تلزمه نفقته، ويتوجه احتمال مثله، وفيه نظره.
وحيث وجبت لزمه إتمامها وإلا فالخلاف في النفل، ويلزمه على الأولى إعادتها ببلوغه فيها، أو في وقتها بعد فعلها في المنصوص فيهما "ش" لا إعادة طهارة، لأن القصد غيرها، وكذا إسلام، لأن أصل الدين لا يصح نفلا، فإذا وجد فعلى وجه الوجوب، ولأنه يصح بفعل غيره، وهو الأب، وذكر أبو المعالي خلافا. وقال أبو البقاء: الإسلام أصل العبادات وأعلاها، فلا يصح القياس عليه، ومع التسليم فقد قال بعض أصحابنا: يجب عليه إعادته.
وله تأخيرها ما لم يظن مانع كموت، وقتل، وحيض، وكمن أعير سترة أول الوقت فقط، أو متوضئ عدم الماء سفرا لا تبقى طهارته إلى آخره، ولا يرجو وجوده مع عزمه، وقيل وبدونه، وعليهما هل يأثم
ـــــــ
........................................

(1/414)


المتردد حتى يضيق وقتها عن بعضها، فيحرم لغير جمع، أو شرط قريب؟.
ويأثم من عزم على الترك إجماعا، ومتى فعلت في وقتها فهي أداء. وقال شيخنا أو شرط قريب ليس مذهبا لأحمد وأصحابه، وأن الوقت يقدم، واختار تقديم الشرط إن انتبه قرب طلوعها.
ومن صحت منه مع الكراهة كالحاقن لا يجوز أن يشتغل بالطهارة إن خرج الوقت "و".
ويحرم التأخير بلا عذر إلى وقت ضرورة في الأصح، وقاله أبو المعالي وغيره في العصر، ولعل مرادهم لا يكره أداؤها، وكره الحنفية التأخير، واختلفوا في الأداء، لأنه مأمور به فلا يكره.
ـــــــ
........................................

(1/415)


ومن له التأخير فمات قبل الفعل لم يأثم في الأصح "و" وتسقط إذن بموته "و" قال القاضي وغيره لأنها لا تدخلها النيابة، فلا فائدة في بقائها في الذمة بخلاف الزكاة والحج، وعلى أنه لا يمتنع أنه لا يأثم والحق في الذمة كدين معسر لا يسقط بموته، ولا يأثم بالتأخير لدخول النيابة لجواز الإبراء، أو قضاء الغير عنه، وقيل له لو وجبت الزكاة لطولب بها في الآخرة ولحقه المأثم كما لو أمكنه فقال: هذا لا يمنع من ثبوت الحق في الذمة بدليل الدين المؤجل والمعسر بالدين، ولابن عقيل معنى ذلك في الفنون.
ـــــــ
........................................

(1/416)


ومن جحد وجوبها كفر إجماعا، ومن جهله عرفه، فإن أصر كفر.
وإن تركها تهاونا وكسلا دعاه إمام أو من في حكمه: فإن أبى حتى ضاق وقت الثانية، اختاره الأكثر، وعنه الأولى، اختاره صاحب المحرر وغيره، وهي أظهر "و م ش" وقال أبو إسحاق: إن لم يجمع وحسنه الشيخ، وعنه إن ترك ثلاثا، وعنه: ويضيق وقت الرابعة قدمه في التلخيص. وفي المبهج والواضح وتبصرة الحلواني رواية ثلاثه أيام قتل1 "هـ" وجوبا بضرب عنقه نص عليه "و م ش" كفرا اختاره الأكثر فحكمه كالكفار وذكر القاضي يدفن منفردا، وذكر الآجري: من قتل مرتدا ترك بمكانه، ولا يدفن، ولا كرامة.
وعنه حدا2 "و م ش" فحكمه كأهل الكبائر قال شيخنا كذا فرض الفقهاء، ويمتنع أن يعتقد أن الله تعالى فرضها ولا يفعلها ويصبر على القتل، هذا لا يفعله أحد قط.
واستتابته كمرتد نص "م ر" وذكر القاضي يضرب، ثم يقتل، وينبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي، قاله شيخنا قال: ولا ينبغي السلام عليه، ولا إجابة دعوته، ومتى رجع إلى الإسلام قضى صلاة مدة امتناعه.
ويتوجه احتمال لا، كما هو ظاهر كلام جماعة، كغيره من المرتدين، لعموم الأدلة، ولا يلزم إبطال كفره، ويتوجه أيضا يقضي ما كفر به، لا ما
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 جواب: وإن تركها تهاوناً... إلخ.
2 تقديره: يقتل حداً لا كفراً.

(1/417)


تركه مدة الاستتابة، ولعله مرادهم، واحتج الشيخ بأن تكليفه بفعل الصلاة يدل على أنه لا يكفر، واحتج به صاحب المحرر على قضائها، وقاسها على الإسلام في حق المرتد.
ويصير مسلما بالصلاة، نقل صالح: توبته أن يصلي. وفي الفنون الشهادتان يحكي ما في نفسه من الإيمان، وليس قوله لها حين ترك الصلاة،
ـــــــ
........................................

(1/418)


ولا يعمل بها إذا تاب وندم، والزنديق يتظاهر بالإسلام حتى يكون مؤذنا، ثم إذا تاب قبلت وأعدناه إلى الإسلام بنفس الكلمتين لا غير، لما ذكرناه، قال شيخنا: الأصوب أنه يصير مسلما بالصلاة، لأن
ـــــــ
........................................

(1/419)


كفره بالامتناع كإبليس وتارك الزكاة، وصحتها قبل الشهادتين
ـــــــ
........................................

(1/420)


كمرتد1، قال: والأشبه أيضا أن الزنديق لا بد أن يذكر أنه تائب باطنا، وإن لم يقل2 فلعل باطنه تغير.
والمحافظ عليها أقرب إلى الرحمة ممن لا يصليها ولو فعل ما فعل، ذكره شيخنا، ومن ترك شرطا أو ركنا مجمعا عليه كالطهارة فكتركها، وكذا مختلفا فيه يعتقد وجوبه. ذكره ابن عقيل وغيره، وعند الشيخ لا، وزاد ابن عقيل أيضا في الفصول لا بأس بوجوب قتله، كما نحده بفعل ما يوجب الحد على مذهبه، وهذا ضعيف، وفي الأصل نظر، مع أن الفرق واضح.
وقال ابن هبيرة في قول حذيفة: وقد رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صلى الله عليه وسلم3 فيه أن إنكار المنكر في مثل هذا يغلظ له لفظ الإنكار، وفيه إشارة إلى تكفير تارك الصلاة، وإلى تغليظ الأمر في الصلاة، حتى إن من أساء في صلاته ولا يتم ركوعها ولا سجودها فإن حكمه حكم تاركها.
ولا يكفر بترك، وزكاة4، وصوم وحج، ويحرم تأخيره تهاونا، وبخلا بزكاة، اختاره أبو بكر، واختاره الأكثر "و" وذكر ابن شهاب وغيره أنه ظاهر المذهب.
ويقتل على الأصح "و م" في الصوم، وعنه يكفر بزكاة، وعنه ولو لم يقاتل عليها، وعنه يقتل بها فقط.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 "ط": "مرتد".
2 في الأصل و"ب": "يفعل".
3 أخرجه البخاري "791".
4 في "س": "صلاة".

(1/421)


وقولنا في الحج يحرم تأخيره، 1لعزمه على تركه1، أو ظنه الموت من عامه، وباعتقاده الفورية يخرج على الخلاف في الحد بوطء في نكاح مختلف فيه، قاله في منتهى الغاية، وحمل كلام الأصحاب عليه وهذا أوضح، وذكره في الرعاية قولا، كذا قال، ولا وجه له، ثم اختار إن قلنا بالفورية، قيل وهو ظاهر الخلاف، فإنه قال قياس قوله يقتل كالزكاة، قال وقد ذكره أبو بكر في الخلاف، وقال الحج والزكاة والصلاة والصيام سواء، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ولعل المراد فيمن لا اعتقاد له، وإلا فالعمل باعتقاده أولى، وقد سبق قول ابن عقيل، ويأتي فيمن أتى فرعا مختلفا فيه هل يفسق؟
قال الأصحاب: ولا قتل بفائتة للخلاف في الفورية، ويتوجه فيه ما سبق، وقيل يقتل، لأن القضاء على الفور فعلى هذا لا يعتبر أن يضيق وقت الثانية.
وحيث كفر فلا يرق ولا يسبى ولد ولا أهل نص عليه.
ولا قتل، ولا تكفير قبل الدعاية، ولا بترك كفارة ونذر، وذكر الآجري يكفر بترك الصلاة، وهو ظاهر كلام جماعة، وذكر أبو إسحاق أن إبليس كفر بترك السجود لا بجحوده ويأتي كلامه في المستوعب في صوم جنب لم يغتسل يوما، وسبق قريبا كلام ابن هبيرة، ويوافقه ما احتج به الشيخ من أنه لو كفر ثبتت أحكامه، ولم تثبت مع كثرة تاركي الصلاة، واحتج في
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.

(1/422)


رواية المروذي على من قال يقتل، أو يكفر بتأخيرها عن وقتها بإخباره عليه السلام بتأخير الأمراء الصلاة عن وقتها1، وكذا نقل أبو طالب، ونقل أيضا إذا تركها حتى يصلي صلاة أخرى فقد تركها، قلت فقد كفر، قال: الكفر لا يوقف على حده، ولكن يستتاب، وسأله المروذي عن تركها استخفافا ومجونا أيستتاب؟ قال أي شيء بقي؟
ومن فرض المسألة في ترك العبادات الخمس فمراده والله أعلم الطهارة، لأنها كالصلاة، ولا يلزم بقية الشرائط لعدم اعتبار النية لها، ولهذا صنف أبو الخطاب العبادات الخمس. وقال الفقهاء: ربع العبادات، وحمل الكلام على الصحة أولى ومتعين.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرج مسلم "534" "26"، عن ابن مسعود رضي الله عنه: "إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك، فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة..." الحديث. قال النووي في "شرح مسلم" 5/16: شرق الموتى: قال ابن الأعرابي: فيه معنيان: أحدهما: أن الشمس في ذلك الوقت وهو آخر النهار إنما تبقى ساعة ثم تغيب. والثاني: أنه من قولهم: شرق الميت بريقه، إذا لم يبق بعده إلا يسيراً ثم يموت والسبحة: النافلة.

(1/423)


باب المواقيت
مدخل
...
باب المواقيت
سبب وجوب الصلاة الوقت، لأنها تضاف إليه، وهي "أي الإضافة" تدل على السببية، وتتكرر بتكرره، وهو سبب نفس الوجوب إذ سبب وجوب الأداء الخطاب.
وقت الظهر: وهي الأولى لبداءة جبريل بها لما صلى بالنبي عليهما السلام1، وإنما بدأ أبو الخطاب بالفجر لبدايته عليه السلام بالسائل2، من زوال
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 سيأتي في الحاشية.
2 أخرج مسلم "613" "177" والترمذي "152"، وابن ماجة "667"، وأحمد "22955" عن بريدة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فسأله عن وقت الصلاة، فقال: "صل معنا هذين" فأمر بلالاً حين طلع الفجر، فأذن... الحديث.

(1/424)


الشمس1 "ع" حتى يتساوى منتصب وفيئه سوى ظل الزوال "و ش" وهو زيادة الظل بعد تناهي قصره، لأن الظل يكون أولا طويلا لمقابلة قرصها، وكذا كل منتصب في مسامتة2 نير، وكلما صعدت قصر الظل إلى أن ينتهي، فإذا أخذت في النزول مغربة طال، لابتداء المسامتة ومحاذاة المنتصب قرصها.
ويقصر الظل في الصيف، لارتفاعه إلى الجو، وفي الشتاء يطول، لأنها مسامتة للمنتصب ويقصر الظل جدا في كل بلد تحت وسط الفلك والأبعد عنه طويل، لأن الشمس ناحية عنه، فصيفها كشتاء غيرها، قال تعالى: {يَتَفَيَّؤا ظِلالُهُ} [النحل: 48]. أي تدور وترجع. قال ابن الجوزي: قال المفسرون، إذا طلعت وأنت متوجه إلى القبلة فالظل قدامك، فإذا ارتفعت فعن يمينك، ثم بعد ذلك خلفك، ثم عن يسارك لخبر عبد الله بن عمرو:
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 خبر لقوله: "ووقت الظهر".
2 أي: المقابلة والموازاة. "المصباح": "سمت".

(1/425)


"وقت الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء وكان ظل الرجل كطوله، ما لم تحضر العصر" رواه مسلم1، ولئلا يصير آخر وقتها مجهولا.
وفي الخلاف لا وقت لظهر يوم الجمعة حتى يكون أوله الزوال، يعني في حق غير المعذور، وعنه آخره أول وقت العصر وفاقا لمالك، فبينهما وقت مشترك قدر أربع ركعات، وعند "هـ" مثلا المنتصف، وعن أبي حنيفة كقولنا، وقاله صاحباه.
والزوال في جميع الدنيا واحد لا يختلف، قاله أحمد أيضا، وأنكر على المنجمين أنه يتغير في البلدان، قال ابن عقيل ما تأويله مع العلم باختلافه
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في صحيحه "612" "174" عبد الله بن عمرو بن العاص.

(1/426)


بالأقاليم وكذا في الخلاف وغيره اختلافه.
ويستحب تعجيلها بأن يتأهب لها بدخول الوقت، وذكر الأزجي قولا لا يتطهر قبله إلا مع حر "و هـ م" وقيل لقاصد جماعة، قال جماعة ليمشي في الفيء، وقيل في بلد حار "و ش" وفي الواضح لا بمسجد سوق.
ولا تؤخر هي والمغرب لغيم في رواية "و م ش" وعنه بلى "و هـ" فلو صلى وحده فوجهان "م1،2"، وقيل: يؤخر الظهر لا المغرب، وتعجل
ـــــــ
تنبيه: لم يفصح المصنف بأن تأخير الظهر للحر مستحب والصحيح من المذهب استحبابه لذلك قطع به المغني1 والكافي2 والشرح3، وشرح ابن رزين والزركشي وغيرهم قال ابن منجى في شرحه الأرجح أنه سنة وقيل إن التأخير رخصة ويفهم هذا القول من كلام ابن منجا.
مسألة -1-2: قوله: "ولا تؤخر" يعني: الظهر "والمغرب لغيم في رواية،
ـــــــ
1 2/32.
2 1/204.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/133.

(1/427)


الجمعة مطلقا "و".
ثم يليه وقيل بعد زيادة شيء وقت العصر، وآخره المختار حتى يصير فيء الشيء مثليه سوى ظل الزوال، وعنه حتى تصفر الشمس، اختاره جماعة وهي أظهر "ش" وفي التلخيص ما بينهما وقت جواز، ثم هو وقت ضرورة إلى غروبها "و".
وهي الوسطى لا الفجر "و ش" وتعجيلها أفضل "و م ش" وعنه مع غيم "و هـ" نقله صالح قاله القاضي، ولفظ روايته: يؤخر العصر أحب إلي؛ آخر وقت العصر عندي ما لم تصفر الشمس، فظاهره مطلقا، والعبرة عند الحنفية بتغير القرص بحيث لا تحار فيه العين، قال القاضي: وقت الظهر
ـــــــ
وعنه بلى وعلى فلو صلى وحده فوجهان، انتهى، ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى -1: هل يستحب تأخير الظهر والمغرب مع غيم أم لا؟ أطلق الخلاف، أما تأخير الظهر فالصحيح استحبابه، نص عليه وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمقنع1 والمحرر والنظم والوجيز وإدراك الغاية وتجريد العناية والإفادات ومنتخب الآدمي والحاوي الصغير وغيرهم وصححه في الحاوي الكبير واختاره القاضي وغيره وقدمه المجد في شرحه والشارح وابن عبيدان وابن عبد القوي ونصروه وابن حمدان في الرعايتين.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/133.

(1/428)


على مذهب أحمد مثل وقت العصر، لأنه لا خلاف بين العلماء أن من
ـــــــ
والرواية الثانية لا يستحب تأخيرها وهو ظاهر كلام الخرقي والكافي والتلخيص والبلغة وجماعة لعدم ذكرهم ذلك، وإليه ميل الشيخ الموفق، والشارح، وأما تأخير المغرب فالصحيح من المذهب أن حكمها حكم الظهر كما قال المصنف، ونص عليه، وحكى المصنف قولا أن الظهر تؤخر دون المغرب وهو ظاهر كلام جماعة منهم صاحب الهداية، والمذهب والمستوعب والخلاصة والمقنع1 والوجيز لاقتصارهم على الظهر في الغيم، واستحبابهم تعجيل المغرب إلا ليلة مزدلفة، قلت: وهو الصواب، ليخرج من خلاف العلماء.
المسألة الثانية -2: على القول بالتأخير: هل يستحب إذا كان وحده أم لا يستحب إلا إذا كان في جماعة؟ أطلق الخلاف، وأطلقه ابن تميم، وابن حمدان في الكبرى:
أحدهما: لا يستحب التأخير إذا كان وحده وهو الصحيح، جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والمقنع2 والمحرر والرعاية الصغرى والوجيز والحاوي الصغير وغيرهم وقاله القاضي وغيره.
والوجه الثاني: يستحب التأخير، قال المجد: هو ظاهر كلام الإمام أحمد وهو ظاهر كلامه في الخلاصة ونهاية ابن رزين وغيرهما، قلت: وهو ضعيف لا سيما في المغرب.
تنبيهات:
الأول: علل الأصحاب الوجه الأول3 بأن الغيم مظنة العوارض
ـــــــ
1 1/204.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/133.
3 تقدم في الصفحة 427 عند قول المصنف: "ولا تؤخر هي والمغرب لغيم".

(1/429)


الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ربع النهار، ويبقى الربع إلى الغروب، وقال له الخصم: طرف الشيء ما يقرب من نهايته، فقال الطرف ما زاد عن النصف، وهذا مشهور في اللغة، ثم بين صحته بتفسير الآيتين.
ـــــــ
والموانع من البرد والمطر، والريح فتلحق المشقة بالخروج لكل صلاة، وفي تأخير الصلاة الأولى من صلاة الجمع وتعجيل الثانية دفع لهذه المشقة بالخروج إليهما خروجا واحدا قاله القاضي وغيره، هذا يوافق ما صححناه وقال المجد في العلة لمن يصلي وحده لأن الحكمة إذا وجدت في الأغلب سحب حكمه على النادر، وهو موافق للقول الثاني.

(1/430)


ثم يليه وقت المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر، وعنه الأبيض "و هـ" وعنه حضرا، وعن أبي حنيفة أيضا الأحمر، وقاله صاحباه، لا بقدر طهر وستر عورة وأذان وإقامة "م ش" وفي النصيحة للآجري لها وقت واحد لخبر جبريل عليه السلام1، وأن من أخر حتى يبدو النجم أخطأ.
ويستحب تعجيلها، إلا ليلة المزدلفة لمحرم قصدها إجماعا. وقال في التعليق وغيره: ويكره تأخيرها، يعني لغير محرم، واقتصر في الفصول على قوله: الأفضل تعجيلها إلا بمنى "بمزدلفة" يؤخرها لأجل الجمع بالعشاء وذلك نسك وفضيلة، كذا قال، ونظيره في حمل النهي عن علو الإمام على الكراهة، لفعله في خبر سهل2، وكلامهم يقتضي لو دفع عن عرفة قبل
ـــــــ
الثاني: قوله: "والأفضل تعجيلها إلا بمنى، يؤخرها لأجل الجمع بالعشاء" انتهى، صوابه إلا بمزدلفة، والمصنف قد نقل ذلك عن صاحب الفصول، والذي في الفصول إلا بمزدلفة وهذا مما لا شك فيه.
ـــــــ
1 تقدم ص 424.
2 أخرج البخاري "917"، ومسلم "544" "44"، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى فلانة. امرأة قد سماها سهل: "مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليها إذا كلمت الناس"، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها، فوضعت ههنا ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: "أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي".

(1/431)


الغروب وحصل بالمزدلفة وقت الغروب لم يؤخرها، ويصليها في وقتها وذكره في الخلاف عن الحنفية في فرض الوقت: هل هو الجمعة أو الظهر؟؟ وكلامه يقتضي الموافقة، وهو واضح.
ولا يكره تسميتها بالعشاء، وبالمغرب أولى، وذكر ابن هبيرة في حديث عبد الله بن المغفل1: يكره.
ثم يليه وقت العشاء المختار إلى ثلث الليل، نقله واختاره الأكثر، وعنه نصفه، اختاره جماعة، وهي أظهر "و هـ ق" وفي التلخيص ما بينهما وقت جواز.
وتأخيرها إلى آخره أفضل "ق" ما لم يؤخر المغرب، ويكره إن شق على بعضهم على الأصح "و هـ" ثم هو وقت ضرورة إلى طلوع الفجر الثاني
ـــــــ
الثالث: قوله في وقت العشاء: "وفي التلخيص ما بينهما وقت جواز" يعني ما بين ثلث الليل ونصفه، وليس في التلخيص ذلك، بل الذي فيه وقت الجواز إلى طلوع الفجر، وقد نقله عنه المصنف بعد ذلك، والظاهر أنه ذهول، والله أعلم.
ـــــــ
1 أخرج البخاري في "صحيحه" "563" عن عبد الله المزني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب". قال: وتقول الأعراب: هي العشاء.

(1/432)


المستطير، وهو البياض المعترض في المشرق لا ظلمة بعده "و" والفجر الذي قبله الكاذب المستطيل بلا اعتراض، أزرق، له شعاع، ثم يظلم، ولدقته يسمى ذنب السرحان وهو الذئب.
وقال محمد بن حسنويه1: سمعت أبا عبد الله يقول: الفجر يطلع بليل، ولكنه يستره أشجار جنان عدن، وهذا من جنس قول أبي المعالي وغيره في زوال الشمس لا بد من ظهوره لنا، ولا يكفي مجرد ميلها عن كبد السماء.
وقيل: يخرج الوقت مطلقا بخروج وقت الاختيار في الصلاتين. وفي الكافي2: بعده في العصر وقت جواز. وفي التلخيص مثله في العشاء، ولعل مرادهما أن الأداء باق، ولم يذكر في الوجيز للعشاء وقت ضرورة، ولعله اكتفى بذكره في العصر، وإلا فلا وجه لذلك.
ويكره النوم قبلها "و م ش" وعنه بلا موقظ "و هـ" لأنه عليه السلام رخص لعلي، رواه أحمد3 واحتج بفعل ابن عمر4، جزم بها في جامع القاضي، والحديث بعدها في الجملة "و" إلا لشغل، وشيء يسير، والأصح وأهل.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 من أصحاب الإمام أحمد، نقل عنه أشياء منها ما ذكره المصنف، وهو خبر يحتاج إلى توقيف، لأنه ليس مما يقال بالرأي والاجتهاد. ترجمته في "طبقات الحنابلة" 1/292، "المقصد الأرشد" 2/398.
2 1/206.
3 في مسنده "892".
4 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "2146" عن نافع: أن ابن عمر كان ربما رقد عن العشاء الآخرة ويأمر أهله أن يوقظوه.

(1/433)


ولا تكره تسميتها عتمة1، والفجر بصلاة الغداة في الأصح فيهما "ش" وقيل يكره في الأخيرة، وقيل في الأولى، وفيها في "اقتضاء الصراط المستقيم" أن الأشهر عندنا إنما يكره الإكثار حتى يغلب على الاسم الآخر، وأن مثلها في الخلاف المغرب بالعشاء. وفي حواشي تعليق القاضي من حديث أبي الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري رواية أبي الحسين بن بشران عنه بإسناده عن ابن عباس مرفوعا: "من سمى العشاء العتمة فليستغفر الله".
ثم يليه وقت الفجر "ع" حتى تطلع الشمس، وقيل: إن أسفر فضرورة "و ش" وهي من صلاة النهار، وهل تعجيلها أفضل؟ وهي أظهر "و م ش" أو مراعاة أكثر المأمومين؟ فيه روايتان "م 3".
وعنه الأسفار أفضل، أطلقها بعضهم "و هـ" لغير الحاج بمزدلفة،
ـــــــ
مسألة – 3: قوله: في الفجر: "وهل تعجيلها أفضل وهي أظهر أم مراعاة المأمومين فيه روايتان" انتهى، وأطلقهما في المذهب والتلخيص، والمحرر، وشرح ابن عبيدان وغيرهم:
إحداهما: تعجيلها أفضل مطلقا، وهو الصحيح، وعليه أكثر الأصحاب، قال ابن منجى في شرحه: هذا المذهب، وصححه في مجمع البحرين، وإدراك الغاية، قال
ـــــــ
1 وذلك لما ثبت عند البخاري "615"، ومسلم "437" "129"، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبواً".

(1/434)


وكلام القاضي وغيره يقتضي أنه وفاق، زاد الحنفية بحيث يقدر على قراءة مسنونة، وإعادتها وإعادة الوضوء قبل طلوع الشمس لو ظهر سهو، ولهم في الأسفار بسنة الفجر خلاف.
ووقت العشاء في الطول والقصر يتبع النهار، فيكون في الصيف أطول، كما أن وقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول، قال شيخنا: ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف، فقد غلط غلطا بينا باتفاق الناس، وسبب غلطه أن الأنوار تتبع الأبخرة، ففي الشتاء
ـــــــ
المصنف: وهو أظهر، وجزم به الخرقي، وصاحب الوجيز والمنور، ومنتخب الآدمي، وتجريد العناية وغيرهم، وقدمه في الهداية، والمستوعب، والخلاصة، والمغني1 والكافي2، والمقنع3 والشرح3 والرعايتين، والحاويين، ومختصر ابن تميم، والفائق، وغيرهم، ونصره في المغني والمجد في شرحه، والشارح وغيرهم، فعليها يكره التأخير بلا عذر إلى الإسفار.
والرواية الثانية الأفضل مراعاة أكثر المأمومين، اختاره الشيرازي، في المنهج، ونصره أبو الخطاب في الانتصار، نقله ابن عبيدان، ومال إليه.
قلت: المذهب الأول، وإطلاق المصنف فيه نظر لا سيما مع قوله وهي أظهر.
ـــــــ
1 2/44.
2 1/210.
3 المقنع مع الشرح والكبير والإنصاف 3/166.

(1/435)


يكثر البخار في الليل فيظهر النور فيه، وفي الصيف تقل الأبخرة بالليل وفي الصيف يتكدر الجو بالنهار بالأغبرة، ويصفو في الشتاء، ولأن النورين تابعان للشمس، هذا يتقدمها، وهذا يتأخر عنها، فإذا كان في الشتاء طال زمن مغيبها فيطول زمن الضوء التابع لها، وإذا كان في الصيف طال زمن ظهورها فيطول زمن الضوء التابع لها، وأما جعل هذه الحصة بقدر هذه وأن الفجرين أطول، والعشاء في الشتاء أطول، وجعل الفجر تابعا للنهار يطول في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجعل الشفق تابعا لليل: يطول في الشتاء ويقصر في الصيف، فهو قلب للحس، والعقل، والشرع.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط": "عصر شمسه تغرب".

(1/436)


فصل: و لا تبطل الصلاة بخروج وقتها و هو فيها
...
فصل: ولا تبطل الصلاة بخروج وقتها وهو فيها
"هـ" في الفجر، لوجوبها كاملة، فلا تؤدى ناقصة، ومثله 1عصر أمسه تغرب1 وهو فيها.
وهي أداء في ظاهر المذهب "و ش" ولو كان صلى دون ركعة "ش" ولهذا ينويه، وقطع به أبو المعالي في المعذور، وقيل قضاء "و هـ" وقيل الخارج عن الوقت.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط": "عصر شمسه تغرب".

(1/436)


ويدرك بإدراكه تكبيرة الإحرام في وقتها، قطع به الأكثر، وعنه بركعة، ومعنى المسألة عند صاحب المحرر بناء ما خرج عن وقتها على التحريمة، وأنها لا تبطل، وظاهر المغني1: أنها مسألة القضاء والأداء.
ويرجع إلى من يثق به في دخوله عن علم. أو أذان ثقة عارف، قال في الفصول، ونهاية أبي المعالي. وابن تميم والرعاية: إن علم إسلامه بدار حرب، لا عن اجتهاد، إلا لعذر. وفي كتاب أبي علي العكبري وأبي المعالي والرعاية وغيرها: لا أذان في غيم، لأنه عن اجتهاده، ويجتهد هو، فدل أنه لو عرف أنه يعرف الوقت بالساعات أو تقليد عارف عمل به، وجزم به صاحب المحرر.
فإن ظن دخوله فله الصلاة، فإن بان قبل الوقت فنفل، ويعيد "و" لأنها لم تجب، واليقين ممكن، وعن "م ش" قول لا يعيد، وعنه لا يصلي حتى يتيقن. اختاره ابن حامد وغيره "و م" كما لو وجد من يخبره عن يقين، أو أمكنه مشاهدة الوقت.
وقال شيخنا، قال بعض أصحابنا: لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت، وهو خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين. وخلاف ما شهدت به النصوص، كذا قال.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط": "المعنى"، وانظر: "المغني" 2/47.

(1/437)


والأعمى العاجز يقلد، فإن عدم أعاد، وقيل إن أخطأ.
وإن دخل الوقت بقدر تكبيرة، وأطلقه أحمد، فلهذا قيل يجزئ وعنه وأمكنه الأداء اختاره1 وجماعة "و ش" واختار شيخنا أن يضيق "و م" ثم طرأ جنون أو حيض وجب القضاء "هـ" وعنه والمجموعة إليها بعدها "خ".
وإن طرأ تكليف وقت صلاة ولو بقدر تكبيرة "و هـ ق" وقيل بجزء، وظاهر ما ذكره أبو المعالي حكاية القول بإمكان الأداء، وقد يؤخذ منه حكاية القول بركعة، فيكون فائدة المسألة، وهو متجه، وذكر شيخنا الخلاف عندنا فيما إذا طرأ مانع أو تكليف، هل يعتبر بتكبيرة أو ركعة، واختار بركعة في التكليف "و م".
ولا يعتبر زمن يتسع الطهارة نص عليه "هـ و م ق" قضاها "و ش" وقضى المجموعة إليها قبلها "هـ" ولو لم يتسع لفعلها وقدر ما تجب به الثانية "م".
ويجب قضاء الفوائت "و" على الفور في المنصوص: إن لم يضر في بدنه أو معيشة يحتاجها، نص عليه، وإنما تحول عليه السلام بأصحابه لما ناموا وقال: "إن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" 2. لأنه سنة، كفعل سنة قبل الفرض.
ويجوز التأخير لغرض صحيح كانتظار رفقة، أو جماعة للصلاة، وإن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "و".
2 أخرجه مسلم "680" "310"، من حديث أبي هريرة.

(1/438)


كثرت الفوائت فالأولى ترك سننها، لفعله عليه السلام يوم الخندق1، واستثنى أحمد سنة الفجر، وقال: لا يهملها، وقال في الوتر: إن شاء قضاه، وإن شاء فلا، ونقل مهنا يقضي سنة الفجر: لا الوتر، قال صاحب المحرر: لأنه عنده دونها، وأطلق القاضي وغيره أنه يقضي السنن، وقال بعد رواية مهنا المذكورة وغيره: والمذهب أنه يقضي الوتر كما يقضي غيره من الرواتب، نص عليه، وظاهر هذا من القاضي أنه لا يقضي الوتر في رواية خاصة.
ونقل ابن هانئ لا يتطوع وعليه صلاة متقدمة إلا الوتر، فإنه يوتر. وفي الفصول يقضي سنة الفجر رواية واحدة، وفي بقية الرواتب من النوافل روايتان، نص على الوتر لا يقضي، وعنه يقضي.
ولا يصح نفل مطلق على الأصح لتحريمه كأوقات النهي، قاله صاحب المحرر، وذكر غيره الخلاف في الجواز، وأن على المنع لا يصح، قال: وكذا بتخرج في النفل المبتدأ بعد الإقامة أو عند ضيق وقت المؤداة مع علمه بذلك وتحريمه.
ويجب ترتيبها "ش" وعنه لا، وقيل يجبان في خمس "و هـ م" في
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرج الترمذي "179"، والنسائي في "المجتبى" 2/17، عن ابن مسعود أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.

(1/439)


الترتيب، لأنه عليه السلام رتب1، وفعله بيان لمجمل الأوامر المطلقة، وهي تشمل الأداء والقضاء مع عموم قوله عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 2.
والصوم وكذا الزكاة لا يعتبر الترتيب في جنسه، بخلاف الصلاة، بدليل المجموعتين ذكره القاضي وغيره، والمراد لا يجب في الصوم ترتيب في الجملة، ويأتي فيما إذا اشتبهت الأشهر على الأسير3.
وسقوطه سهوا لا يمنع كونه شرطا، كالإمساك في الصوم، وترك
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 يعني: في حديث ابن مسعود المتقدم في الصفحة السابقة.
2 أخرجه البخاري "631"، من حديث مالك بن الحويرث.
3 4/427.

(1/440)


الكلام في الصلاة عند مخالفينا، ويتوجه احتمال يجب الترتيب، ولا يعتبر للصحة، وله نظائر، قال شيخنا: إن عجز فمات بعد التوبة غفر له.
قال: ولا تسقط بحج، ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة، ولا غير ذلك "ع".
ويسقط الترتيب لخشية فوات الحاضرة لئلا يصيرا فائتتين، ولأن ترك الترتيب أيسر من ترك الوقت، وعنه مع الكثرة "و م" وبنسيان الترتيب على
ـــــــ
........................................

(1/441)


الأصح فيهما "م" وقال أبو المعالي وغيره: يتبين بطلان الصلاة الماضية كالنسيان، قال: ولو شك في صلاة هل صلى ما قبلها؟ ودام حتى فرغ فبان أنه لم يصل أعادهما كمتيمم شك: هل رأى ماء أو سرابا فكان ماء، ويتوجه فيها احتمال.
وقيل يسقط الترتيب بجهل وجوبه "هـ" والمذهب لا لأنه نادر، ولأنه اعتقد بجهله خلاف الأصل، وهو الترتيب فلم يعذر، فلو صلى الظهر ثم الفجر جاهلا، ثم صلى العصر في وقتها. صحت عصره لاعتقاده لا صلاة عليه كمن صلاها ثم تبين أنه صلى الظهر بلا وضوء أعاد الظهر، وعنه وبخشية فوت الجماعة.
ـــــــ
........................................

(1/442)


وتصح البداية بغير الحاضرة في المنصوص مع ضيق الوقت "و" ولا نافلة إذا في الأصح عالما عمدا كما سبق.
وإن ذكر فائتة في حاضرة أتمها غير الإمام "و هـ م" وعنه وهو1 نفلا، وقيل فرضا، وعنه تبطل.
وإن نسي صلاة من يوم يجهل عينها صلى خمسا نص عليه "و" بنية الفرض، زاد القاضي فقال فيما إذا اختلط من يصلي عليه بمن. لا يصلي عليه: وإن كنا نعلم أن فعل ما ليس بواجب من الصلوات بنية الواجب محرم كما تحرم الصلاة على الكافر.
وعنه فجرا، ثم مغربا، ثم رباعية.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 يعني: الإمام.

(1/443)


وإن ترك عشر سجدات من صلاة شهر قضى صلاة عشرة أيام، لجواز تركه كل يوم سجدة، ذكره أبو المعالي، قال: ويعتبر فيما فاته في مرضه وصحته وقت الأداء، قال: هو وغيره وذكره القاضي وغيره.
وإن نسي ظهرا وعصرا من يومين وجهل السابقة فعنه يبدأ بالظهر، وعنه يتحرى "م" فإن استويا فعنه بما شاء، وعنه يصلي ظهرين بينهما عصر، أو عكسه "م 4،5".
ـــــــ
مسألة 4 -5: قوله: "وإن نسي ظهرا وعصرا من يومين وجهل السابقة فعنه يبدأ بالظهر، وعنه يتحرى، فإن استويا فعنه بما شاء، وعنه يصلي ظهرين بينهما عصر، وعكسه" انتهى. ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى -1: إذا نسي ظهرا وعصرا من يومين وجهل السابقة فهل يبدأ بالظهر، أو يتحرى، أطلق الخلاف، وأطلقه في المغني1 وشرح المجد والشرح2 ومجمع البحرين وشرح ابن عبيدان والقواعد الأصولية وغيرهم:
إحداهما يتحرى، وهو الصحيح، جزم به في الكافي3 وقدمه ابن تميم وهو الصواب، والرواية الثانية يبدأ بالظهر، ثم العصر من غير تحر، نقلها مهنا، قلت ويتوجه أن يبدأ بالعصر ولم أره، لأنه يحتمل أن يكون نسي العصر من اليوم الأول، كما أنه يحتمل أن يكون نسي الظهر من اليوم الأول، فليست للظهر مزية في الابتداء بها بالنسبة إلى نسيانه، فيكون كالظهر، فيأتي فيها قول كالظهر، ولا تأثير لكون الظهر قبلها،
ـــــــ
1 2/345.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/191.
3 1/215، وفيه: أنه يلزمه ثلاث صلوات، وليس كما ذكر.

(1/444)


ومن شك فيما عليه وتيقن سبق الوجوب أبرأ ذمته يقينا نص عليه، وإلا ما تيقن وجوبه، وعند أبي حنيفة إن شك هل صلى وقد خرج الوقت لم يلزمه، وقد ذكر أبو المعالي لا يخرج عن العهدة إلا بيقين أو ظن.
ـــــــ
هذا ما ظهر لي، والله أعلم، قال في المغني1 بعد أن أطلق الروايتين: ويحتمل أن يلزمه ثلاث صلوات، عصر بين ظهرين أو عكسه، قال وهذا أقيس، لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين، فلزمه، كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها وقد نقل أبو داود ما يدل على هذا، انتهى، قال في القواعد الأصولية عن هذا القول اختاره أبو محمد المقدسي وأبو المعالي وابن منجى، وقدم في الرعاية أنه يصلي ظهرا ثم عصرا ثم ظهرا، قال وقيل: أو عصرا ثم ظهرا ثم عصرا، انتهى، وفي هذا القول الثاني نوع التفات إلى ما وجهته.
المسألة الثانية -2: على القول بالتحري: لو تحرى: فلم يترجح عنده شيء فعنه يبدأ بأيهما شاء، وهو الصحيح، جزم به في الرعاية الكبرى وقدمه ابن تميم وابن عبيدان وجزم به المجد في شرحه ونصره.
والرواية الثانية يصلي ظهرين بينهما عصر، أو عكسه وهي رواية أبي داود، وهو الذي مال إليه الشيخ في المغني1، لكنه لم يفرق بين أن يستوي عنده الأمران أم لا، والمصنف فرق، والله أعلم.
فهذه خمس مسائل قد صححت بحمد الله تعالى.
ـــــــ
1 2/345.

(1/445)


وفي الغنية إن شك في ترك الصوم أو النية فليتحر، وليقض ما ظن أنه تركه فقط، وإن احتاط فقضى الجميع كان حسنا، وكذا قال في الكفارة والنذر، مع أنه قال في الصلاة ما يتيقنه لا يقضيه ويقضي غيره، ولو اختلف المأموم: هل صلى الإمام الظهر أو العصر؟ اعتبر بالوقت، فإن أشكل فالأصل عدم الإعادة.
ـــــــ
........................................
انتهى الجزء الأول من كتاب الفروع وتصحيحه وحاشية ابن قندس ويليه الجزء الثاني ويبدأ بباب الآذان والإقامة

(1/446)


المجلد الثاني
تابع كتاب الصلاة
باب الأذان و الإقامه
مدخل
...
باب الأذان والإقامة
وهو أفضل منها في الأصح، ومن الإمامة على الأصح "و ش" وله الجمع بينهما "و" وذكر أبو المعالي أنه أفضل "و ش" وأن ما صلح له فهو أفضل.
وهما فرض كفاية للصلوات الخمس والجمعة، وقيل: وفائتة ومنذورة على الرجال، وعنه: والرجل حضرا، وعنه في المصر، وعنه وسفرا.
وعنه هما سنة "و" وفي الروضة هو فرض وهي سنة، فعلى المذهب وقيل: وعلى أنهما سنة يقاتلون على تركهما "هـ" وعنه يجب للجمعة فقط.
ويكفي مؤذن في المصر، نص عليه، وأطلقه جماعة، وقال جماعة: بحيث يسمعهم.وفي المستوعب متى أذن واحد سقط عمن صلى معه
ـــــــ
.............

(2/5)


مطلقا خاصة، وقيل: يستحب أن يؤذن اثنان، ويتوجه احتمال في الفجر فقط، كبلال وابن أم مكتوم، ولا يستحب الزيادة عليهما. وقال القاضي على أربعة، لفعل عثمان إلا من حاجة.
والأولى أن يؤذن واحد بعد واحد، ويقيم من أذن أولا، وإن لم يحصل الإعلام بواحد زيد بقدر الحاجة، كل واحد في جانب، أو دفعة واحدة بمكان واحد.
ويقيم أحدهم، والمراد بلا حاجة، فإن تشاحوا أقرع.
وتصح الصلاة بدونهما، فعله ابن مسعود1، واحتج به أحمد، قال القاضي وغيره: ولأنه لا يرجع إلى معنى في الصلاة، بل إلى الدعاء إليها، وعلى أن كون البقعة حلالا لا يجب فيها. ولا تبطل بعدمهما لكن
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أورد صاحب المغني 2/73 عن علقمة و الأسود أنهما قالا: دخلنا على عبد الله فصلى بنا بلا أذان أو إقامة.
رواه الأثرم.

(2/6)


يكره، ذكره الخرقي وغيره، وذكر جماعة: إلا بمسجد صلى فيه، ونصه أو اقتصر مسافر ومنفرد على الإقامة.
وهما أفضل لكل مصل، إلا لكل واحد ممن في المسجد فلا يشرع، بل حصل لهم الفضيلة كقراءة الإمام للمأموم. وهل صلاة من أذن لصلاته بنفسه أفضل لأنه وجد منه فضل يختص بالصلاة، أم يحتمل أنها وصلاة من أذن له سواء بحصول سنة الأذان،؟ ذكر القاضي: أن أحمد توقف، نقله الأثرم "م 1" ونقل جماعة يكره أن يؤذن في بيته من بعد عن المسجد، لئلا يضيع من يقصده. وفي التلخيص يشرعان للجماعة الثانية غير مسجدي مكة والمدينة. وقال أبو المعالي: غير الجوامع الكبار.
ـــــــ
مسألة 1: قوله: وهل صلاة من أذن لصلاته بنفسه أفضل لأنه وجد منه فضل يختص الصلاة أم يحتمل أنها وصلاة من أذن له سواء لحصول سنة الأذان؟ ذكر القاضي أن الإمام أحمد توقف نقله الأثرم، انتهى، قلت: الصواب أنهما سواء ويدل عليه فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ومن بعدهم والله أعلم.

(2/7)


وعند الشافعية يؤذن من صلى وحده إن لم يسمع آذان الجماعة وإلا لم يشرع.
وفي كراهتهما للنساء بلا رفع صوت وقيل مطلقا: روايتان، وعنه تسن لهن الإقامة "و ش" لا الأذان "م 2" "م" ويتوجه في التحريم جهرا الخلاف في قراءة وتلبية، وقد قال في الفصول: تجمع نفسها في السجود لأنها عورة، ولهذا منعناها من الجهر بالقراءة وبالأذان ومن الرمل في الطواف، ومن التجرد في الإحرام، كذا قال، فأخذ قدرا مشتركا وإن اختلف المنع،
ـــــــ
مسألة 2 قوله: "وفي كراهتهما للنساء بلا رفع صوت وقيل مطلقا روايتان، وعنه تسن لهن الإقامة لا الأذان" انتهى.
إحداهما: يكره، وهو الصحيح، قال في المجد: لا يستحب لهن في أظهر الروايتين، قال الزركشي: الكراهة أشهر الروايات، وقدم الكراهة ابن تميم، وصاحب الرعايتين، والحاويين، وصححه ابن نصر الله في حواشيه، وقدم ابن عبيدان أنه لا يسن.
والرواية الثانية يباحان، ذكرها في الرعاية.
والرواية الثالثة يستحبان ذكرها في الفائق وغيره، ورواية عدم الكراهة التي ذكرها المصنف تحتمل الإباحة والاستحباب، وكلام المجد محتمل الكراهة والإباحة، وكذا ابن عبيدان، وعنه تسن لهن الإقامة لا الأذان ذكرها القاضي فمن بعده.
"تنبيه" قوله: ويتوجه في التحريم جهرا الخلاف في قراءة وتلبية، تأتي القراءة في صفة الصلاة في قوله إذا لم يسمعها أجنبي قيل: كرجل، وقيل: يحرم، ويأتي تصحيح ذلك، وتأتي التلبية في محلها في قوله: وحرم جماعة لا ترفع صوتها فيها إلا بمقدار ما يسمع رفيقتها، وظاهره التحريم فيما زاد على ذلك، وقوله: ويكره

(2/8)


والله أعلم.
وللأذان المختار خمس عشرة كلمة وفاقا لأبي حنيفة، وبلا ترجيع الشهادتين خفية "م ش" بتربيع التكبير أوله، لا مرتين "م".
ويجوز ترجيعه، وعنه لا يعجبني "و هـ" وعنه هما سواء. وفي التعليق أن حنبلا نقل في موضع: أذان أبي محذورة أعجب إلي وعليه أهل مكة إلى اليوم1.
ويستحب قول: الصلاة خير من النوم مرتين بعد حيعلة آذان الفجر "و هـ م" وقديم قولي الشافعي، والفتوى عليه، وقيل يجب "خ" وجزم به في الروضة، ويكره التثويب في غيرها "و" خلافا لما استحبه متأخرو
ـــــــ
التثويب في غيرها لعلة في غيره
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "379" عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان: "الله أكبر الله أكبر أشهد ان لاإله إلا الله أشهد ان لاإله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله" ثم يعود فيقول: "أشهد ان لاإله إلا الله أشهد أشهد ان لاإله إلا الله أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله" حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين. زاد إسحاق "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله".
أما أذان بلال فقد أخرجه أبو داود "499" والترمذي 189 وابن ماجه "706" عن عبد الله بن زيد وهو مثل حديث أبي محذورة لكن من غير أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين. وهو مايسمى: الترجيع
وأذان بلال هو اختيار أحمد رحمه الله. كما ذكر الموفق في "المغني" 2/56..

(2/9)


الحنفية، وبعد الأذان.
والنداء إذن بالصلاة خلافا لجماعة من الحنفية فيهما، وذكره بعضهم عن علماء الكوفة.
والأشهر: [كراهة]1 نداء الأمراء اكتفاء بالنداء الأول رواه ابن بطة عن ابن عمر، خلافا لأبي يوسف، وصنف ابن بطة في الرد على من فعل ذلك، وروي بإسناده عن أبي العالية قال: كنا مع ابن عمر في سفر فنزلنا بذي المجاز على ماء لبعض العرب فأذن مؤذن ابن عمر، ثم أقام الصلاة، فقام رجل فعلا2 رحلا2 من رحالات القوم، ثم نادى بأعلى صوته: يا أهل الماء "الصلاة" فجعل ابن عمر يسبح في صلاته، حتى إذا قضيت الصلاة قال ابن عمر: من الصائح بالصلاة؟ قالوا أبو عامر، فقال له ابن عمر: لا صليت ولا تليت، أي شياطينك أمرك بهذا؟ أما كان في الله وسنة رسول الله ما أغنى عن بدعتك هذه3؟ وهذا إن صح محمول على من سمع الأذان أو الإقامة، وإلا لم يكره.
وروي أيضا عن إبراهيم الحربي أنه قال عن قول الرجل إذا أقيمت الصلاة: الصلاة الإقامة. بدعة، ينهون عنه إنما جعل الأذان ليستمع
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية, والمثبت من "ط".
2 ليست في النسخ الخطية, والمثبت من "ط".
3 لم نقف عليه.

(2/10)


الناس، فمن سمع جاء.
وقال رجل لإبراهيم الحربي: خاصمني رجل، فقال لي يا سفلة، فقلت والله ما أنا بسفلة، فقال إبراهيم هل تمشي خلف الناقة وتصيح يا معلوف غدا إن شاء الله فقال: لا، فقال: هل تصيح "الصلاة الإقامة" قال: لا، قال: لست بسفلة إن شاء الله.
وبإسناده عن أبي طالب قال: سألت أحمد عن الرجل يقول بين التراويح: الصلاة قال: لا يقول الصلاة، كرهه سعيد بن جبير، إنما كرهه لأنه محدث، وتبع القاضي في الجامع لابن بطة على ذلك.
وفي الفصول يكره بعد الأذان نداء الأمراء لأنه بدعة، ولأنه لما لم تجز الزيادة في الأذان لم يجز أن يصله بما ليس منه كالخطبة، والصلاة، وسائر العبادات، ويحتمل أن يخرجه عن البدعة فعله زمن معاوية، ولعله اقتداء بفعل بلال، حيث آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة وكان نائما، وجعل يثوب لذلك، وأقره على ذلك1.
والإقامة إحدى عشرة كلمة "و ش" وعنه أو يثنيها إلا قد قامت مرة
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه ابن ماجه "716".

(2/11)


"م" لا مرتين وأنها كالأذان "هـ" ولا يكره التثنية "م ش" ويستحب الترسل فيها وإحدارها، وأذانه أول الوقت، ويتولاهما واحد، وعنه سواء، ذكره أبو الحسين "و هـ م" وقيل: بل يكره، وعند أبي الفرج إلا أن يؤذن المغرب بمنارة.
وإن أذن أو أقام راكبا أو ماشيا فعنه: لايكره1، وعنه: بلى، وعنه حضرا، وعنه في الإقامة وقال ابن حامد: إن أذن قاعدا أو مشى فيه2 كثيرا بطل "خ" وهو رواية في الثانية، وعنه في الأولى لا يعجبني "م 3".
ـــــــ
مسألة 3" وإن أذن أو أقام راكبا أو ماشيا [فعنه] لا يكره، وعنه بلى، وعنه حضرا وعنه في الإقامة.وقال ابن حامد: إن أذن قاعدا أو مشى فيه كثيرا..., وهو رواية في الثانية, وعنه في الأولى، لا يعجبني، انتهى.
إذا أذن أو أقام راكبا أو ماشيا لغير عذر فقدم ابن تميم الكراهة، وقطع بها في التلخيص للماشي، وبعدمها للراكب المسافر، قال في الرعاية الصغرى يباحان للمسافر ماشيا، وراكبا في السفينة، وقاله في الحاويين، وقال في الكبرى ويكرهان للماشي حضرا، ويباحان للمسافر ماشيا، حال مشيه، وركوبه، في رواية، وقال في مكان آخر: ولا يمشي فيهما، ولا يركب نص عليه، فإن فعل كره. وقال في الفائق: ويباحان للمسافر ماشيا، وراكبا، انتهى. وقال المجد في شرحه وتبعه ابن عبيدان، ولا بأس أن يؤذن المسافر راكبا وتكره له الإقامة بالأرض، نص عليه، انتهى. وقال الشيخ الموفق والشارح: ولا يجوز الأذان على الراحلة، والظاهر أنهما أرادا في السفر. ويأتي كلامهما في التنبيه الآتي. وقال القاضي: إن أذن راكبا وماشيا حضرا كره، نقله ابن عبيدان، قلت: الصواب عدم الكراهة في الأذان للمسافر راكبا وماشيا، والكراهة في غير ذلك، والله أعلم.
"تنبيه" قوله: وقال ابن حامد إن أذن قاعدا أو مشى فيه كثيرا بطل، ظاهر
ـــــــ
1 ففي "ط": يكره.
2 ففي "ط": ففيهما.

(2/12)


وذكر عياض أن مذهب العلماء كافة لا يجوز قاعدا، إلا أبا ثور، ووافقه أبو الفرج المالكي1.
ويستقبل القبلة متطهرا، على علو، ويقيم [للصلاة] مقامه كالخطبة الثانية، لأن بلالا لو أقام أسفل لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبقني بآمين2، احتج به أحمد: إلا أن يشق. لا مكان صلاته "م ش".
وفي النصيحة: السنة أن يؤذن بالمنارة، ويقيم أسفل، وروى أبو حفص عن عبد الله بن شقيق قال: من السنة ذلك، ونقل جعفر بن محمد يستحب ذلك ليلحق آمين مع الإمام.
ويجعل سبابته في أذنيه "و" وعنه يجعل يديه على أذنيه مضمومة سوى الإبهام، وعنه مع قبضهما على كفيه، ويرفع وجهه إلى السماء، نقله حنبل. وفي المستوعب عند كلمة الإخلاص، وقيل والشهادتين، ويجزمهما
ـــــــ
هذا: أن المقدم أنه لا يبطل من القاعد والماشي كثيرا، وهو صحيح، وهو المذهب، قال الشيخ الموفق والشارح وغيرهما: فإن أذن قاعدا لغير عذر فقد كرهه أهل العلم، ويصح فقطعا بالصحة. وقال الشيخ تقي الدين: لما عدم الإجزاء من القاعد. وحكى أبو البقاء في شرحه رواية أنه إذا أذن قاعدا قال القاضي: هذا محمول على نفي الاستحباب وحمله بعضهم على نفي الاعتداد به.
ـــــــ
1 هو القاضي أبو الفرج عمر بن محمد الليثي الغدادي الفقيه الحافظ العمدة الثقة. تفقه بالقاضي إسماعيل وعنه أخذ أبو بكر الأبهري وابن السكن وغيرهما "ت331 هـ" شجرة النور الكية ص 79.
2 أخرجه أبو داود "937".

(2/13)


فلا يعربهما, ويلتفت يمنة ويسرة "و" في الحيعلة "هـ" وذكر غير واحد من أصحابه مذهبه، كقولنا.
وقيل: يقول يمينا: حي على الصلاة، ثم يعيده يسارا، ثم كذلك حي على الفلاح، وقيل: يقول يمينا: حي على الصلاة، ثم يسارا حي على الفلاح، ثم كذلك ثانية، وهو سهو.وفي التفاته فيها في الإقامة وجهان "م 4"، قاله أبو المعالي، وجزم الآجري وغيره بعدمه فيها.
ولا يزيل قدميه لفعل بلال1، وكالخطبة، لا ينتقل فيها، ذكره في
ـــــــ
مسألة 4" قوله: وفي التفاته يعني عن يمنة ويسرة عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح في الإقامة وجهان، قاله أبو المعالي، وجزم الآجري وغيره بعدمه فيها انتهى، قلت وهو الصواب، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب؛ لذكرهم ذلك في الأذان وتركهم له في الإقامة، وصححه ابن نصر الله في حواشيه.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "634", ومسلم "503".

(2/14)


الفصول وظاهره: يزيل صدره "ش" نقل حرب: يلتفت يمنة ويسرة، وكأنه لم يعجبه الدوران في المنارة، وعنه يزيل قدميه في منارة، ونحوها، نصره في الخلاف وغيره، اختاره صاحب المحرر "و هـ م" وجزم به في الروضة وأبو الفرج حفيد الجوزي في كتابه المذهب الأحمد، زاد أبو المعالي مع كبر البلد للحاجة.
ويرفع صوته قدر طاقته1، ما لم يؤذن لنفسه، وتكره الزيادة، وعنه يتوسط.
ولا يصح إلا مرتبا "و" متواليا "و" عرفا منويا من واحد. فظاهره لا يعتبر موالاة بين الإقامة، والصلاة "ش" إذا أقام عند إرادة الدخول في الصلاة، لقول الصحابي لأبي بكر: أتصلي فأقيم2؟ ولأنه عليه السلام لما ذكر أنه جنب ذهب فاغتسل3، وظاهره طول الفصل ولم يعدها، ويأتي كلام القاضي في أذان الفجر4.وفي تقديم النية5.
ورفع صوته به ركن. وقال أبو المعالي: بحيث يسمع من تقوم به
ـــــــ
"تنبيه" قوله: وجزم به في الروضة وأبو الفرج حفيد الجوزي في كتابه المذهب الأحمد، انتهى، فيه نظر، لأن المذهب الأحمد لأبي المحاسن وأبي محمد يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي فقوله: أبو الفرج غير مسلم، وكذا
ـــــــ
1 في "ط": الحاجة.
2 أخرجه البخاري "684", ومسلم "421".
3 أخرجه البخاري "275" , ومسلم "605" "157" من حديث أبي هريرة.
4 ص 20.
5 ص 138.

(2/15)


الجماعة ركن.
ويكره فيه كلام وسكوت يسير بلا حاجة كإقامة، وعنه: لا.
ويرد السلام "هـ م" وعنه:لا1يبطل بالردة فيه "و" وقيل لا إن عاد في الحال كجنونه وإفاقته.
وإن أتى بيسير كلام محرم فقيل: لا يبطل، "و" وقيل بلى "م 5"، فعلله صاحب المحرر بأنه قد يظنه سامعه متلاعبا فأشبه المستهزئ، وعلله
ـــــــ
قوله: حفيد الجوزي، وإنما هو ولد الشيخ أبي الفرج شيخ الإسلام، ويعرف والده بابن الجوزي، فلعل هذا نقص، والله أعلم.
مسألة 5" وإن أتى بيسير كلام محرم فقيل لا يبطل، وقيل بلى، انتهى، وأطلقهما في الرعاية الكبرى والفائق.
أحدهما تبطل، وهو الصحيح، وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمقنع2 وغيرهم، فإنهم أبطلوه بالكلام المحرم، وأطلقوا وجزم به في الفصول والتلخيص والبلغة والمحرر، والإفادات والوجيز والتسهيل وتجريد العناية، والمنور ومنتخب الآدمي، وغيرهم، وصححه ابن تميم، واختاره في الفائق وقدمه المجد في شرحه وابن حمدان في الرعاية الصغرى، قال في الحاويين: ولا يقطعهما بفصل كثير، ولا كلام محرم، وإن كان يسيرا.
والقول الثاني: لا يبطل بذلك، قال في الخلاصة: ولا يقطع الأذان بقول ولا فعل، فإن قطعه وكان كثيرا لم يعتد بأذانه.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/84.

(2/16)


الشيخ وغيره: بأنه محرم فيه، زاد بعضهم كالردة، فدل أن كل محرم سواء. وقال القاضي إن: ارتد بعده بطل "خ" قياسا على قوله في الطهارة، فدل أنها مثله لو ارتد فيها، وظاهر كلام الأكثر يبطل كردته في صلاة وصوم وحج، فحكمه فيه كمن وطئ فيه في ظاهر كلامهم، وجزم صاحب المحرر ببطلانه لبطلان عمله، وكالصوم، ولأنه قد يعتد1 بما فعله
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 في "ط": يعيد.

(2/17)


الواطئ، وينعقد إحرامه ابتداء، بخلاف المرتد، ويتوجه احتمال يبني كالأذان وأولى.
قال في الفصول وغيره: ويبطل بنوم كثير لا يسير.
ويصح جنبا "و" على الأصح، ثم يتوجه في إعادته احتمالان "م 6"ولا يصح من مميز لبالغ في رواية اختارها جماعة "و م" لأنه فرض كفاية، وفعله نفل، وعلله صاحب المغني1 والمحرر: بأنه لا يقبل خبره، كذا قال2، وذكره جماعة في أصول الفقه. وقال شيخنا: يتخرج فيه روايتان كشهادته وولايته، كذا قال وولايته وعنه يصح أذانه، نصره القاضي وغيره "و هـ ش" ونقل حنبل: إذا راهق "م 7".
ـــــــ
"مسألة 6" قوله: ويصح جنبا على الأصح ثم يتوجه في إعادته، احتمالان، انتهى، قلت الصواب عدم الإعادة لأن المقصود قد حصل.
"مسألة 7" قوله: ولا يصح من مميز لبالغ في رواية اختارها جماعة، وعنه يصح أذانه، نصره القاضي وغيره، ونقل حنبل إذا راهق، انتهى، وأطلق الخلاف في الهداية والخلاصة، والكافي3 والمقنع4، وشرح ابن عبيدان، والقواعد الأصولية،
إحداهما يجزئ وهو الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، قال الشيخ
ـــــــ
1 2/68.
2 بعدها في "ط": وولايته.
3 1/221.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/100.

(2/18)


ولا يعتد بأذان امرأة "هـ" وخنثى، قال جماعة: ولا يصح، لأنه منهي عنه كالحكاية، وظاهر كلام جماعة صحته، لأن الكراهية لا تمنع الصحة، فتوجه على هذا بقاء فرض الكفاية، لأنه لم يفعله من هو فرض عليه، وفي كلام الحنفية لأن صوتها عورة.
ولا يكره محدثا. نص عليه "هـ" وقيل بلى "و ش" كالجنب "و" كالإقامة "و" للفصل بينها وبين الصلاة.
ويصح في الأصح الملحن والملحون مع بقاء المعنى: مع الكراهة، قال القاضي: كقراءة الألحان، قال أحمد: كل شيء محدث أكرهه مثل التطريب.وعنه ويصح من فاسق "و" وتكره لثغة فاحشة.
ـــــــ
تقي الدين اختاره أكثر الأصحاب، وصححه في الفصول، والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص، والبلغة والنظم والفائق والحواشي للمصنف وغيرهم، واختاره القاضي، والشيخ الموفق، والشارح وابن عبيدان في تذكرته، وغيرهم، وجزم به في الإيضاح والوجيز وقدمه، في المحرر ومختصر ابن تميم، وإدراك الغاية وغيرهم.
والرواية الثانية: لا يجزئ، جزم به في الإفادات، وقدمه في الرعايتين والحاويين، وشرح ابن رزين، قال في مجمع البحرين: لا يجزئ أذان المميز للبالغين في أقوى الروايتين، ونصره ومال إليه المجد في شرحه واختاره الشيخ تقي.

(2/19)


فصل: ويصح للفجر بعد نصف الليل،
وقيل: بل قبل الوقت بيسير، ونقل صالح لا بأس به قبل الفجر إذا كان بعد طلوع الفجر، يعني الكاذب، وقيل سنة، وعنه لا يصح "و هـ" كغيرها "ع" وعند أبي الفرج إلا للجمعة.
وكالإقامة نص أحمد على التفرقة، قال القاضي: لأنها لا يجوز تقديمها على الخطبتين، ويجوز تقديم الأذان عليهما، قال ولأن الإقامة لافتتاح الصلاة، ولهذا يستحب أن يحرم بالصلاة عقب الفراغ منها، والأذان للغائبين.
ويكره قبل الفجر في رمضان في المنصوص، وقيل: ممن لا عادة له، وعنه يكره مطلقا، وعنه ما لم يعد.
ويستحب كونه1 أمينا صيتا عالما بالوقت. وفي الإفصاح حر، وحكاه "و" وظاهر كلام غيره لا فرق. وقاله أبو المعالي، قال: ويستأذن سيده، قال هو وصاحب المحرر: والبصير أولى، ولا يكره من أعمى يعرف بالوقت2 "هـ".
ويشترط ذكوريته وعقله "و" وقال أبو المعالي: وعلمه بالوقت.
ومع التشاحن يقدم الأفضل في ذلك، ثم الأدين، وقيل: يقدم هو، ثم اختيار الجيران، ثم القرعة، وعنه هي قبلهم، نقله الجماعة. وقاله القاضي.
ـــــــ
الدين، ونقل حنبل يجزئ أذان المراهق، قال القاضي: يصح أذان المراهق، رواية واحدة وقدمه في الرعاية الكبرى.
ـــــــ
1 أي: المؤذن.
2 في الأصل و "ب" و "ط": بالوقت.

(2/20)


وعنه يقدم عليهما بمزيد عمارة1، وقيل: أو سبقه بآذان، وذكر القاضي في تقديم رضا الجيران أنهم أخص، بدليل أنهم لو تشاحوا في العمارة كان أهل المسجد أحق، وكذا ثمرته، ولم يذكر غيره التقديم فيهما، بل ظاهره التقديم هنا فقط، ويتوجه احتمال بالتسوية، فيكون في المسائل الثلاث الخلاف.
ويستحب الفصل بين أذان المغرب وإقامتها "ش" قيل: بقدر ركعتين خفيفتين، وقيل: بجلسة خفيفة "م 8"، وفاقا لأبي يوسف ومحمد، قال جماعة:
ـــــــ
"مسألة 8" قوله: ويستحب الفصل بين أذان المغرب وإقامتها، قيل: بقدر ركعتين خفيفتين، وقيل: بجلسة خفيفة، انتهى.
أحدهما يكون الفصل بقدر جلسة خفيفة، وهو الصحيح، وعليه أكثر الأصحاب، وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغني2 والكافي3 والمقنع4 والتلخيص والبلغة4 والشرح
ـــــــ
1 يعني عمارة الميسجد المعنوية وهي كثيرة التردد عليه واللبث فيه.
2 2/66.
3 1/288.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/93.

(2/21)


والوضوء والسعي ونحوه، لا بسكتة نحو قدر ثلاث آيات قصار "هـ" وفي التعليق على أنه لا يمتنع إن كانت المغرب أول الفوائت أن يفصل بجلسة، وكذا صلاة يسن تعجيلها.
وذكر الحلواني: بقدر حاجته ووضوئه، وصلاة ركعتين. وفي المغرب بجلسة. وفي التبصرة في الكل بقدر حاجته ووضوئه.
ولا يكره الركعتان قبل المغرب في المنصوص "خ" وعنه تسن "خ" وعنه بين أذانين صلاة1، وقاله: ابن هبيرة في غير المغرب.
وإن جمع أو صلى فوائت أذن للأولى وأقام لكل صلاة، وعنه أو يقيم فقط، وعنه ولو واحدة وفي النصيحة يقيم لكل صلاة: إلا أن يجمع في وقت الأولى فيؤذن لها أيضا؛ وعند "هـ" يجمع بأذان وإقامة
ـــــــ
ومختصر ابن تميم والنظم ومجمع البحرين وشرح ابن منجى والوجيز والحاويين وغيرهم، وقدمه في الرعايتين.
والوجه الثاني يكون بقدر ركعتين خفيفتين جزم به في المستوعب والمحرر والفائق وتركه ابن عبدوس، قال الإمام أحمد: يقعد الرجل مقدار ركعتين، قال في الإفادات: يفصل بين الأذان والإقامة بقدر وضوء وركعتين، فزاد الوضوء.
ـــــــ
1 وذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بين كل أذانين صلاة لمن شاء" . أخرجه مسلم "838 "304" من حيث عبد الله بن مغفل المزني.

(2/22)


ويكررهما للفوائت. وعند مالك: يكررهما للجمع؛ ولا يؤذن عنده؛ وعند الشافعي لفائتة؛
وفي صحة نافلة بعد إقامة الوجهان كما سبق1 في نفل قبل قضاء فرض "م 9".
ولا يشرع فيها "هـ" في سنة الفجر يركعهما بباب المسجد إن أدرك ركعة "م" إن لم تفته ركعة ركعها خارجه، وقيده ابن بطال2 عن أصحابه المالكية بالركعة الثانية، ولا يأتي بغيرها "هـ" إن لم تفته ركعة أتى بها خارج المسجد،
ـــــــ
مسألة 9" قوله: وفي صحة نافلة بعد إقامة وجهان كما سبق في نفل قبل قضاء فرض، انتهى، قال المصنف في باب المواقيت: ولا يصح نفل مطلق على الأصح، لتحريمه لأوقات النهي، قاله صاحب المحرر، الخلاف في الجواز، وإن على المنع لا يصح، قال المجد: وكذا يتخرج في النفل المبتدإ بعد الإقامة، أو عند ضيق وقت المؤداة مع علمه بذلك وتحريمه، انتهى، نقل المصنف، فإلحاق المصنف هذه المسألة بتلك يدل على أن الصحيح عدم الصحة، وخرج هذه على تلك، وهو الصواب، أعني عدم الصحة فيهما، وأطلق الخلاف هنا ابن تميم، وصاحب الفائق.
فهذه تسع مسائل قد صححت بعون الله تعالى.
ـــــــ
1 1/439.
2 أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال عالم الحديث من أهل قرطبة له "شرح البخاري". يغرف بابن اللجام وكان من كبار المالكية. "ت449هـ" السير 18/47, الأعلام 4/285.

(2/23)


ويتم النافلة من هو فيها ولو فاتته ركعة "م" وإن خشي فوات الجماعة قطعها "و ش" وعنه يتمها "و هـ" خفيفة ركعتين إلا أن يشرع في الثالثة فيتم الأربع، نص عليه لكراهة الاقتصار على ثلاث، أو لا يجوز، وللحنفية خلاف في الاكتفاء بآية وضم السورة، ولا فرق على ما ذكروه في الشروع في نافلة بالمسجد أو خارجه، ولو ببيته، وقد نقل أبو طالب إذا سمع الإقامة وهو ببيته فلا يصلي ركعتي الفجر ببيته، والمسجد سواء، وألزمنا
ـــــــ
........................................

(2/24)


بعض الحنفية بما إذا علم الإقامة ببيته ولم يسمعها، وهذا سهو.
وإن جهل الإقامة فكجهل وقت نهي في ظاهر كلامهم، لأنه أصل المسألة، وظاهر كلامهم ولو أراد الصلاة مع غير ذلك الإمام، ويتوجه احتمال كما لو سمعها في غير المسجد الذي يصلي فيه، فإنه يبعد القول به، لأن إطلاق الخبر ينصرف إلى المفهوم المعتاد.
ويحرم أخذ أجرة عليهما على الأصح "و هـ" ونقل حنبل يكره، فإذا لم يوجد متطوع بهما رزق الإمام من بيت المال، وإلا لم يجز، كالقضاء، ويتوجه احتمال إلا مع امتياز بحسن صوت "و ش" وغيره.
ـــــــ
.............

(2/25)


ويستحب "و" للمؤذن وسامعه نص عليهما ولو كان في طواف أو امرأة قال أبو المعالي وغيره متابعة قوله بمثله خفية، وفي الحيعلة "م" فيهما فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، نص عليه للخبر1، ولأنه خطاب فإعادته عبث، بل سبيله الطاعة وسؤال الحول والقوة، وقيل يجمع بينهما "و ش"2 وقال الخرقي وغيره: يقول كما يقول، ويتوجه احتمال تجب إجابته، فظاهر كلامهم يجيب مؤذنا ثانيا فأكثر، ومرادهم حيث يستحب، واختاره شيخنا، وظاهر كلام جماعة لا يجيب نفسه، وحكى رواية ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم3، ثم يقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته4" وقال جماعة: المقام
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرج مسلم "385" "12" عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال المؤمن: الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر ..." حتى قله : "دخل الجنة" .
2 قي "ب" و "س" و "ط": "هـ ش.
3 3 أخرج مسلم "384" "11" عن ابن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا..." الحديث.
4 أخرجه البخاري "614" من حديث جابر بن عبد الله.

(2/26)


المحمود" ثم يدعو، قال أحمد إذا سألتم الله حاجة فقولوا: في عافية.
وفي جامع القاضي ظاهر نقل المروذي يدعو المؤذن في خلال أذانه، وسبق يكره الكلام، وإذا لم يرد السلام فهنا أولى.
ويجيب في التثويب: صدقت وبررت، وقيل يجمع1، وفي الإقامة أقامها الله وأدامها، وقيل يجمع، ويدعو عند إقامته فعله أحمد، وذكره الآجري وغيره لا بعدها، وعنه أنه فعله، ورفع يديه، وذكر القاضي أن ظاهر الأول أنه لا يجيبه فيها، قال سهل بن سعد لا يرد الدعاء، أو قلما يرد الدعاء عند النداء والصف في سبيل الله. رواه مالك عن2 أبي حازم عنه، ورواه المعمري وابن حبان مرفوعا، وكذا أبو داود، والحاكم ولهما في رواية "وقت المطر"3. 4واستحبه فيه أبو المعالي وغيره، وذكره ابن الجوزي في خبر أنس، وفيه "وعند القراءة "4.
وللمعمري والحاكم عن أبي أمامة مرفوعا "إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء" 5.
وعن ابن عمر مرفوعا: يفتح أبواب السماء لقراءة القرآن، وللقاء الزحف، ولنزول القطر، ولدعوة المظلوم، وللأذان إسناده ضعيف، رواه الحاكم6.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 أي يجمع بين التثويب وهو قول المؤذن: الصلاة خير من النوم وبين قوله: صدقت وبررت.
2 بعدها في "ب": قيس ابن.
3 أخرجه مالك في "موطئه" 1/83 و ابن حبان في "صحيحه" 1720 و أبو داود في "سننه" 2540 والحاكم في "مستدركه" 1/198.
4 ليست في "س".
5 أخرجه الحاكم في مستدركه 1/546.
6 لم نقف عليه في المستدرك. أخرجه الطبراني في المعجم الصغير "471".

(2/27)


ويجيبه القارئ، لا المصلي ولو نفلا "م" وتبطل بالحيعلة "هـ" وقال أبو المعالي إن لم يعلم أنها دعاء إلى الصلاة فروايتا ساه، وقال: وتبطل بغيرها إن نوى الأذان لا الذكر.
ويجيبه إذا فرغ، وكذا المتخلي، قاله أبو المعالي وغيره، وعند شيخنا يجيبه فيها، وكذا عند ذكر ودعاء ونحوه وجد سببه فيها، وسيأتي1.
ولا يحرم إمام وهو فيها، نص عليه "هـ" عند الإقامة، ويقوم عند كلمة الإقامة، ونقل حنبل يجب على الإمام القيام عندها، ومراده يستحب لا عند حيعلة الفلاح "هـ" ولا إذا فرغ "م ش" وذكر عياض عن مالك وعامة العلماء يقومون بشروعه في الإقامة.
ويقوم مأموم عندها برؤية الإمام "و هـ" وقيل إن كان بمسجد "و ش" وذكره الآجري عن أحمد، وقيل أو قريبا، جزم به بعضهم، وعنه مطلقا، جزم به بعضهم.
ولا يجوز الخروج من مسجد بعد أذان بلا عذر، أو نية الرجوع، وكرهه أبو الوفا وأبو المعالي "و هـ ش" ونقل ابن الحكم: أحب إلي أن لا يخرج.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ص 232.

(2/28)


1ونقل صالح : لا يخرج1. ونقل أبو طالب: لا ينبغي، واحتج بقول أبي هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم2. ويتوجه يخرج لبدعة، فإن ابن عمر خرج للتثويب في الظهر والعصر، وقال: فإن هذه بدعة، رواه أبو داود3، وإن لم تحرم البدعة، فيتوجه كالخروج من وليمة.
ولمن كان صلى، الخروج، وعند الحنفية لا بعد الأخذ في الإقامة لظهر وعشاء لأنه يتهم.
ووقت إقامة إلى الإمام، وأذان إلى المؤذن، وفي الصحيحين4 أن المؤذن كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه إعلام المؤذن بالصلاة وإقامتها، وفيهما5 قول عمر: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 لسيت في "ط".
2 أخرجه مسلم في "صحيحه" "655" "258 عن أبي الشعثاء: قال كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبوهريرة: أما هذل فقد عصى أبا القاسم.
3 في سننه "538".
4 البخاري "626 مسلم "736" "121" من حديث عائشة.
5 في النسخ الخطية: إمام والمثبت من الفروع.

(2/29)


وفي مسلم1 قول عائشة: لما لم يخرج إليهم عليه السلام في قيام رمضان في الليلة الرابعة، فطفق رجل منهم يقول: الصلاة..
وفي الفصول إن تأخر الإمام، أو أماثل2 الجيران فلا بأس بإعلامه. وقال أبو المعالي: إن جاء الغائب للصلاة أقام حين يراه، للخبر.
ولا يؤذن قبله، ما لم يخف فوت وقته، كالإمام، وجزم أبو المعالي بتحريمه، ومتى جاء وقد أذن قبله أعاد نص عليه، وكذا ذكر القاضي يمنع غير إمام الحي أن يؤذن، ويقيم ويؤم بالمسجد.
ولا بأس بالنحنحة قبيلهما، نص عليه، وأذان واحد بمسجدين لجماعتين، ولا يركع داخل المسجد التحية قبل فراغه، وعنه لا بأس، ولعل المراد غير أذان الجمعة، لأن سماع الخطبة أهم، واختاره صاحب
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 برقم "761" "178".
2 الأمثل: الأفضل جمعه أماثل "القاموس": مثل.

(2/30)


النظم، ولا يقوم القاعد حتى يقرب فراغه.
وينادى لكسوف لأنه في الصحيحين1 واستسقاء وعيد "الصلاة جامعة" أو الصلاة بنصب الأول على الإغراء، أو الثاني على الحال. وفي الرعاية برفعهما ونصبهما.
وقيل: لا ينادى، وقيل: لا في عيد كجنازة وتراويح على الأصح فيهما، قال ابن عباس وجابر: لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الإمام، ولا بعدما يخرج، ولا إقامة، ولا نداء ولا شيء. متفق عليه2.
ويكره النداء حي على الصلاة، ذكره ابن عقيل وغيره.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1045" وسلم "9100" "20" عن ابن عمرو قال: لما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نودي: الصلاة جامعة.
2 البخاري "960" ومسلم "886" "5".

(2/31)


باب ستر العورة وأحكام اللباس
مدخل
...
باب ستر العورة وأحكام اللباس
يشترط للصلاة سترها: عن نفسه "و ش" ولهذا لا تصح صلاة قادر خاليا، وغيره "م ر" قال أبو المعالي: وهو مراد غيره، مع أن كلامهم مطلق: لا من أسفل، واشترطه في الأظهر إن تيسر النظر "و ش" بل من فوق "هـ" بما لا يصف البشرة "و" السواد والبياض، لا الخلقة أي حجم.
ـــــــ
.............

(2/32)


العضو، فإنه لا بأس نص عليه لمشقة الاحتراز، ونقل مهنا تغطي خفها لأنه يصف قدميها، واحتج به القاضي1 على أن القدم عورة.
ويكفي نبات ونحوه، وقيل: لا حشيش وثم ثوب. وفي لزوم طين وماء كدر، لعدم: وجهان "م 1" لا بارية2 وحصير ونحوهما مما يضر3، ولا حفيرة، واختار ابن عقيل يجب الطين لا الماء.
ويكفي متصل به4: كيده، ولحيته، على الأصح "و" وسأله أبو داود إن رأى عورته؟ قال: إن كان رآها في كل حالاته أعاد.
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: ويكفي نبات ونحوه،... وفي لزوم طين وماء كدر لعدم وجهان، انتهى، وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
أحدهما: لا يلزمه، وهو الصحيح، جزم به في الكافي5 والإفادات والرعاية الصغرى، والحاوي الصغير، والفائق وغيرهم، وجزم به ابن الجوزي والشارح وابن عبيدان وابن رزين في شرحه في الماء، وقدموه في الطين، قال المجد في شرحه وابن عبيدان وصاحب الحاوي الكبير: أظهر الوجهين لا يلزمه أن يطين به عورته، وجزم في التلخيص أنه لا يلزمه الستر بالماء، وأطلق الوجهين في الطين، قال الشيخ تقي الدين لا يلزمه الاستتار بالطين عند الآمدي وغيره، وهو الصواب المقطوع به، وقيل إنه المنصوص عن أحمد.
والوجه الثاني: يلزمه، واختار ابن عقيل يجب بالطين لا بالماء الكدر، فتلخص ثلاثة أوجه ثالثها الفرق وهو قول ابن عقيل وغيره.
ـــــــ
1 في "ط": المازني.
2 البارية والبارياء: الحصير فارسي معرب. المعجم الوسيط: "بور".
3 في "س": لايضر.
4 ليست في "ط".
5 1/247.

(2/33)


ويتوجه على الخلاف لزوم ستر عادم: بيديه، ومعناه في كلام القاضي، ولهذا قال صاحب الرعاية يحتمل وجهين، وهل يجب سترها في غير صلاة؟ تقدم في الاستطابة1، ويأتي في كتاب النكاح2.
وقوله: في الرعاية يجب سترها في الصلاة وغيرها حتى خلوة عن نظر نفسه أي لأنه يحرم كشفها خلوة بلا حاجة، فيحرم نظرها، لأنه استدامة لكشفها المحرم، ولم أجد تصريحا بخلاف هذا. لا أن يحرم نظر عورته حيث جاز كشفها، فإنه لا يحرم هو ولا لمسها اتفاقا، وقد قال أبو المعالي: إذا وجب سترها في الصلاة عن نفسه وعن الأجانب فعن نفسه إذا خلا فيه وجهان أحدهما يجب الستر عن الجن والملائكة، والثاني يجوز.
وعورة الرجل ما بين السرة والركبة نقله الجماعة "و ش" وعنه والركبة، لخبر ضعيف3، 4وعنه: عنهما4، قيل للقاضي: لا يمكنه عادة ستر الفخذ إلا بستر بعض الركبة، وما لا يتوصل إلى أداء الصلاة إلا به يكون فرضا مثلها. ولهذا دخلت المرفق في الوضوء، فألزم بالسرة5. وعنه الفرجان "و م" اختاره صاحب المحرر وغيره، وهو أظهر، قال: وسمى الشارع الفخذ عورة لتأكد الاستحباب، وتكلم بعضهم في الخبر6.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 1/129.
2 8/159.
3 أخرجه الدارقطني في سننه من حديث علي بلفظ: "الركبة من العورة".
4 في "ط": عندهما.
5 يعني: فألزم السائل بأن السرة ليست واجبة الستر مع وجوب ستر ما دونها.
6 وهو قوله صلى الله عليه وسلم لجرهد الأسلمي حينما مر به وهو كاشف عن فخذه: "أما علمت أن الفخذ عورة" أخرجه أبو داود "4014".

(2/34)


وللمالكية كالأول، وأن السرة عورة، وأن لا يجب ستر جميعه، والله أعلم. وكذا خنثى مشكل، وعنه كامرأة1.
والحرة البالغة كلها عورة حتى ظفرها، نص عليه، إلا الوجه، اختاره الأكثر، وعنه والكفين "و م ش" وقال شيخنا والقدمين "و هـ" وفي
ـــــــ
تنبيهات
الأول: قوله والحرة كلها عورة.... إلا الوجه، اختاره الأكثر، وعنه والكفين، انتهى.
قدم الكفين عورة، وقال اختاره الأكثر، قلت هو ظاهر كلام الخرقي واختاره القاضي في التعليق، وقطع به الآدمي في منتخبه ومنوره، وصاحب الطريق الأقرب، وصححه، في التصحيح، وقدمه في الإيضاح وخصال ابن البنا والنظم والرعايتين وإدراك الغاية وتجريد العناية وغيرهم.
والرواية الثانية: ليسا بعورة، قطع به في العمدة والإفادات والوجيز والنهاية، ونظمها والتسهيل وغيرهم، واختاره المجد وأبو البركات بن منجى وابن عبد القوي صاحب النظم، وابن عبيدان في شروحهم، وابن عبدوس في تذكرته والشيخ تقي الدين وغيرهم، وقدمه في الحاوي الكبير، وشرح ابن رزين وصححه في تصحيح المحرر وهو الصواب، وكان ينبغي للمصنف أن يطلق الخلاف أو لعدم هذا، وقد أطلق الخلاف في الجامع الصغير والبداية، والمبهج، والفصول، والتذكرة له، والمذهب، ومسبوك الذهب والمستوعب، والخلاصة، والمغني2، والكافي3 والمقنع4، والهادي والتلخيص، والبلغة، والمحرر، والشرح3، والمذهب الأحمد ومختصر ابن تميم والحاوي الصغير والفائق والزركشي وغيرهم.
ـــــــ
1 في "ط": كالسرة.
2 2/328.
3 1/242.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/206.

(2/35)


الوجه رواية، وذكر القاضي عكسها إجماعا، قال بعضهم: ومراهقة وقال بعضهم ومميزة كأمة، نقل أبو طالب في شعر وساق وساعد لا يجب ستره حتى تحيض. وقال أبو المعالي: هي بعد تسع، والصبي بعد عشر كبالغ، ثم ذكر عن أصحابنا إلا في كشف الرأس، وقبلهما وبعد السبع، الفرجان، وأن يجوز نظر ما سواه.
والأمة كالرجل "و ش" وعنه ما لا يظهر غالبا "و هـ م" وكذا أم ولد، ومعتق بعضها، ومدبرة ومكاتبة، وعنه كحرة "خ" وقيل: أم ولد
ـــــــ
الثاني: قوله: قال بعضهم ومراهقة وقال بعضهم ومميزة كأمة، انتهى، ظاهر كلامه إطلاق الخلاف، قال في النكت: وكلام كثير من الأصحاب يقتضي أنه كالبالغة في عورة الصلاة، وجزم في المغني1 في كتاب النكاح والمجد في شرحه وابن تميم والناظم وصاحب الحاوي الكبير وابن عبد القوي، في مجمع البحرين وابن عبيدان وغيرهم أن المراهقة كالأمة وقدمه الزركشي وغيره، ونقل أبي طالب يوافق ذلك. وقال في الرعايتين والحاوي الصغير: وقيل المميزة كالأمة، وذكر المصنف كلام أبي المعالي، والصحيح على ما اصطلحناه ما قاله في المغني والمجد وغيرهما ويؤيده رواية أبي طالب والله أعلم.
الثالث: قوله: وكذا معتق بعضها يعني كالأمة وعنه كحرة، انتهى، تقدم أنها كالأمة، وقدمه في المقنع2 والفائق، وصححه ابن تميم وجزم به في
ـــــــ
1 لم نقف عليهما.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/309.

(2/36)


كحرة، وقيل: المعتق بعضها، وقيل: هما.
وستر المنكبين شرط في ظاهر المذهب، قال القاضي: وعليه أصحابنا، وعنه واجب، وعنه سنة "و" وفي الواضح رواية يكفي خيط ونحوه، وقيل: أقل لباس. وفي النفل1 والاكتفاء بستر أحدهما روايتان "م 2,3".
ـــــــ
العمدة, ورواية أنها كحرة جزم بها في الإفادات، والوجيز والمنور والمنتخب وقدمه في الهداية والمذهب والرعايتين، والحاويين، ومختصر ابن تميم، وشرح ابن رزين وغيرهم، قال في مسبوك الذهب والمحرر ومجمع البحرين: والمعتق بعضها كالحرة على الأصح، قال المجد في شرحه: هذا الصحيح، قال الناظم: هذا أولى، قال الزركشي: هذا الصحيح من المذهب، قال في تجريد العناية هذا الأظهر، وهو الصواب وأطلقهما في المستوعب والهادي والتلخيص والبلغة والطريق الأحمد وشرح ابن عبيدان.
مسألة 2-3: قوله: في ستر المنكبين وفي النفل والاكتفاء بستر أحدهما روايتان، انتهى، ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى-2: هل النفل كالفرض في ستر المنكبين أم لا، أطلق الخلاف، وأطلقه في المحرر، وشرح ابن عبيدان والحاوي الكبير والفائق، والزركشي وغيرهم.
إحداهما: ليس النفل كالفرض، بل يجزئ ستر العورة فيه من غير ستر المنكبين، وهو الصحيح نص عليه في رواية حنبل، واختاره القاضي وابن عقيل وابن عبدوس في تذكرته وغيرهم قال المجد في شرحه وابن عبد القوي في مجمع البحرين وابن عبيدان في شرحه وصاحب الحاوي الكبير والزركشي وغيرهم: هذه الرواية هي المشهورة، وجزم به في البداية والمستوعب والوجيز وغيرهم،
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".

(2/37)


وتسن صلاته في ثوبين "و" وذكره بعضهم "ع" قال جماعة: مع ستر رأسه، والإمام أبلغ، نقل أبو طالب يستحب أن يكون للإمام ثوبان.وصلاتها في درع وخمار وملحفة "و" روى ذلك محمد بن عبد الله الأنصاري1 في جزئه عن عمر بإسناد صحيح، وتكره في نقاب وبرقع.
ـــــــ
وهو ظاهر ما جزم به في التلخيص والبلغة وإدراك الغاية والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم، لاقتصاره على وجوبه في الفرض، وصححه في الحاوي الصغير، وتصحيح المحرر، وقدمه في المغني2 والنظم ومختصر ابن تميم والرعايتين والشرح وغيرهم.
والرواية الثانية: النفل كالفرض في ذلك، جزم به الخرقي، قال في الإفادات وعلى الرجل القادر ستر عورته ومنكبيه، وأطلق، وكذا قال في المذهب الأحمد، وقدمه في المقنع3، وظاهر كلام ابن منجى في شرحه أن هذه الرواية اختيار غير القاضي وليس كذلك.
المسألة الثانية-3: هل يكتفي بستر أحد المنكبين أم لا بد من سترهما؟ أطلق فيه الخلاف. أحدهما: يجزئ ستر أحدهما، وهو الصحيح، نص عليه في رواية مثنى بن جامع4، واختاره الشيخ الموفق والمجد في شرحه وابن عبيدان وغيرهم وجزم به في المحرر والوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم وهو ظاهر كلام
ـــــــ
1 هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري عاش سبعا وتسعين سنة وكان أسند أهل زمانه وله جزء مشهور من العوالي تفرد به التاج الكندي. "ت215". السيرة 9/532.
2 2/291.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/218.
4 هو أبو الحسن مثنى بن جامه الأنباري حدث عن سعيد بن سليمان الواسطي ومحمد بن صباح الدولابي وعمار بن نصر الخرساني وغيرهم. ونقل عن الإمام أحمد مسائل حسانا. "طبقات الحنابلة" 1/336 "المنهج الأحمدي" 2/158.

(2/38)


نص على ذلك ولا تبطل بكشف يسير لا يفحش في النظر عرفا، وقيل ولو عمدا كالمشي في الصلاة وعنه بلى "و ش" اختاره الآجري وقيل في المغلظة، وكذا كثير قصر زمنه "ش".
وقيل: إن احتاج عملا كثيرا في أخذها فوجهان، ومذهب "هـ" يمنع الصحة كشف ربع الساق، أو ربع الذكر أو غيره، وأن مثله الشعر.
: ولا تصح، وعنه من عالم بالنهي في ثوب حرير أو غصب أو بقعة غصب أرض، أو حيوان أو غيره للملك أو المنفعة أو جزءا مشاعا فيها1، وعنه بلى مع التحريم، اختاره الخلال والفنون "و" كعمامة، وخاتم ذهب، وخف، وتكة في الأصح.
ـــــــ
الخرقي وقدمه في الإقناع ومختصر ابن تميم والرعايتين والحاويين ومجمع البحرين والفائق وغيرهم والرواية الثانية: لا بد من ستر المنكبين، وهما عاتقاه، اختاره القاضي وجماعة وصححه في شرح الخرقي وجزم به في التلخيص والبلغة والإفادات وغيرهم.
ـــــــ
1 في "ط": فيهما.

(2/39)


وقيل: بل مع الكراهة، وهو ظاهر كلامه في المستوعب وفيه نظر، وعنه الوقف في التكة، وعنه يقف على إجازة المالك، وعنه إن كان:1 لم يصح.
وقيل خاتم حديد وصفر [نحاس] كذهب، قال القاضي وغيره لأن النهي لم يعد إلى شرطها، ولهذا صح النفل2 لأن المنع لا يختص الصلاة لأنه لا يمنع أن لا يختص الصلاة ويفسدها كذا قال هنا، ويأتي كلامه في: مواضع النهي3.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في "ط": شفافا.
2 بعده في النسخ الخطية: لا.
3 ص 105.

(2/40)


وعند الحنفية الصلاة في مكان أو ثوب مغصوب أو حرير مكروهة كبقية المكروهات في الصلاة، قالوا: وليست بناقضة، لأنها ليست بسبب للغصب، لأنه غاصب، وإن لم يصل، ونفس الغصب ليس فعل الصلاة، لأن فعلها قائم بالمصلي، وفعل الغصب شغل الأرض وهو قائم بالأرض، ولهذا صح نفله، ولزمه بالشروع فيها، ويصلح لإسقاط صلاة واجبة في ذمته، وأما ظرف الزمان وهو الوقت المكروه وهو سببها فنقصان السبب يوجب نقصان المسبب، فالنفل الكامل وهو ما وجب كاملا في وقت صحيح لا يتأدى بهذا الناقص، لأن كمالها داخل تحت الأمر، ففواته أوجب نقصانا بالمأمور به، قالوا: والمكان لم يدخل تحت الأمر، فلا يوجب نقصانا، وكذا من ترك واجبا كالفاتحة في الأداء والقضاء1، سواء كان ساهيا ينجبر بسجود السهو، أو عامدا فلا ينجبر لثبوته بخبر الواحد بطريق الزيادة.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ليست في "ط".

(2/41)


ويضمن النفل الناقص بالشروع فيه عندهم، خلافا لزفر، قالوا في صوم العيد: الصوم يقوم بالوقت، لأنه جزء من أجزائه، وداخل في حده ويعرف به، والمعيار سبب ووصف. فيكون فاسدا وإذا شرع فيه ثم أفسده لا قضاء عند أبي حنيفة، وعند صاحبيه يقضي، لأن الشروع ملزم كالنذر، ويصح، ويلزم القضاء، لأن صومه طاعة في نفسه، قبيح بوصفه.
وذكر بعض الحنفية: لو لزمته الصلاة في غير مكان غصب فأداها فيه لا تجزئه، والله تعالى أعلم.
وإن جهل أو نسي كونه غصبا أو حريرا أو حبس بغصب صحت، وعنه لا، وذكر صاحب المحرر الصحة "ع" لزوال علة الفساد وهي اللبس المحرم، وأطلق القاضي في حبسه بغصب روايتين، ثم جزم بالصحة في ثوب يجهل غصبه لعدم إثمه، كذا قال.
ولا يصح نفل آبق، ذكره ابن عقيل وغيره، لأن زمن فرضه مستثنى شرعا، فلم يغصبه. وقال شيخنا وبطلان فرضه قوي. وقال ابن هبيرة في حديث جرير "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة". وفي لفظ "إذا أبق من مواليه فقد
ـــــــ
........................................

(2/42)


كفر حتى يرجع إليهم" رواهما مسلم1، قال: أراه على معنى إذا استحل الإباق، وبذلك يكفر، كذا قال، وظاهره صحة صلاته عنده، وقد روى ابن خزيمة في صحيحه2 عن جابر مرفوعا: "ثلاثة لا تقبل لهم صلاة، ولا تصعد لهم حسنة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو" .
وإن غير هيئة مسجد فكغيره وإن منعه غيره، وقيل: أو زحمه فصلى مكانه فوجهان "م 4" وعلل ابن عقيل الصحة فيما إذا منعه كغصبه
ـــــــ
تنبيه: قوله: وإن غير هيئة مسجد فكغيره لعله فكغصبه كما في الرعاية.
"مسألة 4" قوله في أحكام المغصوب: وإن منعه غيره أي منع المسجد غيره من الصلاة فيه وصلى هو فيه، وقيل أو زحمه وصلى مكانه فوجهان، يعني في صحة صلاته وأطلقهما ابن عقيل وابن تميم:
ـــــــ
1 في صحيحه: الأول برقم "70" "124" والثاني برقم "68" "122" بلفظ: "أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم".
2 برقم "940".

(2/43)


ستار الكعبة وصلاته فيها، كذا قال، وعدم الصحة فيها أولى، لتحريم صلاته فيها.
1ولا يضمنه بمنعه1 كجزء وقال شيخنا: قياس المذهب: يضمنه، وتصح ممن طولب بوديعة أو غصب، وذكر ابن الزاغوني عن طائفة من أصحابنا لا تصح. وقال بعض الحنفية مع تضرر الطالب، زاد بعضهم ما لم يفلت الوقت، ويتوجه مثل المسألة من أمره سيده يذهب إلى مكان فخالفه وأقام2.
ويصح وضوء وأذان وزكاة وصوم وعقد في بقعة غصب لأن
ـــــــ
أحدهما يصح، وهو الصحيح، قال المجد في شرحه وصاحب الحاوي الكبير والصحيح الصحة، قال في الفائق: صحت في أصح الوجهين، وقدمه في الرعاية الكبرى.
والوجه الثاني لا يصح، قال الشيخ تقي الدين والأقوى البطلان، قلت وهو قوي.
ـــــــ
1 في "ب": ولابمنعه يضمنه.
2 ليست في "ط".

(2/44)


الكون ليس بشرط في صحته، بدليل إتيانهما به وهما يسبحان أو يهويان من علو، ولهذا يصح تجدد الطهارة فيها، بخلاف نفل الصلاة، ذكره القاضي وغيره كختان، وعتق، وطلاق، لأنه إتلاف لا يمكن تداركه، وقيل هو كصلاة، ونقله المروذي وغيره في الشرى، وذكره جماعة منهم الشيخ في باب الغصب. وقال القاضي بعد ذكره هذا: يخرج على الروايتين في الصلاة في الدار الغصب، وحمله ابن عقيل وغيره على الكراهة والتغليظ أو الورع، لأنه لا يؤمن منه أن يبيع طعاما مغصوبا، والبقعة ليست شرطا في البيع، ولا علقة لها بالبيع، ولا تأثير لغصب البقاع في العقود فيها، وسلم أبو الخطاب وغيره صحة إسلامه، لأنه لا يتصرف به فيها.
ـــــــ
........................................

(2/45)


وحجه بغصب كصلاة، ولا يقال: الزاد والراحلة يتقدمان العبادة، ولا يصاحبانها، لأنه لو أحرم من دويرة أهله أو من الميقات وسار على راحلة محرمة فالتحريم مصاحب للعبادة، وهو صحيح عندهم، ولأن الحج من نتيجة المال المغصوب وفائدته، ومن أصلنا أن فائدة المال المغصوب لا تكون للغاصب، ولا يمكن الحج للمالك، لأنه لم يأذن فيه ولا نواه، ذكر القاضي وغيره، وكلام غيره يخالفه، وأن المؤثر حجه لا قبل إحرامه، وهو أظهر، وفرق ابن عقيل وغيره بأن الزاد والراحلة ليسا شرطا للصحة بل للوجوب وفقا1. فقالوا: نفله كفرضه كثوب نجس، وقيل يصح، لأنه أخف وذكر القاضي وجماعة لا، وجعلوه حجة على المخالف، فلهذا قالوا: لا يثاب على فرضه إن صح، وقيل له في التمهيد في مسألة النهي:.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".

(2/46)


خلافنا في الصلاة على صفة مكروهة من الالتفات والصلاة في الثوب الغصب وما أشبه ذلك من الدين؟ فقال: فعل العبادات على وجه النهي ليس في الدين، ولهذا لا يثاب عليه، ولهذا يحرم عليه فعله، وما لم يؤمر به ولم يبح له فهو خارج من الدين مردود، كذا قال، وقد يتوجه من صحة نفله إثابته عليه، فيثاب على فرضه من الوجه الذي صح، وإلا فلا فائدة في صحة نفله، ولا ثواب لبراءة ذمته، ويلزم منه يثاب على كل عبادة كرهت، ويكون المراد بقولهم في الأصول: المكروه لا ثواب في فعله. ما كره بالذات لا بالعرض، ويأتي1 صحة حج التاجر وإثابته، وهل يثاب على عمل مشوب.؟
وقد يحمل قولهم في الأصول على ظاهره، ولهذا لما احتج من كره صلاة الجنازة بالخبر الضعيف الذي رواه أحمد وغيره2: من صلى على جنازة3 في المسجد3 فليس له من الأجر شيء. لم يقل أحد
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 5/235.
2 أحمد في مسنده "9730" و ابو داود "3191" وابن ماجه "1517" من جديث أبي هريرة.
3 ليست في "ط".

(2/47)


بالأجر مع الكراهة، لا اعتقادا ولا بحثا، واحتج في الخلاف لمن لم يمنع قراءة الجنب لقوله عليه السلام: "من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات"1. وأجاب بأن المراد المتطهر، لأن الجنب تكره له القراءة عندهم، فلا يدخل تحت الظاهر، ويأتي في الباب بعده2 قول صاحب المحرر: إن صلاة من شرب خمرا تصح ولا ثواب فيها، ونقل ابن القاسم لا أجر لمن غزا على فرس غصب. وقاله شيخنا وغيره في حج، وكذا ذكر الشافعية صحة الصلاة في الدار المغصوبة ولا ثواب. وقال ابن منصور3 ابن أخي أبي نصر بن الصباغ منهم ذكر شيخنا4 في الكامل أنه ينبغي أن تصح ويحصل الثواب، فيكون مثابا على فعله، عاصيا بمقامه، فإذا لم يمنع من صحتها لم يمنع من حصول الثواب، قال أبو منصور: وهذا هو القياس،.
ولو تقوى على عبادة بأكل محرم لزوال عينه، ولا أثر له بعد زوالها، قال أحمد في بئر حفرت بمال غصب لا يتوضأ منها، وعنه إن لم يجد غيرها: لا أدري.
ولو صلى على أرضه أو مصلاه بلا غصب صح في الأصح، وقيل:
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه ابن عدي في الكامل 7/2506 من حديث عمر بن الخطاب.
2 ص 104.
3 هو أحمد نب محمد بن عبد الواحد بن الصباغ البغدادي تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري وعلى عمه الشيخ أبي النصر. قال ابن النجار: كان فقيها فاضلا حافظا للمذهب متدينا يصوم الدهر ويكثر الصلاة. "ت494هـ".
"طبقات الشافعية الكبرى" 4/85.
4 هو: عمه أبو نصر بن الصباغ صاحب الشامل والكامل وعدة العالم والطريق السالم" وغيرها. "477هـ"
"طبقات الشافعية الكبرى" 5/122.

(2/48)


حملها على الكراهة أولى، وظاهر المسألة أن الصلاة هنا أولى من الطريق، خلافا للحنفية وغيرهم، وأن الأرض المزروعة كغيرها، والمراد ولا ضرر، ولو كانت لكافر، ويتوجه احتمال لعدم رضاه بصلاة مسلم بأرضه "و هـ" وقيل للقاضي: لو صلى في براح لرجل ليس عليه ستر، فقال: لا رواية فيه ويحتمل أن نسلمه، لأن الظاهر أن مالكه لا يمنع.
ولا تصح في الأصح وإن بسط طاهرا على غصب أو غصبا على
ـــــــ
.............

(2/49)


طاهر إن غصب الأبنية فقط فروايتان إن استند، وقيل: أو لا "م 5".
ويصلي في حرير لعدم "و" وعنه ويعيد "و م" وكذا في ثوب نجس ويعيد، وعنه: لا، جزم به في التبصرة واختاره جماعة كمكان نجس
ـــــــ
"تنبيه" قوله: وإن بسط طاهرا على غصب، أو غصبا على طاهر، انتهى.
الظاهر أن هنا نقصا لأنه لم يذكر حكم ذلك، وتقديره، والله أعلم، لم يصح في الأصح، لأنه في الرعايتين والحاويين كذلك، وجزم ابن تميم بعدم الصحة، ونبه عليه أيضا شيخنا في حواشيه، والصحة إذا بسط غصبا على طاهر ضعيف جدا، والله أعلم.
مسألة- 5: قوله: "وإن غصب الأبنية فقط فروايتان إن استند، وقيل أو لا" انتهى. قال ابن تميم: وإن صلى في بقعة حلال والأبنية غصب فروايتان، فظاهره موافق للقول الثاني. وقال في الرعايتين والحاوي الصغير: وإن صلى في أرض له والأبنية مغصوبة فروايتان، قلت هذا إن اعتمد عليها أو استند إليها، وإلا كرهت الصلاة، وصحت، انتهى، فظاهر ما نقله هؤلاء أن محل الروايتين يشمل الاستناد وعدمه، و يقويه ما اختاره ابن حمدان، وقد جعل المصنف محلهما مع الاستناد على المقدم، وهو الصواب، والصواب أيضا الصحة مطلقا، والله أعلم.

(2/50)


"هـ" وخرج جماعة فيه راوية من الإعادة في الثوب وخرجوا في الثوب من المكان، ولم يخرج آخرون، وهو أظهر لظهور الفرق، وخرج في التعليق رواية عدم الإعادة في الثوب من عدم الماء والتراب، وعنه إن ضاق الوقت صلى في الثوب، وقيل: يصلي عريانا "و ش" كغصب "و" وقيل: ويعيد ومذهب "هـ": تجب الصلاة في ثوب ربعه طاهر، وإلا فهي فيه أفضل.وهل يصلي بمكان نجس إيماء أم يسجد؟ فيه روايتان "م 6".
ـــــــ
مسألة 6" قوله: وهل يصلي بمكان نجس إيماء، أم يسجد؟ فيه روايتان، انتهى، وأطلقهما في المذهب، ومختصر ابن تميم، واعلم أنه إذا صلى في موضع نجس فلا يخلو: إما أن تكون النجاسة رطبة أو يابسة؛ فإن كانت يابسة ففيها الروايتان:
أحدهما يسجد بالأرض، وهو الصحيح، قال المجد في شرحه وتابعه في الحاوي الكبير: وهي الصحيحة، وهو ظاهر ما جزم به في الكافي في شروط الصلاة تقديما لركن السجود، لأنه مقصود في نفسه، ومجمع على افتراضه، وعلى عدم سقوطه بالنسيان.
والرواية الثانية: يومئ غاية ما يمكنه، ولا يسجد، قال في الوجيز: ومن محله نجس ضرورة أومأ ولم يعد، قال في المستوعب: يومئ بالركوع والسجود، نص عليه، قال ابن نصر الله في حواشيه أصح الوجهين أنه كمن صلى في ماء وطين،

(2/51)


فصل: ومن وجد ما يستر منكبيه وعجزه فقط ستره وصلى جالسا.
نص عليه، وقيل: يتزر ويصلي قائما، وكما لو لم يكف. وقال القاضي يصلي فيه جالسا، ويستر منكبيه "خ". وستر الفرجين مقدم، فإن عجز فعنه الدبر أولى، وقيل القبل، وقيل بالتساوي، وقيل أكثرهما سترا "م 7".
ويجب ستر دون الربع "هـ" بناء على أصله في أن له حكم الكل لا لما دونه وإن أعير سترة لزمه قبولها "و" وقيل لا، كالهبة في الأصح، و1 يلزمه تحصيلها بقيمة المثل "هـ" في الزيادة كماء الوضوء.
ـــــــ
وقدمه في الرعاية الكبرى، قال القاضي وابن عقيل في الفصول: يقرب أعضاءه من السجود بحيث لو زاد شيئا لمسته النجاسة، ويجلس على رجليه، ولا يضع على الأرض غيرهما. انتهى. وإن كانت رطبة أومأ غاية ما يمكنه، وجلس على قدميه قولا واحدا، قاله ابن تميم، وجزم به في الكافي2، وظاهر كلام المصنف وغيره: أن الخلاف جار في الصورتين، والفرق ظاهر، والله أعلم.
مسألة- 7: قوله: وستر الفرجين مقدم، فإن عجز فعنه الدبر أولى، وعنه القبل، وقيل بالتساوي، وقيل أكثرهما سترا، انتهى.
إحداهما: ستر الدبر أولى، وهو الصحيح، صححه المجد في شرحه، وصاحب الحاوي الكبير، قال المجد: هذا الصحيح عندنا، قال في تجريد العناية: ستره على الأظهر، وجزم به في الهادي، والإفادات، والوجيز والمنور
ـــــــ
1 في "ط": هـ في.
2 1/237.

(2/52)


وإن عدم صلى جالسا ندبا "و هـ" وقيل: وجوبا يومئ، وعنه يسجد ولا يتربع هنا، بل يتضام، نقله الأثرم والميموني. ونقل محمد بن حبيب يتربع، وعنه تلزمه قائما ويسجد بالأرض "و م ش" اختاره الآجري وغيره وقدمه ابن الجوزي، وقيل يومئ، وقيل يعيد عار، ونقل الأثرم إن توارى بعض العراة عن بعض فصلوا قياما فلا بأس، قال القاضي ظاهره لا يكره القيام خلوة، ونقل بكر بن محمد أحب إلي أن يصلوا قعودا، فظاهره لا فرق بين الخلوة وغيرها، قال وهو المذهب1.
وإن وجدها في الصلاة قريبة عرفا بنى "هـ م و" وإلا ابتدأ، وقيل:
بالبناء وعدمه مطلقا، وقيل إن انتظر من يناولها له لم تبطل، لأن الانتظار
ـــــــ
ومنتخب الآدمي وغيرهم، واختاره ابن عبدوس في تذكرته، وقدمه في المقنع2 والمحرر ومختصر ابن تميم والرعايتين والشرح2 وشرح ابن عبيدان والحاوي الصغير، والفائق وإدراك الغاية وغيرهم.
والرواية الثانية: ستر القبل أولى، حكاها غير واحد، وهو قول في المقنع2 وغيره، قلت والنفس تميل إليه، وأطلقهما في الفصول، والمستوعب، والكافي3، وقيل: بالتساوي، قال في العمدة والمذهب الأحمد: فإن لم يكفهما ستر أحدهما واقتصر عليه ابن رزين في شرحه، وأطلقهن في التلخيص والبلغة، وقيل ستر أكثرهما أولى، واختاره في الرعاية الكبرى، قلت: لو قيل بالوجوب على هذا الوجه لكان متجها وإن محل الخلاف في غير هذه الصورة لكان له وجه.
ـــــــ
1 بعدها في الأصل و "ب" و "ط": وقيل:يومئ وقيل: يعيد عار.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/234.
3 1/247.

(2/53)


واحد، كانتظار المسبوق، وكذا المعتقة فيها، وإن جهلت العتق، أو وجوب الستر، أو القدرة عليه أعادت، كخيار معتقة تحت عبد، ذكره القاضي وغيره.
ويصلي العراة جماعة وجوبا لا فرادى، "هـ م" في غير ظلمة. وقال ابن عقيل جلوسا وجوبا "هـ" إن في منفرد روايتين، وإمامهم وسطا، لا متقدما "هـ م" وقيل يجوز.
ويصلي كل نوع وحده، لأنها إن وقفت خلفه شاهدت العورة ومعه
ـــــــ
.............

(2/54)


خلاف لسنة الموقف، وربما أفضى إلى الفتنة، ويأتي كلام القاضي في العريان يؤم امرأة، فإن شق صلى نوع، واستدبره الآخر، ثم العكس.
ومن صلى عريانا وأعار سترته لم تصح، ويستحب أن يعير إذا صلى، ويصلي بها واحد واحد، وهل يلزم انتظارها ولو خرج الوقت "و ش" أم لا، كالقدرة على القيام بعده؟ وفيه وجهان "م 8".
وجعل الشيخ واجد الماء أصلا للزوم، كذا قال، ولا فرق، وأطلق أحمد في مسألة القدرة على القيام بعده الانتظار، وحمله ابن عقيل على اتساع الوقت، والأصح يقدم إمام مع ضيق الوقت.
والمرأة أولى، ويصلي بها عار، ثم يكفن ميت، وقيل: يقدم هو.
ـــــــ
مسألة 8" قوله: ويستحب لمن كان له سترة أن يعير غيره إذا صلى بها، ويصلي بها واحد بعد واحد، وهل يلزم انتظارها ولو خرج الوقت أم لا، كالقدرة على القيام بعده؟ فيه وجهان، انتهى:
أحدهما: لا يلزم انتظارها، بل يصلي عريانا في الوقت، وهو الصحيح، جزم به في الكافي1، وقدمه في المغني2 والشرح3 ومختصر ابن تميم وشرح ابن عبيدان وغيرهم. وقال في الرعايتين والحاويين: وإن بذلت للعراة سترة صلى بها واحد بعد واحد، زاد في الكبرى وإن خرج الوقت، ثم قالا: ويقدم الإمام مع ضيق الوقت في أصح الوجهين، انتهى، ولعل هذا مفيد للوجهين
ـــــــ
1 1/249.
2 2/322.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/245.

(2/55)


ويكره في الصلاة السدل "م" وعنه: إن لم يكن تحته ثوب، أو إزار، وعنه: يعيد "خ" وحكى الترمذي1 عن أحمد: لا يكره، وهو: طرح ثوب على كتفيه لا يرد طرفه على كتفه الآخر، ونقل صالح طرحه على أحدهما ولم يرد طرفيه على الآخر، وعنه ولا يضم طرفيه بيده، ونقل ابن هانئ يرخي ثوبه على عاتقه، ثم لا يمسه، وقيل هو إسبال الثوب على الأرض، وقيل: وضع وسط الرداء على رأسه وإرساله من ورائه على ظهره، وهي لبسة اليهود، وقيل: وضعه على عنقه ولم يرده على كتفيه.
واختلف الحنفية في كراهة السدل في غير صلاة، وظاهر قولنا: لا يكره لظاهر الخبر، وإن ثبت أنه لبسة اليهود، أو أنه إسبال الثوب على الأرض فالخلاف.
ـــــــ
اللذين أطلقهما، فيكون قد صحح المذهب كما قلناه أولا وكذا قال المصنف بعد ذلك، والأصح يقدم إمام مع ضيق الوقت، انتهى. وقال في الكبرى أيضا فإن أعادها لهم صلى بها واحد بعد واحد وإن ضاق الوقت صلى بها واحد، قلت إن عينه، "ربها" وإلا اقترعوا إن تشاحوا، انتهى. وقال في المغني2 والشرح3 أيضا وإن صلى صاحب الثوب وقد بقي وقت صلاة واحدة استحب أن يعيره لمن يصلح لإمامتهم، وإن أعاره لغيره جاز، وصار حكمه حكم صاحب الثوب، انتهى.
والوجه الثاني: يلزم انتظارها وإن خرج الوقت، وذكره في المغني2 احتمالا وقال: هذا ليس عندي.
تنبيه: قوله في السدل: وإن ثبت أنه لبسه اليهود وأنه إسبال الثوب على الأرض
ـــــــ
1 في سننه عقب حديث 378.
2 2/322.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/245.

(2/56)


ونقل محمد بن موسى: أنا أكره السدل، والنهي فيه صحيح عن علي1.
وخبر أبي هريرة نقل مهنا ليس بصحيح، لكن رواه أبو داود بإسناد جيد لم يضعفه أحمد.2 وروى سعيد عن إبراهيم كانوا يكرهون السدل في الصلاة، وأطلق ابن عقيل كراهته، ثم قال: ولأن ما نهي عنه خارج الصلاة ففي الصلاة أشد.
واشتمال الصماء "م" وهو اضطباعه بثوب، وعنه: ولو كان عليه غيره، وعنه يعيد "خ" وقيل: يلتف بثوب يرد طرفيه إلى أحد جانبيه ولا يبقى ليديه ما تخرج منه، وهو المعروف عند العرب والأول قول الفقهاء، قال أبو عبيدة3: وهم أعلم بالتأويل.
ويكره تغطية الوجه والتلثم على الفم، ولف الكم بلا سبب وعنه لا، وفي التلثم على الأنف روايتان "م 9".
ـــــــ
فالخلاف، يعني: الخلاف الذي في التشبه باليهود، والخلاف الذي في إسبال الثوب على الأرض، وقد ذكر حكمهما المصنف.
مسألة 9: قوله: "ويكره تغطية الوجه والتلثم على الفم ولف الكم بلا سبب وعنه لا وفي التلثم على الأنف روايتان" انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة ومختصر ابن تميم والرعايتين وابن عبيدان والحاويين والفائق وغيرهم:
ـــــــ
1 أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" 1423 والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/243 عن علي رضي الله عنه أنه أخرج فرأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم. والفهر: مدارس اليهود تجتمع إليه في عيدهم. "القاموس": الفهر.
2 أخرج أبو داود 643 وأحمد 7934 عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة.
3 في "ط": أبو عبيدة والصواب ما أثبت وهو: أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله. من مصنفاته: كتاب "الأموال", و "الغريب" و "الناسخ والمنسوخ" وغيرها. "ت224هـ" السير 10/490.

(2/57)


وشد وسطه بما يشبه الزنار1. نص عليه وعنه لا، زاد بعضهم: إلا أن يشده لعمل الدنيا فيكره، نقله ابن إبراهيم، ويكره للمرأة، وعنه يكره المنطقة، زاد بعضهم وفي غير صلاة، ونقل حرب يكره شد وسطه على القميص، لأنه من زي اليهود، ولا بأس به على القباء، قال القاضي: لأنه من عادة المسلمين، وكراهة شد وسطه بما يشبه الزنار لا يختص بالصلاة كالذي قبله، ذكره غير واحد، لأنه يكره التشبه بالنصارى في كل وقت، وسبق في المسح2، ويأتي في آخر الباب تحريمه3، وفي الوليمة4 في الأقوال ثلاثة في كل تشبه، لأنه لا فرق إلا بما يتميزون به من اللباس
ـــــــ
إحداهما: يكره، وهو الصحيح، قال في الفصول: يكره التلثم على الأنف على أصح الروايتين، وجزم به في المغني5 والمقنع6 والهادي والنظم وشرح ابن رزين والوجيز وغيرهم، واختاره المجد في شرحه وقدمه في الشرح6.
والرواية الثانية: لا يكره، ولم يذكر المسألة في الكافي.
ـــــــ
1 الزنار: حزام يشده النصراني على وسطه. "المعجم الوسيط": "زنر".
2 1/202.
3 ص 85.
4 8/330.
5 2/299.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/250.

(2/58)


ولا يكره بما لا يشبه، زاد صاحب المحرر بل يستحب، نص عليه للخبر1، لأنه أستر لعورته، ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصماء لم يقيده بالصلاة، وقرنه بالاحتباء2، فظاهر ذلك لا يختص بالصلاة.
ويجوز الاحتباء، وعنه: يكره، وعنه المنع، ويحرم مع كشف عورة.
ويحرم في الأصح وهو ظاهر كلام أحمد، بل كبيرة على ما يأتي3 من نصه إسبال ثيابه خيلاء في غير حرب بلا حاجة، نحو كونه خمش الساقين، والمراد: ولم يرد التدليس على النساء، ويتوجه هذا في قصيرة اتخذت رجلين من خشب فلم تعرف.
ـــــــ
تنبيه: قوله: "ويحرم في الأصح إسبال ثيابه خيلاء في غير حرب بلا حاجة نحو كونه خمش الساقين" انتهى. الذي يظهر أنه يحرم فعله خيلاء، ولو كان به حاجة إلى الإسبال، فقوله بلا حاجة نحو كونه خمش الساقين يعطي أنه لا يحرم وليس الأمر كذلك، وإنما المباح في هذه الصورة الإسبال فقط، لا الإسبال مع الخيلاء، ولعل التمثيل عائد إلى الإسبال فقط، فيزول الإشكال، والله أعلم.
ـــــــ
1 وهو حديث أبي هريرة الذي سيورده ابن قندس لاحقا.
2 أخرج البخاري 367 عن أبي سعيد الخدري أنه قال: مهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الصماء وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شئ و أخرجه مسلم 2099 من حديث جابر.
3 في الصفحة التالية.

(2/59)


ويكره فوق نصف ساقيه، نص عليه. وقال أيضا: يشهر نفسه، ويكره على الأصح تحت كعبيه بلا حاجة، وعنه ما تحتهما في النار وذكر صاحب النظم من لم يخف خيلاء لم يكره، والأولى تركه.
ويجوز للمرأة إلى ذراع، وقال جماعة: ذيل نساء المدن في البيت كرجل.
قال جماعة: ويسن تطويل كم الرجل إلى رءوس أصابعه، أو أكثر يسيرا وتوسيعها قصدا "م 10"، وقصر كمها، واختلف كلامهم في سعته قصدا.
ـــــــ
مسألة 10: قوله: "ويسن تطويل كم الرجل إلى رءوس أصابعه أو أكثر يسيرا، وتوسيعها قصدا، وقصر كمها، واختلف كلامهم في سعته قصدا" انتهى، يعني للمرأة.
قال في التلخيص: وتوسيع الكم من غير إفراط حسن في حق النساء، وبخلاف الرجال. وقال في الآداب الكبرى والوسطى ويسن سعة كم قميص المرأة يسيرا، وقصره. وقال ابن حمد: إن قلت دون رءوس أصابعها، انتهى. وقال ابن تميم: وتوسيع كم المرأة قصدا حسن.

(2/60)


وكره أحمد الزيق1 العريض للرجل، واختلفت الرواية فيه للمرأة "م 11"، قال القاضي: إنما كرهه لإفضائه إلى الشهرة. وقال بعضهم: "2إنما كره الإفراط جمعا بين قوليه2". قال أحمد في الدراعة: الفرج من بين يديها قد سمعت، ولم أسمع من خلفها إلا أن فيه سعة عند الركوب، ومنفعة.
ويكره إن وصف البشرة لرجل وامرأة حي وميت نص عليه. وقال أبو المعالي وغيره: لا يجوز لبسه، وذكره جماعة لا يكره لمن لم يرها إلا زوج وسيد، وذكر أيضا أبو المعالي وإن وصف اللين والخشونة والحجم كره للنساء فقط.
وكره أحمد والأصحاب: زي الأعاجم كعمامة صماء، وكنعل صرارة3 للزينة لا للوضوء ونحوه.
ويكره شهرة وخلاف زي بلده، وقيل: يحرم ونصه لا، قال شيخنا: يحرم شهرة وهو ما يقصد به الارتفاع، وإظهار التواضع، كما كان السلف
ـــــــ
مسألة 11: قوله: وكره أحمد الزيق العريض للرجل، واختلفت الرواية فيه للمرأة، انتهى.
أحدهما لا يكره، قلت وهو الصواب، وهو ظاهر كلام الناظم في آدابه فإنه لم يكره ذلك إلا للرجل. وقال في الآداب الكبرى قال المروذي سألت أبا عبد الله يخاط للنساء هذه الزيقات العراض؟ فقال إن كان شيء عريض أكرهه، هو محدث، وإن كان شيء وسط لم نر به بأسا، انتهى، واقتصر عليه، والرواية الثانية: يكره كالرجل.
ـــــــ
1 الزيق: مايكف به جيب القميص. "المعجم الوسيط": زيق.
2 ليست في "ب".
3 صر صريرا: صوت. "المعجم الوسيط": صرر.

(2/61)


يكرهون الشهرة من اللباس المرتفع، والمنخفض ولهذا في الخبر "من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة" 1. فعاقبه بنقيض قصده، وظاهر كلام غيره يكره، وليس بمراد إن شاء الله تعالى، فإن هذا من الرياء.
وقد كره أحمد الكلة: وهي قبة لها بكرة تجريها، وقال: هي من الرياء لا ترد حرا، ولا بردا.
وكره أبو المعالي الجلوس متربعا على وجه التكبر والتجبر.
ويسن غسله من عرق ووسخ، قال القاضي وغيره: نص عليه في رواية المروذي وغيره، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه" ورأى رجلا شعثا فقال: "أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه" . وهذا الخبر رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث جابر2، واحتج القاضي بما رواه وكيع عن عمر "من مروءة الرجل نقاء ثوبه" 3. وعلله أحمد بأنه منقطع. وقال: ينبغي غسله، فيتوجه من تعليله الوجوب، وفي "ينبغي" الخلاف، وذكر بعض أصحابنا ما يروى عن عمر: "ألا يتجمل
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود 4030 والنسائي في الكبرى وابن ماجه 3606 من حديث ابن عمر.
2 أحمد 14850 وأبو داود 4062 والنسائي في المجتبى 8/138-184.
3 رواه الطبري في "الكبير" من حديث ابن عمر بلفظ: "من كرامة المؤمن على الله نقاء ثوبه" وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 5/231.

(2/62)


أحدكم لامرأته كما تتجمل له" قيل لأحمد: يؤجر في ترك الشهوات؟ قال: نعم، ومراده لا أن يمتنع منها مطلقا، قال شيخنا: من فعل هذا فجاهل ضال، وفي الصحيحين1 من حديث أنس:أنه بلغه هذا عن أناس فخطب وقال: "من رغب عن سنتي فليس مني" .
ولأحمد ومسلم2 من حديث ابن مسعود:أن رجلا قال: يا رسول الله؛ إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال" . وعن عبد الله بن عمرو3 مرفوعا: "كلوا، واشربوا، والبسوا، وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة" رواه البخاري وأحمد4 وزاد: "فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" . وروى الترمذي5 هذه الزيادة وحسنها وقال: "أثر نعمته".
ولأحمد6، ثنا روح، ثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة7: ثنا أبو رجاء العطاردي، قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرفة8 من خز لم نرها عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنعم الله عليه
ـــــــ
ـــــــ
1 البخاري 5036 و مسلم 1401.
2 أحمد 17206 و 17207 من جديث أبي ريحانة و مسلم "91" "147" من حديث عبد الله بن مسعود.
3 في "ط": عمر.
4 البخاري تعليقا على النبي صلى الله عليه وسلم قبل حديث 5783 وأحمد 6695.
5 في سننه 2819.
6 في مسنده 19934.
7 في الأصل: "عياض".
8 المطرف: الثوب من خز له أعلام. "المصباح": طرف.

(2/63)


نعمة1 فليظهرها فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه" قال روح مرة: على عبده إسناده جيد مع تفرد شعبة عن الفضيل.
وعن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه مرفوعا: "من ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه تواضعا لله دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره في حلل الإيمان أيتهن شاء" . في إسناده ضعف، رواه أحمد والترمذي وحسنه2. وقال صاحب النظم:
ويكره مع طول الغنا3 لبسك الردي
فأطلق واقتصر على الكراهة وقال:
ومن يرتضي دون اللباس تواضعا ... سيكسى الثياب العبقريات في غد4
ولا بد في ذلك أن يكون لله، لا لعجب، ولا شهرة، ولا غيره، قال جماعة: والتوسط في الأمور أولى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بحسب الحال لا يمتنعون من موجود، ولا يتكلفون مفقودا، فنسأل الله أن يهدينا طريقهم.
فأما الإسراف في المباح فالأشهر لا يحرم، على ما يأتي في
ـــــــ
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية ولا في مطبوع مسند الإمام أحمد.
2 أحمد 15619 والترمذي 2481.
3 الطول: الفضل والقدرة والغنى والسعة. والغناء بالفتح والمد: ضد الفقر. "القاموس": طولى, غني
4 في النسخ الخطية: عدن. والمثبت من "ط".

(2/64)


الحجر1، وتبرع المريض، وحرمه شيخنا، وقد سبق خبر عبد الله بن عمرو، فأما شكر الله فمستحب، ويأتي في الوليمة2 خلاف في الحمد لله على الطعام فيتوجه مثله في اللباس، ثم إن وجب فعدمه لا يمنع الحل على ما يأتي في الأطعمة3.
وقال شيخنا بعد أن ذكر من امتنع من فعل المباحات كأكل ولبس ويظن أن هذا مستحب جاهل، ضال، فإن الله أمر بالأكل من الطيب، والشكر له، وهو العمل بطاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، ومن أكل ولم يشكر كان معاقبا على ما تركه من فعل الواجبات، ولم تحل له الطيبات، فإن الله أحلها لمن يستعين بها على طاعته كما قال: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة:93] الآية، ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي وقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] أي عن الشكر، فطالب العبد بأداء شكر الله عليه، فإن الله لا يعاقب إلا على ترك مأمور وفعل محظور.
ـــــــ
ـــــــ
1 7/8.
2 8/321.
3 10/331.

(2/65)


فصل: يحرم على غير أنثى لبس حرير "و" حتى تكة أو شرابة1.
نص عليه، والمراد: شرابة مفردة، كشرابة البريد لا تبعا، فإنها كزر، وعلل القاضي والآمدي فقط إباحة كيس المصحف بأنه يسير.
ويحرم افتراشه "هـ" واستناده إليه "هـ" وما غالبه حرير قيل ظهورا، وقيل وزنا، بلا ضرورة، وإن استويا فوجهان "م 12 - 13".
ـــــــ
مسألة-12-13: قوله: ويحرم ما غالبه الحرير "2قيل: وزنا2" وقيل ظهورا بلا ضرورة فإن استويا فوجهان، انتهى، ذكر مسألتين:
"المسألة الأولى" هل الاعتبار بما غالبه الحرير ظهورا أو وزنا؟ أطلق الخلاف وأطلقه ابن تميم، وصاحب الفائق، والمصنف في حواشي المقنع والحاويين وغيرهم، أحدهما مما غالبه ظهورا، وهو الصحيح، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في التلخيص وغيره، وهو الصواب.
والوجه الثاني الاعتبار بذلك وزنا قدمه في الرعاية الكبرى.
"المسألة الثانية" لو استويا ظهورا ووزنا فهل يحرم أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في الهداية، والفصول، والمذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والمغني3، والكافي4، والمقنع5، والهادي، والتلخيص، والمحرر،
ـــــــ
1 شرابة والجمع شراريب: ضمة من خيوط توضع على طرف الحزام أو الثوب أو على الطربوش للزركشة والزينة "معجم الألفاظ العامية": شرب.
2 في النسخ الخطية و"ط": قيل وزنا وقيل ظهورا والمثبت من الفروع.
3 2/307.
4 1/251.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/260.

(2/66)


وكذا الخز عند ابن عقيل وغيره، وأباحه أحمد "م ر" وفرق. بأنه
ـــــــ
والشرح1، وشرح ابن منجى، وابن رزين ومختصر ابن تميم، والنظم، والفائق، والرعايتين، والحاويين وغيرهم، لكن إنما أطلق في الكبرى فيما إذا استويا وزنا بناء على ما قدمه:
أحدهما محرم، قلت: وهو الصواب، قال ابن عقيل: في الفصول والشيخ تقي الدين في شرح العمدة: الأشبه أنه يحرم، لعموم الخبر، قال في الفصول: لأن النصف كثير، وليس تغليب التحليل بأولى من التحريم، ولم يحك خلافه، قال في المستوعب: وإليه أشار أبو بكر في التنبيه أنه لا يباح لبس القسي والملحم2.
والوجه الثاني: لا يحرم، وهو الصحيح من المذهب صححه في التصحيح وتصحيح المحرر، وقال صححه المجد، وجزم به في الوجيز، وهو ظاهر ما جزم به في البلغة والإفادات وتذكرة ابن عبدوس والمنور ومنتخب الآدمي والتسهيل وغيرهم، لأنهم قالوا في المحرم: أو ما غالبه الحرير، وإليه أشار ابن البناء بقوله لا بأس بلبس الخزنقلة عنه في المستوعب.
"تنبيهات"
الأول: قال ابن تميم: والوجه الثاني: يباح، قال شيخنا مع الكراهة.
الثاني: قوله: وكذا الخز عند ابن عقيل وغيره وأباحه أحمد، انتهى، يعني:
أن الخز عند ابن عقيل وغيره كالحرير في الحكم المتقدم، فعلى قول ابن عقيل يكون فيه الخلاف المطلق إذا استويا، وقد علمت الصحيح منه، والصحيح من المذهب إباحته، نص عليه وقطع به في المغني3، والكافي4 والشرح5,
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/260.
2 الملحم: جنس من الثياب يختلف نوع سداه ونوع لحمته كالصوف والقطن أو الحرير والقطن.
3 1/309.
4 1/250.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/269.

(2/67)


لبسة الصحابة وبأنه لا سرف فيه ولا خيلاء.
ويحرم ستر الجدر به. ونقل المروذي يكره، وهو ظاهر كلام من ذكر تحريم لبسه فقط، ومثله تعليقه، وذكر الأزجي وغيره: لا يجوز الاستجمار بما لا ينقي كالحرير الناعم.
ـــــــ
والرعاية الكبرى وغيرهم، وقدمه في الآداب وغيره، وتابع ابن عقيل ابن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب والسامري وابن حمدان أيضا.
الثالث: الخز ما عمل من صوف وإبريسم، قال في المطلع في النفقات وقال في المذهب والمستوعب ما عمل من إبريسم ووبر طاهر، كالأرنب وغيرهما، واقتصر عليه في الرعاية والآداب، قال المجد في شرحه وغيره: الخز ما سدي بالإبريسم، وألحم بوبر، أو صوف ونحوه، لغلبة اللحمة على الحرير، انتهى.

(2/68)


وحرم الأكثر استعماله مطلقا، فدل على أن في بشخانته، والخيمة، والبقجة، وكمرانه، ونحوه الخلاف.
ويحرم عليه، وقيل: يكره منسوج بذهب أو فضة، وقيل في الرعاية أو فضة، والمموه به: بلا حاجة فيلبسه، والحرير لحاجة برد أو حر ونحوه لعدم، وحكي المنع رواية وحكى ابن عقيل يلبسه في الحرب
ـــــــ
.............

(2/69)


لحاجة، وقال: ولأنه موضع ضرورة. وقال أبو المعالي: وأراد لحاجة ما احتاجه، وإن وجد غيره كذا قال.
فإن استحال لونه ولم يحصل منه شيء وقيل مطلقا أبيح في الأصح، "و" وقيل المنسوج بذهب كحرير كما سبق.
وله لبس حرير على الأصح لمرض وحكة "م ر" وقيل: يؤثر في زوالها. وفي حرب مباح بلا حاجة في رواية "و ش" وعنه لا، وقيل الروايتان، ولو احتاجه في نفسه ووجد غيره، وقيل يباح عند القتال. "م 14"
ـــــــ
مسألة 14: قوله: ولبس حرير في حرب مباح بلا حاجة في رواية وعنه لا وقيل الروايتان، ولو احتاجه في نفسه ووجد غيره، وقيل يباح عند القتال، انتهى، وأطلق الروايتين في الهداية، والفصول، والمذهب، ومسبوك الذهب، والمغني1، وحكاهما وجهين، والكافي2 والمقنع3 والهادي والتلخيص، والبلغة والشرح4، ومختصر ابن تميم، والرعايتين والحاويين، والنظم والفائق وغيرهم:
ـــــــ
1 2/306-307.
2 1/251.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/246.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/266.

(2/70)


ويحرم على ولي صبي إلباسه حريرا أو ذهبا نقله الجماعة "هـ" فعلى هذا: لو صلى فيه لم تصح على المذهب، وعنه لا يحرم لعدم تكليفه. وقال سعيد: ثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي قال: كانوا يرخصون للصبي في خاتم الذهب، فإذا بلغ ألقاه هشيم1 مدلس.
وذكر الآمدي عن أحمد: أنه كره إلباس الصبيان القرامز2 السود، لما فيه من التعريض للفتنة. وقد3 جز عمر رضي الله عنه شعر نصر بن حجاج، وجنبه الزينة4.
ـــــــ
إحداهما: يباح، وهو الصحيح، قال الشيخ الموفق والشارح هذا ظاهر كلام الإمام أحمد، قال في الخلاصة يباح على الأصح، قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة هذه الرواية أقوى، قال في الآداب الكبرى والوسطى يباح في الحرب من غير حاجة في أرجح الروايتين في المذهب، قال في تجريد العناية يباح على الأظهر، وصححه في التصحيح، وجزم به في الإفادات والوجيز، ومنتخب الآدمي وإدراك الغاية وغيرهم.
والرواية الثانية: لا يباح، اختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المستوعب، والمحرر، وهو ظاهر كلامه في المنور، فإنه لم يستثن للإباحة إلا المرض، والحكة، وعنه يباح مع نكاية العدو به، وقيل يباح عند مفاجأة العدو وضرورة، وجزم به في التلخيص، وغيره، وقيل يباح عند القتال فقط من غير حاجة، قال ابن عقيل في الفصول: إن لم يكن له به حاجة في الحرب حرم، قولا واحدا، وإن
ـــــــ
1 هو أبو معاوية هشيم بن بشير بن أبي خازم السلمي الواسطي محدث بغداد وحافظها. قال الذهبي: كان رأسا في الحفظ إلا أنه صاحب تدليس كثير قد عرف ذلك. "ت233هـ". السير 8/287-294.
2 لعلها الثياب المصبوغة بالقرمز وهو صبغ أرمني أحمر... وورد في تفسير قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص: 79] قال: كالقرمز. اللسان: حبر-قرمز.
3 في "ط": وقال.
4 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 3/285.

(2/71)


وله حشو جباب وفرش بحرير "و ش" وقيل: لا، وذكر ابن عقيل رواية كبطانة "و هـ" وفي تحريم كتابة المهر فيه وجهان "م 15".
ويباح منه العلم إذا كان أربع أصابع مضمومة فأقل "و" نص عليه، وفي
ـــــــ
كان به حاجة إليه كالجنة للقتال فلا بأس، انتهى، وقيل: يباح في دار الحرب، وقيل يجوز حال شدة الحرب ضرورة، وفي لبسه في أيام الحرب بلا ضرورة روايتان، وهذه طريقته في التلخيص، وجعل الشارح وغيره محل الخلاف في غير الحاجة كما قال المصنف، وقدمه ابن منجى في شرحه، وقال وقيل الروايتان في الحاجة وعدمها، وهو ظاهر كلام الشيخ في المقنع1، قال ومعنى الحاجة ما هو محتاج إليه، وإن قام غيره مقامه، وقاله الشيخ الموفق والشارح والمصنف وغيرهم.
مسألة 15 قوله: وفي تحريم كتابة المهر فيه وجهان، انتهى.
إحداهما: لا يحرم، بل يكره وهو الصحيح قدمه في الرعاية، وتبعه في الآداب الكبرى والوسطى.
والوجه الثاني: يحرم في الأقيس، قاله في الرعاية الكبرى، واختاره ابن عقيل، والشيخ تقي الدين قلت: لو قيل بالإباحة لكان له وجه، والله أعلم.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/264.

(2/72)


الوجيز: دونها وفي المحرر وغيره قدر كف، وإن كثر في أثواب فقيل: لا بأس به، وقيل يكره"م 16" ، ولبنة جيب1، وسجف فراء وخياطة به، والأزرار.
ويحرم بيسير ذهب تبعا نص عليه، كالمفرد "و" وعنه: لا "و هـ" اختاره أبو بكر، وصاحب المحرر، وحفيده. وقال: يجوز بيع حرير لكافر، ولبسه له، لأن عمر بعث بما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أخ له مشرك، رواه أحمد والبخاري ومسلم2، "3وظاهر كلام أحمد والأصحاب التحريم، كما هو ظاهر الأخبار، وجزم به في شرح مسلم3" وغيره، وقال عن خلافه: قد يتوهمه متوهم؛ باطل، وليس في الخبر أنه أذن له في لبسها: وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر وعلي وأسامة بن زيد رضي الله عنهم4 ولم يلزم منه إباحة
ـــــــ
مسألة 16: قوله: ويباح منه العلم إذا كان أربع أصابع مضمومة فأقل، نص عليه وأكثر في أثواب، فقيل لا بأس، وقيل يكره، انتهى، وأطلقهما في الآداب الكبرى والوسطى.
أحدهما: لا بأس، فيباح وهو الصحيح، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، وجزم به في المستوعب، ومختصر ابن تميم والفائق.
والوجه الثاني: يكره جزم به في الرعاية الكبرى.
ـــــــ
1 لبنة الجيب بفتح اللام وكسر الباء: الزيق المحيط بطوق القميص الذي يخرج منه الرأس. "المطلع" ص 64.
2 أحمد 5795 البخاري 886 مسلم 2068 "6".
3 ليست في الأصل.
4 أخرجه مسلم "2068" "7".

(2/73)


لبسه كذا قال، ثم أخذه من مخاطبة الكفار بفروع الإسلام، وإنما فائدة المسألة زيادة العقاب في الآخرة. قال شيخنا: وعلى قياسه بيع آنية الذهب، والفضة للكفار، وإذا جاز بيعها لهم جاز صبغها لبيعها منهم، وعملها لهم بالأجرة، كذا قال.
وقال ابن هبيرة في قول1 حذيفة لما استسقى فسقاه مجوسي في إناء من فضة فرمى به، وقال: إني قد أمرته أن لا يسقيني فيه: يدل على جواز اقتناء آنية الفضة مع تحريم استعمالها، وإن كانت للمجوسي فيدل على جواز إقرار آنية الفضة في أيدي المجوسي، ولم يتكلم على هذا في شرح مسلم، وذكر عموم التحريم.
ويحرم على الكل لبس ما فيه صورة حيوان. قال أحمد: لا ينبغي،
ـــــــ
ـــــــ
1 يعني حديث "لاتلبسوا الحرير ولا الديباج...". أخرجه البخاري "5426" ومسلم "2067".

(2/74)


كتعليقه "و" وستر الجدر به "و" وتصويره "و" وقيل: لا يحرم، وذكره ابن عقيل وشيخنا رواية، كافتراشه، وجعله مخدا فلا يكره فيهما، لأنه عليه السلام اتكأ على مخدة فيها صورة رواه أحمد، وهو في الصحيحين1 بدون هذه الزيادة.
وفي البخاري2 عن عائشة أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية، قلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ قال: "ما بال هذه النمرقة" ؟ قلت اشتريتها لتقعد عليها وتتوسدها فقال :"إن أصحاب هذه الصورة يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم" . وقال: "إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة" ويوافقه ظاهر ما رواه الترمذي3. وقال حسن صحيح، عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت، ونهى أن يصنع ذلك".
وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة لم يكره في المنصوص، ومثله صورة شجرة ونحوه، وتمثال، وكذا تصويره، وأطلق بعضهم تحريم التصوير.
ـــــــ
ـــــــ
1 مسند أحمد "26103" البخاري "2479" مسلم "2107".
2 في صحيحه "2105".
3 في سننه "1749".

(2/75)


"خ" وفي الوجيز يحرم التصوير واستعماله، وكره الآجري وغيره الصلاة على ما فيه صورة. وفي الفصول: يكره في الصلاة صورة، ولو على ما يداس، لقوله عليه السلام: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة" 1. وكلام الأصحاب هنا ظاهر، وبعضه صريح أن الملائكة لا تمنع من دخوله، تخصيصا للنهي، وذكره في التمهيد في تخصيص الأخبار. وفي تتمة الخبر من حديث علي "ولا كلب، ولا جنب"2. إسناده حسن، وظاهر كلامهم أو صريح بعضهم المراد كلب منهي عن اقتنائه، لأنه لم يرتكب نهيا، كرواية النسائي3 عن سليمان بن بابيه عن أم سلمة مرفوعا"لا تدخل الملائكة بيتا فيه جرس، ولا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس" سليمان تفرد عنه ابن جريج، ووثقه ابن حبان، ويتوجه احتمال، وكذا الجنب، وذكر شيخنا لا تدخل الملائكة عليه إلا إذا توضأ.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "3225" ومسلم "2106" من حديث أبي طلحة.
2 أخرجه أبو داود "4152" والنسائي في "المجتبى" 1/141.
3 في المجتبى 8/180.

(2/76)


وفي الإرشاد1: الصور والتماثيل مكروهة عنده في الأسرة والجدران وغير ذلك، إلا أنها في الرقم أيسر.
وفي مختصر ابن رزين: يكره صورة بستر، أو حائط؛ لا صورة شجر، ويكره الصليب في الثوب ونحوه، ويحتمل تحريمه، وهو ظاهر.
نقل صالح: ويكره للرجل لبس المزعفر، والمعصفر، والأحمر المصمت، وقيل: لا، ونقله الأكثر في المزعفر وهو مذهب ابن عمر وغيره "و م" وذكر الآجري والقاضي وغيرهما تحريم المزعفر له "و هـ ش" وقيل: يعيد من صلى به، أو بمعصفر، أو مسبلا ونحوه، واختار أبو بكر هذا المعنى.
وكره أحمد المعصفر للرجل كراهية شديدة، قاله إسماعيل بن سعيد، قال عبد الله بن عمرو: رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: "أمك أمرتك بهذا" ؟ قلت أغسلهما؟ قال :"بل احرقهما" . رواه مسلم2. وله3 أيضا "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما".
ومذهب "هـ م ش" لا يكره المعصفر، وكذا الأحمر، واختاره الشيخ،
ـــــــ
ـــــــ
1 ص 537.
2 في صحيحه "2077" "28".
3 في صحيحه "2077" "28".

(2/77)


وهو أظهر، والمذهب: يكره، ونقل المروذي: يكره للمرأة كراهية شديدة لغير زينة، وعنه يكره للرجل شديد الحمرة، قال: ويقال أول من لبسه آل قارون، أو آل فرعون.
وحمل الخلال النهي عن التزعفر على بدنه في صلاته، وحمله صاحب المحرر على التطيب به، والتخلق به، لأن خير طيب الرجال ما خفي لونه وظهر ريحه، قال شيخنا: بناء على أنه هل يلزم من عدم القبول عدم الصحة، أو عدم الثواب فقط.
والصوف مباح، قال ابن هبيرة: وكره التخصيص به جماعة من العلماء، منهم الثوري. والبياض أفضل اتفاقا.
ويباح الكتان إجماعا، والنهي عنه من حديث جابر باطل1، ونقل عبد الله أنه كرهه للرجال.
وعنه: يكره لبس سواد للجند، وقيل: في غير حرب، وقيل: إلا لمصاب، ونقل المروذي يحرقه الوصي، وهو بعيد، وعلله أحمد بأنه لباس الجند أصحاب السلطان والظلمة، ولم يرد أحمد سلام لابسه. وفي
ـــــــ
ـــــــ
1 لم نقف عليه.

(2/78)


كراهة الطيلسان1 وجهان "م 17".
ويسن الرداء، وقيل: يباح، كفتل طرفه، نص عليه وظاهر نقل الميموني فيه يكره، قاله القاضي.
ويسن إرخاء ذؤابة خلفه، نص عليه. قال شيخنا: إطالتها كثيرا من الإسبال. وقال الآجري: وإن أرخى طرفيها بين كتفيه فحسن، ثم ذكر خبر عمرو بن حريث، وعلي2.
ويسن السراويل وفي التلخيص لا بأس، قال صاحب النظم: وفي معناه التبان3، وجزم بعضهم بإباحته، والأول أظهر خلافا للرعاية.
ـــــــ
مسألة 17: قوله: وفي كراهة الطيلسان وجهان انتهى.
أحدهما يكره وهو الصحيح، قال في التلخيص وابن تميم وكره السلف الطيلسان، واقتصر عليه، زاد في التلخيص، وهو المقور، قال الشيخ تقي الدين لبس الطيلسان ليس له أصل في السنة، ولم يكن من فعله صلى الله عليه وسلم، ولا من فعل أصحابه، بل قد ثبت أنه يخرج مع الدجال سبعون ألفا مطيلسين من يهود أصبهان4، وأطال في ذلك.
والوجه الثاني: لا يكره، قدمه في الرعاية الكبرى، والآداب الكبرى والوسطى. وقال في الرعاية الكبرى وقيل يكره المقور والمدور، وقيل، وغيرهما غير المربع.
ـــــــ
1 الطيلسان: فارسي معرب وهو من لباس العجم. "الصباح": طلس.
2 حديث عمرو بن حريث أخرجه مسلم "1359" "453" ولفظه: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء وقد ارخى طرفيها بين كتفيه.
أما حديث علي فقد أخرجه ابن عدي في "الكامل" 4/1490. ولفظه: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم بعمامة سدل بين طرفيها على منكبي.
3 التبان: سراويل قصيرة إلى الركبة أو مافوقها تستر العورة وقد يلبس في البحر. "المعجم الوسيط": تبن.
4 أخرجه مسلم "2944" من حديث أنس بن مالك.

(2/79)


قال أحمد: السراويل أستر من الإزار، ولباس القوم كان الإزار، فدل على أنه لا يجمع بينهما، وهو أظهر، خلافا للرعاية، وسبق حكم الرداء، وكذا قال شيخنا: الأفضل مع القميص السراويل من غير حاجة إلى الإزار والرداء، وسبق كلامه في باب السواك1.
وروى أحمد2: ثنا زيد بن يحيى: ثنا عبد الله بن العلاء بن زيد، حدثني القاسم: سمعت أبا أمامة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار فذكر الخبر. وفيه فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يتزرون. فقال: "تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب" . حديث جيد والقاسم وثقه الأكثر، وحديثه حسن، وقول ابن حزم وابن الجوزي ضعيف بمرة: فيه نظر.
وفي كتاب اللباس للقاضي يستحب لبس القميص، واحتج بقول أم سلمة كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص. رواه أبو داود والترمذي وحسنه3، قال صاحب النظم: ولأنه أستر من الرداء، مع الإزار.
ـــــــ
ـــــــ
1 1/150.
2 في مسند 22283.
3 أبو داود "4025" الترمذي "1761".

(2/80)


وقد عرف مما سبق أنه لا فرق بين الجديد والعتيق، ولأنه لا يستحب المحافظة على شيء يصلي عليه، كما يفعله بعضهم. وقال عبد الله بن محمد الأنصاري الملقب بشيخ الإسلام من أصحابنا1: ينبغي للفقيه أن يكون له أبدا ثلاثة أشياء جديدة: سراويله، ومداسه، وخرقة يصلي عليها، كذا قال.
ويباح القباء2. قال صاحب النظم: ولو للنساء، والمراد ولا تشبه، ونعل خشب، ونقل فيه حرب لا بأس لضرورة.
وما حرم استعماله حرم بيعه، وخياطته، وأجرتها، نص عليه، والأمر به كبيع عصير لمن يتخذه خمرا على ما يأتي3.
ويكره لبسه وافتراشه جلدا مختلفا في نجاسته، وقيل لا، وعنه يحرم لعموم النهي، لا لبسه فقط "م" وفي الرعاية وغيرها إن طهر بدبغه لبسه بعده وإلا لم يجز، وله إلباسه دابة، وقيل مطلقا، كثياب نجسة. وفي الانتصار جلد كلب لإباحته في الحياة في الجملة، لا جلد خنزير، وذكر أبو المعالي عن أبي الوفاء أنه خرج إلباسها "أي الدابة" جلد الميتة، قبل دبغه، وبعده، إذا لم يطهر على استعماله في اليابسات.
ـــــــ
ـــــــ
1 هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي شيخ الإسلام. له: "ذم الكلام" ,"الفاروق", "منازل السائرين" وغيرها. "ت 481هـ". "الدر المنضد" 1/215.
2 هو ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه. "المعجم الوسيط": "قبو".
3 6/165.

(2/81)


وإن لبسه لنفسه يكره. قال ابن عقيل: كثوب نجس، وحرمه القاضي كجلد كلب وخنزير.
ويحرم إلباسها1 ذهبا وفضة، وقال شيخنا وحريرا.ويكره المشي في نعل واحدة بلا حاجة، ونصه: ولو يسيرا لإصلاح الأخرى، خلافا للقاضي، والفصول، والغنية قال عليه السلام: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة" متفق عليه2 من حديث أبي هريرة،. ولمسلم3 في رواية "إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها" ورواه أيضا4 من حديث جابر وفيه "ولا خف واحد".
ومشى علي في نعل واحدة، وعائشة في خف واحد. رواهما سعيد5.
وقال صاحب النظم: ولعله من كلام القاضي، ودليل الرخصة ما روي عن علي كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعله مشى في نعل واحدة، والأخرى في يده حتى يجد شسعا6. وأحسب هذا لا يصح، قال جماعة: والمراد لأنه من الشهرة.
ويسن كون النعل أصفر، والخف أحمر، وذكر أبو المعالي عن
ـــــــ
1 يعني: الدابة.
2 البخاري "5855", مسلم "2097" "68".
3 في صحيحه "2098" "69".
4 في صحيحه "2098" "71".
5 وذكرهما في المصنف في "الآداب الشرعية" 3/415 وخرج إسناد حديث عائشة من "طسنن سعيد". وأخرج الترمذي في "سننه" 1788 عن عائشة أنها مشت بنعل واحدة.
6 أخرجه الطبراني في "الأوسط" 4014.

(2/82)


أصحابنا:أو أسود، وأن يقابل بين نعليه،. وكان لنعليه عليه السلام قبالان بكسر القاف، وهو السير بين الوسطى والتي تليها، وهو حديث صحيح، رواه الترمذي في الشمائل، وابن ماجه، وفي المختار من حديث ابن عباس1.ورواه البخاري، وأبو داود، والنسائي وابن ماجه والترمذي، وصححه من حديث أنس2.
ولمسلم3 عن جابر مرفوعا "استكثروا من النعال فإن أحدكم لا يزال راكبا ما انتعل" . قال القاضي: يدل على ترغيب اللبس للنعال، ولأنها قد تقيه الحر، والبرد، والنجاسة.
وعن فضالة بن عبيد: أنه لما كان أميرا بمصر قال له بعض الصحابة: لا أرى عليك حذاء، قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي أحيانا. رواه أبو داود4، ويروى هذا المعنى عن عمر5.
واستحب شيخنا وغيره الصلاة في النعل، قال صاحب النظم الأولى حافيا، وذكر القاضي وغيره الاستحباب، وعدمه، للخبرين6.
ـــــــ
1 الترمذي في "الشمائل" 77 وابن ماجه 3614.
2 البخاري 5857 أبو داود 4034 النسائي 8/217 ابن ماجه 3615 الترمذي 1773.
3 في صحيحه 2069 "66".
4 في سننه "4160".
5 أخرجه أبو عوانة في "مسنده" 5/456.
6 أما الاستحباب فمستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنهم لايصلون في خفافهم ولا نعالهم" . أخرجه أبو داود 652. وأما عدم الاستحباب فمستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا ليجعلهما بين رجليه أو ليصل فيهما" . أخرجه أبو داود "65".

(2/83)


وفي كراهة الانتعال قائما روايتان "م 18" لاختلاف قوله في صحة الأخبار، وصحح القاضي وغيره الكراهة، وخالفهم غيرهم، وظاهر ما ذكروه أنه يلبس ذلك ويجدد العمامة كيف شاء.
وذكر صاحب النظم يكره لبس الخف، والإزار والسراويل قائما، لأنه مظنة كشف العورة، ولعله أولى، وفي كلام الحنفية: ينقض العمامة كما لفها.
ـــــــ
مسألة 18: قوله: وفي كراهة الانتعال قائما روايتان انتهى، وأطلقهما في المستوعب وتبعه في الآداب الكبرى والوسطى.
إحداهما: يكره وهو الصحيح، قال في الآداب1: قال الإمام أحمد في رواية الجماعة: لا ينتعل قائما، زاد في رواية إبراهيم بن الحارث والأثرم، الأحاديث فيه على الكراهة، واختاره القاضي، وغيره، وقدمه ابن تميم، وابن حمدان في الرعاية الكبرى في آخر باب مواضع الصلاة.
والرواية الثانية: لا يكره، قال في الرعايتين في آدابهما: ولا يكره على الأصح الانتعال قائما، مع التحرز منه، قال الناظم في آدابه:
ولا تكرهن الشرب من قائم ولا
انتعال الفتى في الأظهر المتأكد.
قال أبو بكر الخلال: سأل الحسين بن الحسن الإمام أحمد عن الانتعال قائما قال لا يثبت فيه شيء قال القاضي: فظاهر هذا أنه ضعف الأحاديث في النهي، والصحيح عنه ما ذكرناه، يعني من الكراهة.
فهذه ثماني عشرة مسألة قد صحح معظمها بعون الله تعالى.
ـــــــ
1 3/511.

(2/84)


ويحرم تشبه رجل بامرأة، وعكسه في لباس، وغيره، واحتج أحمد بلعن فاعل ذلك1. وفي المستوعب وغيره يكره، وقد كره أحمد أن يصير للمرأة مثل ثوب الرجال، ويأتي في زكاة الأثمان2.
ويكره نظر ملابس الحرير، وآنية ذهب وفضة، إن رغبه في التزين بها، والمفاخرة، وحرمه ابن عقيل، وقال: والتفكر الداعي إلى صور المحظور محظور، ثم ذكر تفكر الصائم وأنه يحرم استدامة ريح الخمر كاستماع الملاهي، وأنه يحرم التشبه بالشراب في مجلسه، وآنيته، لنهيه عليه السلام عن التشبه بالأعاجم3، وقال في مناظراته: معلوم أن التشبه بالعجم لا يظهر مناسبته للتحريم، واحتج في الخلاف بهذا الخبر، وبقوله عليه السلام: "من تشبه بقوم فهو منهم" على تحريم إناء مفضض، وقال في مكان آخر: يكره لبس ما يشبه زي الكفار دون العرب، وقاله أيضا غيره، وعن ابن عمر مرفوعا: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح4، قال شيخنا: أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه. وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى:
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] قيل: "من يتولهم" في الدين "فإنه منهم"
ـــــــ
ـــــــ
1 أخرج البخاري "5885" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال".
2 4/159.
3 فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوموا كم ايقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا" . أخرجه أبو داود "5230".
4 أحمد 5115, أبو داود "4031".

(2/85)


في الكفر, وقيل: من يتولهمفي العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر، وذكر المفسرون في قوله {لا تَجِدُ قَوْماً} [المجادلة:22] الآية أن الله يبين أن الإيمان يفسد بمودة الكفار، وإن من كان مؤمنا لم يوال كافرا ولو كان قريبه. وقال ابن الجوزي بينت هذه الآية أن ذلك يقدح في صحة الإيمان ولم يرد أنه يصير كافرا بذلك، وكان المروذي مع أحمد بالعسكر في قصر فأشار إلى شيء على الجدار قد نصب، فقال له أحمد: لا تنظر إليه، قال قلت "فقد نظرت إليه" قال: فلا تفعل، لا تنظر إليه.
قال: وسمعته يقول: تفكرت في هذه الآية {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131],
ثم قال:تفكرت في وفيهم,وأشار نحو العسكر, وقال:ورزق ربك خير وأبقى,قال: رزق يوم بيوم خير، قال ولا تهتم لرزق غد.
قال المروذي: وذكرت رجلا من المحدثين فقال: أنا أشرت به أن يكتب عنه، وإنما أنكرت عليه حبه للدنيا.
وذكر أبو عبد الله من المحدثين علي بن المديني وغيره، وقال: كم تمتعوا من الدنيا إني لأعجب من هؤلاء المحدثين حرصهم على الدنيا.
قال وذكرت لأبي عبد الله رجلا من المحدثين، فقال: إنما أنكرت عليه أن ليس زيه زي النساك.
قال: ابن الجوزي: قال أبي بن كعب: من لم يتعز بعزاء الله1 تقطعت نفسه حسرات على الدنيا.
ـــــــ
ـــــــ
1 يشير إلى قوله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ} الآية [طه: 131]

(2/86)


ولمسلم1 عن أبي عثمان النهدي قال: كتب إلينا عمر يا عتبة بن فرقد "إنه ليس من كدك، ولا من كد أبيك، ولا من كد أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك، وإياك والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير.
وهو في مسند أبي عوانة الإسفراييني2، وغيره بإسناد صحيح، "أما بعد فاتزروا وارتدوا، وألقوا الخفاف، والسراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعم وزي الأعاجم، وعليكم بالشمس، فإنها حمام العرب، وتمعددوا واخشوشنوا، واقطعوا الركب، واتزروا، وارموا الأعراض" [زي بكسر الزاي ولبوس بفتح اللام وضم الباء] ورواه أحمد3: حدثنا يزيد وهو ابن هارون، ثنا عاصم وهو الأحول عن أبي عثمان النهدي، عن عمر أنه قال: اتزروا وارتدوا وانتعلوا، وألقوا الخفاف، والسراويلات. وألقوا الركب، وانزوا نزوا وعليكم بالمعدية وارموا الأعراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير "حديث
ـــــــ
ـــــــ
1 في صحيحه "2069" "12".
2 5/456.
3 في مسنده "301".

(2/87)


صحيح، وقوله: وانزوا، أي ثبوا وثبا، والمعدية اللبسة الحسنة، إشارة إلى معد بن عدنان.
وروى الطبراني في المعجم1 عن أبي حدرد الأسلمي مرفوعا"تمعددوا واخشوشنوا" وعن حذيفة مرفوعا "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، اهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد عبد الله بن مسعود". قلت: ما هدي عمار؟ قال:"القشف، والتشمير" روى أوله ابن ماجه، والترمذي، وحسنه، وابن حبان والحاكم2. وقال تفرد به أحمد بن نصر النيسابوري، قال غيره: وهو ثقة.
وعن معاذ:أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال: "إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بمتنعمين" رواه أحمد3. قال في كشف المشكل: الآفة في التنعم من أوجه:
أحدها أن المشتغل به لا يكاد يوفي التكليف حقه.
ـــــــ
ـــــــ
1 الكبير 19/4.
2 ابن ماجه "97" الترمذي "3799" ابن حبان "6902" الحاكم 3/75.
3 في مسنده "22105".

(2/88)


الثاني: أنه من حيث الأكل يورث الكسل، والغفلة، والبطر، والمرح، ومن اللباس ما يوجب لين البدن، فيضعف عن عمل شاق، ويضم ضمنه الخيلاء، ومن "حيث" النكاح يضعف عن أداء اللوازم.
الثالث: أن من ألفه صعب عليه فراقه، فيفنى زمانه في اكتسابه، خصوصا في النكاح، فإن المتنعمة تحتاج إلى أضعاف ما تحتاج إليه غيرها.
قال: والإشارة بزي أهل الشرك إلى ما يتفردون به، فنهى عن التشبه بهم، بل قال ابن الجوزي: ينبغي غض البصر عن أهل المعاصي، والظلم، وزخارف الدنيا، وما يحببها إلى القلب، ويأتي في تكفين الميت، ودفنه1، وزكاة الأثمان2 ما يتعلق باللباس.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : "إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بأيمانكم" إسناده جيد، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه3 والترمذي، والنسائي4 عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه: عمامة، أو قميصا، أو رداء، ثم يقول: "اللهم لك الحمد، أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له" إسناده جيد رواه أحمد
ـــــــ
ـــــــ
1 3/302.
2 4/159.
3 أحمد "8652" وأبو داود "4141" ابن ماجه "402".
4 الترمذي "1766" النسائي في "الكبرى" "9669".

(2/89)


وأبو داود، والترمذي، وحسنه1.
وعن أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه مرفوعا: "من لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" . رواه أبو داود والبيهقي، والحاكم2. وقال: صحيح على شرط البخاري، وعندهم أيضا "من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمنا هذا..." .
وذكروه، رواه أحمد وابن ماجه والترمذي3 وقال: حسن غريب ولم أجد عندهم "وما تأخر" وإسناد هذا الخبر لين، وغايته أنه حسن وهو إلى الضعف أقرب.
ـــــــ
ـــــــ
1 أحمد 11248 وأبو داود 4020 الترمذي 1767.
2 أبو داود 4023 والبيهقي في "الشعب" 6285 ولم نجده عند ابن ماجه.
3 أحمد 15632 والترمذي 3458 ولم نجده عند ابن ماجه.

(2/90)


باب اجتناب النجاسة "1ومواضع الصلاة1"
مدخل
...
باب اجتناب النجاسة "1ومواضع الصلاة1"
طهارة مواضع الصلاة وطهارة بدن المصلي وسترته وبقعته محل بدنه والمذهب وثيابه مما لا يعفى عنه شرط "و" كطهارة الحدث "ع" وعنه: واجب.
ـــــــ
ـــــــ
1 في "ط": طهارة مواضع الصلاة.

(2/91)


وطهارة الحدث فرضت قبل التيمم، ذكره القاضي، وأصحابه والشيخ، وأصحاب الأصول في قياس الوضوء على التيمم في النية مع تقدمه عليه، وأن الحنفية اعترضوا بهذا، وكذا ذكر القاضي وغيره مسألة النية للوضوء، وفي مسند أحمد والصحيحين1 أن عائشة رضي الله عنها قالت: "أنزلت آية التيمم" ذكر القشيري وابن عطية2: أنها آية المائدة. وقال ابن عبد البر3: فأنزل الله آية التيمم، وهي آية الوضوء المذكورة في سورة المائدة: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} إلخ مائدة أو الآية التي في سورة النساء: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} إلخ نساء ليس التيمم مذكورا في غيرهما، وهما مدنيتان.
ـــــــ
ـــــــ
1 أحمد "24299" والبخاري "334" ومسلم "367" "108" هو طرف من حديث طويل في قصة رجوعهم من غزوة المريسيع.
2 القشيري هو: أبو نصر عبد الكريم بن هوازن ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري وهو الرابع من أولاده. "ت514هـ" السير 19/424 "طبقات السبكي" 7/159.
وابن عطية هو: عبدالحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي المفسر له: "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز". ن542هـ. نفح الطيب 2/523 بغية الوعاء 2/72.
3 في التمهيد 19/269.

(2/92)


وقال أبو بكر ابن العربي1: لا يعلم أية آية عنت عائشة بقولها فأنزلت آية التيمم، قال: وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معروفا ولا مفعولا لهم.
وقال القرطبي2: معلوم أن غسل الجنابة لم يفرض قبل الوضوء، كما أنه معلوم عند جميع أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ افترضت عليه الصلاة بمكة لم يصل إلا بوضوء مثل وضوئنا اليوم، قال: فدل أن آية الوضوء إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم متلوا في التنزيل، وفي قولها فنزلت آية التيمم، ولم تقل آية الوضوء ما يبين أن الذي ظهر لهم في ذلك الوقت حكم التيمم، لا حكم الوضوء.
وقال صاحب الشفا3: ذهب ابن الجهم4 إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنة، ثم نزل فرضه في آية التيمم. وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضا، ويتوجه قول أصحابنا، والجمهور وكلام القرطبي؛ ولهذا قالت عن الذين ذهبوا في طلب القلادة "فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء
ـــــــ
ـــــــ
1 في "أحكام القرآن" 1/441.
2 في "الجامع لأحكام القرآن" 5/233.
3 وهو القاضي عياض إمام المالكية في زمانه النتوفى 544هـ.
4 هو أبوبكر محمد بن أحمد بن الجهم ويعرف بابن الوراق المروزي. من مصنفاته: "بيان السنة"و "مسائل الخلاف" و "الحجة في مذهب مالك". ت329هـ. شجرة النور الزكية ص 78.

(2/93)


فصلوا بغير وضوء: فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك، فنزلت آية التيمم.
ويلزم من كون التيمم بدلا واجبا في سورة النساء وجوب المبدل، وهذا واضح جدا، ويوافق ذلك ما رواه أحمد والدارقطني1 من رواية ابن لهيعة عن أسامة بن زيد بن حارثة عن أبيه مرفوعا: أن جبريل أتاه في أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء، فلما فرغ من الوضوء، أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه. وروياه2 أيضا عن أسامة مرفوعا من رواية ابن رشدين3. بن سعد، وهذا يدل على أن للخبر أصلا، ونسبة هذا إلى أحمد يخرج على أن ما رواه ولم يرده: هل يكون مذهبا له؟ وسبق فيه في الخطبة4 وجهان، وقد يؤخذ من كلام أبي الخطاب في فصل أركان الصلاة وشروطها من صفة الصلاة أن الأمر بالوضوء إنما هو في آية المائدة، والله أعلم. وعن ابن عمر مرفوعا: "من توضأ ثلاثا فذلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي" . إسناده ضعيف رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما5. وزاد أبو يعلى الموصلي6 وغيره في آخره: "ووضوء خليلي إبراهيم".
ـــــــ
ـــــــ
1 أحمد 17480 سنن الدارقطني 1/111.
2 أحمد 21771 سنن الدارقطني 1/111.
3 في "ط": ابن رشد.
4 وهو قوله في مقدمة الكتاب 1/47: أو صحح الإمام خبرا أو حسنه أو دونه ولم يرده ففي كونه مذهبه وجهان.
5 أحمد 5735 وابن ماجه 419 والدار قطني 1/81.
6 في "مسنده" 5598.

(2/94)


وعن ابن عمر وأنس مرفوعا مثله ولفظه في آخره "ووضوء إبراهيم خليل الرحمن" إسناده ضعيف، قال البيهقي1: غير ثابت.
وعن أبي بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا وقال: "هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي" إسناده ضعيف، رواه ابن ماجه والدارقطني2.
وعلى هذا لا يكون الوضوء من خصائص هذه الأمة، وقاله أبو بكر بن العربي المالكي وغيره، وقد يحتمل أن يكون هذا المتن حسنا لكثرة طرقه، وقد ذكر بعض أصحابنا التيمم من خصائص هذه الأمة، للخبر الصحيح3، فدل أن الوضوء ليس كذلك. وقاله القرطبي المالكي وغيره، وعلى هذا يكون المراد بخبر أبي هريرة: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء" 4. أنهم امتازوا بالغرة والتحجيل، لا بالوضوء، ويحتج به في مسألتنا، لأن الله أمره باتباعهم بمكة في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] وفي قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [النحل:123] وقال ابن عبد البر5: قد يجوز أن يكون
ـــــــ
ـــــــ
1 في السنن الكبرى 1/80 وفي معرفة السنن والآثار 1/299 حيث قال: الحديث ينفرد به المسيب ابن واضح وليس بالقوي وروي من وجه آخر عن ابن عمر.
2 ابن ماجه "420" والدارقطني 1/81.
3 لعله يشير إلى ما أخرج البخاري 355 ومسلم 521 من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من امتي أدركته الصلاة فليصل.." الحديث.
4 أخرجه البخاري "136" و مسلم "246" "35".
5 في الاستذكار 2/179.

(2/95)


الأنبياء عليهم السلام يتوضئون فيكتسبون بذلك الغرة والتحجيل، ولا يتوضأ أتباعهم، كما جاء عن موسى عليه السلام أنه قال: "أجد أمة كلهم كالأنبياء، فاجعلهم أمتي" قال: "تلك أمة أحمد". في حديث فيه طول. قال: وقد قيل إن سائر الأمم كانوا يتوضئون، ولا أعرفه من وجه صحيح، والله أعلم.
ولو جهل الحدث أو نسي وصلى لم يصح، ذكروه في اجتناب النجاسة "و" لأنها آكد، لأنها فعل، ولا يعفى عن يسيرها. وفي أحكام الآمدي1 الشافعي في تفسير الأجزاء بالامتثال أو سقوط القضاء: لا يعيد على قول لنا، وتبعه ابن الحاجب2 في أصوله، فقال: وأجيب بالسقوط للخلاف، ويأتي ما يتعلق به في شروط الصلاة أول الفصل الأخير من صفة الصلاة3.
وأما اجتناب النجاسة فاحتج غير واحد منهم ابن عقيل والشيخ على أنه شرط بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] قال ابن سيرين، وابن زيد اغسلها بالماء، ونقها، وهذا أحد الأقوال الستة فيها، فيكون شرطا
ـــــــ
ـــــــ
1 واسمه الكامل "الإحكام في أصول الأحكام".
2 هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي المالكي صاحب التصانيف قال عنه أبو الفتح ابن الحاجب في ترجمته: هو فقيه مفت مناظر مبرز في عدة علوم متبحر مع دين وورع وتواضع واحتمال واطراف للتكلف. السير 23/264.
3 ص 241.

(2/96)


بمكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ساجدا في ظل الكعبة قبل الهجرة، فانبعث أشقى القوم، فجاء بسلا جزور بني فلان ودمها وفرثها فطرحه بين كتفيه، حتى أزالته فاطمة، رواه البخاري1 من حديث ابن مسعود، قال صاحب المحرر: لا نسلم أنه أتى بدمها، ثم الظاهر أنه منسوخ، لأنه بمكة قبل ظهور الإسلام، ولعل الخمس لم تكن فرضت، والأمر بتجنب النجاسة مدني متأخر.
وذكر القاضي أن الحنفية احتجت على إزالة النجاسة بغير الماء بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] ولم يفرق، فهو على عمومه، وأجاب بأنه قيل: معناه قلبك، وقيل: معناه قصر، قال: مع أن الآية عامة، وخبرنا خاص، والخاص يقضي على العام.
ـــــــ
1 في صحيحه 520 ومسلم 1794 "107" ولفظ الحديث: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم إذ قا قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجئ به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه.."الحديث.

(2/97)


فصل: فعلى رواية: وجوب اجتناب النجاسة،
واختار صاحب المغني2
ـــــــ
ـــــــ
2 2/465.

(2/97)


والمحرر وغيرهما، وعلى الأولى تصح صلاة جاهل بها، أو ناس حملها، أو لاقاها "هـ ش" والأشهر الإعادة، وجزم به القاضي، وابن عقيل، وغيرهما في ناس، قال جماعة: وكذا إن عجز، قال أبو المعالي وغيره: أو زاد مرضه بتحريكه، أو نقله، قال ابن عقيل وغيره؛ أو احتاجه لحرب. وفي الرعاية: أو جهل حكمها، وكذا إن علمها في صلاته،
ـــــــ
.............

(2/98)


وقيل: تبطل، فإن لم تزل إلا بعمل كثير أو في زمن طويل بطلت، وقيل: يبني.
وإن حمل بيضة مذرة، أو عنقودا حباته مستحيلة خمرا فقيل: يصح للعفو عن نجاسة الباطن "و" كالحيوان الطاهر "و" وجوف المصلي، وسبق في الاستحالة1، وقيل: لا، كقارورة، أو آجرة باطنها نجس "م 1"
ـــــــ
مسألة 1: قوله: وإن حمل بيضة مذرة، أو عنقودا حباته مستحيلة خمرا، فقيل تصح صلاته، للعفو عن نجاسة الباطن، كالحيوان الطاهر، وجوف المصلي، وقيل لا تصح، كقارورة، أو آجرة باطنها نجس انتهى. قال ابن تميم وابن حمدان في رعايتيه وصاحب الحاويين لو حمل بيضة فيها فرخ ميت وجهان، ولم أر مسألة العنقود إلا في كلام المصنف، وقد حكم بأنها كالبيضة.
ـــــــ
1 في "ط": الاستنجاء له.

(2/99)


وإن مس ثوبه ثوبا أو حائطا نجسا لم يستند إليه أو قابلها راكعا أو ساجدا ولم يلاقها "و" أو حمل مستجمرا "و" أو جهل كونها في الصلاة "و"
ـــــــ
إذا علم ذلك فأحد الوجهين لا تصح صلاته، وهو الصحيح، جزم به الناظم، ومال إليه المجد في شرحه، فإنه قاس البيضة المذرة على القارورة، وقال: بل أولى بالمنع، قلت وهو الصواب.
والوجه الثاني تصح صلاته، جزم به في المنور.

(2/100)


أو سقطت عليه فأزالها، أو زالت سريعا صحت "و" في الأصح، وإن طينا نجسا، أو بسط عليه ظاهرا، أو غسل وجه آخر نجس صحت على الأصح "و" كسرير تحته نجس، أو علو سفله غصب، ويكره على الأصح.
وحيوان نجس كأرض، وقيل تصح، وكذا ما وضع على حرير يحرم جلوسه عليه، ذكره أبو المعالي، فيتوجه إن صح جاز جلوسه، وإلا فلا. رأى ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر.رواه مسلم.1 قال الدارقطني وغيره: هو غلط من عمرو بن يحيى المازني، والمعروف صلاته على الراحلة والبعير، لكنه من فعل أنس.
ـــــــ
ـــــــ
1 في صحيحه "700" "31".

(2/101)


وتصح على طاهر من بساط طرفه نجس "و" أو على حبل بطرفه نجاسة، والمذهب ولو تحرك النجس بحركته، إلا أن يكون متعلقا به ينجر معه "و ش".
وإن كان بيده أو وسطه شيء مشدود في نجس، أو سفينة صغيرة فيها نجاسة تنجر معه إذا مشى لم تصح، كحمله ما يلاقيها، وإلا صحت، لأنه ليس بمستتبع لها، جزم به في الفصول، واختاره الشيخ وغيره، وقال: كما لو أمسك غصنا من شجرة عليها نجاسة، أو سفينة عظيمة فيها نجاسة، كذا قال، وذكر القاضي وغيره وجزم به صاحب المحرر: إن كان الشد في
ـــــــ
.............

(2/102)


موضع نجس مما لا يمكن جره معه كالفيل لم يصح، كحمله ما يلاقيها، ويتوجه مثلها حبل بيده طرفه على نجاسة يابسة، وأن مقتضى كلام الشيخ الصحة، ولهذا أحال صاحب المحرر عدم الصحة في التي قبلها عليها، تسوية بينها، وفيه نظر، ولهذا جزم في الفصول بعدم الصحة لحمله للنجاسة، وظاهر كلامهم أن ما لا ينجس يصح لو انجر، ولعل المراد خلافه، وهو أولى.
ولو جبر كسرا له بعظم نجس فجبر قلع، فإن خاف ضررا فلا، على الأصح "ق" لخوف التلف "و" وإن لم يغطه لحم تيمم له، وقيل:لا.
ولو مات من يلزمه قلعه قلع "ش" وأطلقه جماعة، قال أبو المعالي وغيره: ما لم يغطه لحم، للمثلة، وإن أعاد سنه بحرارتها فعادت فطاهرة، وعنه نجسة، كعظم نجس.
ولا يلزم شارب خمر قيء، نص عليه "و هـ م" ويتوجه يلزمه "و ش" لإمكان إزالتها، وادعى في الخلاف في المسألة قبلها أنه لم يقل به أحد من
ـــــــ
.............

(2/103)


الأئمة. وأما عدم قبولها في خبر أبي سعيد فرواه البخاري في تاريخه1 في ترجمة إسماعيل بن رافع، وهو ضعيف، وأجاب عنه صاحب المحرر بنفي ثوابها، لا صحتها، لقوله في خبر آخر "لم يقبل له صلاة أربعين صباحا" .رواه أحمد والنسائي والترمذي2، وصححه من حديث ابن عمر، ورواه أحمد وغيره3 من حديث عبد الله بن عمرو، ورواه سعيد موقوفا عليه، ورواه أبو داود4 من حديث ابن عباس، وفي لفظه "بخست"5. ذكره ورواه أحمد6 من حديث أبي ذر، وفيه ضعف.
قال في عيون المسائل وأبو الخطاب وغيرهما في مسائل الامتحان: إذا قيل ما شيء فعله محرم، وتركه محرم، فالجواب إنها صلاة السكران: فعلها محرم للنهي عن ذلك، وتركها محرم عليه، وهذا على أنه مكلف كما نقله عبد الله، وقاله القاضي وغيره، وقاله "ش" وغيره، وخالف جماعة من أصحابنا وغيرهم.
ـــــــ
ـــــــ
1 1/354 ولفظه: "لايقبل الله عز وجل لشارب الخمر صلاة مادام في جسده منها شئ".
2 أحمد "4917" والنسائي 8/316 والترمذي "1862".
3 أحمد "6644" والنسائي 8/317 وابن ماجه "3377".
4 في سننه "3680".
5 في "ط": نجست ومعنى بخست: نقصت.
6 في مسنده "21502".

(2/104)


فصل: ولا تصح في المقبرة، والحمام، والحش، وأعطان الإبل:
واحدها، عطن "بفتح الطاء" وهي المعاطن وأحدها معطن "بكسرها" وهي ما تقيم فيه، وتأوي إليه، قاله أحمد، وقيل مكان اجتماعها إذا صدرت عن المنهل، زاد بعضهم وما تقف فيه لترد الماء، وزاد الشيخ بعد كلام أحمد: وقيل ما تقف لترد فيه الماء، قال: والأول أجود، لأنه جعله في مقابلة مراح الغنم، وذكر صاحب المحرر القول الأول، ثم الثاني، وأبطله بما أبطله به الشيخ لا بروكها1 في سيرها قال جماعة أو لعلفها للنهي، قال القاضي وغيره: لأن النهي عنها نطقا كالبقعة النجسة، بخلاف صلاة من لزمته الهجرة بدار الحرب، لأن النهي عن الصلاة فيها استدلالا، لا نطقا كذا قالوا. وقال صاحب النظم لنفسه أو عن غيره، لأن المحرم عليه ما يفوت من فروض الدين من ترك الهجرة، لا نفس المقام، ومطلق التصرف فيه، فهو كمن صلى في ملكه وعليه فروض لا يمكن أداؤها إلا بخروجه منه.
وروى ابن ماجه2 عن أبي بكر عن أسامة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا: "لا يقبل الله من مشرك أشرك بعدما أسلم عملا، حتى يفارق المشركين إلى المسلمين" . حديث جيد، وحديث بهز حجة عند أحمد، وأبي داود، ويأتي في مانع الزكاة3، وسبق في الباب: "هل يلزم من
ـــــــ
ـــــــ
1 في "ب" و "ط": نزولها.
2 في سننه 2536.
3 4/241.

(2/105)


عدم القبول عدم الصحة1.
وعنه لا يصح إن علم النهي، لخفاء دليله، والأول أشهر، وأصح في المذهب، اختاره الأصحاب، قال غير واحد للعموم، وعنه تحرم وتصح، وعنه يكره "و". ولم يكره "م" الصلاة في مقبرة، واحتج بمسجده عليه السلام2، "وهل المنع تعبد، أو معلل بمظنة النجاسة" فيه وجهان "م 2" ونصه قال بعضهم وهو المذهب: لا يصلي في مسلخ حمام، ومثله أتونه، وما تبعه في بيع. وقال أبو المعالي والشيخ وغيرهما: الحش ممنوع
ـــــــ
تنبيه: قوله: وسبق في الباب هل يلزم من عدم القبول عدم الصحة، إنما سبق هذا في الباب الذي قبله، والظاهر أن لفظة قبله سقطت من الكاتب، أو حصل ذهول، والله أعلم.
مسألة 2: قوله في مواضع النهي عن المقبرة وغيرها: وهل المنع تعبد أو معلل بمظنة النجاسة، فيه وجهان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم.
أحدهما هو تعبد، وهو الصحيح، وعليه أكثر الأصحاب، قال الزركشي تعبد عند الأكثرين، واختاره القاضي وغيره، وقدمه في الشرح، والرعاية الكبرى وهو ظاهر ما قطع به المجد في شرحه، قال ابن رزين في شرحه: هذا أظهر، وجزم به في المستوعب وغيره، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
والوجه الثاني: يعلل، وإليه يميل الشيخ الموفق، والشارح، وصاحب الحاوي الكبير.
ـــــــ
1 ص 78.
2 يعني: أن أرض المسجد النبوي كانت قبورا دارسة للمشركين كا في البخاري "428" ومسلم "524" "9" من حديث أنس.

(2/106)


من ذكر الله تعالى فيه، زاد الشيخ والكلام، فهو أولى.
ويصلي فيهما للعذر، وفي الإعادة روايتان "م3". وفيما حكاه في الرعاية نظر، ولا يصلي فيها من أمكنه الخروج ولو فات الوقت.
ومجزرة ومزبلة، وقارعة طريق كمقبرة على الأصح، اختاره الأكثر، وقيل ومدبغة.
ـــــــ
"مسألة 3" قوله: ويصلي فيها، يعني الأمكنة المنهي عن الصلاة فيها التي عددها للعذر، وفي الإعادة روايتان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم.
إحداهما: لا يعيد، وهو الصحيح، قال في الحاوي الصغير: وإن تعذر تحوله عنها صحت، قلت وهو الصواب.
والرواية الثانية: يعيد، وقواعد المذهب تقتضي ذلك، لأن المنع من الصلاة فيها تعبد على الصحيح. وقال في الرعاية: وقيل إن أمكنه الخروج من الموضع المغصوب وقيل: وغيره لم يصل فيه بحال، وإن فات الوقت، وفي الإعادة روايتان، انتهى، قال المصنف وفيما حكاه في الرعاية نظر، انتهى.

(2/107)


وتصح الجمعة ونحوها في طريق ضرورة، وحافتيها. نص عليها، وعلى راحلة فيها، وذكر جماعة: وطريق أبيات يسيرة، والأشهر للحنفية لا يكره في طريق واسع.
وأسطحة الكل كهي عند أحمد والأكثر، وعنه تصح، قال أبو الوفاء لا سطح نهر، لأن الماء لا يصلى عليه، وقال غيره: هو كالطريق.
وعنه لا يصح، وكرهها في رواية عبد الله وجعفر على نهر وساباط1.
وذكر القاضي فيما تجري فيه سفينة كطريق، وعلله بأن الهوى تابع للقرار، واختار أبو المعالي وغيره الصحة كالسفينة، قال: ولو جمد الماء فكالطريق وذكر بعضهم الصحة، وإن حدث الطريق بعده فوجهان "م 4"
ـــــــ
مسألة 4: قوله: وإن حدث الطريق بعده فوجهان، انتهى، يعني إذا حدث الطريق بعد بناء ساباط، وصلى على الساباط سواء بنى على الساباط مسجدا وصلى فيه؛ أو صلى على الساباط من غير بناء، وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
أحدهما يصح، وهو الصحيح، قدمه ابن تميم، قال في المغني2 والشرح3 وغيرهما: فإن كان المسجد سابقا فحدث تحته طريق أو عطن، أو غيرهما من مواضع النهي لم تمنع الصلاة فيه بغير خلاف، لأنه لم يتبع ما حدث بعده، وذكر القاضي فيما إذا حدث تحت المسجد طريق وجها في كراهة الصلاة، انتهى. وقال المجد في شرحه ومن تبعه: إذا كان إحداث الساباط جائزا صحت الصلاة فيه من غير كراهة، رواية واحدة، لأنه لا يسمى طريقا، فهو بمنزلة ما إذا أحدث تحته طريق أو نهر، انتهى، وقد قدم الأصحاب صحة الصلاة فيما إذا حدثت قدامه بعد بناء المسجد وهذا مثله.
ـــــــ
1 الساباط: سقيفة تحتها ممر نافذ.
2 2/475.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/309.

(2/108)


ويأتي البناء في الطريق آخر الغصب1 في حفر البئر فيها.
وتصح الصلاة إليها مع الكراهة، وقيل: لا تصح، وقيل: إلى مقبرة، اختاره صاحب المغني2 والمحرر، وهو أظهر، وعنه وحش، اختاره ابن حامد، وقيل وحمام، ولا حائل، ولو كمؤخرة الرحل، وظاهره ليس كسترة صلاة، فيكفي الخط، بل كسترة المتخلي، كما سبق3، ويتوجه أن مرادهم لا يضر بعد كثير عرفا، كما لا أثر له في مار مبطل.
ـــــــ
والوجه الثاني لا يصح.
واعلم أن كلام المصنف يشمل ما إذا حدث الطريق بعد بناء الساباط سواء بني عليه مسجد، أو لا، كما تقدم4، وابن تميم وابن حمدان إنما ذكرا الخلاف فيما إذا حدث الطريق بعد المسجد على الساباط، وكذا قال الشيخ والشارح، فكلام المصنف أعم،
ـــــــ
1 7/247.
2 2/473.
3 127.
4 ص 108.

(2/109)


وعنه لا يكفي حائط المسجد، جزم به صاحب المحرر وغيره، لكراهة السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش، وتأول ابن عقيل النص على سراية النجاسة تحت مقام المصلي، واستحسنه صاحب التلخيص، وعن أحمد نحوه قال ابن عقيل: يبين صحة تأويلي لو كان الحائل كآخرة الرحل لم تبطل الصلاة بمرور الكلب، ولو كانت النجاسة في القبلة كهي تحت القدم لبطلت، لأن نجاسة الكلب آكد من نجاسة الخلاء، لغسلها بالتراب، فلزمه أن يقول بالخط هنا، ولا وجه له، وعدمه يدل على الفرق
ـــــــ
وكلامهم لا ينافي كلامه، والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ والشارح وغيرهما أن محل

(2/110)


ولا يضر قبر وقبران، وقيل؛ بلى، واختاره شيخنا، وهو أظهر، بناء على أنه هل يسمى مقبرة أم لا؟ ويتوجه أن الأظهر أن الخشخاشة فيها جماعة قبر واحد وأن ظاهر كلامهم يفرد كل ميت بقبر: ندبا، أو وجوبا، وأن مع الحاجة يجعل بين كل اثنين حاجز من تراب، وهذا معنى الخشخاشة. وقال في المذهب وغيره: ومن دفن بداره موتى لم تصر مقبرة.
وإن غير موضع النهي بما يزيل اسمها كجعل حمام دارا، أو نبش مقبرة صحت الصلاة، وحكي لا: قال عليه السلام "يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا" ونبش قبور المشركين منه، وبنى مسجده. متفق عليه1.
والمسجد إن حدث بمقبرة كهي وإن حدث حوله أو في قبلته فكالصلاة إليها، ويتوجه احتمال يصح حوله، وهو ظاهر كلام جماعة. وقال الآمدي: لا فرق بين المسجد القديم والحديث. وقال في الفصول: إن بنى فيها مسجدا بعد أن انقلبت أرضها بالدفن لم تجز الصلاة، لأنه بني في أرض الظاهر نجاستها، كالبقعة النجسة، وإن بني في ساحة طاهرة
ـــــــ
الخلاف في الكراهة وعدمها كما تقدم2، وظاهر كلام المصنف وابن حمدان أن محل الخلاف في الصحة وعدمها، والله أعلم، ولا يخلو إطلاق المصنف من نوع نظر لما تقدم من كلام الأصحاب.
ـــــــ
1 البخاري "428" ومسلم "524" من حديث أنس.
2 ص 108-109.

(2/111)


وجعلت في الساحة مقبرة جازت، لأنه في جوار مقبرة، وتأتي المسألة في البناء على القبور1.
وفي صحة صلاة جنازة في مقبرة وكراهتها "و ش" وعدمها روايات "م 5, 6".
ويصح النفل "و" على الأصح في الكعبة، وعليها، وعنه إن جهل النهي، وعنه والفرض، واختاره الآجري، كمن نذر الصلاة في الكعبة
ـــــــ
مسألة 5-6: وقوله في صحة صلاة جنازة في مقبرة وكراهتها وعدمها روايات انتهى.
إحداها يصح من غير كراهة، وهو الصحيح، قال ابن عبدوس في تذكرته تباح في مسجد ومقبرة، قال في المحرر لا تكره في المقبرة، قال في الكافي2: وتجوز في المقبرة، قال في الهداية والتلخيص والبلغة والحاوي الكبير وغيرهم لا بأس بصلاة الجنازة في المقبرة، قال في الخلاصة والإفادات وإدراك الغاية لا يصح صلاة في مقبرة لغير جنازة، وقدم عدم الكراهة المجد في شرحه.
والرواية الثانية: تصح، وتكره، اختاره ابن عقيل والرواية الثالثة لا تصح الصلاة، وهو ظاهر كلامه في المستوعب، والمقنع3 والوجيز والمنور وغيرهم، لعموم قولهم لا تصح في المقبرة، وصححه الناظم، وقدم في الرعايتين والحاوي الصغير، وأطلق الثانية والثالثة في المذهب، والمغني4، ومختصر ابن تميم، والفائق وغيرهم.
تنبيه: اشتمل كلام المصنف على مسألتين:
ـــــــ
1 3/367.
2 2/38.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/296.
4 3/423.

(2/112)


وكمن وقف على منتهاه في المنصوص. وإن سجد على غير منتهاه ولا شاخص متصل بها فعنه لا يصح "و ش" كسجوده على منتهاه "و" وعنه:
يصح، كصلاته على مكان أعلى منه "م 7" وقيل: لا يصح على ظهرها، وقيل لا يصح فيها إن نقض البناء وصلى إلى الموضع.
ـــــــ
المسألة الأولى 5: هل تصح الصلاة أم لا؟
المسألة الثانية 6: إذا قلنا بالصحة فهل تكره أم لا؟ والصحيح أنها تصح من غير كراهة.
مسألة 7: قوله: وإن سجد على غير منتهاه ولا شاخص متصل بها فعنه لا تصح كسجوده على منتهاه، وعنه تصح كصلاته على مكان أعلى منه، انتهى، وأطلقهما في التلخيص، والمحرر، ومختصر ابن تميم، والرعاية الكبرى وغيرهم، وكثير من الأصحاب يحكي الخلاف وجهين:
أحدهما: تصح، وهو الصحيح، على ما اصطلحناه في الخطبة1 اختاره الشيخ في المغني2، والمجد في شرحه، وابن تميم وصاحب الحاوي الكبير والفائق وغيرهم.
والرواية الثانية: لا تصح إذا لم يكن بين يديه شاخص، وعليه أكثر الأصحاب قال في المغني2 والشرح3: فإن لم يكن بين يديه شاخص، أو كان بين يديه آجر معبى غير مبني، أو خشب غير مسمور فيها، فقال أصحابه: لا تصح صلاته، قال المجد في
ـــــــ
1 1/8.
2 2/476.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/315.

(2/113)


ويستحب نفله فيها، وعنه لا، ونقل الأثرم، يصلي فيه إذا دخله وجاهه، كذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصلي حيث شاء، ونقل أبو طالب يقوم كما قام النبي صلى الله عليه وسلم بين الأسطوانتين1.
ويجوز الفرض على الراحلة واقفة "و هـ م" وسائرة "هـ" وعليه الاستقبال وما يقدر عليه لأذى مطر، أو وحل على الأصح "ش" لا لمرض نقله واختاره الأكثر، وعنه بلى "و هـ" وقيدها في رواية إسحاق بن إبراهيم، وجزم به في الفصول وغيره إذا لم يستطع النزول، ولم يصرح أحمد بخلافه، وقيل: إن ازداد تضرره. وأجرة من ينزله كماء الوضوء، قاله أبو المعالي.
وإن خاف انقطاعا عن رفقته أو عجز عن ركوبه صلى عليها كخائف، وكذا غير المريض، ذكره جماعة منهم القاضي وابن عقيل، ومعناه نقل ابن هانئ "و" ولا إعادة "ش" ولو كان عذرا نادرا، وذكر ابن أبي موسى إن لم يستقبل لم يصح إلا في المسايفة، ومقتضى كلام الشيخ جوازه لخائف ومريض.
ـــــــ
شرحه وغيره: اختاره القاضي، وهو ظاهر كلامه في المنور والوجيز، وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم، وقدمه ابن رزين في شرحه وغيره.
ـــــــ
1 أخرج البخاري "468" ومسلم "1329" "389" من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة فدعا عثمان ففتح الباب فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة ثم أغلق الباب فلبث فيه ساعة ثم خرجوا قال ابن عمر: فبدرت فسألت بلالا فقال صلى فيه فقلت في أي قال: بين الاسطوانتين. قال ابن عمر: فذهب عبي أن أسأله: كم صلى.

(2/114)


ومن كان في ماء أو طين أومأ كمصلوب ومربوط، وعنه يسجد على متن الماء كغريق، وقيل فيه يومئ، وعنه ويعيد الكل.
ولا يصح قاعدا مع القدرة في سفينة ولو سائرة "هـ" وتقام الجماعة، وعنه إن صلوا جلوسا فلا.
ومن أتى بالمأمور وصلى على الراحلة بلا عذر قائما، أو على السفينة من أمكنه الخروج واقفة أو سائرة صح، وعنه لا، وقطع به في الراحلة في المستوعب والمغني1 وغيرهما "و هـ"و" م ش" في السائرة وقدمه أبو المعالي وغيره، وفي الفصول في السفينة هل تصح كما لو كانت واقفة أم لا كالراحلة؟ فيه روايتان.
وكذا العجلة والمحفة2 ونحوهما، وقطع جماعة لا تصح، كمعلق في الهواء ولا ضرورة، وظاهر ما جزم به أبو المعالي وغيره تصح في واقفة، وجزم أبو المعالي وغيره لا تصح في أرجوحة، لعدم تمكنه عرفا، وعلله ابن عقيل بعدم استقراره بالأرض، كسجوده على بعض أعضاء السجود، قال ابن عقيل وابن شهاب: ومثلها زورق صغير، وكذا جزم في منتهى الغاية عند مقارنة النية للتكبير3: لا تصح في أرجوحة أو معلق في الهواء أو ساجد على هواء ما قدامه، أو على حشيش، أو قطن أو ثلج ولم يجد حجمه، ونحو ذلك، لعدم المكان المستقر عليه، ومتى لم يصح في
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 2/326.
2 العجلة: خشب يحمل عليها. المصباح: عجل. والمحفة بكسر الميم: مركب من مراكب النساء كالهودج.
المصباح: حفف.
3 في الأصل: للتكفير.

(2/115)


سفينة على الرواية الثانية لزم الخروج، زاد بعضهم: إلا أن يشق على أصحابه، ونص عليه.
ولا يعتبر كون ما يحاذي الصدر مقرا، فلو حاذاه روزنة1 ونحوها صحت صلاته، بخلاف ما تحت الأعضاء، فلو وضع جبهته على قطن منتفش ونحوه لم تصح.
وتصح في أرض السباخ2 على الأصح. وفي الرعاية يكره، كأرض الخسف، نص عليه، لما رواه أبو داود3 عن علي قال: إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة. لا يحتج بمثله في التحريم، قال الخطابي فيه مقال، و لا أعلم أحدا حرمها. وقال ابن القطان لا يصح. وقال البيهقي4: فليس النهي لمعنى يرجع إلى الصلاة، ومقتضى كلام الآمدي وأبي الوفاء فيها لا يصح، قاله شيخنا وقواه.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 الروزنة: الكوة وهي خرق في الجدار. القاموس: "رزن-كوي".
2 السبخة بياء محركة ومسكنة: أرض ذات نز وملح. القاموس: سبخ.
3 في سننه 490.
4 في السنن الكبرى 2/451 ومعرفة السنن والآثار 3/402.

(2/116)


السبخة بفتح الباء: واحدة السباخ، وأرض سبخة بكسر الباء ذات سباخ.
ويأتي حكم حائل بينه وبين الأرض فيما يكره في الصلاة1. وحكم بيعة وكنيسة تأتي في الوليمة2.
ويكره في مقصورة تحمى، وقيل: أو لا إن قطعت الصفوف، كذلك قال أحمد وأكره الصلاة في المقصورة، قال ابن عقيل: إنما كرهها لأنها كانت تختص بالظلمة، وأبناء الدنيا، فكره الاجتماع بهم، قال: وقيل كرهها لقصرها على أتباع السلطان ومنع غيرهم، فيصير الموضع كالمغصوب.
ومن كان في سفينة أو بيت سقفه قصير وتعذر القيام أو الخروج، أو خاف عدوا إن انتصب صلى جالسا، نص عليه، وقيل: قائما ما أمكنه كحدب، وكبر ومرض؛ لأنه إن جلس انحنى، ثم إذا ركع فقيل يستحب أن يزيد قليلا، "3وقيل: يزيد3" فإن عجز حنى رقبته، فظاهره يجب "م 8".
ـــــــ
مسألة 8: قوله: ومن كان في سفينة أو بيت سقفه قصير وتعذر القيام أو الخروج أو خاف عدوا إن انتصب صلى جالسا نص عليه، وقيل قائما ما أمكنه، كحدب وكبر، ومرض، ثم إذا ركع فقيل يستحب أن يزيد قليلا، وقيل يزيد، فإن عجز حتى رقبته فظاهره يجب، انتهى.
ـــــــ
1 ص 280.
2 8/328.
3 ليست في "ط".

(2/117)


ـــــــ
........................................
أحدهما يستحب ذلك، قلت وهو ضعيف.
والقول الثاني: يجب، قلت وهو الظاهر، لأنه عوض عن الركوع الذي هو واجب، وقد قال ابن تميم وابن حمدان: فإن ركع زاد في انحنائه قليلا زاد في الرعاية فإن تعذر انحناؤه حنى رقبته نحو قبلته، انتهى، فالوجوب في كلامه ظاهر وهو الصواب.
فهذه ثمان مسائل قد صححت من فضل الله تعالى.

(2/118)


باب استقبال القبلة
مدخل
...
باب استقبال القبلة1
يشترط للصلاة مع القدرة، ويسقط بالعذر فلا يعيد ولو نادرا، نحو مريض عاجز ومربوط "هـ ش" قال الأصحاب كمنع المشركين حال المسايفة ويتوجه رواية من غريق ونحوه، وهو ظاهر الرواية المذكورة فيه، وجزم ابن شهاب بأن التوجه لا يسقط حال سير2 السفينة مع أنها حالة عذر لأن التوجه إنما سقط3 حال المسايفة لمعنى متعد إلى غير المصلى وهو الخذلان عند ظهور الكفار، كذا قال.
ويدور في سفينته في فرض وقيل لا يجب كنفل في أحد الوجهين "م 1" "م ش" وأطلق في رواية أبي طالب وغيره أنه يدور، والمراد غير الملاح لحاجته "و"
ـــــــ
مسألة 1: قوله: ويدور في سفينة في فرض، وقيل لا يجب، كنفل في أحد الوجهين، انتهى.
أحدهما: لا يجب، وهو الصحيح، قال في الرعاية الكبرى: وإن انحرفوا عن القبلة انحرفوا إليها في الفرض، وقيل لا يجب كالنفل، في الأصح، وقدمه ابن تميم، فقال: من كان في سفينة لا يقدر أن يخرج منها صلى على حسب حاله فيها، وكلما دارت انحرف إلى القبلة في الفرض، ولا يجب ذلك في النفل، انتهى.
والوجه الثاني: يجب، وهو احتمال في مختصر ابن تميم، ومحل الخلاف عند ابن تميم إذا كان لا يقدر على الخروج من السفينة. وقال في الرعاية الكبرى بعد ذكر هذه المسألة وغيرها والمسافر كالمقيم، ثم قال بعد ذلك وقيل: للمسافر التنفل فيها وإن أمكنه الخروج منها كالراحلة، ولا يجب أن يدور كلما دارت إلى القبلة، انتهى، فجعل هذا طريقة أخرى بعدما صحح عدم الوجوب.
ـــــــ
1 بعدها في "ط": وهو الشرط الخامس.
2 في النسخ الخطية: كسر والمثبت من "ط".
3 في "ط": يوجه.

(2/119)


ويسقط في النفل في سفر مباح قصير "م" نص عليه فيما دون فرسخ كطويل "و" راكبا، وعنه وحضر، فعله أنس1 "و هـ" خارج المصر، وعن أبي حنيفة أيضا وفي المصر. وقاله أبو يوسف، وقاله محمد مع الكراهة، لكثرة الغلط فيه، فربما غلط، وعلى الأصح: وماشيا سفرا "و ش" إلا راكب التعاسيف2.
ويعتبر في راكب طهارة محله، نحو سرج وركاب، وعند أكثر الحنفية لا يعتبر، قالوا: لأن باطن الدابة لا يخلو عن نجاسة، قال بعضهم لا اعتبار بنجاسته، لأنه لو حمل حيوانا طاهرا فصلى به صحت، بل العلة لأنه ترك الركوع والسجود مع إمكانهما على الأرض، والركن أقوى من الشرط.
ويلزم الراكب الإحرام إلى القبلة بلا مشقة، نقله واختاره الأكثرون وذكره أبو المعالي. وغير المذهب، وعنه لا "و هـ م" نقل صالح وأبو داود يعجبني ذلك.
وإن أمكنه فعلها راكعا وساجدا بلا مشقة لزمه نص عليه "و ش" لأنه كسفينة، قاله جماعة، فدل أنها وفاق، وقيل لا يلزمه، ذكره في الرعاية رواية، للتساوي في الرخص العامة، فدل أن السفينة كذلك كالعمارية3.
وعند الحنفية: نفل أفسده ونذر، وسجدة تليت على الأرض كنفل، ويتوجه لنا مثله في النذر، وله نظائر.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 لم نقف عليه.
2 هو: السائر في الطريق على غير قصد ولا هداية. اللسان: عسف.
3 نوع من القباب توضع على بغل وبداخلها رجلان كل منهما في جانب تستخدم لأغراض السفر لمسافات بعيدة.
"معجم المصطلحات والألقاب التاريخية" ص 327.

(2/120)


وإن نذر الصلاة عليها جاز، وذكر القاضي قولا:لا فيتوجه مثله فيمن نذر الصلاة في الكعبة.
وإن عذر من عدلت به دابته عن جهة سيره، أو هو1 إلى غير القبلة وطال بطلت، وقيل: لا يسجد للسهو، لأنه مغلوب، كساه، وقيل: يسجد بعدوله، وإن لم يعذر بأن عدلت دابته وأمكنه ردها أو عدل إلى غيرها مع علمه بطلت.
وإن انحرفت عن جهة سيره فصار قفاه إلى القبلة عمدا بطلت، إلا أن يكون ما انحرف إليه جهة القبلة، ذكره القاضي، وهي مسألة الالتفات المبطل، وقد سبق.
ومتى لم يدم سيره فوقف لتعب دابته، أو منتظرا للرفقة، أو لم يسر كسيرهم أو نوى النزول ببلد دخلته استقبل القبلة، وإن نزل في أثنائها نزل مستقبلا وأتمها نص عليه.
وإن ركب في نفل بطل، وقيل يتمه كركوب ماش فيه.
والماشي يحرم إلى القبلة، ويركع ويسجد إليها "و ش" وقيل يومئ بهما إلى جهة سيره، وقيل ما سوى القيام يفعله إلى القبلة غير ماش.
ويلزم قادرا أومأ جعل سجوده أخفض "و" والطمأنينة.
وفرض المشاهد لمكة، أو لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم "و" أو القريب
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أي: عدل هو كما في الإنصاف 3/328 وقد تحرفت في "ط" على: هوى.

(2/121)


منهما. وقال صاحب النظم: ومسجد الكوفة، لاتفاق الصحابة عليه
ـــــــ
.............

(2/122)


إصابة العين ببدنه، نص عليه، وقيل: أو ببعضه.
وإن تعذر اجتهد إلى عينها، وعنه أو إلى جهتها، وذكر جماعة إن تعذر فكبعيد. وفي الواضح1 إن قدر على الرؤية إلا أنه مستتر بمنزل وغيره كمشاهد. وفي رواية كبعيد.
ولا يضر العلو والنزول، وعند ابن حامد لا يصح إلى الحجر، وجزم
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 4/225-226.

(2/123)


به ابن عقيل في النسخ، وجزم به أبو المعالي في المكي، ونص أحمد: الحجر من البيت.
وفرض من بعد عنها الاجتهاد إلى جهتها، وهو الأصح للحنفية، فيعفى عن الانحراف قليلا، ولعل المراد ما جزم به بعضهم [لا يضر] التيامن والتياسر في الجهة.
وعنه إلى عينها، فيمنع اختاره أبو الخطاب وغيره، وذكر أبو المعالي أنه المشهور "و م ر ق" وفي الرعاية عليها1: إن رفع وجهه نحو السماء فخرج به عن القبلة منع.
ونقل مهنا وغيره: إذا تجشأ وهو في الصلاة ينبغي أن يرفع وجهه إلى فوق، لئلا يؤذي من حوله بالرائحة، وما سبق أولا عليه كلام أحمد والأصحاب، قال أحمد في رواية الجماعة: الرواية الأولى ما بين المشرق والمغرب قبلة، فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يعد، ولا يتبالى مغرب الصيف والشتاء، ومشرق الصيف والشتاء إذا صلى بينهما، وبين القاضي أن ما وقع عليه اسم مشرق ومغرب فالقبلة ما بينهما، قال: ويستحب أن يتحرى الوسط.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 يعني: على الرواية بوجوب استقبال عينها.

(2/124)


ولم أجد الثانية صريحة. وفي ظهورها نظر، فإنه قال: مشارق الصيف والشتاء سواء، إنما ينبغي له أن يتحرى أوسط ذلك، لا يتيامن، ولا يتياسر.
وقال ابن الجوزي: ويستدير الصف الطويل. وفيه في فتاوى ابن الزاغوني روايتان، إحداهما لا، لخفائه وعسر اعتباره، والثانية ينحرف طرف الصف يسيرا، يجمع به توجه الكل إلى العين، وأجاب أبو الخطاب كل واحد من الصف يجتهد أن يتوجه إلى عينها من أي النواحي كان، واحتج جماعة بصحة صلاة صف طويل على خط مستو، مع أنه لا يصيب عينها إلا من كان بقدرها، وإنما يتسع المحاذي مع البعد مع التقوس، لا مع عدمه.
ولو وجب التوجه إلى العين لم تصح صلاة من خرج عنها كالمكي، ولم أجدهم ذكروا هنا أن البعد مسافة قصر، بل قال غير واحد بحيث لا يقدر على المعاينة، ولا على من يخبره عن علم..

(2/125)


فصل: وإن أخبره عدل،
وقيل: أو مستور، وقيل: أو مميز، عن علم لزمه تقليده في الأصح "ش" وفي التلخيص ليس للعالم تقليده، وإن أخبره عن اجتهاده لم يجز تقليده في الأصح "و" وقيل: إن ضاق الوقت، وذكره القاضي ظاهر كلام أحمد، واختاره جماعة، وقيل: أو كان أعلم قلده،
ـــــــ
.............

(2/125)


وفي آخر التمهيد يصليها على حسب حاله ثم يعيد إذا قدر، فلا ضرورة إلى التقليد كمن عدم الماء والتراب يصلي ويعيد.
ويلزمه السؤال، فظاهره: يقصد المنزل في الليل ليستخبر، خلافا للحنفية، ويتوجه احتمال مثله، ولعل الظاهر غير مراد، كما لا يخرج من حلف لا يساكن فلانا ليلا، ولا يسلم الوديعة ليلا.
ويلزمه أن يستدل بمحاريب يعلمها للمسلمين عدولا أو فساقا، وعنه يجتهد، وعنه ولو بالمدينة، وفي المغني1 أو يعلمها للنصارى. وقال أبو المعالي: لا يجتهد في محراب لم يعرف بمظعن بقرية مطروقة، قال: وأصح الوجهين لا ينحرف، لأن دوام التوجه إليه كالقطع، كالحرمين.
وبالنجوم، وأصحها القطب، ثم الجدي، وهما من الشمال، وحول القطب أنجم دائرة وعليه تدور بنات نعش، ولا يقرب منه غير الفرقدين.
وبالشمس، وهي تقارب الجنوب شتاء، والشمال صيفا.
وبالقمر، ومنازله ثمانية وعشرون، كل ليلة في واحد منها أو قربه، وكلها تطلع من المشرق، وتغرب في المغرب، فظلك يسارك.
وبالرياح. وقال أبو المعالي: الاستدلال بها ضعيف، فالجنوب تهب بين القبلة والمشرق، والشمال تهب مقابلها، والدبور تهب بين القبلة والمغرب، والصبا تقابلها، وتسمى القبول، لأن باب الكعبة وعادة أبواب العرب إلى مطلع الشمس، فتقابلهم، ومنه سميت القبلة، وبقية الرياح عن جنوبهم، وشمائلهم، ومن ورائهم.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 2/102.

(2/126)


وقال جماعة: وبالأنهار الكبار غير المحددة، فكلها بخلقة الأصل تجري من مهب الشمال من يمنة المصلي إلى يسرته، على انحراف قليل، إلا نهرا بخراسان، ونهرا بالشام، عكس ذلك، فلهذا سمي الأول: المقلوب، والثاني: العاصي.
قالوا: وبالجبال، فكل جبل له وجه متوجه إلى القبلة يعرفه أهله ومن مر به، وذلك
ضعيف، ولهذا لم يذكره جماعة.
وذكر بعضهم المجرة في السماء، وهذا إنما هو في بعض الصيف.
ويستحب أن يتعلم أدلة القبلة والوقت. وقال أبو المعالي: يتوجه وجوبه، وأنه يحتمل عكسه لندرته، قال هو وغيره فإن دخل الوقت وخفيت القبلة عليه لزمه قولا واحدا، أي تعلم القبلة أو الاجتهاد لقصر زمنه، ويقلد لضيق الوقت، لأن القبلة يجوز تركها للضرورة، وهي شدة الخوف، ولا يعيد، بخلاف الطهارة، ولأنه يجتهد فيها مع العلم بأن هناك نصا خفي عليه؛ هو عين القبلة، بخلاف الحاكم، وظاهر كلام جماعة لا يلزم جاهلا التعلم.

(2/127)


فصل: وإن اختلف مجتهدان في جهتين,
وقيل: أو جهة لم يتبع أحدهما صاحبه، ولا يصح اقتداؤه به، نص عليه "و" لظنه خطأه بإجماع، وذكر الشيخ قياس المذهب يصح، وقيل صلاة الإمام، وظاهر كلامهم يصح ائتمامه به إذا لم يعلم ، ويتوجه أنه لا يلزم من صحة القدوة مع اختلاف الجهة صحته في الجمعة قبل الزوال، لاعتقاده فسادها، لأنه لم
ـــــــ
.............

(2/127)


يخاطب بها.
ومن اتفق اجتهادهما فائتم أحدهما بالآخر فمن بان له الخطأ انحرف وأتم، وينوي المأموم المفارقة للعذر، ويتم ويتبعه من قلده في الأصح.
ويجب على جاهل وأعمى تقليد الأوثق، ويتخرج لا، قدمه في التبصرة "و" لعامي في الفتيا على الأصح "و" ولو تساويا فمن شاء. وقال أبو الوفاء: إن اختلفا فإلى الجهتين.
ولو سأل مفتيين فاختلفا فهل يأخذ بالأرجح، ، أو الأشد، أو الأخف أو يخير؟ فيه أوجه "2 - 3"
ـــــــ
مسألة 2 – 3: ولو سأل مفتيين واختلفا فهل يأخذ بالأرجح، أو الأخف، أو "1الأشد، أو الأخف1" يخيره فيه أوجه، انتهى، أطلق الخلاف في عدة أقوال:
أحدها: أنه يخير، اختاره القاضي وأبو الخطاب والشيخ الموفق في الروضة، نقله عنه المصنف في أصوله، ولم أره فيها وقطع به المجد في موضع من المسودة، قال أبو الخطاب: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقدمه المصنف في أصوله.
والوجه الثاني: يأخذ بالأرجح، ذكره ابن البناء، وغيره، وهو الصحيح، واختاره بعض الأصحاب، قاله المصنف في أصوله، قال في إعلام الموقعين يجب عليه أن يتحرى، ويبحث عن الراجح بحسبه وهو أرجح المذاهب السبعة، انتهى.
قال الشيخ في الروضة: إذا سألهما فاختلفا عليه لزمه الأخذ بقول الأفضل في علمه ودينه، فقدم هذا. وقال الطوفي في مختصرها2: فيه خلاف، والظاهر الأخذ بقول الأفضل في علمه ودينه، وقدم الشيخ في الروضة، والطوفي في مختصره2، والشيخ علاء الدين بن اللحام في أصوله، وغيرهم أنهما إذا استويا عنده له اتباع أيهما شاء، وجزم به الشيخ تقي الدين في المسودة. وقال ذكره القاضي في أصوله
ـــــــ
1 في النسخ الخطية و "ط": الأخف أو الأشد والمثبت من الفروع.
2 مختصر الروضة مع شرحها 3/669.

(2/128)


وإن سأل فلم تسكن نفسه ففي تكراره وجهان "م 4"
ومن صلى بلا اجتهاد ولا تقليد أو ظن جهة باجتهاده فخالفها أعاد "و م ش" وإن تعذر الأمران تحرى، وقيل: ويعيد "و ش". وإن صلى بلا
ـــــــ
المختلفة بما يقتضي أنه محل وفاق ولم يمنعه، وهو الصحيح، والصواب.
والوجه الثالث: يأخذ بالأخف.
الوجه الرابع: يأخذ بالأشد، ذكره ابن البنا أيضا، وقيل يأخذ بأرجحها دليلا، وقيل سأل مفتيا آخر، قال الطوفي1 وغيره: ويحتمل أن يسقطا، ويرجع إلى غيرهما إن وجد، وإلا فإلى ما قبل السمع.
"تنبيه" ذكر ذلك مسألة واحدة، والذي ينبغي أن يكون مسألتان:
المسألة الأولى: 2 إذا سألهما واختلفا عليه ولم يتساويا فهنا الصحيح الأخذ بقول الأفضل في علمه ودينه.
المسألة الثانية: إذا تساويا عنده فهنا الصحيح الخيرة كما فعل الشيخ وغيره من الأصحاب.
مسألة 4: قوله: وإن سأل فلم تسكن نفسه ففي تكراره وجهان، انتهى.
أحدهما: لا يلزمه، قال ابن نصر الله في حواشي الفروع أظهر الوجهين لا يلزمه.
والوجه الثاني: يلزمه، وهو ظاهر ما قدمه المصنف في أصوله، فإنه قال: يلزم المفتي تكرير النظر عند تكرير الواقعة، جزم به القاضي، وابن عقيل، وذكر بعض أصحابنا لا يلزم، ثم قال: ولزوم السؤال ثانيا فيه الخلاف، انتهى، وهو ظاهر كلامه في إعلام الموقعين، قلت: الصواب في ذلك الاحتياط، قال في الرعاية: ولا يكفيه من لم تسكن نفسه إليه، نقله المصنف عنه في أصوله.
فهذه أربع مسائل في هذا الباب قد صححت بحمد الله تعالى.
ـــــــ
1 في شرح مختصر الروضة 3/671.

(2/129)


تحر أعاد، وعنه: ويعيد إن تعذر التحري "ش" وقيل: ويعيد في الكل إن أخطأ، وإلا فلا.
ولا إعادة على مخطئ مع اجتهاد أو تقليد سفرا "ش" وخرج في الواضح رواية ما لو بان الفقير غنيا يعيد، وفرق القاضي وغيره بقدرته على اليقين بأخذ إمام1.
وعنه: لا يعيد حضرا. واحتج أحمد بقضية أهل قباء2، وعنه ما لم يخطئ جرما.
وفي التعليق: ومكي كغيره على ظاهر كلامه، لأنه قال في رواية صالح يجزيه، قد تحرى، فجعل العلة في الإجزاء وجود التحري، وهذا موجود في المكي، وعلى أن المكي إذا علم الخطأ فهو راجع من اجتهاده إلى يقين، فينتقل اجتهاده كحاكم اجتهد ثم وجد النص. وفي الانتصار: لا نسلمه، والأصح تسليمه.
ويلزمه أن يجتهد لكل صلاة، كالحادث في الأصح، فيها لمفت ومستفت، وألزمه فيها أبو الخطاب وأبو الوفاء إن لم يذكر طريق الاجتهاد.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 يعني: أن القاضي أبدى فارقا بين المسألتين وهو أن المزكي قادر عبى إصابة اليقين بدفع زكاته إلى الإمام بخلاف طالب القبلة فإنه عاجز عن اليقين.
2 أخرج البخاري 403 ومسلم "526" "13" عن ابن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.

(2/130)


وإن تغير اجتهاد المصلي عمل بالآخر، ولو كان في صلاة بنى، نقله الجماعة "و هـ" وهو الأصح عند الشافعية لقصة أهل قباء.
والصلاة تتسع لاجتهادين لطولها، بخلاف حكم الحاكم، فنظيره يتبين الخطأ بعد تلبسه بتكبيرة الإحرام قبل الفراغ منها فإنه لا يكملها باجتهادين كالحكم سواء، ذكره في الجامع، وكشكه في الصلاة فقط.
وعنه: تبطل "و م ش" وقيل: يلزمه جمعته الأولة، وإن ظن الخطأ فقط بطلت. وقال أبو المعالي: إن بان له صحة ما كان عليه ولم يطل زمنه استمر، وصحت، وإن بان له الخطأ فيها بنى، وقيل: إن أبصر فيها وفرضه الاجتهاد ولم ير ما يدل على صوابه بطلت، ومن أخبر وهو فيها بالخطأ يقينا لزمه قبوله، وإلا لم يجز، وذكر جماعة إلا أن يكون الثاني يلزمه تقليده، فكمن تغير اجتهاده، وخرج أبو الخطاب وغيره على منصوصه في الثياب المشتبهة وجوب الصلاة إلى أربع جهات، وهو في التبصرة رواية، قال القاضي وغيره: الأمر بذلك أمر بالخطأ، فلهذا أمر بالاجتهاد، فعلى الأولى لو فعله لم يجزه إلا أن يتحرى فيجزيه، وإن لم يصب "و" وذكره القاضي أيضا، وقال في مسألة الشك في الصلاة لخصمه الحنفي، يمكنه أداء فرضه بيقين بأن يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات، وصلى عليه السلام إلى بيت المقدس بالمدينة، قيل: سبعة عشر شهرا، وقيل: ثمانية عشر شهرا1، وقيل: ستة عشر شهرا، وقيل: بسنة، وقاله أكثر العلماء.
"2وقيل: بقرآن2"
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "4486" ومسلم "525" "12".
2 ليست في "ط".

(2/131)


ولم يصرحوا بصلاته قبل الهجرة، وسئل عنها ابن عقيل فقال: الجواب: ذكر ابن أبي خيثمة1 في تاريخه أنه قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى الكعبة قبل الهجرة، وصلى إلى بيت المقدس بالمدينة.
ـــــــ
ـــــــ
ـــــــ
1 أبوبكر أحمد بن زهير بن حرب النسائي ثم البغدادي مؤرخ من حفاظ الحديث. له: كتاب "التاريخ الكبير".
"ت 279هـ". المقصد الأرشد 1/105-106.

(2/132)


باب النية
مدخل
...
باب النية
تعتبر للصلاة إجماعا، ولا تسقط بوجه، ولا يضر معها قصد تعليمها لفعله عليه السلام1 في صلاته على المنبر وغيره، أو خلاصا من خصم، أو إدمان سهر، كذا وجدت ابن الصيرفي نقله، والمراد لا يمنع الصحة بعد إتيانه بالنية المعتبرة، لا أنه لا ينقص ثوابه، ولهذا ذكره ابن الجوزي فيما ينقص الأجر، ومثله قصده مع نية الصوم هضم الطعام، أو قصده مع نية الحج رؤية البلاد النائية ونحو ذلك، ويأتي فيما يبطل الصلاة2 قوله في العمل الممتزج بشوب من الرياء وحظ النفس، كذا قال، وهو يقتضي صحة العمل مع شوب من الرياء وحظ النفس، ولعل مراده أنهما واحد، ولهذا ذكر أنه يأثم، وإلا فكلام غيره يدل على أن شوب الرياء مبطل، وأن حظ النفس كقصده مع نية العبادة الخلاص من خصم، أو هضم الطعام أنه لا يبطل، لأنه قصد ما يلزم ضرورة كنية التبرد، أو النظافة مع نية رفع الحدث، وسبق فيه احتمال.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 تقدم تخريجه 1/431.
2 ص 302.

(2/133)


وقاله بعض الشافعية وابن حزم، فيتوجه هنا مثله، ويأتي فيما إذا قصد في طوافه غريما أو صيدا1.
وهي الشرط السادس، وقيل: فرض. وقال الشيخ عبد القادر2: هي قبل الصلاة شرط، وفيها ركن. وقال صاحب النظم: فيلزم في بقية الشروط مثلها.
ويجب تعيينها لفرض ونفل معين على الأصح "و م ش" وفي الترغيب في نفل معين، لا، كمطلق "و" وأبطل صاحب المحرر عدم التعيين بأنه لو كانت عليه صلوات فصلى أربعا ينويها مما عليه لم يجزه "ع" فلولا اشتراط التعيين أجزاه، كالزكاة.
لو أخرج شاة أو صاعا من عليه شياه: من إبل، أو غنم، أو عشر، أو فطرة ينويها مما عليه، كذا قال: وظاهر كلام غيره لا فرق، وهو متوجه
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 6/38.
2 هو: أبو محمد عبدالقادر بن أبي صالح بن عبد الله الجبلي شيخ الحنابلة في عصره له: "فتوح الغيبة", "الغنية لطالبي طريق الحق" وغيرها. "ت561هـ". ذيل طبقات الحنابلة 1/290 شذرات الذهب 4/198.

(2/134)


إن لم يصح بينهما فرق.
وتجب نية الفرضية للفرض، والأداء للحاضرة، والقضاء للفائتة على الأصح: لا إضافة الفعل إلى الله تعالى في جميع العبادات في النية في
ـــــــ
تنبيه: قوله: ويجب نية الفرضية للفرض، والأداء للحاضرة، والقضاء للفائتة، على الأصح، انتهى، قال ابن نصر الله: المذهب عدم الوجوب في الثلاثة، انتهى، قلت وهو الظاهر، ونحن نذكر ما يسر الله به.
أما اشتراط نية الفرضية في الفرض، فاختاره ابن حامد، وصححه المصنف، قال في الخلاصة: وينوي الصلاة الحاضرة فرضا، انتهى.
والرواية الثانية لا يشترط، وعليه الأكثر، قال في الكافي1 قاله غير ابن حامد، قال المجد وابن عبد القوي في مجمع البحرين وصاحب الحاوي الكبير: لا يشترط نية الفرض للمكتوبة إذا أتى بنية التعيين عند أكثر أصحابنا، قالوا: وهو أولى، وصححه في التصحيح، والرعاية الكبرى، ومختصر ابن تميم، والفائق، وغيرهم، واختاره ابن عبدوس في تذكرته، وغيره، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في البداية والمستوعب والمحرر والرعاية الصغرى، والحاوي الصغير، وإدراك الغاية، وتجريد العناية، وشرح ابن رزين، وغيرهم، وصححه في الإنصاف2، وأطلق الخلاف في المذهب، والمقنع3 والتلخيص، والبلغة والشرح3 والنظم والزركشي وغيرهم.
وأما اشتراط نية القضاء في الفائتة فاختاره ابن حامد وجزم به في
ـــــــ
1 1/276.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/364.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/361.

(2/135)


الأصح.ويصح القضاء بنية الأداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه، ذكره الأصحاب، قالوا: ولا يصح القضاء بنية الأداء وعكسه أي مع العلم.
وقال الأصحاب رحمهم الله في الصلاة في المغصوب: إن نية التقرب بالصلاة شرط، فعلى هذا لو ألجئ إلى النية كما سبق بيمين أو غيرها ولم ينو القربة لم يصح.وقد ذكر الشيخ في الروضة وغيره أن المكره إذا كان إقدامه على العبادة للخلاص من الإكراه لم يكن طاعة، ولا مجيبا داعي الشرع، وظاهر ما سبق لا يصح ظاهرا، ولعل المراد باطنا، وقد ذكروا لو أخذ الإمام الزكاة كرها أجزأت المكره ظاهرا لا باطنا,
ـــــــ
مسبوك الذهب، والإفادات، وصححه المصنف، والرواية الثانية: لا يشترط، صححه في التصحيح، والرعاية الكبرى، ومختصر ابن تميم والفائق، وغيرهم واختاره الشيخ في الكافي1، والشارح وابن عبدوس في تذكرته، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في المحرر والرعاية الصغرى، والحاوي الصغير وإدراك الغاية وتجريد العناية وغيرهم، وأطلق الخلاف في البداية، والمستوعب، والمقنع2، والهادي، والتلخيص والبلغة وشرح المجد والشرح، وشرح3 ابن منجى والنظم، والزركشي والحاوي الكبير وغيرهم.
وأما نية الأداء للحاضرة فحكمها حكم نية الفرضية للفرض، قلت: يحتمل أن يكون في كلام المصنف نقص، وتقديره ولا يجب بزيادة "لا" فيكون موافقا لما قلناه، والله أعلم، وحكى المصنف الخلاف روايتين، وحكاه أكثرهم وجهين. وقال ابن تميم:
ـــــــ
1 1/276.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/361.

(2/136)


كالمصلي كرها.
وقيل: من ظن فائتة فنواها وقت حاضرة مثلها فبان لا شيء عليه أجزأه عن الحاضرة، وأن من نوى حاضرة وعليه مثلها فائتة أجزأه عنها، ونظيره تعيينه زكاة مال حاضر، فتبين تالفا أو عكسه.
ولو نوى من عليه ظهران فائتتان ظهرا منهما لم يجزه عن أحديهما حتى تعين السابقة لأجل الترتيب، وقيل بلى، كصلاتي نذر، لأنه مخير هنا في الترتيب كإخراج نصف دينار عن أحد نصابين، أو كفارة عن إحدى أيمان حنث فيها، ويتوجه تخريج، واحتمال يعين السابقة.
ويجوز تقديمها1 على التكبير بزمن يسير "م ش" خلافا للآجري كالصوم، وقيل للقاضي فيجوز بزمن كثير كصوم؟ فقال: الإقامة تتقدم الدخول في الصلاة كتقديم نية الصوم له، ولا يجوز تقديمها بزمن كثير، قال: ورأيت من قال يجوز تقديم الإقامة بزمن كثير ولا يعيدها، واحتج القاضي بمن سلم عن نقص، أو نسي سجود السهو وطال عرفا أعاد،
ـــــــ
وجهان، وقيل روايتان.
ـــــــ
1 أي: النية.

(2/137)


وكذا هنا.
وفي الخرقي وغيره: بعد دخول الوقت، وتعتبر ما لم يفسخها. وفي التعليق والوسيلة وغيرهما أو يشتغل بعمل ونحوه، كعمل من سلم عن نقص، أو نسي سجود السهو، كذا ذكره القاضي، وقطع جماعة أو يتعمد حدثا، وقيل: أو يتكلم. وفي التلخيص لا نية فرض من قاعد، وأنها لا تنعقد نفلا.
وقيل بزمن كثير1. نقل أبو طالب وغيره إذا خرج من بيته يريد الصلاة فهو نية، أتراه كبر وهو لا ينوي الصلاة؟ واحتج به شيخنا وغيره على أن النية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة.
وعند الحنفية له تقديمها، ما لم يوجد ما يقطعها، وهو عمل لا يليق بالصلاة، لأن الصلاة تبطل به، فكذا النية، وإن فسخها بطلت "هـ" وقيل ولم ينو قريبا، فعند الحنفية لو افتتح الظهر ثم افتتحها لغت نيته وبنى، إلا أن المسبوق إن كبر ناويا الاستئناف خرج منها وإن كان منفردا، لأنه بان
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 معطوف على قوله: "بزمن يسير".

(2/138)


في حق التحريمة فأفاد الانفراد في حق التحريمة.
وإن عزم على الفسخ أو تردد فوجهان "م 1 - 2" لا بعزمه على محظور
ـــــــ
مسألة 1: قوله: وإن عزم على الفسخ، أو تردد فوجهان، انتهى، ذكر مسألتين
المسألة الأولى-1: إذا تردد في قطع النية فهل تبطل أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في البداية، والمذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والخلاصة، والكافي1، والمغني2، والمقنع3، والهادي، والتلخيص، والبلغة، والمحرر، ومختصر ابن تميم، والرعايتين، والحاويين والنظم، والشرح3، وشرح ابن منجى، وشرح العمدة للشيخ تقي الدين وإدراك الغاية، والفائق، وتجريد العناية، والزركشي وغيرهم.
أحدهما: تبطل، وهو الصحيح، اختاره القاضي، ونصره الشريف أبو جعفر، والمجد في شرحه، وصححه في التصحيح، وابن نصر الله في حواشيه، وجزم به في الإفادات، والوجيز، ومنتخب الآدمي، وغيرهم.
والوجه الثاني: لا تبطل، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختاره ابن حامد، وجزم به في المنور وقدمه ابن رزين في شرحه.
ـــــــ
1 1/276.
2 2/134.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/368.

(2/139)


"و" والوجهان إن شك: هل نوى فعمل معه عملا ثم ذكر "م 3" قال ابن حامد:
يبني، لأن الشك لا يزيل حكم النية. وقال القاضي: تبطل لخلوه عن نية معتبرة. وقال صاحب المحرر: إن كان العمل قولا لم تبطل كتعمد
ـــــــ
المسألة الثانية-2: إذا عزم على فسخها فهل تبطل أم لا؟ أطلق الخلاف، وقد حكم المصنف بأن حكمها حكم التردد في القطع، وهو الصحيح، فيعطى حكمه خلافا ومذهبا، وقيل: تبطل بالعزم على فسخها، وإن لم تبطل بالتردد، جزم به في الخلاصة، والرعاية الصغرى، والحاويين. وقال في الرعاية الكبرى وابن تميم: إن عزم على قطعها فأوجه: الثالث تبطل مع العزم دون التردد. وقال ابن حمدان في صفة الصلاة: وإن قطعها أو عزم على قطعها عاجلا بطلت، وإن تردد فيه، أو توقف، أو نوى أنه سيقطعها، أو علق قطعها، على شرط فوجهان، انتهى. وقال أيضا: وإن علقه على شرط، أو نوى أنه سيقطعها لم تبطل في الأصح، انتهى. وقال القاضي أبو الحسين في فروعه: إذا اعتقد أنه سيقطعها، أو توقف يرتاب في قطعها فقال ابن حامد: يحتمل وجهين، البطلان اختاره الوالد، وعدمه، وقال الشريف أبو جعفر في رءوس المسائل: اختلف الأصحاب يعني في المسألتين، فقال شيخنا: تبطل، وقال ابن حامد: لا تبطل، واستدل لقول شيخه فقط.
مسألة -3 قوله: والوجهان إن شك هل نوى فعمل معه أي مع الشك عملا ثم ذكر، انتهى، قد علمت الصحيح من الوجهين فيما تقدم، فكذا هنا، قال ابن حامد: يبني، لأن الشك لا يزيل حكم النية، وهو ظاهر ما قدمه ابن تميم. وقال القاضي: تبطل لخلوه عن نية معتبرة، وهو ظاهر ما قدمه الشارح وغيره، وقدم في الرعاية أنه حيث طال يستأنفها، وذكر الأوجه الثلاثة طريقة. وقال المجد في شرحه والأقوى أنه إن كان العمل قولا لم تبطل، كتعمد زيادته، ولا يعتد به، وإن كان فعلا بطلت، لعدم جوازه كتعمده في غير موضعه، انتهى، قال ابن تميم: وهذا أحسن، قال في مجمع البحرين: إنما قال الأصحاب عملا، والقراءة ليست عملا على أصلنا ولهذا لو نوى قطع القراءة

(2/140)


زيادته، ولا يعتد به، وإن كان فعلا بطلت، لعدم جوازه، كتعمده في غير موضعه، قال صاحب النظم: إنما قال الأصحاب عملا، والقراءة ليست عملا على أصلنا، ومن أجل ذلك نرجو الثواب لمن تلا مطلقا، ولهذا لو نوى قطع القراءة ولم يقطعها لم تبطل، قولا واحدا، قال الآمدي: وإن قطعها بطلت بقطعه، لا بنيته، قال: لأن القراءة لا تحتاج إلى نية، قال صاحب النظم: لو كانت عملا لاحتاجت إلى نية كسائر أعمال العبادات، قال الآمدي كان في ديار بكر رجل مبتدع، يقول. يحتاج أن ينوي حال ابتداء القراءة من يريد يقرأ: من أجله، يموه على العوام، ويجعل القراءة فعلا للقارئ فيقرن بها النية، قال: ونحن نبرأ إلى الله من هذا المذهب، كذا ذكره صاحب النظم، وهو خلاف كلام الأصحاب، والقراءة عبادة تعتبر لها النية، ويأتي في الأيمان1: من حلف لا يعمل عملا فقال قولا هل يحنث؟ وتأتي المسألة الأخيرة في إهداء القرب2.
قال الأصحاب: وكذا شكه؛ هل أحرم بظهر أو عصر وذكر فيها؟ "م 4"
ـــــــ
ولم يقطعها لم تبطل، قولا واحدا قال الآمدي: وإن قطعها بطلت بقطعه لا بنيته.
مسألة 4: قوله: وكذا قال الأصحاب، وكذا شكه: هل أحرم بظهر، أو عصر وذكر فيها.
ـــــــ
1 11/46.
2 6/93.

(2/141)


وقيل: يتمها نفلا، كشكه: هل أحرم بفرض، أو نفل؟ فإن أحمد سئل عن إمام صلى بقوم العصر، فظنها الظهر، فطول القراءة ثم ذكر. فقال: يعيد. وإعادتهم على اقتداء مفترض بمنتفل.
وأما إن أحرم بفرض رباعية، ثم سلم من ركعتين يظنها جمعة أو فجرا، أو التراويح، ثم ذكر بطل فرضه، ولم يبن، نص عليه، لأن فعله لما نافى الأولى قطع نيتها، كما لو كان عالما، ويتوجه احتمال، وتخريج يبني "و هـ" وكظنه تمام ما أحرم به. وقال شيخنا: يحرم خروجه لشكه في النية، للعلم بأنه ما دخل إلا بالنية، وكشكه هل أحدث؟
وإن أحرم بفرض فبان عدمه كمن أحرم بفائتة فلم تكن، أو بان قبل وقته انقلبت نفلا "و هـ ق" لبقاء أصل النية، وعنه لا ينعقد، لأنه لم
ـــــــ
انتهى. وقد علمت الصحيح من الوجهين في أصل المسألة، وهذه كذلك، قال ابن تميم، وابن حمدان، فهو كشكه في النية، وقيل يتمها نفلا، كما لو أحرم بفرض فبان قبل وقته، وهو احتمال في المغني1، والشرح2 كشكه هل أحرم بفرض أو نفل فإن الإمام أحمد سئل على إمام صلى بقوم العصر فظنها الظهر فطول القراءة ثم ذكر، فقال: يعيد، وإعادتهم على اقتداء مفترض بمتنفل، قال الشيخ الموفق والمجد والشارح وغيرهم. لو شك هل نوى فرضا أو نفلا أتمها نفلا، إلا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملا فيتمها فرضا، وإن ذكره بعد أن أحدث عملا خرج فيها الوجهان، قال المجد والصحيح بطلان فرضه، انتهى، وكلامهم هذا يصلح أن يستدل به لمسألتنا والله أعلم.
ـــــــ
1 2/153.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/371.

(2/142)


ينوه كعالم في الأصح. وإن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلا لغرض صحيح صح، على الأصح "و" لأنه إكمال في المعنى كنقص المسجد للإصلاح، ذكره صاحب المحرر وغيره، وكذا قال الحنفية: إكمال معنى كهدم المسجد للبناء والعمارة، والتوسعة، ولو صلى ثلاثة من أربعة أو ركعتين من المغرب "هـ م" قالوا: لأن للأكثر حكم الكل، قال أصحابنا: لأنه لا يعتبر له نية.
وفي أفضليته وتحريمه لغير غرض فلا يصح، أم يكره فيصح؟ فيه روايتان "م5, 6"
ـــــــ
مسألة 5-6: قوله: وإن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلا لغرض صحيح صح على1 الأصح، وفي أفضليته وتحريمه لغير غرض فلا يصح أم يكره فيه روايتان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم فيهما ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى-5: إذا أحرم بفرض في وقته ثم قلبه نفلا لغرض صحيح وقلنا يصح فهل الأفضل فعله أم لا؟ أطلق الخلاف.
إحداهما لا فضيلة في فعله، قدمه في الرعاية الكبرى.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية و "ط": والمثبت من عبارة "الفروع".

(2/143)


ولا يقطعه، ولو لم يأت بسجدتي الأولى "هـ" لأنه ليس له حكم الصلاة عنده، وعند أحمد فيمن صلى من فرض ركعة منفردا ثم أقيمت الصلاة: أعجب إلي يقطعه، ويدخل معهم "و ش" فقطع نفل أولى، وإن دخل معهم قبل قطعه فسيأتي1.
وإن انتقل من فرض إلى فرض والمراد لم ينو الثاني من أوله بتكبيرة إحرام،..........
ـــــــ
والرواية الثانية الأفضل فعله، قلت: وهو الصواب إن كان الغرض صلاة الجماعة، بل لو قيل بوجوب ذلك لكان حسنا، وإلا فلا.
المسألة الثانية-6: إذا قلبه لغير غرض فهل يحرم فلا يصح، أو يكره فيصح؟ أطلق الخلاف.
إحداهما: يكره ويصح، وهو الصحيح، جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب، والخلاصة، والمقنع2 والشرح2، والرعايتين، والنظم والحاويين وإدراك الغاية، وغيرهم، قال: ابن منجى في شرحه، هذا المذهب.
والرواية الثانية: يحرم فعل ذلك، ولا تصح الصلاة، وهو احتمال في المقنع2، قال القاضي في موضع من كلامه: لا تصح رواية واحدة. وقال في الجامع: يخرج على روايتين.
ـــــــ
1 ص 150.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/372.

(2/144)


وإلا صح الثاني "و" بطل فرضه "و" وفي نفله الخلاف، وكذا
ـــــــ
تنبيهان
الأول: قوله: وإن انتقل من فرض إلى فرض بطل فرضه، وفي نفله الخلاف يعني به الذي أحرم بفرض ثم قلبه نفلا على ما تقدم في كلام المصنف، وكذا قوله وكذا حكم ما يفسد الفرض فقط، إذا وجد فيه كترك قيام، والصلاة في الكعبة، والائتمام بمتنفل، وبصبي إن اعتقد جوازه صح نفلا في المذهب، وإلا فالخلاف، وهي فائدة حسنة.
الثاني: قوله: قال بعضهم وإن عين جنازة فأخطأ فوجهان، انتهى، مراده بذلك والله أعلم: صاحب الرعاية فإنه قال في الجنائز: فإن عين ميتا فبان غيره احتمل وجهين، انتهى، وذكر المصنف في الجنائز1 عن أبي المعالي أنه قال: لا تصح، وذكر المصنف كلام الشيخ تقي الدين فلا نعيده، والمصنف إنما ذكر كلام صاحب الرعاية
ـــــــ
1 3/328.

(2/145)


ما يفسد الفرض فقط، إذا وجد فيه، كترك قيام، والصلاة في الكعبة، والائتمام بمتنفل، وبصبي إن اعتقد جوازه صح نفلا في
ـــــــ
ضمنا، لأنه ذكره في مسألة ما إذا عين إماما أو مأموما فأخطأ.

(2/146)


المذهب. وإلا فالخلاف.

(2/147)


فصل: ويشترط نية المأموم لحاله "و" وكذا نية الإمام على الأصح "خ" كالجمعة "و" وعنه في الفرض،
وقيل: إن كان المأموم امرأة لم يصح ائتمامها به إلا بالنية "و هـ" لأن صلاته تفسد إذا وقفت بجنبه، ونحن نمنعه، ولو سلم فالمأموم مثله، ولا ينوي كونها معه في الجماعة، فلا عبرة
ـــــــ
.............

(2/147)


بالفرق، وعلى هذا لو نوى الإمامة برجل صح ائتمام المرأة به، وإن لم ينوها "هـ" كالعكس، والله أعلم.
وعلى الرواية التي تصحح عدم اشتراط النية للإمامة يصح الائتمام بمنفرد، لأنه لا يلزمه متابعته، فلا يلزمه نية صلاته، كالمأموم مع المأموم، تحصل له فضيلة الجماعة وحده فيعايا بها وعند أبي الفرج ينوي المنفرد حاله.
وإن اعتقد كل واحد منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه لم يصح، نص عليهما، وقيل تصح فرادى "خ" جزم به في الفصول، في الثانية. وإن لم تعتبر نية الإمامة صحت في الأولى فرادى، "و" وكذا إن نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه كامرأة تؤم رجلا وكذا أمي قارئا.
وإن شك في كونه إماما أو مأموما لم تصح، لعدم الجزم بالنية. وفي المجرد: ولو بعد الفراغ لا تصح صلاة الإمام في الأشهر"خ".
وإن انتقل مأموم أو إمام منفردا جاز، لعذر "هـ م" يبيح ترك الجماعة، وعنه وغير عذر، كزواله فيها لا يلزمه الدخول معه، وكمسبوق مستخلف
ـــــــ
.............

(2/148)


أثم من خلفه صلاتهم. وفي الفصول إن زال عذره فيها لزمه الاتباع، لزوال الرخصة، كقادر على قيام بعد العجز.قال: وإن كان الإمام تعجل ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل لم يجز انفراده عنه، وإنما يملك الانفراد إذا استفاد به تعجيل لحوقه لحاجته، ولم أجد خلافه، ويعايا بها، وإن فارقه في قيام أتى ببقية القراءة.
وإن ظن في صلاة سر أن الإمام قرأ لم يقرأ، وعنه يقرأ، لأنه لم يدرك معه الركوع.
ولو سلم من له عذر ثم صلى وحده فلعل ظاهر كلامهم لا يجوز، فيحمل فعل من فارق معاذا1 على ظن الجواز، لكن لم ينكر عليه، فدل على جوازه، وذكره في شرح مسلم، ولعله ظاهر ما ذكره صاحب الخلاف والمحرر.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرج البخاري "701" ومسلم "465" "178" عن جابر بن عبد الله قال: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف.. الحديث.

(2/149)


وإن فارقه في ثانية الجمعة لعذر أتم جمعة كمسبوق، وإن فارقه في الأولى فكمزحوم فيها حتى تفوته الركعتان، وإن قلنا لا يصح الظهر قبل الجمعة أتم نفلا فقط.
ولا ينتفل منفرد مأموما على الأصح "و هـ م ر" ولا إماما، اختاره الأكثر، وعنه يصح، اختاره الشيخ، وشيخنا، وأصحابنا "و" وعنه نفلا فقط وهو المنصوص.
وإن نوى الإمامة ظانا حضور مأموم صح، لا مع الشك، فإن لم يحضر، أو أحرم بحاضر فانصرف قبل إحرامه، أو عين إماما أو مأموما وقيل: أو ظنهما، وقلنا: لا يجب تعيينهما في الأصح فأخطأ، لم يصح، وقيل بلى، منفردا، كانصراف الحاضر بعد دخوله معه.
قال بعضهم: وإن عين جنازة فأخطأ فوجهان، قال شيخنا: إن عينه وقصده خلف من حضر، وعلى من حضر صح، وإلا فلا.
وإذا بطلت صلاة المأموم أتمها إمامه منفردا، قطع به جماعة، لأنها لا ضمنها ولا متعلقة بها، بدليل سهوه وعلمه بحدث نفسه، وعنه تبطل، وذكره في المغني1 قياس المذهب. وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه لعذر أو غيره اختاره الأكثر
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 2/511.

(2/150)


"و هـ" وعنه: لا "و ش" ويتمونها فرادى والأشهر أو جماعة، وكذا جماعتين.
وقيل: هل1 تبطل بترك فرض، وبمنهي عنه كحدث؟ فيه روايتان، اختاره القاضي،وغيره وقيل: تبطل بترك شرط، أو ركن، أو تعمد
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ليست في الأصل و "س".

(2/151)


المفسد، وإلا فلا، على الأصح اختاره الشيخ، "وم".
وإن سبق الإمام الحدث بطلت صلاته "و ق" كتعمده، وعنه من السبيلين، وعنه يبني "وهـ م"، اختاره الآجري، وذكر ابن الجوزي رواية تجبر، وهو في كلام الحنفية، قالوا: والاستئناف أفضل لبعده عن شبهة الخلاف، وعندنا في البناء مع حاجته عملا كثيرا وجهان "م 7" والأشهر و1 بطلانها نقله صالح وابن منصور وابن هانئ، وقاله القاضي وغيره، وذكره في الكافي2 والمذهب، واختاره صاحب المحرر، وبقاء صلاة المأموم. وله أن يستخلف على الأصح "و هـ م"
ـــــــ
مسألة 7: قوله: وإن سبق الإمام الحدث بطلت صلاته.... وعنه من السبيلين وعنه يبني، وعنه يخير،... وعندنا في البناء مع حاجته عملا كثيرا وجهان، انتهى.
أحدهما له البناء، وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب، منهم صاحب المغني3 والشرح4. قال ابن تميم، وإن تطهر قريبا ثم عاد وأتم الصلاة بهم جاز، وقال في مكان آخر: وإن احتاج إلى عمل كثير فوجهان، أصحهما لا يمنع البناء. وقال في الرعاية: لو تطهر الإمام وأتم بهم قريبا وبنى صح، وقال في مكان آخر وعنه بل يتوضأ ويبني إن قرب زمنه لقرب الماء منه ونحوه ولم يتكلم ولم يحدث عملا ولا فعل شيئا آخر منهيا عنه، وقيل كثيرا. انتهى.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 1/385.
3 2/507.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/385-386.

(2/152)


ولفعل عمر وعلي1. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف لأنه لم يحرم أو للجواز، واحتج القاضي وغيره بأنه لا خلاف أن حكم صلاة الجماعة لا يتغير بتغير المأموم بأن يحدث ويجيء مأموم آخر، فكذا هنا والمنصوص ولو مسبوقا، وأنه يستحلف المسبوق من يسلم بهم، قال بعضهم أو يستخلفون هم، وقيل لا يجوز سلامهم قبله، وكذا في المنصوص يستخلف من لم يدخل مع2 "هـ م" فيقرأ الحمد، لا من ذكر
ـــــــ
تنبيه: قوله: وكذا في المنصوص يستخلف من لم يدخل معه فيقرأ الحمد، انتهى، قطع المصنف بأنه يقرأ الحمد، والمنصوص عن الإمام أحمد أن يأخذ في القراءة من حيث بلغ الأول، قدمه المجد في شرحه، وابن تميم، وابن حمدان. وقال
ـــــــ
1 أخرج عبد الرزاق في مصنفه "3670" والبيهقي في السنن الكبرى 3/114 عن أبي رزين قال: صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرعف فالتفت فأخذ بيد رجل فقدمه فصلى وخرج علي رضي الله عنه.
2 أخرج قصة استخلاف عمر لعبد الرحمن بن عوف البخاري في صحيحه "3700".

(2/153)


الحدث "م".
ومن استخلف فيما لا يعتد له به اعتد به المأموم، ذكره بعضهم، وذكر غيره: ولو استخلف مسبوقا في الركوع لغت تلك الركعة. وقال ابن حامد: إن استخلفه فيه أو بعده قرأ لنفسه وانتظره1 المأموم ثم ركع ولحق المأموم.
ولو أدى إمام جزءا من صلاته بعد حدثه بأن أحدث راكعا فرفع وقال سمع الله لمن حمده، أو ساجدا فرفع وقال الله أكبر لم تبطل صلاته إن قلنا يبني، وظاهر كلامهم تبطل، ولو لم يرد أداء ركن "هـ ر" وإن لم يستخلف وصلوا وحدانا صح "م" واحتج أحمد بأن معاوية لما طعن صلى الناس وحدانا2.
ـــــــ
بعض الأصحاب: لا بد من قراءة ما فاته من الفاتحة سرا، وهو الذي قطع به المصنف هنا، قال المجد في شرحه: والصحيح عندي أنه يقرأ ما فاته من فرض القراءة لئلا تفوته الركعة، ثم يبني على قراءة الأول جهرا إن كانت صلاة جهر. وقال عن المنصوص: لا وجه له عندي إلا أن نقول بأن هذه الركعة لا يعتد له بها، لأنه لم يأت بها بفرض القراءة، ولم يوجد ما يسقطه عنه، لأنه لم يصر مأموما بحال. أو نقول: إن الفاتحة لا تتعين فيسقط فرض القراءة بما يقرأه، انتهى، وما قاله هو الصواب، ولعل المصنف لما قوي عنده ما قاله المجد قطع به، وقد قال الشارح: وينبغي أن تجب عليه قراءة الفاتحة، ولا يبني على قراءة الإمام، لأن الإمام يتحمل القراءة هنا، انتهى، ولكن كان ينبغي للمصنف أن يحكي الخلاف ولو كان ضعيفا، أو يذكر تأويل المنصوص، فإنه يذكر ما هو أضعف من هذا، والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ط": انتظر.
2 أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 3/114 عن خالد بن عبد الله بن رباح السلمي.

(2/154)


وإن استخلفوا لأنفسهم صح على الأصح "هـ" إن خرج من المسجد، لأن خلو مكان الإمام عن الإمام يفسد صلاة المقتدي، ولهذا مذهبه لو كان المأموم واحدا لصار إمام نفسه بلا نية، ولا استخلاف، لئلا تبطل صلاته.
وإذا توضأ الإمام دخل معه في صلاته لتحول الإمامة إليه، إلا أن يكون المأموم الواحد صبيا أو امرأة فالأصح في مذهبه تفسد صلاته فقط، لبقائه بلا إمام.
ويبني الخليفة على فعل الأول، وعنه يصلي لنفسه إن شاء.
ولو قام موضع جلوسهم فظاهر الانتصار وغيره يستخلف أميا في تشهد أخير، وكذا الاستخلاف لمرض، أو خوف، أو حصر عن القراءة الواجبة، أو قصر ونحوه، وظاهره وجنون وإغماء واحتلام، ووافقنا "هـ" على الحصر، وخالف صاحباه، وصرح به القاضي وغيره في إغماء، وموت، ومتيمم رأى ماء. وفي الترغيب وغيره أو بلا عذر ويقال: حصر يحصر حصرا، مثل تعب يتعب تعبا، وهو العي، والحصر بفتحتين أيضا ضيق الصدر، وحصر أيضا بمعنى بخل، وكل من امتنع من شيء لم يقدر عليه فقد حصر عنه، ولهذا قيل حصر في القراءة وحصر عن أهله
ـــــــ
.............

(2/155)


ويأتي الاستخلاف في جمعة1.
ولو خرج يظن ما خرج منه حدثا فلم يكن فلعل ظاهر كلامهم لا يبني، ويتوجه احتمال، وتخرج لخروجه لإصلاح صلاته، لا لرفضها، كمتيمم رأى سرابا ظنه ماء، وهل خوف سبق حدث كسبقه في البناء؟ يتوجه خلاف "م 8".
وفي صحة إمامة مسبوق لآخر في قضاء ما فاتهما، أو مقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر وجهان "م 9" بناء على الاستخلاف، وعنه لا يصح هنا، اختاره صاحب المحرر "و هـ ق" وبلا عذر السبق كاستخلاف إمام بلا عذر.
وليس لأحد مسبوقين بركعة في جمعة صلاة الأخرى جماعة، ذكره القاضي، لأنها إذا أقيمت في المسجد مرة لم تقم فيه ثانية والله أعلم.
ـــــــ
مسألة 8: قوله وهل خوف سبق حدث كسبقه في البناء، يتوجه خلاف، يعني إذا لم يحدث ولكن خاف سبقه هل يكون في البناء كمن سبقه الحدث أم لا؟ وجه المصنف خلافا؟ قلت: جواز البناء هنا أقرب ممن سبقه الحدث، والله أعلم.
مسألة 9-10: قوله: وفي صحة إمامة مسبوق لآخر في قضاء ما فاتهما، ومقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر وجهان، بناء على الاستخلاف، انتهى، وكذا قال الشيخ في المغني2 والشارح وابن حمدان وغيرهم.
ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى-9: إمامة مسبوق بمثله في قضاء ما فاتهما هل يصح أم لا؟ أطلق
ـــــــ
1 3/173.
2 3/76.

(2/156)


ـــــــ
........................................
الخلاف، وأطلقه في المذهب، والمستوعب، والكافي1 والمقنع2، والمحرر، وشرح ابن منجى والرعاية الصغرى والحاويين، والفائق وغيرهم، وأكثرهم حكى الخلاف وجهين، وحكاه بعضهم روايتين، منهم ابن تميم.
أحدهما: يجوز وهو الصحيح من المذهب، وقد علم هذا من كلام المصنف، والشيخ، والشارح، وابن حمدان وغيرهم لبنائهم ذلك على الاستخلاف، والصحيح من المذهب جواز الاستخلاف، فكذا هنا، وجزم هنا بالجواز صاحب الوجيز، والإفادات، والمنور، وغيرهم، وصححه في التصحيح، وتصحيح المحرر والنظم وغيرهم، وقدمه في الهداية، والتلخيص، ومختصر ابن تميم، والرعاية الكبرى، وغيرهم: قال المجد في شرحه، هذا ظاهر رواية مهنا.
والوجه الثاني لا يجوز، ولا يصح، قال المجد: هذا منصوص أحمد في رواية صالح، وعنه لا يجوز هنا، وإن جوزنا الاستخلاف، اختاره المجد في شرح
المسألة الثانية 10: لو أم مقيم مثله إذا سلم الإمام المسافر فهل يصح أم لا؟ جعلها المصنف كالتي قبلها حكما، وقد علمت الصحيح في التي قبلها فكذا في هذه،والله أعلم. فهذه عشر مسائل قد صححت ولله الحمد.
ـــــــ
1 1/404.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/389-390.

(2/157)


باب صفة الصلاة
مدخل
...
باب صفة الصلاة
يستحب الخروج إليها بسكينة، ووقار، لخبر أبي هريرة في الصحيحين1 زاد مسلم2 "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة" ويقارب خطاه، ويقول ما ورد3، ولا يشبك أصابعه، وإن سمع الإقامة لم يسع إليها، ذكره عنه ابن المنذر، ونصه لا بأس به يسيرا إن رجا التكبيرة الأولى، واحتج بأنه جاء عن الصحابة وهم مختلفون.
وإذا دخل المسجد قال: "بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك" ، ويقوله إذا خرج، إلا أنه يقول "أبواب فضلك" 4. نص عليه، ويتوجه: يتعوذ إذا خرج من الشيطان الرجيم وجنوده للخبر5، ثم يسوي الإمام الصفوف بالمناكب والأكعب، ويكمل الأول فالأول، فيتراصون، ويمينه والصف الأول للرجال أفضل، قال ابن هبيرة: وله ثواب من وراءه ما اتصلت الصفوف لاقتدائهم به.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرج البخاري "366" ومسلم "602" "151" عن أبي هريرة رضي الله عنهعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".
2 في صحيحه "602" "152".
3 من ذلك قوله: "اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا واجعل في سمعي نورا واجعل في بصري نوار واجعل من خلفي نورا ومن أمامي نورا والجعل من فوقي نورا ومن تحتي نورا اللهم أعطني نورا" . أخرجه مسلم "763".
4 هذا نص حديث أخرجه مسلم "713" "68".
5 أخرج ابن السني في "عمل اليوم والليلة" 155 من حديث أبي أمامة: "فإن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس وأجلبت واجتمعت كما تجتمع النحل على يعسوبها فإذا قام أحدكم على باب المسجد فليقل: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده. فإنه إذا قالها لم يضره"

(2/158)


قال الأصحاب: وكلما قرب منه أفضل، وقرب الأفضل والصف منه. وللأفضل تأخير المفضول، والصلاة مكانه، ذكره بعضهم، لأن أبيا نحى قيس بن عباد1، وقام مكانه، فلما صلى قال: يا بني لا يسؤك الله، فإني لم آتك الذي أتيت بجهالة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "كونوا في الصف الذي يليني" وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك، إسناده جيد، رواه أحمد والنسائي2، وهذا لا يدل على أنه ينحيه من مكانه فهو رأي صحابي، مع أنه في الصحابة مع التابعين، فظاهر كلامهم: في الإيثار بمكانه، وفيمن سبق إلى مكان ليس له ذلك وصرح به غير واحد "م 1" ويأتي في الجنائز3.
ـــــــ
مسألة 1: قوله: والأفضل تأخير المفضول والصلاة مكانه، ذكره بعضهم، وظاهر كلامهم: في الإيثار بمكانه، وفيمن سبق إلى مكان ليس له ذلك، وصرح به غير واحد، انتهى.
ظاهر كلامه: تقوية الثاني وهو عدم الجواز واختاره المجد في شرحه، وقطع به والقول الأول قطع به في المغني4 والشرح5، قال ابن رزين في شرحه: يؤخر الصبيان، نص عليه، وقطع به ابن رجب في القاعدة الخامسة والثمانين. وقال صرح به القاضي وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وعليه حمل فعل أبي بن كعب مع قيس بن عباد، انتهى، قلت: وهو الصواب. وقال في النكت بعد أن ذكر النقل في المسألة في صلاة الجنازة فظهر من ذلك أنه هل يؤخر المفضول بحضور الفاضل،أو لا
ـــــــ
1 هو: أبو عبد الله قيس بن عباد القيسي البضعي البصري قدم المدينة في خلافة عمر "تهذيب الكمال" 6/124.
2 أحمد "21264". والنسائي 2/88.
3 3/321.
4 3/17.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/344.

(2/159)


وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، والنساء بالعكس1، وأمر عليه السلام بتأخيرهن، فلهذا تكره صلاة رجل بين يديه امرأة تصلي، وإلا فلا، نص عليه وكرهه "م" إلا أن تكون محرما له، ويأتي كلام القاضي في صلاة من يليها.
وظاهر ما حكاه أحمد عن عبد الرزاق: أن تقدمه أفضل. وفي
ـــــــ
أو يؤخر، أو يفرق بين الجنس والأجناس، أو يفرق بين مسألة الجنائز، ومسألة الصلاة، فيه أقوال. انتهى
ـــــــ
1 أخرج مسلم "440" "132" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" .

(2/160)


وصية ابن الجوزي لولده أقصد وراء الإمام، ويتوجه احتمال أن بعد يمينه ليس أفضل من قرب يساره، ولعله مرادهم.
ـــــــ
.............

(2/161)


وفي كراهة ترك الصف الأول لقادر وجهان "م 2" وهو ما يقطعه المنبر "و" وعنه:
ما يليه، وظاهر كلامهم يحافظ على الصف الأول وإن فاتته ركعة، ويتوجه من نصه يسرع إلى الأولى1 للمحافظة عليها، والمراد من إطلاقهم إذا لم تفته الجماعة مطلقا، وإلا حافظ عليها فيسرع2 لها. ويتوجه لخبر تسوية الصفوف، وهو ظاهر كلام شيخنا، لأنه عليه السلام، رأى رجلا باديا صدره فقال: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" : فيحتمل أنه يمنع الصحة، ويحتمل لا، لقوله عليه السلام: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" متفق عليهما3، وتمام الشيء يكون واجبا، ومستحبا "م 3"، لكن قد يدل على حقيقة الصلاة
ـــــــ
مسألة 2: قوله: وفي كراهة ترك الصف الأول لقادر وجهان، انتهى.
أحدهما: يكره، وهو الصحيح، قال المصنف في نكته، هذا المشهور، وهو أولى، انتهى، واختاره الشيخ تقي الدين، قلت وهو الصواب.
والوجه الثاني لا يكره اختاره ابن عقيل، فإنه قال لا يكره تطوع الإمام في موضع المكتوبة، وقاسه على ترك الصف الأول للمأمومين، قلت وهو بعيد جدا.
مسألة 3: قوله: ثم يسوي الإمام الصفوف، ويتوجه يجب تسوية الصفوف، وهو ظاهر كلام شيخنا، فيحتمل أن يمنع الصحة، ويحتمل لا، كقوله عليه الصلاة والسلام: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" 3. وتمام الشيء يكون
ـــــــ
1 في "ط": الأول.
2 في الأصل و "ب": فيشرع. وانظر المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/405.
3 الأول: البخاري "717". ومسلم "436" "717" . الثاني: البخاري "723" ومسلم "433" "124".

(2/162)


بدونه، وكالجماعة، لكن روى البخاري1: أن أنسا قدم المدينة فقال: ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف، وترجم عليه البخاري2: إثم من لم يقم الصفوف، ومن ذكر الإجماع أنه يستحب فمراده ثبوت استحبابه، لا نفي وجوبه.
ولا تنعقد إلا بقوله قائما في فرض: الله أكبر. مرتبا "و م" لا الله الأكبر "ش" أو الله جليل، ونحوه "هـ" ولو زاد أكبر "ش" والله أقبر بالقاف "هـ" قالوا: لأن العرب تبدل الكاف بها، ولا الله، خلافا لأبي يوسف، ومحمد، وسلم الحنفية الأذان ليحصل الإعلام، وقول: اللهم اغفر لي، لأنه سؤال، وكذا اللهم عند الكوفيين، لأن تقديره يا الله أمنا بخير، وتصح عند البصريين لأن معناه يا الله، والميم المشددة بدل عن حرف النداء. وفي الرعاية وجه في الله أكبر والكبير، أو التنكيس، وفي التعليق أكبر كالكبير، لأنه إنما يكون أبلغ إذا قيل: أكبر من كذا، وهذا لا يجوز على الله كذا قال، وإن تممه راكعا أو أتى به فيه، أو كبر قاعدا، أو أتمه قائما انعقدت في الأصح نفلا، وتدرك الركعة إن كان الإمام في نفل، ذكره القاضي.
ولا تنعقد إن مد همزة الله، أو أكبر، أو قال "أكبار" "و" ولا يضر لو خلل الألف بين اللام والهاء، لأنه إشباع، وحذفها أولى، لأنه يكره تمطيطه.
ـــــــ
واجبا ومستحبا، انتهى. قال المصنف في النكت وعلى هذا ففي بطلان الصلاة به محل نظر، انتهى، قلت: الصواب صحة الصلاة، ولم يذكر هذا التفريع غير المصنف.
ـــــــ
1 في صحيحه "724".
2 في صحيحه قبل الحديث "724". ينظر: فتح الباري 2/245.

(2/163)


والزيادة على التكبير. قيل يجوز، وقيل يكره "م 4" ويتعلمه من جهله، فقيل فيما قرب، وقيل: يلزم البادي قصد البلد "م هـ" وإن علم بعضه أتى به وإن عجز أو ضاق الوقت كبر بلغته، وعنه لا "و م" كقادر "هـ" فيحرم بقلبه، وقيل: يجب تحريك لسانه "و ش" ومثله أخرس ونحوه.
ـــــــ
مسألة 4: قوله: والزيادة على التكبير قيل تجوز، وقيل تكره، انتهى وذلك مثل قوله الله أكبر كبيرا، أو الله أكبر وأجل، أو وأعظم ونحوه.
أحدهما: يكره، قطع به في الرعايتين، والحاوي الصغير وقدمه في الحاوي الكبير.
والقول الثاني: يجوز، قال في المذهب ومسبوك الذهب جاز، ولم يستحب، قال ابن تميم: لم يستحب، قال في المغني1 والشرح2 وشرح ابن رزين وغيرهم: لو قال ذلك لم يستحب، نص عليه، وصحت الصلاة فكلامهم محتمل للقولين. وقال المجد في شرحه: لو قال ذلك صحت صلاته، ولم يذكر كراهة ولا غيرها.
مسألة 5: قوله: ويتعلمه من جهله قيل فيما قرب، وقيل: يلزم البادي قصد البلد، انتهى، قال في الرعاية الكبرى ومن جهله تعلمه في مكانه، أو فيما قرب منه، انتهى. وقال في التلخيص وإن كان في البادية لزمه قصد البلد لتعلمه، انتهى، فظاهر هذا لزوم التعلم مطلقا، قلت ظاهر كلام أكثر الأصحاب إذا لم يجد من يعلمه قصد البلد، والله أعلم.
ـــــــ
1 2/129.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/410.

(2/164)


ويستحب جهر إمام به، بحيث يسمع من خلفه، وأدناه سماع غيره، ويكره جهر غيره به، ولا يكره لحاجة، ولو بلا إذن إمام "و" بل يستحب به وبالتحميد، لا بالتسميع، وجعله القاضي دليلا لعلو الإمام على المأموم للتعليم بما يقتضي أنه محل وفاق، كإسماع أبي بكر تكبير النبي صلى الله عليه وسلم للناس1، ويتوجه في ذلك الرواية في خطاب آدمي به، لأن أحمد علل الفساد بأنه خاطب آدميا، وفي التعليق لم يقل أحد به، وإن
كان لغير مصلحة فالوجه وجوب الإسرار، وقاله بعض المالكية.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "664" ومسلم "418" "90" عن عائشة قالت: لما مرض رسول الله مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس..." الحديث.

(2/165)


وهو ركن بقدر ما يسمع نفسه، ومع عذر بحيث يحصل السماع مع عدمه، واختار شيخنا الاكتفاء بالحروف وإن لم يسمعها، وذكره وجها "و م" وكذا ذكر واجب، والمراد إلا أن الأمام يسر التحميد، كما هو ظاهر كلام القاضي. وقال بعض الحنفية كقول شيخنا، واعتبر بعضهم أيضا سماع من بقربه، ويتوجه مثله، كلما تعلق بالنطق، كطلاق وغيره، وفاقا للحنفية وسبق في قراءة الجنب.
ـــــــ
.............

(2/166)


ومن ترجم عن مستحب بطلت، نص عليه "و م" وقيل: إن لم يحسنه أتى به، "و ش".
ويرفع يديه "و" ندبا. نص عليه، أو إحداهما عجزا مع ابتداء التكبير، "و ش" وينهيه معه نص عليه وعنه يرفعهما قبله، ثم يحطهما بعده، وفاقا للحنفية، ولم يعتبروا حطهما بعده، لأنه ينفي الكبرياء عن غير الله، وبالتكبير يثبتها لله، والنفي مقدم، ككلمة الشهادة، وقيل يخير، وهو أظهر، ولا يرفعهما معه، ثم يحطهما بعده "ش".
ويجعل أصابعهما مضمومة، وعنه مفرقة "و ش" مستقبلا ببطونهما القبلة "و ش" وقيل: قائمة حال الرفع والحط "و م ر" ويجعل رءوسهما إلى منكبيه
ـــــــ
.............

(2/167)


"و م ش" وعنه إلى فروع أذنيه، اختاره الخلال "و هـ" وعنه يخير، وهي أشهر، وعنه إلى صدره، ونقل أبو الحارث يجاوز بها أذنيه، ولأنه عليه السلام فعله1. وقال أبو حفص: يجعل يديه حذو منكبيه، وإبهاميه عند شحمة أذنيه، جمعا بين الأخبار، وقاله في التعليق، وأن اليد إذا أطلقت اقتضت الكف، وأن أحمد أومأ إلى هذا الجمع، وهو تحقيق مذهب "ش" ولعل المراد مكشوفتان فإنه أفضل هنا وفي الدعاء، ورفعهما إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه، كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية ذكره ابن شهاب.
ويرفع لعذر أقل، أو أكثر، ويسقط بفراغ التكبير كله، ثم يجمع اليمنى على كوع اليسرى "م" نص عليه، ونقل أبو طالب بعضها على الكف، وبعضها على الذراع، لا بطنها على ظاهر كفه اليسرى "هـ" وجزم بمثله القاضي في الجامع، وزاد الرسغ والساعد، وقال: ويقبض بأصابعه على الرسغ، وفعله أحمد، ومعناه ذل بين يدي الله عز، نقله أحمد بن يحيى الرقي2. تحت سرته "و هـ" قيل للقاضي: هو عورة فلا يضعها عليه كالعانة والفخذ، فأجاب بأن العورة أولى وأبلغ بالوضع عليه، لحفظه، ثم يقابله بقياس سبق، وعنه تحت صدره "و م ش" وعنه يخير، اختاره صاحب الإرشاد3 والمحرر، وعن أحمد أو يرسلهما، وعنه: نفلا.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرج البخاري "736" و مسلم "391" "25" عن ابن عمر قال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع بيديه حتى يكونا حذو منكبيه وكان يفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده. ولايفعل ذلك في السجود.
2 أحمد بن يحى بن حيان الرقي أحد من روى عن الإمام أحمد. "طبقات الحنابلة" 1/48.
3 ص 55.

(2/168)


ويكره وضعهما على صدره نص عليه1 مع أنه رواه أحمد2.
وينظر محل سجوده لا أمامه "م" أطلق ذلك جماعة، قال القاضي وتبعه جماعة: إلا حال إشارته بالتشهد فإنه ينظر إلى سبابته، لخبر ابن الزبير3 وفي الغنية أنه يكره إلصاق الحنك بالصدر، وعلى الثوب، وأنه يروى عن الحسن أن العلماء من الصحابة كرهته.
ثم يستفتح "م" سرا "و" "بسبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"4 "و هـ" نص عليه، وصحح قول عمر بمحضر الصحابة، وبأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ليست بذاك، وقال عن غيره من الأخبار إنما هي عندي في التطوع واحتج القاضي بقوله {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور:48] يعني إلى الصلاة، فمنع غيره من الإذكار ومعنى الواو وبحمدك سبحتك. وقال ابن عقيل: تنوين إله أفضل لزيادة حرف.
وليس: وجهت وجهي، والآية بعدها أفضل" "ش" لخبر علي5 كله، واختار الآجري قول ما في خبر علي، واختار ابن هبيرة وشيخنا جمعهما.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 مسائل الإمام احمد لأبي داود: 31.
2 لم نجده عند أحمد في "مسنده" وأخرجه أبو داود "759". عن طاوس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة.
3 هو قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع كفة اليسرى على فخذه اليسرى وكفه اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعة السبابة لايجاوز بصره إشارته. أخرجه أبو داود "990" النسائي 3/39.
4 هذا نص حديث أخرجه أبو داود "766" والترمذي "243".
5 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين" الحديث أخرجه مسلم "771" "201" مطولا.

(2/169)


ويجوز بما ورد نص عليه، ويتوجه احتمال يقول "وجهت وجهي" إلى آخره قبل الإحرام لخبر علي، وظاهر كلامهم لا؛ لأنه ليس في غيره، وقد قيل لأحمد: تقول قبل التكبير شيئا؟ قال لا. وقال شيخنا أيضا: الأفضل أن يأتي بكل نوع أحيانا، وكذا قاله في أنواع صلاة الخوف وغير ذلك، وأن المفضول قد يكون أفضل لمن انتفاعه به أتم.
ثم يتعوذ "م" سرا "و" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "و" وكيف تعوذ فحسن، وليسا واجبين. نص عليه "و" وعنه بلى، اختاره ابن بطة، وعنه:
التعوذ، ويسقطان بفوات محلهما، واستحب شيخنا التعوذ أول كل قربة.
ثم يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:1] "م" سرا "و هـ" وعنه جهرا "و ش" وعنه بالمدينة، وعنه يجهر في نفل، واختار شيخنا:
ـــــــ
.............

(2/170)


يجهر بها وبالتعوذ وبالفاتحة في الجنازة، ونحو ذلك أحيانا، فإنه المنصوص عن أحمد تعليما للسنة، وإنه يستحب أيضا للتأليف، كما استحب أحمد ترك القنوت في الوتر تأليفا للمأموم.
ويخير في غير صلاة في الجهر بها، نقله الجماعة، قال القاضي:
كالقراءة والتعوذ، وعنه يجهر، وعنه لا.
وليست من الفاتحة على الأصح "و هـ م" كغيرها "ق" وذكره القاضي "ع" سابقا وهي قرآن على الأصح "م" آية منه، واحتج أحمد بأن الصحابة أجمعوا على هذا المصحف. وهي بعض آية في النمل "ع" فلهذا نقل ابن الحكم لا تكتب أمام الشعر، ولا معه، وذكر عن الشعبي إنهم كانوا يكرهونه، قال القاضي ولأنه يشوبه الكذب، والهجو غالبا، وذكر أبو جعفر النحاس1: أنه كرهه ابن المسيب والزهري، وأجازه النخعي، ورواه عن ابن عباس، وسنده ضعيف، قال شيخنا: وتكتب أوائل الكتب كما كتبها سليمان، وكتبها النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية2، وإلى قيصر3,
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 هو: أبو أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري النحاس مفسر أديب. له "تفسير القرآن".
"الأعلام" 1/208.
2 أخرج قصة صلح الحديبية البخاري "2731" "2732".
3 أخرجه البخاري "7" ومسلم "1773" "74".

(2/171)


وغيره. فتذكر في ابتداء جميع الأفعال، وعند دخول المنزل، والخروج، للبركة، وهي تطرد الشيطان، وإنما استحب إذا ابتدأ فعلا تبعا لغيرها لا مستقلة، فلم تجعل كالحمدلة، والهيللة ونحوهما.

(2/172)


فصل: ثم يقرأ الفاتحة،
وهي ركن في كل ركعة "و م ش" وعنه: في الأولين، وعنه تكفي آية من غيرها "و هـ" وظاهره ولو قصرت "و هـ" وظاهره ولو كانت كلمة، وللحنفية خلاف، لا بعض آية طويلة "هـ" وعند صاحبيه يكفي آية طويلة، أو ثلاث قصار، وذكر الحلواني رواية سبع، وعنه ما تيسر، وعنه لا تجب قراءة في غير الأوليين والفجر "و هـ" فعند أبي يوسف إن شاء سبح، وإن شاء سكت مع أن مذهب "هـ" لو استخلف أميا في الأخريين فسدت صلاتهم، قال أصحابه كأن قراءة الأوليين موجودة في الأخريين تقديرا، والشيء إنما يثبت تقديرا لو أمكن تحقيقا، والأمي لعجزه لا تقدير في حقه، وكذا لو قدمه عنده بعدما قعد قدر التشهد، وعنه إن نسيها فيهما قرأها في الثالثة والرابعة مرتين مرتين، وسجد للسهو، رواه النجاد1 بإسناده عن عمر وعثمان، زاد عبد الله في هذه الرواية: وإن ترك القراءة في الثلاث ثم ذكر في الرابعة فسدت صلاته، واستأنفها، وعند أكثر الحنفية لا يقضي الفاتحة في الأخيرتين، وعند أكثرهم يقضي السورة فيهما، قيل ندبا، وقيل وجوبا، ثم هل يجهر بها أم بالسورة أم لا؟ فيه روايات عن "هـ".
وهي أفضل سورة قاله شيخنا، وذكر معناه ابن شهاب وغيره، قال عليه
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 هو أبوبكر بن سليمان بن الحسن النجاد شيخ علماء بغداد. له: السنن والخلاف. "ت348هـ".
السير 15/502 الأعلام 1/131.

(2/172)


السلام فيها: "أعظم سورة في القرآن، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته" رواه البخاري1 من حديث أبي سعيد بن المعلى.
وآية الكرسي أعظم آية، كما رواه مسلم2 عنه عليه السلام، وروى أحمد3 ذلك، فظاهره: أنه يقول به، وللترمذي4 وغيره: "أنها سيدة آي القرآن" ، وقاله إسحاق بن راهويه وغيره وقاله شيخنا، قال: كما نطقت به النصوص، ولكن عن إسحاق وغيره أنها بالنسبة إلى كثرة الثواب وقلته، وقاله القاضي في العدة في النسخ، في قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة:106] ثم قال: وقد يكون في بعضها من الإعجاز أكثر، وفي الصحيحين5 في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:] "ثلث القرآن، وتعدل ثلث القرآن" ورواه أحمد6، قال شيخنا: معاني القرآن ثلاثة أصناف. توحيد، وقصص، وأمر ونهي، وقل هو الله أحد مضمنة ثلث التوحيد، وإذا قيل ثوابها يعدل ثلث القرآن فمعادلة الشيء للشيء تقتضي تساويهما في القدر، لا تماثلهما في الوصف، كما في قوله
{أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} [المائدة:95]ولهذا لا يجوز أن يستغنى بقراءتها ثلاث مرات عن قراءة سائر القرآن، لحاجته إلى الأمر والنهي، والقصص، كما لا يستغنى من ملك نوعا من المال شريفا عن غيره، وسأله ابن منصور عن قوله عليه السلام من قرأ:
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في صحيحيه "4474".
2 في صحيحيه "810" "258" من حديث أبي بن كعب.
3 في مسنده "21278".
4 في سننه "2878" من حديث أبي هريرة.
5 البخاري "5013" ومسلم "812" "261" من جديث أبي هريرة.
6 في مسنده "9535".

(2/173)


" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فكأنما قرأ ثلث القرآن" 1. فلم يقم على أمر بين، قال القاضي: وظاهر هذا أن أحمد لم يأخذ بظاهر الحديث، وأن ثواب قارئها ثواب من قرأ ثلث القرآن، لأنه لا يجوز أن يتفاضل، والجميع صفة لله، ويكون معنى الحديث الحث على تعليمه والترغيب في قراءته، وإلى هذا المعنى أشار إسحاق، وكذا قال: ولا تحتمل الرواية ما قاله، فأين ظاهرها؟ ولا يعرف في المذهب قبل القاضي كما لا يعرف قبل الأشعري2.
وفي الفاتحة إحدى عشرة تشديدة فلو ترك واحدة ابتدأ "و ش" وقيل: لا تبطل بتركه، لأنه صفة في الكلمة يبقى معناها بدونه كالحركة، ويقال قرأ الفاتحة، وقيل بتليينه.
وإن قطعها بذكر أو قرآن أو دعاء أو سكوت وكان ذلك غير مشروع طويلا، وقيل أو قصيرا عمدا، وقيل أو لا أو ترك ترتيبها
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" 686.
2 هو: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق من نسل أبي موسى الأشعري مؤسس مذهب الأشاعرة. من مصنفاته: "مقالات الإسلاميين", "الإبانة عن أصول الديانة", "إمامة الصديق" وغيرها. "ت 324هـ". الأعلام 4/263.

(2/174)


وقيل: عمدا ابتدأ، لا بنية قطعها، وقيل: ولم يسكت.
و {مَالِكِ} أحب إلى أحمد من {مَلِكِ} وقال ابن عقيل في الواضح1:
قال ثعلب: "مالك" أمدح من ملك، لأنه يدل على الاسم والصفة.
وإذا فرغ قال آمين "و" يجهر بها الإمام، والمأموم فيما يجهر به "و ش" قيل: بعده، وقيل: معه "م 6" "و ش" وعنه ترك الجهر "و هـ م".
والأولى المد، ويحرم تشديد الميم، وإن تركه الإمام أتى به المأموم
ـــــــ
مسألة 6: قوله: فإذا فرغ قال آمين يجهر بها الإمام، والمأموم فيها يجهر به قيل بعده، وقيل معه انتهى:
أحدهما: يقوله مع الإمام، وهو الصحيح، قطع به في المغني2، والكافي3 والتلخيص، وشرح المجد والشرح4، ومختصر ابن تميم، والزركشي وغيرهم.
والقول الثاني: يقوله بعد الإمام، قدمه في الرعايتين، والحاويين وحواشي المصنف، على المقنع وتجريد العناية وغيرهم.
ـــــــ
1 1/165.
2 2/161.
3 1/292.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/448.

(2/175)


كالتعوذ، ويجهر بالتأمين ليذكره، ولو أسره الإمام جهر به المأموم.
ومن قرأ غيره لم يعده، وإن قال: آمين رب العالمين فقياس قول أحمد لا يستحب، "ش" لأنه قال في رواية ابن إبراهيم في الرجل يقول الله أكبر كبيرا قال ما سمعت ذكره القاضي.
ويستحب سكوته بعدها قدر قراءة المأموم "و ش" وعنه يسكت قبلها، وعنه لا يسكت لقراءة مأموم مطلقا "و هـ م" حتى في كلام الحنفية يحرم سكوته، لأن السكوت بلا قراءة حرام، حتى لو سكت طويلا ساهيا لزمه سجود السهو.
ويلزم الجاهل تعلمها، ويسقط بضيق الوقت، وقيل: لا، إلا أن يطول.قال في الفنون: ويحرم بذل الأجرة وأخذها بناء على أصلنا في الأجرة على القرب، وذكر ابن الجوزي أن قوله {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا} [البقرة:159] الآية يدل على وجوب إظهار علوم الدين منصوصة أو مستنبطة، وعلى أنه لا يجوز أخذ الأجرة لوجوب فعله.
ويقرأ قدرها في الحروف والآيات، وقيل أو أحدهما، وقيل: الآيات، وعنه تجزئ آية، ويكرر من عرف آية بقدرها، وعنه لا يجب، وقيل: يقرأ الآية وشيئا من غيرها.
ومن جهله حرم ترجمته عنه بغير العربية في المنصوص "و م ش" كعالم
ـــــــ
.............

(2/176)


"هـ" وخالفه صاحباه، مع أن عندهم يمنع من اعتياد القراءة، وكتابة المصحف بغيرها، لا من فعله في آيتين قال: أصحابنا: ترجمته بالفارسية لا تسمى قرآنا، فلا تحرم على الجنب، ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ. قال أحمد: القرآن معجز بنفسه، فدل على أن الإعجاز في اللفظ والمعنى.
وفي بعض آيه إعجاز، ذكره القاضي وغيره، وفي كلامه في التمهيد في النسخ وكلام أبي المعالي لا. وهو في كلام الحنفية، وزاد بعضهم والآية، قال ابن حامد في أصوله: الأظهر في جواب أحمد بقاء الإعجاز في الحروف المقطعة.
وقيل للقاضي: لا نسلم أن الإعجاز في اللفظ بل في المعنى، فقال: الدلالة على أن الإعجاز في اللفظ والنظم دون المعنى أشياء: منها أن المعنى يقدر على مثله كل أحد، يبين صحة هذا قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وهذا يقتضي أن التحدي بألفاظها ولأنه قال: {مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} ، والكذب لا يكون مثل الصدق، فدل على أن المراد به مثله في اللفظ والنظم.
قال شيخنا: يحسن للحاجة ترجمته لمن يحتاج إلى تفهمه إياه بالترجمة، وذكر غيره هذا المعنى، وحصل الإنذار بالقرآن دون تلك اللغة كترجمة الشهادة.
وتلزمه الصلاة خلف قارئ في وجه "و م" وقاله "هـ" إن صادفه حاضرا مطاوعا، ويتوجه على الأشهر يلزم غير حافظ يقرأ من مصحف
ـــــــ
تنبيه" قوله: ويلزمه، يعني: من لا يحسن الفاتحة الصلاة خلف قارئ في وجه، انتهى. ظاهر هذا أن المشهور عدم اللزوم، وهو كذلك، وعليه الأكثر، وقد ذكره الأصحاب في الإمامة والقول باللزوم جزم به الناظم.

(2/177)


"و ش" وأبو يوسف ومحمد.
ويلزمه "و ش" قول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" وذكر جماعة ولا حول ولا قوة إلا بالله، لخبر ابن أبي أوفى1 ولم يأمره عليه السلام بالصلاة خلف قارئ.
وعنه يكرره بقدر الفاتحة. وقال القاضي يأتي بالذكر المذكور، ويزيد كلمتين من أي ذكر شاء، وذكر الحلواني يحمد ويكبر، وذكر ابنه في التبصرة يسبح، ونقله صالح وغيره، ونقل ابن منصور ويعقوب ويكبر، ونقل الميموني ويهلل، ونقل عبد الله يحمد ويكبر ويهلل، واحتج بخبر رفاعة2، فدل أنه لا يعتبر الكل رواية واحدة، ولا شيء معين.
وإن عرف بعضه كرره بقدره وإلا وقف بقدر القراءة "و" ومن صلى وتلقف القراءة من غيره صحت، ذكره في النوادر.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 قال: جاء رجل إلى النبي فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا ما يجزئني منه قال: "قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" . قال: يارسول الله هذا لله عز وجل فمالي قال: "قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني" . فلما قام قال هكذا فقال رسول الله "أما هذا فقد ملأ يده من الخير" . أخرجه أبو داود 832.
2 في سنن أبي داود 861 ولفظه: "فتوضأ كما أمرك الله عز وجل ثم تشهد فأقم ثم كبر فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وكبره وهلله" .

(2/178)


فصل: ثم يقرأ البسملة
"هـ و م" في غير رمضان نص عليه، وقال:
ـــــــ
.............

(2/178)


لا يدعها، قيل له: يقرؤها في بعض سورة؟ قال: لا بأس، وسورة من طوال المفصل في الفجر، وهو من قاف. وفي الفنون من الحجرات. وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من الوسط.
وعنه يجب بعدها قراءة "خ" فظاهره ولو بعض آية، لظاهر الخبر، وعلى المذهب تكره الفاتحة فقط، ويستحب سورة، نص على ذلك. قال القاضي وغيره: يجوز آية، إلا أن أحمد استحب كونها طويلة. فإنه قال: تجزئ مع الحمد آية، مثل آية الدين، والكرسي، وعند الحنفية تجب الفاتحة وسورة بعدها، أو ثلاث آيات، عملا بخبر الواحد، حتى تكره الصلاة بدونهما. ولا تفسد.
وذكر جماعة: وفي الظهر أزيد من العصر، ونقل حرب في العصر نصف الظهر، لخبر أبي سعيد1.
وإن عكس بلا عذر فقيل يكره، وقيل لا، كمريض ومسافر ونحوهما، واستحبه القاضي في الجامع لذلك، ونصه تكره القصار في الفجر، لا الطوال في المغرب "م 7".
ـــــــ
مسألة 7: قوله: فإن عكس بلا عذر، يعني أو قرأ في الفجر بقصار المفصل وفي المغرب بطواله فقيل يكره، وقيل لا، ونصه تكره القصار في الفجر، لا الطوال في المغرب، انتهى المنصوص، وهو الصحيح من المذهب، وقدمه ابن تميم، وقدمه في الرعاية الكبرى والفائق، والحاوي الكبير في الفجر وجزموا به في
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "452" "156" ولفظه: كنا نحرز قيام رسول الله في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة آلم تنزيل السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك. وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك.

(2/179)


وظاهر ما سبق أن المريض والمسافر كصحيح وحاضر، وإن اختلفا في الكراهة، خلافا للحنفية في استحباب القصار لضرورة، وإلا توسط، والأشهر للحنفية: الظهر كالفجر.
قال القاضي وغيره: ولا يعتد بالسورة قبل الفاتحة. ـــــــ
المغرب، وصرح في الواضح بالكراهة في المغرب. وقال المصنف في حواشي المقنع: الكراهة ظاهر كلام غير واحد، والقول بعدم الكراهة قال به جماعة، من أعيان الأصحاب، قال المجد في شرحه والشارح وابن رزين والزركشي، فإن فعل ذلك فلا بأس، قال الشيخ في المغني1 والأمر في هذا واسع، انتهى، قلت: الصواب في ذلك أنه إذا فعل أحيانا لم يكره، وهو ظاهر بحث هؤلاء الجماعة وغيرهم.
ـــــــ
1 2/164.

(2/180)


وله قراءة أواخر السور "م" وأوساطها.وجمع سورتين فأكثر في الفرض "و م ش" كتكرار سورة في ركعتين، وتفرق سورة في ركعتين، نص عليهما لفعله عليه السلام1، مع أنه لا تستحب الزيادة على سورة في ركعة، ذكره غير واحد، لفعله عليه السلام، فدل أن في سورة وبعض أخرى كسورتين، وعنه يكره "و هـ" وعنه المداومة، وعنه يكره جمع سورتين فأكثر في فرض، قال أبو حفص العكبري في جمع سور في فرض: العمل على ما رواه الجماعة: لا بأس. وكذا صححه القاضي وغيره، وأنه رواية الجماعة، وأن عكسه نقله ابن منصور.
وتجوز قراءة أوائلها "م" وقيل أواخرها أولى.
وتكره قراءة كل القرآن في فرض لعدم نقله وللإطالة، وعنه لا.
وظاهر كلامهم: لا تكره ملازمة سورة مع اعتقاد جواز غيرها، ويتوجه احتمال وتخريج وفاقا لأكثر الحنفية لعدم نقله.
وتكره البسملة أول براءة2، والفصل بها بين أبعاض السور، ويحرم إن اعتقده قربة، نقل أبو داود فيمن يقرأ العشر أو السبع يبسمل؟ قال: لا بأس.
ويستحب أن يقرأ كما في المصحف.ويكره تنكيس السور "و ش" في
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرج النسائي في "المجتبى" 2/170 عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف وفرقها ركعتين.
2 في "ط": بدئه.

(2/181)


ركعة أو ركعتين كالآيات "و": وعنه: لا. اختاره صاحب المحرر وغيره للأخبار، واحتج أحمد بأن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم على ذلك، فدل على التسوية "و م" في ركعتين، وكرهه في ركعة، وفي غير صلاة، وعند شيخنا ترتيب الآيات واجب، لأن ترتيبها بالنص "ع"، وترتيب السور بالاجتهاد، لا بالنص في قول جمهور العلماء، منهم المالكية، والشافعية، قال شيخنا: فيجوز قراءة هذه قبل هذه، وكذا في الكتابة، ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة رضي الله عنهم في كتابتها، لكن لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان صار هذا مما سنه الخلفاء الراشدون، وقد دل الحديث1 على أن لهم سنة يجب اتباعها، وسأله حرب عمن يقرأ أو يكتب من آخر السورة إلى أولها فكرهه شديدا.
وفي التعليق في أن البسملة ليست من الفاتحة: مواضع الآي كالآي أنفسها، ألا ترى أن من رام إزالة ترتيبها كمن رام إسقاطها، وإثبات الآي لا
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين. عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود "4607", والترمذي "2676", عن أبي نجيح العرباض بن سارية.

(2/182)


يجوز إلا بالتواتر، كذلك مواضعها.وذكر صاحب المحرر أن تنكيس الآيات يكره "ع" لأنه مظنة تغيير المعنى، بخلاف السورتين، كذا قال، فيقال فيحرم للمظنة، والأولى التعليل بخوف تغيير المعنى، قال: إلا ما ارتبطت وتعلقت الأولى بالثانية كسورة الفيل مع سورة قريش على رأي. فحينئذ يكره، ولا يبعد تحريمه عمدا، لأنه تغيير لموضع السورة. وفي البخاري1 عن يوسف بن ماهك2 "أن رجلا عراقيا جاء عائشة فقال: أي الكفن خير؟ فقالت: ويحك، وما يضرك؟ قال: أريني مصحفك؛ قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إلى أن قالت: فأخرجت له المصحف فأمليت عليه آي السور.
وتنكيس الكلمات محرم مبطل "و" وتصح بما وافق مصحف عثمان رضي الله عنه "و" زاد بعضهم على الأصح، وإن لم يكن من العشرة نص عليه، وعنه إلا بقراءة حمزة، وعنه والكسائي، ولم يكره أحمد غيرهما، وعنه وإدغام أبي عمرو الكبير، وحكي عنه يحرم، ونقل جماعة أنه إنما كره قراءة حمزة للإدغام الشديد، فيتضمن إسقاط حرف بعشر حسنات، والإمالة الشديدة. وقد روى ابن المنادي3 عن زيد بن ثابت مرفوعا: "أن
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 برقم "4993".
2 هو: يوسف بن ماهك بن بهزاد الفارسي المكي من موالي أهل مكة. "ت 113هـ". سير أعلام النبلاء 5/68.
3 هو: الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن أبي داود ابن المنادي البغدادي المقرئ صاحب التآليف. "ت 336هـ". سير أعلام النبلاء 15/326.

(2/183)


القرآن نزل بالتفخيم" 1.ولكراهة السلف. والقراءة سنة، وليس ذلك في لغة قريش، فعلى هذا إن أظهر ولم يدغم وفتح ولم يمل فلا كراهة، نقله جماعة، وجزم به القاضي وغيره، وعن أحمد ما يدل على أنه رجع عن الكراهة. واختار قراءة نافع من رواية إسماعيل بن جعفر2 عنه، لأن إسماعيل قرأ على شيبة3 شيخ نافع.
وعنه قراءة أهل المدينة سواء، قال: لأنه ليس فيها مد ولا همز كأبي جعفر يزيد بن القعقاع4، وشيبة، ومسلم5، وقرأ نافع عليهم، وظاهر تعليله السابق إلا قراءة مسلم بن جندب المدني لأنه يهمز، ذكره القاضي,
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه الحاكم في "المستدرك" 2/231.
2 هو: أبو إسحاق إسماعيل بن جعفر الأنصاري المدني قرأ على نافع وكان مقرئ المدينة في زمانه.
"ت 180هـ" سير أعلام النبلاء 8/228..
3 هو: شيبة بن نصاح بن يعقوب المخزومي المدني قاضي المدينة وإمام أهلها في القراءات.
"ت 130هـ". الأعلام 3/181.
4 هو: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني أحد الإئمة العشرة في علوم القراءات. "ت 127هـ". سير أعلام النبلاء 5/287.
5 أبو عبد الله مسلم بن جندب الهذلي مولاهم المددني القاص تابعي مشهور. مات بعد سنة عشر ومئة تقريبا, "غاية النهاية في طبقات القراء" 2/297.

(2/184)


ثم قراءة عاصم، نقله الجماعة لأنه قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي1، وقرأ أبو عبد الرحمن على عثمان، وعلي، وزيد، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وظاهركلام أحمد: أنه اختارها من رواية أبي بكر بن عياش2 عنه، لأنه أضبط من أخذها عنه مع علم وعمل وزهد، وعن أحمد أنه اختار قراءة أهل الحجاز، قال القاضي: وهذا يعم أهل المدينة ومكة، وقال له الميموني: أي القراءات تختار لي فأقرأ بها؟ قال: قراءة أبي عمرو بن العلاء لغة قريش والفصحاء من الصحابة. وفي المذهب تكره قراءة ما خالف عرف البلد وإن كان في قراءة زيادة حرف مثل "فاز لهما فازا لهما ووصى وأوصى" فهي أولى لأجل العشر حسنات، نقله حرب، واختار شيخنا أن الحرف الكلمة.وتكره بما خالف المصحف وصح سنده، نص عليه، وتصح في رواية، لصلاة الصحابة بعضهم خلف بعض، وذكر شيخنا أنها أنصهما، وأن قول أئمة السلف وغيرهم إن مصحف عثمان أحد الحروف السبعة، وعنه أنها لا تصح "و" وأنه يحرم لعدم تواتره "م 8" وفي تعليق الأحكام به
ـــــــ
مسألة 8: ويكره بما خالف المصحف، وصح سنده نص عليه، ويصح في رواية لصلاة الصحابة بعضهم خلف بعض، وذكر شيخنا أنها أنصهما، وأن قول أئمة السلف وغيرهم إن مصحف عثمان أحد الحروف السبعة، وعنه أنها لا تصح، وأنه يحرم لعدم تواتره، انتهى، وأطلقهما في المذهب، والمستوعب، والمغني3، والشرح4، والنظم، وظاهر شرح المجد إطلاق الخلاف أيضا:
ـــــــ
1 هو: أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي الأم النيسابوري شيخ خراسان وصاحب التصانيف. "ت 412هـ". سير أعلام النبلاء 17/247.
2 هو: أبوبكر شعبة بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ "ت 193هـ". سير أعلام النبلاء 8/495.
3 2/166.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/469.

(2/185)


الروايتان، واختار صاحب المحرر: لا تبطل ولا تجزئ عن ركن القراءة.
ويجهر الإمام في الفجر والأوليين من العشاءين "ع" ويخير المنفرد "و هـ" ونقل الأثرم وغيره وتركه أفضل "هـ" وعنه يسن "و م ش" وقيل: يكره كالمأموم "و" وحكي فيه قول.
والمرأة إذا لم يسمعها أجنبي قيل: تجهر كرجل، وقيل: يحرم "م 9" قال أحمد: لا ترفع صوتها، قال القاضي: أطلق المنع.
ـــــــ
أحدهما: لا يصح، وهو الصحيح، وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الإفادات، والوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم، وقدمه في الهداية والخلاصة والمقنع1، والرعايتين، والحاويين، وشرح ابن رزين، وغيرهم.
والرواية الثانية: يكره، ويصح إذا صح سنده، اختاره ابن الجوزي، والشيخ تقي الدين وغيرهما، وقدمه ابن تميم وصاحب الفائق، قلت: وهو الصواب وذكر المصنف كلام المجد. تنبيه قوله: وفي تعليق الأحكام به الروايتان، يعني بهما هاتين، وقد علمت المذهب منهما.
مسألة 9: والمرأة إذا لم يسمعها أجنبي قيل: تجهر كرجل، وقيل: يحرم، انتهى، وأطلقهما في الفائق:
أحدهما: يحرم، قال الإمام أحمد: لا ترفع صوتها، قال القاضي أطلق الإمام أحمد المنع. والقول الثاني: تجهر كالرجل إذا لم يسمع صوتها أجنبي، قلت وهو الصواب،
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/469.

(2/186)


وإن أسر بني جهرا، وعنه: يبدأ، فرغ من القراءة أم لا "و م ش" وعكسه يبني سرا "و".وإن قضى صلاة جهر نهارا فقيل: يسر "و ش" كصلاة سر وقيل: يجهر "و هـ م" كالليل "م 10" "و" في جماعة وفي المنفرد
ـــــــ
وقدمه ابن تميم، فقال وتجهر المرأة إذا لم يسمع صوتها رجل أجنبي، كالرجل، وقطع به في الرعاية الكبرى في أواخر صلاة الجماعة، فقال وتجهر المرأة في الجهر مع المحارم والنساء. انتهى. وهو ظاهر ما قطع به في التلخيص، فقال: ويكره للمرأة إذا كان هناك رجال أجانب يسمعون صوتها انتهى، وقطع به في الحاوي الكبير، فقال عن جهر المنفرد، وقيل يكره كالمرأة إذا سمعها أجنبي. انتهى. وقال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير: وتجهر في الصبح، وأولى العشاءين، وعنه والمنفرد في غير الجمعة، وقيل الذكر، قلت القول بالتحريم إذا لم يسمع صوتها أجنبي بعيد جدا، وهو ظاهر كلامه في الرماية الصغرى، والحاوي الصغير على ما تقدم. وقال الشيخ تقي الدين تجهر إن صلت بنساء، ولا تجهر إن صلت وحدها انتهى، قلت يحتمل أن يكون الخلاف هنا مبنيا على الخلاف في كون صوتها عورة أم لا، والمذهب أنه ليس بعورة، إذا علم ذلك ففي إطلاق المصنف شيء، إذ الأولى أنه كان يقدم عدم التحريم.
مسألة 10: قوله: وإن قضى صلاة جهر نهارا فقيل يسر كصلاة سر، وقيل يجهر كالليل انتهى:
القول الأول: وهو الإسرار، هو الصحيح، جزم به في الكافي1 والمجد في شرحه، وصححه في النظم إذا صلاها جماعة.
ـــــــ
1 1/297.

(2/187)


الخلاف "م 11".قال شيخنا: ولو قال مع إمامه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ونحوه كره، وإن قاله وهو يسمع بطلت في وجه، ونقل الفضل وأبو الحارث إذا قرأ آية فيها لا إله إلا الله فلا بأس أن يقولها من خلفه، ويسرون، وكذا نقل الكحال، ولم يذكر السر، وحمله القاضي على المقيد في رواية الفضل، قيل للقاضي: كان يجب أن تكرهوا ذلك كالقراءة، فقال: هذا قدر يسير لا يمنع الإنصات، وقد وجد ما يقتضي الحث عليه، فهو كالتأمين، ثم احتج القاضي بأن ابن عباس قرأ في الصلاة {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] قال: سبحانك فبلى1. وبأن عليا قرأ في الصلاة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] فقال: سبحان ربي الأعلى2.
ـــــــ
والقول الثاني: يجهر، وقيل يخير، قال في المغني3 والشرح4 وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وقدمه ابن رزين في شرحه، وقال نص عليه وأطلقهما في المغني والشرح: ومختصر ابن تميم والرعايتين والحاويين وغيرهم.
مسألة 11: قوله وفي المنفرد الخلاف انتهى، يعني به الذي في التي قبلها وقد علمت الصحيح من الأقوال وصحح الناظم الإسرار هنا أيضا، وقطع هنا بالخبرة في المغني3 والشرح4، وشرح ابن رزين، وقال نص عليه وقال في الكافي5 وإن جهر فلا بأس. وقال في التلخيص ويستحب الجهر للإمام فقط،
ـــــــ
1 ذكره ابن كثير في تفسيره 4/482 وعزاه لأبي حاتم.
2 ذكره ابن كثير في تفسيره 4/533 وأخرج أبو داود 833 عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى.
3 2/162.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/468.
5 1/297.

(2/188)


وقد نقل صالح وابن منصور وحنبل إذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] هل يقول سبحان ربي الأعلى، كذا وجدته في الجامع فقال: إن شاء في نفسه ولا يجهر بها في المكتوبة وغيرها، وتفارق القراءة خلف الإمام لأنه كثير يتعذر معه الإنصات، فدل على أنه لو أتى بقراءة يسيرة لا تمنع الإنصات جاز. قال القاضي: إذا تقرر هذا فنقل بكر بن محمد أكره أن يرفعوا أصواتهم يعني بالتهليل، قيل له فينهاهم الإمام؟ قال لا ينهاهم، قال القاضي إنما قال لا ينهاهم لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهر بمثل ذلك، فروي عنه أنه كان يسمعهم الآية بعد الآية أحيانا في الظهر1، والجهر هناك كالجهر هنا، لأنه ليس ذلك موضع الجهر وقد جهر باليسير، فلهذا لم ينكر عليه، كذا قال، وجهره عليه السلام يجوز أنه ليبين أنه لا يجب الأسرار، وأنه سنة مع أنه لا تشويش فيه، ولا محذور، بخلاف جهر المأمومين، ولهذا كره أحمد جهرهم، وجهره عليه السلام لا يكره.
وعند الحنفية يجب أن يستمع، وينصت، حتى لا يشتغل عند الترغيب والترهيب بسؤال الجنة والتعوذ من النار، وكذا عندهم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن يقرأ الخطيب الآية فيصلي عليه ويسلم سرا للأمر.
ـــــــ
دون المنفرد، وقدم في المستوعب: أنه لا يجهر، وقدمه في الرعايتين، والحاويين. وقال ابن تميم ويجوز الجهر للمنفرد، وعنه يسن له أيضا، وقال القاضي في موضع: يكره له ذلك. انتهى.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "759" مسلم "451" "154" من حديث أبي قتادة.

(2/189)


والجهر والإخفات سنة. وقيل: واجب، وقيل: الإخفات.وقد نقل أبو داود إذا خافت فيما يجهر به حتى فرغ من الفاتحة ثم ذكر يبتدئ الفاتحة فيجهر، ويسجد للسهو.
ولا قراءة على مأموم "و هـ م" أي يحملها الإمام عنه، وإلا فهي واجبة عليه. هذا المعنى في كلام القاضي وغيره، وعنه يجب، ذكره الترمذي والبيهقي، اختاره الآجري نقل الأثرم لا بد للمأموم من قراءة الفاتحة، ذكره ابن الزاغوني في شرح الخرقي، وإن كثيرا من أصحابنا لا يعرف وجوبه، حكاه في النوادر، وهو أظهر "و ش" وقيل في صلاة السر، وذكره عنه ابن المنذر، ونقل أبو داود يقرأ خلفه في كل ركعة إذا جهر، قال في الركعة الأولى تجزئ، وهي مستحبة بـ {الْحَمْدُ} وغيرها في صلاة السر: نص عليه، وفي السكتات لا تكره "هـ" ولو لنفس، نقله
ـــــــ
.............

(2/190)


ابن هانئ، واختاره بعضهم. وقال شيخنا: لا "ع" كذا قال، وقال هل الأفضل قراءته الفاتحة للاختلاف في وجوبها أم غيرها لأنه استمعها؟ ومقتضى نصوص أحمد وأكثر أصحابه أن القراءة بغيرها أفضل، نقل الأثرم فيمن قرأ خلف إمامه إذا فرغ من الفاتحة يؤمن، قال لا أدري، ما سمعت، ولا أرى بأسا، وظاهره التوقف، ثم بين أنه سنة، ولعل توقفه لأن الأخبار في تعليق التأمين بتأمين الإمام وقراءته ذكره القاضي.
ـــــــ
.............

(2/191)


وتكره قراءته في جهره "و م" واستحبه صاحب المحرر بالحمد، وسأله إبراهيم بن أبي طالب عن القراءة فيما يجهر فيه الإمام قال يقرأ الفاتحة، وقال ابن هبيرة في حديث عمران رواه مسلم1: "قد ظننت أن بعضكم خالجنيها" أي نازعنيها، قال وهذا أراه فيما عدا الفاتحة، وقيل يحرم، قال أحمد لا يقرأ. وقال أيضا لا يعجبني، وقيل وتبطل.
وإن سمع همهمة ولم يفهم لم يقرأ، نقله الجماعة، وعنه بلى، اختاره
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في صحيحيه "398" "48".

(2/192)


شيخنا وهي أظهر وإن لم يسمعه لبعد قرأ في المنصوص "م"
ولطرش فيه وجهان "م 12"
وهل يستحب له الاستفتاح، والتعوذ في صلاة الجهر كالسر, أم
ـــــــ
مسألة 12: قوله: ولطرش فيه وجهان، انتهى، يعني هل يقرأ المأموم خلف الإمام في الصلاة الجهرية إذا كان لا يسمعه لطرش أم لا، أطلق الخلاف وأطلقه في الهداية، والمذهب، والمستوعب، والخلاصة، والمقنع1, والمحرر, والتلخيص، والبلغة، والرعاية الصغرى والحاويين، وأطلقه في الرعاية الكبرى في صلاة الجماعة، وشرح المحرر وابن منجى، والنظم ومختصر ابن تميم، وتجريد العناية، وغيرهم.
أحدهما: يقرأ إذا كان قريبا بحيث لا يشغل من إلى جنبه، وهو الصحيح، اختاره الشيخ في المغني2، وهو ظاهر ما قدمه الشارح، قال في الرعاية الكبرى في صفة الصلاة قرأ في الأقيس، وجزم به في الإفادات.
والوجه الثاني: لا يقرأ فيكره جزم به في الوجيز، وصححه في التصحيح، قال في مجمع البحرين وهو أولى.
تنبيه: منشأ الخلاف كون الإمض الأصحاب حكى الخلاف في الكراهة والاستحباب مطلقا، منهم أبو الخطاب في الهدايةام أحمد سئل عن ذلك فقال لا أدري، فقال بعض الأصحاب يحتمل وجهين فبع ، والمذهب، والمستوعب، والخلاصة وغيرهم، وبعضهم خص الخلاف بما إذا شوش على غيره، منهم الشيخ في المغني2، وابن حمدان في رعايتيه وغيرهما، قلت: وهو الصواب. وقال المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين الوجهان إذا كان قريبا لا يمنعه إلا الطرش، فإن اجتمع مع الطرش البعد قرأ بطريق أولى، أما إن قلنا لا يقرأ البعيد الذي لا يسمع فهذا لا يقرأ، قولا واحدا. انتهى.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/307.
2 2/267.

(2/193)


يكرهان؟ أو إن سمعه كرها، أم يكره التعوذ "و هـ" فيه روايات "م 13". وذكر ابن الجوزي: أن قراءته وقت مخافتته أفضل من استفتاحه، وغلطه شيخنا،
ـــــــ
مسألة 13: قوله: وهل يستحب له الاستفتاح والتعوذ في صلاة الجهر كالسر أم يكرهان، أو إن سمعه كرها، أم يكره التعوذ؟ فيه روايات، انتهى.
إحداهن: يستحب الاستفتاح، والاستعاذة مطلقا، جزم به في الرعايتين في صلاة الجماعة، والحاويين.
والرواية الثانية: يكرهان مطلقا، صححه في التصحيح، واختاره الشيخ تقي الدين، وأطلقهما في الهداية والمستوعب، والخلاصة، والمقنع وغيرهم.
والرواية الثالثة إن سمع الإمام كرها، وإلا فلا، جزم به في المنور، وقدمه في المحرر، قال ابن منجى في شرح المقنع هذا أصح، قال في الرعاية الكبرى في باب صفة الصلاة، ولا يستفتح ولا يستعيذ مع جهر إمامه على الأصح، قال في النكت هذا المشهور، وهو الصواب.
والرواية الرابعة: يستحب الاستفتاح ويكره التعوذ اختاره القاضي، في الجامع قال المجد في شرحه وتبعه مجمع البحرين، وهو الأقوى.
"تنبيه" في محل الخلاف ثلاث طرق:
الطريقة الأولى: الخلاف جار في حال جهر الإمام وسكوته وهو ظاهر كلامه في الهداية والمستوعب، والخلاصة، والمقنع1 وغيرهم، وهو كالصريح في كلام المصنف وصاحب الرعايتين، والحاويين وغيرهم لكونهم حكوا الروايتين، وأطلقوا ثم حكوا رواية بالتفرقة قلت، وهذه الطريقة هي الصحيحة.
الطريقة الثانية: محل الخلاف في سكوت الإمام، فأما في حالة قراءته فلا يستفتح ولا
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/314-315.

(2/194)


وقال: قول أحمد وأكثر أصحابه: الاستفتاح أولى، لأن استماعه بدل عن قراءته. وقال الآجري: أختار أن يبدأ بالحمد أولها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:1] وترك الافتتاح، لأنها فريضة، وكذا الخلاف فيمن أدركه في ركوع صلاة العيد: لو أدرك القيام رتب الأذكار، فلو لم يتمكن من جميعها بدأ بالقراءة؛ لأنها فرض.
ومن جهل ما قرأ به إمامه لم يضر، وقيل يتمها وحده، وقيل تبطل، نقل ابن أصرم1: يعيد، فقال أبو إسحاق: لأنه لم يدر هل قرأ الحمد أم لا؟ ولا مانع من السماع، وقال شيخنا: بل لتركه الإنصات الواجب.
ـــــــ
1 هو: أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عباد ينتهي نسبه إلى عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل عن أحمد أشياء. "ت 285هـ". طبقات الحنابلة 1/22.

(2/195)


فصل: ثم يرفع يديه "و ش" مع ابتداء الركوع مكبرا "و"
وعنه يرفع مكبرا بعد سكتة يسيرة، ويركع فيجعل يديه مفرجة أصابعهما على ركبتيه "و" ورأسه بإزاء ظهره "و" ويجافي مرفقيه عن جنبيه "و" ويجزئه قدر يمكنه مس ركبتيه بيديه "و م" من الوسط أو قدره وقيل: في أقل منه احتمالان، وصرح
ـــــــ
يستعيذ، رواية واحدة وهي طريقته في المغني2، والشرح3، والفائق، والرعاية الكبرى، في باب صفة الصلاة قال الشيخ تقي الدين: من الأصحاب من قال ذلك.
الطريقة الثالثة: محل الخلاف يختص حال جهر الإمام، وسماع المأموم، دون حالة سكتاته، وهي طريقة القاضي في المجرد، والخلاف، قال المجد: ذكر القاضي في
ـــــــ
2 2/265.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/314.

(2/195)


جماعة يكفيه. وفي الوسيلة نص عليه "وش".
ويتعين: "سبحان ربي العظيم" "م" مرة، وعنه الأفضل: وبحمده، اختاره صاحب المحرر، وأدنى الكمال ثلاث، والكمال للمنفرد قيل: العرف، وقيل: ما لم يخف سهوا، وقيل: بقدر قيامه "م 14" وللإمام إلى عشر، وقيل ثلاث، ما لم يؤثر مأموم. وقيل: ما لم يشق، وظاهر الواضح قدر قراءته. وقال الآجري: خمس، ليدرك المأموم ثلاثا.
ولو انحنى لتناول شيء ولم يخطر بباله الركوع لم يجزئه، جعله صاحب المحرر كعدم الإجزاء فيما إذا قصد بغسل عضو غير الطهارة مع بقاء نيته حكما "و م" وأكثر الشافعيين وفي الرعاية إن نوى التبرد ولم يقطع نية الوضوء صح، وتأتي المسألة فيما إذا طاف يقصد غريما1.
ـــــــ
المجرد والخلاف ما يدل على ذلك، قال الشيخ تقي الدين: المعروف عند الأصحاب أن النزاع في حالة الجهر لأنه بالاستماع يحصل مقصود القراءة بخلاف الاستفتاح والتعوذ، وقطع به في المحرر وغيره كما تقدم.
مسألة 14: قوله: والكمال في المنفرد2 يعني في قوله: سبحان ربي العظيم، قيل: العرف، وقيل: ما لم يخف سهوا، وقيل: بقدر قيامه، انتهى.
أحدهما الكمال في حقه يرجع فيه إلى العرف، ولعله أولى، قلت: الصواب أن ذلك بحسب الصلاة، فإن أطال في القيام أطال في الركوع بحسبه، وإن قصر قصر فيه بحسبه. والقول الثاني أنه لا حد لغايته ما لم يخف سهوا، اختاره القاضي، وجزم به في المستوعب، وقدمه الزركشي
ـــــــ
1 6/83.
2 في النسخ الخطية و "ط": في المنفرد والمثبت من الفروع.

(2/196)


ثم يرفع رأسه قائلا: " سمع الله لمن حمده مرتبا وجوبا، ويرفع يديه " و ش" فعنه مع رأسه "و ش" وعنه بعد اعتداله، وقال القاضي مع رفع رأسه من لم يقل بعد رفعه شيئا "م 15" ومعنى سمع هنا أجاب.
فإذا قام قال: "ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد1" "و ش" أي حمدا لو كان أجساما لملأ ذلك، ولمسلم وغيره2: "وملء ما بينهما" والأول أشهر في الأخبار، واقتصر عليه الإمام أحمد والأصحاب، والمعروف في الأخبار "السموات" وفي
ـــــــ
والقول الثالث أنه يكون بقدر قيامه، ونسبه المجد إلى غير القاضي من الأصحاب، وقيل الكمال في حقه سبع، قدمه في الحاويين وحواشي المصنف على المقنع، وقيل عشر، وهو احتمال في المغني3 والشرح4.
مسألة 15: قوله ثم يرفع قائلا سمع الله لمن حمده، مرتبا وجوبا ويرفع يديه فعنه مع رأسه، وعنه بعد اعتداله. وقال القاضي مع رفع رأسه من لم يقل بعد رفعه شيئا، انتهى، وأطلقهما في المغني5، والشرح6، ومختصر ابن تميم، وحواشي المصنف على المقنع:
ـــــــ
1 هذا نص حديث أخرجه مسلم "471" "194".
2 مسلم "478" "206" والترمذي "266" من حديث ابن عباس.
3 2/181.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/482.
5 2/186.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/488.

(2/197)


كلام أحمد وبعض الأصحاب "السماء" وفعله عليه السلام رواه أحمد1 بإسناد جيد من حديث ابن عباس، وابن ماجه2 من حديث أبي جحيفة3، وفيه ضعف. لا أن يسمع فقط "هـ م" وكذا المنفرد "و ش" وعنه يسمع ويحمد "و هـ م" وعنه يسمع فقط، وعنه عكسه، وهو أصح من مذهب "هـ" والمأموم يحمد فقط "و هـ م"، وعنه ويزيد ملء السماء، اختاره صاحب النصيحة، والهداية، والمحرر، وشيخنا، وعنه ويسمع "و ش".
وله قول "ربنا لك الحمد" بلا واو، وبها أفضل على الأصح "و م" وعنه لا يتخير في تركها، وله قول: اللهم ربنا ولك الحمد وبلا واو أفضل، نص عليه "م ر" وعن أحمد يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يخير بينه وبين اللهم ربنا لك الحمد، وهو مراد الرعاية، وإن قال: اللهم ربنا لك جاز، على الأصح، والجميع في الأخبار، وأكثر فعله عليه السلام: "اللهم ربنا لك الحمد" 4 وأمر به في الصحيحين5 من حديث
ـــــــ
إحداهما: يرفعهما مع رفع رأسه، وهو الصحيح، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب قال المجد وهي أصح، وصححه في مجمع البحرين، وقدمه في الرعايتين، والحاويين والفائق، وإليه ميل الشيخ الموفق، والشارح.
والرواية الثانية: يرفعها بعد اعتداله، وقدمه ابن رزين في شرحه.
ـــــــ
1 لم نجده عند أحمد غي مسنده وقد أخرجه مسلم "476" "204" من حديث عبد الله بن أبي أوفى.
2 في سننه 789.
3 هو أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي الكوفي ويقال له: وهب الخير. من صغار الصحابة. "ت 74هـ". سير أعلام النبلاء 3/202.
4 رواه البخاري 759.
5 البخاري "796" مسلم "409" "71".

(2/198)


أبي هريرة. وفي البخاري1 من حديثه زيادة الواو، وفيه2 من حديثه: "ربنا لك الحمد "وفيه من حديثه زيادة الواو وهو فيه من حديث عائشة3، وهو فيهما من حديث أنس4.
ومتى ثبتت الواو كان قوله: ربنا متعلقا بما قبله أي سمع الله لمن حمده يا ربنا فاستجب، ولك الحمد على ذلك. نقل صالح فيمن صلى وحده فعطس في ركوعه فلما رفع منه قال ربنا لك الحمد، ينوي بذلك لما عطس وللركوع لا يجزئه. وتأتي المسألة فيما إذا طاف يقصد غريما5.
قال أحمد: إن شاء أرسل يديه، وإن شاء وضع يمينه على شماله، وذكر غير واحد كما سبق. وفي المذهب والتلخيص يرسلهما "و هـ" وقاله في التعليق في افتراشه في التشهد الأول وهو بعيد، لأنه يسن هنا ذكر "هـ" كتكبيرات العيد "هـ".
ثم يكبر "و" ولا يرفع يديه "و" وعنه بلى، وعنه في كل خفض ورفع، وحيث استحب رفع اليدين فقال أحمد: هو من تمام الصلاة، من رفع أتم صلاته، وعنه لا أدري، قال القاضي: إنما توقف على نحو ما يقوله محمد بن سيرين أن الرفع من تمام صحتها، لأنه قد حكي عنه أن من تركه
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 برقم 796.
2 البخاري 795.
3 البخاري 794.
4 البخاري 689.
5 6/38.

(2/199)


يعيد، ولم يتوقف أحمد عن التمام الذي هو تمام فضيلة وسنة، قال أحمد: ومن تركه فقد ترك السنة، وقال له المروذي: من ترك الرفع يكون تاركا للسنة؟ قال: لا نقول هكذا، ولكن نقول راغب عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قال القاضي: إنما هذا على طريق الإخبار في العبادة، لأنه عليه السلام سمى تارك السنة راغبا عنها1، فأحب اتباع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالراغب في التحقيق هو التارك. قال أحمد لمحمد بن موسى: لا ينهاك عن رفع اليدين إلا مبتدع، فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم2، قال القاضي: لأن ابن عمر كان إذا رأى مصليا لا يرفع يديه حصبه3، قال: وهذا مبالغة، ولأنه يرفع في تكبيرة الإحرام "ع" فمنكره مبتدع لمخالفة، "ع".
ويرفع من صلى قائما وجالسا، فرضا ونفلا.ويخر ساجدا، فيضع ركبتيه، ثم يديه "و هـ ش" وعنه عكسه "و م" ثم جبهته، وأنفه، وسجوده عليهما وعلى قدميه، ركن مع القدرة، اختاره الأكثر وعنه إلا الأنف، اختاره جماعة، وعنه ركن بجهته والباقي سنة "و هـ م ق" ومذهب الحنيفية أن وضع القدمين فرض في السجود، ليتحقق السجود.
وإن عجز بالجبهة أومأ ما أمكنه "و م" وقيل: يلزم السجود بالأنف "و هـ ش" ولا يجزئ بدل الجبهة مطلقا "هـ" وخالفه صاحباه، وإن قدر بالوجه
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في قوله: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" . أخرجه البخاري 5036 ومسلم "1401" "5" من حديث أنس.
2 أخرجه البخاري "736" ومسلم "391" "24" من حديث مالك بن الحويرث.
3 أخرجه الحميدي في المسند 2/278.

(2/200)


تبعه بقية الأعضاء، وإن عجز به لم يلزم بغيره، خلافا لتعليق القاضي، لأنه لا يمكن وضعه بدون بعضها، ويمكن رفعه بدون شيء منها.
ويجزئ بعض العضو، وقيل: وبعضها فوق بعض، ونقل الشالنجي إذا وضع من يديه بقدر الجبهة أجزأه، ومباشرة المصلي بشيء منها ليس ركنا في ظاهر المذهب "و هـ م" ففي كراهة حائل متصل حتى طين كثير وحكي حتى لركبتيه روايتان "م 16" وعنه: بلى بجبهته "و ش" وعنه ويديه، ولا يكره لعذر. نقله صالح وغيره. وفي المستوعب ظاهر ما نقله أكثر أصحابنا لا فرق. وكذا قال، وليس بمراد. وقد قال جماعة:
ـــــــ
مسألة 16: قوله: ومباشرة لمصل بشيء منها ليس ركنا في ظاهر المذهب ففي كراهة حائل متصل حتى طين كثير وحكي حتى لركبتيه روايتان انتهى.
وذكرهما القاضي ومن بعده وحكاهما وجهين في الرعاية الكبرى، وأطلقهما في الشرح1 ومختصر ابن تميم، والرعاية الكبرى.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/508.

(2/201)


تكره الصلاة بمكان شديد الحر والبرد. قال ابن شهاب: لترك الخشوع كمدافعة الأخبثين.
ومن سقط من قيام أو ركوع ولم يطمئن عاد وإن اطمأن انتصب قائما وسجد فإن اعتل عن السجود سقط، وذكر صاحب المحرر: إن سقط من قيامه ساجدا على جبهته أجزأه باستصحاب النية الأولى، لأنه لم يخرج عن هيئة الصلاة. قال أبو المعالي: إن سقط من قيام لما أراد الانحناء قام راكعا، فلو أكمل قيامه ثم ركع لم يجزه كركوعين.
ـــــــ
إحداهما: يكره، وهو الصواب، قال الشارح بعد أن حكى الروايتين عن القاضي:
والأولى مباشرة المصلي بالجبهة واليدين، ليخرج من الخلاف، ويأتي بالعزيمة. وقال في المغني1 وشرح ابن رزين: والمستحب مباشرة المصلي بالجهة واليدين، ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة قال أحمد: لا يعجبني إلا في الحر والبرد. انتهى.
والرواية الثانية: لا يكره.
ـــــــ
1 2/197.

(2/202)


ويستحب على أطراف أصابعه مفرقة موجهة إلى القبلة، وقيل: يجعل بطونها على الأرض، وقيل يخير في ذلك. وفي التلخيص يجب جعل باطن أطرافها إلى القبلة، إلا مع نعل أو خف. وفي الرعاية قول: يجب فتحها إن أمكن.
ويستحب ضم أصابع يديه، قال أحمد: ويوجهها1 نحو القبلة، ومجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، والمراد ما لم يؤذ جاره. وعد صاحب النظم السجود على الأعضاء ومباشرتها بالمصلى من الواجبات تجبر بسجود السهو، ولعله أخذه من إطلاق بعضهم الوجوب عليه، وليس بمتجه. وفي المستوعب يكره أن يلصق كعبيه، وهل يضع يديه حذو منكبيه، أو أذنيه؟ "و هـ" على ما سبق، نقل أبو طالب: قريبا من أذنيه نحو ما يرفع يديه، وله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال، ولم يقيد جماعة، وقيل في نفل، وعنه يكره، وظاهر المسألة لو وضع جبهته بالأرض ولم يعتمد عليها يجزيه، ويؤيده أنه ظاهر ما ذكروه، وللشافعية وجهان، وقد احتج بعض أصحابنا بأمره عليه السلام بتمكين
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "يوجههما" والنثبت من "ط".

(2/203)


الجبهة من الأرض، وبفعله1، ووجوب الرجوع إليه، وهذا يقتضي الوجوب، فهذان وجهان.
وقد ذكروا لو سجد على حشيش، أو قطن، أو ثلج، أو برد ولم يجد حجمه ونحو ذلك لم يصح لعدم المكان المستقر عليه.
وسجوده ببعض باطن كفه سنة، وقيل: ركن, وإن علا موضع رأسه على موضع قدميه فلم تستعل الأسافل بلا حاجة فقيل: يجوز، وقيل: يكره، وقيل: تبطل، وقيل: إن كثر، قال أبو الخطاب وغيره: إن خرج به عن صفة السجود لم يجزئه "م 17". ولو سقط لجنبه ثم انقلب ساجدا ونواه أجزأه ثم يقول: سبحان ربي الأعلى "م" وحكمه كتسبيح الركوع.
ـــــــ
مسألة 17: قوله: وإن علا موضع رأسه على موضع قدميه، فلم تستعل الأسافل بلا حاجة فقيل يجوز، وقيل يكره، وقيل تبطل، وقيل إن كثر، قال أبو الخطاب: إن خرج به عن صفة السجود لم تجزه. انتهى.
أحدهما: يجوز من غير كراهة، قدمه ابن تميم، وقال: قاله بعض أصحابنا، وقال بعد أن حكى الخلاف والصحيح أن اليسير من ذلك لا بأس به دون الكثير، قاله شيخنا أبو الفرج بن أبي الفهم2 انتهى. وقدم هذا في الرعايتين، قال في الحاويين لم يكره اليسير في أحد الوجهين انتهى.
والوجه الثاني: يكره، قال ابن عقيل: يكره أن يكون موضع سجوده أعلى من موضع قدميه، وجزم به في المستوعب.
والوجه الثالث: تبطل، قال في التلخيص استعلاء الأسافل واجب.
ـــــــ
1 أخرج أبو داود "734" والترمذي "270" عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض.
2 هو: أبو الفرج عبد القادر بن عبد المنعم بن حمد بن سلامة بن أبي الفهم الحراني شيخ حران ومفتيها.
"ت 634هـ". ذيل طبقات الحنابلة 2/202.

(2/204)


فصل: ثم يرفع مكبرا "و" ويجلس مفترشا،
يفرش يسراه، ويجلس عليها، وينصب يمناه وفي الواضح أو يضجعها بجنب يسراه، ولا يفترش في كل جلوس "هـ" ولا يتورك في الكل "م" ولو تعقبه السلام "ش".
ويفتح أصابعه نحو القبلة، ويبسط يديه على فخذيه، مضمومة الأصابع، ويذكر "هـ" فيقول رب اغفر لي1 "م" ثلاثا. وقال ابن أبي موسى2: مرتين، وفي الواضح كالتسبيح، ولا يكره. وفي الأصح ما ورد، وعنه يستحب في نفل، واختار الشيخ وفرض "و ش".
ثم يسجد الثانية كالأولى, ثم يرفع مكبرا "و" قائما على صدور قدميه، معتمدا على ركبتيه "و هـ" نص على ذلك، لا على يديه "م ش" وإن شق اعتمد بالأرض. وفي "الغنية" يكره أن يقدم إحدى رجليه، وأنه قيل يقطع الصلاة، وكذا في رسالة أحمد3 يكره، وعن ابن عباس وغيره: تقديم إحداهما إذا نهض يقطع الصلاة4.
ـــــــ
والوجه الرابع تبطل إن كثر، قال أبو الخطاب إن خرج به عن صفة السجود لم يجزه كما تقدم.
ـــــــ
1 وذلك لما روى ابن ماجه "897" عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي, رب اغفر لي" .
2 في الإرشاد ص 57.
3 يعني: رسالة الصلاة وهي بتمامها في طبقات الحنابلة 1/348-380.
4 لم نقف عليه.

(2/205)


وعنه يجلس للاستراحة "و ش" كجلوسه بين السجدتين "و ش" وعنه على قدميه، وعنه وأليتيه، ثم ينهض كما سبق، وقيل مكبرا "خ" واختار الآجري جلسته على قدميه، ثم اعتمد بالأرض، وقام، وقيل يجلس للاستراحة من كان ضعيفا، جمعا بين الأخبار، واختاره الشيخ وغيره. وقاله القاضي وغيره، وأجاب عن خبر ابن الزبير1 في التورك في التشهد الأول بمثل ذلك، فقال يحتمل أن ذلك لما بدن، وضعف.
ويصلي الثانية كالأولى، إلا في تجديد النية، والتحريمة والاستفتاح، "و" ولا يتعوذ من تعوذ في الأولى "و هـ" وعنه بلى "و ش".
ثم يجلس مفترشا، ويجعل يديه على فخذيه، لأنه أشهر في الأخبار، ولا يلقمهما ركبتيه "هـ" وذكر غير واحد من أصحابه كمذهبنا. وفي الكافي2، واختاره صاحب النظم: التخيير، كذا في الأخبار يديه3، وفيها:
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "579" "112" وفيه: كان رسول الله إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ... الحديث.
2 1/311.
3 أخرج مسلم "580" "114" عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس وضع يديه على ركبتيه ورفع اصبعه اليمنى التي تلي الإبهام. فدعا بها ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها.

(2/206)


كفيه1. وفي حديث وائل بن حجر2: ذراعيه3. وفي حديث نمير الخزاعي4 وضع ذراعه اليمنى رافعا أصبعها السبابة قد حناها وهو يدعو، ورواهما أحمد وأبو داود، والنسائي5، ولم يقولا: وهو يدعو.
ويبسط أصابع يسراه مضمومة، للإخبار6، مستقبلا بها القبلة لا مفرجة "خ" ومذهب "هـ" ما سوى حالة الركوع والسجود على ما عليه العادة.
ويقبض من يمناه الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، وعنه يقبض الثلاث ويعقد إبهامه كخمسين "و م ق" وعنه هي كيسراه "و هـ".
ويتشهد سرا "و" بخبر ابن مسعود "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" 7.
قيل: لا يجزئ غيره، وقيل: متى أخل بلفظة ساقطة في غيره أجزأ "م 18"
ـــــــ
مسألة 18: قوله: ويتشهد سرا بخبر8 ابن مسعود وذكر تشهده، ثم قال: قيل: لا يجزئ غيره، وقيل متى أخل بلفظة ساقطة في غيره أجزأه انتهى.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "580" "116".
2 هو: أبو هنيدة وائل بن حجر بن سعد الحضرمي له وفادة وصحبة ورواية. سير أعلام النبلاء 2/572.
3 لم نقف على هذا اللفظ والذي عند أحمد: ذراعه.
4 هو: نمير الخزاعي زالد مالك بن نمير له صحبة وقال البغوي: لا أعلم له حديثا مسندا غيره.تهذيب الكمال 7/362.
5 حديث وائل بن حجر أخرجه أحمد "18858" وأبو داود "727" والنسائي 2/126-127 وحديث نمير أخرجه أحمد "15866" وأبو داود "991" والنسائي 3/39.
6 أخرج مسلم "580" "114" عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس وضع يديه على ركبتيه ورفع اصبعه اليمنى التي تلي الإبهام. فدعا بها ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها.
7 أخرجه البخاري "831" ومسلم "402".
8 في "ص": كخبر.

(2/207)


وظاهر كلامهم، أنه إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين: ينوي
ـــــــ
اعلم أن الصحيح من المذهب أن الواجب المجزئ من التشهد الأول من "التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" جزم به في الوجيز وغيره، وقدمه ابن تميم وغيره، قال الزركشي اختاره القاضي والشيخان انتهى، قلت اختاره الشيخ في المغني1، والمجد في شرحه، وابن رزين في شرحه، وغيرهم، زاد بعضهم والصلوات زاد ابن تميم وتبعه المصنف في حواشي المقنع وبركاته ورأيتها في المغني1 في نسخة جيدة، وزاد بعضهم والطيبات وذكر الشيخ في المغني1 والشارح وابن رزين في شرحه وغيرهم السلام معرفا، وهو قول في الرعاية وذكره ابن منجى في شرحه في السلام الأول. وقال في الرعاية الكبرى: لو أسقط "أشهد" الثانية ففي الإجزاء وجهان، والمنصوص الإجزاء. وقال أيضا: لو ترك من تشهد ابن مسعود ما لا يسقط المعنى بتركه صح، نص عليه، وقيل لا يصح. وقال أيضا: وما سقط في بعض الروايات من لفظ أجزأ غيره، وقيل: إن ترك حرفا من تشهد ابن مسعود إلى عبده ورسوله عمدا حتى سلم لم تصح صلاته، وإن تركه سهوا وأتى به صحت انتهى.
وقال القاضي أبو الحسين في التمام: إذا خالف الترتيب في ألفاظ التشهد الأول فهل يجزيه، على وجهين انتهى، وقيل الواجب جميع ما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو الذي في التلخيص وغيره، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، لاقتصارهم على ذكره كاملا.
وقولهم: إنه واجب هو أحد القولين اللذين أطلقهما المصنف، قال ابن حامد: رأيت جماعة من أصحابنا يقولون: لو ترك واوا أو حرفا أعاد الصلاة، قال الزركشي: هذا قول جماعة منهم ابن حامد وغيره، انتهى. وقال الشارح لما نقل كلام القاضي من أنه إن أسقط لفظة ساقطة في بعض التشهدات المروية صح: في هذا القول نظر في أنه
ـــــــ
1 2/202.

(2/208)


النساء في زمننا ومن لا شركة له في صلاته، خلافا لأكثر الحنفية، لقوله عليه السلام: "أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض" 1.
والأولى تخفيفه، وكذا عدم الزيادة عليه "و م هـ" ونصه فيها2: أنه إذا زاد أساء, ذكره في الجامع وكره القاضي التسمية أوله، واختار ابن هبيرة تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "و ش" واختاره الآجري، وزاد: وعلى آله، وذكر
ـــــــ
يجوز أن يجزئ بعضه عن بعض على سبيل البدل كقولنا في القرآن، ولا يجوز أن يسقط ما في بعض الأحاديث إلا أن يأتي بما في غيره من الأحاديث انتهى، قلت وهو قوي جدا.
إذا علمت ذلك فقول المصنف: قيل: لا يجزئ غيره هو قول ابن حامد ومن تابعه، لكن الذي يظهر أن في عبارة المصنف نظرا، إذ ظاهرها أنه لو أتى بتشهد ابن عباس، أو أبي موسى أو غيرهما من التشهدات المروية كاملا أنه لا يجزئ على هذا القول، وهو بعيد جدا، بل هذا القول هو قول ابن حامد وأنه إذا أتى بتشهد ابن مسعود لا بد من الإتيان به كله، والله أعلم، لا أنه لا يجزئ غيره.
وأما القول الثاني: فهو ما إذا أتى بالألفاظ المتفق عليها فيجزئ وإن كان الساقط ثابتا في حديث ابن مسعود أو غيره، وهذا هو الصحيح من المذهب، لكن ما ذكره الشارح من النظر فيه قوة جدا والله أعلم.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 207.
2 بعدهه في "ط": أنه إذا زاد.

(2/209)


جماعة لا بأس بزيادة: "وحده لا شريك له" ، وقيل: قولها أولى. وفي الوسيلة رواية: تشهد ابن مسعود، وتشهد ابن عباس سواء وليس خبر ابن عباس بأفضل "ش" وتشهد ابن عباس "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله" إلى آخره، ولفظ مسلم1
"وأشهد أن محمدا رسول الله" ولا تشهد عمر "م" وهو "التحيات لله الزاكيات الطيبات. الصلوات لله، سلام عليك" 2 إلى آخره.
ويكرره مسبوق، فإن سلم إمامه قام ولم يتمه. ويشير بالسبابة في تشهده "هـ" مرارا لتكرار التوحيد عند ذكر الله "و م ش" وعنه: كل تشهده.
ولا يحركها في الأصح، لأنه عليه السلام كان لا يحركها3، وقيل: هل يشير بها عند ذكر الله ورسوله فقط أم كل تشهده؟ فيه روايتان، وذكر جماعة أنه يشير بها، ولم يقولوا مرارا، وظاهره مرة وكذا هو ظاهر ما في كلام أحمد، والأخبار، ولعله أظهر، وفاقا للشافعية، والمراد سبابة اليمنى، لفعله عليه السلام، وظاهره لا بغيرها ولو عدمت "و ش" ويتوجه احتمال، لأن علته التنبيه على التوحيد،
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في صحيحيه "402" "60".
2 أخرجه مالك في الموطأ 1/90.
3 أخرج أبو داود "989" والنسائي 3/37 عن عبد الله بن الزبير أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها.

(2/210)


ويشير بها إذا دعا في صلاة أو في غيرها، نص عليه، قال الآجري: لا بغير سبابته لنهيه عليه السلام في خبر أبي هريرة1، ولأحمد2 عن أنس أنه عليه السلام مر بسعد وهو يدعو بأصبعين فقال: "أحد يا سعد" .رواه أبو داود، والنسائي من حديث سعد3، وللترمذي4، وحسنه، معناه من حديث أبي هريرة، وهو معنى كلام صاحب المحرر وغيره. وفي الغنية يديم نظره إليها كل تشهده، لخبر لا يصح، لكن فيه خبر ابن الزبير، رواه أحمد وأبو داود والنسائي5 إسناده جيد، وعزاه ابن الجوزي إلى مسلم، كذا قال.
ثم ينهض في ثلاثية أو رباعية مكبرا "و" لا بعد قيامه "م" ولا يرفع يديه "و" وعنه بلى. اختاره صاحب المحرر وحفيده، وشيخنا، وهي أظهر، فيصلي الباقي كذلك، لكنه يسر "و" ولا يزيد على الفاتحة "و" وعنه بلى، وعنه يجوز، والفرض والنفل سواء في ظاهر كلامهم، وعند الحنفية كل شفع صلاة على حدة، والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة فيستفتح، ويقرأ في
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرج النسائي 3/38 أن رجلا كان يجعو بإصبعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحد أحد".
2 في مسنده 12901.
3 أبو داود 1499 النسائي 3/38.
4 في سننه 2557.
5 تقدم تخريجه ص 210.

(2/211)


الأربع فصاعدا، ولا يؤثر فساد الشفع الثاني في الأول.
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأولى، والقياس تفسد الصلاة بترك القعدة الأولى، وبه قال محمد وزفر، وقال "هـ" وأبو يوسف لا تفسد، لأنها فرض لغيرها وهو الخروج من الصلاة، فإذا قام إلى الثالثة لم يكن أوان الخروج، وحكى بعضهم هذا عن إمامنا والشافعي.
ولو صلى أربعا وقرأ في الأوليين وقعد ثم أفسد الأخريين بعد قيامه إلى الثالثة قضى ركعتين، بخلاف سنة الظهر، على وجه لهم لأنها
ـــــــ
.............

(2/212)


كصلاة واحدة كالظهر، ولهذا لا يصلي1 في القعدة الأولى، ولا يستفتح في الثالثة، ولا تبطل الشفعة والخيار بالانتقال إلى الشفع الثاني، ولا يصير خاليا بالزوجة بخلاف النفل المطلق في هذه الأحكام.
ولو لم يقرأ في الأوليين قضى ركعتين عند أبي حنيفة ومحمد لبطلان التحريمة عندهما، فلم يصح شروعه في الشفع الثاني، خلافا لأبي يوسف، وكذا الحكم عند محمد إن ترك القراءة في إحداهما، وعند أبي حنيفة لا2 لأنه مجتهد في ترك القراءة في ركعة ويأتي "إذا أوتر بثلاث هل يجلس عقيب الثانية"؟.
ـــــــ
1 يعني: على النبي صلى الله عليه وسلم.
2 ليست في "ط".

(2/213)


فصل: ثم يجلس متوركا،
يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويخرجهما عن يمينه، ويجعل أليتيه على الأرض، ثم يتشهد بالتشهد الأول، ثم يقول: "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" 3. ولا يجب هذا، بل تجزئ الصلاة على النبي
ـــــــ
.............
ـــــــ
3 أخرجه مسلم "405" "65" من حديث أبي مسعود الأنصاري.

(2/213)


صلى الله عليه وسلم في الأصح "و ش" وعنه الأفضل كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وعنه يخير: وعنه وآل إبراهيم، وكذا باركت. وفي جواز إبدال آل بأهل وجهان "م 19".
وآله, قيل: أتباعه على دينه، وقيل: أزواجه وعشيرته، وقيل: بنو هاشم "م 20" وقال شيخنا: أهل بيته، وإنه نص أحمد، واختيار الشريف أبي
ـــــــ
مسألة 19: : قوله وفي جواز إبدال آل بأهل وجهان، انتهى، وأطلقها المجد في شرحه، وابن تميم في مختصره، وابن أبي الفتح في مطلعه، وابن عبيدان في شرحه، وصاحب الرعاية ومجمع البحرين والفائق والزركشي وغيرهم.
أحدهما: يجوز، ويجزيه اختاره القاضي، وقال معناهما واحد، ولذلك لو صغر قيل أهيل، وقدمه ابن رزين، وهو ظاهر ما قدمه المصنف في حواشيه.
والوجه الثاني: لا يجزيه، اختاره ابن حامد، وأبو حفص، لأن الأهل القرابة والآل الأتباع في الدين، وهو ظاهر ما قدمه في المغني1 والشرح2، فإنهما قالا آله أتباعه على دينه، وقيل آله الهاء منقلبة عن الهمزة، فلو قال وعلى أهل محمد مكان آل محمد أجزأه عند القاضي، وقال معناهما واحد، ولذلك لو صغرها قال أهيل، قال: ومعناهما جميعا أهل دينه. وقال ابن حامد وأبو حفص لا يجزئ كما فيه من مخالفة لفظ الأثر، وتغيير المعنى، فإن الأهل القرابة والآل الأتباع في الدين، انتهى، قلت الصواب عدم جواز إبدال آل بأهل، والله أعلم.
مسألة 20: قوله: وآله, قيل: أتباعه على دينه، وقيل: أزواجه وعشيرته، وقيل: بنو هاشم، انتهى.
أحدها أن آله أتباعه على دينه، وهو الصحيح، اختاره القاضي، وغيره من
ـــــــ
1 2/232.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/549.

(2/214)


جعفر، وغيره فمنهم بنو هاشم وفي بني المطلب روايتا زكاة، قال: وأفضل أهل بيته علي، وفاطمة، وحسن وحسين، الذين أدار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم الكساء، وخصصهم بالدعاء1 وظاهر كلامه في موضع آخر أن حمزة أفضل من حسن وحسين، واختاره بعضهم. وله الصلاة على غيره، منفردا نص عليه، وكرهها جماعة "و م ش" وحرمها أبو المعالي واختاره شيخنا مع الشعار.
ـــــــ
الأصحاب، قاله المجد في شرحه، وقدمه الشيخ المغني2 والشارح، والمجد وابن منجى وابن عبد القوي، وابن عبيدان، وابن رزين في شروحهم، وابن تميم، وابن حمدان في الرعاية الكبرى، وصاحب المطلع، وغيرهم.
والقول الثاني: هم أزواجه وعشيرته ممن آمن به، قيده به ابن تميم وغيره، وهو مراد غيره. والقول الثالث: هم بنو هاشم المؤمنون، وقيل: بنو هاشم وبنو المطلب، ذكره في المطلع، وقيل: هم أهله وقال في الفائق: آله أهل بيته في المذهب، اختاره أبو حفص، وهل أزواجه من آله؟ على روايتين، انتهى، وقد ذكر المصنف كلام الشيخ تقي الدين.
ـــــــ
1 أخرج "2424" عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلهها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 33] والمرحل: هو الموشى المنقوش عليه صور رحال الإبل.
2 2/232.

(2/215)


ثم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال" ، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 1 والتعوذ ندب "و" وعنه واجب.وعنه يعيد تارك الدعاء عمدا.
ويدعو بما أحب مما ورد ما لم يشق على مأموم أو يخف سهوا، وكذا في ركوع وسجود، والمراد وغيرهما، وعنه يكره وعنه في فرض، ويجوز بغيره من أمر آخرته، ولو لم يشبه ما ورد "و هـ" فسره أصحابه بما لا يستحيل سؤاله من العباد، نحو أعطني كذا وزوجني امرأة، وارزقني فلانة، فيبطل عندهم به، وعنه حوائج دنياه، وعنه وملاذ الدنيا، "و م ش" وعنه المنع مطلقا.
ويجوز لمعين على الأصح "و م ش" وقيل: في نفل وعنه يكره، والمراد بغير كاف الخطاب، كما ذكره جماعة، وإلا بطلت "م" لخبر تشميت العاطس
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1377" ومسلم "588" "130" من حديث أبي هريرة.

(2/216)


فقوله عليه السلام لإبليس "ألعنك بلعنة الله" 1 قبل التحريم، أو مؤول, وظاهر كلامهم لا تبطل بقول: لعنه الله, عند اسمه على الأصح "هـ ر".
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "542".

(2/217)


ولا صلاة من عوذ نفسه بقرآن لحمى، ونحوها، ولا من لدغته عقرب فقال: بسم الله، خلافا لأبي حنيفة أو صحابه، ولا بالحوقلة في أمر الدنيا، ووافق أكثرهم على قول بسم الله لوجع مريض عند قيام وانحطاط.
ثم يسلم عن يمينه جهرا: السلام عليكم ورحمة الله وكذا عن يساره سرا، وقيل فيهما العكس، وظاهر كلام جماعة يجهر، والأولى أكثر، وقيل يسرهما كمأموم، قال في المذهب: ومنفرد، لا تسليمة يتيامن فيها قليلا "م" ولا المأموم عن يمينه ثم يساره "م" وذكر جماعة يستقبل القبلة بالسلام عليكم،
ـــــــ
.............

(2/218)


وحذف السلام سنة1، فعنه الجهر بالأولى، وعنه ألا يطوله، ويمده في الصلاة، وعلى الناس "م 21" ويتوجه إرادتهما، ويجزمه، ولا يعربه، ويستحب التفاته عن يساره أكثر لفعله عليه السلام2.
ـــــــ
مسألة 21: قوله: وحذف السلام سنة فعنه الجهر بالأولى وعنه أنه لا يطوله ويمده في الصلاة وعلى الناس، انتهى، هذا الخلاف في معنى حذف السلام وأطلقهما ابن تميم أيضا:
إحداهما: حذف السلام هو ألا يطوله، ويمده في الصلاة وعلى الناس وهو الصحيح، جزم به في المغني3 والشرح4، وشرح ابن رزين وغيرهم.
والرواية الثانية: حذف السلام هو الجهر بالتسليمة الأولى، وإخفاء الثانية، قال في
ـــــــ
1 أخرج أبو داود "1004" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حذف السلام سنة" .
2 ذكره في مسائل الإمام أحمد برواية عبد الله 1/276 وينظر: المغني 2/247.
3 2/249.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/570.

(2/219)


ورحمة الله ركن في رواية وعنه: سنة "م 22" "و" ونصه في الجنازة. وفي التلخيص في وجوبها روايتان، وعدها الآمدي من الواجبات.
وإن نكسه، أو السلام في التشهد لم يجزه في الأصح "و م" وكذا إن نكره، "م" وقيل تنكيره أولى، والأولى أن لا يزيد وبركاته.
ويستحب نيته بسلامه الخروج من الصلاة وعنه: ركن، اختاره ابن حامد "ش م ر" وقيل: إن سها عنها سجد للسهو، وإن نواه مع الحفظة1
ـــــــ
التلخيص: والسنة أن تكون التسليمة الثانية أخفى، وهو حذف السلام في أظهر الروايتين.
انتهى.
مسألة 22: قوله، ورحمة الله ركن في رواية، وعنه سنة، انتهى، وأطلقهما في المغني2، والكافي3، والتلخيص، والبلغة والمحرر، والشرح4، ومختصر ابن تميم، والزركشي وغيرهم.
إحداهما في ركن، وهو الصحيح، صححه في المذهب، قال الناظم: وهو الأقوى، قال ابن منجى في شرحه هذا المذهب، انتهى، واختاره أبو الخطاب، وابن عقيل، وابن البناء في عقوده، وغيرهم، وقدمه في
ـــــــ
1 الحفظة المحركة
: الذين يحصون أعمال العباد من الملائكة وهم الحافظون. القاموس: حفظ.
2 2/244.
3 1/319-320.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/566.

(2/220)


والإمام والمأموم فنصه يجوز، وقيل: تبطل، للتشريك، وقيل يستحب "و هـ ش" وقيل: بالثانية "م 23".
ـــــــ
الهداية، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والخلاصة، والمقنع1، والهادي، والرعايتين، والحاويين، وغيرهم، والرواية الثانية قولها سنة، اختاره القاضي والمجد في شرحه وقدمه في الفائق.
مسألة 23: قوله: وإن نواه مع الحفظة، والإمام، والمأموم فنصه يجوز، وقيل تبطل للتشريك، وقيل يستحب، وقيل بالثانية، انتهى. المنصوص عن الإمام أحمد هو الصحيح وهو الجواز، قال في التلخيص لم تبطل على الأظهر، واختاره الآمدي، وغيره، وقدمه في الرعايتين، ومختصر ابن تميم، والحاويين، والفائق، والزركشي، والمغني2، والشرح3، وشرح ابن رزين، ونصره قال المجد في شرحه هذا الصحيح، واستدل له بأدلة كثيرة وظاهر كلامه في الرعاية الصغرى والحاويين أن محل الخلاف إذا لم ينو الخروج، أما إذا نوى الخروج مع الحفظة والمأموم فإنها تصح، قولا واحدا عند هؤلاء، والله أعلم. وقال في المستوعب: نص أحمد على صحة صلاته، واختلف أصحابنا على وجهين إذا لم ينو الخروج. وقال الآمدي: إن نوى الخروج مع السلام على الحفظة والإمام والمأموم جاز، ولم يستحب، نص عليه، وفيه وجه يستحب. وقال أيضا لا يختلف أصحابنا أنه ينوي بالأولى الخروج فقط، وفي الثانية وجهان، أحدهما كذلك، والثاني يستحب أن يضيف إلى ذلك نية الحفظة، ومن معه، انتهى. وقال أبو حفص العكبري: السنة أن ينوي بالأولة الخروج، وبالثانية الحفظة ومن معه، إن كان في جماعة، انتهى.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/566.
2 2/251.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/572.

(2/221)


ونيته دون نية الخروج, قيل: تبطل، لتمحضه خطاب آدمي "م 24" والأشهر يجوز، وعنه لا يترك السلام على إمامه، وقيل: تبطل بتركه، وقيل: ينوي الخروج بالأولة، وبالثانية الحفظة، ومن صلى معه، وقيل: عكسه.
وإن وجبت الثانية اعتبر نية الخروج فيها, وإن كانت صلاته ركعتين جلس مفترشا بعدهما وأتى بما سبق في التشهد الثاني.
والمرأة كالرجل فيما سبق، لكن تجمع نفسها، وتجلس متربعة، أو تسدل رجليها عن يمينها، ونصه سدلها أفضل، ولا تجلس كالرجل "م ش" ويستحب رفع يديها "و م ش" وعنه: قليلا وعنه: يجوز، وعنه: يكره.

(2/222)


فصل: وينحرف الإمام إلى المأموم جهة قصده،
وإلا فعن يمينه، فإن مكث
ـــــــ
مسألة 24: ونيته دون نية الخروج قيل تبطل، لتمحضه خطاب آدمي، والأشهر هو الصحيح من المذهب، قال المجد في شرحه: والصحيح أنها لا تبطل، كمنصوص أحمد في التي قبلها، وقدمه في المذهب، والمستوعب والمحرر والرعايتين، والحاويين، والفائق وغيرهم، وقيل تبطل، اختاره ابن حامد، قال المجد في شرحه: وكان ابن حامد يقول تبطل صلاته هنا، وجها واحدا، لأنه تمحض خطاب آدمي، بخلاف ما إذا نوى الخروج مع الحفظة على أحد الوجهين، لأنه لم يتمحض خطاب آدمي، ورده المجد.

(2/222)


كثيرا, وعنه قليلا وليس ثم نساء ولا حاجة كره، فينصرف المأموم إذن، وإلا استحب ألا ينصرف قبله.
ويستغفر ثلاثا، ويذكر بعدهما كما ورد عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار أن يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" .
وعن ثوبان1: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم استغفر ثلاثا، ويقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" .
وعن عبد الله بن الزبير: أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه فخدمه إلى أن مات. "ت 54هـ". السير 3/15 الإصابة 2/29.

(2/223)


وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" . قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة. رواهن مسلم1.
وعن ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة، كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير2.
وعن المغيرة بن شعبة أنه كتب إلى معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" . ثم وفدت على معاوية فوجدته يأمر الناس بذلك. متفق على ذلك3.
وعن كعب بن عجرة4: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة" 5.
وفي الصحيحين6 من حديث أبي هريرة: "تسبحون، وتحمدون،
ـــــــ
ـــــــ
ـــــــ
1 حديث عائشة برقم "592" وحديث ثوبان برقم "591" وحديث ابن الزبير برقم "594".
2 أخرجه البخاري "841", "842" ومسلم "583".
3 البخاري "844" ومسلم "593" "137".
4 أبو محمد كعب بن عجرة بن أمية بن عدي الأنصاري السالمي المدني شهد المشاهد كلها. "ت 51هـ". سير أعلام النبلاء 3/52. الأعلام 5/227.
5 أخرجه مسلم "596".
6 البخاري "843" ومسبم "595" "142".

(2/224)


وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين" .
وللبخاري1 في رواية: "تسبحون في دبر كل صلاة عشرا، وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا" .
ولمسلم2 أيضا: "إحدى عشرة إحدى عشرة " .
وله3 أيضا: "من سبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" .
ولمسلم4 عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "تسبح خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتكبر ثلاثا وثلاثين، وتحمد ثلاثا وثلاثين" .
وللترمذي والنسائي5 عن ابن عباس قال: جاء الفقراء، فقالوا: يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم أموال يعتقون ويتصدقون؟ قال: فإذا صليتم فقولوا: "سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة، والله أكبر أربعا وثلاثين مرة، ولا إله إلا الله عشر مرات فإنكم تدركون من سبقكم، ولا يسبقكم من بعدكم" .
وفي البخاري6 عن ابن عباس في قوله {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40]
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في صحيحيه "6329".
2 في صحيحه "595" "143" من حديث أبي هريرة.
3 في صحيحه "597" "146".
4 في صحيحه "595" "142".
5 الترمذي "410" النسائي 3/78.
6 في صحيحه "4852".

(2/225)


قال: أمره أن يسبح في أدبار الصلاة كلها.
وعن زيد بن ثابت قال: أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبر أربعا وثلاثين، فأتى رجل من الأنصار في المنام فقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة كذا وكذا؟ قال الأنصاري: نعم، قال فاجعلوها خمسا وعشرين، خمسا وعشرين، واجعلوا فيها للتهليل، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فافعلوا" . إسناده جيد، رواه أحمد والنسائي1، وعنده أمروا بدل أمرنا.
ولأحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه2 عن عبد الله بن عمر مرفوعا "خلتان" وفي رواية "خصلتان من حافظ عليهما أدخلتاه الجنة وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل" قالوا وما هما يا رسول الله قال: "أن تحمد الله وتكبره وتسبحه في دبر كل صلاة مكتوبة عشرا عشرا، وإذا أويت إلى مضجعك تسبح الله وتكبره وتحمده مائة، فتلك خمسون ومائتان باللسان، وألفان وخمسمائة في الميزان فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة" ؟ قالوا: كيف من يعمل بهما قليل؟ قال: "يجيء
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أحمد "21600" النسائي 3/76.
2 أحمد "6497" أبو داود "6065" الترمذي "3410" النسائي 3/84 ابن ماجه "936".

(2/226)


أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا، فلا يقولها، ويأتيه عند منامه فينومه فلا يقولها" . قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهن بيده.
وذكر في المذهب والمستوعب وغيرهما أنه يسبح ثلاثا وثلاثين، ويحمد كذلك، ويكبر أربعا وثلاثين قال: ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.
وفي المستوعب وغيره وهو حي لا يموت، بيده الخير كذا قالوا، واتباع السنة أولى.
وعن شهر بن حوشب1 عن عبد الرحمن بن غنم2، وعن أبي ذر مرفوعا: "من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله" . رواه الترمذي3. وقال حسن صحيح.
وقال في المذهب وغيره: يستحب هذا في الفجر فقط، بناء على ما
ـــــــ
ـــــــ
ـــــــ
1 هو: أبو سعيد شهر بن حوشب الأشعري الشامي مولى الصحابية أسماء بنت يزيد من كبار علماء التابعين. "ت 100هـ". السير 4/372 الأعلام 3/178.
2 هو: عبد الرحمن بن غنم بن كريز الأشعري شيخ أهل فلسطين. "ت78هـ" سير أعلام النبلاء 4/54.
3 في سننه "3474".

(2/227)


رواه من الخبر "وشهر" متكلم فيه جدا واختلف عنه، فروي كما سبق، ورواه النسائي في اليوم والليلة1 كذلك ورواه أيضا عنه2 عبد الرحمن بن غنم عن معاذ مرفوعا. ورواه أحمد3 عنه عن عبد الرحمن بن غنم مرفوعا، وقال فيه "صلاة المغرب والصبح" ولهذا مناسبة ويكون الشارع شرعه أول النهار، وأول الليل، لتحرس به من الشيطان فيهما، وله شاهد يأتي, وعبد الرحمن مختلف في صحبته.
ويتوجه أن قوله قبل أن يتكلم أي بالكلام الذي كان ممنوعا منه في الصلاة، أو يكون المراد قبل أن يتكلم مع غيره كما يأتي في التعوذ من النار.
قال في المستوعب وغيره: ويقرأ آية الكرسي، ولم يذكره جماعة وظاهر الأول ولو جهرا، ولعله غير مراد لعدم نقله، واختار شيخنا سرا، لخبر محمد بن حمير عن محمد بن زياد عن أبي أمامة: "من قرأ آية الكرسي, وقل هو الله أحد, دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت" . إسناده جيد، وقد تكلم فيه، ورواه الطبراني وابن حبان في صحيحه4 وكذا صححه صاحب المختارة من أصحابنا.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 برقم "127".
2 النسائي في عمل اليوم والليلة "126".
3 في مسنده "17990".
4 الطبراني في الأوسط "8068" ولم نجده عند ابن حبان في صحيحه.

(2/228)


قال بعضهم: ويقرأ المعوذتين، وهو متجه، ولم يذكره الأكثر، وزاد بعضهم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وعن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة. له طرق، وهو حديث حسن وصحيح، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي1، وقال غريب، قال بعض أصحابنا وفي هذا سر عظيم في دفع الشر من الصلاة إلى الصلاة وللنسائي2 عنه مرفوعا: "ما سأل سائل بمثلهما ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما" حديث حسن وعنه مرفوعا: "يا عقبة تعوذ بهما، فما تعوذ متعوذ بمثلهما" حديث حسن مختصر لأبي داود3، من رواية أبي إسحاق. وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما. رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حسن غريب4، وعن عبد الرحمن بن حسان عن مسلم بن الحارث التميمي عن أبيه، وقيل الحارث بن مسلم عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إليه فقال: "إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل: اللهم أجرني من النار سبع مرات" وفي رواية " قبل أن تكلم أحدا، فإنك إذا قلت ذلك ثم مت في ليلتك كتب لك جوار منها، وإذا صليت الصبح فقل مثل ذلك فإنك إذا مت من يومك كتب لك جوار منها" قال الحارث أسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نخص بها إخواننا رواه أبو داود5
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أحمد "17792" أبو داود "1523" النسائي 3/68 الترمذي "2903".
2 في المجتبى 8/254.
3 في سننه "1463".
4 النسائي 8/271 ابن ماجه "3511" الترمذي "2058".
5 في سننه "5079".

(2/229)


وعبد الرحمن تفرد عن هذا الرجل، فلهذا قال الدارقطني لا يعرف، وكذا رواه أحمد1. وفي لفظ "قبل أن تكلم أحدا من الناس" .
وعن عمارة بن شبيب2 مرفوعا: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات على إثر المغرب بعث الله له مسلحة3 يحفظونه حتى يصبح، وكتب له عشر حسنات موجبات، ومحا عنه عشر سيئات موبقات، وكانت له بعدل عشر رقاب مؤمنات" . رواه الترمذي وقال: غريب ورواه النسائي في اليوم والليلة، ورواه أيضا فقال عمارة بن شبيب إن رجلا من الأنصار حدثه فذكر نحوه، وإسنادهما جيد4، وقيل: ابن شبيب لا صحبة له، وتفرد عنه أبو عبد الرحمن الجبلي، ويتوجه أن هذا ليس بدون خبر أبي ذر5، ويتوجه له، حيث ذكر العدد في ذلك فإنما قصد أن لا ينقص منه، أما الزيادة فلا تضر، لا سيما عند غير قصد، لأن الذكر مشروع في الجملة، فهو يشبه المقدر في الزكاة إذ زادا عليه.
ويفرغ من عدد التسبيح والتحميد والتكبير معا، لقول أبي صالح السمان6
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في مسنده "18054".
2 عمارة بن شبيب السبئي وقيل: عمار مختلف في صحبته. له حديث واحد وهو المذكور أعلاه. تهذيب الكمال 21/247.
3المسلحة بالفتح: القوم ذوو سلاح. القاموس: سلح وهو كناية عن الحفظ والحياطة.
4 الترمذي "3534" والنسائي في "عمل اليوم والليلة" "577".
5 سلف تخريجه ص 227.
6 هو: أبو صالح ذكوان بن عبد الله السمان مولى أم المؤمنين جويرية كان من كبار علماء المدينة. "ت101هـ" السير 5/36.

(2/230)


راوي الخبر عن أبي هريرة في الصحيحين1، وعنه: يخير بينه، وبين إفراد كل جملة، واختار القاضي الإفراد لما سبق، ويعقده والاستغفار بيده، نص عليه.
وهل يستحب الجهر بذلك كقول بعض السلف والخلف، وقاله شيخنا أم لا، كما ذكر أبو الحسن بن بطال وجماعة أنه قول أهل المذاهب المتبوعة وغيرهم. ظاهر كلام أصحابنا مختلف ويتوجه تخريج واحتمال يجهر لقصد التعليم فقط "م 25" ثم يتركه "و ش" وحمل الشافعي خبر ابن عباس1 على هذا، وذكر شيخنا أن بعض الناس لا يستحب بعدها ذكرا، ولا دعاء.
ويدعو الإمام بعد الفجر والعصر لحضور الملائكة فيهما فيؤمنون على
ـــــــ
مسألة 25: قوله: وهل يستحب الجهر بذلك يعني بالتسبيح والتحميد والتكبير ونحوه في دبر الصلوات، كقول بعض السلف والخلف "قاله شيخنا أم لا" كما ذكره ابن بطال وجماعة أنه قول أهل المذاهب المتبوعة وغيرهم، ظاهر كلام أصحابنا مختلف ويتوجه تخريج، واحتمال يجهر لقصد التعليم فقط، انتهى.
هذه المسألة ليس للأصحاب فيها كلام، كما قال المصنف، قلت الصواب الإخفات في ذلك، وكذا كل ذكر، والقول الأول ظاهر حديث عبد الله بن عباس أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه 224.

(2/231)


الدعاء1 والأصح وغيرهما، جزم به صاحب المحرر وغيره، ولم يستحبه شيخنا بعد الكل، لغير أمر عارض كاستسقاء، واستنصار، قال: ولا الأئمة الأربعة، قال في المستوعب وغيره: ويستقبل المأموم، وفي كراهة جهره به روايتان، وقيل: إن قصد التعليم وإلا خفض، كمأموم ومنفرد "م 26".
ولا يجب الإنصات له، خلافا لابن عقيل, ولا يكره أن يخص نفسه بالدعاء في المنصوص، ويتوجه احتمال بالمنع. وفي الغنية خانهم،
ـــــــ
مسألة 26: ويدعو الإمام، بعد الذكر المتقدم ذكره، وفي كراهة جهره به روايتان، وقيل: إن قصد التعليم، وإلا خفض، كمأموم ومنفرد، انتهى.
إحداهما لا يكره قدمه ابن تميم، فقال ويرفع صوته بحيث يسمع المأموم، وفيه وجه لا يجهر به إلا أن يقصد تعليم المأموم، وفيه آخر يكره الجهر به مطلقا، ذكره القاضي وغيره، انتهى. وقال في الرعاية الكبرى: ويدعو كل مصل عقيب كل صلاة سرا، وقال بعد ذلك بأسطر: ويدعو ويسمعه المأموم، وقيل إن أراد أن يعلمه وإلا خفض صوته كالمأموم والمنفرد، وقيل يكره الجهرية مطلقا. وقال في أواخر ما يبطل الصلاة ويكره رفع الصوت بالدعاء في الصلاة وغيرها، كما سبق دون الإلحاح فيه، انتهى، قلت وهذا هو الصواب. وقال في الفصول آخر الجمعة الإسرار بالدعاء عقيب الصلاة أفضل، انتهى. وقال المجد في شرحه: ويستحب للإمام أن يخفي الدعاء عقيب الصلاة لظاهر هذا الخبر، وذكره، ولقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55] وقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} وإن جهر به أو ببعضه أحيانا ليعلمه من يسمعه، أو لقصد صحيح سوى ذلك فحسن، انتهى.
ـــــــ
1 أخرج البخاري "555" ومسلم "632" "210" عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر..." الحديث.

(2/232)


لخبر ثوبان: "ثلاثة لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل. ولا يصلي وهو حاقن حتى يتخفف" إسناده جيد، رواه أبو داود والترمذي1، وحسنه، من رواية إسماعيل بن عياش، عن حبيب بن صالح الحمصي.
وروى ابن ماجه2 فضل الدعاء من رواية بقية عن حبيب ولأبي داود3 من حديث أبي هريرة معناه بإسناد حسن وفيه "ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم" والمراد وقت الدعاء عقيب الصلاة بهم، ذكره في الغنية، قال شيخنا: المراد الدعاء الذي يؤمن عليه، كدعاء القنوت، فإن المأموم إذا أمن كان داعيا4. قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس:89] وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمن، فإن المأموم إنما أمن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما، فإن لم يفعل فقد خان الإمام المأموم.
ومن أدب الدعاء بسط يديه، ورفعهما إلى صدره، ومرادهم وكشفهما أولى، ومثله رفعهما في التكبير روى أبو داود5 بإسناد حسن عن
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أبو داود "90" الترمذي "357".
2 في سننه "933".
3 في سننه "91".
4 ليست في الأصل.
5 في سننه "1486".

(2/233)


مالك بن بشار مرفوعا: "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها" . ورواه أيضا1 من حديث ابن عباس وهو ضعيف.
وفيه: الأمر بمسح الوجه.
وفيه: المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما والاستغفار أن نشير بأصبع واحدة، والابتهال أن تمد يديك جميعا.
ورفع يديه2، وجعل ظهورهما مما يلي وجهه وقد رواه الحاكم3 ولأحمد4 عن يزيد عن حماد، عن ثابت، عن أنس: أنه عليه السلام كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض. حديث صحيح، ومراده أحيانا، لرواية أبي داود5، عنه: رأيته عليه السلام يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما وفي الاستسقاء6، وهو ظاهر كلام شيخنا، أو مراده دعاء الرهبة على ما ذكر ابن عقيل وجماعة أن دعاء الرهبة بظهر الكف، كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، مع أن بعضهم ذكر فيه وجها،
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أي: أبو داود في سننه "1485".
2 معطوف على قوله: "ومن أدب الدعاء بسط يديه".
3 في المستدرك 1/536.
4 في مسنده "12239".
5 في سننه "1487".
6 معطوف على قوله: "ومراده: أحيانا".

(2/234)


وأطلق جماعة الرفع فيه، فظاهره كغيره، واختاره شيخنا، وقال: صار كفهما نحو السماء لشدة الرفع لا قصدا له وإنما كان بوجه بطنهما مع القصد، وأنه لو كان قصده فغيره أكثر وأشهر، قال: ولم يقل أحد ممن يرى رفعهما في القنوت أن يرفع ظهورهما، بل بطونهما.
ولأحمد1 بسند ضعيف عن خلاد بن السائب عن أبيه أنه عليه السلام كان إذا سأل الله جعل باطن كفيه إليه، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه.
والبدأة بحمد الله والثناء عليه. وقال شيخنا وغيره: وختمه به والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أوله وآخره، قال الآجري ووسطه لخبر جابر2 وسؤاله بأسمائه وصفاته بدعاء جامع مأثور، قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك. رواه أبو داود3 بإسناد جيد بتأدب وخشوع وخضوع بعزم ورغبة وحضور قلب ورجاء. وقال جماعة: "لا يستجاب من قلب غافل" رواه أحمد4 وغيره من حديث عبد الله بن عمر، ورواه الترمذي5 من حديث أبي هريرة، وفيهما
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في مسنده "16565".
2 أخرجه عبد الرزاق في المصنف "3117" وفيه: "فاجعلوني في وسط الدعاء وفي أوله وفي آخره".
3 في سننه "1482".
4 في مسنده "6655".
5 في سننه "3479".

(2/235)


"ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة" ويكون متطهرا مستقبل القبلة، ويلح، ويكرره ثلاثا. وفي الصحيحين1: أنه عليه السلام برك على خيل أحمس ورجالها خمسا.
ولا يسأم من تكرارها في أوقات، ولا يعجل. وفي الصحيحين2 أو في الصحيح عنه عليه السلام "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل" قالوا: وكيف يعجل يا رسول الله؟ قال: "يقول قد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء بل ينتظر الفرج من الله سبحانه فهو عبادة أيضا" . روى الترمذي3 عن ابن مسعود مرفوعا "سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج" . قال سفيان بن عيينة: لم يأمره بالمسألة إلا ليعطي، و"4عنه قال: لا يمنع أحدكم من الدعاء ما يعلمه من نفسه, فإن الله قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس, إذ قال {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي} [ص:79]4" وقد روى الترمذي5 وصححه من حديث عبادة: "ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم" ، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر؟ قال: "الله أكثر". ولأحمد6 من حديث أبي سعيد مثله، وفيه "إما أن يعجلها، أو يدخرها له في الآخرة، أو يصرف عنه من السوء مثلها" .
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 البخاري "3020" مسلم "2476" "137" من حديث جريربن عبد الله البجلي.
2 البخاري "6340" مسلم "2736" "89" من حديث أنس.
3 في سننه "3571".
4 ليست في الأصل و "س".
5 في سننه "3573".
6 في مسنده "11132".

(2/236)


ويجتنب السجع، أي قصده، وسئل ابن عقيل هل يجوز أن يقال في القرآن سجع؟ فأجاب بالجواز، كقوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:21] {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق:20] وكما في الشمس، والذاريات، و "ص "، قال ابن الصيرفي: لو سكت ابن عقيل عن هذا كان أحسن، وأجاب قبله بمثله الغزالي، وسأله صالح عن الاعتداء فقال: يدعو بدعاء غير1 معروف، وظاهر كلام بعضهم يكره الاعتداء في الدعاء، وحرمه شيخنا، واحتج بقوله تعالى {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] وبالأخبار فيه2. قال: ويكون في نفس الطلب، وفي نفس المطلوب, وفي الفصول في آخر الجمعة: الإسرار بالدعاء عقب الصلاة أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإفراط في
ـــــــ
تنبيه: قوله: وسأله صالح عن الاعتداء قال يدعو بدعاء معروف كذا في أكثر النسخ ووجد في بعضها يدعو بدعاء غير معروف وهو أولى لأنه طبق السؤال وعلى الأول يكون ابتداء كلام ومراده يدعو بدعاء معروف لا غير معروف.
1 لسيت في "ب" و "س".
2 من ذلك ما أخرجه أبو داود "96" أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال: أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء" .

(2/237)


الدعاء، وهو يرجع إلى ارتفاع الصوت1، وكثرة الدعاء، كذا قال.
ويبدأ بنفسه، قاله بعضهم، وقال بعضهم يعمم "م 27" وفي الصحيحين2 من حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحمة الله علينا وعلى موسى؛ لو صبر لرأى العجب" . قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه: "رحمة الله علينا وعلى أخي" . وفي الترمذي3 بإسناد صحيح. وقال حسن صحيح عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه، وعن أبي الدرداء مرفوعا "دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: ولك بمثل ذلك" . رواه مسلم4. ولأبي داود5: "قالت الملائكة: آمين، ولك بمثل ذلك" . وعن عبد الله بن عمر مرفوعا "أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب" . إسناده ضعيف، رواه أبو داود والترمذي6، وسبق حديث عائشة الذي رواه
ـــــــ
"مسألة 27" قوله ويبدأ بنفسه قاله بعضهم، وقال بعضهم: يعمم انتهى، قلت: الثاني أولى، ولو قيل: هو مخير كان متجها.
ـــــــ
1 أخرج البخاري "2992" ومسلم "2704" "44" عن أبي موسى قال: كنا مع رسول فكنا إذا أشرفنا على واد وهللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده".
2 البخاري "122" مسلم "2380" "172".
3 برقم "3385".
4 في صحيحه "2732" "76" "77".
5 في سننه "1534".
6 أبو داود "1535" الترمذي "1980".

(2/238)


أبو داود1.
وفي السنن: أنه سمع عليا رضي الله عنه يدعو فقال: يا علي، عم، فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض2. ويؤمن المستمع، وتأمينه في أثناء دعائه وختمه به متجه، للأخبار، وذكر شيخنا أيضا ختمه به.
ويكره رفع بصره، ذكره في الغنية من الأدب، وهو قول شريح وآخرين، وظاهر كلام جماعة، واختاره شيخنا في الأجوبة المصرية الأصولية لفعله عليه السلام "و م ش" قال: وذكر بعض أصحابنا خلافا بيننا في كراهته، قال شيخنا وما علمت أحدا استحبه، كذا قال، وصح عنه عليه السلام: أنه كان إذا خرج من بيته رفع نظره إلى السماء ودعا بالتعوذ المشهور3. وفي جامع القاضي رواية حنبل أنه يستحب في أذان وإقامة رفع وجهه إلى السماء، وكذا الإشارة بأصبعه في التشهد، قال وكذا يستحب الإشارة إلى نحو السماء في الدعاء.
ولمسلم4 من حديث المقداد5: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء وقال: "اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني" .
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في الصفحة 235.
2 لم نقف عليه.
3 يريد حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: ماخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أ, أظلم أو أجهل أو يجهل علي" . أخرجه أبو داود "5094", والترمذي "3427" وابن ماجه "3884".
4 في صحيحه "2055" "147".
5 هو: أبو الأسود المقداد عمرو بن ثعلبة القضاعي الكندي أحد السابقين أولين يقال له: المقداد بن الأسود لأنه ربي في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه شهد بدرا والمشاهد. "ت33هـ". السير 1/385.

(2/239)


وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع طرفه إلى السماء، وقال: "سبحان الله العظيم" . وإذا اجتهد في الدعاء قال: "يا حي يا قيوم" . رواه الترمذي1 من رواية إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف، ويأتي في صلاة الليل2 خبر ابن عباس في قراءته عليه السلام وهو ينظر إلى السماء. وقال الآجري فيه وفي الاعتداء في الجهر ورفع اليدين منكر، لا يجوز.
وشرطه3 الإخلاص، قال الآجري: واجتناب الحرام، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره أنه من الأدب. وقال شيخنا تبعد إجابته، إلا مضطرا أو مظلوما، قال وذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، وظاهر كلام بعضهم عكسه.
وانتظار الصلاة يأتي في آخر الجمعة4، ويأتي في أوائل ذكر أهل الزكاة5 سؤال الغير الدعاء.
ـــــــ
1 في سننه "3436".
2 ص 370.
3 أي: الدعاء.
4 3/193.
5 4/311.

(2/240)


فصل: شروط الصلاة
الوقت ثم ستر العورة ثم طهارة الحدث، وعند الحنفية على أصلهم هي أهم لأنها لا تسقط بعذر ما ثم طهارة الخبث
ـــــــ
.............

(2/240)


ثم استقبال القبلة ثم النية، وسبق ذلك1.
والشرط: ما يتوقف عليه الشيء، ولا يكون منه، والمراد ولا عذر. ومع العذر تصح الصلاة وهل يقضي؟ وسبق ذلك متفرقا وتسمى صلاة، ذكره أبو الخطاب وغيره فيمن عدم الطهور، واحتج بعدم بقية الشرائط، وبأن الله سماها صلاة، ثم أمر بالوضوء لها في آية المائدة، وذكر أبو المعالي قولا يقيمها تشبيها بالمصلي، كإمساكه في رمضان، وسبق ما يتعلق به
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ص 91 و 119 و 133.

(2/241)


أول اجتناب النجاسة1.
فأما إن اعتقد حصول الشرط كمن بنى على أصل الطهارة ولم يتبين خلافه ظاهرا، وكان في الباطن محدثا، أو ما تطهر به نجسا؛ فهل يقال: تصح صلاته ويثاب عليها لئلا يقضي إلى فوات الثواب كثيرا، لا سيما فيمن احتاج إلى كثرة البناء على الأصل، أم "2لا إعادة فقط2"، كما هو
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ص 96.
2 في الأصل: "الإعادة" و "س": إعادة.

(2/242)


ظاهر قولهم: المشروط عدمه لعدم شرطه؟ يتوجه احتمالان "م 28" وإن كان أحدهما أرجح، وقد قال ابن عقيل في مسألة كل مجتهد مصيب1: الجهالة بكذب الشهود وما شاكل ذلك من إقرار الخصم على سبيل التهزي ذلك مما لا يضاف إلى الحاكم به خطأ، ولهذا من جهل نجاسة ماء فتوضأ به بناء على حكم الأصل، أو أخطأ جهة القبلة مع اجتهاده ولم يعلم، لا ينقص ثوابه ولا أجر عمله لحديث عمر رضي الله عنه
ـــــــ
مسألة 28: قوله: فأما أن اعتقد حصول الشرط كمن بنى على أصل الطهارة ولم يتبين خلافه ظاهرا وإن كان في الباطن محدثا أو ما تطهر منه نجسا فهل يقال تصح صلاته ويثاب عليها أم لا إعادة عليه فقط؟ يتوجه احتمالان انتهى.
قلت: الذي يقطع به أنه يثاب عليه، والعبادة صحيحة في الظاهر لا الباطن، وكلام ابن عقيل يدل على ذلك، والظاهر أنه أراد بقوله وإن كان أحدهما أرجح: ما قلناه، والقول بأنه لا يثاب قول ساقط، ثم وجدت ابن نصر الله قال: ارجحهما الصحة.
ـــــــ
1 الواضح 5/363.

(2/243)


في الميزاب1، كذا قال، وحديث عمر إنما يدل على أنه لا يلزم السؤال ولا الإجابة دفعا للحرج والمشقة المتكررة، وأين صحة العبادة وكمال أجرها مع عدم شرطها؟ ثم ابن عقيل بناه على اختياره هناك وفي المسألة خلاف سبق في الطهارة2.
وأركان الصلاة ما كان فيها، ولا يسقط عمدا ولا سهوا وهي:
القيام "و" وفي الخلاف والانتصار قدر التحريمة، وقد أدرك
ـــــــ
تنبيهان3
الأول: فوله بعد ذلك ولهذا من جهل نجاسة ماء فتوضأ به بناء على حكم الأصل, أو أخطأ جهة القبلة بزيادة ألف قبل الواو.
ـــــــ
1 لعله حديث الحوض وقد أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 1/250 عن يحى بن عبد الرحمن ابن حاطب: أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى ودوا حوضا فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: ياصاحب الحوض هل ترد حوضك السباع فقال: عمر ياصاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا.
2 1/88.
3 التنبيهان ليسا في "ط".

(2/244)


المسبوق فرض القيام ولا يضره ميل رأسه، قال أبو المعالي وغيره: حد القيام ما لم يصر راكعا، ولو قام على رجل لم يجزه، ذكره ابن الجوزي، وظاهر كلام غيره يجزيه، ونقل خطاب بن بشير1 لا أدري.
"2والإحرام بلفظه2"، وسبق تعيينه، وليس بشرط بل من الصلاة، نص عليه وعند الحنفية شرط، ولهذا يعتبر له شروطها، فيجوز عندهم بناء النفل على تحريمة الفرض، حتى لو صلى الظهر صح إلى النفل بلا إحرام جديد، ولو قهقه فيها أو طلعت الشمس فيها لم تبطل طهارته، ولا صلاته، ولا يحنث من حلف ليست من الصلاة، واحتجوا بقوله تعالى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15] وبقوله عليه السلام: "تحريمها التكبير" 3 ولا يضاف الشيء إلى نفسه.
ـــــــ
الثاني: قوله :"عند الحنفية...حتى لو صلى الظهر...إلى النفل" كذا وجد, وصوابه –والله أعلم – صح صرفه وانتقاله إلى النفل.
ـــــــ
1 هو: أبو عمر بن الخطاب بن بشر بن مطر البغدادي المذكر كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان صالحة. "ت264هـ" طبقات الحنابلة 1/152 المنهج الأحمد 1/243.
2 في "ط": بلفظه.
3 أخرجه أبو داود "61" والترمذي "3" وابن ماجه "275" من حديث علي والحديث بتمامه: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم".

(2/245)


والفاتحة على الأصح "هـ".
وركوعه "ع".
ورفعه منه "هـ".
واعتداله "و ش" فلو طوله لم تبطل "ش" وقال الحسن بن محمد الأنماطي1: رأيت أبا عبد الله يطيله، ويطيل بين السجدتين، لأن البراء أخبر: أنه عليه السلام طوله قريب قيامه وركوعه. متفق عليه2. وفي مسلم3 عن حذيفة في صلاته عليه السلام في الليل قال: ثم قال: "سمع الله لمن حمده"، ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد.
والسجدتان. وجلسته بينهما كرفعه واعتداله "و" إلا أنه يشترط رفع الرأس عند الحنفية لتحقق الانتقال، حتى لو تحقق الانتقال بدونه بأن سجد على وسادة فنزعت من تحت رأسه وسجد على الأرض جاز وأجاب القاضي وغيره بأنه لو وضع جبهته على مكان ثم أزالها إلى مكان فقد اختلف الفعلان لاختلاف المكانين، ومع هذا لا يجزيه. والطمأنينة في هذه الأفعال "هـ م ر" وهي السكون، وقيل بقدر الذكر الواجب وقيل:، بقدر ظنه أن مأمومه أتى بما يلزمه، وعند الحنفية الطمأنينة في غير الركوع والسجود وفيهما قيل سنة، وقيل: واجبة، يجب بتركها ساهيا سجود السهو
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ذكره أبو بكر الخلاء فقال: نقل عن أحمد مسائل صالحة. "طبقات الحنابلة" 1/138. المنهج الأحمد 2/90.
2 البخاري "801" ومسلم "471".
3 برقم 772.

(2/246)


والتشهد الأخير "م ر"1. وجلسته "و هـ م ش"2 لا بقدر التسليم "م" وعنه واجبان، وعنه سنة، وعنه التشهد، وأوجب أبو حنيفة التشهد الأخير، فيسيء بتركه عمدا، وإلا سجد للسهو، بناء على أصلهم في الواجب.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الأشهر عنه، اختاره الأكثر "و ش" وعنه واجبة، اختاره الخرقي. وفي المغني3 هي ظاهر المذهب، وعنه سنة، اختاره أبو بكر "و هـ م" كخارج الصلاة "و" إلا أن "م" أوجبها في الجملة، وأوجبها "هـ" خارجها، فقيل: مرة في العمر، وقيل: كلما ذكر.
والتسليمة الأولى "هـ" فعنده يخرج بما ينافيها، فيعتبر قصده وفعله له، وعند صاحبيه لا يعتبر ويعتبر السلام عليكم، لأنه المعهود المذكور، فلو قال: السلام عليك لم يصح "و ش" وغيره، والسلام من الصلاة في ظاهر كلامه، وقاله الأصحاب "هـ"4، وظاهره والثانية، وفيها في التعليق روايتان إحداهما منها، والثانية لا، لأنها لا تصادف جزءا منها إذا قالها، وهل الثانية ركن أو واجبة؟ فيه روايتان، وعنه سنة "و"
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في "ب": "م هـ ر" وفي "ط": "م ر".
2 في "ط": "و هـ م ش".
3 2/228.
4 ليست في "ب" و "ط".

(2/247)


اختاره الشيخ وعنه في النفل "م 29". والترتيب "وط.
وواجباتها التي تبطل بتركها عمدا وتسقط سهوا. وفي الرعاية أو جهلا نص عليه، ويجبره بالسجود "هـ ش" في غير التشهد الأول "م" فيه وفي الأخير.
ـــــــ
مسألة 29: قوله: وهل الثانية يعني التسليمة الثانية ركن أو واجبة فيه روايتان وعنه سنة، اختاره الشيخ، وعنه في النفل، انتهى.
إحداهن: هي ركن، وهو الصحيح جزم به في الهداية في عد الأركان، والمنور، قال في المذهب ركن في أصح الروايتين، وصححها المصنف في حواشي المقنع، وقدمه في التلخيص، والبلغة ومختصر ابن تميم، والرعايتين والحاويين، والنظم، وإدراك الغاية، والزركشي، وقال: اختاره أبو بكر، والقاضي، والأكثرون.
والرواية الثانية: هي واجبة، قال القاضي وهي أصح، وصححها ناظم المفردات، وجزم به في الإفادات، والتسهيل، وقدمه في الفائق قال القاضي في الجامع وهما واجبان، لا يخرج من الصلاة بغيرهما، وهذا ظاهر في الوجوب ضد الركن، والله أعلم.
وعنه: أنها سنة، جزم به في العمدة، والوجيز، واختاره الشيخ الموفق في المغني1، وقال إنه اختيار الخرقي، لكونه لم يذكره في الواجبات، واختاره الشارح أيضا، وابن عبدوس في تذكرته، وقدمه ابن رزين في شرحه، وقال إجماعا، وتبع في ذلك ابن المنذر، فإنه قال: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة، قال العلامة ابن القيم، وهذه عادة ابن المنذر أنه إذا رأى قول أكثر أهل العلم حكاه إجماعا، قلت وحكاية ابن رزين الإجماع فيه نظر، مع حكايته الخلاف عن أحمد بل هو متناقض.
ـــــــ
1 2/243.

(2/248)


التكبير لغير الإحرام. فلو شرع فيه قبل انتقاله، أو كمله بعد انتهائه، فقيل يجزيه للمشقة لتكرره، وقيل لا، كمن كمل قراءته راكعا، أو أتى بالتشهد قبل قعوده "م 30" وكما لا يأتي بتكبير ركوع أو سجود فيه، ذكره القاضي وغيره موقوفا "و" ويجزيه فيما بين الانتقال والانتهاء، لأنه في محله.
والتسميع والتحميد، وفيهما ما في التكبير.
والتسبيح راكعا وساجدا وعنه: الكل ركن، وعنه سنة "و".
وكذا قول: رب اغفر لي مرة، وعنه سنة "و ش" وقال جماعة: يجزئ اللهم اغفر لي. والتشهد الأول.
ـــــــ
مسألة 30: قوله: فلو شرع فيه يعني التكبير لغير الإحرام قبل انتقاله، أو كمله بعد انتهائه، فقيل: يجزيه، للمشقة لتكرره، وقيل: لا1 كمن كمل قراءته راكعا، أو أتى بالتشهد قبل قعوده، انتهى.
أحدهما: هو كمن كمل قراءته راكعا، أو أتى بالتشهد قبل قعوده فلا يصح، قدمه المجد في شرحه، وقال هذا قياس المذهب، وتبعه في مجمع البحرين، والحاوي الكبير، وجزم به في المذهب، قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
والقول الثاني: يجزيه للمشقة لتكرره، قال المجد في شرحه ومن تبعه، ويحتمل أن يعفى عن ذلك، لأن التحرز منه يعسر، والسهو به يكثر، ففي الإبطال به، أو السجود له مشقة، ومال إليه، قال في القواعد فيما إذا أدرك الإمام في الركوع، وهذه المسألة تدل على أن تكبيرة الركوع تجزئ في حال القيام، خلاف ما يقوله المتأخرون، انتهى. قال ابن تميم فيه وجهان، أظهرهما الصحة، وصححه المصنف في حواشي المقنع، قلت وهو الصواب.
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية و "ط" والمثبت من الفروع.

(2/249)


وجلسته كالتكبير "ق"1. وأوجب الحنفية جلسته، وبعضهم هو أيضا على أصلهم في الواجب، وكذا عندهم في تعيين القراءة في الأوليين.
ورعاية الترتيب في فعل متكرر في ركعة، كالسجدة، حتى لو ترك السجدة الثانية، وقام إلى الركعة الثانية لا تفسد صلاته.
وتعديل الأركان.
وإصابة لفظ السلام.
وقنوت الوتر.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في "ب" و "ط": و.

(2/250)


وتكبيرات العيدين.
والجهر والإسرار، والله أعلم.
والخشوع سنة ذكره الشيخ وغيره، ومعناه في التعليق وغيره، وذكر أبو المعالي وغيره وجوبه، ومراده والله أعلم في بعضها، وإن أراد في كلها فإن لم تبطل بتركه كما يأتي من كلام شيخنا فخلاف قاعدة ترك الواجب، وإن أبطل به فخلاف "ع" وكلاهما خلاف الأخبار، وما سوى ذلك سنة، لا تبطل الصلاة بتركه، وفي بعضه خلاف سبق.
ولا يختلف المذهب لا يجب السجود لسهوه، لأنه بدل عنها، وإن قلنا لا يسجد فسجد فلا بأس، نص على ذلك.
وفي استحباب السجود لسهوه روايات: الثالثة يسن لسنن الأقوال، لا لسنن الأفعال "م 32,31" "و م" فيما هو سنة عنده، وهو التسميع، والتكبير،
ـــــــ
مسألة 31: قوله: وفي استحباب السجود لسهوه يعني لسهو سنن الأفعال والأقوال روايات الثالثة يسن لسنن الأقوال لا لسنن الأفعال انتهى.
ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى 31: سنن الأقوال، وقد حكى الأصحاب أن فيها عن الإمام أحمد روايتين هل يسجد لسهوها أم لا، وأطلقهما المصنف، وصاحب الهداية، والمذهب والمستوعب والخلاصة، والمغني1، والكافي2، والمقنع3، والهادي، والتلخيص، والبلغة، والمحرر، وشرح المجد، والشرح3،
ـــــــ
1 2/388.
2 1/379.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/678.

(2/251)


والتشهدان، وجلوسهما، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والجهر، والإخفات، والسورة "و هـ" في الثلاثة الأخيرة، وتكبير العيد، والقنوت، "و ش" في القنوت، والتشهد الأول، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه عنده، وسمى أبو الفرج الواجب سنة اصطلاحا، وكذا قال ابن شهاب، كما سمى المبيت، ورمي الجمار، وطواف الصدر سنة وهو واجب.
ومن أتى بالصلاة على وجه مكروه استحب أن يأتي بها على وجه غير مكروه "و".
وإن ترك واجبا فسبق الكلام فيه، وعند الحنفية يجب أن يأتي بها كاملة. وقال في الانتصار وغيره: يجب الشيء بما ليس بواجب كالكفارة، وكالطهارة للنفل، فلا يمتنع مثله هنا، ويلزمه أن يعلم أن ذلك من الصلاة، ويأتي به، ويكفيه.
وإن ترك شيئا ولم يدر أفرض أم سنة لم يسقط فرضه للشك في صحته، وإن اعتقد الفرض سنة أو عكسه فأداها على ذلك لم يصح، لأنه بناها على اعتقاد فاسد، ذكره ابن الزاغوني، فظاهر كلامهم خلافه.
ـــــــ
وشرح ابن منجا، والمذهب لأحمد، والفائق، والحاويين في سجود السهو:
إحداهما: يشرع السجود لها، وهو الصحيح، صححه في التصحيح، وجزم به في المنور، ومنتخب الآدمي، وقدمه ابن تميم، وابن حمدان في رعايته، ومال إليه في مجمع البحرين.
والرواية الثانية: لا يشرع، قال في الإفادات: لا يسجد لسهوه، وهو ظاهر ما قدمه النظم، وإدراك الغاية، وتجريد العناية فإنهم قالوا يسن في رواية،

(2/252)


وقال أبو الخطاب: لا يضره، إن كان لا يعرف الركن من الشرط والفرض من السنة، ورد صاحب المحرر على من لم يصحح الائتمام بمن يعتقد أن الفاتحة نفل بفعل الصحابة، فمن بعدهم، مع شدة اختلافهم، فيما هو الفرض
ـــــــ
وقدمه ابن رزين في شرحه وصاحب الحاوي الكبير، في آخر صفة الصلاة، قال الزركشي الأولى تركه، وجزم به ابن عقيل في التذكرة.
المسألة الثانية 32: سنن الأفعال وقد أجرى المصنف الخلاف فيها كسنن الأقوال، وهو الصحيح، وعليه أكثر الأصحاب، وصرح به أبو الخطاب، وغيره، وطريقة الشيخ في المغني1 والكافي2 والمقنع3 أنه لا يسجد هنا قولا واحدا.
إذا علم ذلك فالصواب أن فيها أيضا روايتين، وقد ذكرها المجد في شرحه، وغيره، وأطلقهما في الهداية، والمذهب، والمستوعب، والخلاصة، والهادي، والتلخيص، والبلغة، والمحرر، وشرح المجد، وغيرهم.
إحداهما: لا يشرع السجود لذلك، وهو الصحيح، جزم به في المغني1، والكافي2، والمقنع3 قال الشارح والناظم تركه أولى. وقال القاضي في شرح المذهب وجزم به ابن عقيل في التذكرة، وقدمه في الفائق وغيره.
والرواية الثانية: يشرع السجود لها، قدمه في الرعايتين، ومختصر ابن تميم وغيرهما.
فهذه اثنتان وثلاثون مسألة قد فتح الله الكريم بتصحيحها.
ـــــــ
1 2/389.
2 1/379.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/681.

(2/253)


والسنة، ولأن اعتقاد الفرضية والنفلية يؤثر في جملة الصلاة، لا تفاصيلها، لأن من صلى يعتقد الصلاة فريضة، فأتى بأفعال يصح معها الصلاة بعضها فرض وبعضها نفل وهو يجهل الفرض من السنة أو يعتقد الجميع فرضا صحت صلاته "ع" وكذا قال الحنفية في حنفي اقتدى بمن يرى الوتر سنة يجوز لضعف دليل وجوبه، ذكره في مختصر البحر المحيط، وكذا عند المالكية متى أتى بالشرائط جاز الائتمام به، وإن لم يعتقد وجوبها وإلا لم يجز فالشافعي يمسح جميع رأسه سنة لا يضر اعتقاده، بخلاف ما لو أم في الفريضة بنية النافلة أو يمسح رجليه، قال بعض المالكية: إنما يمتنع فيما علم خطؤه، كنقض القضاء. وفي النصيحة للآجري يجب أن يتعلم حتى يعلم فرض الطهارة من السنة؛ وأن الواجبات المذكورات سنن، من ترك شيئا منها أو غيرها من السنن؛ كالأذان، والإقامة، والافتتاح، ورفع اليدين مع التكبير، والتورك عمدا أو جهلا أعاد، لأن من خالف السنة عصى،
ـــــــ
.............

(2/254)


وهذا الذي ذكره يشبه كلام المالكية، وعند المالكية أنه يجب التعلم، وأن صلاة الجاهل وإمامته لا تصح، واحتج صاحب الإكمال1 منهم بقوله عليه السلام للمسيء في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل"2.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 هو القاضي عياض رحمه الله والإكمال هو: "إكمال المعلم بفوائد المسلم" تاذي أكمل فيه القاضي عياض كتاب "المعلم" للقاضي المازري. وقد طبع كتاب الإكمال بتحقيق الدكتور يحى إسماعيل وصدر في تسعة مجلدات.
2 أخرجه البخاري "757" ومسلم "397" من حديث أبي هريرة.

(2/255)


باب ما يستحب في الصلاةأو يباح، أو يكره، أو يبطلها
مدخل
...
باب ما يستحب في الصلاةأو يباح، أو يكره، أو يبطلها
تستحب إلى سترة "و" ولو لم يخش مارا "م ر" وعند الحنفية لا بأس إذا، وأطلق في الواضح يجب من جدار، أو شيء شاخص، وعرضه أعجب إلى أحمد، لقوله عليه السلام: "ولو بسهم" 1. يقارب طول ذراع" "و" نص عليه يقرب منها، وبينه وبينها ثلاثة أذرع فأقل، نص عليهما، ينحرف عنها، وإن تعذر غرز عصا ووضعها، خلافا لأكثر الحنفية، فإن لم يجد خط خطا كالهلال، لا طولا2 "ش" قال غير واحد ويكفي، وعنه يكره الخط "و هـ م".
ويحرم، ذكره غير واحد من الحنفية. وفي الفصول والترغيب وغيرهما ويكره "و هـ" المرور بين يدي كل مصل وسترته ولو بعد منها "و ش" وكذا بين يديه قريبا في الأصح ش" وهو ثلاثة أذرع،
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه أحمد 15340 منحديث معبد الجهني.
2 قال أبو داود في سننه عقب حديث "960": وسمعت أحمد بن حنبل وصف الخط غير مرة فقال: هكذا يعني بالعرض حورا دورا مثل الهلال يعني: منعطفا.

(2/256)


وقيل: العرف، لا موضع سجوده ومسجد صغير مطلقا "هـ" ويتوجه من قولنا ولو صلى على دكان1 بقدر قامة المار لا بأس، وقاله الحنفية.
ويستحب رد المار "و" وينقص صلاته نص عليه، وحمله القاضي إن تركه قادرا، وعنه يجب رده، وإن غلبه لم يرده "و" وإن احتاج إلى المرور لم يرده، وقيل بلى.
وتكره الصلاة هناك ولا تحرم "هـ" وهل مكة كغيرها هاهنا؟ فيه روايتان "م 1" وفي المغني2 والحرم كمكة، ونقل بكر يكره المرور بين
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: وهل مكة كغيرها: يعني في المرور بين يدي المصلي والسترة، فيه روايتان، انتهى.
إحداهما: ليست كغيرها، بل يجوز المرور بين يدي المصلي فيها من غير سترة، ولا كراهة، وهو الصحيح، نص عليه، وجزم به في المغني3، والكافي4
ـــــــ
1 الدكان قيل: معرب ويطلق على الحانوت وعلى الدكة وهي المكان المرتفع يجلس عليها. المصباح: دكك.
2 3/90.
3 3/89.
4 1/444.

(2/257)


يديه إلا بمكة لا بأس به، وإن أبى دفعه "هـ" فإن أصر فله قتاله على الأصح، ولو مشى "م" فإن خاف فساد صلاته لم يكرر دفعه. ويضمنه على الأصح فيهما.
وإن مر بينه وبين سترته أو يديه قريبا وعنه في غير نفل، وعنه وجنازة كلب أسود بهيم، وعنه أو بين عينيه بياض بطلت "خ" وفي امرأة وحمار أهلي وشيطان روايتان، وكلامهم في الصغيرة
ـــــــ
والمذهب، والمجد في شرحه، والشارح، وصاحب التلخيص، والبلغة، والإفادات، والرعاية الصغرى، والحاويين، ومجمع البحرين، والنظم، وشرح ابن رزين، وغيرهم، واختاره الشيخ وغيره، وصححه ابن نصر الله في حواشيه، وقدمه ابن تميم، وصاحب الفائق.
والرواية الثانية: هي كغيرها.
"قلت" وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، قال المصنف في النكت قدمه غير واحد، وقدمه هو في حواشي المقنع. وقال في الرعاية الكبرى: لو مر دون سترته

(2/258)


يحتمل وجهين "م 2 - 4"
ـــــــ
في غير المسجد الحرام، ومكة، وقيل والحرم كلب أسود بهيم بطلت صلاته، وقال بعد ذلك بفصلين: وله رد المار أمامه دون سترته، وعنه في الفرض فقط، وقيل: يرده في غير المسجد الحرام ومكة، وقيل: والحرم، وعنه وفيهما، انتهى.
مسألة 2: قوله: وفي امرأة وحمار أهلي روايتان، وكلامهم في الصغيرة يحتمل وجهين انتهى، شمل كلامه مسائل.
المسألة الأولى 2: إذا مر بين يدي المصلي امرأة أو حمار أهلي فهل تبطل الصلاة بذلك أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في الهداية، وخصال ابن البناء، والمذهب، ومسبوك الذهب والخلاصة، والمقنع1، والتلخيص، والبلغة، والمحرر في الشرح1، والنظم، والرعايتين، والحاويين، ونهاية ابن رزين وغيرهم.
إحداهما: لا تبطل، وهو الصحيح، نقلها الجماعة عن الإمام أحمد وجزم به الخرقي، وصاحب المبهج، والوجيز، والإفادات، والمنور، ومنتخب الآدمي، وغيرهم قال في المغني2 والكافي3 في هذه الرواية هي المشهورة، قال الزركشي هي أشهرها، واختاره ابن عبدوس في تذكرته، وصححه في التصحيح، ونظم نهاية ابن رزين، وحواشي ابن نصر الله، قال في الفصول لا تبطل في أصح الروايتين، وقدمه في المغني2، والكافي3، وإدراك الغاية
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/648.
2 3/97.
3 1/442-443.

(2/259)


وليس وقوفه كمروره على الأصح، كما لا يكره بعير، وظهر رجل، ونحوه، ذكره صاحب المحرر.
ـــــــ
وشرح ابن رزين، وغيرهم.
والرواية الثانية: تبطل، اختاره المجد، ورجحه الشارح، ومال إليه في المغني1، وقدمه في المستوعب، ومختصر ابن تميم، وحواشي المقنع للمصنف وجزم به ناظم المفردات، واختاره الشيخ تقي الدين، وقال هو مذهب أحمد "قلت" وهو الصواب.
تنبيه: قوله: وحمار أهلي هو في نسخ صحيحة. وفي بعض النسخ لم يذكر أهلي، والصواب ذكرها، وهو الصحيح، وذكر أبو البقاء في شرح الهداية وجها بأن حمار الوحش كالأهلي، وقدمه في الرعاية الكبرى. وقال في النكت اسم الحمار إذا أطلق ينصرف إلى المعهود المألوف في الاستعمال، وهو الظاهر، ومن صرح به فالظاهر أنه صرح بمراد غيره، فليس في المسألة قولان، كما يوهمه كلامه في الرعاية، انتهى، "قلت" ليس الأمر كما قال، فقد ذكره أبو البقاء وجها كما تقدم، وذكره ابن رجب في قاعدة تخصيص العموم بالعرف، قال وللمسألة نظائر كثيرة، مثل ما لو حلف لا يأكل لحم بقر فهل، يحنث بأكل لحم بقر الوحش؟ على وجهين في الترغيب، وكذا لو حلف لا يركب حمارا فركب حمارا وحشيا هل يحنث أم لا؟ على وجهين وكذا وجوب الزكاة في بقر الوحش وما أشبهه، انتهى، كلامه في القواعد، ورأيت بخطه على شرح الهداية للمجد يقول: ولا فرق بين الحمار الوحشي والأهلي في ظاهر كلام أصحابنا، وحكى أبو البقاء في شرح الهداية عن الشريف أن في بعض نسخ المجرد ويقطع الحمار الأهلي، وذلك لأن الوحشي يخالفه من طهارته وإباحة أكله، فافترقا، انتهى، فظاهر كلامه هنا تقوية دخوله والله أعلم
المسألة الثانية 3: مرور الشيطان هل يقطع الصلاة أم لا؟ أطلق المصنف الخلاف، وجعله كمرور المرأة والحمار، وهو صحيح، ذكره كثير من الأصحاب،
ـــــــ
1 3/99, 100.

(2/260)


وفي سترة مغصوبة ونجسة وجهان "م 5 - 6" فالصلاة إليها كالمقبرة، قال
ـــــــ
منهم ابن تميم وغيره، وقدم في الرعاية الكبرى: أن مرور الشيطان لا يقطع الصلاة، وأطلق في المرأة والحمار الروايتين، وقدم في الشرح أيضا أنه لا يقطع، وإن قلنا يقطعها مرور المرأة والحمار، ثم قال: قال ابن حامد وهل يقطع الصلاة مرور الشيطان؟ على وجهين:
أحدهما: يقطع، وهو قول بعض أصحابنا.
والثاني: لا يقطع، اختاره القاضي، انتهى. "قلت" عدم القطع ظاهر كلام أكثر الأصحاب، لاقتصارهم على الثلاثة.
المسألة الثالثة 4: مرور الصغيرة هل هو كمرور المرأة أم لا؟ قال المصنف: كلام الأصحاب يحتمل وجهين، قال في النكت ظاهر كلام الأصحاب أن الصغيرة لا يصدق عليها أنها امرأة، فلا تبطل الصلاة بمرورها، وهو ظاهر الأخبار، قال وقد يقال يشبه خلوة الصغيرة بالماء، هل يلحق بخلوة المرأة؟ على وجهين "قلت" الصواب أن مرورها لا يقطع الصلاة، وإن قلنا تقطعها المرأة، وكلامه في النكت يدل على ذلك، فإن الصحيح من المذهب أن خلوتها لا تؤثر في الماء منعا، والذي يظهر أن قطع الصلاة بالمرأة والحمار لا يعقل معناه، بل هو تعبدي، فيقوى عدم قطعها للصلاة، وصححه ابن نصر الله أيضا في حواشيه.
مسألة 5: قوله: وفي سترة مغصوبة ونجسة وجهان، انتهى، ذكر مسألتين:
المسألة الأولى: لو صلى إلى سترة مغصوبة فمر من ورائها ما يقطع الصلاة، فهل يقطعها أم لا؟ أو مر من ورائها من يكره مروره، فهل يكره أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في المغني1، والمجد في شرحه، والشرح2، ومختصر ابن تميم والرعاية الصغرى، والحاويين وغيرهم.
ـــــــ
1 3/103.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/657.

(2/261)


صاحب النظم وعلى قياسه سترة الذهب، ويتوجه منها لو وضع المار سترة ومر، أو تستر بدابة جاز.
وسترة الإمام سترة لمن خلفه "و" ولا عكس "و" فلا يستحب للمأموم سترة، وليست سترة له، وذكروا أن معنى ذلك إذا مر ما يبطلها فظاهره أن هذا فيما يبطلها خاصة، وأن كلامهم في نهي الآدمي عن المرور على ظاهره، وكذلك المصلي لا يدع شيئا يمر بين يده لأنه عليه السلام كان يصلي إلى سترة دون أصحابه لكن قد احتجوا بمرور ابن عباس بالأتان
ـــــــ
أحدهما: كغيرها، قدمه في الرعاية الكبرى، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، لإطلاقهم.
والوجه الثاني: لا يعتد بها، فوجودها كعدمها، جزم بها ابن رزين في شرحه "قلت" وهذا الصواب، قال المجد في شرحه بعد أن أطلق الوجهين وعللهما، وأصل الوجهين الصلاة في البقعة والثوب المغصوب، انتهى، والمذهب عدم صحة الصلاة في ذلك، فكذا يكون هنا، وهو الذي اخترناه والله أعلم.
المسألة الثانية6: إذا صلى إلى سترة نجسة فهل هي كالطاهرة أم لا يعتد بها أطلق الخلاف.
أحدهما: هي كالطاهرة قدمه في الرعاية الكبرى "قلت" وهو الصواب الذي لا يعدل عنه، وهو ظاهر كلام الأصحاب.
والوجه الثاني: وجودها كعدمها "قلت" وهو ضعيف، وإطلاق المصنف فيه نظر، والصحيح الفرق بين المغصوبة والنجسة.

(2/262)


بين يدي بعض الصف ولم ينكر ذلك أحد1، وهذا قضية عين يحتمل البعد، مع أنه في الحرم، ويحتمل عدم الإمكان، وحضور شاغل عنه، ولو علم النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ولم ينكر ذلك أحد، بل كان يضيف عدم الإنكار إليه، وغايته إقرار بعض الصحابة، واحتجوا بأن البهيمة لما أرادت أن تمر بين يديه عليه السلام درأها حتى التصق بالجدار فمرت من ورائه. رواه أبو داود، وابن ماجه2 بإسناد جيد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولم يفعلوا كفعله، ولم ينكر عليهم، وهذا إن صح فقضية عين تحتمل أنها لم تمر بين أيديهم، مع احتمال البعد، أو تركوها لظنهم عدم الإمكان، مع أنه مقام كراهة، وهذا منهم يدل على العموم، فاختلف كلامهم على وجهين والأول أظهر، وفاقا للشافعية وغيرهم.
وقال ابن تميم: ومن وجد فرجة في الصف قام فيها إذا كانت بحذائه، فإن مشى إليها عرضا كره، وعنه لا، وقال صاحب النظم: لم أر أحدا
ـــــــ
تنبيه: قوله في سترة الإمام سترة لمن خلفه بعد ذكره حديث ابن عباس والذي بعده وما فيهما من الاحتمالات قال فاختلف كلامهم على وجهين، والأول أظهر وفاقا للشافعية، وغيرهم انتهى، قال ابن نصر الله في حواشيه، صوابه والثاني أظهر، لأنه محل وفاق الشافعية أعني "3عموم سترة3" لما يبطلها ولغيره، كمرور الآدمي، ومنع المصلي المار، انتهى.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "76" ومسلم "504".
2 أبو داود "708" ولم نقف عليه عند ابن ماجه.
3 ليست في "ط".

(2/263)


تعرض لجواز مرور الإنسان بين يدي المأمومين، فيحتمل جوازه اعتبارا بسترة الإمام لهم حكما، ويحتمل اختصاص ذلك بعدم الإبطال، لما فيه من المشقة على الجميع، ومراده عدم التصريح به، وقد قال القاضي عياض المالكي: اختلفوا هل سترة الإمام سترة لمن خلفه أم هي سترة له خاصة وهو سترة لمن خلفه مع الاتفاق أنهم مصلون إلى سترة ولمسلم1 عن أبي هريرة مرفوعا "إنما الإمام جنة" . أي الترس، يمنع من نقص صلاة المأموم، لا أنه يجوز المرور قدام المأموم كما سبق، وروى ابن خزيمة2 حدثنا الفضل بن يعقوب الرخامي3، حدثنا الهيثم بن جميل، حدثنا جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم والزبير بن خريت، عن عكرمة، عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فمرت شاة بين يديه، فساعاها إلى القبلة، حتى ألصق بطنه بالقبلة". رواه ابن حبان4، عن ابن خزيمة، ورواه الطبراني5، عن إبراهيم بن صالح الشيرازي، عن عمر بن حكام، عن جرير، وروي ذلك في المختارة حديث صحيح.
ولا يجيب الوالد في نفل إن لزم بالشروع، وسأله المروذي عنها، فقال: يروى عن ابن المنكدر إذا دعتك أمك فيها فأجبها، وأبوك لا تجبه، وكذا الصوم، ونقل أبو الحارث يروي عن الحسن له أجر البر، وأجر الصوم إذا أفطر.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في صحيحه "416".
2 في صحيحه "827".
3 تحرفت في "ط" إلى: الرصافي وينظر ته1يب الكمال 23/261.
4 في صحيحه "2371"
5 في المعجم الكبير 11937.

(2/264)


ويجب أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم في نفل1 وفرض "و" وإن قرأ آية فيها ذكره صلى عليه في نفل نص عليه، وأطلقه بعضهم ومذهب "هـ" تبطل مطلقا، إن سمع اسمه، أو كان عادة له.
ويجب رد كافر معصوم دمه عن بئر في الأصح، كمسلم، فيقطع، وقيل: يتم، وكذا إن فر منه غريمه، نقل حبيش يخرج في طلبه، وكذا إنقاذ غريق ونحوه، وقيل نفلا، وإن أبى صحت، ذكروه في الدار المغصوبة.
ـــــــ
1 وذلك لما روى البخاري في صحيحه "4647" عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فم آته حتى صليت ثم أتيته فقال: "ما منعك أن تأتي ألم يقل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]

(2/265)


فصل: لا بأس بعمل يسير للحاجة
"و" ويكره لغيرها "و" وقيل يسن لسهوه سجود، وله قتل الحية "م ر" والعقرب "م ر" والقملة، وعنه فيها يكره "و م" وعند القاضي: التغافل عنها أولى، وفي جواز دفنها في المسجد وجهان، ونصه يباح قتلها فيه "م 7" والمراد ويخرجها أو يدفنها، وقيل للقاضي: يكره قتلها
ـــــــ
مسألة 7: قوله: وله قتل الحية والعقرب والقملة، وعنه فيها يكره، وفي جواز دفنها في المسجد وجهان، ونصه يباح قتلها فيه، انتهى، وأطلقهما ابن حمدان في رعايته الكبرى.
أحداهما: يجوز من غير كراهة كالبصاق اختاره القاضي.
والوجه الثاني: لا يجوز، قال ابن عقيل في الفصول وغيره: أعماق المسجد كظاهره في وجوب صيانته عن النجاسة، انتهى، فعلى هذا ينبغي أن يقال إن قلنا بنجاسة دمها منع، وإلا فلا، وقيل يكره. وقال ابن رجب في شرح البخاري2 وحكى بعض أصحابنا في جواز دفنها في المسجد وجهين، ولعلهما مبنيان على الخلاف
ـــــــ
2 فتح الباري لابن رجب 3/137.

(2/265)


ودفنها فيه كالنخامة؟ فقال: دفن النخامة كفارة لها، فإذا دفنها كأنه لم يتنخم، كذا إذا دفن القملة كأنه لم يفعل شيئا، وقد روى إسحاق قال: رأيت أحمد في الجامع يبزق في التراب ويدفنه، قال صاحب النظم: وكيف يجوز فعل الخطيئة اعتمادا على أنه يكفرها؟ ثم احتج بما يوجب حدا، وقيل يعالج أو ينسى، كذا قال، ومن يجوز هذا يقول: إنما يكون خطيئة إذا لم يقصد تكفيرها، فلا تعارض، ولأحمد1 بإسناد جيد عن أبي هريرة وأبي أمامة "قتل القملة ودفنها في المسجد" رواه سعيد عن ابن مسعود2.
ونقل المروذي3: أنه سئل عن قتل القملة والبرغوث في المسجد فقال: أرجو ألا يكون به بأس، قال في الفصول وغيره: أعماق المسجد كظاهره في وجوب صيانته عن النجاسة.
ـــــــ
في طهارة دمها ونجاسته. انتهى. قلت: الصحيح من المذهب طهارة دم القمل، وعليه أكثر الأصحاب، وقدمه المصنف وغيره.
ـــــــ
1 في مسنده 22272, من حديث أبي أمامة ولم نقف على حديث أبي هريرة فيه وينظر: مصنف عبد الرزاق "1750" والمعجم الأوسط للطبراني 2/46.
2 وأخرجه أيضا ابن عن مسعود ابن أبي شيبة في مصنفه 2/368.
3 في "ط": المروزي.

(2/266)


ولبس الثوب ونحوه وعد الآي بأصابعه "هـ ش" كتكبيرات العيد وفي كراهة عد التسبيح روايتان "م 8" والقراءة في المصحف "و ش" وعنه: نفلا "و م"
ـــــــ
مسألة 8: قوله: وفي كراهة عد التسبيح روايتان، انتهى، وأطلقهما في المذهب، قال الشيخ في المغني1 والشارح، توقف الإمام أحمد في ذلك، قال ابن عقيل في كراهة عد التسبيح وجهان، انتهى:
أحدهما: لا يكره، وهو الصحيح من المذهب، قال أبو بكر هو في معنى عد الآي، قال ابن أبي موسى لا يكره في أصح الوجهين قال في الرعاية الصغرى وله عد التسبيح في الأصح، قال المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين لا يكره عند أصحابنا، انتهى، واختاره ابن عبدوس في تذكرته، وجزم به في الهداية، والخلاصة، والكافي2 والمحرر، والتلخيص، والبلغة، والإفادات، والمنور، ومنتخب الآدمي، وغيرهم، وقدمه في المستوعب، والمقنع3، والرعاية الكبرى، والنظم، وغيرهم.
والرواية الثانية: يكره، قال الناظم وهو الأجود، وهو ظاهر كلامه في الوجيز لعدم ذكره في المباح، وقدمه ابن تميم وصاحب الفائق وقالا نص عليه، صححه ابن نصر الله في حواشيه، قلت وهو الصواب، وهو ظاهر كلامه في المغني1
ـــــــ
1 2/397, 398.
2 1/392.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/608.

(2/267)


وعنه لغير حافظ، وعنه تبطل فرضا، وقيل ونفلا "و هـ" لأنه اعتمد في فرض القراءة على غير كاعتماده بحبل في قيامه وحمل أبو بكر الرازي1 قول أبي حنيفة على غير الحافظ، واختلف أصحابه هل أراد آية أم قدر الفاتحة؟ وعند أبي يوسف ومحمد يكره فقط، قال في الخلاف لمن قاسه على المتلقن لا نسلم هذا، لأنه لو كان يصغي إلى قراءة غيره ويحفظه ويقرؤه لم تبطل صلاته، لأنه ليس عن أصحابنا ما يمنع من ذلك "هـ".
ورد السلام إشارة "و م ش" وعنه يكره "و هـ" وعنه في فرض، وعنه يجب، ولا يرده في نفسه "هـ" بل يستحب بعدها، وظاهر ما سبق ولو صافح إنسانا يريد السلام عليه لم تبطل خلافا للحنفية.
وله السلام على المصلي "و م"2 وعنه يكره "و ش" وقاسه ابن عقيل على المشغول بمعاش أو حساب، كذا قال. ويتوجه إن تأذى به، وإلا لم يكره، وعنه يكره في فرض، وقيل: لا يكره إن عرف كيفية الرد، وإن كثر ذلك عرفا
ـــــــ
والشرح3 فإنهما قالا بعد أن ذكرا أن الإمام أحمد توقف، وإنما كره أحمد عد التسبيح دون الآي لأن، المنقول عن السلف إنما هو عد الآي انتهى
ـــــــ
1 هو: أحمد بن علي المعروف بالجصاص. قال الخطيب البغدادي: إمام أصحاب أبي حنيفة في وقته وكان مشهورا بالزهد. من مصنفاته: أحكام القرآن شرح مختصر الطحاوي وشرح الأسماء الحسنى وغيرها. "ت370هـ"0 الجواهر المضية 1/220.
2 في "ط": و هـ.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/608.

(2/268)


بلا ضرورة، ويتوجه تخريج عند الفاعل، وقيل ثلاثا "و ش" وقيل ما ظن فاعله لا في صلاة "و هـ م" متواليا "و هـ" والشافعي لأنه عليه السلام أم الناس في المسجد، فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب، وإذا سجد وضعها. رواه مسلم، وللبخاري نحوه1، ولأنه عليه السلام صلى على المنبر، وتكرر صعوده ونزوله عنه. متفق عليه2. وقيل: أو متفرقا "و م" أبطل، وعنه عمدا اختاره صاحب المحرر "و ق" لقصة ذي اليدين3، فإنه مشى، وتكلم، ودخل منزله. وفي رواية الحجرة وبنى. وقيل: أو متفرقا "وم" أبطل, وعنه عمدا, اختاره صاحب المحرر,"وق".
وإشارة أخرس مفهومة أو لا, كالعمل ذكره ابن الزاغوني ومعناه أبو الخطاب. وقال أبو الوفاء المفهومة كالكلام تبطل، إلا برد سلام، ولا أثر لعمل غيره في ظاهر كلامهم، كمن مص ثدي أمه ثلاثا فترك لبنها لم تبطل "هـ"
وله الفتح على إمامه، "و" وعنه إن طال، وعنه يجوز في نفل، وظاهر المسألة لا تبطل ولو فتح بعد أخذه في قراءة غيرها "هـ".
ولغير مصل الفتح ولا تبطل "هـ" ويجب الفتح في الأصح في الفاتحة
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 مسلم "543" والبخاري "5996" من حديث أبي قتادة الأنصاري.
2 البخاري "377" ومسلم "544" من حديث سهل بن سعد.
3 أخرجه البخاري "482" ومسلم "573" من حديث أبي هريرة.

(2/269)


كنسيان سجدة، ولا يفتح على غير إمامه، وعنه تبطل به، "و هـ" وقيل بتجرده للتفهيم "و م ر".
وكذا إن عطس فحمد الله عندنا، ولا تبطل عند "هـ م ش" وكذا عندنا، وعندهم الأقوال الثلاثة في التي قبلها إن خاطب آدميا بقرآن أو تسبيح ونحو ذلك، إلا أنها لا تبطل بتنبيه مار بين يديه، "و هـ" وفي التعليق وغيره الخلاف في تحذير ضرير.
ويكره لعاطس الحمد، وقيل تركه أولى، وكذا نقل أبو داود ويحمد في نفسه ولا يحرك لسانه ومذهب "هـ" كهذا، والقول قبله.
ونقل صالح: لا يعجبني رفع صوته بها واستحبه "م ش" سرا. وفي شرح مسلم عن أحمد وغيره وجهرا، وقيل عن "م" تركه أولى.
وإذا نابه أمر سبح "و" ولو كثر، وصفقت ببطن كف على ظهر آخر "و هـ ش" ما لم يطل، ولا تسبح "م" ونصه: يكره كتصفيقه لتنبيهه أو لا,
ـــــــ
.............

(2/270)


وصفيره لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] الآية، وقيل: يجوز كتنبيهه بقراءة، وتكبير، وتهليل "و" وفي كراهة التنبيه بنحنحة روايتان "م 9"، وظاهر ذلك لا تبطل بتصفيقها على جهة اللعب، ولعله غير مراد، وتبطل به لمنافاته الصلاة "و ش".
وله السؤال عند آية رحمة، والتعوذ عند آية عذاب، وعنه يستحب "و ش" وظاهره لكل مصل، وعنه يكره في فرض "و هـ م" وذكر أبو الوفاء في جوازه فيه روايتين، وعنه يفعله وحده، ونقل الفضل لا بأس أن يقوله مأموم، ويخفض صوته. وقال أبو بكر الدينوري، وابن الجوزي معنى ذلك تكرار الآية، قال بعضهم وليس بشيء.
قال أحمد: إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] في صلاة وغيرها قال "سبحانك فبلى" في فرض ونفل وقال ابن عقيل: لا
ـــــــ
مسألة 9: قوله: وفي كراهة التنبيه بنحنحة روايتان انتهى، وأطلقهما في المغني1 والشرح2:
ـــــــ
1 2/452-453.
2 لم تذكر المسألة في "الشرح" وإنما هي في الإنصاف 3/627. ولعلها "الشارح" بدل "الشرح" كما في الإنصاف.

(2/271)


يقوله فيهما1. وقال أيضا ما سبق: أنه لا يجيب المؤذن في نفل، قال: وكذا إن قرأ في نفل {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] قال: بلى, لا يفعل، وفي هذا خبر فيه نظر2، بخلاف الآية الأولى، وقد قيل لأحمد إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] هل يقول: سبحان ربي الأعلى؟ قال إن شاء في نفسه، ولا يجهر به، وسئل بعض أصحابنا المتأخرين عن القراءة بما فيه دعاء هل يحصلان له؟ فيتوقف.
وقد روى الحاكم3 وقال: صحيح على شرط البخاري عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهن، وعلموهن نساءكم وأبناءكم، فإنها صلاة، وقرآن، ودعاء" . فيتوجه الحصول بهذا الخبر، ولتضمن ما أتى به ذلك.
ـــــــ
إحداهما: يكره، قلت وهو الصواب، ثم وجدت ابن نصر الله قال في حواشيه أظهرهما يكره.
والرواية الثانية: لا يكره، قدمه ابن رزين في شرحه، وقال هذا أظهر قلت وهو ضعيف.
ـــــــ
1 سبقت الإشارة إلى الآثار الواردة في هذه المسألة في باب صفة الصلاة ص 188.
2 أخرج أبو داود "887" والترمذي "3347" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ منكم " {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فانتهى إلى آخرها: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين" . وقال الترمذي إثر هذا الحديث: هذا حديث إنما يروى بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي عن أبي هريرة ولا يسمى.
3 في مستدركه 1/562.

(2/272)


وإن بدره بصاق وهو البزاق والبساق من الفم، أو مخاط من الأنف، أو نخامة وهي النخاعة من الصدر، أزاله في ثوبه، وعطف أحمد بوجهه فبزق خارجه.
وفي غير مسجد عن يساره، أو تحت قدمه، زاد جماعة اليسرى، للخبر، ويكره أمامه وعن يمينه، لخبر أبي هريرة: "وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها". رواه البخاري1، ولأبي داود2 بإسناد جيد عن حذيفة مرفوعا: "من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه" . واختاره صاحب المحرر يجوز فيه في بقعة يندفن فيها، وعند "م" إن كان المسجد محصبا جاز فيه ولو أمامه، وعن يمينه، ويدفنه فيه في بقعة يندفن فيها لا تحت حصير "و م" قال أحمد: البزاق فيه خطيئة، وكفارته دفنه، للخبر "و هـ ش" قال أبو الوفاء: لأن بدفنه تزول القذارة، وسبق كلام القاضي أول الفصل3.
وإن لم يزلها لزم غيره إزالتها لخبر أبي ذر. "ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن". رواه مسلم4، ويستحب تخليق موضعها، لفعله عليه السلام5.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في صحيحه "416".
2 في سننه "3824".
3 ص 265-266.
4 في صحيحه "535".
5 أخرج النسائي في المجتبى عن أنس بن مالك قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحسن هذا" .

(2/273)


فصل: يكره التفاته بلا حاجة
"و" وتبطل إن استدبرها "ع" أو استدار بجملته "م" فقط، لا بصدره مع وجهه، ذكره ابن عقيل، والشيخ وغيرهما، وذكر جماعة أو بصدره "و هـ ش" قال بعض المالكية ما لم يحول رجليه عن جهة القبلة
ويكره رفع بصره "و" وتغميضه "م" نص عليه، واحتج بأنه فعل اليهود، ومظنة النوم، ونقل أبو داود إن نظر أمته عريانة غمضه.
وفرقعة أصابعه "و" وتشبيكها "و" ووضع يده على خاصرته "و" وتروحه "و" إلا لحاجة كغم شديد "خ" نص عليه، ومراوحته بين رجليه مستحبة، ويكره كثرته، لأنه فعل اليهود.
ومس لحيته. وعقص شعره، أو كف ثوبه ونحوه "و" ولو فعلهما لعمل
ـــــــ
.............

(2/274)


قبل صلاته "م" وأومى إلى مثل قوله في رواية ابن الحكم، ونهى أحمد رجلا كان إذا سجد جمع ثوبه بيده اليسرى، ونقل عبد الله لا ينبغي أن يجمع ثيابه، واحتج بالخبر1، ونقل ابن القاسم يكره أن يشمر ثيابه، لقوله "ترب ترب" وذكر بعض العلماء حكمة النهي أن الشعر يسجد معه، ولهذا رأى ابن عباس عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام فجعل يحله، فلما انصرف أقبل على ابن عباس فقال ما لك ولرأسي؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف" . رواه مسلم2.
ويكره افتراش ذراعيه ساجدا "و" وإقعاؤه "و" وهو فرش قدميه وجلوسه على عقبيه، وهو جائز، وعنه سنة، واعتماده على يده، واستناده بلا حاجة "و" فإن سقط لو أزيل لم يصح "و" ونقل الميموني لا بأس بالاستناد إليه، وحمل على الحاجة.
ويكره عبثه "و" وزاد في الهداية للحنفية، ولأن العبث حرام خارج الصلاة، فما ظنك به فيها؟ وخالفه بعض الحنفية.
ويكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه لأنه شعار الرافضة، ذكره ابن عقيل وغيره، والتمطي، وفتح فمه، ووضعه شيئا، لا بيده، نص عليه.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 تقدم ص 274 تعليق رقم "3".
2 في صحيحه "492".

(2/275)


وإن غلبه تثاؤب كظم ندبا، فإن أبى استحب وضع يده على فيه على الأصح، للخبر1، ولا يقال: تثاوب بل تثاءب2.
ومسح3 أثر سجوده "و" وفي المغني4 إكثاره منه، ولو بعد التشهد "هـ" وعنه وبعد الصلاة "خ" وأن يكون بين يديه ما يلهيه "و" أو نار "و هـ ش" حتى سراج "هـ" وقنديل "هـ" وشمعة "هـ" وحمله ما يشغله، نص على ذلك، ويكره أن يعلق في قبلته شيئا، لا وضعه بالأرض، قال أحمد: كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئا حتى المصحف، ولم يكره ذلك الحنفية، قال بعضهم؛ وهو قول الجمهور.
ويكره تكرار الفاتحة، وقيل تبطل "خ" وما يمنع كمالها كحر، وبرد، ونحوه وصلاته إلى متحدث، "هـ" وعنه يعيد "خ" وعنه الفرض، وكذا نائم، وعنه لا يكره "و هـ" وعنه النفل، وإلى كافر "و م" وصورة منصوبة نص عليهما، وهو معنى قول بعضهم صورة ممثلة، لأنه يشبه سجود الكفار لها، فدل أن المراد صورة حيوان محرمة، لأنها التي تعبد، وفيه نظر. وفي الفصول يكره أن يصلي إلى جدار فيه صورة وتماثيل، لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام، والأوثان، وظاهره ولو كانت صغيرة لا تبدو للناظر إليها
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرج مسلم "2995" من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا تثاؤب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان قد يدخل" .
2 كذا قال المصنف وقد صحت الرواية السابقة عند مسلم بلفظ: "التثاؤب".
3 هو معطوف على قوله: "ويكره".
4 2/396.

(2/276)


"هـ" وأنه لا يكره إلى غير منصوبة "هـ" ولا سجوده على صورة "هـ" ولا صورة خلفه في البيت "هـ ر" ولا فوق رأسه في سقف، وعن أحد جانبيه "و" ويأتي في الوليمة1 إباحة دخول ذلك البيت وكراهته وتحريمه، وكره شيخنا السجود عليها، وسبق في اللباس من ستر العورة2.
ويكره حمل فص أو ثوب فيه صورة "و" ومس الحصى، وتسوية التراب "و" بلا عذر، وذكر بعضهم أن مالكا لم يكرهه، وإلى وجه آدمي "و" نص عليه. وفي الرعاية، أو حيوان غيره والمذهب الأول، وقد كان عليه السلام يعرض راحلته ويصلي إليها3.
وقال ابن الجوزي: وإلى جالس. وقاله ابن عقيل، واحتج بتعزير عمر فاعله، ويكره أن يجلس قدامه، فإن انتهى وإلا أدب، كذا قال، وتعزير عمر له إنما هو لمن صلى إلى وجه آدمي وكان ابن عمر يصلي إلى القاعد، وكالصف الثاني روى البخاري2 عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرض راحلته ويصلي إليها. فقلت أفرأيت إذ ذهبت الركاب قال كان يأخذ الرحل فيعدله، فيصلي إلى آخره، أو قال:
ـــــــ
تنبيهان:
الأول: قوله في البخاري: إنه كان عليه السلام يعرض راحلته ويصلي إليها فقال نافع لابن عمر أفرأيت إذا ذهبت الركاب. كذا في النسخ وصوابه إذا هبت بإسقاط الذال المعجمة وهو كذلك في البخاري.
ـــــــ
1 8/328.
2 ص 76.
3 أخرجه البخاري "507" ومسلم "502" من حديث ابن عمر.

(2/277)


مؤخره، وكان ابن عمر يفعله.
وكرهها "م" إلى مجنون وصبي، وسبق في أول صفة الصلاة1 إلى امرأة.
وابتداؤها2 تائقا إلى طعام "و" ولو كثر "م ر" كذا ذكره بعضهم، والمعنى يقتضيه، واحتج صاحب المحرر في المسألة بقول أبي الدرداء "من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ" رواه الإمام أحمد في الزهد والبخاري3 في تاريخه، وذكر جماعة المسألة
ـــــــ
الثاني: قوله بعد ذلك وسبق في أول صفة الصلاة إلى امرأة كذا في النسخ صوابه تكرار الصلاة يعني سبق في أول صفة الصلاة إلى امرأة وبهذا ينتظم الكلام.
ـــــــ
1 ص 160.
2 أي: وكره ابتداؤها.
3 بل أخرجه ابن المبارك في كتاب "الزهد" ص 402 وقد علقه البخاري في "صحيحه" قبل حديث "671" ولم نقف عليه عند الإمام احمد في "الزهد". ولا عند البخاري في "تاريخه" وقد قال الحافظ ابن حجر في "التعليق" 2/283: وأما خبر أبي الدرداء فقال ابن المبارك في كتاب "الزهد" له: أن صفوان بن عمرو عن حمزة بن حبيب عن أبي الدرداء قال: إن فقه المرء.. فذكره.

(2/278)


بحضرة طعام، وهو ظاهر الأخبار قال الجوهري: بحضرة فلان أي بمشهد منه، وهو مثلث الحاء.
ويكره ابتداؤها مع مدافعة الأخبثين "و" وعنه يعيد مع المدافعة وعنه إن أزعجه، وذكر ابن أبي موسى أنه الأظهر من قوله، وعن "م" كالروايات، ومع ريح يحتبسه. وفي المطلع هي في معنى المدافعة أي فتجيء الروايات، وذكر أبو المعالي كلام ابن أبي موسى في المدافعة أنها لا تصح، قال: وكذا حكم الجوع المفرط، واحتج بالأخبار، فتجيء الروايات، وهذا أظهر، وعدم الصحة قول الظاهرية، وذكر ابن عبد البر الصحة "ع" وقد قال ابن عقيل: إنما جمع الشارع بينهما لاستوائهما في المعنى، وكذا قال يكره ما يمنع من إتمام الصلاة بخشوعها كحر، وبرد، لأنه يقلقه، ويدخل تحت نهيه عليه السلام عن مدافعة الأخبثين. وفي الروضة بعد ذكره أعذار الجمعة والجماعة قال: لأن من شرط صحة الصلاة أن يعي أفعالها ويعقلها، وهذه الأشياء تمنع ذلك، فإذا زالت, فعلها على كمال خشوعها، وهو بعد فوت الجماعة أولى.
ـــــــ
.............

(2/279)


ويكره أن يخص موضع سجوده بشيء يسجد عليه، لا الصلاة على حائل صوف وشعر وغيرهما من حيوان "م" كما نبتته الأرض "و" ويصح على ما منع صلاته الأرض "هـ" وفي المذهب تكره القراءة المخالفة عرف البلد وقد سبق1.
ـــــــ
1 ص 185.

(2/280)


فصل: تبطل بكلام عمدا
ولو بالسلام، أو بتلبية محرم، لا بتكبير عيد، وإن وجب لخائف تلف شيء وتعين الكلام بطلت، وقيل: لا "و ش" كإجابته عليه السلام، قال الشيخ: وهو ظاهر كلامه، لأن أحمد علل صحة صلاة من
ـــــــ
.............

(2/280)


أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الكلام1، وفرق غيره بينهما بأن الكلام هنا لم يجب عينا. وقال القاضي وغيره: لزوم الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم لا تمنع الفساد، لأنه لو رأى من يقتل رجلا منعه، وإذا فعل فسدت. وكذا ناس غير سلام منها، لأنه ذكر من ناس لا من عامد، لأن فيه كاف الخطاب وجاهل ومكره في
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 264.

(2/281)


رواية "و هـ" وعنه لا "م 10، 11" "و م ش" في غير المكره وعنه لا تبطل
ـــــــ
مسألة 10-11: قوله: وتبطل بكلام عمدا وكذا ناس غير سلام منها وجاهل ومكره في رواية، وعنه: لا انتهى.
اعلم أن كلام الناسي يبطل الصلاة على الصحيح من المذهب، كما قدمه المصنف، فيما يظهر، وقدمه في المقنع1، والمحرر، والحاويين، والفائق، والقاضي أبو الحسين، قال الزركشي هذه أشهرها، واختيار ابن أبي موسى، والقاضي وغيرهما، ونصره ابن الجوزي في التحقيق، انتهى.
وعنه: لا يبطل، اختارها ابن الجوزي وصاحب النظم، ومجمع البحرين، والشيخ تقي الدين، والفائق وغيرهم، وقدمه ابن تميم، ويحتمل كلام المصنف أن الخلاف في هذه المسألة مطلق، وإليه ذهب ابن نصر الله في حواشيه وعلى كل تقدير، قد بينا الصحيح منهما والله أعلم، وأطلق الخلاف فيها في الهداية والمذهب، والخلاصة والكافي2، والتلخيص، وشرح المجد، والشرح3، وشرح ابن منجى والرعايتين وغيرهم.
وعنه رواية ثالثة: لا تبطل إذا تكلم لمصلحتها ناسيا، اختارها المجد، وصاحب الفائق، وابن الجوزي وغيرهم.
وأما كلام الجاهل والمكره فأطلق فيه الخلاف وهما مسألتان:
المسألة الأولى-10: إذا تكلم جاهلا بالتحريم، أو الإبطال به فهل هو كالناسي أو لا تبطل صلاته، وإن بطلت صلاة الناسي؟ أطلق فيه الروايتين، وأطلقهما المجد في شرحه، وابن تميم، وحكاهما وجهين.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/32.
2 1/368.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/35.

(2/282)


بكلام لمصلحتها "و م ر" اختاره الشيخ، لقصة ذي اليدين1، وأجاب القاضي
ـــــــ
أحدهما هو كالناسي، وهو الصحيح، قال في الكافي2 والرعايتين وفي كلام الجاهل والناسي روايتان. وقال في المقنع3: وعنه لا تبطل صلاة الجاهل، والناسي، فقطعوا بأنه كالناسي، وقطع به ابن منجى في شرحه. وقال في المغني4 بعد قول القاضي في الجامع لا أعرف فيها نصا، والأولى أن يخرج فيه روايتا الناسي، وقدمه المصنف في حواشي المقنع.
والرواية الثانية: لا تبطل صلاة الجاهل وإن بطلت صلاة الناسي، اختاره القاضي، وجزم به ابن شهاب، قال المجد في شرحه والصحيح ما قاله القاضي، قال في مجمع البحرين ولا يبطلها كلام الجاهل في أقوى الوجهين، وإن قلنا يبطلها كلام الناسي، انتهى.
المسألة الثانية 11-: إذا أكره على الكلام في الصلاة فتكلم فهل تبطل صلاته أم لا وإن بطلت صلاة الناسي؟ أطلق الخلاف.
إحداهما: لا تبطل صلاته وإن بطلت صلاة الناسي، اختاره القاضي، فقال المكره أولى بالعفو من الناسي، ونصره ابن الجوزي في التحقيق، واختاره ابن رزين في شرحه.
والرواية الثانية: هو كالناسي بل أولى بالبطلان منه، فتبطل صلاته بكلامه، وهو الصحيح، اختاره ابن شهاب العكبري في عيون المسائل، والشيخ في المغني5، قال المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين وإذا قلنا تبطل بكلام الناسي فكذا كلام المكره وأولى، لأن عذره أندر، وفرق في المغني بين الناسي والمكره من
ـــــــ
1 تقدمت ص 269.
2 1/368.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/32.
4 2/446.
5 2/448.

(2/283)


وغيره بأنها كانت حال إباحة الكلام، وضعفه صاحب المحرر وغيره، لأنه حرم قبل الهجرة عن ابن حبان وغيره أو بعدها بيسير عند الخطابي وغيره.
وعنه صلاة الإمام، اختاره الخرقي، وعنه لا تبطل لمصلحتها سهوا "و ش" اختاره صاحب المحرر، وجزم ابن شهاب لا تبطل من جاهل لجهله بالنسخ، وقيل تبطل من مكره، واختاره الشيخ فيه كالإكراه على فعل، ولندرته، ويأتي في شدة الخوف، والأول جزم به في التلخيص وغيره. وقال القاضي بل أولى من الناسي، لأن الفعل لا ينسب إليه بدليل الإتلاف، وقال في الجاهل
ـــــــ
وجهين، وأنه أولى بالبطلان من الناسي، ولا بكلام الجاهل بتحريم الكلام إذا كان قريب العهد بالإسلام في إحدى الروايتين، وعليهما يخرج سبق اللسان وكلام المكره انتهى.
وقال في الرعاية الكبرى: وإن قلنا: لا يعذر الناسي ففي المكره ونحوه وقيل مطلقا وجهان انتهى، وهو على ما قدمه، ككلام المصنف فتلخص في المكره ثلاثة أقوال، هل هو كالناسي، أو أولى منه بالبطلان، أو الناسي أولى منه بالبطلان، فتبطل صلاة الناسي، ولا تبطل صلاة المكره، والله أعلم.

(2/284)


كقول ابن شهاب، واحتج بقصة أهل قباء.
وقيل له في الخلاف: المتيمم في الحضر يعيد كما لو أكره على الكلام، أو الحدث في صلاته؟ فأجاب بفساد صلاته فسوى بينهما في الإبطال، وظاهر تعليله الأول عكسه، فدل على التسوية عنده، وقاس
ـــــــ
.............

(2/285)


الأصحاب الرواية فيمن عدم الماء والتراب: أنه يصلي ويعيد على ما لو أكره على الحدث في الصلاة، وأجاب بعضهم بأنه هذا لا يعذر به بدليل من سبقه الحدث، فدل ذلك على الخلاف، ويأتي في شدة الخوف1.
وقيل: الخلاف يختص بمن ظن تمام صلاته فسلم ثم تكلم، وإلا بطلت، واختاره الشيخ قال في المذهب وغيره: إن أمكنه استصلاحها بإشارة ونحوه فتكلم بطلت، وإن كثر أبطل "و ش" وعنه لا، اختاره
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 3/131.

(2/286)


القاضي وغيره والتبسم ليس كلاما "و" بل القهقهة قيل إن أبان حرفين، وقيل أو لا "م 12" وزاد "م" ولو سهوا.
والنفخ كالكلام إن بان حرفان "و" وعنه مطلقا، وعنه عكسه، ومثله النحنحة بلا حاجة، وقيل ولها "و ش" وعنه لا تبطل، اختاره الشيخ "و م ر"وإن نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب ونحوه فبان حرفان لم تبطل "و" وقيل: هو كالناسي، وإن لم يغلب بطلت، قال شيخنا هي كالنفخ بل أولى، بأن لا تبطل، وأن الأظهر تبطل بالقهقهة فقط، وإن لم يبن حرفان.
وإن بان حرفان من بكاء أو تأوه خشية أو أنين لم تبطل "و هـ م" لأنه يجري مجرى الذكر، وقيل: إن غلبه "و ش" وإلا بطلت كما لو لم يكن خشية،
ـــــــ
مسألة 12" قوله: والتبسم ليس كلاما1، بل القهقهة، قيل إن أبان حرفين وقيل أو لا، انتهى، وأطلقهما في الفائق.
أحدهما: تبطل ولو لم يبن حرفان فهي كالكلام، وهذا الصحيح جزم به في الكافي2، والمغني3. وقال لا نعلم فيه خلافا، وحكى ابن هبيرة إجماعا، وقدمه في الشرح4، واختاره الشيخ تقي الدين. وقال إنه الأظهر، انتهى.
والوجه الثاني: لا تبطل إلا أن يبين حرفان فأكثر، وهو ظاهر كلام الشيخ في المقنع4، وكثير من الأصحاب، وجزم به القاضي في المجرد، وصاحب الهداية والمذهب والمستوعب، وشرح المجد، والحاوي الكبير، وقدمه ابن تميم وابن حمدان في رعايته الكبرى.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية و "ط": بكلام والمثبت من عبارة الفروع.
2 1/369.
3 2/451.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/41.

(2/287)


لأنه يقع على الهجاء، ويدل بنفسه على المعنى، كالكلام، قال أحمد في الأنين: إذا كان غالبا أكرهه، أي من وجع، حمله القاضي وإن استدعى البكاء فيها كره كالضحك، وإلا فلا.
واللحن إن لم يخل المعنى لم تبطل بعمده، خلافا لأبي البركات بن منجى، وظاهر الفصول، وبعض الشافعية، وسبق فيه في الآذان1، وكلامهم في تحريمه يحتمل وجهين، أولاهما يحرم "و ش" وفي الفنون في التلحين المغير للنظم يكره إن لم يحرم، لأنه أكثر من اللحن، قال شيخنا: ولا بأس بقراءته عجزا، ومراده غير المصلي.
ـــــــ
تنبيهان
الأول: قوله: واللحن إن لم يحل المعنى لم تبطل بعمده، خلافا لابن منجى، وظاهر الفصول، قال ابن نصر الله قد صرح في الفصول بخلاف هذا الظاهر.
الثاني: قوله: وكلامهم في تحريمه أي تحريم اللحن الذي لم يحل المعنى يحتمل وجهين، أولاهما يحرم، انتهى، قلت ما قال إنه أولى: هو الصواب.
ـــــــ
1 ص 19.

(2/288)


وإن قرأ "المغضوب"و" الضالين" بظاء فأوجه: الثالث يصح مع الجهل "م 13" وإن أحاله فله قراءة ما عجز عن إصلاحه في فرض القراءة "و" وما زاد يبطل لعمده "و" ويكفر إن اعتقد إباحته.
ـــــــ
مسألة 13: إن قرأ المغضوب والضالين بظاء فأوجه؛ الثالث يصح مع الجهل، انتهى: أحدها: لا تبطل الصلاة، اختاره القاضي، والشيخ تقي الدين، وقدمه في المغني1، والشرح2 "قلت" وهو الصواب، والوجه الثاني تبطل، قال في الكافي3 هذا قياس المذهب، واقتصر عليه، وجزم به ابن رزين في شرحه، وهو ظاهر كلامه في المقنع4، وغيره، وأطلقهما في الرعايتين، والحاويين، والوجه الثالث تصح مع الجهل، قال في الرعاية الكبرى قلت إن علم الفرق بينهما لفظا ومعنى بطلت صلاته، وإلا فلا. انتهى.
ـــــــ
1 3/32.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/400, 401.
3 1/426.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/395-400.

(2/289)


ولا تبطل بجهل أو نسيان، أو آفة، جعلا له كالمعدوم "و هـ ش" فلا يمنع إمامته، وعند أبي إسحاق بن شاقلا هو ككلام الناسي، فلا يقرأ عجزا، وتبطل به.
ـــــــ
.............

(2/290)


وعمل القلب لا تبطل. نص عليه "و هـ ش" وعند ابن حامد بلى إن طال، وذكره ابن الجوزي، قاله شيخنا، قال وعلى الأول لا يثاب إلا على ما عمله بقلبه، فلا يكفر من سيئاته إلا بقدره، والباقي يحتاج إلى تكفير، فإنه إذ ترك واجبا استحق العقوبة، فإذا كان له تطوع سد مسده فكمل ثوابه ويأتي تتمة كلامه في صوم النفل1، واحتج بقوله عليه السلام: "إلا ما عمله بقلبه" . وقوله: "رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع" 2. يقول لم يحصل إلا براءة ذمته والصوم شرع لتحصيل التقوى، كذا قال والمذهب أنه لم يترك واجبا
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 5/117.
2 أخرجه ابن ماجه "1960" والنسائي "3250" من حديث أبي هريرة.

(2/291)


وإلا بطل، ولهذا احتجوا بخبر: "إن الشيطان يحضر بينه وبين نفسه" 1. وبصلاته عليه السلام في خميصة2 لها أعلام، وقال: "إنها ألهتني آنفا عن صلاتي" 3. في رواية للبخاري: "أخاف أن تفتنني" 4. وبأن عمل القلب ولو طال أشق احترازا من عمل الجوارح، لكن مراد شيخنا بالنسبة إلى الآخرة، وأنه يثاب على ما أتى به من الباطل ويأتي في صوم النفل5.
ـــــــ
تنبيهات.
الأول: قوله: والمذهب إن لم يترك واجبا وإلا بطل. الثاني: قوله بعد ذلك وأنه يثاب على ما أتى به من الباطل كذا في النسخ وصوابه وأنه لا يثاب بزيادة لا أي لا يثاب مثل المرائي كذا قال شيخنا، وأجراه ابن نصر الله على ظاهره، وقال لأن الباطل في عرف الفقهاء ضد الصحيح، والصحيح ما أبرأ الذمة، فقولهم بطل صومه وحجه بمعنى لم تبرأ ذمته منه، لا بمعنى أنه لا يثاب عليها في الآخرة، بل جاءت السنة بثوابه على فعله، وبعقابه على ما تركه، ولو كان باطلا، انتهى، وهو أولى من الأول.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "608" ومسلم "389" "19" من حديث أبي هريرة.
2 كساء أسود معلم الطرفين ويكون من خز أو صوف. المصباح خمص.
3 أخرجه البخاري "373" ومسلم "556" "62".
4 5/117.
5 جامع العلوم والحكم /79-83.

(2/292)


وأما قوله "رب صائم" هذا الخبر رواه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة1، وفيه أسامة بن زيد الليثي مختلف فيه، وروى له مسلم، وروى هذا الخبر أيضا من غير حديثه، رواه أحمد وغيره2، فدل على صحته، ويوافق هذا المعنى ما روى أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم3 والإسناد جيد "أن عمارا صلى ركعتين فخففهما"، فقيل له في ذلك، فقال: هل نقصت من حدودهما شيئا؟ فقيل لا، ولكن خففتهما فقال:
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 النسائي في "الكبرى" "3250" و ابن ماجه "1690".
2 أحمد "9685" البيهقي "السنن الكبرى" "614".
3 أحمد "18323" أو داود الدمشقي الصالحي. له كتاب: الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. "ت 856هـ". المقصد الأرشد 2/84.

(2/293)


إني بادرت بهما إلى السهو، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل لو صلى ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها" . حتى انتهى إلى آخر العدد.
وعن أبي اليسر1 مرفوعا: "منكم من يصلي الصلاة كاملة، ومنكم من يصلي النصف، والثلث، والربع، والخمس" حتى بلغ العشر رواه أحمد والنسائي2، ورواه النسائي من حديث أبي هريرة وإسنادهما جيد3.
وقد سبق أن ذكر القلب أفضل من ذكر اللسان ويأتي قول شيخنا أول صلاة التطوع4: أن الذكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب، وهذا يدل على أنه يثاب، وقلبه غافل، وهذا أظهر، لأن في حديث عثمان: "فيمن توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه". متفق عليه5، وفي حديث عقبة "فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه إلا وجبت له الجنة" وفي حديث عمرو بن عبسة6 بعد ذكر
ـــــــ
1 هو: الصحابي الجليل أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري السلمي المدني اليسري العقبي شهد العقبة وله عشرون سنة حدث عنه سيفي وموسى بن طلحة وغيرهم له أحاديث قليلة شهد صفين مع علي ومات بالمدينة في سنة خمسة وخمسين. سير أعلام النبلاء 2/537.
2 أحمد "15522" المنسائي في الكبرى "613".
3 النسلئي في الكبرى "614".
4 ص 342.
5 البخاري "159" ومسلم "226" "3".
6 أبو نجيح عمرو بن عبسة بن خالد بن حذيفة السلمي البجلي أحد السابقين كان من أمراء الجيش يوم وقعة اليرموك. مات بعد سنة ستين. سير أعلام النبلاء 3/456.

(2/294)


الوضوء: "فإن قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه". رواهما مسلم1 فذكر فوات الثواب2 الخاص بغفلة القلب يدل على ثبوت ثواب، وللعمومات في الصلاة والقراءة، والذكر لحديث أبي هريرة: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تكلم أو تعمل به" . متفق عليه3.
وقوله: رب صائم. إن صح فالمراد به المرائي، لأنه ليس له إلا الجوع، أو السهر، لعدم براءة ذمته، أما من برئت ذمته فله غير الجوع والسهر وحديث عمار يدل على أن الغفلة سبب لنقص الثواب، لا فواته بالكلية، وقوله عليه السلام في الخبر السابق إن صح: "واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل" 4. يدل على فوات الثواب الخاص، لا أن هذا الدعاء لا أجر فيه بالكلية، وإلا كان كالمرائي، ولم أجد إلى الآن من صرح به، وإنما ذكروه من أدب الدعاء، والله أعلم وسبق في الفصل والباب قبله ذكر الخشوع5.
ـــــــ
الثالث: وقوله ويبطل فرضه يسير أكل أو شرب عرفا عمدا وعنه ونفله، والأشهر عنه بالأكل، انتهى، قدم أن الأكل والشرب اليسير لا يبطل في النفل، وقدمه في مجمع البحرين، ونصره ورواية البطلان قال في المغني6
ـــــــ
1 الحديث الأول برقم "234" والثاني برقم "832".
2 في "ط": ثوابه.
3 البخاري "2528" مسلم "127" "202".
4 أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة.
5 ص 235.
6 3/462.

(2/295)


وقيل: إن طال نظره في كتاب بطلت، كعمل الجوارح، وعند "هـ" إن نظر فيه ففهم بطلت كالمتلقن من غيره، وعند صاحبيه إن كان غير مستفهم ففهم لم تبطل، وإلا لم تبطل عند أبي يوسف، واختلف عن محمد.
ويبطل فرضه بيسير أكل أو شرب عرفا عمدا "و" وعنه أو سهوا وجهلا "و هـ" لأنها عبادة بدنية فيندر ذلك فيها، وهي أدخل في الفساد بدليل الحدث والنوم، بخلاف الصوم ولأنه مقتطع عن القياس، ولم يذكر
ـــــــ
والشرح1: هي الصحيحة من المذهب، قال في الكافي هذا أولى، قال ابن رزين في شرحه تبطل في الأظهر، وجزم به في المقنع2، ونهاية ابن رزين، ومنور الآدمي وقدمه في الكافي3، ومختصر ابن تميم، والرعايتين والحاويين، والنظم، وإدراك الغاية وغيرهم، قال في الحواشي قدمه جماعة وأطلقهما في الهداية، والمذهب والمستوعب، والخلاصة، والهادي والتلخيص، والمحرر، وشرح المجد، والفائق وغيرهم، وكان حق المصنف إما تقديم البطلان، أو إطلاق الخلاف، فهذه ثلاث عشرة مسألة قد فتح الله بتصحيحها فله الحمد والمنة.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/19.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/598.
3 1/391.

(2/296)


جماعة أو جهلا.
وعنه ونفله "و" والأشهر عنه بالأكل، وإن طال سهوا أو جهلا بطلت وظاهر المستوعب والتلخيص لا، وقيل يبطل الفرض، وبلعه ما ذاب بفيه من سكر ونحوه كأكل "و" وفي التلخيص وجهان، ولا تبطل في المنصوص بما بين أسنانه، بلا مضغ مما لم يجر به ريقه "ش". وإن طرأ رياء بعثه على العمل كإطالته ليرى مكانه حبط أجره، وإن ابتدأها رياء ودام ابتدأ، وكذا ينبغي إن لم يدم فيها، وإن طرأ فرح وسرور لم يؤثر، ذكر ذلك ابن الجوزي، قال: وإن فرح، ليمدح ويكرم عليه فهو رياء، لكن لا يؤثر بعد فراغه، فإن تحدث به فالغالب أنه كان في قلبه نوع رياء، فإن سلم منه نقص أجره، وأنه لا يترك العبادة خوف الرياء، وأطلق ابن عقيل وغيره أن الفرح لا يقدح، وإنما الإعجاب استكبار طاعته
ـــــــ
.............

(2/297)


ورؤية نفسه، وعلامة ذلك اقتضاء الله تعالى بما أكرم به الأولياء، وانتظار الكرامة ونحو ذلك. وقال ابن هبيرة في خبر عائشة عنه عليه السلام: "أعوذ بك من شر ما عملت، وشر ما لم أعمل"1. قال: له معنيان:
أحدهما: أن يرضى بشر، أو يتمنى أن يعمل مثله الثاني: ألا يشرب الخمر مثلا فيعجب بنفسه كيف لا يشرب؟ فيكون العجب بترك الذنب شرا مما لا يعمل.
وقال المروذي لأحمد: الرجل يدخل المسجد فيرى قوما فيحسن صلاته؟ يعني الرياء، قال: لا، تلك بركة المسلم على المسلم، وجهه القاضي بانتظاره، والإعادة معه، وإلا قصده، واختار في النوادر إن قصد ليقتدى به أو لئلا يساء به الظن جاز، وذكر قول أحمد، قال، وقاله الشيخ، قال شيخنا لا يثاب على عمل مشوب "ع" وقال أيضا: من صلى لله ثم
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "2761".

(2/298)


حسنها وأكملها للناس أثيب على ما أخلصه لله، لا على عمله للناس: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} وقال أيضا: لا يمكن أن يقال لم لا يأخذ نصيبه منه؟ لأنه مع الإشراك "1يمتنع أن يكون له شيء، كما أنه بتقدير الاشتراك في الربوبية يمتنع1" أن يصدر عنه شيء، فإن الغير لا وجود له، وهو لم يستقل بالفعل، وكذا هنا هو لم يستقل بالقصد، والغير لا ينفع قصده، ولهذا نظائر كثيرة في الشرعيات، والحسيات، إذا خلط بالنافع الضار أفسده، كخلط الماء بالخمر، يبين هذا أنه لو سأل الله شيئا فقال: اللهم افعل كذا أنت وغيرك، أو دعا الله وغيره، فقال: افعلا كذا، لكان هذا طلبا ممتنعا، فإن غيره لا يشاركه، وهو على هذا التقدير لا يكون فاعلا له، لأن تقدير وجود الشريك يمنع أن يكون هو أيضا فاعلا، فإذا كان يمتنع هذا في الدعاء والسؤال، فكذلك يمتنع في العبادة والعمل أن يكون له ولغيره، وذكر الأصحاب فيمن حج بأجرة أنه لا يجوز الاشتراك في العبادة، فمتى فعله من أجل أخذ الأجرة خرج عن كونه عبادة فلم يصح، واعتمد شيخنا على هذا في القراءة للميت بأجرة كما يأتي2. وقاله الثوري والأوزاعي في إمام الصلاة: لا صلاة له ولا لهم. وقاله أحمد: ورواه هو وغيره عن الحسن من رواية تمام بن نجيح عنه، وتمام ضعفوه إلا ابن معين، وقاله ابن بطة، ولا فرق عنده في إمامة الصلاة بين الرزق وغيره،
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 3/415.

(2/299)


وهو غريب ضعيف.
وقال صاحب المحرر في المنتقى:
ما جاء عن إخلاص النية في الجهاد ثم ذكر حديث أبي موسى: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" 1.
وعن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ قال: "لاشيء له" فأعادها ثلاث مرات يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له ثم قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه" . إسناده جيد، رواه أحمد والنسائي2، وعن أبي هريرة مرفوعا أن رجلا قال يا رسول الله: الرجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرض الدنيا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا شيء له" فأعظموا ذلك، وقالوا عد، فلعله لم يفهم فعاد فقال: "لا أجر له" . رواه أحمد3، ثنا يزيد أنا ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس، عن بكير بن عبد الله بن الأشجع، عن عكرمة بن مكرز عنه ورواه أبو داود4 من حديث بكير، وتفرد عن ابن مكرز، فلهذا قيل: لا يعرف، ويقال: هو أيوب ويأتي حج التاجر5.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "3126" ومسلم "1904" "150".
2 لم نجده في "مسند أحمد" وأخرجه النسائي 6/25.
3 في مسنده "7900".
4 في سننه "3516".
5 ص 302.

(2/300)


وعن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا قال الله: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" .
وعن ابن عباس مرفوعا: " من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به" . رواهما مسلم1 في أواخر الكتاب، قال في شرح مسلم عن الخبر الأول: معناه من عمل شيئا لي ولغيري تركته لذلك الغير، قال: والمراد أن عمل المرائي لا ثواب فيه، ويأثم به، وقد سبق في أول النية ما يتعلق به2.
وعن أبي سعيد مرفوعا: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيخ الدجال"؟ قال: قلنا بلى، قال: الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه رواه أحمد وابن ماجه3.
وعن شداد بن أوس مرفوعا: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك" . قال عوف بن مالك: إذا لم لا يعمد إلى ما ابتغي به وجهه من ذلك العمل كله فقبل ما خلص له، ويدع ما أشرك به؟ فقال شداد عند ذلك. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يقول أنا خير قسيم لمن أشرك بي، من أشرك بي شيئا فإن عمله كله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، فأنا عنه غني" . رواه أحمد4 من رواية عبد الحميد بن
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 قي صحيحه الأول برقم "2985" "46" والتالي برقم "2986" "47".
2 ص 133.
3 أحمد "11252" ابن ماجه "4204".
4 في مسنده "17140".

(2/301)


بهرام، عن شهر بن حوشب، قال ابن غنم عنه فذكره، وليس إسناده بقوي ويجاب عن صحة حج التاجر وإثابته بأن الإحرام به تجرد لله لم يقارنه مفسد، ومن العجب قول مجاهد في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود: 15] إنها في أهل الرياء، وأن من عمل عملا من صلة رحم أو صدقة لا يريد بها وجه الله أعطاه الله في الدنيا ثواب ذلك، ويدرأ عنه في الدنيا، وذكر ابن الجوزي في الممتزج بشوب من رياء الدنيا وحظ النفس إن تساوى الباعثان على العمل فلا له ولا عليه، وإلا أثيب وأثم بقدره، واحتج بالإجماع على صحة حج التاجر وإثابته، لأنه المحرك الأصلي، وكذا من قصد الغزو، وقصد الغنيمة تبعا، وثوابه دون من لا يقصد الغنيمة أصلا. وما لا يريد به إلا الرياء فهو عليه، ويعاقب به، وصحح في تفسيره في قوله: {لِيَشْهَدُوا
ـــــــ
.............

(2/302)


مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28] منافع الدارين، لا إحداهما، لأن الأصل قصد الحج، والتجارة تبع، كذا قال، فيلزمه أن لا إثم في المشوب بالرياء إذا قصد الطاعة، كظاهر قوله في الحج، وهو ظاهر الآية، حملا للحكم المقصود كالأصح عندنا فيما إذا غلب قصد الإباحة بالسفر يرخص، وتحمل الأخبار السابقة على ما إذا تساوى الباعثان، أو تقاربا، وهو خلاف ما قاله في المشوب، ومع الفرق يمنع إلحاقه به، ويلزمه أيضا في الحج أن يأثم مع تساوي الباعث وتقاربه، والاعتذار عن الأخبار في
ـــــــ
.............

(2/303)


الجهاد، وهو نظيره، وإن صح الفرق السابق فلا كلام، ولأن التجارة جنسها مباح، وقد تنقسم إلى أحكام التكاليف الخمسة بخلاف الرياء. ولا يجوز أن يقال لمن بطلت صلاته بطل إيمانه، لأن في إطلاقه إيهام الكفر، ذكره القاضي.
ـــــــ
.............

(2/304)


باب سجدة التلاوة
مدخل
...
باب سجدة التلاوة
وهي سنة "و م ش" ففيه في طواف روايتان "م 1" وعنه واجبة "و هـ" وعنه في الصلاة مع قصر الفصل، فيتيمم محدث ويسجد مع قصره، قال في الفنون سهوه عنه كسجود سهو، ويسجد مع قصر الفصل، وعنه:
ـــــــ
مسألة 1: قوله وهي سنة، ففيه في طواف روايتان انتهى وأطلقهما في المذهب ومختصر ابن تميم، وابن حمدان، وصاحب الفائق، وابن نصر الله في حواشيه، وغيرهم:
إحداهما: يسجد فيه، قلت وهو الصواب، وهو ظاهر كلام جماعة الأصحاب، والطواف صلاة.
والرواية الثانية: لا يسجد، قال ابن نصر الله الروايتان مبنيان على قطع الموالاة وعدمه، قلت قد قطع الأصحاب بأن الطواف لا يضره الفصل اليسير وهذا فصل يسير.

(2/305)


ويتطهر محدث ويسجد "و هـ" ويسن للقارئ ولمستمعه، لأنه كتال مثله، ولذا يشاركه في الأجر، فدل على المساواة وفيه نظر ولأحمد1 عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن عباد بن ميسرة، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعا: "من استمع آية من كتاب الله كتب له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة". عباد ضعفه أحمد، وقواه غيره، وحديثه حسن، أو قريب منه، واختلف في سماع الحسن من أبي هريرة الجائز اقتداؤه به "الجائز صفة لمستمعه المتقدمة" "هـ ش" وقيل ويسجد قدامه، وعن يساره كسجوده لتلاوة أمي وزمن "و" ولا يسجد في صلاة لقراءة غير إمامه "و ش" كقراءة مأموم "و" فإن فعل
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في مسنده "8494".

(2/306)


ففي بطلانها وجهان "م 2"
وعنه يسجد في نفل، وقيل يسجد إذا فرغ "و هـ" وإن لم يسجد التالي لم يسجد المستمع، وقيل يسجد غير مصل، قدمه في الوسيلة "و ش م ر" ولا يسن للسامع في المنصوص "و م" ولا يقوم ركوع أو سجود عنه في صلاة "و م ش" وعنه بلى، وقيل يجزئ الركوع مطلقا "و هـ"
وإن سجد ثم قرأ ففي إعادته وجهان "م 3" وكذا يتوجه في تحية المسجد إن تكرر دخوله، ويأتي فيمن تكرر دخوله مكة1 كلام ابن عقيل، وفي
ـــــــ
مسألة -2: قوله: ولا يسجد في صلاة لقراءة غير إمامه كقراءة مأموم، فإن فعل ففي بطلانها وجهان انتهى، هذان الوجهان حكاهما القاضي في التخريج، وأطلقهما ابن حمدان، أحدهما تبطل، قدمه في الفائق، قلت وهو الصواب، والوجه الثاني لا تبطل.
مسألة 3-4: قوله: وإن سجد ثم قرأ ففي إعادته وجهان وكذا يتوجه في تحية المسجد إن تكرر دخوله انتهى.
ذكر مسألتين:
المسألة الأولى -3: إذا سجد ثم قرأ فهل يعيد السجود أم لا، أطلق الخلاف، وأطلقه في التلخيص، والفائق قال ابن تميم وإن قرأ سجدة ثم قرأها في الحال مرة أخرى لا لأجل السجود فهل يعيد السجود؟ على وجهين. وقال القاضي في تخريجه إن سجد في غير الصلاة ثم صلى، فقرأ بها أعاد السجود، وإن سجد في صلاة ثم قرأها في غير صلاة لم يسجد، وقال إذا قرأ سجدة في ركعة فسجد، ثم قرأها في الثانية، فقيل يعيد السجود، وقيل لا، وإن كرر سجدة وهو راكب في صلاة لم يكرر السجود، وإن كان في غير صلاة كرره، انتهى، قال في الرعاية الكبرى:
ـــــــ
1 5/293.

(2/307)


طواف الوداع كلامه في المستوعب فيهما وجهان وعند المالكية لا يتكرر، وللشافعية وجهان، وعند الحنفية في كل يوم ركعتان.
وهو أربع عشرة سجدة، في الحج ثنتان "و ش" وقوله عليه السلام في خبر
ـــــــ
وكلما قرأ آية سجد سجدة، وقلت إن كررها في ركعة سجد مرة، وقيل إن كانت السجدة آخر سورة فله السجود وتركه، وقيل إن قرأ سجدة في مجلس مرتين، أو في ركعتين، أو سجد قبلها فهل يسجد للثانية أو للأولى، فيه وجهان، وقيل إن قرأها فسجد، ثم قرأها، وقيل في الحال فوجهان، وإن سجد في غير صلاة ثم قرأها في صلاة سجد، وإن سجدها في صلاة ثم قرأها في غير صلاة فلا يسجد، وإن كررها الراكب في صلاة سجد مرة، وغير المصلي يسجد كل مرة انتهى، فذكر في هذه الجملة طرقا للأصحاب، في تكرار السجود، ولكن قدم أنه يسجد ثانية وثالثة مطلقا، وقال ابن نصر الله في الحواشي الكبرى على الفروع ويحتمل أن يقال إن أعادها لحاجة لتكرير الحفظ، أو الاعتبار، أو لاستنباط حكم منها، أو لتفهم معناها، ونحو ذلك لم يسجد، وإلا سجد لزوال المانع، ووجود المقتضي، انتهى.
المسألة الثانية 4: إذا تكرر منه دخول المسجد فهل يعيد التحية أم لا، وجه المصنف أنها كالسجود، قلت: وتشبه أيضا إجابة مؤذن ثانيا، وثالثا إذا سمعه مرة بعد أخرى، وكان مشروعا، فإن صاحب القواعد الأصولية قال تبعا للمصنف ظاهر كلام أصحابنا يستحب ذلك، واختاره الشيخ تقي الدين، فعلى هذا يعيد التحية إذا دخله مرارا من غير قصد الصلاة. "1وقال ابن عقيل لا يصلي المقيم التحية، لتكرار دخوله للمشقة، ذكره المصنف في الإحرام، وقال في باب الجمعة1 وظاهر ما ذكره تستحب التحية لكل داخل قصد الجلوس أو لا2".
"3قلت: واختار شيخنا رحمه الله استحباب إعادة التحية3".
ـــــــ
1 ليست في "ح".
2 3/182.
3 ليست في "ط".

(2/308)


عقبة من رواية ابن لهيعة رواه أحمد وأبو داود والترمذي1: "من لم يسجدهما فلا يقرأهما" . منع القاضي أن ظاهره يقتضي الوجوب، لأن معناه أن من تركهما معتقدا أنه ليس بقربة فليترك قراءتهما معتقدا أنه ليس بقربة، وهو كقوله: "من لم يضح فلا يقربن مصلانا" 2. ثم قال تركنا ظاهره، وأثبتنا السجدة بقول عقبة له: في الحج سجدتان؟ قال "نعم" وأجاب غيره عن خبر "من لم يضح" بضعفه، قال أحمد منكر. ثم تأكد الاستحباب، وعنه السجدة الأولى فقط، وعنه الثانية و {ص} منه اختاره أبو بكر وابن عقيل "3لا إسقاط ثانية3". الحج فقط "هـ" ولا هي والمفصل "م" فعلى الأول {ص} شكر وقيل: لا تبطل بها صلاة "و ش"
ـــــــ
ـــــــ
1 أحمد "17364" أبو داود "1402" الترمذي "578".
2 أخرجه ابن ماجه "3123" من حديث أبي هريرة.
3 في الأصل: الاسقاط.

(2/309)


وهو أظهر، لأن سببها من الصلاة و "ص" عند و "أناب" "و" و حم عند "يسأمون" "و هـ ش" وقيل: {تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] "و م" وعنه يخير.
ويكبر له "و" وقيل ويشترط الإحرام "و ش"ويسن رفع يديه في غير صلاة في الأصح "و ش" وفيه في صلاة روايتان، ويكبر رافعا في الأصح "م 5" "و" قال جماعة: ويجلس، ولعل المراد الندب، ولهذا لم يذكروا جلوسه في الصلاة لذلك
ـــــــ
مسألة 5: قوله: ويسن رفع يديه في غير صلاة في الأصح، وفيه في صلاة روايتان، وأطلقهما المجد في شرحه، والمذهب وحكاهما وجهين، وهما روايتان منصوصتان، وعن الإمام أحمد:
إحداهما: يرفع يديه، وهو الصحيح، نص عليه في رواية أبي طالب وعليه الأكثر، وجزم به في الوجيز، والمنور وغيرهما، وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والكافي1، والمقنع2، ومختصر ابن تميم والرعايتين والنظم، ومجمع البحرين والفائق وشرح ابن منجى والشرح2 وغيرهم.
ـــــــ
1 1/360.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/230.

(2/310)


والتسليم ركن "و ق" ويجزي واحدة على الأصح فيهما، وقيل ويتشهد "خ" ونصه لا يسن، والأفضل سجوده عن قيام، وقيل لأحمد يقوم ثم يسجد، قال يسجد وهو قاعد.
ويكره قراءة إمام لسجدة في صلاة سر "ش" وسجوده لها "م هـ ر" وقيل لا، "1قال ابن تميم اختاره الشيخ ونص عليه أحمد1" وإن فعل خير المأموم، وقيل يلزمه متابعته "و هـ م ر" كصلاة جهر في الأصح "و" ولا يكره قراءتها فيها "م".
ويكره اختصار آيات السجود "و" مطلقا "م" وجمعهما في وقت "و ش".
ـــــــ
والرواية الثانية: لا يرفعهما، نص عليه في رواية الأثرم واختاره القاضي في الجامع الكبير، قال في المغني2 والشرح3 هذا قياس المذهب ومال إليه.
قال المصنف في النكت ذكر عن واحد أنه قياس المذهب، قال ابن نصر الله في حواشيه هذا أصح.
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 2/361.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/231.

(2/311)


ويستحب سجدة الشكر "هـ م" "1في كراهته1" وفي كتاب2 ابن تميم لأمير الناس وهو غريب بعيد، [يراجع التنبيه المذكور في الذيل] عند نعمة أو دفع نقمة، قال القاضي وجماعة: [المناسبة] ظاهرة لأن العقلاء يهنون بالسلامة من العارض ولا يفعلونه في كل ساعة وإن كان الله يصرف عنهم البلاء والآفات ويمتعهم بالسمع والبصر والعقل والدين، ويفرقون في التهنئة بين النعم الظاهرة والباطنة كذلك السجود للشكر. وفيه لأمر يخصه وجهان ونصه يسجد "م 6" وإن فعله في صلاة غير جاهل وناس بطلت "و" وعند ابن عقيل فيه روايتان من حمد لنعمة أو
ـــــــ
تنبيه: قوله: وفي كتاب ابن تميم لأمير الناس وهو غريب بعيد، انتهى.
قال بعض الأصحاب: إنما فيه لأمر الناس وبه يستقيم الكلام قال ابن نصر الله في حواشيه: قيل إنه كشف عن ابن تميم فوجد فيه بدل الأمير لأمر بغير ياء وبينه وبين الناس كلمة مطموسة فلعله لأمر يعم الناس. انتهى، والصواب أنه لأمر من غير ياء ليوافق ما قاله الأصحاب.
مسألة 6: قوله: في سجود الشكر وفيه لأمر يخصه وجهان ونصه يسجد، انتهى وأطلقهما ابن تميم وصاحب الفائق أحدهما يسجد وهو الصحيح، نص عليه كما قال المصنف وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب،
والوجه الثاني لا يسجد قدمه في الرعاية الكبرى، فقال: يسن سجود الشكر لتجدد نعمة ودفع نقمة عامتين للثاني وقيل: أو خاصتين به انتهى، فهذه ست مسائل قد صححت بحمد الله تعالى.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في الأصل: "كلام" والمثبت من "ب" و "س".

(2/312)


استرجع لمصيبة. واستحسنه1 ابن الزاغوني فيها، كسجود التلاوة، وفرق القاضي وغيره بأن سبب سجود التلاوة عارض من أفعال الصلاة. وهما كنافلة فيما يعتبر "و" واحتج الأصحاب بأنه صلاة، فيدخل في العموم، وخالف شيخنا، ووافق على سجود السهو، وقيل يجزي قول ما ورد، وخيره في الرعاية بينهما.
ومن رأى مبتلى في دينه سجد، وإن كان مبتلى في بدنه كتمه، والمراد2: أنه سجد لأمر يخصه قال القاضي وغيره ويسأل الله العافية
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 في "ب" و "س" و "ط": استحبه.
2 بعدها في "ب": إن صح.

(2/313)


لأنه عليه السلام رأى رجلا به زمانة فسجد1 ، رواه الشالنجي، وأمر في خبر آخر بسؤال العافية، وظاهر كلام جماعة لا يسجد، ولعله ظاهر الخبر "من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير مما خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء". رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه2.
قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يسألوا الله العافية بحضرة المبتلى، ذكره ابن عبد البر، وقال شيخنا: ولو أراد الدعاء فعفر وجهه لله بالتراب وسجد له ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شيء يمنعه وابن عباس سجد سجودا مجردا لما جاء نعي بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم3 وقد قال عليه السلام "إذا رأيتم آية فاسجدوا" 4 ، قال: وهذا يدل على أن السجود يشرع عند الآيات، فالمكروه هو السجود بلا سبب.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة 2/483 والبيهقي 2/371.
2 لم نجده عند أحمد في "مسنده" وأخرجه الترمذي "3432" وابن ماجه "3892" من حديث ابن عمر.
3 لم نقف عليه.
4 أخرجه ابو داود "1197" والترمذي "3891".

(2/314)


باب سجود السهو
مدخل
...
باب سجود السهو
لا يشرع لعمد "ش" في القنوت، والتشهد الأول، والصلاة على النبي، فيه، وبنى الحلواني سجوده لسنة على كفارة قتل عمدا، ويجب لكل ما صحت الصلاة مع سهوه وعنه يشترط، وعنه يسن "و ش" وأوجبه "م" لنقص، وأوجبه "هـ" لجهر، وإخفات، وسورة، وقنوت، وتكبير عيد، وتشهدين كزيادة ركن، كركوع بأكثر "م" وأبطلها بما فوق نصفها، وتبطل لعمده "هـ" في دون ركعة بسجدة،
ـــــــ
تنبيه: قوله لا يشرع لعمد وبنى الحلواني سجوده لسنة على كفارة قتل عمدا انتهى أي لترك سنة عمدا إذ الصلاة تبطل بترك ركن أو واجب عمدا قال في الرعاية وقيل يسجد لعمد مع صحة صلاته، "1والمذهب لا تجب الكفارة بقتل العمد فلا يسجد لسنة على الصحيح عند الحلواني1".
ـــــــ
1 ليست في "ح".

(2/315)


وكسلام من نقص وفي جلوسه بقدر الاستراحة وجهان"م1".
ـــــــ
مسألة 1: قوله: وفي جلوسه بقدر الاستراحة هل يسجد للسهو كذلك وجهان انتهى، يعني هل يسجد للسهو كذلك، أم لا، وأطلقهما ابن تميم، والشارح في مواضع:
أحدهما: لا يسجد قال في الحاويين، وهو أصح عندي، قال الزركشي إن كان جلوسه يسيرا فلا سجود عليه قال في التلخيص هذا قياس المذهب، ولا وجه لما قاله القاضي، إلا إذا قلنا تجبر الهيئات بالسجود، انتهى، وهو احتمال في المغني1، ومال إليه، قلت وهو الصواب.
والوجه الثاني: يسجد، صححه الناظم، والمجد في شرحه. وقال هو ظاهر كلام أبي الخطاب انتهى، قلت وهو ظاهر كلام الخرقي، والشيخ في المقنع2 وغيرهما، وجزم به في المغني1 والشرح3 في مكان وقدمه في الرعايتين، وشرح ابن رزين، قلت فيكون هذا المذهب على ما اصطلحناه، والله أعلم.
ـــــــ
1 2/427.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/7.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/12.

(2/316)


وفي شروعه لترك سنة خلاف سبق، وقيل للقاضي سجود السهو بدل عما ليس بواجب، فلا يجب لأن المبدل آكد، فقال قد يكون بدلا عن واجب، ولأنه يجب قضاء حجة التطوع، وحجة التطوع غير واجبة.
وإن أتى بذكر في غير محله غير سلام عمدا لم تبطل، نص عليه "و" وقيل بلى، وقيل بقراءته راكعا أو ساجدا.ويستحب لسهوه على الأصح "م" خلافا "هـ ش" في غير القراءة راكعا أو ساجدا، أو تشهد راكعا.
ولا أثر لما أتى به سهوا، فيقنت من قنت في غير الأخيرة، خلافا للحنفية. وقال ابن الجوزي إن أتى بذكر في غير موضعه، أو بذكر لم يشرع في الصلاة عمدا لم تبطل في أحد الوجهين.
وإن زاد ركعة قطع متى ذكر، وبنى، ولا بتشهد من تشهد "م" وعند "هـ" إن سجد في خامسة ضم سادسة، فإن لم يكن قعد قدر التشهد صارت نفلا، وإلا فالزيادتان نفل، وإن نبه ثقتان إماما رجع "و م" وعنه يستحب، فيعمل بيقينه، أو
ـــــــ
تنبيهات
الأول: قوله في شروعه: صوابه وفي مشروعيته، يعني هل يشرع لترك سنة؟ خلاف يسبق، يعني في آخر صفة الصلاة1، وهو قوله، وهل يشرع السجود لترك سنة أو لا أو يشرع للأقوال فقط؟ روايات، وتقدم تصحيح ذلك.
ـــــــ
1 ص 245.

(2/317)


التحري، لا أنه لا يرجع ويعمل بيقينه "ش" كتيقنه صواب نفسه، وخالف فيه أبو الخطاب، وذكره الحلواني رواية، كحكمه بشاهدين، وتركه يقين نفسه، وهذا سهو، بخلاف ما جزم به الأصحاب إلا أن يكون المراد ما قاله القاضي يترك الإمام اليقين، ومراده الأصل، قال: الحاكم يرجع إلى الشهود، ويترك الأصل واليقين، وهو براءة الذمم وكذا شهادتهما برؤية الهلال، يرجع إليهما ويترك اليقين، والأصل هو بقاء الشهر.
وقيل: يرجع إلى ثقة في زيادة، لا مطلقا "هـ" واختار أبو محمد الجوزي يجوز رجوعه إلى واحد بظن صدقه، ولعل المراد ما ذكره الشيخ إن ظن صدقه عمل بظنه، لا بتسبيحه، وأطلق أحمد لا يرجع، بقوله وظاهر كلامهم يرجع إلى ثقتين، ولو ظن خطأهما، وذكره بعضهم نص أحمد. وجزم به الشيخ ويتوجه تخريج، واحتمال من الحكم مع الريبة، وظاهر كلامهم أن المرأة كالرجل في هذا، وإلا لم يكن لتنبيهها فائدة، ولما كره تنبيهها بالتسبيح ونحوه وقد ذكره صاحب النظم وذكر احتمالا في الفاسق كأذانه، وفيه نظر، ويتوجه في المميز خلاف، وكلامهم ظاهر فيه.
ـــــــ
الثاني: أخل المصنف رحمه الله بلزوم المأموم تنبيه الإمام، وقد قطع به الشيخ الموفق، وغيره من الأصحاب.

(2/318)


وإن قلنا يرجع فأبى بطلت صلاته. وصلاة متبعه عالما، لا جاهلا وساهيا، على الأصح في الكل، ولا يعتد بها مسبوق نص عليه، خلافا للقاضي والشيخ وتوقف في رواية أبي الحارث.
ويفارقه المأموم، اختاره الأكثر "و ش و هـ" إن سجد وعنه ينتظره ليسلم معه وجوبا، وعنه ندبا، وهما في متابعته "1لاحتمال ترك ركن قبل ذلك، فلا يترك يقين المتابعة بالشك وعنه يخير في انتظاره ومتابعته1".
وإن اختلفوا عليه سقط قولهم، وقيل يعمل بموافقه، وقيل عكسه ويرجع منفرد إلى يقين، وقيل لا، لأن من في الصلاة أشد تحفظا، قال القاضي والأول أشبه بكلام أحمد، لقوله في رجل قال طفنا سبعا، وقال الآخر ستا فقال: لو كانوا ثلاثة فقال اثنان سبعا. وقال الآخر ستا قبل قولهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول القوم2، فقد رجع إلى قول الاثنين، وإن كان "3رجلا واحدا3" غير مشارك له في طوافه، فدل ذلك لقول أبي بكر في الشك فيه، وعلى التسوية بينهما في الشك، وذكر في الفصول ما ذكره الأصحاب إن قام إلى خامسة أبطلت صلاته وصلاتهم، ومعنى قلنا تبطل: يخرج عن أن يكون فرضا، بل يسلم عقب الرابعة، وتكون لهم
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 يعني: حديث ذي اليدين وقد تقدم في الصفحة 263.
3 في "ط": رجلا واحدا.

(2/319)


نفلا وسبق في النية1.
ومن نوى ركعتين وقام إلى ثالثة نهارا فالأفضل أن يتم، خلافا لبعض الشافعية، وقاله "م" ما لم يركع في الثالثة، وكلامهم يدل على الكراهة أن كرهت الأربع نهارا، ولا يسجد لسهوه "م ش" لإباحة ذلك، وفي الليل ليس بأفضل "م ش" وفي الأصح الخلاف.
ـــــــ
1 ص 139.

(2/320)


فصل: ومن نسي ركنا
فذكره في قراءة التي بعدها لغت الركعة المنسي ركنها فقط "و" نص عليه، وقيل وما قبلها، وإن رجع عالما عمدا بطلت صلاته، وإن ذكر قبل قراءته عاد فأتى به وبما بعده نص عليه، لكون القيام غير مقصود في نفسه، لأنه يلزم منه قدر القراءة الواجبة وهي المقصودة، لا في ركوعه أو قبله فقط "م" ولا مطلقا، أو ملفقا "ش" وقال "هـ" مثله، ويأتي عنده بالسجدة متى ذكر.
ـــــــ
الثالث: قوله: وفي الليل ليس بأفضل، يعني الزيادة على ركعتين، وفي صحته الخلاف، يعني الآتي في صلاة التطوع2.
ـــــــ
2 ص 390.

(2/320)


ولو قام من السجدة الأولى وكان جلس للفصل لم يجلس له في الأصح، وإلا جلس. وفي الفنون يحتمل جلوسه وسجود بلا جلسة. وفي المنهج من ترك ركنا ناسيا فذكر حين شرع في آخر بطلت الركعة، وحكى رواية، فعلى الأول إن لم يعد عمدا بطلت وسهوا بطلت الركعة، وقيل إن لم يعده لم يعتد بما يفعل بعد ما تركه.
وقال في الفصول: إن ترك ركوعا أو سجدة فلم يذكر حتى قام إلى الثانية جعلها أوليته، وإن لم ينتصب قائما عاد فأتم الركعة، كما لو ترك القراءة يأتي بها، إلا أن يذكر بعد الانحطاط من قيام تلك الركعة فإنها تلغو، وتجعل الثانية أولى، كذا قال، وإن ذكر بعد السلام أتى بركعة مع قرب الفصل "و" عرفا، ولو انحرف عن القبلة، أو خرج من المسجد نص عليه، وقيل ما دام بالمسجد، وسجد قبل السلام نص عليهما، وقيل يأتي بالركن وبما بعده، وقيل لمسجد بعد السلام. وقال أبو الخطاب وجزم به في التبصرة والتلخيص تبطل، ونقله الأثرم وغيره، وإن كان المتروك ركعة لم تبطل.
ومتى شرع في صلاة مع قرب الفصل عاد فأتم الأولى "و ش" وعنه: يستأنفها "و م" لتضمن عمله قطعا بينها وقاله "هـ" إن سجد في الركعة الأولى
ـــــــ
................

(2/321)


من الأخرى، وإلا عاد، وعن أحمد يستأنفها إن كان ما شرع فيه نفلا، وعند أبي الفرج يتم الأولى من الثانية.
وفي الفصول فيما إذا كانتا صلاتي جمع أتمها ثم سجد عقبها للسهو عن الأولى. لأنهما كصلاة واحدة ولم يخرج من المسجد وما لم يخرج منه يسجد عندنا للسهو.
ومن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر في التشهد أتم الرابعة وأتى بثلاث بعدها، وسجد للسهو، وسلم، نقله الجماعة وعنه يبني على تكبيرة الإحرام، وعنه تصح ركعتان "و ش" وعنه تبطل ولا يسجد في الحال أربعا "هـ" وإن ذكر بعد سلامه فقيل كذلك ونصه بطلانها "م 2" وإن ذكر وقد قرأ في الخامسة فهي أولاه، وتشهده قبل سجدتي
ـــــــ
مسألة 2: قوله بعد حكم من نسي أربع سجدات من أربع ركعات وإن ذكر بعد سلامه فقيل كذلك ونصه بطلانها انتهى، المنصوص هو الصحيح من المذهب، جزم به الشيخ في المغني1، والشارح وابن حمدان في رعايته الصغرى، وابن رزين في شرحه، والحاوي الصغير، والتلخيص، وقال ابتدأ الصلاة رواية واحدة، وقدمه ابن تميم، وابن حمدان في رعايته الكبرى، وصاحب الفائق، واختاره ابن عقيل، قال الزركشي قلت قياس المذهب قول ابن عقيل، وقيل حكم ذلك حكم من ذكر قبل السلام، قال المجد في شرحه إنما يستقيم قول ابن عقيل على قول أبي الخطاب فيمن ترك ركنا فلم يذكره حتى سلم إن صلاته تبطل، فأما على منصوص أحمد في البناء إذا ذكر قبل طول الفصل فإنه يصنع كما يصنع إذا ذكر في التشهد. انتهى.
ـــــــ
1 2/434.

(2/322)


الأخيرة زيادة فعلية، وقبل السجدة الثانية زيادة قولية.
وإن نسي التشهد الأول حتى انتصب فعنه يمضي "و ش" وجوبا كما لو قرأ "و" وعنه يجب الرجوع والأشهر يكره، وعنه يخير "م 3" ويسجد للسهو، ويتبعه المأموم، وقيل يتشهد وجوبا، وإن لم ينتصب رجع، ولو فارق الأرض "م" أو كان أقرب إلى القيام "هـ".
ـــــــ
مسألة 3: قوله وإن نسي التشهد الأول حتى انتصب فعنه يمضي وجوبا، كما لو قرأ وعنه يجب الرجوع، والأشهر يكره، وعنه يخير، انتهى.
الأشهر الذي قاله المصنف هو الصحيح، وهو كراهة رجوعه، صححه الناظم، وقدمه في مجمع البحرين والمجد في شرحه، ونصره قال في المحرر والمغني أولى، قال في الحاوي الكبير والأولى له أن لا يرجع وهو أصح، وجزم به في الهداية والتلخيص، وناظم المفردات، وغيرهم، قال الشارح الأولى له أن لا يرجع، وإن رجع جاز، قال في المقنع1 وشرح ابن رزين لم يرجع، وإن رجع جاز انتهى.
ورواية عدم رجوعه ومضيه في صلاته وجوبا اختارها الشيخ في المغني2، وصاحب الفائق، وأما رواية الخيرة في الرجوع وعدمه فلم أر أحدا اختارها من الأصحاب، وكذا رواية وجوب رجوعه، مع أن ظاهر كلامه أنه أطلق الخلاف في وجوب المضي والرجوع والخيرة، على أن القول بأن الأشهر الكراهة هو المذهب.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/58.
2 2/423.

(2/323)


وعلى مأموم اعتدل أن يتبعه ويسجد للسهو في الأصح، وعنه إن كثر نهوضه. وفي التلخيص إن بلغ حد ركوع وكذا تسبيح ركوع وسجود وكل واجب، فيرجع إلى تسبيح ركوع قبل اعتداله.
وفيه بعده ولم يقرأ وجهان "م 4" وقيل لا يرجع، وتبطل بعمده، وإن
ـــــــ
مسألة 4: قوله وكذا تسبيح ركوع وسجود وكل واجب، فيرجع إلى تسبيح ركوع قبل اعتداله، وفي رجوعه بعد الاعتدال ولم يقرأ وجهان انتهى.
أحدهما: لا يرجع وجوبا، وهو الصحيح، وجزم به في المغني1، والشرح2، وشرح ابن رزين، والمنور وغيرهم، وقدمه في الحاوي الكبير، والفائق.
والوجه الثاني: يجوز له الرجوع3، كما في التشهد، اختاره القاضي، وقطع به في الرعايتين، واقتصر عليه في المحرر، وقدمه في شرح الهداية، فقال وإن انتصب فالأولى أن لا يرجع، فإن رجع جاز، ذكره القاضي كالتشهد الأول، وقيل لا يجوز له أن يرجع انتهى، وظاهر كلامه في الحاوي الصغير إطلاق الخلاف فإنه
ـــــــ
1 2/423.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/63.
3 في "ط": الركوع.

(2/324)


جاز أدرك مسبوق الركعة به، وقيل لا، لأنه نفل، وكرجوعه إلى ركوع سهوا، وعند الحنفية إن لم يرجع مسبوق ليسجد مع إمامه للسهو قبل أن يأتي بركعة بسجدتيها بطلت، وبعد السجود تبطل برجوعه قال ابن عقيل إن قام مسبوق لنقص1 فهل يعود إلى سجود سهو مع إمامه؟ فعنه يعود كالتشهد، وسجود الصلب وعنه لا كالتشهد الأول وعنه يخير لشبهه بهما.
ـــــــ
1 في "س": لبيقض.

(2/325)


فصل: ومن شك في عدد الركعات أخذ باليقين،
اختاره الأكثر، منهم أبو بكر "و م ش" وزاد يبني الموسوس على أول خاطر، كطهارة، وطواف ذكره ابن شهاب وغيره، وذكره صاحب المحرر، مع أنه ذكر هو وغيره أنه يكفي ظنه في وصول الماء إلى ما يجب غسله ويأتي في الطواف2 قول أبي بكر وغيره، فالطهارة مثله.
ـــــــ
قال: كره عوده، وصح عند القاضي. وقال صاحب المغني لا يرجع إلى واجب3 سوى التشهد الأول انتهى، وقوله: "4وفيه بعده أي الركوع4" ولم يقرأ وجهان، ليس بعد الاعتدال قراءة، ولعله أراد ما يقال بعد الاعتدال من الذكر والله أعلم.
ـــــــ
2 6/41.
3 في "ط": سابق.
4 ليست في النسخ ااخطية والمثبت من "ط".

(2/325)


وعنه: بظنه "و هـ" وزاد ليستأنفها من يعرض له أولا، اختاره شيخنا، قال وعلى هذا عامة أمور الشرع، وأن مثله يقال في طواف وسعي ورمي جمار وغير ذلك، وعند الإمام بظنه، لأن له من ينبهه اختاره الشيخ، وذكره في المذهب، واختلف في اختيار الخرقي، ومرادهم ما لم يكن المأموم واحدا، فإن كان فباليقين، لأنه لا يرجع إليه، وبدليل المأموم الواحد لا يرجع إلى فعل إمامه، ويبني على اليقين للمعنى المذكور، ويعابا بهما، فإن استويا فبالأقل "و".
ولا أثر لشك من سلم نص عليه، وقيل بلى مع قصر الزمن، ويأخذ مأموم بفعل إمامه، وعند "م" باليقين كمأموم واحد وكفعل نفسه في ظاهر المذهب فيه، وكالإمام، فالإمام لا يرجع إلى فعل المأموم في ظاهر
ـــــــ
.............

(2/326)


كلامهم للأمر بالتنبيه، وذكره بعضهم، ويتوجه تخريج واحتمال، وفيه نظر، ونقل أبو طالب إذا صلى بقوم تحرى ونظر إلى من خلفه، فإن قاموا تحرى وقام، وإن سبحوا به تحرى وفعل ما يفعلون قال في الخلاف: ويجب حمل هذا على أن للإمام رأيا، فإن لم يكن بنى على اليقين.
ومن شك في ترك ركن فباليقين، وقيل هو كركعة قياسا، وقاله أبو الفرج في قول وفعل.
وإن شك في ترك ما يسجد لتركه فوجهان.
ـــــــ
مسألة 5: قوله: ومن شك في ترك ركن فباليقين وإن شك في ترك ما يسجد لتركه فوجهان انتهى. وأطلقهما في الكافي1، والمقنع2، والتلخيص، والبلغة والرعاية الصغرى والحاويين، والقواعد الأصولية، وغيرهم:
أحدهما: لا يلزمه، وهو الصحيح وعليه أكثر الأصحاب، قال في المذهب هو قول أكثر أصحابنا، قال في مجمع البحرين لم يسجد في أصح الوجهين، واختاره
ـــــــ
1 1/380.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/71.

(2/327)


"م 5" وعنه يسجد لشكه في زيادة، اختاره القاضي، كشكه فيها وقت فعلها, فلو بان صوابه أو سجد ثم بان لم يسه أو سها بعده قبل سلامه في
ـــــــ
ابن حامد، والشيخ الموفق، والمجد في شرحه، فقال والأصح أنه لا يسجد، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة، والرعاية الكبرى، وشرح ابن رزين وغيرهم.
والوجه الثاني: يلزمه السجود وصححه في التصحيح، والشرح والنظم، واختاره القاضي، وابن عبدوس في تذكرته وغيرهما، وجزم به في الإفادات، والمنور وغيرهما، وقدمه في المحرر والفائق وغيرهما، وحكى المجد في شرحه أن القاضي أبا الحسين قال رجع والدي عن هذا أخيرا، وقال ظاهر كلام الإمام أحمد يقتضي السجود لذلك انتهى

(2/328)


سجوده قبل السلام فوجهان، "م 6 – 8".
ولا يسجد مأموم لسهوه "و" بل لسهو إمامه معه "و" ولو لم يتم التشهد
ـــــــ
مسألة 6: فلو بان صوابه يعني إذا شك في عدد الركعات فبنى على اليقين أو على غالب ظنه ثم زال شكه وتيقن أنه مصيب، أو سجد ثم بان لم يسه أو سها بعده قبل سلامه في سجوده قبل السلام فوجهان انتهى.
ذكر المصنف ثلاث مسائل:
المسألة الأولى-6: وهي ما إذا شك في عدد الركعات، أو ترك واجب، وبنى على اليقين، أو على غالب ظنه، ثم زال شكه في الصلاة وتيقن أنه مصيب فهل يجب عليه السجود أم لا أطلق الوجهين:
أحدهما: لا سجود عليه، وهو الصحيح، جزم به المجد في شرحه، وابن عبد القوي في مجمع البحرين، وقدمه ابن تميم، وابن حمدان في الرعاية الكبرى.
والوجه الثاني: يسجد، قال ابن تميم وفيه وجه يسجد قاله صاحب التلخيص ولم أره فيه، وقدمه في القواعد الأصولية.
المسألة الثانية 7: إذا سجد لسهو ظنه، ثم ذكر أنه لم يسه، فهل يجب عليه السجود ثانيا أم لا أطلق الخلاف فيه، وأطلقه المجد في شرحه، وابن تميم في أواخر الباب، وابن حمدان في رعايتيه، وصاحب الحاويين:

(2/329)


ثم يتمه، وقيل: ثم يعيد السجود، وإن نسي إمامه سجد هو على الأصح "خ" ويسجد مسبوق مع إمامه إن سها إمامه فيما أدركه، وكذا فيما لم يدركه "م" إن لحق دون ركعة وعنه إن سجد قبل السلام "و م ش" وإلا قضى بعد سلام إمامه ثم سجد وعنه: يقضي ثم يسجد، ولو سجد إمامه قبله وعنه يخير في متابعته، وعنه يسجد معه ويعيده "خ".
وإن نسي إمامه سجد هو "و هـ" وإن أدركه في إحدى سجدتي السهو سجد معه، فإذا سلم أتى بالثانية ثم قضى صلاته نص عليه، وقيل لا يأتي بها، بل يقضي صلاته بعد سلام إمامه ثم يسجد.
ـــــــ
أحدهما: يسجد، وهو الصحيح جزم به في التلخيص "قلت" وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
والوجه الثاني: لا يسجد، وهو ظاهر ما اختاره في مجمع البحرين، وهذه مسألة الكسائي، مع أبي يوسف ذكره في مجمع البحرين، وتبعه في النكت، فإن الكسائي قال يتقوى بالعربية على كل علم، فسأله أبو يوسف عند ذلك في حضرة الرشيد عن هذه المسألة فقال المصغر لا يصغر.
المسألة الثالثة 8: إذا سها بعد سجود السهو قبل سلامه فهل يسجد له أم لا أطلق الخلاف، وأطلقه المجد في شرحه وابن تميم وابن حمدان في رعايتيه:
أحدهما: لا يسجد، هو الصحيح، قال في مجمع البحرين والمصنف في النكت لا يسجد له أقوى الوجهين، وجزم به في المغني1 والشرح2، فقالا لو سها بعد سجود السهو لم يسجد لذلك. انتهى.
والوجه الثاني: يسجد له.
ـــــــ
1 2/444.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/7.

(2/330)


وإن أدركه بعد سجود السهو وقبل السلام لم يسجد، ذكره في المذهب، وإن سها فسلم معه أو سها معه أو فيما انفرد1 به سجد.

(2/331)


فصل: محل سجود السهو ندبا
"و" ذكره القاضي وأبو الخطاب، وجزم به صاحب المحرر وغيره، وذكره بعض المالكية وبعض الشافعية "ع" وكذا قال القاضي لا خلاف في جواز الأمرين، وإنما الكلام في الأولى والأفضل، فلا معنى لادعاء النسخ، وقيل وجوبا، واختاره شيخنا، وإن عليه يدل كلام أحمد، وهو ظاهر كلام المستوعب، والتلخيص والشيخ، وغيرهم، وقول أبي يوسف ومحمد وقول الشافعي قبل السلام: إلا إذا سلم عن نقص أو أخذ بظنه، هذا المذهب، وأطلق أكثرهم النقص. وقال صاحب الخلاف والمحرر وغيرهما نقص ركعة، وإلا قبله، نص عليه، وقد سبق2، وعند كله قبله "و ش" اختاره
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 بعدها في "ط": به.
2 ص 313.

(2/331)


أبو محمد الجوزي وابنه وأبو الفرج، قال في الخلاف وغيره: وهو القياس، وعنه عكسه "و م" وعنه من نقص بعده، ومن زيادة قبله، وعنه عكسه، "و هـ" فيسجد من أخذ باليقين قبله "م" لأمره عليه السلام الشاك أن يدع الرابعة ويسجد1 قيل: احتج به أحمد، ومن أخذ بظنه بعده، اختاره شيخنا.
ويكفيه لجميع السهو سجود، ولو اختلف محلهما أو شك هل سجد للسهو في المنصوص "و هـ" قيل: يغلب ما قبل السلام "و م" وحكى بعده، وقيل: الأسبق وأطلق القاضي، وغيره لا يجوز إفراد سهو بسجود، بل يتداخل "م 9" ويكفيه سجود في الأصح لسهوين: أحدهما جماعة والآخر منفردا.
ـــــــ
مسألة 9: قوله: ويكفيه لجميع السهو سجود ولو اختلف محلهما أو شك هل سجد للسهو في المنصوص قيل يغلب ما قبل السلام وحكى بعده، وقيل الأسبق وأطلق القاضي وغيره لا يجوز إفراد سهو بسجود، بل يتداخل انتهى، إذا قلنا يكفيه لجميع السهو سجود واحد وهو الصحيح من المذهب والمنصوص عن الإمام أحمد فهل يغلب ما قبل السلام، أو الأسبق؟ أطلق الخلاف، وأطلقه المجد في شرحه ومحرره والحاوي الكبير وابن تميم :
أحدهما: يغلب ما قبل السلام وهو الصحيح، قال في مجمع البحرين يغلب ما قبل السلام في أقوى الوجهين، وجزم به في المغني2 والكافي3
ـــــــ
1 يعني: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن سلم" . أخرجه الترمذي "398" وابن ماجه "1209".
2 2/437.
3 1/382.

(2/332)


وإن نسي سجود السهو فعنه يقضيه مع قصر الفصل "و ش" وعنه وبقائه في المسجد، ولعله أشهر وعنه ولم يتكلم "و هـ" وعنه لا يسجد مطلقا "و م" فيما بعده، وإن بعد فيما قبله أعاد، وعنه عكسه اختاره شيخنا، وقيل يسجد بالمسجد "10، 11" وإن أحدث بعد صلاته ففي السجود
ـــــــ
والشرح1 وشرح ابن رزين وغيرهم، وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وشرح ابن منجى وغيرهم "والوجه الثاني" يغلب أسبقهما، وقوعا "قلت" وهو قوي.
تنبيهان
الأول: إذا قلنا لا يغلب الأسبق وقوعا فهل يغلب ما قبل السلام على ما بعده، أو عكسه؟ حكى المصنف قولين، وقدم، أنه يغلب ما قبل السلام على ما بعده، وهو الصحيح من المذهب، والله أعلم، وأطلقهما ابن تميم
الثاني: قوله: وأطلق القاضي وغيره لا يجوز إفراد سهو بسجود بل يتداخل، لعله لا يجوز إفراد كل سهو بزيادة كل، ويدل عليه قوله بل يتداخل.
مسألة 10: قوله: وإن نسي سجود السهو فعنه يقضيه مع قصر الفصل وعنه وبقائه بالمسجد، ولعله أشهر، وعنه ولم يتكلم، وعنه لا يسجد مطلقا، وعنه عكسه، اختاره شيخنا، وقيل يسجد بالمسجد انتهى.
ذكر المصنف في هذه المسألة عدة أقوال:
أحدها: أنه يقضيه مع قصر الفصل، وبقائه في المسجد، وهو الصحيح من المذهب، نص عليه قال المصنف هنا، ولعله أشهر، قال ابن منجى في شرحه، والزركشي: هذا المذهب، قال في تجريد العناية: سجد ولو تكلم، ما لم يطل فصل، أو يخرج من المسجد على الأظهر، وجزم به في الإفادات، والمنور، وقدمه في الهداية، والخلاصة والمقنع2، والمغني3، والشرح2 ونصراه
ـــــــ
1 4/91.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/85.
3 2/430.

(2/333)


لو توضأ وجهان "م 12" وإن ذكره في صلاة سجد إذا سلم، أطلقه بعضهم،
ـــــــ
والتلخيص، والمحرر، ومختصر ابن تميم، والرعاية الصغرى، والحاويين ومجمع البحرين، وإدراك الغاية، وغيرهم، قال في الرعاية الكبرى: فإن نسيه قبله سجد بعده إن قرب الزمن، وقيل أو طال، وهو في المسجد انتهى.
وعنه: يشترط أيضا أن لاينكلم ذكره المصنف والشريف أبو جعفر في مسائله.
وعنه: يسجد مع قصر الفصل ولو خرج من المسجد، اختاره القاضي، والمجد في شرحه، وهو ظاهر كلامه في الوجيز لأنه قال: فإن نسيه، وسلم سجد إن قرب منه، انتهى. وقال ابن تميم بعد أن قدم الأول، وإن خرج من المسجد ولم يطل سجد في أصح الوجهين، وقدمه الزركشي. وقال نص عليه في رواية ابن منصور، وهو ظاهر ما قدمه في الكافي، فإنه قال: فإن نسي السجود فذكره قبل طول الفصل سجد انتهى.
وعنه لا يسجد مطلقا، يعني سواء قصر الفصل أو طال، خرج من المسجد أو لا.
وعنه أنه يسجد مطلقا، يعني سواء قصر الفصل أو طال، خرج من المسجد أو لا، عكس التي قبلها، اختاره الشيخ تقي الدين، وجزم به ابن رزين في نهايته.
وقيل يسجد مع طول الفصل ما دام في المسجد، وهو ظاهر كلام الخرقي. وقال ابن عقيل في تذكرته وإذا سها أنه سها فإنه يسجد ما دام في المسجد.
"تنبيه" الذي يظهر أن محل الخلاف المطلق في مكانين:
أحدهما: القضاء مع قصر الفصل، والقضاء مطلقا وعدمه مطلقا.
والثاني: إذا قلنا بالقضاء مع قصر الفصل فهل يشترط أن يكون باقيا في المسجد، أم لا، أما إذا قلنا باشتراط البقاء في المسجد فهل يشترط عدم التكلم أم لا، فليس من الخلاف المطلق، إذا علم هذا فرواية القضاء مطلقا وعدمه مطلقا لا يقاومان رواية التفصيل في الترجيح، ولكن رواية السجود مطلقا لها قوة، وأما الخلاف في اشتراط بقائه في المسجد وعدمه مع قصر الفصل فقوي من الجانبين، فهذا الذي ينبغي أن يكون الخلاف فيه مطلقا، والله أعلم، ولعله أراد ذلك لا غير.
مسألة 12: قوله: فإن أحدث بعد صلاته ففي السجود لو توضأ وجهان.

(2/334)


وقيل مع قصر فصل، ويخففها مع قصره ليسجد. ومتى سجد بعد السلام تشهد "و هـ م" التشهد الأخير، ثم في توركه إذا في أثنائه1 وجهان "م 13"، وقيل: لا يتشهد، واختاره شيخنا كسجوده قبل السلام، ذكره في الخلاف "ع" ولا يحرم له، وسجوده للسهو وما يقول فيه وبعد الرفع منه كسجود الصلب، لأنه أطلقه في قصة ذي اليدين2، فلو خالف عاد بنية
ـــــــ
انتهى وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان، والمصنف في حواشيه:
أحدهما: حكمه حكم عدم الحدث كما تقدم فيرجع فيه قصر الفصل وطوله، وخروجه على ما تقدم وهو الصواب، وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الكبرى "قلت" وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب لإطلاقهم السجود.
والوجه الثاني: لا يسجد هنا إذا توضأ، سواء قصر الفصل أو لا، خرج من المسجد أم لا، والله أعلم.
مسألة 13: قوله: ومتى سجد بعد السلام تشهد التشهد الأخير، ثم في توركه إذن في أثنائه وجهان انتهى، وأطلقهما في الرعايتين، ومختصر ابن تميم، والحاويين "أحدهما" لا يتورك بل يفترش، وهو الصحيح، صححه في مجمع البحرين والمجد في شرحه، وقال هو ظاهر كلام الإمام أحمد، وقدمه في المغني3 والشرح4 وشرح ابن رزين وغيرهم، ذكروه في صفة الصلاة "والوجه الثاني" يتورك اختاره القاضي ويحتمله كلام الإمام أحمد.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: ثنائه والمثبت من "ط".
2 تقدمت ص 269.
3 2/228.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/584.

(2/335)


ومن ترك سجود السهو الواجب عمدا بطلت بما قبل السلام "و ش" لا بما بعده "و" على الأصح فيهما، وفي صلاة المأموم الروايتان، قال في الفصول: ويأثم بترك ما بعد السلام، وإنما لم تبطل لأنه منفرد عنها، واجب لها كالأذان.
ولا سجود لسهو في جنازة، وسجود تلاوة وسهو "و" والنفل كالفرض "و" وسبق سجود السهو لنفل على راحلة، ويأتي في صلاة الخوف1.
ـــــــ
تنبيه: قوله: ومن ترك سجود السهو الواجب عمدا بطلت بما قبل السلام، لا بما بعده على الأصح فيهما، وفي صلاة المأموم الروايتان. انتهى. ظاهر هذه العبارة أن بطلان صلاة المأموم مبني على بطلان صلاة الإمام، وأن فيه الروايتين اللتين في صلاة الإمام تصحيحا ومذهبا، وقد قال المجد في شرحه ومن تبعه إذا بطلت صلاة الإمام ففي بطلان صلاة المأموم روايتان انتهى، فهذا مخالف لما قاله المصنف. وقال في الرعاية الكبرى ومن تعمد ترك السجود الواجب قبل السلام بطلت صلاته وعنه لا تبطل، كالذي بعده في الأصح فيه، وتبطل صلاة المنفرد والإمام دون المأموم، وقيل إن بطلت صلاة الإمام بتركه ففي صلاة المأموم روايتان، وقيل وجهان انتهى فظاهر ما قدمه أنه موافق لما قال المصنف، فهذه ثلاث عشرة مسألة قد فتح الله بتصحيحها.
ـــــــ
1 3/199-120.

(2/336)


باب صلاة التطوع
مدخل
...
باب صلاة التطوع
التطوع في الأصل: فعل الطاعة، وشرعا وعرفا طاعة غير واجبة والنفل والنافلة الزيادة، والتنفل التطوع.
أفضل تطوعات البدن الجهاد، أطلقه الإمام والأصحاب رحمهم الله فالنفقة فيه أفضل، ونقل جماعة الصدقة على قريبه المحتاج أفضل مع عدم حاجته إليه، ذكره الخلال وغيره، وعن خريم بن فاتك1 مرفوعا: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت بسبعمائة ضعف" رواه أحمد والنسائي والترمذي، وحسنه وابن حبان في صحيحه2، وترجم عليه ذكر تضعيف النفقة في سبيل الله على غيره من الطاعات.
ولأحمد3 وغيره "من عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها، ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف" ، وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مرفوعا "أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله، ومنيحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله" القاسم تكلم فيه، رواه الترمذي4. وقال حسن صحيح غريب وقيل رباط أفضل من جهاد، وحكي رواية، ونقل ابن هانئ أن أحمد
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أبو يحى خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك له صحبة نزل الرقة. روى له أصحاب السنن الأربعة. تهذيب الكمال 6/239.
2 أحمد "19036" النسائي في المجتبى 6/49. الترمذي "1625" ابن حبان "7647.
3 في مسنده "18900".
4 في سننه "1627".

(2/337)


قال لرجل أراد الثغر أقم على أختك أحب إلي، أرأيت إن حدث بها حدث من يليها؟ ونقل حرب أنه قال لرجل له مال كثير: أقم على ولدك وتعاهدهم أحب إلي، ولم يرخص له، يعني في غزو غير محتاج إليه.
وقال شيخنا، واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله، وهي في غيره تعدله، للأخبار الصحيحة المشهورة، وقد رواها أحمد1، ولعل هذا مراد غيره، وقال: العمل بالقوس والرمح أفضل في الثغر. وفي غيره نظيرها. وفي المتفق عليه2 عن أبي هريرة مرفوعا: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله" وأحسبه3 قال: وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر. وفي لفظ للبخاري4 أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل قال ابن هبيرة: المجاهد في سبيل الله له مع أجر الجهاد كأجر الصائم القائم، مضافا إلى فضيلة الجهاد كذا قال، وقد روى أحمد عن
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 من ذلك ما اخرجه في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر" قالوا: يارسول الله الجهاد في سبيل الله قال: فأكبره فقال: ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسهوماله في سبيل الله ثم تكون مهجة نفسه فيه". و "9481" من حديث أبي هريرة مرفوعا: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم.." وقد ذكره ابن قندس في الحاشية.
2 البخاري "6007" مسلم "2982" "41".
3 الشك في عبد الله بن مسلمة القعنبي الراوي عن مالك.
4 في صحيحه "6006".

(2/338)


يحيى بن سعيد عن عبد الله بن سعيد عن أبي هند عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس عن أبي بحرية عبد الله بن قيس عن أبي الدرداء مرفوعا: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال ذكر الله" . إسناد جيد رواه الترمذي وابن ماجه1، ولأحمد2 معناه من حديث معاذ، وفيه انقطاع ورواهما مالك3 موقوفين.
وسأله أبو داود: يوم العيد بالثغر قوم لحفظ الدروب، وقوم يصلونها أيما أحب إليك، قال كل، وعنه العلم: تعلمه وتعليمه أفضل من الجهاد وغيره "و هـ م" نقل مهنا "طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته"، قيل فأي شيء تصحيح النية؟ قال: ينوي بتواضع، وينفي عنه الجهل. وقال لأبي داود: شرط النية شديد، حبب إلي فجمعته، وسأله ابن هانئ: يطلب الحديث بقدر ما يظن أنه قد انتفع به، قال: العلم لا يعدله شيء، ونقل ابن منصور إن تذاكر بعض ليلة أحب إلى أحمد من إحيائها وإنه
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 الترمذي "3377" ابن ماجه "3790" أحمد "21702".
2 في مسنده "22079".
3 في الموطأ 1/211.

(2/339)


العلم الذي ينتفع به الناس في أمر دينهم، قلت: الصلاة، والصوم والحج، والطلاق ونحو هذا؟ قال: نعم.
قال شيخنا: من فعل هذا أو غيره ومما هو خير في نفسه لما فيه من المحبة له، لا لله ولا لغيره من الشركاء، فليس مذموما، بل قد يثاب بأنواع من الثواب: إما بزيادة فيها وفي أمثالها، فيتنعم بذلك في الدنيا، ولو كان كل فعل حسن لم يفعل لله مذموما لما أطعم الكافر بحسناته في الدنيا، لأنها تكون سيئات وقد يكون من فوائد ذلك وثوابه في الدنيا أن يهديه الله إلى أن يتقرب بها إليه، وهذا معنى قول بعضهم: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، وقول الآخر: طلبهم له نية، يعني "نفس طلبه حسنة تنفعهم "، وهذا قيل في العلم لأنه الدليل المرشد، فإذا طلبه بالمحبة وحصله وعرفه، بالإخلاص فالإخلاص لا يقع إلا بالعلم، فلو كان طلبه لا يكون إلا بالإخلاص لزم الدور، وعلى هذا ما حكاه أحمد، وهو حال النفوس المحمودة، ومن هذا قول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم: كلا، والله لا يخزيك الله أبدا1، فعلمت أن النفس المطبوعة على محبة الأمر المحمود وفعله لا يوقعه الله فيما يضاد ذلك.
وفي الفنون: إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن يظهر عليه أثرها، ومما أنعم الله علي أن حبب إلي العلم، فهو أسنى الأعمال، وأشرفها، واختاره غيره أيضا.
ـــــــ
1 هو جزء من حديث طويل في قصة بدء الوحي أخرجه البخاري "3" ومسلم "160" عن عائشة.

(2/340)


ونقل المروذي فيمن يطلب العلم وتأذن له والدته وهو يعلم أن المقام أحب إليها، قال1: إن كان جاهلا لا يدري كيف يطلق ولا يصلي فطلب العلم أحب إلي، وإن كان قد عرف فالمقام عليها أحب إلي، وهذا لعله يوافق على أفضلية الجهاد ما سبق من رواية حرب وابن هانئ، وكلام الأصحاب هنا يدل على أن من العلم ما يقع نفلا، وجزم به في الرعاية في الجهاد في طلب العلم بلا إذن، وصرح به من الأئمة إسحاق، نقله ابن منصور، لأنه لا تعارض بين نفل وواجب، فيجب من القرآن ما يجزي الصلاة، وهو الفاتحة على المذهب، ونقل الشالنجي2: أقل ما يجب الفاتحة وسورتان، وهو بعيد، لم أجد له وجها، ولعله غلط، وذكر ابن حزم أنهم اتفقوا أن حفظ شيء منه واجب، وأنه لا يلزمه حفظ أكثر من البسملة والفاتحة وسورة معها، وعلى استحسان حفظ جميعه، وأن ضبط جميعه واجب على الكفاية، ويأتي ذلك في الباب.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 يعني: الإمام أحمد.
2 أبو إسحاق أسماعيل بن سعيد الشالنجي صاحب الإمام أحمد روى عنه مسائل كثيرة له كتاب البيان على ترتيب الفقهاء. "ت230هـ" وقيل: "ت234هـ". المنهج الأحمد 1/375 مختصر طبقات الحنابلة 63.

(2/341)


قال أحمد: ويجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه، قيل له: فكل العلم يقوم به دينه، قال: الفرض الذي يجب عليه في نفسه لا بد له من طلبه، قيل مثل أي شيء؟ قال الذي لا يسعه جهله: صلاته، وصيامه، ونحو ذلك، ومراد أحمد ما يتعين وجوبه، وإن لم يتعين ففرض كفاية، وذكره الأصحاب ومنع الآمدي في خلو الزمان عن مجتهد كون التفقه في الدين من فروض الكفايات؛ اكتفاء برجوع العوام إلى المجتهدين في العصر السابق، وهذا غريب، فمتى قامت طائفة بما لا يتعين وجوبه قامت بفرض كفاية ثم من تلبس به نفل في حقه، ووجوبه مع قيام غيره دعوى تفتقر إلى دليل.
وصرح بعض الحنفية والشافعية بأنه فرض كفاية، وأنه لا يقع نفلا، وأنه إنما كان أفضل لأن فرض الكفاية أفضل من النفل، ولعل المراد ما لم يكن النفل سببا فيه، فإن ابتداء السلام أفضل من رده للخب1ر، وجعل بعض الشافعية ذلك حجة في أن صلاة الجنازة المتكررة فرض كفاية كما يأتي عنهم، وصرح به بعضهم في رد السلام المتكرر، ولم أجد ما قاله
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 لعاه يشير إلى ما أخرج البخاري "6077" ومسلم "2560" عن أبي أيوب الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما هو الذي يبدأ بالسلام".

(2/342)


الشافعية في غير ذلك، ولا الحنفية إلا في العلم ويأتي كلام شيخنا في صلاة الجنازة أن فرض الكفاية إذا فعل ثانيا أنه فرض كفاية في أحد الوجهين، فعلى هذا لا مدخل له هنا، وكذا الجهاد، وسيأتي1 والله أعلم.
وقد ذكر شيخنا أن تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد وأنه من نوع الجهاد من جهة أنه من فروض الكفايات، قال: والمتأخرون من أصحابنا أطلقوا القول: أفضل ما تطوع به الجهاد، وذلك لمن أراد أن ينشئه تطوعا باعتبار أنه ليس بفرض عين عليه، باعتبار أن الفرض قد سقط عنه، فإذا باشره وقد سقط الفرض فهل يقع فرضا أو نفلا؟ على وجهين كالوجهين في صلاة الجنازة إذا أعادها بعد أن صلاها غيره، وابتنى على الوجهين جواز فعلها بعد العصر، والفجر مرة ثانية والصحيح أن ذلك يقع فرضا، وأنه يجوز فعلها بعد العصر والفجر، وإن كان ابتداء الدخول فيها تطوعا كما في التطوع الذي لزم بالشروع فإنه كان نفلا، ثم يصير إتمامه واجبا، وليحذر العالم ويجتهد فإن دينه أشد. نقل المروذي: العالم يقتدى به، ليس العالم مثل الجاهل، ومعناه لابن المبارك وغيره. وقال الفضيل بن عياض: يغفر لسبعين جاهلا قبل أن يغفر لعالم واحد. وقال شيخنا: أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، فذنبه من جنس ذنب اليهود، والله أعلم.
وفي آداب عيون المسائل: العلم أفضل الأعمال، وأقرب العلماء إلى الله وأولاهم به أكثرهم له خشية، وذكر أكثر الأصحاب بعد الجهاد والعلم
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ص 336 و 10/201.

(2/343)


الصلاة "ش" في تقديمها، للأخبار في أنها أحب الأعمال إلى الله وخيرها1، ولأن مداومته عليه السلام على نفلها أشد، ولقتل من تركها تهاونا؛ ولتقديم فرضها، وإنما أضاف الله تعالى إليه الصوم في قوله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، "2وأنا أجزي به2""3. فإنه لم يعبد به غيره في جميع الملل، بخلاف غيره، وإضافة عبادة إلى غير الله قبل الإسلام لا توجب عدم أفضليتها في الإسلام، فإن الصلاة في الصفا والمروة أعظم منها في مسجد من مساجد قرى الشام "ع" وإن كان ذلك المسجد ما عبد به غير الله قط، وقد أضافه إليه بقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} فكذا الصلاة مع الصوم.
وقيل أضاف الصوم إليه لأنه لا يطلع عليه غيره، وهذا لا يوجب أفضليته فإن من نوى صلة رحمه وأن يصلي ويتصدق ويحج كانت نيته عبادة يثاب عليها، ونطقه بما يسمعه الناس من كلمة التوحيد أفضل "ع".
وسأله عليه السلام رجل: أي العمل أفضل؟ قال: "عليك بالصوم فإنه لا مثل له" . إسناده حسن، رواه أحمد والنسائي من حديث أبي أمامة4، فإن صح فما سبق أصح،
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 من ذلك ما أخرج البخاري "527" ومسلم "85" "138" عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل قال: "الصلاة على وقتها" . الحديث.
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 أخرجه البخاري "1904" ومسلم "1151" "161" من حديث أبي هريرة.
4 أحمد "22139" النسائي 4/165.

(2/344)


ثم يحمل على غير الصلاة، أو بحسب السائل، وقيل الصوم، قال أحمد: لا يدخله رياء، قال بعضهم: وهذا يدل على أفضليته على غيره، ونقل المروذي ويوسف بن موسى في رجل أراد أن يصوم تطوعا فأفطر لطلب العلم، فقال1: إذا احتاج إلى طلب العلم فهو أحب إلي. وقال ابن شهاب: أفضل ما تعبد به المتعبد الصوم.
وقيل ما تعدى نفعه، وحمل صاحب المحرر وغيره أفضلية الصلاة على النفع القاصر كالحج، وإلا فالمتعدي أفضل، نقل المروذي إذا صلى2 واعتزل فلنفسه، وإذا قرأ فله، ولغيره يقرأ أعجب إلي.
وعن أبي الدرداء مرفوعا: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة" . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه3.
ونقل حنبل: "اتباع الجنازة أفضل من الصلاة "، وفي بعض كلام القاضي: أن التكسب للإحسان4 أفضل من التعلم، لتعديه، وظاهر كلام ابن الجوزي
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 يعني: الإمام أحمد.
2 بعدها في النسخ الخطية: وقرأ.
3 أحمد "27508" أبو داود "4919" الترمذي "2509".
4 في "ط": للإنسان.

(2/345)


وغيره أن الطواف أفضل من الصلاة فيه. وقال شيخنا، وذكره عن جمهور العلماء للخبر1، وقد نقل حنبل: نرى لمن قدم مكة أن يطوف، لأنه صلاة، والطواف أفضل من الصلاة، والصلاة بعد ذلك وعن ابن عباس: الطواف لأهل العراق، والصلاة لأهل مكة، وكذا عطاء، هذا كلام أحمد.
وذكر أحمد في رواية أبي داود عن عطاء والحسن ومجاهد الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف أفضل للغرباء، فدل ما سبق أن الطواف أفضل من الوقوف بعرفة لا سيما وهو عبادة بمفرده، يعتبر له ما يعتبر للصلاة غالبا.
وقيل الحج أفضل، لأنه جهاد وقالت عائشة: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" إسناده صحيح، رواه أحمد وابن ماجه2. ولأحمد والبخاري3 عنها: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال: "لكن أفضل
ـــــــ
1 لعله يشير إلى ما أخرج البخاري "1614" ومسلم "1235" "190" عن عائشة: أن أول شئ قام ببه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ثم طاف بالبيت...بالحديث.
2 أحمد "25322" ابن ماجه "2901".
3 أحمد "24422" البخاري "1520".

(2/346)


الجهاد: حج مبرور".
وروى أبو يعلى الموصلي1 عن سناد بن فروخ وجماعة قالوا: ثنا القاسم بن الفضل، عن محمد بن علي، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحج جهاد كل ضعيف" . ورواه ابن ماجه2 عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع، عن القاسم كلهم ثقات، ورواه أحمد2 عن محمد بن علي هو الباقر3، ولد سنة ست وخمسين، وماتت أم سلمة في ولاية يزيد، ففي سماعه منها نظر.
وعن أبي هريرة مرفوعا: "جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة" رواه النسائي4.
وعن بريدة مرفوعا: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله". رواه أحمد5.
ولأحمد وأبي داود6 من حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبرني رسول مروان إلى أم معقل عنها مرفوعا: "الحج والعمرة في سبيل الله" وعن أم معقل أيضا مرفوعا: "الحج في سبيل الله" رواه أبو داود7 من حديث محمد بن إسحاق بصيغة "عن"
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في مسنده "6916" و "7029".
2 ابن ماجه "2902" أحمد "2652".
3 أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين المدني ولد زين العابدين اشتهر بالباقر من: بقر العلم أي: شقه فعرف أصله وخفيه. "ت114هـ". السير 4/401.
4 في المجتبى 5/113.
5 في مسنده "23000".
6 أحمد "27286" أبو داود "1988".
7 في سننه "1989".

(2/347)


فظهر من ذلك أن نفل الحج أفضل من صدقة التطوع، ومن العتق، ومن الأضحية ويأتي ذلك في صدقة التطوع والأضحية والعتق، وعلى ذلك إن مات في الحج فكما لو مات في الجهاد، ويكون شهيدا روى أبو داود1: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا بقية عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبي بردة إلى مكحول، إلى عبد الرحمن بن غنيم الأشعري أن أبا مالك الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فصل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد، أو وقصه فرسه أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد، وإن له الجنة" . بقية2 مختلف فيه، وفيه تدليس وهو إن شاء الله حديث حسن، وقوله "فصل" خرج.
وعلى هذا فالموت في طلب العلم أولى بالشهادة على ما سبق وللترمذي3 وقال حسن غريب، عن أنس مرفوعا: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" .
وظاهر كلام أحمد والأصحاب وبقية العلماء أن المرأة كالرجل في استحباب التطوع بالحج لما سبق.
وقال ابن عباس: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأيها الناس، كتب عليكم الحج" فقام الأقرع بن حابس فقال: في كل عام يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "و قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في سننه "2499".
2 هو: أبو يحمد بقية بن الوليد بن صائد الحميري الكلاعي محدث حمص كان من أوعية العلم لكنه كدر ذلك بالإكثار عن الضعفاء والعوام والتدليس عنهم. "ت197هـ". السير 8/518.
3 في سننه "2647".

(2/348)


أن تعملوا بها، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع" .حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه1.
ولأبي داود2، عن النفيلي عن عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن ابن أبي واقد الليثي عن أبيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع "هذه ثم ظهور الحصر". رواه أحمد3 عن سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن زيد، عن واقد بن أبي واقد4، عن أبيه فذكره وقد تفرد عنه زيد. وقال بعضهم5: الخبر منكر، فما زلن يحججن، وعن أبي هريرة مرفوعا مثله، قال: فكان كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة، وكانت تقول: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه6 عن يزيد، أظنه عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة عنه.
"7وقال أحمد8: حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة7"9 عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج بنسائه، قال: "إنما
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أحمد "2304" أبو داود "1721" النسائي 5/111 ابن ماجه "2886".
2 في سننه "1722".
3 في مسنده "21805".
4 واقد بن أبي واقد الليثي المدني روى عنه أبيه وروى عنه يزيد بن أسلم. تهذيب الكمال 30/415.
5 هو الذهبي في ميزان الاعتدال 4/330.
6 يريد الإمام أحمد فقد اخرجه في مسنده 6/324.
7 ليست في الأصل.
8 في مسنده "9765".
9 هو: أبو محمد صالح بن نهيان المدني مولى التوأمة بنت أمية بن خلف الجمحي. "ت125هـ". تهذيب الكمال 13/99.

(2/349)


هي هذه، ثم الزمن ظهور الحصر" . صالح صالح الحديث، قاله أحمد، ووقفه ابن معين وغيره، وضعفه أبو داود والنسائي وغيرهما. وقال ابن عدي لا بأس إذا سمعوا منه قديما، مثل ابن أبي ذئب.
وظهور بضم الظاء المعجمة. وقال ابن الأثير: أي إنكن لا تعدن تخرجن، وتلزمن الحصر، هي جمع الحصير التي تبسط في البيوت بضم الصاد، وتسكن تخفيفا.
وفي البخاري1 عن إبراهيم، عن أبيه، عن جده أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، يعني في الحج، وبعث معهن عبد الرحمن، يعني ابن عوف وعثمان بن عفان.
نقل أبو طالب ليس أشبه الحج شيء؛ للتعب الذي فيه، ولتلك المشاعر، وفيه مشهد ليس في الإسلام مثله، وعشية عرفة، وفيه إنهاك المال، والبدن، وإن مات بعرفة فقد طهر من ذنوبه.
واختار شيخنا أن كل واحد بحسبه، فإن الذكر بالقلب أفضل من الغزاة بلا قلب، وهو يعني كلام ابن الجوزي فإنه قال: أصوب الأمور أن ينظر إلى ما يطهر القلب ويصفيه للذكر والأنس فيلازمه.
وفي رد شيخنا على الرافضي2 بعد أن ذكر تفضيل أحمد للجهاد والشافعي للصلاة وأبي حنيفة ومالك للعلم، والتحقيق: لا بد لكل من
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في صحيحه "1860".
2 هو: جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي نسبه إلى الحلة ناحية في العراق. من مصنفاته: "منهاج الكرامة" في الحق بالإمامة وهو الذي رد عليخ شيخ الإسلام في كتابه "منهاج السنة النبوية".
"تبصرة المتعلمين في أحكام الدين" "مصابيح الأنوار" وغيرهما. "ت726هـ" الأعلام 2/227.

(2/350)


الآخرين، وقد يكون كل واحد أفضل في حال، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم بحسب الحاجة والمصلحة، ويوافق ما سبق قول إبراهيم بن جعفر1 لأحمد: الرجل يبلغني عنه صلاح، أفأذهب أصلي خلفه؟ قال أحمد انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله.
وقال أبو الحسين بن سمعون2 من أصحابنا: وسأله البرقاني3 أيها الشيخ، تدعو الناس إلى الزهد في الدنيا، وتلبس أحسن الثياب، تأكل أطيب الطعام، فكيف هذا؟ قال: كل ما يصلحك مع الله فافعله،
وقد نقل عنه مثنى4: أفضلية الفكرة على الصلاة والصوم، فقد يتوجه أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح،
ويكون مراد الأصحاب عمل الجوارح،
وروى أحمد، وأبو داود5 من رواية يزيد بن زياد عن مجاهد، عن رجل عن أبي ذر مرفوعا: " أتدرون أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال قائل: الصلاة والزكاة، وقائل: الجهاد، قال: أحب الأعمال إلى الله، الحب في الله، والبغض في الله" .
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 إبراهيم بن أحمد نقل عن الإمام أحمد أشياء. طبقات الحنابلة 1/88 المقصد الأرشد 1/220.
2 هو: محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس بن سمعون زاهد واعظ دون الناس حكمه. "ت387هـ" طبقات الحنابلة 2/155. الأعلام 5/312.
3 هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب عالم بالحديث من أهل خوارزم. له مسند ضمنه ما اشتمل عليه البخاري ومسلم وله: "التخريج لصحيح الحديث". "ت425هـ". الأعلام 1/212.
4 أبو الحسن مثنى بن جامع الأنباري كان ورعا جليل القدر نقل عن الإمام أحمد مسائل حسانا وكان الإمام أحمد يعرف حقه وقدره وكان من مذهبه أن يهجر ويباين أهل البدع. طبقات الحنابلة 1/310. المنهج الأجمد 1/158.
5 أحمد "21303" أبو داود "4599".

(2/351)


وسأل عليه السلام أي "عرى الإسلام أوثق؟" قالوا الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، قال: "لا، أوثق عرى الإسلام أن تحب في الله وتبغض في الله" رواه أحمد، وغيره1، من حديث البراء، ولهذا ذكر في الفنون رواية مثنى فقال: يعني الفكرة في آلاء الله، ودلائل صنعه، والوعد والوعيد، لأنه الأصل الذي يفتح أبواب الخير، وما أثمر الشيء فهو خير من ثمرته.
وقال في الفنون أيضا: لو لم يكن مقاساة المكلف إلا لنفسه لكفاه، إلى أن قال: فكفى بك شغلا أن تصح وتسلم، وتداوي بعضك ببعض، فذلك هو الجهاد الأكبر، لأنه مغالبة المحبوبات، لأنك إذا تأملت ما يكابد المعاني، لهذه الطباع المتغالبة وجدته القتل في المعنى، لأنه إن ثار غضبه كلف بتبريد تلك النار المضطرمة بالحلم، وإن تكلبت الطباع لاستيفاء لذة مع تمكن قدرة وخلوة كلف بتقليص أدوات الامتداد باستحضار زجر الحكمة والعلم ورهبة وعيد الحق، وإن ثار الحسد كلف القنوع بالحال وترك مطالعة أحوال الأغيار، وإن غلب الحقد وطلب التشفي من البادئ بالسوء كلف تغيير الحقد باستحضار العفو، وإن ثار الإعجاب والمباهاة لرؤية الخصائص التي في النفس كلف استحضار لطيفة من التواضع والعطاء للجنس، وإن استحلت النفس الاستماع إلى اللغو كلف استحضار الصيانة عن الإصغاء إلى داعية الشهوة واللهو.
هذا وأمثاله هو العمل، والناس عنه بمعزل، لا يقع لهم أن العمل سوى ركعات يتنفل بها الإنسان في جوف الليل، تلك عبادة الكسالى العجزة
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أحمد "18524" والبيهقي في "شعب الإيمان" 14.

(2/352)


إنما تمييز الإنسان بهذه المقامات التي تنكشف فيها الأحوال. من وصل إلى هذه المقامات فقد رقي إلى درجة الصديقين، وإلا فكل أحد إذا خلا بنفسه، وسكنت طباعه لم يصعب عليه رطل من الماء، واستقبال المحراب، لكن ما وراء ذلك هو العمل {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] فما تنفع صلاة الليل مع التبتل: للقبح بالنهار، وما تنفع إدارة السبحة بالغدوات في المساجد والمسلمون قتلى أفعالك طول النهار: أموالها في الأسواق، وأعراضها في المساطب، من يتخبطه شيطانه بأنواع التخبيط، ويتلاعب به في الليل والنهار كل التلاعب لا يستحسن منه ركيعات في جوف الليل، قد قنع منك بالفروض الموظوفة مع سلامة الناس من يدك ولسانك ويأتي كلامه في عدد الشهداء1.
وهذا ظاهر المنهاج، فإن فيه من انفتح له طريق عمل بقلبه بدوام ذكر أو فكر، فذلك الذي لا يعدل به ألبتة، وظاهره أن العالم بالله وبصفاته أفضل من العالم بالأحكام الشرعية، لأن العلم يشرف بشرف معلومه، وبثمراته، فكل صفة توجب حالا: ينشأ عنها أمر مطلوب، فمعرفة سعة الرحمة تثمر الرجاء، وشدة النقمة تثمر الخوف الكاف عن المعاصي، وتفرده بالنفع والضرر يثمر التوكل عليه وحده، والمحبة له والهبة ومعرفة
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 3/293.

(2/353)


الأحكام لا تثمر ذلك، والمتكلم الأصولي لا تدوم له هذه الأحوال غالبا، وإلا لكان عارفا، ويؤيد هذا قول أحمد عن معروف1: وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟ وقال أيضا عنه: كان معه رأس العلم: خشية الله. وفي خطبة كفاية ابن عقيل2: إنما شرف العلوم بحسب مؤدياتها، ولا أعظم من المبادئ، فيكون العلم المؤدي إلى معرفته، وما يجب له وما يجوز أجل العلوم.
والأشهر عن أحمد الاعتناء بالحديث، والفقه، والتحريض على ذلك عجيب ممن يحتج بالفضيل3، وقال: لعل الفضيل قد اكتفى وقال: لا يتثبط عن طلب العلم إلا جاهل، وقال: ليس قوم خيرا من أهل الحديث4. وعاب على محدث لا يتفقه، وقال: يعجبني أن يكون الرجل فهيما في الفقه، قال شيخنا، قال أحمد معرفة الحديث والفقه فيه أعجب إلى من حفظه.
وفي خطبة مذهب ابن الجوزي بضاعة الفقه أربح البضائع، وفي كتاب العلم له الفقه عمدة العلوم وفي صيد الخاطر له الفقه عليه مدار العلوم، فإن اتسع الزمان للتزيد من العلم فليكن من الفقه، فإنه الأنفع،
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 هو: أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي البغدادي علم الزهاد اشتهر بالصلاح وقصده الناس حتى كان الإمام أحمد يختلف إلبه. "ت200هـ". السير 6/339 الأعلام 7/269.
2 يعني: مقدمة ابن عقيل في كتابه كفاية المفتي وهو نفس كتاب الفصول.
3 هو: أبو علي الفضيل بن عياض التميمي الخراساني شيخ الحرم المكي من أكابر العباد الصالحاء كان ثقة في الحديث. "ت187هـ". السير 8/421. الأعلام 5/153.
4 في "ط": الفقه.

(2/354)


وفيه المهم من كل علم، هو المهم.
وقال في كتابه السر المصون: تأملت سبب الفضائل فإذا هو علو الهمة، وذلك أمر مركوز في الجبلة لا يحصل بالكسب، وكذلك خسة الهمة، وقد قال الحكماء: تعرف همة الصبي من صغره، فإنه إذا قال للصبيان من يكون معي؟ دل على علو همته، وإذا قال مع من أكون؟ دل على خستها.
فأما الخسة فالهمم فيها درجات منهم من ينفق عمره في جمع المال ولا يحصل شيئا من العلم، ومنهم من يضم إلى ذلك البخل، ومنهم من رضي بالدون في المعاش، وأخسهم الكساح.
فأما علو الهمة في الفضائل فقوم يطلبون الرئاسة، وكان أبو مسلم الخراساني عالي الهمة في طلبها، وكانت "1همته الرضاء1" في طلب الخلافة، وكان المتنبي يصف علو همته، وما كانت إلا التكبر بما يحسنه من الشعر، ومن الناس من يرى أن غاية المراتب الزهد فيطلبه، ويفوته العلم، فهذا مغبون، لأن العلم أفضل من الزهد، فقد رضي بنقص وهو لا يدري، وسبب رضاه بالنقص قلة فهمه، إذ لو فهم لعرف شرف العلم على الزهد، ومنهم من يقول: المقصود من العلم العمل، وما يعلم هذا أن العلم عمل القلب، وذاك أشرف من عمل الجوارح، ومن طلبة العلم من تعلو همته إلى فن من العلوم فيقتصر عليه وهذا نقص، فأما أرباب النهاية في علو الهمة
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في "ط": همته الرضاء والرضى: هو: علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق المعوف بالرضي أفتى وهو شاب في أيام مالك فجعله المأمون ولي عهده. السير 9/387.

(2/355)


فإنهم لا يرضون إلا بالغاية، فهم يأخذون من كل فن من العلم مهمه، ثم يجعلون جل اشتغالهم بالفقه، لأنه سيد العلوم، ثم ترقيهم الهمم العالية إلى معاملة الحق ومعرفته، والأنس به، وقيل ما هم هذا كلامه.
وقال الشافعي ليونس بن عبد الأعلى1: عليك بالفقه، فإنه كالتفاح الشامي يحمل من عامه، وأملى الشافعي على مصعب الزبيري أشعار هذيل ووقائعها، وآدابها حفظا، فقال له: أين أنت بهذا الذهن عن الفقه؟ فقال: إياه أردت. وقال أحمد عن الشافعي: إنما كانت همته الفقه.
وقال أبو حنيفة: ليس شيء أنفع من الفقه وقال محمد بن الحسن: كان أبو حنيفة يحثنا على الفقه، وينهانا عن الكلام، وفي خطبة المحيط للحنفية: أفضل العلوم عند الجمهور بعد معرفة أصل الدين وعلم اليقين معرفة الفقه.
وقال العقلاء: ازدحام العلوم، مضلة للفهوم.
وقال البخاري لأبي العباس الوليد بن إبراهيم وقد جاء إليه لأجل معرفة الحديث فقال له: يا بني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده، والوقوف على مقاديره، فقلت له: عرفني، فقال: اعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في حديث إلا بعد كذا وكذا وذكر أشياء كثيرة يطول ذكرها، قال فهالني قوله، قال وسكت متفكرا وأطرقت نادما، فلما رأى ذلك مني قال لي: فإن كنت لا تطيق احتمال هذه المشاق كلها فعليك بالفقه الذي يمكنك
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 هو: أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن موسى الصدفي انتهت إليه رئاسة العلم بمصر صحب الشافعي وأخذ عنه. "ت264هـ". سير أعلام النبلاء 2/348.

(2/356)


تعلمه، وأنت في بيتك قار ساكن، كي لا تحتاج إلى بعد الأسفار، وطي الديار، وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرة الحديث، وليس ثواب الفقيه بدون ثواب المحدث في الآخرة، ولا عزه له بأقل من عز المحدث، فلما سمعت ذلك نقص عزمي في طلب الحديث، وأقبلت على علم ما أمكنني من عمله بتوفيق الله تعالى ومنه.
وقال الشافعي: ما ناظرت ذا فن إلا وقطعني، وما ناظرت ذا فنون إلا قطعته،
وقال الأصمعي: ما أعياني إلا المنفرد.
وقال المبرد: ينبغي لمن يحب العلم أن يفتن في كل ما يقدر عليه من العلوم، إلا أنه يكون مفردا غالبا، عليه علم منها، يقصده بعينه ويبالغ فيه، قال أبو جعفر النحاس: هذا من أحسن ما سمعت في هذا.
وفي الصحيحين1 عن أبي هريرة مرفوعا: تجدون الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والناس تبع لقريش في هذا الشأن: مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم2.
ـــــــ
1 البخاري "3493" مسلم "2526" "199".
2 البخاري "3495" مسلم "1818" "1".

(2/357)


فصل: وأفضل تطوع الصلاة المسنون جماعة،
وعنه، وقيل: الوتر أفضل من سنة الفجر "م ق" وقيل: التراويح بعد الكل، ونقل حنبل ليس بعد
ـــــــ
.............

(2/357)


المكتوبة أفضل من قيام الليل.
والوتر مستحب "و م ش" وأبي يوسف، ومحمد، وعنه يجب، اختاره أبو بكر "و هـ" ويجوز راكبا، وعنه لا، وذكره صاحب المحيط الحنفي عن أبي يوسف ومحمد، وعنه إن شق1 جاز. ويقضيه "و هـ ش" وعنه لا، وفي شفعه قبله روايتان "م 1" وعنه لا يقضي الوتر بعد صلاة الفجر "و م هـ" وقيل: بلى ما لم تطلع الشمس.
وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة "و ش" يسلم ستا، وقيل كالتسع، وقيل أكثره ثلاث عشرة، لفعله عليه السلام رواه أحمد2 من حديث أم سلمة.
وقيل: الوتر ركعة، وما قبله ليس منه، ولا يكره بواحدة "و ش م ر"
ـــــــ
مسألة 1: قوله: ويقضي الوتر، وعنه لا يقضيه، وفي شفعه قبله روايتان، انتهى، وأطلقهما في مجمع البحرين:
إحداهما: يقضي شفعه مع وتره، وهو الصحيح، نص عليه، صححه المجد في شرحه، وهو ظاهر كلامه في الرعاية الآتي.
والرواية الثانية: لا يقضيه إلا وحده، قدمه ابن تميم. وقال في الرعاية الكبرى قبل باب الأذان والأولى قضاء الوتر إن قلنا إنه سنة، كشفعه المنفصل.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية "سن" والمثبت من "ط".
2 في مسنده "26738".

(2/358)


وعنه بلى، وقيل: بلا عذر.
وإن أوتر بتسع تشهد بعد الثامنة، وسلم بعد التاسعة، وقيل كإحدى عشرة "و ش" قال في الخلاف عن فعله عليه السلام: قصد بيان الجواز، وإن كان الأفضل غيره، وقد نص أحمد على جواز هذا، فجعل نصوص أحمد على الجواز.
وإن كان أوتر بخمس سردهن، وكذا السبع نص عليه، وقيل كتسع، وقيل فهما كتسع، وإحدى عشرة "و ش" وقال في الفصول: إن أوتر بأكثر من ثلاث فهل يسلم من كل ركعتين كسائر الصلوات؟ قال: وهذا أصح، أو يجلس عقيب الشفع ويتشهد، ثم يجلس عقيب الوتر ويسلم؟ فيه وجهان، وأدنى كماله ثلاث بتسليمتين، قيل لأحمد: فإن كرهه المأموم قال: لو صار إلى ما يريدون، ولعل المراد مع علم المأموم، وإلا مع جهله
ـــــــ
.............

(2/359)


يعمل السنة ويداريه. وسأله صالح عمن بلي بأرض ينكرون فيه رفع اليدين في الصلاة وينسبونه إلى الرفض، هل يجوز ترك الرفع؟ قال: لا يترك، ولكن يداريهم، وأن هذا فيمن خالف السنة، وأنواع الوتر سنة، أو أن المسألة على روايتين.
وبتسليمة يجوز، وقيل: ما لم يجلس عقيب الثانية، وقيل: بل كالمغرب، وخير شيخنا بين الفصل والوصل، وليس الوتر كالمغرب حتما "هـ" ولا أنه ركعة وقبله شفع، لا حد له "م" وذكر بعض الشافعية أن الشافعي قال: لم يقل أحد من العلماء إن الركعة الواحدة لا يصح الإتيان بها إلا أبو حنيفة والثوري ومن تابعهما، وعجب بعض الحنفية من هذا الشافعي كيف ينقل هذا النقل الخطأ، ولا يرده مع علمه بخطئه، قال: وذكرنا عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أنه يوتر بثلاث ولا تجزيه الركعة الواحدة، كذا قال، ولم أجد في كلامه عن أحد أن الركعة لا تصح ولا تجزي، بل
ـــــــ
.............

(2/360)


ولا يصح هذا عن صحابي ولا تابعي، وغايته كراهة الاقتصار على الركعة إن صح، والعجب ممن حكى أن الحسن البصري حكى إجماع المسلمين على الثلاث. وفي جوامع الفقه للحنفية: لو ترك القعدة الأولى في الوتر جاز، قال بعض الحنفية: ولم يحك خلاف محمد.
ومن أدرك مع إمام ركعة فإن كان سلم من اثنتين أجزأ، وإلا قضى، كصلاة الإمام، نقله أبو طالب. وقال القاضي يضيف إلى الركعة ركعة ثم يسلم.
ووقته بعد صلاة عشاء آخرة "و م ش" إلى وقت الفجر، وعنه إلى صلاته "و م" و مذهب "هـ" إذا غاب الشفق، إلا أنه واجب عنده، فتقدم العشاء عليه للترتيب، كصلاة الوقت، و1 الفائتة، وقال صاحباه كقولنا، قيل لأحمد فيمن يفجؤه الصبح ولم يكن صلى بعد العتمة شيئا ولا أوتر؟ قال: يوتر بواحدة، قيل له، ولا يصلي قبلها شيئا؟ قال: لا، قال القاضي فبين جواز الوتر بركعة ليس قبلها صلاة.
والأفضل آخره لمن وثق، لا مطلقا "و ش" وقيل: وقته المختار كهي، وقيل: الكل سواء، يقرأ في الأولى ب سبح "م ر" وفي الثانية ب الكافرون "م ر" وفي الثالثة بالإخلاص وعنه والمعوذتين "و م ش" ومذهب "هـ" لا يتعين في الركعات الثلاث سورة.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 الواو للمعية يعني: مع الفائتة.

(2/361)


ويقنت "م ر" جميع السنة "و هـ" وأكثر الشافعية، وعنه نصف رمضان الأخير، "و ش" وخير شيخنا في دعاء القنوت بين فعله وتركه، وأنه إن صلى بهم قيام رمضان، فإن قنت جميع الشهر، أو نصفه الأخير، أو لم يقنت بحال فقد أحسن بعد الركوع "و ش" وإن كبر ورفع يديه ثم قنت جاز، وعنه يسن "و هـ" وزاد بلا تكبير، فيرفع يديه "م ر ق" إلى صدره، ويبسطهما: بطونهما نحو السماء نص على ذلك، وكذا مأموم، وللحنفية خلاف في بقائهما وإرسالهما.
ويقول الإمام جهرا "و" وعند المالكية بجهر، فلو تركه سهوا سجد، وعمدا في بطلان وتره قولان، وللحنفية في الجهر خلاف مشهور، وكان أحمد يسر، نقله المروذي وأبو داود، وغيرهما، قال غير واحد: ويجهر منفرد نص عليه، وقيل: ومأموم، وظاهر كلام جماعة: الإمام فقط، وقاله في الخلاف وهو أظهر "اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونتوب إليك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك، ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك، ونخشى عذابك. إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، اللهم إنا
ـــــــ
.............

(2/362)


نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك1.
الثناء في الخير، والنثاء بتقديم النون في الخير والشر وحفد بمعنى أسرع، وأحفد لغة فيه، أي يسرع في الخدمة، والجد بكسر الجيم: الحق، لا اللعب وملحق أي لاحق بهم، من ألحق بمعنى لحق، ويجوز لغة فتح الحاء، والمراد أن الله يلحقه إياه.
قال أحمد: يدعو يعني بدعاء عمر "اللهم إنا نستعينك"2، ثم بدعاء الحسن بن علي، وفي النصيحة يدعو معه بما في القرآن، ونقل
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 هذا الدعاء مركب من ثلاثة أحاديث الأول: حديث عمر: "اللهم إنا نستعينك.." أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2/210-211. والثاني: حديث الحسن بن علي: قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: " اللهم اهدنا فيمن هديت.." أخرجه أبو داود "1425" والترمذي "464" والنسائي 3/248. والثالث: حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك..." أخرجه أبو داود "1427" والترمذي "3566" وابن ماجه "1179".
2 بعدها في "ط": ونستهديك.

(2/363)


أبو الحارث بما شاء، اختاره بعضهم، واقتصر جماعة على دعاء، اللهم اهدنا، ولعل المراد يستحب له هذا، وإن لم يتعين "و" وقال في الفصول: اختاره أحمد، ونقل المروذي يستحب بالسورتين "و م" "1 وأنه لا توقيت فيه2.
عند الحنفية، ويستحب الجميع1"، وإن لم يتعين، وأول بعض الحنفية عدم التوقيت على ما ذكر.
والقنوت سنة، زاد ابن شهاب في ظاهر المذهب
ويمسح وجهه بيديه "و هـ" فعله أحمد، اختاره صاحب المغني3 والمحرر وغيرهما، كخارج الصلاة عند أحمد، ذكره أحمد، ذكره الآجري وغيره، ونقل فيه ابن هانئ أنه رفع يديه ولم يمسح، وذكر أبو حفص العكبري أنه رخص فيه.
وعنه لا يمسح القانت، قال في الخلاف: نقله الجماعة اختاره الآجري "و ش" لضعف خبر ابن عباس السابق في الدعاء، بعد الصلاة، وعن عمر كان عليه السلام إذا رفع يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه رواه الترمذي4 من رواية حماد بن عيسى، وهو ضعيف.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في "ط": وأنه لا توقيت فيه عند الحنفية ويستحب للجميع.
2 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
3 2/585.
4 في سننه "3386".

(2/364)


وعن السائب بن يزيد عن أبيه كان عليه السلام إذا دعا فرفع مسح وجهه بيده رواه أبو داود1 من رواية ابن لهيعة، فعنه لا بأس وعنه يكره، صححه في الوسيلة "م 2" وفي الغنية يمسح بهما وجهه في إحدى الروايتين، والأخرى يمر بهما على صدره، كذا قال. ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه "هـ" وفي التبصرة وعلى آله، وزاد {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الآية [الإسراء: 111]، فيتوجه عليه قولها قبيل الأذان. وفي نهاية أبي المعالي يكره قال في الفصول: لا يوصل الأذان بذكر قبله: خلاف ما عليه أكثر العوام اليوم، وليس موطن قرآن، ولم يحفظ عن السلف، فهو محدث، ويفرد المنفرد الضمير، وعند شيخنا، لا، لأنه يدعو لنفسه وللمؤمنين، ويؤمن المأموم "و هـ م" وعنه يقنت معه، وذكره غير واحد من الحنفية مذهبهم، وأن مسألة القنوت في الفجر النوازل تدل عليه. وعنه في الثناء "و ش" وعنه يخير، وعنه إن لم يسمع دعاء.
ـــــــ
مسألة 2: قوله في دعاء الوتر ويمسح وجهه بيديه، وعنه لا يمسح القانت، فعنه لا بأس، وعنه يكره، صححها في الوسيلة انتهى. إذا قلنا إن القانت لا يمسح وجهه بيديه وفعل فهل فعله لا بأس به أو يكره؟ أطلق الخلاف فيه:
إحداهما: يكره، صححها في الوسيلة كما قال المصنف، وجزم به في الرعايتين، والحاويين، قال الشيخ في المغني2 والشارح والمجد في شرحه: لا يسن فعل ذلك.
والرواية الثانية: لا بأس بفعل ذلك، ويحتمله كلام الشيخ وغيره.
ـــــــ
1 في سننه "1492".
2 2/585. إلا أن فيه إطلاق روايتين.

(2/365)


وإذا سجد رفع يديه. نص عليه، لأنه مقصود في القيام، فهو كالقراءة، ذكره القاضي وغيره، وقيل: لا، وهو أظهر.
وإذا سلم قال "سبحان الملك القدوس" يرفع صوته في الثالثة1.
ويكره قنوته في غير الفجر، "و" وفيها "و هـ" ففي سكوت مؤتم ائتم بمن يقنت فيها "و هـ" ومتابعته كالوتر روايتان "م 3" وفي الموجز: لا يجوز في الفجر، ونصه لا يقنت فيها، وقال: لا يعجبني، وقال: لا أعنف من يقنت. وفي فتاوى ابن الزاغوني يستحب عند أحمد متابعته في الدعاء الذي رواه الحسن بن علي، فإن زاد كره متابعته، وأنه إن فارقه إلى تمام
ـــــــ
مسألة 3: قوله: ويكره قنوته في غير الفجر وفيها، ففي سكوت مؤتم ائتم بمن يقنت فيها ومتابعته كالوتر روايتان انتهى. وأطلقهما المجد في شرحه، وابن عبد القوي في مجمع البحرين:
أحدهما: يتابعه، فيؤمن ويدعو وهو الصحيح، قال في المحرر والرعاية الصغرى والحاويين: تابعه، فأمن أو دعا، وجزم في الفصول بالمتابعة. وقال الشريف أبو جعفر في درس المسائل: تابعه ودعا. وقال ابن تميم: أمن على دعائه، وقال في الرواية الكبرى: تابعه، فأمن ودعا، وقيل إذا قنت انتهى.
والرواية الثانية: يسكت، وصحح القاضي أبو الحسين أنه لا يتابعه.
ـــــــ
1 أخرج أبو داود "1430" واللفظ له والنسائي 3/244-245 من حديث أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال: "سبحان الملك القدوس". زاد النسائي ثلاثا ويرفع صوته بالثالثة.

(2/366)


الصلاة كان أولى، وإن صبر وتابعه جاز.
وإن نزلت بالمسلمين نازلة استحب لإمام الوقت. وعنه ونائبه وعنه بإذنه وعنه وإمام جماعة، وعنه، وكل مصل "و ش" القنوت في كل مكتوبة "و ش" وعنه في الفجر، اختاره الشيخ وغيره "و هـ" وعنه والمغرب، وقيل والعشاء لا في جمعة في المنصوص. قال أحمد: ويرفع صوته، ومراده والله أعلم في صلاة جهرية، وظاهر كلامهم مطلقا، ويتوجه لا يقنت لدفع الوباء في الأظهر "ش" لأنه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس1، ولا في غيره، ولأنه شهادة للأخبار2، فلا يسأل رفعه.
ـــــــ
1 عمواس: ضيعة جليلة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس ومنها كان ابتداء الطاعون أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. معجم البلدان 4/157.
2 منها قوله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون شهادة لكل مسلم". أخرجه البخاري "2830" ومسلم "1916" "166" من حديث أنس.

(2/367)


فصل: والسنن الرواتب:
ركعتان قبل الفجر "و" يستحب تخفيفهما "و" وقراءة ما ورد، لا الفاتحة فقط "م" ويجوز راكبا، خلافا للحنفية، ولهم خلاف في غيرها، وأكثرهم يجوز في التراويح،
وليست سنة الفجر واجبة "هـ ر"، وفي جامع القاضي الكبير: توقف
ـــــــ
.............

(2/367)


أحمد في موضع في سنة الفجر راكبا، فنقل أبو الحارث ما سمعت فيه شيئا، ما أجترئ عليه، وسأله صالح عن ذلك فقال: قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره1. وركعتا الفجر ما سمعت بشيء، ولا أجترئ عليه، وعلله القاضي بأن القياس منع فعل السنن راكبا، تبعا للفرائض، خولف في الوتر للخبر، فبقي غيره على الأصل، كذا قال: فقد منع غير الوتر من السنن، مع أن في مسلم2 من حديث ابن عمر غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. وللبخاري3 إلا الفرائض.
ويستحب الاضطجاع بعدهما على الأصح "م" على الأيمن
قيل لأحمد في رواية صالح وابن منصور يكره الكلام بعدهما؟ قال: يروى عن ابن مسعود أنه كرهه، ونقل أبو طالب يكره الكلام قبل الصلاة، إنما هي ساعة تسبيح، ونقل مهنا أنه كرهه، وقال عمر: ينهى، وفاقا للكوفيين. وقال الميموني: كنا نتناظر في المسائل أنا وأبو عبد الله قبل صلاة الفجر، ونقل صالح أنه أجاز الكلام في قضاء الحاجة، لا الكلام الكثير، ويتوجه احتمال لا يكره "و م ش" لقول عائشة "فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع. متفق عليه4.
وهما أفضلها5 "و".وحكى سنة المغرب
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "999" ومسلم "700" "38" من حديث عبد الله بن عمر.
2 في صحيحه "700" "39".
3 في صحيحه "1000".
4 البخاري "1119" مسلم "743" "132".
5 يعني: ركعتا الفجر أفضل السنن الرواتب.

(2/368)


وثنتان قبل الظهر، وعند شيخنا أربع "و هـ ش" وقيل: هما وسنة الفجر بعد فرضه في وقتها أداء "و ش" وحكى لا سنة قبلها، وحكى ست، وثنتان بعدها وثنتان بعد المغرب، وثنتان بعد العشاء "و هـ ش" في الكل.
وقيل أربع قبل العصر، اختاره الآجري. وقال اختاره أحمد "و ش" ولم يوقت "م" لأنه عمل أهل المدينة.
وفي كلام الحنفية أربع قبل العصر، وإن شاء ركعتين، وأربع قبل العشاء، وأربع بعدها، وإن شاء ركعتين، وقيل الأربع قول "هـ" والركعتان قول صاحبيه، وذكر جماعة منهم إن تطوع بأربع قبل العشاء فحسن، وذكر جماعة منهم إن فعل فلا بأس، وقال بعضهم في التطوع بعدها حسن. وفي ظاهر الرواية في الأربع قبل العصر حسن، وليس بسنة. وفعلها في البيت أفضل "م" في النهاريات، وعنه الفجر والمغرب، زاد في المغني1 والعشاء في بيته وعنه التسوية.
وفي آداب عيون المسائل صلاة النافلة في البيوت أفضل منها في المساجد إلا الرواتب. وقال عبد الله لأبيه: إن محمد بن عبد الرحمن2 قال في سنة المغرب لا يجزيه إلا ببيته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هي من صلاة
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 2/543 إلا أنه فيه جزء من حديث ابن عمر.
2 أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري العلامة مفتي الكوفة وقاضيها كان نظيرا للإمام أبي حنيفة في الفقه سئ الحفظ في الحديث. "ت148هـ". السير 6/310.

(2/369)


البيوت"1 قال: ما أحسن ما قال.
ويستحب قضاؤها على الأصح "هـ" في غير سنة الفجر تبعا، فيقضيها إما مطلقا أو إلى الزوال على خلاف في مذهبه، والأربع قبل الظهر، ثم الأربع
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "13" من حديث كعب بن عجرة.

(2/370)


نفل مبتدأ، فلا ينوي القضاء بها، ويأتي بها بعد السنة بعدها كفعله عليه السلام، على قول أبي حنيفة وعند صاحبيه عكس ذلك "م" في غير سنة الفجر.
وعن أحمد يقضي سنة الفجر إلى الضحى، وقيل لا يقضي إلا هي إلى وقت الضحى، وركعتا الظهر.
ويستحب الفصل بين الفرض وسنته بقيام، أو كلام، لقول معاوية: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك لا توصل صلاة حتى تتكلم أو تخرج من المسجد رواه مسلم1.
ويجزي سنته عن تحية مسجد، ولا عكس.
ويستحب أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل العصر، وأربع بعد المغرب، وقال الشيخ ست، وقيل أو أكثر، وأكثر، وأربع بعد العشاء غير السنن، قال جماعة: يحافظ عليهن، وروى أحمد2 حدثنا عمر عن أبيه عن رجل عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال سئل أكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة؟ [أو]3 سوى المكتوبة فقال نعم بين المغرب والعشاء فهذا يدل أنها آكد ذلك، ولا4 أثم بترك سنته على ما سيأتي في العدالة5. وفي المحيط والواقعات للحنفية الصحيح أنه يأثم.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في صحيحه "883" "73".
2 في مسنده "23652".
3 ليست في النسخ الخطية و "ط" والمثبت من المسند.
4 في "ط": إلا.
5 11/317.

(2/371)


فصل: وتسن التراويح في رمضان
"و" عشرون ركعة "و هـ ش" لا ست وثلاثون "و" في جماعة "م" مع الوتر نص على ذلك، وقيل بوجوبها وأنه يكفيها نية واحدة، وعند "هـ" التراويح سنة، لا يجوز تركها، وصححه بعض الحنفية. وفي جوامع الفقه للحنفية. الجماعة فيها واجبة، وأن مثلها المكتوبة والأشهر عندهم سنة كقول الجماعة، واختار غير أبي علي النسفي1 من الحنفية أنه لا يوتر بالجماعة في رمضان، بل في منزله، ويقرأ جهرا في ذلك، ولا بأس بالزيادة نص عليه، وقال: روي في هذا ألوان، ولم يقض فيه بشيء، وقال شيخنا إن ذلك كله، أو إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة حسن، كما نص عليه أحمد لعدم التوقيت، فيكون تكثير الركعات، وتقليلها بحسب طول القيام وقصره.
ووقتها بعد سنة العشاء وعنه أو بعد العشاء جزم به في العمدة
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 هو: الحسين بن الخليل بن أحمد بن محمد من فقهاء الحنفية نزل سمرقند. "ت533هـ". الجواهر المضية 2/110.

(2/372)


لا قبلها "و" إلى الفجر الثاني "و". قال ابن الجوزي ومعناه كلام غيره، ووقتها قبل الوتر، خلافا للحنفية في جوازها بعد العشاء وبعد الوتر، وجوزها إسماعيل الزاهد1 وجماعة منهم، قبل العشاء، وأفتى به بعض أصحابنا في زمننا، لأنها صلاة الليل. وقال شيخنا من صلاها قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفة للسنة.
وهل فعلها في مسجد أفضل كما جزم به المستوعب وغيره "و هـ ش" أم ببيت "و م" فيه روايتان ذكرهما شيخنا "م 4".
ـــــــ
مسألة 4: قوله في التراويح وهل فعلها في مسجد أفضل كما جزم به في المستوعب وغيره أو ببيت؟ فيه روايتان، ذكرهما شيخنا انتهى.
الصحيح من المذهب أن فعلها في المسجد أفضل، كما جزم به في المستوعب وغيره، وعليه العمل في كل عصر ومصر والعمدة في ذلك فعل عمر رضي الله عنه وقد صرح الأصحاب أن فعلها جماعة أفضل، ونص عليه في رواية يوسف بن موسى، ولا يتمكن من فعلها جماعة، في الغالب إلا في المساجد، وقد كان الإمام أحمد يصلي في شهر رمضان التراويح في المسجد ويواظب عليها فيه، ثم رأيت المجد في شرحه.
ـــــــ
1 هو: أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين الرازي السمان الحافظ الزاهد. كان إماما في القراءات والحديث وفي فقه أبي حنيفة وأصحابه وفي فقه الزيدية. "ت455هـ". الجواهر المضية 1/424.

(2/373)


وفعلها أول الليل أحب إلى أحمد "و" وذكر الحنفية أن الأفضل فعلها إلى ثلث الليل أو نصفه، مع ذكر بعضهم أن استيعاب أكثره بالصلاة والانتظار أفضل، لأنها قيام الليل، وللأكثر حكم الكل. كذا قال، واستحب أحمد أن يبتدئ التراويح بسورة القلم1 لأنها أول ما نزل، وآخر ما نزل المائدة، فإذا سجد قام فقرأ من البقرة، والذي نقله إبراهيم بن محمد بن الحارث يقرأ بها في عشاء الآخرة، قال شيخنا: وهو
ـــــــ
وابن عبد القوي في مجمع البحرين نصرا2 أنها تفعل جماعة في المسجد، وردا على من قال تفعل في البيت، وهو مالك والشافعي في أظهر قوليه، وأبو يوسف، ولكنه موافق لفعله عليه الصلاة والسلام ولقوله في ذلك بخصوصيته "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"3 .
تنيه: في إطلاق المصنف الخلاف، هنا نظر من وجوه:
أحدها: أنه قال في الخطبة4 فإن اختلف الترجيح أطلقت الخلاف، ولم نعلم أحدا من الأصحاب قال باستحبابها في البيت، بل ولا نعلم لهم قولا بذلك، فما حصل اختلاف في الترجيح بينهم.
الثاني: أن المصنف لم يعز ذكر الخلاف إلى أحد من الأصحاب إلا إلى الشيخ تقي الدين ومع هذا أطلق المصنف الخلاف.
الثالث: سلمنا أن الأصحاب ذكروا الروايتين، فإحدى الروايتين لا تقاوم الأخرى في الترجيح بالنسبة إلى عمل العلماء، والله أعلم، وتقدم الجواب عن ذلك في المقدمة.
ـــــــ
1 يعني: بذلك سورة العلق كما هو مصرح بذلك في المصادر الأخرى منها الإنصاف والمستوعب. وقوله بعد ذلك فإذا سجد قام يعني إذا سجد التلاوة في آخر السورة.
2 في النسخ الخطية: نصر والمثبت من "ط".
3 جزء من حديث أخرجه البخاري "371" ومسلم "781" عن زيد بن ثابت.
4 1/6.

(2/374)


أحسن، ويدعو لختمه قبل ركوع آخر ركعة ويرفع يديه ويطيل الأولى، ويعظ بعدها نص على الكل.
وقراءة الأنعام في ركعة كما يفعله بعض الناس بدعة "ع" قاله شيخنا.
ويستريح بين كل أربع "و"1 ويدعو، فعله السلف، ولا بأس بتركه، وقيل يدعو كبعدها، وكرهه ابن عقيل أيضا، ولا يزيد على ختمه إلا أن يؤثر "ع" ولا ينقص نص عليه وقيل يعتبر حالهم. وفي الغنية لا يزيد على ختمه، لئلا يشق فيتركوا بسببه فيعظم إثمه، قال عليه السلام لمعاذ: أفتان أنت2.
ويسلم من كل ركعتين فإن زاد فظاهر كلامهم أنها كغيرها، وعند الحنفية إن قعد على رأس الشفع آخرا عن تسليمتين في الأصح، وإن لم
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".
2 تقدم تخريجه ص 144.

(2/375)


يقعد فالقياس لا يجوز، وهو قول محمد وزفر، ورواية عن "هـ" وفي الاستحسان يجوز وهو ظاهر الرواية عن "هـ" وقول أبي يوسف ثم هو عن تسليمتين "هـ" وعن أبي يوسف عن تسليمة، واختاره جماعة منهم، ولو صلى ثلاثا بقعدة لم يجز عند محمد وزفر، واختلفوا على قولهما: قيل لا يجزئه، وقيل يجزيه عن تسليمة، فعلى هذا يلزمه قضاء الشفع الثاني، إن كان عامدا، وعلى الأول لا يلزمه عند "هـ" وعند الشافعية لو صلى أربعا لم تصح. ومن له تهجد فالأفضل وتره بعده، وإلا قدمه بعد السنة.
وإن أحب المأموم متابعة إمامه شفعها بأخرى نص عليه. وعنه يعجبني أن يوتر معه، اختاره الآجري. وقال القاضي إن لم يوتر معه لم يدخل في وتره لئلا يزيد على ما اقتضته تحريمة الإمام، وحمل القاضي نص أحمد على رواية إعادة المغرب وشفعها.
ومن أوتر ثم صلى لم ينقض وتره "و" ثم لا يوتر، ويتوجه احتمال يوتر "و م" وعنه ينقضه، وعنه وجوبا بركعة، ثم يصلي مثنى، ثم يوتر وعنه يخير في نقضه.
ولعل ظاهر ما سبق لا بأس بالتراويح مرتين بمسجد، أو بمسجدين، جماعة أو فرادى، ويتوجه ما يأتي في إعادة فرض، وقال في الفصول: يكره
ـــــــ
.............

(2/376)


أن يصلي التراويح في مسجدين، وكذلك صلاة النوافل في جماعة بعدها في إحدى الروايتين، وهو التعقيب كذا قال، ثم تكلم في التعقيب1.
وفي المحيط والواقعات للحنفية إذا صلى الإمام في مسجدين على الكمال لا يجوز، لأن السنن لا تكرر في وقت واحد، فإن صلوها مرة ثانية يصلونها فرادى.
ولا يكره بعد الوتر ركعتين جالسا "م" وقيل سنة "خ"
ويكره التطوع بين التراويح إلا الطواف، وقيل مع إمامه قيل لأحمد: أدرك من
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 سيأتي تعريفه في نص المصنف بعد قليل.

(2/377)


ترويحة ركعتين، يصلي إليها ركعتين؟ فلم يره، وقال هي تطوع
وفي التعقيب روايتان وهي صلاته بعدها وبعد وتر جماعة نص عليه"م 5".
ـــــــ
مسألة 5: قوله وفي التعقيب روايتان وهو صلاته بعدها وبعد وتر جماعة نص عليه انتهى، يعني هل يكره فعل التعقيب أو يكره، أطلق الخلاف وأطلقه في المقنع1، ومختصر ابن تميم، والفائق وغيرهم:
إحداهما: لا يكره، وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة نقله الجماعة عن الإمام أحمد وصححه في المغني2، والشرح3، وشرح ابن منجى وصاحب التصحيح، في كتابيه الكبير والمختصر، وغيرهم، وقدمه في الكافي4 وشرح ابن رزين وغيرهما.
وجزم به في الوجيز ومنتخب الآدمي وغيرهما.
والرواية الثانية: يكره نقلها محمد بن الحكم، وعليهما أكثر الأصحاب، قال الناظم يكره في الأظهر، قال في مجمع البحرين يكره التعقيب في أصح الروايتين وجزم به في الهداية، والمذهب، ومسبوك الذهب والمستوعب، والخلاصة، والتلخيص، والبلغة والمحرر، وشرح الهداية والإفادات، والمنور وإدراك الغاية، والحاوي الكبير، وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/173.
2 2/608.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/174.
4 1/348.

(2/378)


وذكر أبو بكر والمحرر ما لم ينتصف الليل، ولم يقل في الترغيب وغيره جماعة، واختاره في النهاية، وذكر القاضي وغيره لا يكره بعد رقدة، وقيل أو أكل، ونحوه، واستحسنه ابن أبي موسى لمن يقض وتره. وفي الصحيحين1 من حديث ابن عباس أنه عليه السلام استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، وقعد فنظر إلى السماء فقال {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] حتى ختم السورة.
ويستحب أن يفتتح قيامه بركعتين خفيفتين لفعله، وأمره عليه السلام2، وينوي القيام عند النوم، ليفوز بقوله عليه السلام: "من نام ونيته أن يقوم كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه" حديث حسن رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي الدرداء3.
ـــــــ
1 البخاري "183" مسلم "763" "182".
2 اخرج مسلم "767" من حديث عائشة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين. وأخرج "768" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين" .
3 أبو داود "1314" النسائي في الكبرى "1459".

(2/379)


فصل: تجوز القراءة قائما، وقاعدا، ومضطجعا، وراكبا، وماشيا، ولا يكره في الطريق
نقله ابن منصور وغيره، خلافا للمالكية، ومع حدث أصغر، ونجاسة بدن، وثوب، ولا تمنع نجاسة الفم القراءة، وذكره القاضي. وقال ابن تميم الأولى المنع.
ـــــــ
.............

(2/379)


ويستحب في المصحف ذكره الآمدي وغيره، قال عبد الله: يقرأ في كل يوم سبعا لا يكاد يتركه نظرا، قال القاضي: إنما اختار أحمد القراءة في المصحف للأخبار1، ثم ذكرها.
ويستحب حفظ القرآن "ع" ويجب منه ما يجب في الصلاة فقط "و" ونقل الشالنجي الفاتحة وسورتان، ولعله غلط، وأنه وسورة.
وحفظه فرض كفاية "ع" ونقل الميموني: أن رجلا سأل أبا عبد الله أيما أحب إليك: أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: بالقرآن قلت: أعلمه كله؟ قال إلا أن يعسر فتعلمه منه، ثم قال لي: إذا قرأ أولا تعود القراءة ثم لزمها، وظاهر سياق هذا النص في غير المكلف وإلا فالمكلف يتوجه أن يقدم بعد القراءة الواجبة العلم، لأنه لا تعارض بين الفرض والنفل، وقد يتوجه احتمال يقدم الصغير بعد القراءة الواجبة العلم كما يقدم الكبير نفل العلم على نفل القراءة في ظاهر ما سبق2 من قول الإمام والأصحاب رحمهم الله في أفضل الأعمال
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 لعل منها ما أخجه الطبراني في الكبير "601" عن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في غير المصحف تضاعف إلى ألفي درجة" .
2 ص 334-335.

(2/380)


ويستحب ختم القرآن في سبع، وهل يكره في أقل أم لا؟ أم يكره دون ثلاث؟ فيه روايات، وعنه هو على قدر نشاطه "م 6" وذكر ابن حزم:
ـــــــ
مسألة 6: قوله ويستحب ختم القرآن في سبع، وهل يكره في أقل، أم لا يكره، أم يكره دون ثلاث، فيه روايات، وعنه هو على قدر نشاطه، انتهى.
قال المجد في شرحه ولا بأس بقراءته في ثلاث، وفيما دونها لا بأس به في الأحيان، فأما فعل ذلك وظيفة مستدامة فيكره، انتهى، وتبعه في الحاوي الكبير، ومجمع البحرين. وقال ابن تميم: ولا بأس بقراءة القرآن كله في ليلة، وعنه يكره فيما دون السبع وقراءته فيما دون الثلاث مكروه، وعنه لا يكره، وعنه لا بأس بذلك أحيانا، وتكره المداومة عليه، وهو أصح، انتهى.
وقال في الرعاية الكبرى: وتجوز قراءة القرآن كله في ليلة واحدة، وعنه تكره المداومة على ذلك وعنه يكره ختم القرآن في دون ثلاثه أيام دائما، وعنه لا يكره وعنه أحيانا، وعنه يكره ختمه دون سبعة أيام، ويسن في سبع، ولو كان نظرا في المصحف، وعنه أن ذلك غير مقدر، بل هو على حسب حاله من النشاط والقوة، انتهى.
وقال في المغني1 والشرح2: ويستحب في كل سبعة أيام ختم، وإن قدر في ثلاث فحسن، وإن قدر في أقل منها فعنه يكره، وعنه أن ذلك غير مقدر، بل هو على حسب ما يجد من النشاط والقوة انتهى. وقال في الآداب وإن قرأ في كل ثلاث فحسن، وعنه يكره فيما دون السبع، قال القاضي نص عليه في رواية الجماعة، ويكره فيما دون الثلاث، وعنه لا يكره، وعنه لا بأس به أحيانا، وتكره المداومة عليه، وتجوز قراءته كل ليلة وعنه تكره المداومة على ذلك وعنه أنه غير مقدر، بل على حسب حاله من النشاط والقوة انتهى.
وقال ابن رزين في شرحه، ويسن أن يقرأه في كل أسبوع، فإن قرأه في ثلاث فحسن، ويكره في أقل منها، وعنه أنه على حسب ما يجد من النشاط انتهى
ـــــــ
1 2/611, 612.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/175, 176.

(2/381)


أنهم اتفقوا على إباحة قراءته كله في ثلاثة أيام، واختلفوا في أقل.
ويكره فوق أربعين عند أحمد، وقيل يحرم لخوف1 نسيانه، وقدم بعضهم فيه يكره، وهذا مراد ابن تميم بقوله بحيث ينساه، قال أحمد: ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه. ويجمع أهله. ويعجب أحمد في الشتاء في أول الليل، وفي الصيف أول النهار.
وكره أحمد السرعة، قال: أما الإثم فلا أجترئ عليه، وتأوله القاضي:
ـــــــ
فتلخص أن المجد ومن تابعه لم يكره قراءته في ثلاث، وفيما دونها لا بأس به في الأحيان، وصححه ابن تميم أعني فعله في ثلاث أحيانا وقدم في الرعاية عدم الكراهة وقدم في الآداب الكراهة فيما دون ثلاث، وكذا ابن رزين في شرحه، وأطلق الخلاف في المغني2 والشرح3 فيما إذا قرأه في أقل من ثلاث.
قلت: الصواب أن المرجع في ذلك إلى النشاط، فلا يحد بحد، إلا أنه لا ينقص عن سبع في كل يوم، وكذا في الأوقات والأماكن الفضيلة كرمضان، ونحوه، ومكة ونحوها وقد قال ابن رجب في اللطائف وأنى ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث، على المداومة على ذلك فأما في الأوقات الفضيلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي تطلب فيها ليلة القدر وفي الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان، وهو قول أحمد، وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم، انتهى، وذكر من فعل ذلك، ولعل محل الخلاف في غير ذلك والله أعلم، وقال في المستوعب ومن قرأ القرآن في سبع فحسن، وأقل ما ينبغي أن يعمل في ثلاثة أيام.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "كخوف" والمثبت من "ط".
2 2/611, 612.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/177.

(2/382)


إن لم يبين الحروف، وإلا لم يكره، وترسله أكمل، وعنه إن أبانها فالسرعة أحب إليه، لأن بكل حرف كذا، وكذا حسنة، قال: وينبغي أن يستعيذ، قال: وإن خرج منه ريح أمسك، أي وإلا كره.
وهل يكبر لختمه من الضحى أو ألم نشرح آخر كل سورة؟ فيه روايتان "م 7" ولم يستحبه شيخنا لقراءة1 غير ابن كثير2. وقيل ويهلل، ولا يكرر سورة الصمد وعنه لا يجوز، ولا يقرأ الفاتحة وخمسا
ـــــــ
مسألة 7: قوله: وهل يكبر لختمه من الضحى أو ألم نشرح آخر كل سورة فيه روايتان انتهى:
إحداهما: يكبر آخر كل سورة من الضحى وهو الصحيح، قال في المغني3 والشرح4، واستحسن أبو عبد الله التكبير عند آخر كل سورة من الضحى إلى أن يختم، جزم به ابن رزين في شرحه، وابن حمدان في رعايته الكبرى، وقدمه ابن تميم والمصنف في آدابه، والرواية الثانية يكبر من أول ألم نشرح اختاره المجد قلت: قد صح هذا
ـــــــ
1 في "ط": كقراءة.
2 هو: أبو معبد عبد الله بن كثير بن عمرو الكناني مقرئ مكة وأحد القراء السبعة فارسي الأصل. "ت120هـ". سير أعلام النبلاء 5/318.
3 2/610.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/174.

(2/383)


من البقرة نص عليه، قال الآمدي: يعني قبل الدعاء، وقيل يستحب، وكره أصحابنا قراءة الإدارة. وقال حرب: حسنة1، وحكاه شيخنا عن أكثر العلماء، وأن للمالكية وجهين كالقراءة مجتمعين بصوت واحد،
ـــــــ
وهذا عمن رأى التكبير، فالكل حسن، وتحرير النقل عن القراء أنه وقع بينهم اختلاف، فرواه الجمهور من أول ألم نشرح أو من آخر الضحى على خلاف: مبناه هل التكبير لأول السورة، أو لآخرها؟ على قولين كبيرين عندهم، تظهر فائدتها، عند فراغه من قراءة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فمن قال: من آخر الضحى كبر عند فراغها، ومن قال من أول الضحى أو أول ألم نشرح لم يكبر، وروى الآخرون أن التكبير من أول الضحى وهو الذي جزم به في مجمع البحرين، لكن جمهور القراء على الأول، ذكر ذلك العلامة ابن الجوزي في كتاب التقريب مختصر النشر، وذكر أسماء كل من أخذ بكل قول من ذلك.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: حسنه والمثبت من "ط".

(2/384)


وجعلها أيضا شيخنا قراءة الإدارة وذكر الوجهين في كرهها، قال: وكرهها مالك.
ولو اجتمع القوم لقراءة ودعاء وذكر فعنه وأي شيء أحسن منه؟ كما قالت الأنصار "و ش" وعنه لا بأس، وعنه محدث، ونقل ابن منصور ما أكرهه إذا لم يجتمعوا على عمد، إلا أن يكثروا، قال ابن منصور: يعني يتخذوه عادة "م 8" وكرهه "م" قال في الفنون أبرأ إلى الله من
ـــــــ
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن الخلاف الذي ذكره: هل هو من آخر الضحى أو آخر ألم نشرح لقوله من الضحى أو ألم نشرح آخر كل سورة ولم نعلم أحدا من القراء قال بأن التكبير من آخر ألم نشرح وإنما الخلاف كما وصفنا أولا فيقدر في كلام المصنف فيقال من آخر الضحى أو أول الضحى أو أول ألم نشرح، ليوافق أقوال العلماء، والله أعلم. وقوله آخر كل سورة إنما يتأتى على القول بأنه من آخر الضحى، أما على القول بأنه من أول الضحى، أو من أول ألم نشرح، فلا يتأتى، فكلام المصنف هنا غير محرر فيما يظهر، فعلى هذا يكون ما اختاره المجد موافقا لأكثر أهل الأداء، والله أعلم.
مسألة 8: قوله: ولو اجتمع القوم لقراءة ودعاء وذكر فعنه أي شيء أحسن منه وعنه لا بأس، وعنه محدث، ونقل ابن منصور ما أكرهه إذا لم يجتمعوا على عمد، إلا أن يكثروا، قال ابن منصور يعني يتخذوه عادة انتهى، ذكر المصنف في آدابه الكبرى نصوصا كثيرة عن الإمام أحمد تدل على استحباب الاجتماع للقصص، وقراءة القرآن، والذكر، وقدمه في أثناء فصول العلم في فصل أوله قال المروزي: سمعت أبا عبد الله يقول يعجبني القصاص، لأنهم يذكرون الميزان، وعذاب القبر.

(2/385)


جموع أهل وقتنا في المساجد، والمشاهد، ليالي يسمونها إحياء، وأطال الكلام، ذكرته في آداب القراءة من الآداب الشرعية1.
وقال أيضا قال حنبل: كثير من أقوال وأفعال يخرج مخرج الطاعات عند العامة وهي مأثم عند العلماء، مثل القراءة في الأسواق، ويصيح فيها أهل الأسواق بالنداء والبيع، ولا أهل السوق يمكنهم الاستماع، وذلك امتهان، كذا قال، ويتوجه احتمال يكره. وإن غلط القراء المصلين فذكر صاحب الترغيب وغيره يكره، وقال شيخنا ليس لهم القراءة إذن، وعن البياضي واسمه عبد الله بن جابر2: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن" 3.
وعن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون
ـــــــ
وذكر ألفاظا كثيرة من ذلك، فليراجع، وذكر في الآداب أيضا في أواخر أحكام القرآن أن ابن عقيل اختار في الفنون عدم الاجتماع، انتهى.
قلت: الصواب أن يرجع في ذلك إلى حال الإنسان، فإن كان يحصل له بسبب ذلك ما لا يحصل له بالانفراد من الاتعاظ والخشوع ونحوه كان أولى، وإلا فلا، ولم أر هذه المسألة مسطورة في كتاب غير كتب المصنف، ومر بي أني رأيت للشيخ تقي الدين وابن القيم في ذلك كلاما لم يحضرني الآن مظنته، والله أعلم.
ـــــــ
1 2/309.
2 أخرجه مالك في الموطأ 1/80.
3 مختلف في اسمه فقيل: عبد الله بن جابر وقيل: فروة بن عامر واختلف في صحبته أيضا. تهذيب الكمال 23/217.

(2/386)


بالقراءة وهو في قبة له، فكشف الستور. وقال: كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة، وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يرفع الرجل صوته بالقراءة قبل العشاء، وبعدها، يغلط أصحابه وهم يصلون رواهن أحمد1 ولمالك الأول ولأبي داود الأخير2.
ويجوز تفسير القرآن بمقتضى اللغة، فعله أحمد، نصره القاضي وأبو الخطاب وغيرهما، لأنه عربي وقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وقوله: {وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 97] المراد: الأحكام، وذكروا رواية بالمنع، وأطلق غير واحد روايتين.
وتعليم التأويل مستحب، ولا يجوز تفسير برأيه من غير لغة، ولا نقل، ذكره القاضي وغيره، واستدلوا بقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 31] وقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وعن عبد الأعلى بن جابر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا: "من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار" رواه أبو داود والترمذي والنسائي3، وحسنه وعبد الأعلى ضعفه أحمد وأبو زرعة وغيرهما، ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره4، من حديث
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في مسنده: الأول برقم "19021" والثاني برقم "11895" والثالث برقم "663".
2 الصواب: الثاني وهو عنده في سننه "1332".
3 الترمذي "2950" النسائي في الكبرى "8058" ولم نجده عند أبي داود.
4 1/34.

(2/387)


عبد الأعلى ومن غير حديثه موقوفا.
وعن سهيل بن حزم عن أبي عمران الجوني عن جندب مرفوعا: "من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ" . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي1، وقال غريب وسهيل2 ضعفه الأئمة، قال البخاري: يتكلمون فيه. وقال ابن معين: صالح.
وقد روي هذا المعنى عن أبي بكر وعمر، وغيرهما من الصحابة، والتابعين رضي الله عنهم قال عمر: نهينا عن التكلف، وقرأ: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس: 31] وقال فما الأب؟ ثم قال: ما كلفنا أو قال ما أمرنا بهذا روى ذلك البخاري3، قال في كشف المشكل: يحتمل أن عمر علم الأب، وأنه الذي ترعاه البهائم، ولكنه أراد تخويف غيره من التعرض للتفسير بما لم يعلم، ويحتمل أنه خفي عليه كما خفي على4 ابن عباس معنى:
{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام:14] ويحتمل أنه خفي عليه أن هذه الكلمة تقع على مسميين فتورع عن إطلاق القول.
وأصل التكلف تتبع ما لا منفعة فيه، أو ما لم يؤمر به، ولا يحصل إلا بمشقة، وأما ما أمر به أو فيه منفعة فلا وجه للذم، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات، وفسر كثير من الصحابة كثيرا من القرآن، وقال عبد الرزاق5: عن
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أبو داود "3652" الترمذي "2952" النسائي في فضائل القرآن "111" ولم نجده عند ابن ماجه.
2 هو: أبو بكر سهيل بن أبي حزم البصري القطعي روى له أصحاب السنن. تهذيب الكمال 12/217.
3 في صحيحه "7293" عن أنس قال: نهينا عن التكلف. هكذا أورده مختصرا. ينظر: فتح الباري 13/270.
4 في "ط": عليه.
5 في مصنفه "20367"

(2/388)


معمر، عن الزهري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون في القرآن فقال: " إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل القرآن يصدق بعضه بعضا، ولا يكذب بعضه بعضا، ما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه" إسناد جيد وحديث عمرو حسن.
وروى سعيد بن منصور1 عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي مليكة أن الصديق قال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، وأين أذهب، أو كيف أصنع إذا أنا قلت في كتاب الله بغير ما أراد الله؟.
وروى ابن وهب عن يونس، عن الزهري أن أبا بكر حدث رجلا بحديث، فاستفهمه الرجل، فقال الصديق: هو كما حدثتك، أي أرض تقلني إذا قلت ما لا أعلم؟ وروي نحوه من غير وجه.
وذكر أبو الخطاب في التمهيد وغيره يكره.
وعن عائشة قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من القرآن شيئا إلا آيات علمهن إياها جبريل عليه السلام. إسناده ضعيف، رواه أبو بكر عبد العزيز وابن جرير2 وقال: إن هذه الآيات لا تعلم إلا بالتوقيف عن الله، فأوقفه عليها جبريل.
ويلزم الرجوع إلى تفسير الصحابة، لأنهم شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل، فهو أمارة ظاهرة، وقدمه أبو الخطاب وغيره، وأطلق أبو الحسين
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في تفسيره "39" وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 10/512.
2 في تفسيره 1/37.

(2/389)


وغيره روايتين إذا لم نقل: قول الصحابي حجة. وقال القاضي وغيره إن قلنا: قوله حجة لزم قبوله، وإلا: فإن نقل كلام العرب في ذلك صير إليه، وإن فسره اجتهادا أو قياسا على كلام العرب لم يلزم.
ولا يلزم الرجوع إلى تفسير التابعي. وقال بعضهم: ولعل مراده غيره، إلا أن ينقل ذلك عن العرب، وأطلق أبو الحسين وغيره، وأطلق ابن عقيل في الواضح1 روايتين: الرجوع، وعدمه.
وقال شيخنا: قول أحمد في الرجوع إلى قول التابعي عام في التفسير وغيره، نقل أبو داود إذا جاء الشئ2 عن الرجل من التابعين لا يوجد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم الأخذ به، ونقل المروذي ينظر ما كان عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فعن الصحابة، فإن لم يكن فعن التابعين، قال القاضي ويمكن حمله على إجماعهم.
وإذا قال الصحابي ما يخالف القياس فهو توقيف، وفاقا للحنفية، وقيل لا، وفاقا للشافعية، وإن قاله التابعي فليس بتوقيف، وذكر صاحب المحرر وغيره بلى، ويتوجه تخريجه على رواية من جعل تفسيره كتفسير الصحابي، والله أعلم.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 1/65.
2 في "ط": التفسير.

(2/390)


فصل: وصلاة الليل أفضل
"و" وأفضله نصفه الأخير، وأفضله ثلثه الأول نص عليه، وقيل آخره، وقيل ثلث الليل الوسط وبين العشاءين من قيام الليل، قال أحمد: قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر والناشئة1 لا تكون إلا بعد رقدة، قال: والتهجد إنما هو بعد النوم.
ـــــــ
تنبيهات
الأول: قوله: وصلاة الليل أفضل، وأفضله نصفه الأخير، وأفضله ثلثه الأول نص عليه، وقيل آخره، وقيل ثلث الليل الوسط، انتهى، فقوله وأفضله ثلثه الأول فيه نظر، فإن أراد بذلك الثلث الأول من الليل، فلا أعلم به قائلا، والمصنف قد قدمه، وقال نص عليه، وإن أراد الثلث الأول من النصف الأخير وهو السدس وهو ظاهر كلامه فالأصحاب على خلافه، إلا أن القاضي أبا الحسين ذكر في فروعه أن المروذي نقل عن أحمد: أفضل القيام قيام داود، كان ينام نصف الليل، ثم يقوم سدسه، موافق لظاهر كلام المصنف لكن أهل المذهب على خلافه، والظاهر أنه أراد ثلث الليل من أول النصف الثاني، لكونه المذهب، ولكن يبقى
ـــــــ
1 يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 6] ومعنى ناشئة الليل: القيام والانتصاب للصلاة. مفردات القرآن ص 807.

(2/391)


ولا يقوم الليل كله "م ر" ذكره بعضهم، وقل من وجدته ذكر هذه المسألة وقد قال أحمد: إذا نام بعد تهجده لم يبن عليه السهر.
وفي الغنية يستحب ثلثاه، والأقل سدسه، ثم ذكر أن قيام الليل كله عمل الأقوياء الذين سبقت لهم العناية، فجعل لهم موهبة، وقد روي عن عثمان قيامه بركعة، يختم فيها، قال وصح عن أربعين من التابعين، ومرادهم وتابعيهم.
وظاهر كلامه ولا ليالي العشر1، فيكون قول عائشة إنه عليه السلام أحيا الليل2 أي كثيرا منه، أو أكثره، ويتوجه بظاهره احتمال، وتخريج من ليلة العيد، ويكون قولها ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح3 أي غير العشر أو لم يكثر ذلك منه واستحبه شيخنا، وقال قيام بعض الليالي كلها مما جاءت به السنة. ويكره مداومة قيام الليل، وفاقا للشافعية في ذلك كله، ولهذا اتفقت الشافعية على استحباب ليلتي العيدين وغير ذلك، ذكره في شرح مسلم، وما ذكره في الغنية هو ظاهر سورة المزمل.
ونسخ وجوبه لا يلزم منه نسخ استحبابه وقد كان عبد الله بن عمر لا ينام
ـــــــ
في العبارة تعقيد من جهة عود الضمائر والتركيب، وفيه قوة من جهة الدليل، فإن هذه صلاة داود عليه السلام، على الصحيح من المذهب، وصحت الأحاديث بذلك.
ـــــــ
1 أي: لايقيم ليالي العشر من ذي الحجة بتمامها بحيث لا ينام ليلها.
2 أخرجه البخاري "2024" ومسلم "1174" "7".
3 أخرجه مسلم "746" "141".

(2/392)


من الليل إلا قليلا، وكذا جماعة كانوا يصلون الفجر بوضوء العشاء الآخرة، وقد قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] قيل "ما يهجعون" خبر كان وقيل "ما" زائدة أي كانوا يهجعون قليلا و {قَلِيلاً} صفة لمصدر أو ظرف، أي هجوعا وزمنا قليلا، وقيل نافية، فقيل المعنى كانوا يسهرون1 قليلا منه، وقيل ما كانوا ينامون قليلا منه ورد
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 لأنه على تقدير النفي يصير المعنى: مايهجعون: يسهرون.

(2/393)


بعضهم قول النفي بأنه لا يتقدم عليه ما في خبره.
وقليلا من خبره وقيل قليلا خبر كان، وما مصدرية، أي كانوا قليلا هجوعهم، كقولك كانوا يقل هجوعهم "فيهجعون" بدل اشتمال من اسم كان، ومن الليل يتعلق بفعل مفسر ب يهجعون لتقديم معمول المصدر عليه، وقيل الوقف على قليلا فإن قيل فما نافية ففيه نظر سبق، وإن قيل مصدرية فلا مدح لهجوع الناس كلهم ليلا، وصاحب هذا القول يحمل ما خالف هذا على من تضرر به، أو ترك حقا أهم منه، أو على من اقتصر على قليل من الليل، ليجمع بين الحقوق، ولعل هذا قياس المذهب لاستحبابه صوم أيام غير النهي، أو مع إفطار يسير معها، فإن هذه المسألة تشبه تلك، وهما في حديث عبد الله بن عمر ويأتي ذلك، ومن
ـــــــ
...............

(2/394)


يفرق بينهما من أصحابنا والشافعية وغيرهم يقول لا بد في قيام الليل كله من ضرر، أو تفويت حق،
وعن أنس مرفوعا:ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد1. كسل بكسر السين.
وعن عائشة مرفوعا: إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه2. نعس بفتح العين، وعنها مرفوعا: "أحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل"3.
وعنها مرفوعا: "خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا" . وفي لفظ " لا يمل الله حتى تملوا" 4. متفق على ذلك، واللفظان بمعنى، قال بعض العلماء لا يعاملكم الله معاملة المال فيقطع ثوابه ورحمته عنكم حتى تقطعوا عملكم،
وقيل معناه لا يمل إذا مللتم، كقولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى ينقطع خصومه، معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه، وإلا فلا فضل له على غيره
وعنه استغفاره في السحر أفضل، وسيد الاستغفار "اللهم أنت ربي" الخبر5 فظاهر كلامهم يقوله كل أحد، وكذا ما في معناه.
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1150" ومسلم "784" "219".
2 أخرجه البخاري "212" ومسلم "786" "222".
3 أخرجه البخاري "6464" ومسلم "782" "215".
4 أخرجه البخاري "1970" و "5861" ومسلم "782" "215".
5 أخرجه البخاري "6306" عن شداد بن أوس.

(2/395)


وقال شيخنا: تقول المرأة أمتك بنت عبدك أو أمتك، وإن كان قولها "عبدك" له مخرج في العربية بتأويل شخص.
وصلاته ليلا ونهارا مثنى، وهو معدول عن اثنين، ومعناه معنى المكرر، فلا يجوز تكريره، وإنما كرر عليه السلام اللفظ لا المعنى ذكر الزمخشري منعت الصرف للعدلين: عدلها عن صيغتها، وعدلها عن تكررها في أفضلية الأربع بسلام، وإن زاد صح "و" فطاهره علم العدد أو نسيه.
ولو جاوز أربعا نهارا أو ثمانيا ليلا صح "هـ" ولم أجد عنه سوى الكراهة، وفيها خلاف والثماني تأنيث الثمانية، والياء للنسبة، كاليماني على تعويض الألف عن إحدى ياءي النسب، ولا تشديد، لئلا يجمع بين العوض والمعوض، والاكتفاء بالنون، وحذف الياء خطأ عند الأصمعي، وقيل شاذ وقيل لا يصح إلا مثنى، ذكره في المنتخب.
ـــــــ
الثاني1: قوله فيما إذا زاد في التطوع على مثنى: ولم أجد عنه سوى الكراهة وفيها خلاف، انتهى، يعني فيها الخلاف الذي فيما إذا قال الإمام أحمد أكره، كذا، هل هو للتحريم أو لا وقد أطلق المصنف الخلاف في ذلك، في الخطبة، وتكلمنا عليه فليعاود.
الثالث: قوله: والثماني تأنيث الثمانية، والاكتفاء بالنون وحذف الياء خطأ عند الأصمعي، وقيل شاذ، انتهى.
ظاهر عبارته إطلاق الخلاف في حذف الياء، هل هو خطأ أو شاذ؟ وليس للأصحاب في هذا كلام، وإنما مرجعه إلى اللغة، قال الجوهري2 وتبعه في
ـــــــ
1 يعني: التنبيه الثاني. وسبق الأول في ص 383.
2 الصحاح: مادة "ثمن".

(2/396)


وقيل ليلا، اختاره ابن شهاب والشيخ، وفاقا لأبي يوسف ومحمد. وقال أحمد فيمن قام في التراويح إلى ثالثة: يرجع، وإن قرأ، لأن عليه
ـــــــ
القاموس: ثبتت ياؤه عند الإضافة، كما ثبت بالقاضي فتقول ثماني نسوة وثماني مائة، كما تقول قاضي عبد الله، وتسقط مع التنوين في الرفع والجر، وتثبت في النصب وأما قول الأعشى:
ولقد شهدت ثمانيا وثمانيا ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا
فكان حقه أن يقول ثماني عشرة، وإنما حذفها على لغة من يقول طوال الأيد، بحذف الياء كما قال الشاعر1:
فطرت بمنصلي في يعملات ... دوامي الأيد يخبطن السريحا
انتهى.
فقدما2 ما قاله الأصمعي، وقطع به3 ابن خطيب الدهشة4 في المصباح المنير، وذكر أنه نقله من أكثر من سبعين مصنفا، وحكى لغة بحذف الياء في المركب، بشرط فتح النون، يقول عندي من النساء ثمان عشرة امرأة. وفي البخاري5 وغيره في حديث أم هانئ في فتح مكة فصلى ثماني ركعات، بإثبات الياء، وفي نسخة بحذفها6.
ـــــــ
1 مضرس بن ربعي ومعنى البيت: فأسرعت بسيفي إلى نوق قوية على العمل أنحرها على رغم أن طول السفر أدمى أيديها حتى صارت تضرب الأرض بسريحها أي بالنعال المصطنعة لها بعد اهتراء أخفافها. مغنى اللبيب ص 297.
2 يعني: الجوهري والفيروزآبادي.
3 بعدها في "ح": ابن.
4 أحمد بن محمد بن علي الفيومي الحموي لغوي اشتهر بكتابه المصباح المنير وله أيضا نثر الجمان في تراجم الأعيان "ديوان خطب". "ت770هـ". الأعلام 1/244.
5 برقم 357.
6 بعدها في "ح": قوله في الزيادة على مثنى في التطوع: فعلى الصحة يكره وعنه: لا كأربع نهارا على الأصح. فإن زاد عليها نهارا صح وعنه لا جزم بخ ابن شهاب. انتهى. الصواب أن يقال: إن زاد عليها نهارا كره وعنه لا لأنه قدم قبل ذلك عن ابن شهاب صحة الزيادة نهارا على أربع وهنا منع فيحصل التناقض والصواب ماقلنا وقد صرح ابن تميم وغيره وأيضا فالمصنف قد صرح بالصحة قبل الزيادة ليلا ونهارا فيما تقدم فتعين ماقلنا والله أعلم.

(2/397)


تسليما ولا بد لقوله عليه السلام: "صلاة الليل مثنى" 1. فعلى الصحة يكره وعنه لا. جزم به في التبصرة "و ش".
كأربع نهارا على الأصح، وإن زاد نهارا صح، وعنه لا، جزم به ابن شهاب "و ش" ومن زاد على ثنتين ولم يجلس إلا في آخرهن فقد ترك الأولى، ويجوز بدليل الوتر، كالمكتوبة، في رواية، وظاهر كلام جماعة لا وفاقا لمحمد بن الحسن وزفر للخبر المذكور، وقد قال في الفصول: إن تطوع بستة بسلام ففي بطلانه وجهان، أحدهما تبطل، لأنه لا نظير له من الفرض.
ومن أحرم بعدد فهل يجوز الزيادة عليه؟ ظاهر كلامه فيمن قام إلى ثالثة في التراويح لا يجوز، وفيه في الانتصار خلاف في لحوق زيادة بعقد، وسبق أول سجود السهو
ـــــــ
الرابع: قوله: من أحرم بعدد فهل تجوز الزيادة عليه؟ ظاهر كلامه فيمن قام إلى ثالثة في التراويح لا يجوز. وفيه في الانتصار خلاف في لحوق زيادة بعقد، وسبق أول سجود السهو، انتهى.
قلت: قال في سجود السهو2: ومن نوى ركعتين وقام إلى ثالثة نهارا فالأفضل أن يتم وكلامهم يدل على الكراهة إن كرهت الأربع نهارا، انتهى، فظاهر هذا الصحة مع الكراهة إن كرهت الأربع نهارا، ولم يحك فيه خلافا وهو الصحيح، والذي يظهر أن كلامه هنا ليس من الخلاف المطلق، ولكن المصنف لم يطلع فيها على أقل نقل صريح فاستنبط ذلك، وظاهر كلامه في سجود السهو أن الأصحاب صرحوا بذلك، وقالوا الأفضل أن يتم، وإنما استنبط هو من كلامهم الكراهة، فقوله وسبق أول
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "472" ومسلم "749" "145" من حديث ابن عمر.
2 ص 312.

(2/398)


وصلاة القاعد نصف أجر صلاة القائم. رواه أحمد والبخاري وغيرهما من حديث عمران1. وفي المستوعب إلا المتربع.
ولأحمد2 عن شاذان وإبراهيم بن أبي العباس عن شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مولاه السائب عن عائشة، رفعته بهذه الزيادة ورواه أيضا عن إسحاق الأزرق وحجاج عن شريك بدونها، ورواه من رواية سفيان وزهير عن إبراهيم بدونها.
ويستحب تربع الجالس في قيام "و م" وعنه يفترش "و ق" وقاله زفر والفتوى عليه قاله أبو الليث الحنفي3، ومذهب "هـ" يخير بينه وبين التربيع، والاحتباء، ذكره أبو المعالي. وفي الوسيلة رواية إن كثر ركوعه وسجوده لم يتربع، فعلى الأول يثني رجليه في سجوده، وفي ركوعه روايتان "م 9"
ـــــــ
سجود السهو ظاهر في أن المسألتين واحدة، ونقله فيهما يدل على خلاف ذلك.
مسألة 9: قوله: في الصلاة قاعدا يستحب تربع الجالس في قيام4، فعلى هذا يثني رجليه في سجوده، وفي ركوعه روايتان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم، وصاحب الفائق، إحداهما يثنيهما في ركوعه، أيضا وهو الصحيح، قال الزركشي اختاره الأكثر وقطع به الخرقي، وصاحب المستوعب، والمحرر، والحاوي الصغير، وغيرهم، وقدمه في الشرح5، والرعاية الكبرى، والزركشي وغيرهم.
ـــــــ
1 أحمد "19887" والبخاري "1115" والترمذي "371" والنسائي 3/223.
2 في المسند "24426" "25851".
3 هو: نصر بن محمد السمرقندي من كبار الفقهاء الحنفية. له: "تفسير القرآن" "تنبيه الغافلين" وغيرهما "ت373هـ". الجواهر المضية 3/544.
4 في "ص": قيامه.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/201.

(2/399)


والمراد بنصف الأجر في غير المعذور، ويتوجه فيه فرضا ونفلا ما يأتي في صلاة الجماعة1، وفاقا للحنفية والشافعية في تكميل أجره، ورواه ابن أبي شيبة عن المسيب بن رافع الكاهلي التابعي، وذكره الترمذي عن الثوري2.
واختلف المالكية، لكن كلامهم كلهم إذا عجز مطلقا، وأما إن شق مشقة تبيح الصلاة قاعدا فكلامهم محتمل، ويتوجه احتمال بالفرق، وقاله بعض العلماء.
ولا يصح مضطجعا "و هـ م" ونقل ابن هانئ صحته، اختاره بعضهم "و ش" رواه الترمذي3 عن الحسن ثم هل يومئ أم يسجد؟ يحتمل وجهين "م 10" ـــــــ
والرواية الثانية: لا يثنيها قال في المغني4 هذا أقيس وأصح في النظر، إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس، وأخذ به، قال المصنف في حواشي المقنع هذا أقيس. وقدمه في الكافي5، ومجمع البحرين. وقال في الرعاية الصغرى ومتربعا أفضل، وقيل حال قيامه ويثني رجليه، إن ركع أو سجد، انتهى.
مسألة 10: قوله: ولا يصح مضطجعا ونقل ابن هانئ صحته، اختاره بعضهم ثم هل يومئ أو يسجد؟ يحتمل وجهين، انتهى، وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى، والمصنف في النكت، وحواشي المقنع، وصاحب الفائق وغيرهم:
إحداهما: يسجد قلت: وهو ظاهر كلام المجد في شرحه، وغيره، وهو الصواب، والوجه الثاني لا يسجد.
ـــــــ
1 ص 408.
2 ابن أبي شيبة في مصنفه 2/52 الترمذي بعد الحديث "372".
3 في سننه بعد الحديث "372".
4 2/569.
5 1/355.

(2/400)


وله القيام عن جلوس "و" وكذا عكسه "و" وخالف في الثانية أبو يوسف ومحمد وأشهب المالكي، لأن الشروع ملزم كالنذر.
ويصح التطوع بفرد كركعة وعنه لا "و هـ" ويجوز جماعة و ش" أطلقه بعضهم "م 11" وقيل ما لم يتخذ عادة "و ش" وقيل يستحب وقيل
ـــــــ
مسألة 11: قوله: ويجوز أي التطوع جماعة أطلقه بعضهم، وقيل ما لم يتخذ عادة، انتهى. قلت: ممن أطلق الشيخ في المغني1، والكافي2 والشرح3
ـــــــ
1 2/567.
2 1/354.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/198.

(2/401)


يكره، قال أحمد ما سمعته "و هـ".
وكثرة الركوع والسجود أفضل. وقال في الغنية وابن الجوزي: نهارا وعنه طول القيام "و هـ ش" وعنه التساوي، اختاره صاحب المحرر، وحفيده، ويسن ببيته "و" وعنه هو والمسجد سواء.
ويكره الجهر نهارا في الأصح، قال أحمد لا يرفع، قيل قدر كم يرفع؟ قال: قال ابن مسعود من أسمع أذنيه فلم يخافت.
وليلا يراعي المصلحة، ويعجب أحمد أن يكون له ركعات معلومة.

(2/402)


فصل: أقل سنة الضحى ركعتان
"و" ووقتها من خروج وقت النهي إلى الزوال، والمراد والله أعلم قبيل الزوال للنهي1 والأفضل إذا اشتد حرها وأكثرها ثمان، لأن أم هانئ روت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات يوم الفتح ضحى2. واختار صاحب الهدي من أصحابنا أنها صلاة بسبب
ـــــــ
وشرح ابن رزين، والرعايتين والحاوي الصغير، وغيرهم، والقول الثاني قطع به المجد في شرحه وابن عبد القوي في مجمع البحرين، وظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز إذا اتخذ عادة، وليس كذلك، فإن هذا قول المجد ومن تبعه، والمجد في شرحه وابن عبد القوي إنما قال ولا يكره التطوع جماعة ما لم يتخذ ذلك سنة وعادة، ففي كلام المصنف شيء، وكان الأولى أن يقول وقيل ويكره ما لم يتخذ عادة، كما قال المجد، والمحل لفظة يكره، سقطت من الكاتب، "3إذا علم ذلك فالصواب ما اختار المجد ومن تابعه3".
ـــــــ
1 أخرج مسلم "381" من حديث عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بارغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تعرب.
2 تقدم في الصفحة 389.
3 ليست في "ح".

(2/402)


الفتح، شكرا لله عليه، وأن الأمراء كانوا يصلونها إذا فتح الله عليهم1. وقال بعض العلماء وفيه إثبات صلاة بسبب محتمل.
وعنه أكثر الضحى اثنتا عشرة للخبر2، جزم به في الغنية، وقال: له فعلها بعد الزوال. وقال: وإن أخرها حتى صلى الظهر قضاها ندبا ونص أحمد تفعل غبا.
واستحب الآجري وأبو الخطاب وابن عقيل وابن الجوزي، وصاحب المحرر وغيرهم المداومة، ونقله موسى بن هارون "و ش" واختاره شيخنا لمن لم يقم في ليله.
ويستحب صلاة الاستخارة، وأطلقه الإمام، والأصحاب ولو في حج وغيره من العبادات كما يأتي، والمراد في ذلك الوقت، فيكون قول أحمد: كل شيء من الخير يبادر إليه أي بعد فعل ما ينبغي فعله، وقد يتوجه احتمال بظاهره، وفيه نظر.
ويستحب صلاة الحاجة إلى الله أو إلى آدمي، وهي ركعتان، لخبر ابن أبي أوفى3، وفيه ضعف.
وصلاة التوبة،................
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 زاد المعاد 1/354.
2 أخرج الترمذي "473" وابن ماحه "1380" عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة".
3 أخرجه الترمذي "479" وابن ماجه "1384" وفيه: "من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم يصل ركعتين.." . الحديث.

(2/403)


لخبر على المشهور1، وهو حسن، وقال البخاري2: لا يتابع اسما ثبت الحكم3 عليه، وقد حدث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم عن بعض، ولم يخالف بعضهم بعضا.
وعقيب الوضوء، للخبر الصحيح4، قال ابن هبيرة: وإن كان بعد عصر احتسب بانتظاره بالوضوء الصلاة، فيكتب له ثواب مصل.
وعند جماعةوصلاة التسبيح، ونصه لا، لخبر ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها لعمه العباس أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يسبح، ويحمد، ويهلل، ويكبر خمس عشرة مرة، ثم يقولها في ركوعه ثم في رفعه منه، ثم في سجوده، ثم
ـــــــ
تنبيه: قوله ويستحب صلاة الاستخارة، وعند جماعة وصلاة التسبيح، ونصه لا، انتهى، المنصوص هو الصحيح وعليه الأكثر، قال الشيخ تقي الدين نص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، وقدمه في الرعايتين وقاله القاضي وغيره، وقطع في الحاوي الكبير بالجواز، واستحب جماعة فعلها، واختاره في الرعاية الكبرى، وأطلقهما في الحاوي الصغير، وقال الموفق ومن تابعه لا بأس بفعلها، فهذه إحدى عشرة مسألة قد من الله الكريم علينا بتصحيحها، فله الحمد والمنة.
ـــــــ
1 أخرج أحمد "2" و "47" و "48" و "56" وأبو داود "1521" والترمذي "406" والنسائي في عمل اليوم والليلة "417" وابن ماجه "1395" عن علي قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه إذا حدثني عنه غيري استحلفته فإذا حلف لي صدقته وإن أبا بكر حدثني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له".
2 في تاريخه الكبير 1/2/55.
3 أبو حسان أسماء بن الحكم الفرازي وقيل السلمي الكوفي روى عن علي بن أبي طالب روى له أصحاب السنن الأربع. تهذيب الكمال 2/533.
4 أخرج البخاري "1149" ومسلم "2458" "108" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبلال: "يابلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة" . قال: ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ماكتب لي أن أصلي.

(2/404)


في رفعه، عشرا عشرا، ثم كذلك في كل ركعة في كل يوم، ثم في الجمعة، ثم في الشهر، ثم في العمر رواه أحمد وقال لا يصح وأبو داود وابن خزيمة والآجري وصححوه والترمذي وغيرهم1 وادعى شيخنا أنه كذب، كذا قال، ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام، واستحبها ابن المبارك على صفة لم يرد بها الخبر، لئلا تثبت سنة بخبر لا أصل له، قال: وأما أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوها بالكلية.
وقال الشيخ: لا بأس بها، فإن الفضائل لا تشترط لها صحة الخبر، كذا قال، وعدم قول أحمد بها يدل على أنه لا يرى العمل بالخبر الضعيف في الفضائل، واستحبابه الاجتماع ليلة العيد في رواية يدل على العمل بالخبر الضعيف في الفضائل، ولو كان شعارا، واختار القاضي هذه الرواية، واحتج لها بمشروعية الجماعة في غير موضع، واقتصر هو وجماعة على تضعيف أحمد لصلاة التسبيح، وعكس جماعة فاستحبوا صلاة التسبيح دون الاجتماع ليلة العيد، وهو يدل على التفرقة بين الشعار وغيره.
وقال شيخنا: العمل بالخبر الضعيف: بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب، ومثله في الترغيب والترهيب بالإسرائليات، ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي، لا استحباب ولا غيره، لكن يجوز، ذكره في الترغيب والترهيب فيما علم حسنه
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 أبو داود "1297" وابن خزيمة "1216" ولم نجده عند أحمد في مسنده. وهو عند الترمذي "482 من حديث أبي رافع لا من حديث ابن عباس.

(2/405)


أو قبحه بأدلة الشرع فإنه ينفع ولا يضر، واعتقاد موجبه من قدر ثواب وعقاب يتوقف على الدليل الشرعي.
وقال1 في التيمم بضربتين: العمل بالضعيف إنما شرع في عمل قد علم أنه مشروع في الجملة، فإذا رغب في بعض أنواعه لخبر ضعيف عمل به، أما إثبات سنة فلا.
وقيل: يستحب ليلة عاشوراء، ونصف شعبان، أو أول رجب، وقيل: نصفه، وقيل: والرغائب، واختلف الخبر في صفتها، قال ابن الجوزي2 هي موضوعة، كذا قال أبو بكر الطرطوشي3، وجماعة واستحبها بعض الحنفية، وبعض الشافعية، وكرهها أكثر العلماء منهم المالكية، وذكر أبو الظاهر المالكي كراهتها من وجوه كثيرة.
قال شيخنا: كل من عبد عبادة نهي عنها ولم يعلم بالنهي، لكن هي من جنس المأمور به مثل هذه الصلوات، والصلاة في أوقات النهي، وصوم العيد، أثيب على ذلك، كذا قال، ويأتي في صحته خلاف، ومع عدمها لا يثاب على صلاة، وصوم، ويأتي في صوم التطوع4، قال: وإن كان فيها نهي من وجه لم يعلمه، ككونها بدعة تتخذ شعارا، ويجتمع عليها كل يوم، فهو مثل أن يحدث صلاة سادسة ولهذا لو أراد مثل هذه الصلاة بلا حديث لم يكن له ذلك.
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 يعني: شيخ الإسلام.
2 في الموضوعات 2/48.
3 هو: محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الأندلسي من فقهاء المالكية الحفاظ. له: "سراج الملوك" و "الفتن" "والحوادث والبدع" و غيرها. "ت520هـ" الأعلام 7/133.
4 4/104.

(2/406)


بخلاف ما لم يشرع جنسه، مثل الشرك، فإن هذا لا ثواب فيه، وإن كان الله لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة. لكن قد يحسب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به، وهذا لا يكون مجتهدا لأن المجتهد لا بد أن يتبع دليلا شرعيا، لكن قد يفعله باجتهاد مثله، فيقلد من فعله من الشيوخ والعلماء، وفعلوه هم لأنهم رأوه ينفع، أو لحديث كذب سمعوه، فهؤلاء إذا لم تقم عليهم الحجة بالنهي لا يعذبون، وقد يكون ثوابهم أرجح ممن هو دونهم من أهل جنسهم، أما الثواب بالتقرب إلى الله فلا يكون بمثل هذه الأعمال.
قال ابن دحية1: وأول من أحدث ليلة الوقود التي تسميها العامة ليلة الوقيد2 البرامكة، لأن أصلهم مجوس عبدة النار، قال بعض الحنفية: هم حنفية، سيرتهم جميلة، ودينهم صحيح، أمروا بذلك إظهارا لشعار الإسلام، كذا قال، وأفتى جماعات من أصحابنا وغيرهم بالنهي عنه، وتحريمه من مال الوقف، وتضمين فاعله، وهو واضح.
وقيل عنه: يستحب الاجتماع ليلتي العيدين للصلاة جماعة إلى الفجر: ويستحب إحياء بين العشاءين للخبر3، قال جماعة: وليلتي العيدين
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 هو: أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي الكلبي مؤرخ حافظ من أهل الأندلس. له: "المطرب في أشعار أهل المغرب" و "النبراس في تاريخ بني العباس" و "التنوير في نولد السراج المنير" وغيرها. "ت633هـ". الأعلام 5/44.
2 وهذه التسمية لعلها جاءت من اختصاص هذه الليلة بمزيد من إبقاد المصابيح في المساجد وغيرها وقد ذكرها ابن كثير في البداية والناية14/235 قائلا: ومن العجائب والغرائب التي لم يتفق مثلها ولم يقع من نحو مئتي سنة وأكثر أنه بطل الوقيد في حامع دمشق في ليلة المنتصف من شعبان فلم يزد في وقيده قنديل واحد على عادة لياليه... ثم ذكر ابن كثير أنه رأى فتيا عليها خط يد الشيخ تقي الدين ابن تيمية والشيخ كمال الدين ابن الزملكاني وغيرهما في إبطال هذه البدعة فأنفذ الله ذلك ولله الحمد والمنة.
3 أخرج الترمذي "435" وابن ماجه "1374" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة" .

(2/407)


وفاقا للحنفية، روى ابن ماجه1 عن أبي أحمد المزار بن حموية عن محمد بن مصطفى، عن بقية عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة مرفوعا: "من قام ليلتي العيدين محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" . رواية بقية عن أهل بلده جيدة، وهو حديث حسن إن شاء الله تعالى، ولم يذكر ذلك بعضهم، فالأول أولى.
قال جماعة: وليلة عاشوراء، وليلة أول رجب، وليلة نصف شعبان، وفي الرعاية وليلة نصف رجب. وفي الغنية وبين الظهر والعصر، ولم يذكر ذلك جماعة وهو أظهر لضعف الأخبار، وهو قياس نصه في صلاة التسبيح، وأولى.
وفي آداب القاضي صلاة القادم، ولم يذكر أكثرهم صلاة من أراد سفرا ويأتي في أول الحج2.
وعن مطعم بن المقدام ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا منقطع "وعن علي وابن عمر "إذا خرجت فصل ركعتين" روى ذلك ابن أبي شيبة3.
ويتوجه فضل العبادة في وقت يغفل الناس عنه ويشتغلون، لما رواه أحمد4 عن معقل بن يسار مرفوعا العمل في الهرج وفي رواية في
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 في سننه "1782".
2 5/282.
3 في مصنفه 2/81.
4 في مسنده "20311".

(2/408)


الفتنة كالهجرة إلي ولمسلم: "العبادة في الهرج كهجرة إلي" . قيل للاشتغال عنها، وذكر ابن هبيرة أن المراد عبادة يظن معها القتل عند أولئك.
ويأتي تحية المسجد آخر الجمعة1.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في صحيحه "2948" "130".

(2/409)


باب أوقات النهي
مدخل
...
باب أوقات النهي
وهي خمسة:
من طلوع الفجر الثاني "و هـ م" وعنه من صلاته "و ش" اختاره أبو محمد رزق الله التميمي1، إلى طلوع الشمس.
وعند طلوعها إلى ارتفاعها قيد2 رمح.
وعند قيامها إلى زوالها، وفيه وجه "و م" اختاره شيخنا في يوم الجمعة "و ش" قال أحمد في الجمعة إذن لا يعجبني، وظاهر الجواز ولو لم يحضر الجامع "ش" لظاهر الخبر الضعيف3 المحتج به في ذلك، والأصل بقاء الإباحة إلى أن يعلم. وفي الخلاف يستظهر بترك الصلاة ساعة بقدر ما يعلم زوالها كسائر الأيام.
ـــــــ
........................................
1 ابن أبي الفرج: عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليثي التميمي البغدادي الشيخ المعمر الواعظ قال السمعاني: هو فقيه الحنابلة وإمامهم قرأ القرآن والفقه والحديث والتفسير والفرائض واللغة العربية وعمر حتى أقصد من كل جانب. من مؤلفاته: شرح الإرشاد. "ت488هـ". السير 18/609 ذيل الطبقات 1/77.
2 القيد بكسر القاف: القدر. "القاموس": قيد.
3 أخرجه أبو داود "1083" ولكن من حديث أبي قتادة وليس كم ذكره ولفظه: كره النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال: "إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة".

(2/410)


قال الأصحاب: وبعد صلاة العصر "ع" حتى جمعا إلى غروبها لا اصفرارها "م ش" وعند غروبها حتى تتم وعنه لا نهي بمكة "و ش" ويتوجه إن قلنا:
ـــــــ
........................................

(2/411)


الحرم كمكة في المرور بين يدي المصلي أن هنا مثله. وكلامه في الخلاف أنه لا يصلي اتفاقا فيه.
وعنه: ولا نهي بعد عصر. وعنه ما لم تصفر.
ويحرم فيهن في الأشهر تطوع مطلق، وقيل لا إتمامه، وإن ابتدأه لم ينعقد، وعنه بلى "و هـ م"، وفي جاهل روايتان "م1".
ـــــــ
مسألة 1: قوله: ويحرم فيهن على الأشهر تطوع مطلق، وقيل لا إتمامه، وإن ابتدأه لم ينعقد، وعنه بلى، وفي جاهل روايتان، انتهى، وأطلقهما في الرعاية الصغرى، والحاوي الصغير، والزركشي:
إحداهما: لا ينعقد، قدمه في مجمع البحرين، والفائق، وهو ظاهر كلام ابن تميم وغيره. والرواية الثانية: ينعقد، قدمه في الرعاية الكبرى والحاوي الكبير، وحواشي المقنع للمصنف قلت: وهو الصواب.
تنبيه: ظاهر قوله وقيل لا إتمامه، أن المقدم تحريم الفعل قبل دخول وقت النهي إذا أتمه فيه، وهو كذلك، وظاهر كلام جماعة والقول، الذي ذكره المصنف ظاهر

(2/412)


وما له سبب كتحية مسجد، وسجدة تلاوة، وقضاء سنن، وصلاة كسوف، قال شيخنا واستخارة فيما يفوت، وعقيب الوضوء:
فعنه: يجوز "و ش" اختاره صاحب الفصول، والمذهب، والمستوعب، وشيخنا، وغيرهم كتحية المسجد حال خطبة الجمعة، وليس عنها جواب صحيح. وأجاب القاضي وغيره بأن المنع هناك لم يخص الصلاة، ولهذا يمنع من القراءة، والكلام، فهو أخف. والنهي هنا اختص الصلاة، فهو آكد: وهذا على العكس أظهر، قال: مع أن القياس المنع تركناه لخبر سليك1.
وعنه المنع، اختاره الأكثر، قاله ابن الزاغوني وغيره، وهو أشهر "م 2"
ـــــــ
ما قطع به الخرقي، فإنه قال: ولا يبتدئ في هذه الأوقات صلاة تطوع بها، ولذا قال في المغني2 والشرح3 وشرح ابن رزين، والأصفهاني والمنور، والمنتخب، وغيرهم، وصرح به الزركشي قطعا به، لكن قال يحققها قال ابن تميم: وظاهر كلام الخرقي لا بأس به واقتصر عليه.
مسألة 2: وما له سبب كتحية مسجد وسجدة تلاوة وقضاء سنن وصلاة كسوف قال شيخنا واستخارة فيما يفوت وعقب وضوء فعنه يجوز، اختاره صاحب الفصول، والمذهب، والمستوعب، وشيخنا، وغيرهم، وعنه المنع، اختاره الأكثر، قاله ابن الزاغوني وغيره، وهو أشهر، انتهى، وأطلقهما في الكافي4، والمقنع3، والهادي، والخلاصة، والتلخيص، والبلغة، ومختصر ابن تميم، والنظم وإدراك الغاية، والزركشي، وغيرهم:
ـــــــ
1 أخرج أحمد "14171" عن سليك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدم والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين" . وهو في الصحيحين بلفظ مقارب من حديث جابر.
2 2/527.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف .
4 1/272.

(2/413)


"و هـ م" فلا يسجد لتلاوة في وقت قصير1 "هـ م".
وعنه يقضي ورده ووتره قبل صلاة الفجر "2 "و م ر" وعنه: فيه السنة مطلقا2" إن خاف إهماله، واختار الشيخ يقضي سنة الفجر بعدها، وغيرها بعد العصر.
ولا تجوز صلاة الاستسقاء وقت النهي، قال صاحب المغني والمحرر وغيرهما بلا خلاف، وأطلق جماعة الروايتين.
ـــــــ
إحداهما: يجوز فعلها فيها، اختارها أبو الخطاب في الهداية، وابن عقيل في الفصول، وابن الجوزي في المذهب، ومسبوك الذهب والسامري في المستوعب، وابن عبد القوي في مجمع البحرين والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق وغيرهم قال في مجمع البحرين: وهو ظاهر كلام الشيخ في الكافي3، وقدمه في المحرم.
والرواية الثانية: لا يجوز، وهي الصحيحة في المذهب، قال المصنف هنا وهي أشهر، قال في الواضح هي اختيار عامة المشايخ قال الشريف أبو جعفر هو قول أكثرهم، قال الشيخ الموفق والشارح: هذا المشهور في المذهب، قال في تجريد العناية هذا الأشهر قال ابن هبيرة هذا المشهور عن أحمد في الكسوف، قال ابن منجى في شرحه: هذا الصحيح، قال ابن رزين في شرحه: هذا الأظهر، لأن النصوص فيها أصح، وأصرح، انتهى.
ونصره أبو الخطاب، وغيره، وجزم به في الوجيز وغيره، واختاره الخرقي، والقاضي، والمجد وغيرهم، وقدمه القاضي أبو الحسين في فروعه، وصاحب الرعايتين والحاويين وغيرهم. فهاتان مسألتان في هذا الباب قد صححتا.
ـــــــ
1 يعني: وقت النهي عن الصلاة.
2 في "ط": "و م ر".
3 1/273.

(2/414)


وتجوز ركعتا الطواف "و ش" وإعادة الجماعة "و ش" لتأكيد ذلك للخلاف في وجوبه، ولأن ركعتي الطواف تابعة للطواف. ويجوز فرضه ونفله وقت النهي، ولأنه متى لم يعد الجماعة لحقه التهمة في حقه، وتهمة في حق الإمام، وقال في الخلاف وغيره، القياس أن لا يجوز ذلك، تركناه لخبر يزيد بن الأسود، وخبر جبير بن مطعم1، واختاره القاضي وغيره مع إمام الحي، وعنه فيهما بعد فجر وعصر. وعنه المنع "و هـ م".
وتجوز صلاة الجنازة بعد فجر وعصر. ونقل ابن هانئ المنع "و ر م" وعنه بعد فجر، وعن "م" لا يصلي بعد الإسفار والاصفرار، وعن أحمد تجوز في غيرهما "و ش" كما لو خيف عليه "و".
وتحرم على قبر، وغائب، وقت نهي، وقيل نفلا، وصحح في المذهب تجوز على قبر في الوقتين الطويلين، وحكي مطلقا. وفي الفصول لا تجوز بعد العصر، لأن العلة في جوازه على الجنازة خوف الانفجار، وقد أمن في القبر. وصلى قوم من أصحابنا بعد العصر بفتوى بعض المشايخ، ولعله قاس على الجنازة، وحكي لي عنه أنه علل بأنها صلاة مفروضة، وهذا يلزم عليه فعلها في الأوقات الثلاثة، هذا كلامه.
ويقضي الفرض "هـ" في وقت قصير للصلاة2، وعنه: لا، كمنذورة في
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 خبر يزيد بن الأسود أخرجه أبو داود "575" والترمذي "219" والنسائي 2/112-113 ولفظه: قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر في مسجد الخيف فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا نعه قال: "علي بهما" فأتي بهما ترعد فرائصهما فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا" قالا يا رسول الله إنا قد صلينا في رحلنا قال: "فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة" .
وخبر ابن مطعم أخرجه أبو داود "1894" والترمذي "868" والنسائي 1/284 وابن ماجه "1254" ولفظه: "يابني عبد مناف لاتمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار"
2 يعني: وقت نهي عنها.

(2/415)


رواية "و هـ" وكذا نذرها فيها، لأنه وقت الصلاة في الجملة، ويخرج أن لا ينعقد موجبا لها "و ش" وفي الفصول يفعلها غير وقت نهي، ويكفر، كنذره صوم عيد، قال في الخلاف وغيره: فإن نذر صلاة مطلقة أو في وقت وفات فقياس المذهب يجوز فعلها وقت النهي، لأن أحمد أجاز صوم النذر في أيام التشريق في إحدى الروايتين، مع تأكيد الصيام، فنقل صالح في رجل نذر صوم سنة فصام أيام التشريق أرجو أن لا بأس. ولو أفطرها وكفر رجوت أن يكون ذلك مذهبا، فقد أجاز صومها عن النذر، فكذا يجب في الصلاة، ولو نذرها بمكان غصب فيتوجه كصوم عيد. وفي مفردات أبي يعلى1 تنعقد، فقيل له يصلي في غيره؟ فقال: فلم يف بنذره.
ويفعل سنة الظهر الثانية بعد عصر جمعا، وقيل وقت ظهر، وقيل بالمنع وفي الفصول يصلي سنة الأولى إذا فرغ من الثانية، إذا لم تكن الثانية عصرا، وهذا في العشاءين خاصة، ويقدم سنة الأولى منهما على الثانية كما قدم فرض الأولى على فرض الثانية، كذا قال، ولا نهي بعد الجمعة، حتى ينصرف المصلي "م"2.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 يعني: أبا يعلى الصغير محمد بن محمد بن محمد بن الحسين "ت560هـ". ذيل طبقات الحنابلة 1/244..
2 ليست في "ط".

(2/416)


باب صلاة الجماعة
مدخل
...
باب صلاة الجماعة
أقلها اثنان "و" وهي واجبة، نص عليه، فلو صلى منفردا لم ينقص أجره مع العذر، وبدونه في صلاته فضل، خلافا لأبي الخطاب وغيره في الأولى، ولنقله عن أصحابنا في الثانية، وكذا قيل للقاضي: عندكم لا فضل في صلاة الفذ؟ فقال: قد تحصل المفاضلة بين شيئين، ولا خير في أحدهما واحتج
ـــــــ
........................................

(2/417)


لذلك بالآيات المشهورة، وهذا فيه نظر هنا، لأنه يلزم من ثبوت النسبة بينهما بجزء معلوم ثبوت الأجر فيها، وإلا فلا نسبة ولا تقدير.
واختاره شيخنا كأبي الخطاب فيمن عادته الانفراد مع عدم العذر، وإلا تم أجره، وقال في "الصارم المسلول" غير التفضيل في المعذور الذي تباح له الصلاة وحده لقوله عليه السلام: "صلاة الرجل قاعدا على النصف، ومضطجعا على النصف" فإن المراد به المعذور كما في الخبر إنه خرج وقد أصابهم وعك وهم يصلون قعودا فقال ذلك وهذا الخبر من حديث أنس رواه أحمد وابن ماجه والنسائي1 وقال هذا خطأ.
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أحمد "12395" و "13236" زابن ماجه "1230" والنسائي في الكبرى "1364".

(2/418)


وذكر شيخنا في مواضع: أن من صلى قاعدا لعذر له أجر القائم، ومعناه كلام صاحب المحرر وغيره، وقد روى أحمد والبخاري وغيرهما1 عنه عليه السلام: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما" .
ويتوجه احتمال تساويهما في أصل الأجر وهو الجزاء. والفضل بالمضاعفة، وقد روى أبو داود2 حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا أبو معاوية عن هلال بن ميمون، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في الجماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة" .
قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة، وساق الحديث، هذا ما ذكره أبو داود والحديث حسن هلال وثقه ابن معين وابن حبان، ورواه في صحيحه3. وقال النسائي ليس به بأس، وقال أبو حاتم ليس بالقوي، نكتب حديثه، فإن صح فيتوجه القول بظاهره، ولعله ظاهر اختيار أبي داود، ولا تعارض، وقد روي من حديث سلمان4 أنه يصلي خلفه من الملائكة خلق كثير، ولا بد أنه في الفلاة لعذر، وقصد صحيح، ويحتمل أنه يراد به الاعتزال في الفتنة، أو الصلاة بحضرة العدو، وعلى معنى قوله: "أفضل
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أحمد "19679" والبخاري "2996" وابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/220 والبيقهقي في السنن 3/374 من حديث أبي موسى الأشعري.
2 في سننه "560".
3 برقم "1749".
4 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "1955" وسيورده ابن مفلح بتمامه في الصفحة 461.

(2/419)


الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"1. والله أعلم،
وعنه الجماعة سنة "و هـ م ق" وذكر شيخنا وجها فرض كفاية "و ق" ومقاتلة تاركها كالآذان، وذكره ابن هبيرة2 "و" وفي الواضح والإقناع رواية: شرط، وذكر القاضي كذلك، واختاره ابن أبي موسى، وشيخنا للمكتوبة، واختاره ابن عقيل، وقال: بناء على أصلنا في الصلاة في ثوب غصب، والنهي يختص الصلاة.
وعنه: ولفائتة، ومنذورة، فظاهر كلام جماعة هنا وفي وجوب الآذان لفائتة فقط،
حضرا وسفرا على الرجال، ونقل ابن هانئ والعبيد، وأطلق جماعة
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه الترمذي "2174" وأبو داود "4344" زابن ماجه "4011" من جديث أبي سعيد.
2 في الإفصاح 1/152.

(2/420)


روايتين، وقيل والمميزين.
وفعلها في المسجد سنة "و هـ م" وعنه فرض كفاية "و ق" قدمه في المحرر لاستبعاده أنها سنة، ولم أجد من صرح به غيره.
وعنه واجبة مع قربه، وقيل: شرط، قال شيخنا: ولو لم يمكنه إلا بمشيه في ملك غيره فعل، وإن كان بطريقه منكر كغناء لم يدع المسجد، وينكره، نقله يعقوب.
ويستحب للنساء "و ش" وعنه لا، وعنه يكره "و هـ م" ومال أبو يعلى الصغير إلى وجوبها إذا اجتمعن. وفي الفصول يستحب لهن إذا اجتمعن أن يصلين فرائضهن جماعة في أصح الروايتين، والثانية يكره في الفريضة، ويجوز في النافلة،
ولهن حضور جماعة الرجال، وعنه الفرض، وكرهه القاضي وابن
ـــــــ
.............

(2/421)


عقيل، وغيرهما للشابة وهو أشهر "و م" وأبي يوسف ومحمد والمراد والله أعلم المستحسنة "و ش" ويؤيده أن القاضي احتج بقوله في رواية حنبل: وسأل عن خروج النساء إلى العيد فقال يفتن الناس، إلا أن تكون امرأة قد طعنت في السن. وقال القاضي: العلة في منع الشابة خوف الفتنة بها، واحتج بالنهي عن الطيب للافتتان به، ومعلوم أن هذا المعنى غير معدوم في عجوز مستحسنة، وكرهه "هـ" لشابة، وكذا العجوز في ظهر وعصر لانتشار الفسقة فيهما. قال بعض أصحابه: والفتوى اليوم على الكراهة في كل الصلوات، لظهور الفساد، واستحسنه1 ابن هبيرة.
وقيل: يحرم في الجمعة، ويتوجه في غيرها مثلها، وأن مجالس الوعظ كذلك وأولى، وقاله بعض الحنفية وغيرهم، ويتوجه تخرج رواية في كراهة إمامة الرجال لهن في الجهر مطلقا، يكره في صلاة الجهر فقط، وجزم في الخلاف بالنهي في كل الصلوات في مسألة هل تبطل صلاة من يليها؟ قال وقد نص عليه في رواية حرب، وسأله يخرجن في صلاة العيد؟ فقال: لا يعجبني في زمننا، لأنهن فتنة، وقد وردت السنة بذلك، ثم ذكر ما حدث به أبو بكر بن محمد بن جعفر الحنبلي المؤدب بإسناده عن محمد بن عبد الله بن قيس أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: إن نساءنا يستأذنوننا في المسجد فقال: " احبسوهن، فإن أرسلتموهن فأرسلوهن تفلات" 2. وبإسناده عن عمر بن عبد الله القيسي: أن امرأة قالت: يا رسول الله، نحب الصلاة معك فيمنعنا أزواجنا فقال: "صلاتكن في بيوتكن أفضل من
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في الأصل و "ب" و "ط": واستحبه.
2 لم أقف عليه.

(2/422)


حجركن..." 1 الحديث. وقال في مسألة القصر: إذا صلت المرأة والعبد والمسافر الجمعة فإنه أفضل من الإتمام.
واجتماع أهل الثغر بمسجد أفضل، والأفضل لغيرهم العتيق، ثم الأكثر جمعا، وقيل يقدم، ثم الأبعد، وعنه الأقرب "و هـ ش" كما لو تعلقت الجماعة "و" بحضوره، وقيل يقدمان على الأكثر جمعا، وذكر بعض الحنفية مذهبهم تقديم الأقرب على العتيق، قالوا ومع التساوي يذهب
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي 3/133 من حديث أم حميد.

(2/423)


الفقيه إلى أقلهما جماعة ليكثروا به.
وهل فضيلة أول الوقت أفضل أم انتظاره كثرة الجمع؟ فيه وجهان "م 1".
ـــــــ
مسألة 1 قوله: وهل فضيلة أول الوقت أفضل أم انتظار كثرة الجمع؟ فيه وجهان انتهى، وأطلقهما في الرعاية الكبرى، فقال: وهل الأفضل الصلاة في أول الوقت مع قلة الجمع أو انتظار كثرته؟ فيه وجهان، وكذا ابن تميم، فقال: وإذا لم يكثر الجمع فهل الأفضل انتظار كثرته أو تحصيل فضيلة أول الوقت؟ على وجهين وكذا صاحب الحاوي الكبير، فقال: وهل الأفضل الصلاة في أول الوقت مع قلة الجماعة أو انتظار كثرتها لى وجهين، وكذا صاحب الفائق، فقال: وهل الأولى مراعاة أول الوقت أو انتظار كثرة الجمع على وجهين:
أحدهما:فضيلة أول الوقت أفضل، قال القاضي: يحتمل أن يصلي ولا ينتظر ليدرك فضيلة أول الوقت، قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، ومما يؤيد ذلك قول أكثر الأصحاب فإن صلاة الفجر في أول الوقت أفضل، ولو قل الجمع، وهو المذهب.
والوجه الثاني:كثرة الجمع أفضل من فضيلة أول الوقت، اختاره ابن حامد وأومأ إليه، قلت ومما يقويه ما ثبت في الصحيح من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في

(2/424)


وتقدم الجماعة مطلقا على أول الوقت، ذكروه في كتب الخلاف، وصاحب المغني1، والنهاية، وغيرهم، ويتوجه تخريج واحتمال من التيمم أول الوقت مع ظن الماء آخر الوقت "و ق" وهو الصحيح عند أصحابه، وبأن ذلك لو علم الجماعة آخر الوقت لم يلزمه التأخير في الأشهر، ولهذا لما قاسوا مسألة التيمم على مسألة الجماعة قال القاضي عن الشافعية إنهم منعوه، وقالوا إن تحقق الجماعة فالأفضل التأخير، وإن رجى فالتعجيل وصلاته منفردا أول الوقت ثم يصلي جماعة أفضل للخبر2.
ـــــــ
1 2/36, 37.
2 هو قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" . وتقدم تخريجه ص 417.

(2/425)


فصل: تحرم الإمامة بمسجد له إمام راتب إلا بإذنه،
قال أحمد: ليس لهم ذلك. وقال في الخلاف: فقد كره ذلك، قال في الكافي3: إلا مع غيبة، والأشهر لا، إلا مع تأخره وضيق الوقت.
ويراسل إن تأخر عن وقته المعتاد مع قربه وعدم المشقة. أو لم يظن حضوره، أو ظن ولا يكره ذلك صلوا.
وحيث حرم فظاهره لا تصح. وفي الرعاية لا يؤم، فإن فعل صح ويكره، ويحتمل البطلان للنهي.
ـــــــ
صلاة العشاء إذا كثر الناس عجل، فإذا قلوا أخر ، لكن هذا لمعنى مخصوص بهذه الصلاة، قال المصنف هنا: ويقدم الجماعة مطلقا، على أول الوقت، ذكروه في كتب الخلاف، والمغني والنهاية وغيرهم.
ـــــــ
3 1/423.

(2/425)


وإن جاء الإمام بعد شروعهم فهل يجوز تقديمه ويصير الإمام مأموما "و ش" لأن حضور إمام الحي يمنع الشروع فكان عذرا بعده أم لا؟ "و هـ م" لأن خروجه عليه السلام عذر في تأخر أبي بكر ولهذا لما قال: لم يكن لابن أبي قحافة أن يتقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم1 أقره عليه، أم يجوز للإمام الأعظم؟ فيه روايات منصوصة، وقيل أوجه "م 2".
ـــــــ
مسألة 2: قوله: إن جاء الإمام بعد شروعهم فهل يجوز تقديمه ويصير الإمام مأموما، لأن حضور الإمام يمنع الشروع، فكان عذرا بعده، أم لا؟ أم يجوز للإمام الأعظم؟ فيه روايات منصوصة، وقيل أوجه، انتهى، وأطلقهن في المغني2 والشرح3 في موضع، ومختصر ابن تميم والرعايتين، والحاويين، والنظم، وغيرهم:
إحداهن: يجوز تقديمه ويصير الإمام مأموما، وهو الصحيح، نص عليه في رواية أبي الحارث، وجزم به في الإفادات، والوجيز، والمنور وغيرهم، وصححه في
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "684" ومسلم "421" من حديث سهل بن سعد الساعدي.
2 3/65.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/391.

(2/426)


.................
ـــــــ
التصحيح، واختاره ابن عبدوس في تذكرته، قال ابن رزين في شرحه: وهو أظهر. والرواية الثانية: لا يجوز، ولا يصح، قال في الفصول: وهو الأصح عند شيخنا أبي يعلى، قال المجد: وهو مذهب أكثر العلماء، وأطلقهما في الكافي1. والمقنع2، شرح المجد، والشرح2 في موضع آخر، وشرح ابن منجى والفائق، وغيرهم.
والرواية الثالثة: يصح من الإمام الأعظم دون غيره، قال ابن رجب في شرح البخاري: اختار أبو بكر وغيره من أصحابنا رواية اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، واختاره في مجمع البحرين.
تنبيه: قوله: فيه روايات منصوصة وقيل أوجه "قلت" ممن ذكر الروايات صاحب المغني3، والشرح2، ذكراه في هذا الباب، وصاحب مجمع البحرين، والحاوي الكبير، وابن تميم، وغيرهم، وقدمه المصنف، وممن ذكر الأوجه صاحب الكافي1 والمقنع2، والشرح الكبير3 في باب النية، والمجد وابن منجى في شرحيهما، وابن حمدان في الرعاية الصغرى، وصاحب الحاوي الصغير، وقدمه في الرعاية الكبرى.
ـــــــ
1 1/404.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/391.
3 3/65.

(2/427)


...........................

(2/428)


وإن استخلف من سبقه الحدث ثم صار إماما وبنى على صلاته تصح، وعنه لا، وعنه يستأنف "م 3".
وإن حضر الإمام أول الوقت ولم يتوفر الجمع فقيل ينتظر، أومى إليه، وقيل لا "م 4".
ـــــــ
مسألة 3: وإن استخلف من سبقه الحدث ثم صار إماما وبنى على صلاته فعنه يصح، وعنه لا، وعنه يستأنف، انتهى. قال في الرعاية الكبرى: ومن سبقه الحدث واستخلف غيره ثم تطهر وجاء قبل سلام نائبه وبنى على ما مضى من صلاة نفسه ففيه ثلاث روايات: الصحة، والبطلان، والثالثة الاستئناف لا البناء، انتهى.
إحداهن يصح، قلت وهو الصواب قياسا على ما إذا أحرم لغيبة إمام الحي ثم حضر وصار إماما، وقد قال ابن تميم: وإن تطهر يعني الإمام قريبا ثم عاد فأتم بهم جاز، واقتصر عليه من غير حكاية خلاف. وقال في الرعاية الكبرى أيضا: وإن تطهر الإمام وائتم بهم قريبا صح في المذهب، انتهى، وهذا والذي قبله فيمن لم يستخلف، فليس من المسألة في شيء فيما يظهر.
والرواية الثانية: لا يصح.
والرواية الثالثة: يستأنف.
تنبيه: الظاهر أن هذه المسألة مبنية على جواز بناء من سبقه الحدث إذا تطهر، وصحته، وهو واضح جدا، لكن يشكل كونه حكى رواية بالاستئناف، وهو لا يكون إلا مع البطلان، ولم أر المسألة إلا هنا. وفي الرعاية.
ومسألة بطلان صلاة من سبقه الحدث وعدمه واستخلافه وعدمه وفروع ذلك ذكره المصنف في النية محررا1.
مسألة 4: قوله: وإن حضر الإمام أول الوقت ولم يتوفر الجمع فقيل ينتظر وأومأ
ـــــــ
1 ص 146.

(2/429)


ولا تكره إعادة الجماعة فيما له إمام راتب إما كغيره "و" وقيل يكره "و هـ م" ويتوجه احتمال في غير مساجد الأسواق "و ش" وقيل بالمساجد العظام، وقيل لا تجوز. ويكره قصدها للإعادة، زاد بعضهم: ولو كان صلى فرضه وحده، ولأجل تكبيرة الإحرام لفوتها له، لا لقصد الجماعة نص على الثلاث.
ـــــــ
إليه، وقيل لا، انتهى، قد تقدم أن ابن تميم وابن حمدان وصاحب الحاوي الكبير والفائق قالوا: وهل الأفضل الصلاة في أول الوقت، مع قلة الجماعة، أو انتظار كثرتها؟ على وجهين، وكلام المصنف في المسألة الأولى أعم من هذه المسألة، إلا أن المصنف ذكرهما مسألتين، والذي يظهر أن المسألة الأولى تشمل هذه، فهذه فرد من أفراد المسألة الأولى، وإن جعلناهما مسألتين كما فعل المصنف فتكون المسألة الأولى مخصوصة بغير الإمام، وهذه بالإمام، وعلى كل تقدير فالخلاف في المسألتين على حد سواء في الصحة، والضعف، والمذهب، ولم أر أحدا من الأصحاب ذكرهما مسألتين سوى المصنف، وإنما ذكروا المسألة الأولى، فدل أن هذه داخلة في كلامهم، والله أعلم.

(2/430)


ويتوجه صلاته فذا في مسجد من الثلاثة إن لم يجد الجماعة، وقاله مالك، وصاحب مختصر البحر الحنفي في المسجدين، وكلام الطحاوي يقتضي أن مذهبهم يخالف ما قاله مالك. وعند الحنفية الصلاة في مسجد محلته أفضل من الجامع الأعظم قضاء لحقه، ولهذا لو لم يحضر جماعته يصلي المؤذن وحده فيه، ولا يذهب إلى مسجد آخر فيه جماعة، كالجماعة لو غاب المؤذن لا يذهبون إلى غيره، بل يتقدم أحدهم عوضه.
وذكر بعض الحنفية خلافا: هل جماعة حيه أفضل، أم جماعة جامع مصره؟ قال: وجماعة مسجد أستاذه لدرسه، أو لسماع الأخبار أفضل اتفاقا، قال جماعة: وفضيلة التكبيرة الأولى لا تحصل إلا بشهود تحريم الإمام.
ويكره إعادة الجماعة بمكة، والمدينة، علله أحمد بأنه أرغب في توفر الجماعة وعنه والأقصى، وعنه يستحب، اختاره في المغني1،
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 3/11.

(2/431)


وعنه مع ثلاثة فأقل.
وليس للإمام إعادة الصلاة مرتين وجعل الثانية عن فائتة أو غيرها، والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة، ذكره شيخنا.
وإن صلى ثم حضرت جماعة أو جاء مسجدا غير وقت نهي سن إعادتها معهم "و هـ م" ولو كان صلى جماعة "خ" وعنه حتى المغرب، صححه ابن عقيل "و ش" ويشفعها في المنصوص برابعة "ش" يقرأ فيها بالحمد، وسورة، كالتطوع، نقله أبو داود، وإن لم يشفعها انبنى على صحة التطوع بوتر، وللحنفية خلاف في تحريمه، وتحريم نفل بعد الغروب قبل صلاة المغرب، وعندهم إن سلم على الثلاث فسدت، ولزمه قضاء أربع، لأنه التزم بالاقتداء ثلاثا، فلزمه أربع، كنذر، وهكذا قالوا، وقالوا مخالفة الإمام حرام، لكنه أخف من مخالفة السنة، وعلى الأول لا يعيد المغرب ولو كان صلى وحده، ذكره القاضي وغيره، ومذهب مالك لا إعادة مع الواحد، ولا العشاء بعد الوتر.
ـــــــ
........................................

(2/432)


والأولى فرضه نص عليه و هـ م ر ق" كإعادتها منفردا، ذكره القاضي وغيره، ولهذا ينوي الإعادة نفلا "و هـ" وفي مذهب مالك أقوال: هل ينوي فرضا، أو نفلا، أو إكمال الفضيلة، أو يفوض الأمر إلى الله سبحانه؟ ومذهب الشافعي ينوي الفرض، ولو كانت الأولى فرضية. وقال بعض أصحابه: ينوي ظهرا أو عصرا، ولا يتعرض للفرض، وعند بعض الشافعية كلاهما فرض كفرض الكفاية إذا قام به طائفة ثم فعله طائفة.
وعنه: تجب الإعادة مع إمام الحي، ودخوله المسجد وقت نهي الصلاة معهم تبنى على فعل ما له سبب وفي التلخيص لا يستحب مع إمام حي، ويحرم مع غيره، وأنه في غير وقت نهي يخير مع إمام حي، ولا تستحب مع غيره، واستحبها القاضي مع إمام حي، وأنه يستحب مع غيره سوى الفجر والعصر فإنه يكره دخول المسجد بعدهما، ونقله الأثرم، إلا أنه إذا دخل وحضر في الجماعة فإنه يصليها، لقوله عليه السلام: "إذا أقيمت الصلاة وأنتما في المسجد فصليا" . رواه أحمد1، فأمر الحاضر، ولأن الحاضر إن لم يصل مستخف لحرمتها، ولأن الحاضر تلحقه تهمة في أنه لا يرى فضل الجماعة، واختار شيخنا ألا يعيدها من بالمسجد وغيره بلا
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في مسنده "17474" منحديث يزيد بن الأسود.

(2/433)


سبب فهو ظاهر كلام بعضهم، وذكره بعض الحنفية وغيرهم.
وقال أيضا فيمن نذر: متى حفظ القرآن صلى مع كل فريضة فريضة أخرى وحفظ لا يلزمه الوفاء، فإنه منهي عنه، ويكفر كفارة يمين، ويعيد الصلاة حيث تشرع الإعادة، كمثل أن تقام الصلاة وهو في المسجد فيصليها معهم، وإن كان صلى، ويتطوع بما يقوم مقام ذلك، وفي واضح ابن عقيل1 في الأمر المعلق بالشرط: من الأوامر ما يقبح تكراره، فلا يجوز فعل ظهرين في يوم، ولا استدامة الصوم جميع الدهر.
والمسبوق في ذلك يتمه بركعتين من الرباعية نص عليه لقوله عليه السلام: "وما فاتكم فأتموا" 2. وقيل: له أن يسلم معه.
ـــــــ
1 2/575.
2 أخرجه البخاري "635" ومسلم "603" "105" من حديث عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه. والحديث بتمامه: قال أبو قتادة: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال: "ماشأنكم" قالوا: استعجلنا إلى الصلاة قال: "فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".

(2/434)


فصل: من أدرك إماما راكعا فركع معه أدرك الركعة
"و هـ ش" وقيل إن أدرك معه الطمأنينة "و م" وفي التلخيص وجه يدركها ولو شك في إدراكه راكعا "خ" وهو قول الشافعي، لأن الأصل بقاء ركوعه.
وإن رفع الإمام قبل ركوعه لم يدركه. ولو أحرم قبل رفعه "و"3 ولو أدرك ركوع المأمومين "و"3 كذا ذكروه، ويأتي حكم التخلف عنه، ويكفيه تكبيرة الإحرام "و"3 لا العكس "و"3 قيل للقاضي: لو كانت تكبيرة
ـــــــ
........................................
ـــــــ
3 في "ط": ق.

(2/434)


الركوع واجبة لم تسقط، فأجاب بأن الشافعي أوجب القراءة، وأسقطها إذا أدركه راكعا، مع أن القاضي قال: لو وجبت القراءة لما سقطت إذا أدركه راكعا كسائر فروض الركعة، قيل له: إنما سقطت للضرورة، وهو أنه لو اشتغل بها فاتته الركعة، والفروض قد تسقط للضرورة، فقال: لا ضرورة، لأنه يقضيها كما يقضي سائر الركعات المسبوق بها، ولو جاز أن يقال: يسقط هذا للضرورة، لجاز أن يقال: يسقط القيام في هذه الحال، ويكبر راكعا، ولجاز أن يقال يسقط الركوع إذا أدركه ساجدا للضرورة، فقيل: إنما لم يسقط فرض الركوع لفوات معظم الركعة فقال: لو كبر وركع لم يجزه وإن كان قد أتى بمعظم الركعة.
وعنه يعتبر معها تكبير الركوع، واختاره جماعة، وإن نواهما بتكبيرة لم ينعقد، وعنه بلى، اختاره صاحب المغني1 والمحرر "و هـ م" وإن أدركه غير راكع دخل معه ندبا للخبر، فظاهره مطلقا، وفي
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 2/182.

(2/435)


الخلاف وغيره الافتراش في التشهد والتورك في الثاني له فائدة وهي نفي السهو، وحصول الفرق للداخل: هل الإمام في أول الصلاة فيدخل معه، أم في آخرها فيقصد جماعة أخرى؟.
والمنصوص يحط معه بلا تكبير "هـ"1. ولو أدركه ساجدا "م" ومن كبر قبل سلام الإمام أدرك الجماعة "و ش" وزاد بعضهم إن جلس، وقيل: أو قبل التسليمة الثانية، وعنه أو سجود سهو بعد السلام "و هـ" قال في البحر المحيط للحنفية: يترك سنة الفجر من أدركه في التشهد. وفي المرغيناني يشتغل بالسنة عند "هـ" وأبي يوسف لأنه كإدراك أول الصلاة عندهما، وعند محمد: لا.
وظاهر كلام ابن أبي موسى يدركه بركعة "و م" وذكره شيخنا رواية، اختارها وقال: اختارها جماعة، وقال: وعليها إن تساوت الجماعتان فالثانية من أولها أفضل، ولعل مراد شيخنا ما نقله صالح وأبو طالب وابن هانئ في قوله: "الحج عرفة" 2. أنه مثل قوله: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" 3. إنما يريد بذلك فضل الصلاة، وكذلك يدرك فضل
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط": خ.
2 أخرجه أبو داود "1949" والترمذي "889" والنسائي 5/256 وابن ماجه عقب حديث "3015" من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي
3 أخرجه البخاري "580" ومسلم "607" "161" من حديث أبي هريرة.

(2/436)


الحج، قال صاحب المحرر: معناه أصل فضل الجماعة لا حصولها فيما سبق، فإنه فيه منفرد به حسا وحكما "ع".
ويقوم المسبوق بتكبيرة "و هـ" ولو لم تكن ثانية "م خ" ولو أدرك ركعة "ش" أو ثلاثا "ش" والمنصوص أو التشهد الأخير "ش" كقيامه1 إلى ما يعتد له به بخلاف دخوله معه وإن قام قبل سلام الثانية وقلنا تجب وأن لا تجوز مفارقته بلا عذر ولم يرجع: فهل تصير نفلا؟ زاد بعضهم بلا إمام، أم يبطل ائتمامه، أم صلاته؟ فيه أوجه "م 5"
وما يدركه آخر صلاته، وما يقضيه أولها في ظاهر المذهب و هـ م"
ـــــــ
مسألة 5: قوله: وإن قام يعني المسبوق قبل سلام الثانية وقلنا تجب وأنه لا تجوز مفارقته بلا عذر ولم يرجع فهل تصير نفلا زاد بعضهم بلا إمام، أم يبطل ائتمامه، أم صلاته فيه أوجه انتهى، وأطلقها في الرعاية الكبرى، ثم قال بعد حكاية الأقوال الثلاثة قلت إن تركه عمدا بطلت صلاته، وإلا بطل ائتمامه فقط. انتهى:
أحدهما: يخرج من الائتمام، ويبطل فرضه.
والوجه الثاني: وتصير نفلا، قدمه ابن تميم، والمصنف في حواشي المقنع وهو الصحيح. والوجه الثالث: يبطل ائتمامه فقط، قلت قواعد المذهب تقضي أنها لا تبطل، وذلك لأنهم قالوا: لو أحرم بصلاة في وقتها، ثم قلبها نفلا لغير غرض صحيح إنها لا تبطل على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وإن كان المصنف قد أطلق الخلاف على ما تقدم. وقال المصنف2 بعد ذلك، وإن انتقل من فرض إلى فرض
ـــــــ
1 في "ط": في الثالثة لقيامه.
2 ص 139.

(2/437)


يستفتح فيه، ويقرأ سورة، وعنه عكسه "و ش" فيقوله فيما يدركه فقط فيستفتح، وإن قعد "ش" وسلم الشافعية ما لو أحرم وسلم إمامه قبل قعوده، أو أحرم وهو في آخر الفاتحة فأمن معه، أو سها بين التحريمة والاستفتاح بذكر محل آخر، أو بكلام، وقلنا لا تبطل: سلموا أنه يستفتح.
وقيل: يقرأ السورة مطلقا، ذكر الشيخ أنه لا يعلم فيها خلافا بين الأئمة الأربعة، وذكره ابن أبي موسى المنصوص عليه، وذكره الآجري عن أحمد، وبنى قراءتها على الخلاف، ذكره ابن هبيرة "و" وجزم به جماعة واختاره صاحب المحرر، وذكر أن أصول الأئمة تقتضي ذلك، وصرح به منهم جماعة، وأنه ظاهر رواية الأثرم.
ويخرج على الروايتين: الجهر، والقنوت، وتكبير العيد، وصلاة الجنازة، وعلى الأولى: إن أدرك من رباعية أو مغرب ركعة تشهد عقيب
ـــــــ
بطل فرضه، وفي نفله الخلاف، وكذا حكم ما يفسد الفرض فقط، إذا وجد فيه كترك قيام، والصلاة في الكعبة، والائتمام بمتنفل، وبصبي إن اعتقد جوازه صح نفلا في المذهب، وإلا فالخلاف، انتهى.

(2/438)


قضاء أخرى "و هـ م ر"1 كالرواية الثانية، وعنه في المغرب، وعنه اثنتين في الكل، وعلى الأولى أيضا يتورك مع إمامه، كما يقضيه في الأصح، وعنه يفترش، وعنه يخير، ومقتضى قولهم أنه هل يتورك مع إمامه أم يفترش إن هذا التعوذ هل هو ركن في حقه؟ على الخلاف.
وفي التعليق القعود الفرض ما يفعله آخر صلاته، ويتعقبه السلام، وهذا معدوم هنا، فجرى مجرى التشهد الأول، على أن القعود بعد سجدتي السهو من آخر صلاته، وليس بفرض، كذا هنا. وقال صاحب المحرر: ولا يحتسب له بتشهد الإمام الأخير إجماعا، لا من أول صلاته، ولا من آخرها ويأتي فيه بالتشهد الأول فقط لوقوعه وسطا، ويكرره حتى يسلم إمامه.
ويتوجه فيمن قنت مع إمامه لا يقنت ثانيا، وكمن سجد معه السهو لا يعيده على الأصح، ويلزمه القراءة فيما يقضيه مطلقا، قال صاحب المحرر: لا أعلم فيه خلافا، ولو أدرك ركعة من رباعية، فهل يلزمه القراءة في الثلاث التي يقضيها، أو في ثنتين منهما؟ فيه خلاف سبق في صفة الصلاة
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط": "و هـ م".

(2/439)


فصل: ويصح ائتمام مؤد صلاة بقاضيها،
وعكسه، وقاض ظهر يوم بقاض ظهر آخر، ومتنفل بمفترض على الأصح فيهن "و" وقيل تصح في الثانية وجها واحدا. وفي المذهب يصح القضاء خلف الأداء، وفي العكس روايتان وكذا في الفصول. وقال أصحهما يصح، لأنه اختلاف في
ـــــــ
.............

(2/440)


الوقت فقط، علل المسألة الأولى بأن نية الإمام أكمل كنيته فرضا، ومن خلفه إعادة جماعة والأصح عند الحنفية لا تصح التراويح خلف مصل نافلة غيرها، أو مكتوبة، أو وترا.
ولا يصح ائتمام مفترض بمتنفل، اختاره الأكثر "و هـ م" وعنه بلى، اختاره في النصيحة والتبصرة والشيخ وشيخنا "و ش" وذكر وجها لحاجة، نحو كونه أحق بالإمامة.
وإن صلى إمام بطائفتين صلاتين: واحدة بعد واحدة، وشك هل صلى الأولى في الوقت أم قبله؟ ففي إعادتها الخلاف، والروايتان في ظهر
ـــــــ
تنبيهان
الأول: قوله فيما إذا صلى بطائفتين صلاتين، واحدة بعد واحدة، وشك هل صلى الأولى في الوقت أم قبله؟ ففي إعادتهما الخلاف، أي الخلاف في اقتداء المفترض بالمتنفل، والخلاف إنما هو في إعادة الطائفة الثانية، وأما الأولى فلا بد من إعادتها، نبه عليه شيخنا، وكذا قوله: والروايتان في عصر خلف ظهر، ونحوها ظهر خلف عصر أو عشاء، قال الشارح وغيره بعد ذكر الروايتين: وهذه فرع على صحة إمامة المتنفل بالمفترض وقد مضى ذكرها انتهى، وقد ذكر المصنف الصحيح في الأصل، فكذا ما قيس عليه.

(2/441)


خلف عصر، ونحوها عند بعضهم، ولهذا في المستوعب لا تصح جمعة أو فجر خلف رباعية تامة1، قولا واحدا، وهو معنى الفصول وغيره، وقيل: أو اختلفا وصلاة المأموم أكثر، كظهر ومغرب خلف فجر، وعشاء خلف التراويح ونص عليه.
ويتم إذا سلم إمامه كمسبوق، ومقيم خلف قاصر، اختاره الشيخ، ولا يجوز الاستخلاف، قاله القاضي وغيره، ونقله صالح في مقيمين خلف قاصر، لأن الأول لا يأتم بالمسبوق، فكذا نائبه لأن تحريمته اقتضت انفراده فيما يقضيه، فإذا ائتم بغيره بطلت، كمنفرد مأموما، ولكمال
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في "ط": قامت.

(2/442)


هذه الصلاة جماعة بخلافه في سبق الحدث.
وقيل: أو كانت صلاة المأموم أقل، اختاره شيخنا، وصاحب المحرر، وقال: على نص أحمد "و ش" وقيل إلا المغرب خلف العشاء، ويتم، ويسلم، وله أن ينتظر ليسلم معه. وفي الترغيب يتم، وقيل أو ينتظره.
وكذا على الصحة إن استخلف في الجمعة صبيا، أو من أدركه في التشهد خيروا بينهما، أو قدموا من يسلم بهم حتى يصلي أربعا، ذكره أبو المعالي. وفي الخلاف وغيره: إن استخلف في الجمعة من أدركه في التشهد إن دخل
ـــــــ
.............

(2/443)


معهم بنية الجمعة على قول أبي إسحاق1 صح، وإن دخل بنية الظهر لم يصح، لأنه ليس من أهل فرضها، ولا أصلا فيها، وخرجه صاحب المحرر وغيره على ظهر مع عصر وأولى، لاتحاد وقتهما، وعند أكثر الشافعية لا جمعة خلف الظهر، لكون الإمام شرطا فيها مع قولهم: لو سبقه الحدث بعد ركعة فأتموا منفردين صحت جمعتهم.
ـــــــ
1 هو ابن شاقلا. وكذا في بقية كتب القاضي أبي يعلى إذا قال: أبو إسحاق فإنه يعني به: إبراهيم بن أحمد بن عمر المعروف بـ"بابن شاقلا" ت369هـ".

(2/444)


فصل: ويتبع المأموم إمامه،
فلو سبقه بالقراءة وركع تبعه، بخلاف التشهد
ـــــــ
........................................

(2/444)


فيتمه إذا سلم، ومرادهم لعدم وجوب القراءة، وفاقا، نقل أبو داود إن سلم إمام وبقي على مأموم شيء من الدعاء يسلم، إلا أن يكون يسيرا، واحتج به في الخلاف في سجوده لسهو إمام لم يسجد، قال لأنه إنما يتبعه في ترك المسنون، ما دام مؤتما به ومتبعا له.
وإن كبر للإحرام معه "و م ش" وعنه عمدا لم ينعقد "هـ" وإن سلم معه كره، ويصح، وقيل لا "و م" كسلامه قبله بلا عذر عمدا "خ هـ" وسهوا يعيده بعده، وإلا بطلت "و ش" ونقل أبو داود إن سلم قبله أخاف أن لا تجب الإعادة وإن سلم ناويا مفارقته الروايتان ولا يكره سبقه بقول غيرهما "و ق".
ومذهب "هـ" الأفضل تكبيره معه، لأنه شريكه في الصلاة، وحقيقة المشاركة في المقارنة، وعند صاحبيه بعده، وفي التسليم عند "هـ" روايتان،
ـــــــ
الثاني1: قوله: وإن سلم ناويا مفارقته فالروايتان، أي روايتان في جواز المفارقة لغير عذر.
ـــــــ
1 سبق التنبيه الأول في ص 441.

(2/445)


وإن ساوقه في الفعل كره ولم تبطل "و"1، وقيل: بلى. وقيل: بالركوع.
وإن ركع أو سجد قبله حرم في الأصح. وفي رسالته في الصلاة2 رواية مهنا تبطل. وفي الفصول ذكر أصحابنا فيها روايتين والصحيح لا تبطل والأشهر لا إن عاد إلى متابعته حتى أدركه فيه، فإن أبى بطلت، اختاره الأكثر، وقيل بالركوع، وعند القاضي وغيره لا تبطل، وعلله القاضي وغيره بأن العادة أن المأموم يسبق الإمام في القدر اليسير، فعفا عنه، كفعله سهوا أو3 جهلا في الأصح، فلو عاد بطلت في وجه "خ" وأطلق ابن عقيل إن سبقه بركن، وأنه إن تعمده ففي بطلانها به روايتان، وإن سبقه بركن عمدا: مثل أن ركع ورفع قبل ركوعه فنصه تبطل، وعنه لا، ذكر في التلخيص أنه أشهر، كساه وجاهل، فعنه:
ـــــــ
.......................................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 أي: رسالة الإمام أحمد في الصلاة. طبعت بمصر بعنوان "الرسالة السنية في الصلاة وما يلزم فيها الإمام" وهي موضوعه على الإمام أحمد كما ذكر في الذهبي في "السير" 11/287, 330.
3 في النسخ الخطية: "و" والمثبت من "ط".

(2/446)


تلغو الركعة، لا الكل "و هـ" لأنه لم يقتد به فيها، وعنه لا "و ش" كركن غير الركوع "م 6,7".
وإن سبقه بركعتين عمدا فركع ورفع قبل ركوعه وهوى إلى السجود
ـــــــ
مسألة 6-7: قوله: وإن سبقه بركن عمدا مثل إن ركع ورفع قبل ركوعه فنصه تبطل، وعنه لا، ذكر التلخيص أنه أشهر كساه وجاهل، فعنه تلغو الركعة، لا الكل، وعنه لا، كركن غير الركوع انتهى، ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى-6: إذا سبقه بركن عمدا فهل تبطل أم لا؟ أطلق الخلاف فيه، وأطلقه في البداية، والمذهب، والمستوعب، والخلاصة، والمقنع1، والشرح1، ومختصر ابن تميم، وشرح ابن منجا:
إحداهما: تبطل، وهو الصحيح، نص عليه، وصححه في التصحيح والنظم، وجزم به في المحرر والوجيز، والمنور وغيرهم، وقدمه في الرعايتين، والحاويين والفائق وغيرهم، واختاره القاضي، وغيره.
والرواية الثانية: لا تبطل، وذكر في التخليص أنه أشهر.
تنبيه : حكى المصنف الخلاف روايتين، وكذا الآمدي وابن الجوزي في المذهب، والسامري في المستوعب، والمجد في شرحه، وغيرهم، وحكى الخلاف وجهين صاحب الهداية، والخلاصة والمقنع1 وابن تميم وغيرهم.
المسألة الثانية-7: إذا قلنا لا تبطل الصلاة فهل تلغو تلك الركعة أم لا؟ وكذا حكم الجاهل والناسي، وأطلق الخلاف فيه، وأطلق في الهداية والمستوعب، والخلاصة، والمقنع1 وغيرهم، فذكر ثلاث مسائل: العامد إذا قلنا لا تبطل
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/320.

(2/447)


قبل رفعه، وإن لم يسجد بطل، وناسيا وجاهلا تبطل الركعة ما لم يأت بذلك مع إمامه.
والركوع كركن "و هـ ش" وعنه كاثنين.

(2/448)


فصل: وإن تخلف عنه بركن بلا عذر فكالسبق به،
ومع العذر يفعله ويلحقه، وفي اعتداده بتلك الركعة الروايتان، وإن تخلف بركنين بطلت، ولعذر كنوم وسهو وزحام إن أمن فوت الركعة الثانية أتى بما تركه وتبعه وصحت ركعته، وإلا تبعه ولغت ركعته.
والتي تليها عوض "و م ش" لتكميل ركعة مع إمامه على صفة ما صلاها، وعنه يحتسب بالأولى. قال في مزحوم أدرك الركوع لم يسجد مع إمامه
ـــــــ
صلاته، والجاهل، والناسي:
إحداهما: تبطل تلك الركعة وهو الصحيح، قال في المذهب لا يعتد بتلك الركعة في أصح الروايتين، قال في الرعايتين والحاويين ويعيد الركعة على الأصح، وصححه في التصحيح، والنظم، وقدمه في المغني1، والمجتهد، والشرح2، والفائق وغيرهم، قال في الوجيز ومن سبق إمامه بركن عمدا أو سهوا ثم ذكر ولم يرجع بطلت انتهى.
والرواية الثانية: لا تبطل، قدمه ابن تميم.
تنبيهات
الأول: قوله: ولعذر يفعله ويلحقه، وفي اعتداده بتلك الركعة الروايتان يعني اللتين في الجاهل والناسي، والصحيح البطلان كما تقدم قريبا.
ـــــــ
1 2/210.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/321.

(2/448)


حتى فرغ قال: يسجد سجدتين للركعة الأولى ويقضي ركعة وسجدتين، لصحة الأول1 ابتداء، فلغا الثاني كركوعين.
وعنه يتبعه مطلقا، وجوبا، وتلغو أولاه، وعنه عكسه "و هـ" فيكمل الأولى وجوبا "خ هـ" ويقضي الثانية بعد السلام كمسبوق، لا قبله "هـ".
وعنه: يشتغل بما فاته إلا أن يستوي الإمام قائما في الثانية فتلغو الأولى على المذهب الأول.
وإن زال عذر من أدرك ركوع الأولى، وقد رفع إمامه من ركوع الثانية تابعه في السجود، فيتم له ركعة ملفقة من ركعتي إمامه، يدرك بها الجمعة، ولم يقل بالتلفيق فيمن نسي أربع سجدات من أربع ركعات لتحصل الموالاة بين ركوع وسجود معتبر. وقيل: لا يعتد له بهذا السجود، فيأتي بسجدتين أخريين والإمام في تشهده وإلا عند سلامه. ثم في إدراكه الجمعة الخلاف.
وإن ظن تحريم متابعة إمامه فسجد جهلا اعتد به كسجوده بظن إدراك المتابعة ففاتت، وقيل لا يعتد به، لأن فرضه الركوع ولم تبطل، لجهله.
ـــــــ
الثاني: قوله: وقيل لا يعتد بهذا السجود فيأتي بسجدتين أخريين، ثم في إدراك الجمعة الخلاف، مراده بالخلاف الذي ذكره في باب الجمعة2، وصحح أنه يدركها فقال هناك كمن أتى بالسجود قبل سلام إمامه على الأصح، وكذا قوله بعد ذلك فعلى الأول إن أدركه في التشهد ففي إدراكه الجمعة الخلاف، هو الخلاف الذي أشرنا إليه في الجمعة لأنه سجد سجودا معتدا به قبل سلام الإمام.
ـــــــ
1 في "ط": الأولى.
2 2/102 ط دار الكتب قبل المسألة 22.

(2/449)


فعلى الأول: إن أدركه في التشهد ففي إدراكه الجمعة الخلاف، وإن أدركه في ركوع الثانية تبعه فيه وتمت جمعة، وإن أدركه بعد رفعه منه تبعه وقضى، كمسبوق يأتي بركعة فيتم جمعة1، أو بثلاث يتم بها رباعية، أو يستأنفها على الروايات.
وعلى الثاني: أنه لا يعتد بسجوده إن أتى به، ثم إن أدركه في الركوع تبعه وصارت الثانية أولاه أدرك بها جمعة.
وإن أدرك بعد رفعه تبعه في السجود، فيحصل القضاء والمتابعة معا، ويتم له ركعة يدرك الجمعة بها، وقيل لا يعتد به، لأنه معتد به للإمام من ركعة، فلو اعتد به للمأموم من غيرها اختل معنى المتابعة، فيأتي بسجود آخر وإمامه في التشهد، وإلا بعد سلامه. ومن ترك متابعة إمامه مع علمه بالتحريم بطلت، وإن تخلف بركعة فأكثر لعذر تابعه وقضى كمسبوق "هـ" وكما في صلاة الخوف إذا صليت كما اختاره "هـ" فإنه سوى فيها بين المسبوق واللاحق وعنه تبطل.

(2/450)


فصل: وإن علم بداخل في الركوع أو غيره وفي الخلاف:
لا في السجود
ـــــــ
الثالث: قوله: وإن أدركه بعد رفعه منه تبعه ومضى كمسبوق، ويأتي بركعة فيتم له جمعة، أو بثلاث يتم بها1 رباعية، أو يستأنفها، على الروايات2 انتهى، الروايات في كتاب الجمعة، والصحيح أنه يتم بها جمعة، ورباعية، ولنا رواية لا تصح له جمعة، ولا يتم له رباعية ورواية بالبطلان فيستأنفها.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "تتم له" والمثبت من الفروع.
2 بعدها في النسخ الخطية: كلها.

(2/450)


لأن المأموم لا يعتد به، وقيل إذا أحرم، وقيل من عادته يصلي معه سن انتظاره ما لم يشق نص عليه، وذكر جماعة أو يكثر الجمع، وقيل أو يطول.
وعنه: يجوز، اختاره جماعة وعنه يكره "و هـ م ق" ويتوجه بطلانها تخريج من تشريكه في نية خروجه من الصلاة، وتخريج من الكراهة هنا في تلك.
ويسن تخفيف الصلاة مع إتمامها، ما لم يوتر المأموم. وتطويل قراءة الركعة الأولى نص عليه "ش" لا من الفجر فقط "ش هـ" لعذرهم بالنوم فيها، ومثله في التعليق في التثويب للفجر، ويتوجه هل يعتبر التفاوت بالآيات أم بالكلمات والحروف كعاجز عن الفاتحة؟ ولعل المراد لا أثر لتفاوت يسير، ولو في تطويل الثانية على الأولى، لأن "الغاشية" أطول من "سبح" وسورة "الناس" أطول من "الفلق" وصلى عليه السلام بذلك، وإلا كره.
وإن طول قراءة الثانية على الأولى فقال أحمد يجزيه، وينبغي أن لا يفعل.
ويكره سرعة تمنع المأموم مما يسن. وقال شيخنا يلزمه مراعاة المأموم، إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره ونحوه. وقال ليس له أن يزيد على القدر المشروع، وإنه ينبغي أن يفعل غالبا ما كان عليه السلام يفعله
ـــــــ
الرابع: قوله وقيل ذا حرمة: صوابه ذي حرمة.

(2/451)


غالبا، ويزيد وينقص للمصلحة بما كان عليه السلام يزيد وينقص أحيانا
وبيت المرأة خير لها "و" أطلقه الأصحاب رحمهم الله، وهو مراد
ـــــــ
........................................

(2/452)


وجزم به صاحب المحرر وغيره للأخبار الخاصة في النساء بالنسبة إلى
ـــــــ
........................................

(2/453)


مسجده عليه السلام وأطلق في عيون المسائل والمستوعب والرعاية وغيرها أن الصلاة بالمسجد الحرام بمائة ألف ومسجد المدينة بخمسين ألفا وبالأقصى نصفه، لخبر أنس مرفوعا وفيه صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة1 ولا يصح، مع أن فيه أن الأقصى بخمسين ألفا2 والأظهر أن مرادهم غير صلاة النساء في البيوت، فلا تعارض، وكذا مضاعفة النفل فيها على غيرها، كذا قالوا، وقد تقدم كلامهم، وكلام غيرهم أن النفل بالبيت أفضل، للأخبار ومسجد المدينة مراد، لأنه السبب، وهذا أظهر، ويحتمل أن مرادهم أن التفضيل المذكور بالنسبة إلى سائر المساجد، أو إلى غير البيوت فلم تدخل البيوت فلا تعارض.
وظاهر ما سبق أن صلاة المرأة في أحد المساجد الثلاثة أفضل من مسجد غيرها. وروى أحمد3 حدثنا هارون أخبرني عبد الله بن وهب، حدثنا داود بن قيس، عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي: أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، قال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 أخرجه ابن ماجه "1413".
2 أي ليس بخمس وعشرين ألفا كما في "عيون المسائل" و "المستوعب" و "الرعاية" ولم نقف على نص فيه ذلك.
3 في مسنده "27090".

(2/454)


مسجدي" قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شئ1من بيتها وأظلمه2، والله، فكانت تصلي فيه، حتى لقيت الله عز وجل. لم أجد في رجاله طعنا، وأكثر ما فيه تفرد به داود عن عبد الله، والمتقدمون حالهم حسن.
وأطلق الحنفية والمالكية والشافعية أن صلاة المرأة في بيتها أفضل، وأطلقوا التفضيل في المساجد. وقال به المالكية والشافعية في الفرض والنفل، وخصه الحنفية بالفرض، والله أعلم، وكذا نقل أبو داود أنها بالمسجد الحرام بمائة ألف.
ويتوجه ظاهر كلام جماعة أنها بالمسجد الحرام أفضل من مائة ألف، إلا مسجد المدينة، فإنها بالمسجد الحرام أفضل منه، بأكثر من مائة صلاة وبمسجد المدينة أفضل من ألف في غيره، وأنها مضاعفة في الأقصى بلا حد، وقد روى أحمد3 خبر ميمونة أنها فيه كألف صلاة، ورواه أبو داود4 وغيره، وإسناده حسن. وقاله الصرصري5 في نظمه.
وعن أبي هريرة مرفوعا: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" . رواه البخاري ومسلم6، وزاد أحمد
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية و "ط": بيت والتصويب من مصدر النخريج.
2 في "ب" و "س" و "ط": والله.
3 في مسنده "26826".
4 لم نقف عليه عند أبي داود ولعله أبو داود الطيالسي وقد أخرجه برقم "1367".
5 هو: أبو زكريا يحى بن يوسف بن يحى الأنصاري الصرصري الزريراني الضرير الفقيه شاعر العصر كان حسان وقته يقال: إن مدائحه في النبي صلى الله عليه وسلم تبلغ عشرين مجلدا. توفي في نكبة بغداد سنة "656هـ". ذيل الطبقات 2/262.
6 البخاري "1190" ومسلم "1394".

(2/455)


وأبو داود وابن ماجه والإسناد صحيح من حديث جابر: "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة فيما سواه" 1.
ولأحمد2 حدثنا يونس، حدثنا حماد يعني ابن زيد، حدثنا حبيب المعلم، عن عطاء عن عبد الله بن الزبير، فذكر مثل خبر أبي هريرة وزاد: "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا" . حديث صحيح، وعن جابر مرفوعا: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" . رواه ابن ماجه3.
وقال شيخنا: فالمسجد الحرام بمائة ألف وبمسجد المدينة بألف، وأن الصواب في الأقصى بخمسمائة صلاة، كذا قال. وقاله ابن البنا: في أن مكة أفضل.
وظاهر كلامهم في المسجد الحرام أنه نفس المسجد، ومع هذا فالحرم أفضل من الحل، فالصلاة فيه أفضل، ولهذا ذكر في المنتقى قصة الحديبية من رواية أحمد والبخاري4، ثم ذكر رواية انفرد بها أحمد5، قال: وفيه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم، وهو مضطرب في الحل. وهذه الرواية من رواية ابن إسحاق عن الزهري وابن إسحاق مدلس.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أحمد "16117" وابن ماجه "1406" ولم نقف عليه عند أبي داود.
2 في مسنده "16117".
3 في سننه "1406".
4 أحمد "18909" والبخاري "2711" من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.
5 في مسنده "18910" من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.

(2/456)


وذكر ابن الجوزي أن الإسراء كان من بيت أم هانئ عند أكثر المفسرين، قال فعلى هذا: المعنى بالمسجد الحرام والحرم كله مسجد، ذكر القاضي أبو يعلى وغيره: مرادهم في التسمية لا في الأحكام وقد يتوجه من هذا حصول المضاعفة بالحرم، كنفس المسجد، وجزم به صاحب الهدي من أصحابنا، لا سيما عند من جعله كالمسجد في المرور قدام المصلي وغيره.
أما فضيلة الحرم فلا شك فيها روي في المختارة من طريق أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه حدثنا إبراهيم بن أبان، حدثنا أبو جعفر أحمد بن سليمان "ح" وحدثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن حمزة، حدثنا الحسن بن الجهم، قالا: حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا يحيى بن سليم عن محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، عن سعيد بن جبير، قال قال ابن عباس لبنيه: يا بني اخرجوا من مكة مشاة حتى ترجعوا إلى مكة مشاة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة، وللماشي سبعون حسنة من حسنات الحرم" قيل: يا رسول الله ما حسنات الحرم؟ قال: "الحسنة منها بمائة ألف حسنة" .
ثم روي في المختارة من طريق الطبراني: حدثنا محمد بن هشام بن أبي الدميك حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان حدثنا يحيى بن سليم، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لبنيه يا بني اخرجوا من مكة حاجين مشاة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون
ـــــــ
........................................

(2/457)


حسنة وللماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة". ثم قال في المختارة: محمد بن مسلم الطائفي تكلم فيه بعض الأئمة، وقد وثقه ابن معين، وروى له مسلم ويحيى بن سليم، قال أبو حاتم لا يحتج به، ولم يبين الجرح، ووثقه ابن معين وروى له البخاري ومسلم انتهى كلامه.
فهذان طريقان صحيحان.
ويكره للزوج منعها من المسجد ليلا ونهارا. وفي المغني1 ظاهر الخبر منعه من منعها، قال ابن الجوزي: فإن خيف فتنة نهيت عن الخروج واحتج بخبر عائشة المشهور2.
قال القاضي: مما ينكر خروجهن على وجه يخاف منه الفتنة، وذكر في خروجهن الأخبار بالوعيد، قال صاحب المحرر: متى خشي فتنة أو ضررا منها لخبر عائشة.
وفي النصيحة يمنعن من العيد أشد المنع مع زينة وطيب ومفتنات، وقال: منعهن في هذا الوقت عن الخروج أنفع لهن وللرجال من جهات.
وذكر جماعة يكره تطيبها لحضور المسجد وغيره، وتحريمه أظهر، لما تقدم، وهو ظاهر كلام جماعة، قال أحمد: ولا تبدي زينتها إلا لمن في الآية3، ونقل أبو طالب ظفرها عورة، فإذا خرجت فلا تبين شيئا، ولا خفها فإنه يصف القدم وأحب إلي أن تجعل لكمها زرا عند يدها اختار
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 3/83.
2 بعني قولها رضوان الله عليها: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل. أخرجه البخاري "869" ومسلم "445" "144".
3 وهو قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ..} الآية [النور: 31].

(2/458)


القاضي، قول من قال: المراد بما ظهر من الزينة الثياب، لقول ابن مسعود وغيره، لا قول من فسرها ببعض الحلي، أو ببعضها، فإنها الخفية، قال: وقد نص عليه أحمد قال: الزينة الظاهرة الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر.
وذكر الشيخ في تحريم إلباس الصبي الحرير أن كونهم محل الزينة مع تحريم الاستمتاع أبلغ في التحريم، ولذلك حرم على النساء التبرج بالزينة للأجانب، وعن ابن عباس مرفوعا {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] الوجه وباطن الكف1.
والسيد كالزوج وأولى، فأما غيرهما: فإن قلنا بما جزم به ابن عقيل وغيره أن من بلغ رشدا له أن ينفرد بنفسه: ذكرا أو أنثى، لأنه قيم بأموره، فلا وجه لحضانته فواضح، لكن إن وجد ما يمنع الخروج شرعا فظاهر أيضا، وعلى المذهب ليس للأنثى أن تنفرد، وللأب منعها منه، لأنه لا يؤمن من دخول من يفسدها ويلحق العار بها وبأهلها، فهذا ظاهر في أن له منعها من الخروج. وقول أحمد الزوج أملك من الأب يدل على أن الأب ليس كغيره في هذا، فإن لم يكن أب قام أولياؤها مقامه، أطلقه الشيخ، والمراد المحارم استصحابا للحضانة، وعلى هذا في رجال ذوي الأرحام كالخال والحاكم. الخلاف في الحضانة. ويتجه إن علم لا مانع ولاضرر حرم المنع على ولي أو على غير أب.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه الطبري في تفسيره 18/118.

(2/459)


فصل: الجن مكلفون في الجملة
"ع" يدخل كافرهم النار "ع" ويدخل مؤمنهم الجنة "و م ش" لا أنه يصير ترابا كالبهائم، وثوابه النجاة من النار "هـ" وظاهر الأول أنهم في الجنة كغيرهم بقدر ثوابهم، خلافا لمن قال لا يأكلون ولا يشربون فيها، أو لأنهم في ربض الجنة، وقوله عليه السلام: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة..." 1. يدل على أنه لم يبعث إليهم نبي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم.
وليس منهم رسول، ذكره القاضي وابن عقيل وغيرهما، وأجابوا عن قوله تعالى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} [الأنعام: 130] الآية أنها كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وإنما يخرج من أحدهما، وكقوله {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} [الروم: 21] وإنما هو في سماء واحدة، وللمفسرين قولان. والقول بأن منهم رسولا قول الضحاك وغيره، قال ابن الجوزي: وهو ظاهر الكلام.
قال ابن حامد في كتابه: الجن كالإنس في العبادات والتكليف، قال: ومذهب العلماء إخراج الملائكة عن التكليف، والوعد والوعيد.
وقال: في النوادر: وتنعقد الجمعة والجماعة بالملائكة وبمسلمي الجن، وهو موجود زمن النبوة، وذكره أيضا عن أبي البقاء من أصحابنا، كذا قالا، والمراد في الجمعة من لزمته كما هو ظاهر كلام ابن حامد المذكور، لأن المذهب لا تنعقد الجمعة بآدمي لا تلزمه كمسافر وصبي، فهاهنا أولى.
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "335" ومسلم "521" "3" من حديث جابر.

(2/460)


وعن سلمان الفارسي يرفعه قال: "إذا كان الرجل بأرض قي1 فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه جنود الله ما لا يرى طرفاه". رواه عبد الرزاق2 شيخ الإمام أحمد، في كتاب الصلاة له، ورواه سعيد وفيه: "فإن أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه، يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون على دعائه".
وقال شيخنا: ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة، لكنهم مشاركوهم في جنس التكليف بالأمر، والنهي، والتحليل، والتحريم، بلا نزاع أعلمه بين العلماء3، فقد يدل ذلك على مناكحتهم وغيرها، وقد يقتضيه إطلاق أصحابنا. وفي المغني4 وغيره أن الوصية لا تصح لجني لأنه لا يملك بالتمليك كالهبة فيتوجه من انتفاء التمليك منع الوطء، لأنه في مقابلة مال، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} [النحل:72] وقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] وقد ذكر أصحابنا هذا المعنى في شروط الكفاءة، فهاهنا أولى.
ومنع منه غير واحد من متأخري الحنفية، وبعض الشافعية، وجوزه منهم
ـــــــ
.............
ـــــــ
1 القي بالكسر: قفر الأرض. "القاموس": قيي.
2 تقدم تخريجه ص 419.
3 فتاوى ابن تيمية 4/233.
4 لم نقف عليه.

(2/461)


ابن يونس في شرح الوجيز. وفي مسائل حرب باب مناكحة الجن ثم روي عن الحسن وقتادة والحكم وإسحاق كراهتها، وروي من رواية ابن لهيعة، عن يونس، عن الزهري نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن1.
وعن زيد العمي2 اللهم ارزقني جنية أتزوج بها تصاحبني حيثما كنت. ولم يذكر حرب عن أحمد شيئا.
وفي كتاب الإلهام والوسوسة لأبي عمر سعيد بن العباس الرازي عن مالك لا بأس به في الدين، ولكن أكره إذا وجدت امرأة حاملا فقيل من زوجك قالت: فلان من الجن فيكثر الفساد
وعن أبي هريرة مرفوعا: "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوإ كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم" . رواه البخاري ومسلم3 وزاد "وما في الجنة أعزب". ولأحمد4 عن أبي هريرة مرفوعا: للرجل من أهل الجنة زوجتان من حور العين. وهو لأحمد5
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 ونقله السيوطي في "الأشباه والنظائر" ص 257. وقال: الحديث وإن كان مرسلا فقد اعتضد بأقوال العلماء فروي المنع عن الحسن البصري وقتادة والحكم بن عتيبة وإسحاق بن راهويه وعقبة الأصم. وقال الجمال السجستاني من الحنفية في كتاب منية المفتي عن الفتاوى السراجية: لايجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماؤ لاختلاف الجنس. وإنسان الماء كما ذكر الدميري في "حياة الحيوان الكبرى" 1/43: إنه يشبه الإنسان إلا أن له ذنبا. ولعل هذا من الأساطير.
2 هو: أبو الحواري زيد بن الحواري العمي البصري قاضي هراة. "تهذيب الكمال" 3/75.
3 البخاري "3245" ومسلم "2834" "14".
4 في مسنده "10593".
5 في مسنده "11126".

(2/462)


أيضا من حديث أبي سعيد لكنه من رواية عطية العوفي1، وهو ضعيف، وقد روي من حديث عبد الله مرفوعا: لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين2. قال الحافظ الضياء هذا عندي على شرط الصحيح، وقد روي من حديث أبي هريرة مرفوعا في حديث الصور، وفيه: " فيدخل رجل منهم على ثلاث3 وسبعين زوجة مما ينشئ الله، وثنتين من ولد آدم" 4. وهو حديث ضعيف، فيه رجل مجهول وفيه إسماعيل بن رافع المدني5 ضعفه أحمد ويحيى وجماعة، وتركه الدارقطني وغيره. وقال ابن عدي: أحاديثه كلها مما فيه نظر.
وللترمذي6 من رواية دراج أبي السمح وهو ضعيف عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعا: "أدنى أهل الجنة منزلة من له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة" .
ولم أجد في الأخبار ذكر المؤمن من الجن الذكر والأنثى، وقد احتج على دخولهم الجنة بقوله تعالى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} الآية [الرحمن: 56] فإن دخلوها فظاهر الخبر أن الرجل منهم يتزوج كما يتزوج الآدمي، لكن الآدمي كما يتزوج من الحور العين يتزوج من جنسه، وأما المؤمن من
ـــــــ
........................................
ـــــــ
1 هو: أبو الحسن عطية بن سعد بن جنادة العوفي الكوفي م مشاهير التابعين وكان شيعيا. "ت111هـ" سير أعلام النبلاء 5/325.
2 أخرجه الطبراني في الكبرى "10321".
3 في النسخ الخطية و "ط": ثلاث والمثبت من مصدر التخريج.
4 أخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة" 251 والبيهقي في البعث والنشور "668".
5 هو: أبو رافع إسماعيل بن عويمر الأنصاري المدني نزيل البصرة. نهذيب الكمال 1/231.
6 في سننه "2562" في: باب ما جاء ما لأدنى أهل الجنة من الكرامة من كتاب: صفة الجنة.

(2/463)


الجن فيتزوج من الحور العين ويتزوج من جنسه على ظاهر الخبر، لأنه ليس في الجنة أعزب لكن تزويجه بآدمية وتزويج الآدمي بجنية فيه نظر.
ورأيت من يقول ظاهر الخبر النفي، ورأيت من يعكس ذلك، فإن ثبت هذا في الجنة فهل يلزم جوازه في الدنيا؟ فيه نظر، ويأتي في آخر المحرمات في النكاح1، وفي حد اللوطي2 ما يتعلق بذلك، والله أعلم.
وإن صح نكاح جنية فيتوجه أنها في حقوق الزوجية كالآدمية لظواهر الشرع، إلا ما خصه الدليل، وقد ظهر مما سبق أن نكاح الجني للآدمية كنكاح الآدمي للجنية، وقد يتوجه القول بالمنع هنا، وإن جاز عكسه لشرف جنس الآدمي، وفيه نظر، لمنع كون هذا الشرف له تأثير في منع النكاح. وقد يحتمل عكس هذا الاحتمال، لأن الجني يتملك فيصح تمليكه للآدمية، ويحتمل أن يقال ظاهر كلام من لم يذكر عدم صحة الوصية لجني صحة ذلك، ولا يضر نصه في الهبة لتعتبر الوصية بها، ولعل هذا أولى، لأنه إذا صح تمليك المسلم الحربي فمؤمن الجن أولى، وكافرهم كالحربي، ولا دليل على المنع.
ويبايع ويشارى، إن ملك بالتمليك وإلا فلا، فأما تمليك بعضهم من
ـــــــ
الخامس3: قوله: في أحكام الجن لكن تزويج الجن بآدمية، وتزويج آدمي بجنية، يعني في الجنة فيه نظر، ورأيت من يقول ظاهر الخبر النفي، ورأيت من يعكس ذلك، فإن ثبت هذا في الجنة فهل يلزم جوازه في الدنيا؟ فيه نظر، انتهى، فيحرر ذلك.
ـــــــ
1 8/244.
2 10/46.
3 سبق التنبيه الرابع في ص 451.

(2/464)


بعض فمتوجه، ومعلوم إن صح معاملتهم ومناكحتهم فلا بد من شروط صحة ذلك بطريق قاطع شرعي، ويقطعه قاطع شرعي.
ويقبل قولهم أن ما بيدهم ملكهم مع إسلامهم، وكافرهم كالحربي ويجري بينهم التوارث الشرعي، وقد عرف مما سبق من كلام ابن حامد وأبي البقاء أنه يعتبر لصحة صلاته ما يعتبر لصحة صلاة الآدمي، وظاهر كلام ابن حامد أنه في الزكاة كالآدمي، وإذا ثبت دخولهم في بعض العمومات إجماعا كآية الوضوء وآية الصلاة فما الفرق؟ وما وجه عدم الخصوص، ولهذا روى أحمد ومسلم1 عن ابن مسعود: أن الجن لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الزاد قال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم فلا تستنجوا بهما، فإنها طعام إخوانكم" . وأنه في الصوم كالآدمي، وأنه في الحج كذلك.
وظاهر كلامه وكلام غيره أنه يحرم عليهم ظلم الآدميين، وظلم بعضهم لبعض، كما هو ظاهر الأدلة، وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته
ـــــــ
السادس: قوله: وإذا ثبت دخولهم في بعض العمومات فما الفرق؟ وما وجه عدم التخصيص؟ كذا في النسخ، وصوابه وما وجه التخصيص بإسقاط لفظة عدم، أو ما وجه عدم التعميم.
ـــــــ
1 أحمد "4149" ومسلم "450" "150".

(2/465)


بينكم محرما فلا تظالموا" . رواه مسلم1. ومعلوم أن من ظلم وتعدى بمخالفة ما أوجبه الله تعالى فإنه يجب ردعه وزجره حسب الإمكان، إذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين، وكان شيخنا إذا أتي بالمصروع وعظ من صرعه، وأمره ونهاه، فإن انتهى وفارق المصروع أخذ عليه العهد أن لا يعود، وإن لم يأتمر ولم ينته ولم يفارقه، ضربه حتى يفارقه، والضرب في الظاهر على المصروع، وإنما يقع في الحقيقة على من صرعه، ولهذا لم يتألم من صرعه به ويصيح ويخبر المصروع إذا أفاق أنه لم يشعر بشيء من ذلك. وأظن أني رأيت عن الإمام أحمد نحو فعل شيخنا، والأثبت عن أحمد أنه أرسل إلى مصروع ففارقه، وأنه عاود بعد موت أحمد فذهب أبو بكر المروذي بنعل أحمد وما قال له، فلم يفارقه، لم ينقل أن المروذي ضربه ليذهب، فامتناعه لا يدل على عدم جوازه، فلعله لم يرى المحل قابلا، أو لم يتمكن من ذلك، أو الوقت ضيق، أو لم يعرف فيه سلفا، فتورع عنه وهابه، أو لم يستحضر مثل هذا الفعل، ولا تنبيه عليه، والله أعلم.
وإذا شرع ردع الظالم والمتعدي منهم عمل بالطريق الشرعي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها" 2. ولما عرض ذلك الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم بالنار في صلاته قال: "ألعنك بلعنة الله، وخنقه" . والخبر مشهور في صحيح مسلم3.
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 في صحيحه "2577" "55".
2 أخرجه البيهقي 10/12 من حديث أبي ثعلبة الخشني.
3 برقم "542" "40" من حديث أبي الدرداء.

(2/466)


ومن المعلوم أن كل من دخل في عمومات الشرع عمه كلام المكلف العام، إلا أن يمنع منه مانع، لكن الأصل عدمه، فعل مدعيه الدليل، وهذا واضح، وقد احتج القاضي في العدة على العموم بأن لفظة "من" إذا استعملت في الاستفهام كقوله: من عندك، ومن كلمت؟ صح أن يجيب بذكر كل عاقل، فثبت أن اللفظ يتناول الجميع، وكذلك إذا استعملت "من" في المجازاة كقوله من دخل داري أكرمته صلح أن يستثنى أي عاقل، فلولا أن اللفظ يتناول الجميع لما صلح استثناؤهم، لأن الاستثناء يخرج من اللفظ ما لولاه لكان داخلا فيه، ألا تراه لما لم يتناول غير العقلاء لم يصح استثناؤهم.
فإن قيل: لا نسلم أن صيغة "من" لكل من يعقل، "1لأن من يعقل من الجن والملائكة لا يدخلون فيه1" قيل: الصيغة تناولت كل هؤلاء، وإنما خرج ذلك بدليل، لأنه إنما سأله عمن يجوز أن يكون عنده، وعمن يجوز دخوله، كذا قال.
وتحرير الجواب أن الواحد من هؤلاء لا يخطر ببال السائل والمتكلم، ولا يتوهمه، فلا يصح تفسيره به حتى لو كان من يخطر بباله لم يخالطهم، أو كان القائل أحدهم جاز، وصح، لعدم المانع، ومراد القاضي لا يخالف هذا، وكذا أبو الخطاب لما قيل له: لو كان الاستثناء لا يخرج إلا ما لولاه لوجب دخوله فيه لحسن أن يقول: من دخل داري ضربته إلا
ـــــــ
...............
ـــــــ
1 لأن من يعقل من الجن والملائكة لا يدخلون فيه.

(2/467)


الملائكة والجن، لأنهم لا يدخلون تحت لفظة "من" قيل: قد ذكرنا أنه يصح، وإذا قلنا، لا يصح: فالمنع من دخولهم تحت اللفظ هو علمنا أن المتكلم قبل الاستثناء لم يردهم ولا عناهم، فلم يكن في الاستثناء فائدة، كذا قال، ويتوجه أن استثناء المتكلم دليل على أنه عناهم وأرادهم، لئلا يقع الكلام غير مفيد، وحمله على الصحة متعين.
قال أبو الخطاب: جواب آخر أنه يلزمهم مثل هذا الاستثناء لو أخرج ما لولاه لصح دخوله لوجب إذا استثناء الملائكة والجن أن يصح لأن دخولهم في قوله من دخل داري ضربته يصح ويصلح، فكل ما يلزمنا يلزمهم مثله. وتقدم في الاستطابة كلام أبي المعالي1: أن كشف العورة خاليا هي مسألة سترها عن الملائكة والجن. وكلام صاحب المحرر وظاهر كلامهم يجب عن الجن، لأنهم مكلفون أجانب، وكذا عن الملائكة مع عدم تكليفهم، لأن الآدمي مكلف، وقد أمر الشرع في خبر بهز بن حكيم: يحفظها من كل أحد إلا من زوجته وأمته2. وهذا مع العلم بحضورهم، فلا يرد الخبر المشهور: إن للماء سكانا3.
ـــــــ
السابع: قوله: لأنهم لا يدخلون تحت لفظة من، كذا في النسخ، وصوابه لأنهم يدخلون بإسقاط لفظة لا، والله أعلم.
فهذه سبع مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 1/129.
2 أخرجه أبو داود "4017" والترمذي "2799" وابن ماجه "1920".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "1114" وابن أبي شيبة في مصنفه 1/199 من حديث الحسن.

(2/468)


وتقدم هل يلزم الغسل بجماع جني امرأة1 ويأتي: هل يسقط فرض غسل ميت بغسلهم2، ويتوجه مثله فرض كل كفاية، إلا الآذان فيتوجه سقوطه، لقبول خبر صادق فيه، ولا مانع، لا سيما إذا سقط بصبي، ويتوجه في حل ذبيحته كذلك، بل تحل لوجود المقتضي وعدم المانع، ولعدم اعتبار التكليف فيه، وذكر ابن الجوزي في الموضوعات3 الخبر: أنه عليه السلام نهى عن ذبائح الجن. فقال: وقيل معناه: أنهم إذا اشتروا دارا، أو استخرجوا عينا ذبحوا لها ذبيحة لئلا يصيبهم أذى من الجن، والله أعلم.
وقال ابن مسعود: وذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح، قال: "ذلك رجل بال الشيطان في أذنه" . متفق عليه4. خص الأذن لأنها حاسة الانتباه قال إبراهيم الحربي: ظهر عليه وسخر منه، ويتوجه احتمال أنه على ظاهره، وقاله بعض العلماء، ولهذا لما سمى ذلك الرجل في أثناء طعامه قاء الشيطان كل شيء أكله رواه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم5، فيكون بوله وقيؤه طاهرا، وهذا غريب، قد يعايا بها، والله أعلم.
ـــــــ
................
ـــــــ
1 1/258.
2 3/283.
3 2/204.
4 البخاري "3270" ومسلم "774" "205".
5 أبو داود "3768" والنسائي 6/87. والحاكم 4/108 من حديث أمية بن مخشي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: "مازال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء مافي بطنه".

(2/469)


المجلد الثالث
تابع كتاب الصلاة
باب الإمامة
مدخل
...
باب الإمامة
يقدم على الأفقه الأقرأ، جودة، وقيل: كثرة، العارف واجب الصلاة، وقيل: وسجود السهو، وقيل: وجاهل يأتي بها عادة لصحة إمامته "م" وقال الآجري: يجب أن يتعلم علم الطهارة وعلم الصلاة وإلا فقد تعرض لعظيم، وعنه: يقدم الأفقه "و" وليس الأورع بعدهما "خ" ولا بعد الأفقه "م" بل بعدهما الأسن، ثم الأشرف وهو القرشي.
ثم الأقدم هجرة، قيل: بنفسه، وقيل: بآبائه، وقيل: بكل منهما "م 1" "و ش" وظاهر كلام أحمد: الأقدم، ثم الأسن، ثم الأشرف، وقال ابن حامد: الأشرف ثم الأقدم، ثم الأسن. وفي "المقنع"1 عكسه، وسبق الإسلام كالهجرة.
ثم الأتقى، ثم2 والأورع، وقيل: يقدمان على الأشرف. ثم اختيار
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: ثم الأقدم هجرة، قيل: بنفسه، وقيل: بآبائه، وقيل: بكل منهما. القول الأول هو الصحيح جزم به في "الكافي"3، و"المغني"4، و"الشرح"5، وشرح ابن رزين. والقول الثاني اختاره الآمدي فقال: الهجرة منقطعة في وقتنا، وإنما يقدم بها من كان لآبائه سبق. والقول الثالث قطع به في مجمع البحرين والزركشي، وقدمه ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى، والمصنف في حواشي المقنع، وصاحب الحاوي الكبير، وأظن6 والمجد في شرحه
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/339.
2 في "ب" و"س" و"ط": "و".
3 1/425.
4 3/16.
5 المقنع مع شرح الكبير والإنصاف 4/342.
6 ليست في "ط".

(3/5)


الجماعة1 في رواية، وعنه: القرعة "م 2"، وقيل: يقدم عليهما القائم بعمارة المسجد، وجزم به في الفصول، وزاد: أو يفضل على الجماعة
ـــــــ
مسألة – 2: قوله: ثم الأتقى، ثم الأورع، وقيل: يقدمان على الأشرف، ثم اختيار الجماعة في رواية، وعنه: القرعة. انتهى، يعني هل يقدم اختيار الجماعة على القرعة، أو تقدم القرعة بعد الأتقى على اختيار الجماعة؟ 2 أطلق الخلاف، وأطلقه في "المستوعب"، و"الحاوي الصغير":
إحداهما: تقدم القرعة بعد الأتقى على اختيار الجماعة2، وهو الصحيح، نص عليه، وجزم به في الهداية، والمذهب، ومسبوك الذهب، والخلاصة، والكافي3، والمقنع4، والمذهب الأحمد، والتلخيص، والبلغة، والإفادات، والوجيز، والحاوي الكبير، ومنتخب الآدمي وتجريد العناية وغيرهم. واختاره ابن عبدوس في تذكرته، وقدمه في الرعايتين، والقواعد الفقهية.
والرواية الثانية: يقدم من اختاره الجماعة على القرعة، جزم به في5 "المبهج"، والإيضاح، والنظم، وقدمه ابن تميم وصاحب الفائق. وقال في "المغني"6، و"الشرح"7، وشرح ابن رزين: فإن استووا في التقوى قرع بينهم، نص عليه، فإن كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد وتعاهده فهو أحق بذلك، كذا إن رضي الجيران أحدهما دون الآخر، وهذا مما يقوي الرواية الثانية، وهو الصواب. وقال
ـــــــ
1 في "س": "الجيران".
2 "2 – 2" ليست في "ط".
3 1/425.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/339.
5 ليست في "ط".
6 3/16.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/341.

(3/6)


المنعقدة فيه، ولم يقدم شيخنا بالنسب، وذكره عن أحمد وأبي حنيفة ومالك، وإن اختلفت الجماعة، عمل بالأكثر.
فإن استووا، قيل: يقرع، وقيل: يختار السلطان الأولى "م 3".
ثم هل اختياره مقصور على المختلف فيهم؟ "فيه" احتمالان "م 4"، وقيل:
ـــــــ
الزركشي: فإن استووا في التقوى والورع قدم أعمرهم للمسجد، وما رضي به الجيران، أو أكثرهم، فإن استووا فالقرعة، انتهى وقال في مجمع البحرين: ثم بعد الأتقى من يختاره الجيران، أو أكثرهم، لمعنى مقصود شرعا، ككونه أعمر للمسجد، أو أنفع لجيرانه ونحوه مما يعود بصلاح المسجد وأهله، ثم القرعة، انتهى. والظاهر أنه تابع المجد في شرحه.
مسألة - 3: قوله: فإن استووا - يعني الجيران في الاختيار - قيل: يقرع، وقيل: يختار السلطان الأولى، انتهى.
أحدهما يقرع "قلت": وهو الصواب.
1والقول الثاني: يختار السلطان الأولى "قلت": وهو ضعيف1.
مسألة 4: - قوله: ثم هل اختياره مقصور على المختلف فيهم، فيه احتمالان، انتهى. يعني إذا قلنا: يختار السلطان الأولى، فهل اختياره مقصور على المختلف فيهم، أم له أن يختار2 منهم ومن غيرهم؟ أطلق احتمالين:
ـــــــ
1 "1 - 1" ليست في "ص".
2 بعدها في "ح": "لهم".

(3/7)


يقدم: بحسن الخلق "و هـ م" وقيل والخلقة "و م" وزاد: وبحسن اللباس. ومعير ومستأجر أولى - في الأصح - من مستعير ومؤجر، وصاحب البيت وإمام المسجد أولى من الكل "و" وقال ابن عقيل: مع التساوي، ويتوجه، ويستحب تقديمهما لأفضل منهما، ويقدم عليهما ذو سلطان في المنصوص "و"1.
ـــــــ
1 ليست في "ط".

(3/8)


فصل: لا تكره إمامة عبد ويقدم الحر
...
فصل: لا تكره إمامة عبد "هـ م" ويقدم الحر
"و" وعنه: مع التساوي، ولا إمامة مقيم بمسافر"م"2 وتجوز خارج الوقت "هـ" وفي الفصول: إن نوى المسافر القصر احتمل أن لا يجزيه، وهو أصح، لوقوع الأخريين منه بلا
ـــــــ
أحدهما: اختياره مقصور على المختلف فيهم، قدمه في الرعاية الكبرى "قلت": وهو الصواب.
والاحتمال الثاني: له أن يختار منهم ومن غيرهم.
ـــــــ
2 في "ط": "و".

(3/8)


نية؛ ولأن المأموم إذا لزمه حكم المتابعة لزمه نية المتابعة، كنية الجمعة من لا تلزمه خلف من يصليها، واحتمل أن تجزيه؛ لأن الائتمام1 لزمه حكما، ولا تكره إمامة مسافر يقصر بمقيم، ويقدم المقيم. وقال القاضي: إن كان إماما، وعند أبي بكر: إن أتم فروايتا متنفل بمفترض، وذكرهما القاضي. وقال ابن عقيل وغيره: ليس بجيد2؛ لأنه الأصل، فليس بمتنفل. وفي "الانتصار: يجوز في رواية، لصحة بناء مقيم على نية 3مسافر، وهو3 الإمام. ولا إمامة بدوي بحضري على الأصح "هـ م" ويقدم الحضري، ولا إمامة أعمى "هـ"4 ويقدم البصير، وعنه: الأعمى وعنه:
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "الإتمام".
2 في "ط": "بحميد".
3 "3 - 3" ليست في الأصل و"س" و"ط".
4 بعدها في النسخ "لا".

(3/9)


التساوي "و ش" وإن كان الأعمى أصم ففي صحة إمامته وجهان "م 5".
ولا إمامة ولد زنا "هـ ش" وقيل: غير راتب "و م" وما في السنن عنه عليه السلام: أنه شر الثلاثة1. إن صح فقال صاحب المحرر وغيره: أي إذا عمل بعمل أبويه، كما جاء في رواية2 الإجماع أنه إذا كان تقيا فليس بشر الثلاثة، قال: وقيل: ورد على سبب خاص، للخبر3، وفي الخلاف في سجود التلاوة: لا4 نقول ورد على سبب، وإنما هو
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: وإن كان الأعمى أصم ففي صحة إمامته وجهان، انتهى. وأطلقهما في الرعايتين، ومختصر ابن تميم، ومجمع البحرين، والنظم، والحاوي الصغير، وغيرهم:
أحدهما: يصح، وهو الصحيح، قدمه في "الكافي"5، و"المغني"6، وصححه في الكتابين، وقدمه 7 "الشرح"8، وشرح ابن رزين "قلت": وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
والوجه الثاني: لا يصح، جزم به في "الإيضاح".
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "3963"، والنسائي في "الكبرى" "4930"، من حديث أبي هريرة.
2 أخرج هذه الرواية أحمد في "مسنده" "24784"، والبيهقي في الكبرى 10/58، من حديث عائشة.
3 وهو ما أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" "910"، والحاكم في "المستدرك" 2/215، وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" 10/58، عن عروة قال: بلغ عائشة أن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد الزنى شر الثلاثة"، فقالت: يرحم الله أبا هريرة، أساء سمعا، فأساء إجابة، لم يكن الحديث على هذا، وإنما كان رجل يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يعذرني من فلان" ؟ قيل: يا رسول الله، أما إنه مع ما به ولد زنى"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو شر الثلاثة" .
4 في الأصل: "ولا".
5 1/413.
6 3/29.
7 ليست في "ط".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/372.

(3/10)


عام، والمراد به: شر الثلاثة نسبا فإنه لا نسب له، والخبر المذكور رواه أحمد1: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا خالد، عن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة. خالد هو الطحان من رجال "الصحيحين". وقال ابن الجوزي2: لا يصح، وخالد لا يعرف، كذا قال، ورواه أبو داود والنسائي3، والزيادة المذكورة4، رواها أحمد من حديث عائشة، وفي إسناده من لا يعرف5.
ولا إمامة الجندي، وعنه: أحب إلي6 يصلي خلف غيره، ولا - على الأصح - إمامة ابن بأبيه "هـ"7. وفي الخلاف ظاهر رواية أبي داود: لا يتقدمه في غير الفرض. وإن أذن الأفضل للمفضول لم يكره في المنصوص "و"7. وفي رسالة أحمد في "الصلاة"، رواية مهنا: لا يجوز أن يقدموا إلا أعلمهم، وأخوفهم، وإلا لم يزالوا في سفال، وكذا في "الغنية". وقال شيخنا: يجب تقديم من قدمه الله ورسوله ولو مع شرط واقف بخلافه، فلا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في مسنده "8098".
2 في العلل المتناهية "1282".
3 تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
4 وهي قوله: "إذا عمل بعمل أبويه".
5 هو: إبراهيم بن إسحاق. له ترجمة في "تعجيل المنفعة" "3".
6 في "ط": "أن".
7 ليست في "ط".

(3/11)


فصل تكره إمامة من يصرع
، نص عليه، قال جماعة: ومن تضحك صورته1 "*" أو رؤيته وقيل: والأمرد، وفي "المذهب" وغيره: وإمامة من اختلف في صحة إمامته، فقد يؤخذ منه: تكره إمامة الموسوس، وهو متجه، لئلا يقتدي به عامي، وظاهر كلامهم: لا يكره، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص: "أم قومك" . قال: يا رسول الله إني أجد في نفسي شيئا، فوضع كفه في صدره، ثم في ظهره بين كتفيه2. قال بعض العلماء: يحتمل أنه أراد خوف الكبر والعجب، ويحتمل أنه أراد الوسوسة في الصلاة، ولا يصلح للإمامة الموسوس، ولهذا قال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال: "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله واتفل عن يسارك ثلاثا" ، ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. روى ذلك مسلم3.
ـــــــ
تنبيهان:
"*" الأول: قوله: ومن تضحك صورته. كذا في النسخ، ولعله: ومن يضحك صوته، كما هو في الرعاية ومختصر ابن تميم.
ـــــــ
1 جاء في هامش "ب" ما نصه: "لعله صوته".
2 أخرجه مسلم في "صحيحه" "468" "186".
3 في صحيحه "2203" "68"، من حديث عثمان بن أبي العاص.

(3/13)


وتكره إمامة رجل بأجنبية وبأجنبيات لا رجل معهن، وقيل: نسيبا لإحداهن، جزم به في "الوجيز"، وقيل محرما، وعنه: يكره في الجهر مطلقا، كذا ذكروا هذه المسألة، وظاهره كراهة التنزيه، فيكون هذا في موضع لا خلوة فيه، فلا وجه إذن لاعتبار كونه نسيبا؛ ومحرما، مع أنهم احتجوا أو بعضهم بالنهي عن الخلوة بالأجنبية، فيلزم منه التحريم، والرجل الأجنبي لا يمنع تحريمها على خلاف يأتي آخر العدد1، والأول أظهر،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 9/235.

(3/14)


للعرف والعادة في إطلاقهم الكراهة، ويكون المراد الجنس، فلا تلزم1 الأحوال، ويعلل بخوف الفتنة، وعلى كل حال لا وجه لاعتبار كونه نسيبا. وفي الفصول آخر الكسوف: يكره للشواب وذوات الهيئة الخروج، ويصلين في بيوتهن، فإن صلى بهن رجل محرم جاز، وإلا لم يجز، وصحت الصلاة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "في جميع".

(3/15)


ويكره أن يؤم قوما أكثرهم له كارهون، وقيل: ديانة، وقيل: أو استويا "*"
ـــــــ
"*" الثاني قوله: ويكره أن يؤم قوما أكثرهم 1"له كارهون"1، قيل: ديانة، وقيل: أو استويا، انتهى. قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني2 والكافي3 والمقنع4 والمحرر وغيرهم: يكره أن يؤم قوما أكثرهم له كارهون، قال في الخلاصة: يكرهونه لمعنى في دينه. وقال في الكافي3: فإن كانوا يكرهونه 5لسنه أو دينه. فلا يكره. وقال في "الرعاية الصغرى"، و"الحاويين": يكرهه أكثرهم ديانة. قال ابن تميم: فإن كرهوه5. لسنة دينية فلا كراهة. وقاله في المغني2، والشرح4. وقال في الرعاية الكبرى: ويكره أن يؤم أحد قوما يكرهه أكثرهم ديانة، فإن اختلفوا عليه اعتبر قول أكثرهم، وقيل: ديانة، نص عليه. وقال الشارح بعدما استدل لكلامه في "المقنع"6: فإن استوى الفريقان فالأولى أن لا يؤمهم، إزالة لذلك الاختلاف، انتهى. وقال في مجمع البحرين: ويكره أن يؤم قوما أكثرهم يكرهه لخلل في دينه أو فضله، أو لشحناء بينهم في أمر دنيوي ونحوه، فأما إن كرهوه لسنة أو دينه لميلهم إلى ضده فالأولى أن يصبر ولا يلتفت إلى كراهتهم ولو جهرة، انتهى، فهذا كلام الأصحاب في هذه
ـــــــ
1 "1 - 1" ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 3/71.
3 1/426.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/403 - 405.
5 "5 - 5" ليست في "ط".
6 في "ق": "لا يكره".

(3/16)


وأطلق ابن الجوزي وجهين إذا استويا، وجزم بعضهم: الأولى تكره قال الأصحاب: يكره لخلل في دينه أو فضله، اقتصر عليه في الفصول والغنية وغيرهما. وقال شيخنا: إذا1 كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذهب فلا ينبغي أن يؤمهم؛ لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف، ولهذا قال عليه السلام: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"2 وقال: "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفت فقوموا"3 . وقال صاحب "المحرر": أو لدنيا، وهو ظاهر كلام جماعة،
ـــــــ
المسألة. إذا علم ذلك ففي أكثر نسخ الكتاب: وقيل ديانة بالواو فيكون المقدم على هذه النسخة: حيث وجدت الكراهة من الأكثر، أو استووا على القول الآخر كرهت إمامته، سواء كرهوه ديانة أو لا، وهو موافق لكلامه في الرعاية الكبرى فيما إذا اختلفوا عليه، وكجماعة تقدم لفظهم، وتقدم نقل الأصحاب أن الصحيح من المذهب لا بد أن يكرهوه بحق، نص عليه، وعليه الأكثر، ويؤيد هذا قول المصنف، قال الأصحاب: يكرهه لخلل في دينه، أو فضله، ووجد في بعض النسخ: قيل ديانة بغير واو فيكون هذا القول ليس في مقابلة قول آخر؛ لأن قوله: وقيل أو استويا، عائد إلى قوله: أكثرهم، وعلى كلا التقديرين ليس في المسألة خلاف مطلق عند المصنف، لكن في عبارته نوع خفاء، وبعض نقص، وهو قوله: له كارهون أو يكرهونه، ويحتمل على التقدير الثاني أن يكون لنا قول مقابل لما ذكره، وهو القول4 بالكراهة مطلقا وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الكبرى، كما تقدم، وظاهر كلام جماعة، وسقط5 من الكاتب، فيكون قد أطلق الخلاف، والله أعلم.
ـــــــ
1 بعدها في الأصل: "قال"، وقد ضرب عليها في "ب".
2 أخرجه مسلم "432" "122"، من حديث أبي مسعود الأنصاري.
3 أخرجه البخاري "5060"، ومسلم "2667" "3" "4"، من حديث جندب بن عبد الله البجلي، وجاء في النسخ الخطية و"ط": "اختلفت".
4 ليست في "ط".
5 في "ح": "ونسقط".

(3/17)


وقيل: تفسد صلاته "خ" لخبر أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون" أبو غالب ضعفه ابن سعد1، والنسائي وغيرهما، ووثقه الدارقطني. وقال ابن عدي: لا بأس به، رواه الترمذي2، وقال: حسن غريب.
وسبق قبل آخر فصل في صفة الصلاة خبر أبي هريرة3، وروى ابن ماجه4، عن محمد بن عبد الرحمن بن هياج. عن يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي5 عن عبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، إمام قوم وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها غضبان، وأخوان متصارمان" ورواه ابن حبان6 عن الحسن بن سفيان، عن أبي كريب، عن يحيى، ورواه الطبراني7 من حديث يحيى، ورواه أيضا وجعل الثالث: "وعبد آبق من مواليه". ورواه الحافظ الضيا في المختارة من طريقه، وهو حديث حسن، ورواته ثقات، وسبق في ستر العورة بعد الصلاة في دار غصب، صلاة الآبق8، وفي اللباس: هل يلزم من عدم القبول
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "سعيد".
2 في سننه "360".
3 2/233.
4 في سننه "971".
5 في النسخ الخطية: "الأزجي"، والمثبت من "ط" و"تهذيب الكمال" 31/438.
6 في صحيحه "1757".
7 في الكبير "12275".
8 2/14.

(3/18)


عدم الصحة؟ نقل أبو طالب: لا1 ينبغي أن يؤمهم. وقال شيخنا: أتى بواجب، ومحرم يقاوم صلاته، فلم تقبل، إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها، قال في الفصول: تكره له الإمامة، ويكره الائتمام به، واستحب القاضي حيث لم يكره أن لا يؤمهم صيانة لنفسه، وتكره إمامة لحان، ونقل إسماعيل بن إسحاق الثقفي: لا يصلى خلفه، وكذا الفأفاء من يكرر الفاء والتمتام، من يكرر التاء ومن يأتي بحرف ولا يفصح به، وحكي قول2: لا يصح.
وتكره إمامة أقلف، وعنه: لا تصح "خ" كمثله3 في أحد الوجهين "م6"، وكذا أقطع يد أو رجل أو هما "و" وقال ابن عقيل: وكذا تكره من قطع أنفه.
ـــــــ
مسألة - 6: قوله: وتكره إمامة أقلف، وعنه: لا تصح، كبمثله في أحد الوجهين، انتهى. يعني 4إذا قلنا4: أن إمامة الأقلف لا تصح بالمختون، فهل تصح بمثله أم لا؟ أطلق الخلاف فيه:
أحدهما: تصح، قدمه في الرعاية وحواشي المقنع للمصنف "قلت": وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا تصح مطلقا. وقال ابن تميم: تصح إمامته بمثله إن لم يجب الختان، وقيل: تصح في التراويح إذا لم يكن قارئ غيره. وقال أيضا: وتصح إمامة الأقلف، وعنه: لا تصح، ثم اختلف الأصحاب في مأخذ المنع، فقال بعضهم: تركه الختان الواجب، فعلى هذا إن قلنا بعدم الوجوب أو يسقط القول به لضرر صحت إمامته. وقال جماعة آخرون: هو عجزه عن شرط الصلاة وهو التطهر من النجاسة، فعلى هذا لا تصح صلاته إلا بمثله إن لم يجب الختان. انتهى، قال الشارح: وأما
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "قوله".
3 في "ط" وهامش "س": "كبمثله".
4 ليست في "ط".

(3/19)


فصل: لا تصح إمامة فاسق مطلقا
"و م" وعنه: تكره وتصح "و هـ ش" كما تصح مع فسق المأموم، وعنه: في نفل، جزم به غير واحد، وعنه: ولا خلف نائبه؛ لأنه لا يستنيب من لا يباشر، وقيل: إن كان المستنيب عدلا وحده فوجهان، صححه أحمد، وخالفه القاضي وغيره، وهل يجوز تولية فاسق؟ يأتي في الوقف1. وظاهر كلامهم: لا يؤم فاسق فاسقا، وقاله القاضي وغيره؛ لأنه يمكنه رفع ما عليه من النقص2، وإذا لم تصح صلى معه خوف أذى ويعيد، وإن نوى الانفراد ووافقه في أفعالها لم يعد، وعنه: بلى، ويعيد في المنصوص إذا علم فسقه، وقيل: مع ظهوره، ويصلي خلفه الجمعة على الأصح، وعنه: ويعيد، واحتج في رواية المروذي بقوله عليه السلام: "يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها"3 .
ـــــــ
الأقلف ففيه روايتان: إحداهما لا تصح؛ لأن النجاسة4 في ذلك المحل لا يعفى عنها عندنا، والثانية تصح لأنه إن أمكنه كشف القلفة وغسل النجاسة غسلها وإن كان مرتتقا لا يقدر على كشفها عفي عن إزالتها لعدم الإمكان، وكل نجاسة معفو عنها لا تؤثر في بطلان الصلاة، انتهى، فظهر من هذا أن الأقوى صحة إمامته إذا فعل ذلك، وعلل ابن منجى رواية عدم الصحة لكونه حامل نجاسة ظاهرة، يمكنه إزالتها بإزالة المانع بالختان، ورواية الصحة بتعذر5 زوال النجاسة في الحال، والختان مختلف في وجوبه، فلم تكن إزالتها واجبة لا محالة، انتهى.
ـــــــ
1 7/335 – 336.
2 جاء في هامش "ب" ما نصه: "أي: الفاسق عليه زوال فسقه، بخلاف الأمي لا يمكنه رفع ما فيه من النقص".
3 أخرجه أبو داود "434"، من حديث قبيصة بن وقاص. وأخرجه أبو داود "433"، وابن ماجه "1257"، من حديث عبادة بن الصامت، بنحوه.
4 في "ح": "المحل".
5 في النسخ: "يتعذر".

(3/20)


ونقل ابن الحكم أنه كان يصلي الجمعة ثم يصلي الظهر أربعا، قال1: فإن كانت الصلاة فرضا فلا تضر صلاتي، وإن لم يكن كانت تلك الصلاة ظهرا أربعا. ونقل أبو طالب: أيما أحب إليك: أصلي قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ قال: بعد الصلاة، ولا أصلي قبل، قال في الخلاف: يصلي الظهر بعد الجمعة، ليخرج من الخلاف، وذكر غير واحد: الإعادة ظاهر المذهب كغيرها، وصححه ابن عقيل وغيره، وعنه: من أعادها فمبتدع مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلفه، واحتج القاضي وغيره بهذه الرواية على أنه تنعقد إمامته في الجمعة، واحتجوا بغيرها من الروايات على أنها لا تنعقد، بل يتبع فيها، وقرأ المروذي على أحمد أن أنسا كان يصلي المكتوبة في منزله ثم يصلي الجمعة خلف الحجاج. وكذا جمعة ونحوها ببقعة غصب ضرورة، وذكرها2 ابن عقيل وصاحب المحرر فيمن كفر باعتقاده، ويعيد.
ويصلي خلف من لا يعرفه، وعنه: لا، قال بعضهم: وتصح3 خلف من خالف في فرع "و" لفعل الصحابة والتابعين مع شدة الخلاف، ما لم يعلم4 أنهم تركوا ركنا أو شرطا على ما يأتي5، ولو لم ير مسح الخف أو الحرام
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ب" و "س": و"ذكرهما".
3 بعدها في "ب" و "ط": "وتصح".
4 في "ط": "يعلمهم".
5 ص 35.

(3/21)


شيئا، نقله الأثرم، وسيأتي في الشهادات1 كلام في فسقه، ومراد الأصحاب: ما لم يفسق، قال جماعة من الحنفية: إنما يصح الاقتداء بالشفعوية إذا احتاط الإمام في موضع الخلاف: أي ما لم يترك ركنا أو شرطا عند المأموم. وقال جماعة: الشفعوية غلط؛ لأنه نسبة إلى شافع بحذف ياء النسب جد الإمام كما نسب هو إليه، إذ لا يجمع بين منسوبين.
قال ابن الجوزي في كتابه "السر المصون": رأيت جماعة من المنتسبين إلى العلم يعملون عمل العوام، فإذا صلى الحنبلي في مسجد شافعي ولم يجهر غضبت الشافعية، وإذا صلى شافعي في مسجد حنبلي وجهر غضبت الحنابلة، وهذه مسألة اجتهادية، والعصبية فيها مجرد هوى يمنع منه العلم2.
قال ابن عقيل: رأيت الناس لا يعصمهم من الظلم إلا العجز. ولا أقول العوام، بل العلماء، كانت أيدي الحنابلة مبسوطة في أيام ابن يوسف3، فكانوا يتسلطون4 بالبغي على أصحاب الشافعي في الفروع، حتى لا يمكنوهم من الجهر والقنوت، وهي مسألة اجتهاد5، فلما جاءت
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 11/298.
2 جاء في "ط" عند هذه الكلمة: "لعل ذلك في الجهر بالنية في الصلاة".
3 هو: أبو منصور، عبد الملك بن محمد بن يوسف البغدادي، كان متعصبا للسنة، قد كفى عامة العلماء والصلحاء "ت 460هـ". "السير" 18/333.
4 في "ط": "يتسلطون".
5 في "ب" و"ط": "اجتهادية".

(3/22)


أيام النظام1، ومات ابن يوسف وزالت شوكة الحنابلة استطال عليهم أصحاب الشافعي استطالة السلاطين الظلمة، فاستعدوا بالسجن، وآذوا العوام بالسعايات، والفقهاء بالنبز بالتجسيم، قال: فتدبرت أمر الفريقين، فإذا بهم لم تعمل فيهم آداب العلم، وهل هذه2 إلا أفعال إلا أفعال الأجناد يصولون في دولتهم، ويلزمون المساجد في بطالتهم، انتهى ما ذكره ابن الجوزي.
فقد بينا الأمر على أن مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها، وذكر القاضي فيه روايتين، ويتوجه قول ثالث وفي كلام أحمد أو بعض الأصحاب ما يدل عليه إن ضعف الخلاف فيها أنكر، وإلا فلا، وللشافعية أيضا خلاف، فلهم وجهان في الإنكار على من كشف فخذيه، فحمل حال من أنكر على أنه رأى هذا أولى ولم يعتقد المنكر أنه يفضي ذلك إلى مفسدة فوق مفسدة ما أنكره، وإلا لسقط الإنكار أو لم يجز "وإنما لامرئ ما نوى" وسبق كلام ابن هبيرة آخر كتاب الصلاة3، والله أعلم. ونقل محمد بن سليمان أبو جعفر المنقري: كان المسلمون يصلون خلف من يقنت ومن لا يقنت، فإن زاد فيه حرفا فلا يصلي خلفه، أو جهر بمثل "إنا نستعينك"4 أو "عذابك الجد"5 فإن كنت في صلاة فاقطعها، كذا قال.
ومن زور ولاية لنفسه بإمامة وباشر فيتوجه: إن كانت ولايته شرطا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو علي، الحسن بن علي إسحاق الطوسي، نظام الملك، الوزير الكبير، كان شافعيا أشعريا، وكان فيه خير وتقوى، وميل إلى الصالحين. "ت 485هـ". "السير" 19/94.
2 بعدها في "ط": "الأفعال".
3 1/421.
4 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/210 – 211، من حديث عمر، وانظر: "تلخيص الحبير" 2/24 - 25.

(3/23)


لاستحقاقه لم يستحق، وإلا خرج على صحة إمامته. وقال شيخنا: له أجر مثله، وأطلق، كمن ولايته فاسدة بغير كذبه، لا ما يستحقه عدل بولاية شرعية، وتصح إمامة صبي لبالغ في نفل على الأصح، اختاره الأكثر "هـ م" وعنه: وفرض، اختاره الآجري "و ش" وظاهر المسألة: ولو قلنا: تلزمه الصلاة، وصرح به ابن البنا في العقود، وبناؤهم المسألة على أن صلاته نافلة يقتضي صحة إمامته إن لزمته، قاله صاحب النظم، وهو متجه، وصرح به غير واحد وجها1، ويصح بمثله "و" وفي المنتخب: لا.
ولا تصح إمامة امرأة بغير نساء "و" وبنى عليه في المنتخب: لا يجوز
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "س".

(3/24)


أذانها لهم، وعنه: تصح في نفل، وعنه: في التراويح، وقيل: إن كانت أقرأ، وقيل: قارئة دونهم، وقيل: ذا رحم، وقيل: أو عجوزا، وتقف خلفهم لأنه أستر، وعنه: تقتدي بهم في غير القراءة، فينوي الإمامة أحدهم، واختار الأكثر الصحة في الجملة، لخبري1 أم ورقة العام2 والخاص3، والجواب عن الخاص رواه أبو بكر المروذي بإسناد يمنع الصحة، وإن صح فيتوجه حمله على النفل، جمعا بينه وبين النهي، ويتوجه احتمال في الفرض، والنهي لا يصح، مع أنه للكراهة، وكذا الخنثى، وقيل: تصح بخنثى، وإن قلنا: لا يؤم خنثى نساء. وتبطل صلاة امرأة بجنب رجل لم يصلوا جماعة.
ـــــــ
1 في "ط": "الخبر".
2 وهو: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها. أخرجه أبو داود في "سننه" "592". وهي: أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصارية، ويقال لها: أم ورقة بنت نوفل، فنسبت إلى جدها الأعلى. ماتت في خلافة عمر. "الإصابة" 13/304.
3 وهو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لها أن يؤذن لها ويقام، وتؤم نساءها. أخرجه الدار قطني في "سننه" 1/279.

(3/25)


فصل: ولا تصح إمامة محدث أو نجس، ولو جهله المأموم فقط
، نص عليه، خلافا لـ"الإشارة"4 و "ش"، وبناه في الخلاف أيضا على إمامة الفاسق لفسقه بذلك، وقيل للقاضي: هو أمين على طهارته لا يعرف إلا من جهته، فإذا عملنا5 بقوله لم يقبل رجوعه، كما لو أقرت بانقضاء العدة وزوجت ثم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
4 لمؤلفه أبي الوفاء، علي بن عقيل البغدادي "ت 513هـ"، وهذا الكتاب مختصر لكتاب "الروايتين والوجهين". "ذيل طبقات الحنابلة" 1/142 - 165.
5 في "ط": "عملنا".

(3/25)


رجعت، فقال: فيجب لهذا المعنى أن لا يقبل قوله قبل الدخول في الصلاة.
وعلى أن دخولها في عقد النكاح اعتراف بصحته، فلم تصدق، وهذا من أمر الدين، فقبل كقبل الصلاة، وعلله في الفصول بأنه فاسق وإمامته لا تصح عندنا؛ ولأنه متلاعب، والمتلاعب ليس في صلاة، وإن علم هو أو المأموم فيها، قال في الخلاف وغيره: أو بسبق حدثه، استأنف المأموم، وعنه: يبنى "و م ش" نقل بكر بن محمد: جماعة أو فرادى، فمن1 صلى بعض الصلاة وشك في وضوئه لم يجزئه 2"ألا أن يتيقن"2 أنه كان على وضوء، ولا تفسد صلاتهم، إن شاءوا قدموا3 وإن شاءوا صلوا فرادى. قال القاضي: فقد نص على أن علمهم بفساد صلاته لا يوجب عليهم إعادة، وإن علم بعد السلام في غير جمعة أو فيها "ق"4 أعاد الإمام، وعنه: والمأموم، اختاره أبو الخطاب "و هـ" وهو القياس لولا الأثر عن عمر5، وابنه6، وعثمان7، وعلي8، قاله القاضي وغيره كغير الحدث
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "فمن".
2 "2 - 2" في "ط": "حتى يتيقن".
3 يعني: قدموا أحدهم إماما.
4 في "ب": "و".
5 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "3648" و"3649"، وابن المنذر في "الأوسط" "2051" و"2052"، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/399 - 400، أن عمر بن الخطاب أمهم وهو جنب، أو على غير وضوء، فأعاد الصلاة ولم يعد من رواءه. وهذا لفظ عبد الرزاق.
6 أخرجه عبد الرزاق "3650"، وابن شيبة 2/44، وابن المنذر في "الأوسط" "2055"، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/400.
7 أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" "2053"، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/400.
8 أخرجه ابن أبي شيبة 2/45، وابن المنذر في "الأوسط".

(3/26)


والنجاسة نص عليه، حتى في إمام نسي الفاتحة في الأخريين، وإن علم معه واحد أعاد الكل، نص عليه، واختار القاضي والشيخ: يعيد العالم، وكذا نقل أبو طالب: إن علمه اثنان وأنكر هو أعاد الكل، واحتج بخبر ذي اليدين1.
ولا تصح إمامة كافر "و"2، وقيل: بلى إن أسره، وإن قال بعد سلامه: هو كافر وإنما صلى تهزؤا فنصه: يعيد المأموم، كمن ظن كفره أو حدثه فبان خلافه، وقيل: لا"*"، كمن جهل حاله.
ـــــــ
"3 "*" تنبيه: قوله: وإن قال بعد سلامه: هو كافر وإنما صلى تهزؤا فنصه يعيد المأموم وقيل: لا. انتهى. المنصوص هو الصحيح من المذهب3".
ـــــــ
1 تقدم تخريجه 2/269.
2 ليست في "ط".
3 "3 - 3" ليست في "ح".

(3/27)


وإن علم له حالان، أو إفاقة وجنون، لم يدر في أيهما ائتم وأم فيهما ففي الإعادة أوجه، ثالثها إن علم قبل الصلاة إسلامه وشك في ردته لم يعد "7 م".
ولا إمامة أخرس بناطق "و" ولا بمثله، نص عليه "و م ر" خلافا للأحكام السلطانية والكافي1؛ لأنه لم يأت بالأصل والبدل، والأمي
ـــــــ
مسألة – 7: قوله: وإن علم له حالان يعني الإمام، والحالان إسلام وكفر أو إفاقة وجنون لم يدر في أيهما أي الحالين ائتم وأم فيهما ففي الإعادة أوجه، ثالثها: إن علم قبل الصلاة إسلامه وشك في ردته لم يعد، انتهى. وأطلقهن ابن تميم:
أحدها: يعيد مطلقا، قدمه في الرعاية الكبرى، وصححه في مجمع البحرين.
والوجه الثاني: لا يعيد "قلت": وهو الصواب.
والوجه الثالث: الفرق وهو الصحيح من المذهب على ما اصطلحناه، جزم به2 في المغني3 والشرح4، و"شرح ابن رزين"، وغيرهما قال في "المغني"3 ومن تبعه: فإن كان الإمام ممن يسلم تارة ويرتد أخرى لم يصل خلفه حتى يعلم على أي دين هو، فإن صلى خلفه، ولم يعلم ما هو، نظرنا: فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه،
ـــــــ
1 1/417.
2 ليست في "ط".
3 3/35.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/371.

(3/28)


يأتي بالبدل وهو الذكر.
ولا إمامة من به حدث مستمر "و" وفيه بمثله وجهان "8 م"، ولا على الأصح "ش" إمامة عاجز عن ركن أو شرط، واختار شيخنا الصحة، قاله في إمام عليه نجاسة يعجز عنها، ولا خلاف أن المصلي خلف المضطجع لا1 يضطجع، وتصح بمثله، وإمامة2 متيمم بمتوضئ "و"، ولا تكره "م"؛ لأن عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل تيمم وهو جنب في ليلة باردة وصلى بأصحابه وعلم النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما3، من رواية عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو، ولم يسمع منه بلا خلاف، ورواه عبد الرحمن أيضا عن أبي قيس عن عمرو4، وفيه أنه
ـــــــ
وشك في ردته فهو مسلم، وإن علم ردته وشك في إسلامه لم تصح صلاته، انتهى. ذكره في أوائل باب الإمامة.
مسألة - 8: قوله: "ولا إمامة من حدثه5 مستمر، وفيه بمثله وجهان" ، انتهى:
أحدهما: يصح، وهو الصحيح، جزم به في الهداية والمذهب، والكافي6، والعمدة والشرح7، 8"والحاوي الكبير"8، وغيرهم، وقدمه
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في الأصل: "ولا إمامة".
3 أحمد "17812"، وأبو داود "334"، والدارقطني 1/178، والحاكم 1/177 - 178.
4 أخرجه أبو داود "335"، وابن المنذر في "الأوسط" "528"، وابن حبان "1315"، والدارقطني 1/179، والحاكم 1/177، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/226.
5 في نسخ التصحيح الخطية: "حدثه"، والمثبت من "الفروع".
6 1/417.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/373.
8 "8 - 8" في "ط": "والحاويين والوجيز".

(3/29)


غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة، وليس فيه التيمم، وأعل غير واحد الأول بالثاني، ويتوجه احتمال، وهو متوجه على أصلنا، لأن التيمم طهارة ضرورية، ولهذا يقيد بالوقت.
ولا تصح إمامة أمي "و" نسبة إلى الأم، وقيل إلى أمة العرب وهو من يدغم في الفاتحة حرفا لا يدغم، أو يحيل المعنى بلحنه1، وعنه تصح كبمثله في الأصح "م ر" وفي إعادة من علم بعد سلامه أو شك فيه وأسر في صلاة جهر وجهان "م 9".
ـــــــ
ابن تميم وغيره، قال في المستوعب: ولا تصح إمامة من به سلس البول بمن لا سلس به، انتهى. وهو ظاهر كلام ابن عبدوس في تذكرته، فإنه قال: ولا يؤم أخرس ولا دائم حدثه وعاجز عن ركن وأنثى، بعكسهم، وقال في المحرر: ومن عجز2 عن ركن أو شرط لم تصح إمامته بقادر عليه، انتهى.
3"والوجه الثاني: لا تصح، قال في الخلاصة: ولا يقتدي بمن به سلس البول، وصححه في النظم، وقدمه في الرعايتين، وهو ظاهر ما جزم به في "التلخيص"3.
مسألة - 9: قوله: ولا تصح إمامة أمي... وعنه: لا تصح كبمثله في الأصح.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 بعدها في "ط": "والمنور".
3 في "ط": وقال في التلخيص: وأما عدم العصمة في الطهارة كصاحب السلس ونحوه فلا يصح اقتداء المعصوم بهم، والوجه الثاني: لا تصح، قال في الخلاصة: ولا يقتدي بمن به سلس البول، وصححه في النظم، وقدمه في الرعايتين.

(3/30)


وإن بطلت صلاة قارئ خلف أمي، ففي إمام وجهان "م 10". وإن اقتدى
ـــــــ
وفي إعادة من علم بعد سلامه أو شك فيه وأسر في صلاة جهر وجهان، انتهى. اشتمل كلامه على ثلاث مسائل يشبه بعضهن بعضا، قال ابن تميم: وإن شك القارئ هل إمامه أمي أم لا في صلاة سر صحت، فإن بان أميا فوجهان، وإن كان في صلاة جهر ولم يجهر فهل يعيد؟ على وجهين، انتهى، وقال في الرعاية الكبرى: وإن صلى قارئ خلف من جهل كونه قارئا أو شك فيه في صلاة سر صحت، وإن بان أميا أو أسر في صلاة جهر، وما1 ادعى أنه قرأ فوجهان.
وقال في الرعاية الصغرى والحاويين: وإن علم أنه أمي لما سلم فوجهان. وقال في المغني2 والشرح3: فإن صلى القارئ خلف من لا يعلم في صلاة الإسرار صحت، وإن كان يسر في صلاة الجهر ففيه وجهان: عدم الصحة، ذكره القاضي، زاد الشارح: وذكره ابن عقيل أيضا؛ لأن الظاهر أنه لو أحسن القراءة لجهر. والوجه الثاني: تصح، انتهى. وقال ابن رزين: فإن أسر في الجهر لم يصح، إذ الظاهر أنه لو أحسن لجهر، وقيل: يصح، انتهى. وقال في مجمع البحرين فإن شك القارئ في 4"أميته إمامه"4 في صلاة سر صحت صلاته؛ لأن الظاهر كون من يتقدم إماما قارئا، وإن كان في صلاة جهر فأسر، لم يصح في أصح الوجهين، انتهى. قلت: الصواب أنه إذا علم بعد سلامه أن إمامه أمي أنه يعيد، وأنه إذا أسر في صلاة جهر ولم يعلم هل هو أمي أم لا أنه لا يعيد، وكذا لو شك فيه هل هو أمي أم لا.
مسألة – 10: قوله: وإن بطلت صلاة القارئ خلف أمي ففي إمام وجهان، انتهى. قال ابن تميم: فلو أم أمي قارئا فقد بطلت صلاة القارئ وفي الإمام وجهان، انتهى. وقال في الرعاية الكبرى: وإن أم أمي قارئا وحده بطلت صلاة القارئ، وقيل: فرضا، وفي الإمام وجهان، انتهى. قلت: حيث حكمنا ببطلان صلاة القارئ بطلت صلاة الإمام، وحيث قلنا تنقلب نفلا صحت صلاته، والله أعلم، وكلام
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 3/30.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/396.
4 "4 - 4" في "ط": "أميته".

(3/31)


قارئ وأمي بأمي فإن بطل فرض القارئ فهل يبقى نفلا فتصح صلاتهم، أم لا يبقى فتبطل، أم إلا1 الإمام؟ فيه أوجه "م 11"، وجوز الشيخ اقتداء من
ـــــــ
الزركشي ونقله في المسألة الآتية يوافق ما قلنا، وكذا كلام ابن تميم، وابن حمدان الآتي يوافق ما قلنا في الفرع الثاني. قلت: وهو ظاهر ما قدمه المصنف في باب النية2 في هذه المسألة بعينها، فإنه قال: وإن اعتقد كل منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه لم يصح، نص عليهما، وكذا إن نوى إمامة من لا يصح أن3 يؤمه: كامرأة تؤم رجلا لا تصح صلاة الإمام، في الأشهر، وكذا أمي قارئ، انتهى. فهذه المسألة الأخيرة هي مسألة المصنف التي أطلق الخلاف فيها هنا فيما يظهر، والله أعلم.
مسألة - 11: قوله: وإن اقتدى قارئ وأمي بأمي فإن بطل فرض القارئ فهل تبقى نفلا فتصح صلاتهم، أم لا تبقى فتبطل، أم إلا الإمام؟ فيه أوجه، انتهى. قال الزركشي. فإن كانا خلفه فإن صلاتهما تفسد، وهل تبطل صلاة الإمام؟ فيه احتمالان، أشهرهما البطلان، انتهى وقال في الرعايتين: فإن كانا خلفه بطل فرض القارئ في الأصح وبقي نفلا، وقيل: لا يبقى فتبطل صلاتهم، وقيل: إلا الإمام، انتهى. زاد في الكبرى: وقيل: في صلاة القارئ والأمي خلف الأمي ثلاثة أوجه: البطلان والصحة، وقيل في رواية: والثالث يصح في النفل دون الفرض، انتهى. وفي الرعاية طرق غير ما تقدم، وحكى ابن الزاغوني وجها: أن الفساد يختص بالقارئ، ولا تبطل صلاة الأمي، قال: واختلف القائلون بهذا الوجه في تعليله، فقال بعضهم: لأن القارئ تكون صلاته نافلة فما خرج من الصلاة، فلم يصر الأمي بذلك فذا، وقال بعضهم: صلاة القارئ باطلة على الإطلاق، لكن اعتبار معرفة هذا على الناس أمر يشق، ولا يمكن الوقوف عليه، فعفي عنه للمشقة، قال الزركشي: ويحتمل أن الخرقي اختار هذا الوجه، فيكون كلامه على إطلاقه، انتهى. وقال ابن تميم: إن كانا خلفه بطل فرض القارئ وفي بقائه نفلا وجهان، فإن قلنا بصحته فصلاة الجميع صحيحة، وإن قلنا: لا
ـــــــ
1 ضرب عليها في "ب".
2 2/148.
3 بعدها في "ط": "لا".

(3/32)


يحسن قدر الفاتحة بمن لا يحسن قرآنا وفتح همزة { اهْدِنَا} ومحيل1 في الأصح كضم تاء {أَنْعَمْتَ} وكسر كاف { إِيَّاكَ} وتصح إمامة إمام الحي وهو إمام مسجد راتب العاجز عن القيام "م ر" لمرض يرجى زواله "م ر" ويصلون جلوسا، وقال في الخلاف: هذا استحسان، والقياس: لا تصح، وفي الإيضاح رواية: قياما، واختاره في النصيحة والتحقيق "و" وعنه: تصح مع غير إمام الحي، وإن لم يرج زواله "و"، وفي الإيضاح والمنتخب إن لم يرج صحت مع إمام الحي قياما، فعلى المذهب في الأولى إن صلوا قياما صحت على الأصح، وقيل: الجاهل وجوب الجلوس وإن ابتدأ قائما ثم اعتل فجلس أتموا قياما ولم يجز الجلوس،
ـــــــ
تصح، بطلت صلاة المأموم، وفي 2"صلاته الإمام"2 وجهان، انتهى.
وقال قبل ذلك: وفي صحة صلاة القارئ خلف الأمي نافلة وجهان، أصحهما لا يصح، انتهى. فتلخص أن الزركشي جزم بفساد صلاة المأموم القارئ3 والأمي، وأن أشهر الاحتمالين بطلان صلاة الإمام، وأن ابن حمدان قدم أن صلاة القارئ تبقى نفلا. قلت: ظاهر كلام المصنف في باب النية4 في مسائل كثيرة أنها تنقلب نفلا على المقدم عنده، كما إذا أحرم بفرض فبان قبل وقته، أو بطل الفرض الذي انتقل منه، وكذا لو فعل ما يفسد الفرض فقط، كترك القيام والصلاة في الكعبة، والائتمام بمتنفل، إذا قلنا لا يصح الفرض، والائتمام بصبي إن لم يعتقد جوازه، فإن المتقدم5 عنده، وهو المذهب انقلابه نفلا، فلتكن هذه المسألة كذلك، والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ط": "ومحيل".
2 "2 - 2" في "ط": "صلاته".
3 في "ب": والقارئ".
4 2/142.
5 في "ط": "والمتقدم".

(3/33)


نص عليه، وذكر الحلواني: ولو لم يكن إمام الحي. وإن أرتج على المصل في الفاتحة وعجز عن الإتمام فهو كالعاجز عن القيام في أثناء الصلاة، يأتي بما يقدر عليه ولا يعيدها. ذكره في الفصول، ويؤخذ منه، ولو كان إماما وسبق في آخر النية1: يستخلف.
ـــــــ
1 2/156.

(3/34)


فصل: وإن ترك الإمام ركنا أو شرطا عنده وحده عالما أعاد المأموم
"ش" لأن القياس لما2 منع انعقاد صلاة الإمام، و3 إمامته كالكفر واستدبار القبلة منع، ولتعذر نية الإمامة من عالم بفساد صلاته.
وعند صاحب المستوعب: يعيد إن علم في الصلاة، كذا قال، ويتوجه مثله في إمام يعلم حدث نفسه، وإن كان ركنا أو شرطا عند المأموم فعنه: يعيد "المأموم"، اختاره جماعة "و هـ ش" لاعتقاد المأموم فساد صلاة إمامه، كما لو اعتقده مجمعا عليه فبان خلافه، وعنه: لا، اختاره الشيخ وشيخنا "و م" كالإمام، لحصول الغرض في مسائل الخلاف، وهو الاجتهاد أو التقليد "م 12"، وكعلم المأموم لما سلم في الأصح.
ـــــــ
مسألة - 12: قوله: وإن ترك الإمام ركنا أو شرطا عنده وحده عالما أعاد المأموم. وإن كان ركنا أو "شرطا" عند المأموم فعنه يعيد المأموم، واختاره جماعة، وعنه: لا، اختاره الشيخ وشيخنا كالإمام لحصول الغرض في مسائل الخلاف، وهو الاجتهاد أو التقليد، انتهى. وأطلقهما في الرعايتين، والحاويين:
ـــــــ
2 في "ب" و"س" و"ط": "إنما".
3 في "ب" و"ط": "أو".

(3/34)


وفي المستوعب: إن كان في وجوبه عند المأموم روايتان ففي صلاته خلفه روايتان، كذا قال، ومن ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه بلا تأويل ولا تقليد أعاده، ذكره الآجري "ع"، لتركه فرضه، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي ترك الطمأنينة وصلى فذا بالإعادة1، وعنه: لا؛ لخفاء طرق علم هذه المسائل، وعنه: إن طال، قال ابن عقيل وجماعة: لا يجوز أن يقدم على فعل لا يعلم جوازه ويفسق، أي إن كان مما يفسق به، كما جزم به في الفصول في عامي شرب نبيذا بلا تقليد، وهو معنى كلام القاضي وغيره، ولم يصرح القاضي بالفسق في موضع، وصرح به في آخر، وذكره شيخنا عنه ولم يخالفه، ووجدت بعض المالكية ذكر عدم الجواز "ع" وهو معنى كلام الآجري السابق وغيره، وذكر الأصحاب أن العامي إذا نزلت به حادثة يلزمه حكم، وذكره في التمهيد "ع" وأنه التقليد، وظاهر كلام جماعة:
ـــــــ
أحدهما: لا يعيد، وهو الصحيح، قدمه ابن تميم والشارح ومال إليه، واختاره الشيخ الموفق والشيخ تقي الدين، وصاحب الفائق وغيرهم، قال الشيخ تقي الدين: ولو فعل الإمام ما هو محرم عند المأموم دونه، مما يسوغ فيه الاجتهاد صحت صلاته خلفه، وهو المشهور عن أحمد، وقال في موضع آخر: والروايات المنقولة عن أحمد لا توجب اختلافا، وإنما ظاهرها أن كل موضع يقطع فيه بخطإ المخالف تجب الإعادة، وما لا يقطع فيه بخطإ المخالف لا يوجب الإعادة، وهو الذي تدل عليه السنة والآثار وقياس الأصول، انتهى. والرواية الثانية: يعيد، اختاره ابن عقيل، وجزم به في الإفادات، وقدمه في المحرر، وصححه في النظم.
فهذه اثنتا عشرة مسألة قد صححت، والله أعلم.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه 2/255.

(3/35)


أن المؤثر "إنما" هو اعتقاد التحريم، وإذا لم يفسق من أتى مختلفا فيه معتقدا تحريمه ولم ترد شهادته؛ لأن لفعله مساغا في الجملة، فهذا أولى، وقيل للقاضي: لو لزمت الجمعة أهل السواد لفسقوا بتركها، فقال: ما يفسقون، لأنه مختلف في وجوبها عليهم "بهم"، كما يقول أبو حنيفة: لو كان في المصر أربعة أنفس لزمتهم الجمعة، ولم يفسقوا بتركها للاختلاف في وجوبها، ويأتي كلام ابن عقيل في أمهات الأولاد1: هل يأثم من وطئ أمته المزوجة؟ وكلامه في الكافي أنه جمع بين الجاهل بالتحريم والناسي بعدم التأثيم.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 8/143.

(3/36)


باب موقف الجماعة
مدخل
...
باب موقف الجماعة
يستحب وقوف الجماعة خلف الإمام "و"1 ولا يصح قدامه بإحرام فأكثر، لأنه ليس موقفا بحال، وذكر شيخنا وجها: تكره، وتصح "و م" والمراد: وأمكن الاقتداء، وهو متجه، وقيل: تصح جمعة ونحوها لعذر، اختاره شيخنا، وقال: من تأخر بلا عذر فلما أذن جاء فصلى قدامه عزر.
والاعتبار بمؤخر القدم، وإلا لم يضر، كطول المأموم، ويتوجه العرف، وإن تقابلا داخل الكعبة صحت في الأصح "و" وإن جعل ظهره إلى ظهر إمامه فيها صح؛ لأنه لا يعتقد خطؤه، وإن جعل ظهره إلى وجهه لم يصح لأنه مقدم عليه، وإن تقابلا حولها صحت "ع" ويجوز تقدم المأموم في جهتين "و" قال في الخلاف، وأومأ إليه في رواية أبي طالب، وقيل: وجهة "خ" وقال أبو المعالي: إن كان خارج المسجد بينه وبين الكعبة مسافة فوق بقية جهات المأمومين فهل يمنع الصحة كالجهة الواحدة أم لا؟ فيه وجهان.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.

(3/37)


ويقف الواحد عن يمينه "و" فإن بان عدم صحة مصافته لم يصح، والمراد والله أعلم كمن لم يحضره أحد، فيجيء الوجه: يصح منفردا، وكصلاتهم قدامه في صحة صلاته وجهان "م 1" ونقل أبو طالب في رجل أم رجلا قام عن يساره: يعيد، وإنما صلى الإمام وحده، وظاهره: تصح منفردا، دون المأموم، وإنما يستقيم على إلغاء نية الإمامة، ذكره صاحب المحرر، ونقل جعفر في مسجد محرابه غصب1 قدر ما يقوم الإمام فيه: صلاة الإمام فاسدة، وإذا فسدت صلاته فسدت صلاة المأمومين، وإن وقف عن يساره أحرم أم لا أداره من ورائه، فإن جاء آخر وقفا خلفه، وإلا أدارهما، فإن شق تقدم الإمام، ولو تأخر الأيمن قبل إحرام الداخل ليصليا خلفه جاز، وفي نهاية أبي المعالي والرعاية: بل أولى؛ لأنه
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: ويقف الواحد عن يمينه. فإن بان عدم صحة مصافته لم يصح، والمراد كمن لم يحضره أحد، فيجيء الوجه: يصح منفردا، وكصلاتهم قدامه في صحة2 صلاته وجهان. يعني إذا صلوا قدام الإمام، وقلنا لا تصح صلاتهم، فهل تصح صلاة الإمام أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه ابن تميم، وصاحب "الحاويين":
أحدهما: تصح صلاته، قدمه في الرعايتين. والوجه الثاني: لا تصح. قلت: وهو الصواب، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، وقال المصنف في نكت المحرر: الأولى أن يقال: إن نوى الإمامة بمن يصلي قدامه مع علمه لم تنعقد صلاته، كما لو نوت المرأة الإمامة بالرجل؛ لأنه يشترط أن ينوي الإمامة بمن يصح اقتداؤه به، وإن نوى الإمامة ظنا واعتقادا أنهم يصلون خلفه فصلوا قدامه انعقدت صلاته، عملا بظاهر الحال، كما لو نوى الإمامة من عادته حضور جماعة عنده، انتهى.
ـــــــ
1 في "ط": "غصبت".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".

(3/38)


لغرض صحيح، وكتفاوت إحرام اثنين خلفه، ثم إن بطلت صلاة أحدهما تقدم الآخر إلى الصف، أو إلى يمين الإمام، أو جاء آخر، وإلا نوى المفارقة، ولو أدركهما جالسين أحرم، ولا تأخير1 إذا؛ للمشقة، وقيل: إن وقف إمام بينهما ففي الكراهة "و هـ" احتمالان.
وفي الخلاف وغيره في الفذ: قام مقاما لا يجوز أن يقومه مع اختصاصه بالنهي، لأجل صلاته، ففسدت، كقدام الإمام، ووقوفه إلى جنب امرأة مشتركان في النهي، ووقوف الإمام وسط الصف مشتركون في النهي، ووقوف الإمام خلف المأموم نهى عنه لأجل فساد صلاة المأموم2، بدليل جواز وقوف المنفرد حيث شاء، ولا بأس بقطع الصف عن يمينه أو خلفه، وكذا إن بعد الصف منه، نص عليه، ويستحب توسطه للصف، للخبر3.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب" و"ط": "تؤخر".
2 في "ط": "المأمومين".
3 أخرج أبو داود في "سننه" "681"، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وسطوا الإمام، وسدوا الخلل" .

(3/39)


فصل ومن صلى عن يساره ركعة فأكثر مع خلو يمينه لم يصح
، نص عليه، وعنه: بلى، اختاره أبو محمد التميمي، والشيخ، وغيرهما، وهو أظهر "و" وقيل: إن كان خلفه صف، ومن صلى فذا خلفه ركعة وقيل: أو أحرم، واختاره في الروضة، وذكره رواية، وقيل: لغير غرض لم يصح، وعنه: إن علم النهي، وفي النوادر رواية تصح لخوفه تضيقا، وذكره بعضهم قولا، وهو معنى قول بعضهم: لعذر، وعنه: مطلقا "و" وعنه: في النفل، وبناه في الفصول على من صلى بعض الصلاة منفردا ثم نوى الائتمام، وحيث صحت فالمراد مع الكراهة، ويتوجه، إلا لعذر، وهو ظاهر كلام شيخنا وقاله الحنفية.
ـــــــ
...............................

(3/40)


وقال في التعليق: يقف فذا في الجنازة، رواه ابن بطة عن أبي أمامة مرفوعا، ورواه أبو حفص عن عطاء مرسلا، ولأحمد1 من رواية عبد الله العمري وهو ضعيف عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وقاله أبو الوفاء وأبو المعالي، وأنه أفضل إن تعين صفا ثالثا، قال في الفصول: فتكون مسألة معاياة.
وإن خاف فوت ركعة فركع وحده ثم دخل الصف، أو وقف معه غيره والإمام راكع، صحت، وعنه: لا، وعنه: إن علم النهي. وإن اعتدل قائما ولم يسجد وفي المنتخب والموجز: أو سجد ففي الصحة روايتان، وعنه: إن جهل النهي صحت "م 2".
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: "وإن خاف فوت ركعة فركع وحده ثم دخل الصف، أو وقف معه غيره والإمام راكع، صحت 2"وعنه: لا. وعنه إن علم النهي"2 وإن اعتدل قائما ولم يسجد وفي المنتخب والموجز: أو سجد ففي الصحة روايتان، وعنه: إن جهل النهي صحت. انتهى، وأطلق الروايات الثلاث في الكافي3 والشرح4،
ـــــــ
1 في مسنده "13270"، عن عبد الله العمري قال: سمعت أم يحيى قالت: سمعت أنس بن مالك يقول: مات ابن لأبي طلحة، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أبو طلحة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأم سليم خلف أبي طلحة، كأنهم عرف ديك، وأشار بيده.
2 "2 - 2" ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
3 1/432.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/439.

(3/41)


وإن فعله لغير غرض لم تصح في الأصح، وأطلق في الفصول فيما إذا كان لغرض في إدراك الركعة لخبر أبي بكرة1 - وجهين، ولعل المراد قبل رفع الإمام، وله أن ينبه من يقوم معه بنحنحة أو كلام، ويتبعه "م" ويكره بجذبه في المنصوص "و م" وقيل: يحرم "خ" اختاره ابن عقيل، قال2 "ابن عقيل" ولو
ـــــــ
والزركشي، وغيرهم:
إحداهن يصح مطلقا، وهو الصحيح، جزم به في الوجيز وشرح ابن رزين. قال ابن منجى في شرحه: هذا المذهب، وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمقنع3، والمحرر، والنظم، وحواشي المصنف على المقنع وغيرهم، واختاره الشيخ تقي الدين وغيره.
والرواية الثانية: لا تصح مطلقا، اختاره المجد في شرحه، وقدمه في الرعايتين، ومختصر ابن تميم وإدراك الغاية وغيرهم، قال في المذهب: بطلت في أصح الروايتين، وهو ظاهر ما جزم به في تجريد العناية.
والرواية الثالثة: إن علم النهي لم تصح، وإلا صحت، ونص عليها، وجزم به في الإفادات، وشرح الطوفي على الخرقي، وقدمه في "المغني"4، ونصره، وحمل هو والشارح كلام الخرقي عليه. قال الزركشي: صرف أبو محمد كلام الخرقي عن ظاهره، وحمله على ما بعد الركوع ليوافق النصوص وجمهور الأصحاب، وأطلق الأولى والثالثة في التلخيص، والبلغة، ومجمع البحرين، والفائق، وغيرهم.
تنبيه: الذي يظهر أن الخلاف المطلق إنما هو في الروايتين الأوليين، والرواية الثالثة
ـــــــ
1 أخرج البخاري "783" من حديث أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "زادك الله حرصا. ولا تعد" .
2 بعدها في "ط": "ابن عقيل".
3 ليست في "ط".
4 الذي في "المغني" عدم تقديم رواية التفصيل، وإنما المقدم عدم الصحة. المغني 3/49 - 50.

(3/42)


كان عبده أو ابنه لم يجز؛ لأنه لا يملك التصرف فيه حال العبادة كالأجنبي، ويلزمه أن يسجد على ظهر غيره في زحام "و هـ ش" نص عليه؛ لأن عمر قاله1 في خطبة الجمعة، ولم ينكر، وعملا بالعرف، ولا عبرة بمن كرهه، كمن يكره التراص في الصف2، ومنعه ابن عقيل، فيومئ ما أمكنه "و م" كالبهيمة، وأجاب القاضي وغيره: يسجد إن كانت طاهرة. وكغير حاجة والفرق ظاهر، وعنه: له أن ينتظر زواله، ولو احتاج أن يضع يديه أو رجليه فوجهان "م 3" قال أبو المعالي: وإن لم يمكنه سجود إلا على متاع غيره،
ـــــــ
أضعف منهما عند المصنف، لكونه لم يدخلها في إطلاق الخلاف، والذي يظهر أنها أقوى بالنسبة إلى المنصوص، وكثرة الأصحاب، ولدليل يساعدها، والله أعلم.
مسألة - 3: قوله ويلزمه أن يسجد على ظهر غيره في زحام نص عليه،... ولو احتاج أن يضع يديه أو رجليه فوجهان" انتهى، وأطلقهما ابن تميم، وابن حمدان في رعايته الكبرى:
أحدهما: لا يجوز، قال المجد في شرحه: هذا الأقوى عندي، وهو قول إسحاق بن راهويه.
والوجه الثاني: يجوز، ويلزمه، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وقدمه في مجمع البحرين، قال ابن تميم: والتفريع على الجواز.
ـــــــ
1 أخرجه الطيالسي في "مسنده" "70"، ومن طرقه أحمد في "مسنده" "217"، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/182 - 183.
2 في "ط": "الصفوف".

(3/43)


صحت، كهذه المسألة، وجعل طرف المصلي وذيل الثوب أصلا للجواز، نقل ابن هانئ: يقوم بين رجلين، إذا علم أنه لا يشق.
ولا يصح وقوف امرأة فذا، وصححه في الكافي1، وإن وقفت مع رجل فقال جماعة: فذا، وذكره صاحب المحرر عن أكثر الأصحاب، وعنه: لا، اختاره القاضي وأبو الوفاء "م 4" وإن وقفت مع رجال لم تبطل صلاة من يليها "هـ"2 وخلفها "هـ"3 فيهما ذكره ابن حامد، واختاره جماعة،
ـــــــ
مسألة - 4: وإن وقفت امرأة مع رجل فقال جماعة: فذا يعني الرجل وذكره صاحب المحرر عن أكثر الأصحاب، وعنه: لا، اختاره القاضي وأبو الوفاء، انتهى، وأطلقهما في المذهب، والمستوعب، والمحرر، والشرح4، ومختصر ابن تميم، والحاويين، والفائق وغيرهم:
إحداهما: يكون فذا، وهو الصحيح، وذكره المجد عن أكثر الأصحاب، كما قال المصنف، وتبعه في مجمع البحرين، قلت: منهم ابن حامد، وأبو الخطاب، وابن البنا، واختاره الشيخ في المغني5، وجزم به في الهداية والمقنع6 والتلخيص والخلاصة ونهاية ابن رزين وتجريد العناية وغيرهم، وقدمه في الرعايتين والنظم.
والرواية الثانية: لا يكون فذا، اختاره القاضي وابن عقيل كما قال المصنف.
ـــــــ
1 1/433.
2 ليست في "ط".
3 بعدها في "ط": "فيهما".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/431.
5 3/54.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/430.

(3/44)


كوقوفها في غير صلاة، وذكر ابن عقيل فيمن يليها رواية تبطل، وفي الفصول أنه الأشبه وأن أحمد توقف، وذكره شيخنا المنصوص. واختاره أبو بكر، وقيل: ومن خلفها، وقيل: وأمامها، ولا تبطل صلاتها "و" خلافا للشريف وأبي الوفاء، للنهي عن وقوفها، والوقوف معها، فهما سواء، وعند الحنفية: لما أمر الرجل قصدا بتأخيرها فترك الفرض بطلت صلاته ولما أمرت هي ضمنا أثمت فقط، فزادوا على الكتاب فرضا1 بخبر الواحد: واعتذروا بأنه مشهور، فيلزمهم فرضية الفاتحة والطمأنينة وغير ذلك، وشرط الحنفية للمحاذاة شروطا يطول ذكرها، والتزم الحنفية صحة صلاة الجنازة، واعتذروا بالنهي عن حضورها، فلم 2يؤخذ علينا2 ترتيب في المقام فيها، والتزم القاضي أنها منهية عن حضور سائر الصلوات، فلا فرق، والأولى ما سبق من
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 "2 - 2" في "ط": "يؤخذ عليها".

(3/45)


عدم النهي في الكل، واحتج القاضي عليهم بأنه يجب عليها التأخير؛ لأنه مأمور فتكون مأمورة ولم تبطل صلاتها.
وصف تام من النساء لا يمنع اقتداء من خلفهن من الرجال، خلافا للحنفية، فتبطل صلاتهم ولو كانوا مائة صف، لتأكد إساءتهم في الموقف، بخلاف امرأة في صف رجال، فإن أبا يوسف ومحمدا أبطلا صلاة اثنين عن جنبيها، وثالث خلفها يحاذيها، وإن أمها رجل وقفت خلفه، وإن وقفت عن يساره فظاهر كلامهم: إن لم تبطل صلاتها ولا من يليها فكرجل، وكذا ظاهر كلامهم: يصح إن وقفت يمينه، ويتوجه الوجه في تقديمها أمام النساء؛ لأنه خلاف السنة.
وفي التعليق في الصلاة قدام الإمام قال: إذا كان الإمام رجلا وهو عريان، والمأموم امرأة، فإنها تقف إلى جنبه. وإن وقف الخناثى صفا،
ـــــــ
...............................

(3/46)


ولم تبطل صلاة رجل بجنب امرأة، ولا صلاتها، ويخرج عن كونه فذا بوقوفه معها، صح، وإلا فلا وقال صاحب "المحرر": وإلا بعد1 القول بصحتهم صفا، ويمكن أن يوجه قولهم بأن الفساد يقع في غير معين كالمني والريح من غير معين، فإن سلمنا بناء2 على أصل الطهارة، وإلا منعنا الحكم فيهما. وإن أم رجل خنثى صح في الأصح، فقيل: يقف عن يمينه، وقيل: خلفه "م 5".
وانعقاد الجماعة بالصبي ومصافته كإمامته؛ لأنه ليس من أهل الشهادة، وفرضه نفل بخلاف المرأة، وقيل: يصح، فيقف رجل وصبي خلفه، وهو
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: وإن أم رجل خنثى صح في الأصح، فقيل: يقف عن يمينه، وقيل: خلفه انتهى:
أحدهما يقف عن يمينه، وهو الصحيح، قال المجد في شرحه: وهو الصحيح عندي على أصلنا أنه يقف عن يمينه، لأن وقوف المرأة جنب الرجل غير مبطل، ووقوفه خلفه لاحتمال كونه رجلا فذا، ولا يختلف المذهب في البطلان به، قال: ومن تدبر هذا بفهم علم أن قول القاضي وابن عقيل سهو على المذهب. انتهى، قال الشيخ في المغني3 والشرح: الصحيح أنه يقف عن يمينه، وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الصغرى.
والوجه الثاني: يقف خلفه، اختاره القاضي وابن عقيل، وقدمه ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى، وجزم به في المستوعب.
ـــــــ
1 في "ط": "الأبعد".
2 في "ب" و"ط": "بني".
3 3/57.

(3/47)


أظهر "و" وعلى الأول: عن يمينه أو جانبيه، نص عليه، وفي الخلاف هذا ورواية أبي طالب: عن جانبيه، ومن صحت صلاته صحت مصافته، وإلا فلا، إلا من جهل حدث نفسه وجهل مصافة "و" قال القاضي وغيره: كجهل مأموم حدث إمام، على ما سبق، وفي الفصول: إن بان مبتدعا أعاد؛ لأن المبتدع لا يؤم، بخلاف المحدث، فإن المتيمم يؤم.
وإمامة النساء تقف في صفهن وسطا، والأشهر يصح تقديمها، وقد روى أبو بكر النجاد بإسناده عن أسماء بنت يزيد مرفوعا: "تصلي معهن في الصف ولا تقدمهن"1 .
ـــــــ
1 لم نجده من حديث أسماء بنت يزيد، وقد أخرجه ابن عدي في "الكامل" 2/620، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى 1/408، من حديث أسماء بنت أبي بكر، وأورده الزيلعي في "نصب الراية" 2/32.

(3/48)


فصل: ومن لم ير الإمام ولا من وراءه صح أن يأتم به إذا سمع التكبير،
ـــــــ
...............................

(3/48)


وهو والإمام في المسجد "و م ش" وعنه: لا، وعنه: يصح في النفل: وعنه:
ـــــــ
...............................

(3/49)


...............................
ـــــــ
...............................

(3/50)


...............................
ـــــــ
...............................

(3/51)


...............................
ـــــــ
...............................

(3/52)


والفرض مطلقا، "و هـ1" كظلمة وضرر وعنه: لا يضر المنبر، وعنه: لجمعة ونحوها، وإن رآه أو من وراءه2 في بعضها في المسجد، صح، وكذا خارجه مع إمكان الاقتداء، جزم به أبو الحسين وغيره، وذكره صاحب المحرر الصحيح في المذهب "و هـ" ولو جاوز ثلاثمائة ذراع "ش" أو كانت جمعة في دار ودكان "م" وجزم في الخرقي والكافي3، ونهاية أبي المعالي وغيرها باعتبار اتصال الصفوف "خ" عرفا، وزاد في التلخيص والرعاية: أو ثلاثة أذرع لظاهر الأمر بالدنو من الإمام، إلا4 ما خصه الدليل، واعتبر في المغني5 اتصال الصفوف،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في الأصل: "رآه".
3 1/438.
4 في الأصل "لا".
5 3/45.

(3/53)


وفسر ذلك ببعد غير معتاد، ولا يمنع الاقتداء، واعتبره في "الشرح1"، وفسره ببعد غير معتاد بحيث يمنع إمكان الاقتداء؛ لأنه لا نص فيه ولا إجماع، فرجع إلى العرف.
وقيل: يمنع شباك ونحوه، وحكي رواية، وإن كان بينهما قال جماعة مع القرب المصحح نهر تجري فيه السفن، أو طريق ولم تتصل فيه الصفوف، إن صحت الصلاة فيه، زاد صاحب المحرر: بأن يكون بين صفين ما يقوم فيه صف آخر، وهو معنى كلام القاضي وغيره، للحاجة إلى الركوع والسجود لم يصح، اختاره الأكثر للآثار2 "و هـ" وعنه: صح، اختاره الشيخ وغيره "و م ش".
وقال صاحب "المحرر": وهو القياس ترك للآثار ومثله إذا كان بسفينة وإمامه بأخرى؛ لأن الماء طريق وليست الصفوف متصلة، والمراد: في غير شدة الخوف، كما ذكره القاضي وغيره، وألحق الآمدي بالنهر النار والبئر، وقيل: والسبع، وقاله أبو المعالي في الشوك والنار.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/447.
2 هو ما مر ص 49 من قول عائشة رضي الله عنها: "..... فإنكن دونه في حجاب".

(3/54)


فصل: ويكره على الأصح علو الإمام كثيرا
"و هـ م" لأن فعله في خبر سهل1 يدل أن النهي ليس للتحريم. وعنه: إن لم يرد التعليم "و ش" وقيل: إن فعل لم تصح صلاته "و م" وإن ساواه بعضهم صحت صلاته وصلاتهم في الأصح "و م" زاد بعضهم: بلا كراهة "و هـ" وفي النازلين إذا الخلاف، والكثير ذراع عند القاضي، وقدره أبو المعالي بقامة المأموم، لحاجته إلى رفع رأسه، وفي الخلاف: لأنه لا يمكنه أن يقتدي به إلا بعد رفع رأسه إليه، وهو منهي عنه، وكذا علله في الفصول إلا أنه قال: وهو مكروه. وعن الحنفية كالقولين، ولا بأس بعلو المأموم، نص عليه "ش" ولا يعيد الجمعة مصليها فوق المسجد "م" ويكره وقوف الإمام في المحراب بلا حاجة "و هـ" كضيق المسجد، وعنه: لا، كسجوده فيه، وعنه: يستحب.
واتخاذ المحراب مباح، نص عليه، ونقل أبو طالب: لا أحب أن يصلي في الطاق، وقد كرهه علي2، وابن مسعود2، وابن عمر3،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "377"، ومسلم "544" "44"، من طريق أبي حازم، قال: سألوا سهل بن سعد: من أي شيء المنبر؟ فقال: ما بقي بالناس أعلم مني، وهو من أثل الغابة، عمله فلان مولى فلانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عمل ووضع، فاستقبل القبلة، كبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم ركع ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه.
2 أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/59.
3 لم نجده.

(3/55)


وأبو ذر1، وقال الحسن: الطاق في المسجد أحدثه الناس، وكان يكره كل محدث2، وعن سالم بن أبي الجعد: لا تزال هذه الأمة بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى3. وكان ابن عمر أيضا يكره أن يصلي في مسجد يشرف4. وعن علي أنه كان إذا مر بمسجد يشرف قال: هذه بيعة5. فهذا من أحمد يتوجه منه كراهة المحراب، واقتصر ابن البناء عليه، فدل أنه قال به، وفيه أيضا كراهة الصلاة في المساجد المشرفة، ولم أجده في كلام الأصحاب. ولا في كلام أحمد إلا هنا، وعنه: يستحب، اختاره الآجري وابن عقيل وابن الجوزي، ليستدل به الجاهل، وكالمسجد والجامع، وفيهما في آخر الرعاية: أنهما فرض كفاية، والمراد: ولا يبنى مسجد ضرارا.
وقال محمد بن موسى: يبني مسجدا إلى جنب مسجد؟ قال: لا يبني المساجد ليعدي بعضها بعضا، وقال صالح: قلت لأبي: كم يستحب أن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه ابن شيبة في "المصنف" 2/60.
2 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "3901"، أن الحسن أم ثابتا البناني، واعتزل الطاق أن يصلي فيه.
3 أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/59، بلفظ: لا تتخذوا المذابح في المساجد. وآخر بلفظ: كان أصحاب محمد يقولون: إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد، يعني: الطاقات. وأخرجه بهذا اللفظ الذي ساقه المؤلف. من حديث موسى الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال هذه الأمة...." .
4 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/439.
5 لم نقف عليه.

(3/56)


يكون بين المسجدين إذا أرادوا أن يبنوا إلى جانبه مسجدا؟ قال: لا يبنى مسجد يراد به الضرار لمسجد إلى جنبه، فإن كثر الناس حتى يضيق عليهم فلا بأس أن يبنى وإن قرب من ذلك. فاتفقت الرواية أنه لا يبنى لقصد الضرار، وإن لم يقصد ولا حاجة فروايتان، رواية محمد بن موسى: لا يبنى، واختاره شيخنا وأنه يجب هدمها، وقاله فيما بنى جوار جامع بني أمية. وظاهر رواية صالح: يبنى "م 6". نقل أبو داود في محراب يريد أن ينحرف عنه الإمام، قال: ينبغي أن يحول ويحرف، وأنه يكره أن يكون أسفل غلة المسجد، وفوق ذلك المسجد، وأنه يكره أن يكون للمسجد بيت غلة، ولو جعل فوق الحوانيت مسجدا وغلتها لرجل، قال: هذا لا بأس به، قيل
ـــــــ
مسألة – 6: قوله: ولا يبني مسجدا ضرارا يعني لمسجد آخر لقربه وإن لم يقصد الضرار ولا حاجة إليه فروايتان، رواية محمد بن موسى: لا يبني، واختاره شيخنا وأنه يجب هدمها، وقال فيما بنى جوار جامع بني أمية، وظاهر رواية صالح: يبني. انتهى، الصحيح ما اختاره الشيخ تقي الدين، والله أعلم.
تنبيه: ليس في باب العذر في ترك الجمعة والجماعة وباب صلاة المرضى شيء من المسائل التي فيها الخلاف المطلق.
فهذه ست مسائل قد صححت ولله الحمد.

(3/57)


له: فتختار الصلاة في غيره؟ قال: لا، ويكره تطوعه موضع المكتوبة بلا حاجة، نص عليه "و هـ م" وقيل: تركه أولى كالمأموم.
ـــــــ
...............................

(3/58)


ويكره للمأموم الوقوف بين السواري، قال أحمد: لأنها تقطع الصف قال بعضهم: فتكون سارية عرضها مقام ثلاثة بلا حاجة ويتوجه أكثر، أو العرف، ومثله نظائره ولهذا لما جزم القاضي بأنه يرجع في العمل في الصلاة إلى العرف، وبحث مع الشافعية في تقديرهم بثلاث خطوات قال: القدر الذي يخرج به من حد القلة ما زاد على الثلاث، ولهذا جعلوا خيار الشرط ثلاثا، وقالوا: الثلاث آخر حد القلة، وفي هذا الموضع جعلوا الثلاث في حد الكثرة، وما دون الثلاث في حد القلة، وهذا خلاف الأصول وعنه: "لا" يكره "و" كالإمام، ويكره اتخاذ غير إمام مكانا بالمسجد لا يصلي فرضه إلا به. ويباح ذلك في النفل، جمعا بين الخبرين1.
واختار صاحب الرعاية: يكره دوامه بموضع منه، وقال المروذي: كان أحمد لا يوطن الأماكن ويكره إيطانها. وظاهره: ولو كانت فاضلة "ش" ويتوجه احتمال، وهو ظاهر ما سبق من تحري نقرة الإمام؛ لأن عتبان2 لما
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الخبر الأول: هو ما تقدم من حديث المغيرة بن شعبة، والخبر الثاني هو خبر سلمة بن الأكوع الآتي في الصفحة التالية.
2 هو: عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري، السالمي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: شهد بدرا، كان ضرير البصر، ثم عمي بعد. مات في خلافة معاوية. "تهذيب الكمال" 19/296. والحديث أخرجه البخاري "424" ومسلم "33" "54".

(3/59)


لم يستطع، المسجد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في مكان في بيته ليصلي فيه وللبخاري1: اتخذه مسجدا.
ولأن سلمة2 كان يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى الصلاة عندها، متفق عليه3. ونهيه عليه السلام عن إيطان المكان كإيطان البعير4، فيه تميم ابن محمود، وهو مجهول، وقال البخاري5: في إسناد حديثه نظر. ثم يحمل على مكان مفضول، أو لخوف رياء ونحوه، وظاهره أيضا: ولو كان6 لحاجة، كاستماع حديث، وتدريس، وإفتاء، ونحوه، ويتوجه: لا، وذكره بعضهم اتفاقا لأنه يقصد.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في صحيحه "840".
2 هو: أبو مسلم بن عمرو بن الأكوع، المدني. شهد بيعة الرضوان تحت الشجرة. "ت 74 هـ" بالمدينة. "تهذيب الكمال" 11/301.
3 البخاري "502"، ومسلم "509" "263". ومكان المصحف هو: المكان الذي وضع فيه صندوق المصحف في المسجد النبوي الشريف، وذاك المصحف هو الذي سمي إماما من عهد عثمان رضي الله عنه، وكان في ذلك المكان أسطوانة تعرف بأسطوانة المهاجرين، وكانت متوسطة في الروضة الشريف.
4 أخرجه أحمد في "مسنده" "15532"، وابن ماجه "1429"، من حديث عبد الرحمن بن شبل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ثلاث: عن نقرة الغراب، وعن افتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام كما يوطن البعير.
5 نقله في "ميزان الاعتدال" 1/360.
6 ليست في "ط".

(3/60)


باب العذر في ترك الجمعة والجماعة
باب العذر في ترك الجمعة والجماعة
...
باب العذر في ترك الجمعة والجماعة
يعذر فيهما بمرض، وبخوف حدوثه، وإن لم يتضرر بإتيانها راكبا، أو محمولا، أو تبرع أحد به، أو بأن يقود أعمى لزمته الجمعة، وقيل: لا، كالجماعة، نقل المروذي في الجمعة: يكتري ويركب، وحمله القاضي على ضعف عقب المرض، فأما مع المرض فلا يلزمه لبقاء العذر. ونقل أبو داود فيمن يحضر الجمعة فيعجز عن الجماعة يومين من التعب، قال: لا أدري، وبمدافعة أحد الأخبثين.
وبحضرة طعام هو1 محتاج إليه، ويشبع، لخبر أنس في الصحيحين2، ولا يعجلن حتى يفرغ منه، وعنه: ما يسكن نفسه، وجزم به جماعة في الجمعة، وذكر ابن حامد، إن بدأ بالطعام ثم أقيمت الصلاة ابتدر إلى الصلاة، لحديث عمرو بن أمية إن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى الصلاة وهو يحتز من كتف شاة يأكل منها فقام وصلى متفق عليه3، كذا قال، ولعل مراده مع عدم الحاجة، وبخوفه على نفسه، أو ماله، ولو تعمد سبب المال،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "س" و"ط".
2 البخاري "672"، ومسلم "577" "64"، بلفظ: "ولا تعجلوا عن عشائكم" ، واللفظ الذي ساقه المؤلف هو من حديث ابن عمر، الذي رواه البخاري "673"، ومسلم "559" "66".
3 البخاري "208"، ومسلم "355" "92".

(3/61)


خلافا لابن عقيل في الجمعة، قال: كسائر الحيل لإسقاط العبادات، كذا أطلق، واستدل.
وعنه: إن خاف ظلما في ماله فليجعله وقاية لدينه، ذكره الخلال. أو ضائع يرجوه، أو معيشة يحتاجها، أو مال استؤجر على حفظه، وبخوف معسر حبسه، أو لزه1، أو تطويل إمام، أو موت قريبه، نص عليه. أو تمريضه، ونقل ابن منصور فيه: وليس له من يخدمه، وأنه لا يترك الجمعة.
وفي النصيحة: وليس له من2 يخدمه إلا أن يتضرر ولم يجد بدا من حضوره، أو رفيقه أو فوت رفقته، وبغلبة نعاس يخاف فوتها في الوقت، وكذا مع الإمام، وقيل: في الجماعة لا الجمعة، وقيل: لا، فيهما.
وذكر ابن الجوزي: يعذر فيهما: بخوفه نقض وضوئه بانتظاره، وبالتأذي بمطر، أو وحل "م"3 في الجمعة، وعنه: سفرا، وبريح باردة في ليلة مظلمة، ولم يذكر بعضهم: مظلمة، وقيل: ريح شديدة، وعنه: سفرا، وعنه: كلها عذر في سفر لا حضر، وعن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير زاد مسلم في يوم جمعة إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال: فعله من هو خير مني، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عمر مرفوعا أنه كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 لز به لزا، من باب قتل: لزمه. "المصباح": "لزز".
2 في "ط": "أن".
3 في "ط": "و".

(3/62)


أن يقول: ألا صلوا في رحالكم. ولم يقل ابن ماجه1: في السفر. متفق عليهما2، فدل على العمل بأيهما شاء، ويأتي كلام القاضي في الجمع وفي الفصول: يعذر في الجمعة بمطر وبرد وخوف وفتنة، كذا قال، ونقل أبو طالب: من قدر يذهب في المطر فهو له أفضل، وذكره أبو المعالي، ثم قال: لو قلنا: يسعى3 مع هذه الأعذار لأذهبت الخشوع، وجلبت السهو، فتركه أفضل، وقال: والزلزلة عذر؛ لأنها نوع خوف، وذكر صاحب المحرر وغيره أن التجلد على دفع النعاس ويصلي معهم أفضل، وأن الأفضل ترك ما يرجوه لا ما يخاف تلفه، وذكر بعضهم أن الرخص غير الجمع أفضل، ويأتي كلام ابن عقيل في الجمعة4، وظاهر كلام أبي المعالي: أن كل ما أذهب الخشوع كالحر المزعج عذر، ولهذا جعله أصحابنا كالبرد المؤلم في منع الحكم والإفتاء.
ويكره حضور المسجد لمن أكل بصلا أو فجلا ونحوه حتى يذهب ريحه، وعنه: يحرم، وقيل: فيه وجهان، وظاهره: ولو خلا المسجد من
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في سننه "937".
2 الأول: البخاري "901"، مسلم "669" "28"، الثاني: البخاري "632"، مسلم "697" "22".
3 في "ط": "ينبغي".
4 ص 194.

(3/63)


آدمي، لتأذي الملائكة، والمراد حضور الجماعة، ولو لم يكن بمسجد، ولو في غير صلاة، ولعله مراد قوله في الرعاية، وهو ظاهر في الفصول: تكره صلاة من أكل ذا رائحة كريهة مع بقائها، أراد دخول المسجد أو لا.
وفي "المغني1" في الأطعمة: "يكره" أكل "كل" ذي رائحة كريهة لأجل رائحته "منه" أراد دخول المسجد أو لا، وقال ابن البنا في أحكام المساجد: "باب ما تجنب المساجد ويمنع منه فيها لحرمتها". ومما ذكر خبر جابر2 المذكور لخبر أنس: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا" . ولخبر ابن عمر: "فلا يأتين المساجد" . متفق عليهما3، ولمسلم من حديث جابر: "فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" .
وفي "الصحيحين"4 أن عمر خطب الناس يوم الجمعة وقال عن البصل والثوم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع. وترك النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة في المسجد وقد أكل ثوما،
ـــــــ
1 13/351.
2 أخرجه البخاري "854"، ومسلم "564" "74".
3 خبر أنس أخرجه البخاري "856"، وسلم "562" "70"، وخبر ابن عمر أخرجه البخاري: "853"، ومسلم "561" "68".
4 لم أجده عند البخاري، وهو عند مسلم "567" "78".

(3/64)


وقال: إن لك عذرا حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود1، واحتج به الشيخ على أنه لا يحرم، وظاهره أنه لا يخرج، وأطلق غير واحد أنه يخرج منه مطلقا، وهو معنى كلام المالكية والشافعية وغيرهم، لكن إن حرم دخوله وجب إخراجه، وإلا استحب. وسأله أبو طالب: إذا شم الإمام ريح الثوم ينهاهم؟ قال: نعم، يقول: لا تؤذوا أهل المسجد بريح الثوم.
ونقل محمد بن يحيى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج رجل من المسجد شم منه ريح الثوم2. قال بعض الأطباء: يقطع الرائحة الكريهة من المأكول مضغ السذاب3 أو السعد4. ويتوجه مثله من به رائحة كريهة، ولهذا سأله جعفر بن محمد عن النفط يسرج به، قال لم أسمع فيه بشيء، ولكن يتأذى برائحته، ذكره ابن البنا في أحكام المساجد.
ويعذر من عليه قود إن رجا العفو، ولم يذكره جماعة، وقيل: ولو رجاه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد في "مسنده" "18176" و"18205"، وأبو داود "3826". لكن في قول المصنف: حديث صحيح، نظر؛ فإن رجاله وإن كانوا في بعض الطرق من رجال الشيخين، فإن الدارقطني رحمه الله، قد رجح إرساله، فقال في "العلل" 7/140: وكأن المرسل هو الأقوى، وبهذا يخرج عن حد الصحيح.
2 تقدم تخريجه آنفا، من حديث عمر بن الخطاب.
3 السذاب: جنس نباتات طيبة، من الفصيلة السذابية، له رائحة قوبة خاصة. "المعجم الوسيط": "السذاب".
4 السعد، بالضم وكحبارى: طيبة معروف، وفيه منفعة عجيبة في القروح التي عسر اندمالها. "القاموس": "سعد".

(3/65)


على مال، لا من عليه حد، أو "حد" قذف، ويتوجه فيه وجه إن رجا العفو. ولا يعذر بمنكر في طريقه، نص عليه؛ لأن المقصود لنفسه لا قضاء حق لغيره، قال في الفصول: كما لا يترك الصلاة على الجنازة لأجل ما يتبعها من نوح وتعداد في أصح الروايتين، كذا هنا، كذا قال، ولا بالجهل بالطريق إذا وجد من يهديه، وكذا بالعمى.
وقال في الفنون: الإسقاط به هو مقتضى النص، وفي الفصول: المرض والعمى مع عدم القائد لا يكون عذرا في حق المجاور في الجامع "والمجاور" له لعدم المشقة، قال في الخلاف وغيره: ويلزمه إن وجد ما يقوم مقام القائد، كمد الحبل إلى موضع الصلاة، قال في الفنون أيضا: ومعناه لغيره، ويصلي جمعة فيها دعاء لبغاة، وينكره بحسبه. سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــ
...............................

(3/66)


باب صلاة المريض
مدخل
...
باب صلاة المريض
يصلي قائما "ع" ولو معتمدا بشيء، وعند ابن عقيل: لا يلزمه اكتراء من يقيمه ويعتمد عليه، وإن شق لضرر أو تأخر برء فقاعدا "و" ويتربع "و م" ندبا "و" وقيل، وجوبا ويثني رجليه كمتنفل.
قال في نهاية أبي المعالي والرعاية: وإن قدر أن يرتفع إلى حد الركوع لزمه، وإلا ركع قاعدا، وعنه: إن أطال القراءة تربع، وإلا افترش، ولا يفترش مطلقا "هـ ر ق" وعنه: لا يقعد إلا إن عجز عن قيامه لدنياه. وأسقطه القاضي في كتابه "الأمر بالمعروف" بضرر1 متوهم، وأنه لو تحمل الصيام والقيام حتى ازداد مرضه أثم، وإن الأمر بالمعروف لا يسقط فرضه بالتوهم، فلو قيل له: لا تأمر على فلان بالمعروف فإنه يقتلك لم يسقط عنه لذلك2، يؤيد ما قاله: إن الأصحاب بل والإمام أحمد إنما اعتبروا الخوف وهو ضد الأمن، وقد قالوا: يصلي صلاة الخوف إذا لم يؤمن هجوم العدو، وذكر ابن عقيل في الإرشاد: إن من شرط الأمر بالمعروف أن يأمن على نفسه وماله خوف التلف، وكذا أحمد والأصحاب اعتبروا الخوف، والمسألة في الآداب الشرعية3.
ونقل عبد الله: إذا كان قيامه يوهنه ويضعفه أحب إلي أن يصلي قاعدا، وقال أبو المعالي: ويصلي شيخ كبير قاعدا إن أمكن معه الصوم.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في الأصل: "كذلك".
3 1/179 وما بعدها.

(3/67)


وإن شق قاعدا والمذهب: ولو بتعديه بضرب ساقه كتعديها بضرب بطنها فنفست كما سبق1 فعلى جنبه، والأيمن أفضل، وقيل: يلزمه وإن تركه قادرا وصلى على ظهره ورجلاه إلى القبلة كره ويصح، وعنه: لا، "و ش" ونقل صالح وابن منصور: يصلي على ما قدر وتيسر عليه، ونقل الأثرم وغيره: كيف شاء، كلاهما جائز، ولا يلزمه الاستلقاء أولا "هـ" ويلزمه الإيماء بركوعه وسجوده ما أمكنه، نص عليه "و" وقال أبو المعالي: وأقل ركوعه مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة، وتتمتها الكمال. وجعل سجوده أخفض، وإن سجد ما أمكنه على شيء رفعه كره وأجزأه2. نص عليهما، وعنه: يخير. وذكر ابن عقيل رواية: لا يجزئه، كيده. ولا بأس
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/396.
2 في "ط": "وصح".

(3/68)


بسجوده على وسادة ونحوها، وعنه: هو أولى من الإيماء، واحتج أحمد بفعل أم سلمة1، وابن عباس2، وغيرهما3.
قال: ونهى عنه ابن مسعود4، وابن عمر5. وإن عجز، أومأ6 بطرفه، ناويا، مستحضرا الفعل والقول إن7 عجز عنه بقلبه، كأسير عاجز لخوفه.
قال أحمد: لا بد من شيء مع عقله، وفي التبصرة: صلى بقلبه أو
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج عبد الرزاق في "المصنف" "4145"، وابن شيبة في "المصنف" 1/272، عن أم سلمة كانت تصلي على وسادة من رمد بعينيها.
2 أخرج عبد الرزاق في "المصنف" "4146"، وابن أبي شيبة في "المصنف" 1/271 - 272، عن أبي فزارة قال: سألت ابن عباس عن المريض يسجد على المرفقة الطاهرة، فقال: لا بأس به.
3 أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/272، عن أنس، أنه سجد على مرفقة.
4 أخرج عبد الرزاق "4144"، وابن أبي شيبة 1/274، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/308، عن علقمة والأسود أن ابن مسعود دخل على أخيه عتبة يعوده وهو مريض، فرأى مع أخيه مروحة يسجد عليها، فانتزعها منه عبد الله، وقال: اسجد على الأرض، فإن لم تستطع فأومئ إيماء.... الخ.
5 أخرج عبد الرزاق "4137" و"4138"، وابن أبي شيبة 1/272، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/306 – 307، عن عطاء قال: دخل ابن عمر على صفوان، فوجده يسجد على وسادة فنهاه، وقال: أومئ، واجعل السجود أخفض من الركوع.
6 في "ط": "أدى".
7 في الأصل: "وإن".

(3/69)


طرفه. وفي الخلاف: أومأ بعينيه، وحاجبيه، أو قلبه، وقاس على الإيماء برأسه، ولا يلزم عليه الإيماء بيديه، لأنه لا يمتنع أن يلزمه، وقد قال أحمد: يصلي مضطجعا ويومئ، قال: فأطلق وجوب الإيماء ولم يخصه ببعض الأعضاء1، وعلى أن الطرف من موضع الإيماء، واليدان لا مدخل لهما في الإيماء بحال.
وظاهر كلام جماعة: لا يلزمه الإيماء بطرفه، وهو متجه لعدم ثبوته، وإن كان القاضي قد احتج بما رواه زكريا الساجي2 بإسناده، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين عن الحسن بن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يصلي المريض قائما، فإن لم يستطع فجالسا، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يستطع فمستلقيا" وأومأ بطرفه3 ورواه الدارقطني4 وغيره عن علي بن أبي طالب مرفوعا، وليس فيه: وأومأ بطرفه. وإسناده ضعيف.
وكتحريك لسان عاجز وأولى؛ لأنه لازم للمأمور به. قال في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "الأعمال".
2 هو: أبو يحيى، زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الضبي البصري الشافعي، كان من أئمة الحديث له: "اختلاف العلماء" و"علل الحديث". "ت137هـ". "سير أعلام النبلاء". 14/197.
3 رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/307 – 308 دون قوله: وأومأ بطرفه.
4 في "سننه" 2/42 - 43.

(3/70)


"الفنون": الأحدب يجدد للركوع نية، لكونه لا يقدر عليه، كمريض لا يطيق الحركة يجدد لكل فعل وركن قصدا كفلك في العربية للواحد والجمع بالنية، وعنه: تسقط الصلاة. اختاره شيخنا "و هـ" لظاهر قوله عليه السلام لعمران: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب" . رواه أحمد والبخاري وغيرهما1، وفي لفظ: "فإن لم تستطع فمستلقيا" قال صاحب المحرر: رواه النسائي2، كذا قال، وروى الدارمي3، وأبو بكر النجاد وأبو حفص العكبري وغيرهم من رواية يحيى الحماني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعا يصلي المريض قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، فإن لم يستطع فمستلقيا، فإن لم يستطع فالله أولى بالعذر وإسناده ضعيف.
ومن صلى فذا أو غير قائم لعذر فهل يكمل ثوابه؟ سبقت في صلاة التطوع4 وأول صلاة الجماعة5، ومن ترك العبادة عجزا فهل يكمل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد في مسنده "19819"، والبخاري "1117"، وأبو داود "952"، والترمذي "372"، وابن ماجه "1223".
2 لم نجده عند النسائي.
3 لم نجده عند الدرامي، ولم يذكره الحافظ في "إتحاف المهرة".
4 2/399.
5 2/417.

(3/71)


ثوابه؟ يتوجه تخريجه على ذلك، وقد قال صاحب المحرر في أخبار فضل الجماعة على الفذ: لا يصح حملها على المنفرد لعذر؛ لأن الأخبار قد دلت على أن ما يفعله له1 لولا العذر2.
ثم ذكر خبر أبي موسى: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا3. وحديث أبي هريرة: من توضأ ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا رواه أحمد وأبو داود والنسائي4، والمراد والله أعلم: مثل أجر واحد ممن صلاها؛ لأن غايته كأحدهم، وكذا اختار ابن الجوزي في كشف المشكل في حديث من سأل الله الشهادة أن له أجر الشهيد. وروى مسلم5 من حديث أنس: من سأل الله الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه ومن حديث سهل بن حنيف6: من سأل الله الشهادة بصدق،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط": "يكتب له ثوابه".
3 أخرجه أحمد "19679" والبخاري "2996".
4 أحمد "8947"، وأبو داود "564"، والنسائي في "المجتبي" 2/111، "والكبرى" "928".
5 في "صحيحه" "1908" "156".
6 مسلم "1909" "157".

(3/72)


بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه وله أيضا من حديث أبي هريرة1: "من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل إثم من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئا" .
ومن حديث أبي مسعود الأنصاري2: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" . وعن زيد بن خالد مرفوعا: "من فطر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا" . رواه النسائي، وابن ماجه، والترمذي3 وصححه.
وعن أبي كبشة الأنماري مرفوعا مثل هذه الأمة مثل أربعة: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل في ماله بعلمه، ورجل آتاه الله علما فقال: لو كان لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمله، فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما، فهو يتخبط فيه لا يدري ما له مما عليه؛ ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فقال: لو كان لي مثل مال4 فلان لعملت فيه مثل عمل فلان، فهما في الإثم سواء إسناده جيد، رواه ابن ماجه والبيهقي5، واختاره ابن جرير6 الطبري في قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1]، إلى
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 مسلم في "صحيحه" "2674" "16".
2 مسلم في "صحيحه" "1893 "133".
3 النسائي في "الكبرى" "3330" و"3331"، وابن ماجه "1746" والترمذي "807".
4 في "ط": "مثل مال فلان".
5 ابن ماجه "4228"، والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/189.
6 في "التفسير" 30/248.

(3/73)


قوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6]، ورواه عن ابن عباس1، وكذا ذكره ابن الجوزي2 عنه. وعن إبراهيم النخعي3، وابن قتيبة4 إن المؤمن تكتب له طاعاته التي كان يعملها. ولم يذكر في ذلك خلافا، إنما ذكر الخلاف في المراد بالآية، وكذا ذكره غير واحد، واختاره القرطبي في شرح مسلم، وقال: لا ينبغي أن يختلف في ذلك، وقال في5 قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95] في المعذور قيل: يحتمل أن يكون أجره مساويا، وقيل: يعطى أجره بلا تضعيف فيفضله الغازي بالتضعيف، للمباشرة، قال: والأول أصح، واحتج بقوله: "اكتبوا له ما كان يعمل في الصحة" 6. وبحديث أبي كبشة7، وبقوله عليه السلام: "إن بالمدينة لرجالا، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم، حبسهم المرض" ، وفي رواية: "إلا شركوكم في الأجر" . رواه مسلم8 من حديث جابر، وروى البخاري9 من حديث أنس إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "التفسير" 30/246.
2 "زاد المسير" 9/172 – 173.
3 أخرجه الطبري في "التفسير" 30/246 – 247.
4 ذكره ابن الجوزي في "زاد الميسر" 9/173.
5 بعدها في "ط": "تفسير".
6 أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/230، من حديث عبد الله بن عمرو، بنحوه.
7 المتقدم في الصفحة السابقة.
8 في "صحيحه" "1911" "159".
9 في "صحيحه" "2839".

(3/74)


العذر ولم يجب القرطبي عن ظاهر الآية المذكورة، وقول ابن عباس1 فيها: إنه فضلهم على القاعدين من أولي الضرر بدرجة، وعلى غيرهم بدرجات، وقال بعض متأخري أصحابنا: هذا أولى من التأكيد والتكرار، وهو أيضا قول سعيد بن جبير2، ومقاتل، والسدي3، وابن جريج4، وغيرهم.
وقال قوم: التفضيل في الموضعين على القاعدين من غير ضرر، مبالغة، وبيانا، وتأكيدا، وهو قول أبي سليمان الدمشقي وغيره من الشافعية، كصاحب المحصول في تفسيره في الآية، واختاره المهدوي المالكي5، وذكر في شرح مسلم في المتخلف عن الجهاد لعذر: له شيء من الأجر لا كله مع قوله: من لم يصل قائما لعجزه ثوابه كثوابه قائما، لا ينقص باتفاق أصحابنا. ففرق بين من فعل العبادة على قصور، وبين من لم يفعل شيئا.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه الطبري في "التفسير" "10242".
2 أخرجه الطبري في "التفسير" "10244".
3 أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" "10247".
4 أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" "10252".
5 هو: أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم المهدوي، فقيه من أهل المهدية بالمغرب. له "الهداية". "ت 595 هـ". "الأعلام" 5/296.

(3/75)


وقال ابن حزم: إن التفضيل في هذا وفي صلاة الجماعة على الفذ وفي قوله: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95] إنما هو على المعذور، قال: وحديث: "ذهب أهل الدثور بالأجور" 1 يبين أن من فعل الخير ليس كمن عجز عنه، وليس من حج كمن عجز عن الحج، فإن ذكروا حديث: "من كان له حزب من الليل فنام عنه أو مرض، كتب له" 2. قلنا: لا ننكر تخصيص ما شاء الله تخصيصه بالنص، وإنما ننكره بالظن والرأي، كذا قال، ففرق بين العبادات، ومشى مع الظاهر، وروى أبو داود والنسائي3 عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام ونيته أن يقوم فنام كتب له ما نوى" . ولمن يقول بعدم المساواة أن يقول: المراد نية ما نوى، لا عمله من الليل، على ظاهره، يدل عليه ما روى أحمد ومسلم وأهل السنن4 عن عمر رضي الله عنه مرفوعا: "من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" .
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "1006" "53"، من حديث أبي ذر.
2 أورده ابن أبي حزم في المحلى 4/193.
3 أخرجه النسائي في "المجتبى" 3/258، "والكبرى" "1459"، وابن ماجه "1344"، من حديث أبي الدرداء، ولم نجده عند أبي داود، وانظر: "إرواء الغليل" 2/204.
4 أحمد "220"، ومسلم "747" "142"، أبو داود "1313"، والترمذي "581"، والنسائي في "المجتبي" 3/259، وابن ماجه "1343".

(3/76)


وقال شيخنا: من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه، كان له كأجر1 الفاعل. ثم احتج بحديث أبي كبشة، وحديث: "إن بالمدينة لرجالا" . وحديث: "إذا مرض العبد" . وحديث: "من دعا إلى هدى" 2. قال: وله نظائر، واحتج بها في مكان آخر، وبقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95] وقال أيضا عن حديث: "إذا مرض العبد" : هذا يقتضي أن من ترك الجماعة لمرض أو سفر وكان يعتادها كتب له أجر الجماعة، وإن لم يكن يعتادها لم يكتب له، وإن كان في الحالين إنما له بنفس الفعل صلاة منفرد، وكذلك المريض إذا صلى قاعدا أو مضطجعا، قال: ومن قصد الجماعة فلم يدركها كان له أجر من صلى في جماعة، وقال ابن هبيرة في قول معاذ لأبي موسى: "أما أنا فأنام ثم أقوم، فأقرأ، فأحتسب في نومتي، ما أحتسب في قومتي" . متفق عليه3.
قال: هذا يدل على أن العبد إذا نوى بالنوم القوة على القيام وإراحة بدنه للخدمة فإنه يكتب له من الثواب ما يكتب له في حال قيامه؛ لأنه يستريح ليدأب، وينام ليقوم، فكان حكمه كحكمه وقال وفي حديث: "ذهب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "مثل أجر".
2 تقدمت هذه الأحاديث ص 72 - 74.
3 البخاري "4341"، ومسلم "1733" "15".

(3/77)


أهل الدثور بالدرجات العلا" 1: كان من حسن فقه الفقراء أن يعلموا أن الله يكتب لهم مثل تسبيح الأغنياء؛ لأنهم أخذوه منهم فلهم ثواب من عمل به من الأغنياء وغيرهم، فلما لم يفقهوا، حتى جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له فأجابهم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" يشير إلى الفقه، فالفضل الذي ذكره هو فضل الآدمي في علمه وفقهه.
ـــــــ
1 تقدم ص 76.

(3/78)


فصل: وإن عجز عن ركوع وسجود
وأمكنه قيام قام وأومأ بركوعه قائما، وبسجوده جالسا، لا جالسا يومئ بهما "هـ" وبناه على أصله في أن القيام غير مقصود في نفسه، وإن قدر فيها على قيام أو قعود، لزمه وأتمها "و"2، فإن كان لم يقرأ قام فقرأ، وإلا قام وركع بلا قراءة، وإن أبطأ متثاقلا من أطاق القيام
ـــــــ
...............................
ـــــــ
2 ليست في "ط".

(3/78)


فعاد العجز، فإن كان في قعود من صلاته كتشهد صحت، وإلا بطلت صلاته وصلاة من خلفه ولو جهلوا، ذكره أبو المعالي وغيره، وظاهر "كلام" جماعة: في المأموم الخلاف، وهو أولى. ويبنى على إيماء "هـ" ويبني عاجز فيها "و" ولو طرأ عجز فأتم الفاتحة في انحطاطه أجزأ؛ لأنه أكمل من القعود، لا من صح فأتمها في ارتفاعه، ويتوجه من عدم الإجزاء بالتحريمة منحطا لا يجزئه، وقال صاحب المحرر: لا تجزئه التحريمة منحطا كقراءة المتنفل في انحطاطه. ومن قدر قائما منفردا وجالسا جماعة خير "و هـ ش" وقيل: جماعة أولى، وقيل: يلزمه قائما، وللمريض الصلاة مستلقيا "و هـ" بقول مسلم ثقة طبيب وسمي به لحذقه وفطنته وقيل بثقتين إنه ينفعه، وقيل: عن يقين، وقاس القاضي وغيره على الفطر لرجاء الصحة، ونص أحمد أنه يفطر بقول واحد: إن الصوم مما يمكن العلة. ومن أكره على الصلاة قاعدا فقد سبق أن الأسير الخائف يومئ1، وسبق آخر اجتناب النجاسة وحكم من خاف إن انتصب قائما2.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ص 69.
2 2/117.

(3/79)


باب صلاة المسافر
مدخل
...
باب صلاة المسافر
من ابتدأ سفرا مباحا "و م ش" والأصح: أو هو أكثر قصده، وقيل: أو نقل سفره المباح إلى محرم كالعكس، كتوبته، وقد بقي مسافة قصر في الأصح، وقال ابن الجوزي: أو لا، وعنه: مباحا غير نزهة ولا فرجة، اختاره أبو المعالي لأنه لهو بلا مصلحة، ولا حاجة، مع أنهم صرحوا بإباحته، وسبق في المسح كلام شيخنا أنه يكره1.
ونقل محمد بن العباس2: سفر طاعة، وهو ظاهر كلام ابن حامد "ناويا" "و" ومن له قصد صحيح، وإن لم يلزمه صلاة، كحائض وكافر ثم تطهر ويسلم وقد بقي دون المسافة قصر.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/202.
2 هو: أبو عبد الله، محمد بن العباس بن الفضل المؤدب الطويل، نقل عن الإمام احمد مسائل. "ت 290 هـ". "تاريخ بغداد" 3/115، "طبقات الحنابلة" 1/315.

(3/80)


وكذا من بلغ "هـ" خلافا لأبي المعالي، وأطلق بعضهم قولا فيمن كلف ناويا مسافة يومين أربعة برد قال أبو المعالي: تحديدا، وظاهر كلامهم: تقريبا، وهو أولى ستة عشر فرسخا "و م ش" والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية، وبأميال بني أمية ميلان ونصف، والميل اثنا عشر ألف قدم، ستة آلاف ذراع، أربع وعشرون أصبعا "*" متعرضة1 معتدلة برا أو بحرا "هـ"2 إلا ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل "هـ" فله قصر الرباعية خاصة "ع" ركعتين "ع"3 لا ثلاثا، فلو قام إليها عمدا أتم أربعا، إذا فارق خيام
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله "الميل.. ستة آلاف ذراع، أربعة وعشرون أصبعا" لعله: وهو أربع وعشرون4، أو: والذراع أربعة وعشرون.
ـــــــ
1 في "ط": "متعرضة".
2 في "ب" و"س" و"ط": "و".
3 في "ط": "و".
4 بعدها في "ص": "أصبعا".

(3/81)


قومه "و" أو بيوت بلده "و" العامرة، وقيل: والخراب، كما لو وليه عامر وقال أبو المعالي: أو جعل مزارع وبساتين يسكنه أهله ولو في فصل للنزهة، وقيل: إذا فارق سور بلده، وظاهر ما تقدم: ولو اتصل به بلد، واعتبر أبو المعالي انفصاله ولو بذراع، وكذا في كلام صاحب المحرر وغيره: لا يتصل، قال أبو المعالي وإن برزوا بمكان لقصد الاجتماع ثم1 ينشئون السفر منه فلا قصر، وظاهر كلامهم: يقصر، وهو متجه، ويعتبر في سكان2 القصور والبساتين مفارقة ما نسبوا إليه عرفا، واعتبر أبو الوفاء وأبو المعالي مفارقة من صعد جبلا3 المكان المحاذي لرءوس الحيطان، ومفارقة من هبط لأساسها؛ لأنه لما اعتبر مفارقة البيوت إذا كانت محاذية اعتبر هنا مفارقة سمتها. وعنه: يعيد من لم يبلغ المسافة، خلافا للجميع، واختار ابن أبي موسى وابن عقيل القصر ببلوغ المسافة، وإن لم ينوها، خلافا للجميع، كنية بلد بعينه يجهل مسافته ثم علمها يقصر بعد علمه، كجاهل بجواز القصر ابتداء، أو علمها ثم نوى إن وجد غريمه رجع، أو نوى إقامة ببلد دون مقصده بينه وبين بلد نيته4 الأولى دون المسافة5، قصر، لأن سبب الرخصة انعقد، فلا يتغير6 بالنية المعلقة حتى يوجد الشرط المغير7، وقيل: لا يقصر،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "س" و"ب": "ساكن".
3 في "ب": "حبلا".
4 في "س": نية".
5 في "ط": "مسافة القصر".
6 في "ط": "يعتبر".
7 في "ط": "المعتبر".

(3/82)


ولا يترخص في نفي وتغريب، إلا محرم المرأة يترخص.

(3/83)


فصل: ويقصر ويترخص مسافر مكرها،
كأسير على الأصح "ش" كامرأة وعبد "و" تبعا لزوج وسيد في نيته وسفره، وفيهما وجه في النوادر: لا قصر.
وذكر أبو المعالي: تعتبر نية من لها أن تمتنع، وقال: والجيش مع الأمير، والجندي مع أميره إن كان رزقهم في مال أنفسهم ففي أيهما تعتبر نيته؟ فيه وجهان، وإلا فكالأجير، والعبد للشريكين ترجح نية إقامة أحدهما، ومتى صار الأسير ببلدهم أتم في المنصوص تبعا لإقامتهم كسفرهم، ويقصر من حبس ظلما، أو حبسه مرض أو مطر ونحوه "و" ويحتمل أن يبطل حكم سفره لوجود صورة الإقامة،
ـــــــ
...............................

(3/83)


وقال في "المغني"1: الحجة من أباح القصر في كل سفر، لم يخالف إجماعا، واختاره شيخنا، وقال أيضا: إن حد فتحديده ببريد أجود، وقاله أيضا في سفر المعصية، وأن ابن عقيل رجحه فيه في بعض المواضع "م ش" كأكل الميتة فيه، في رواية اختارها في التلخيص، وهي أظهر "و" وكعاص في سفره "و" وظاهر كلامهم أن السفر المكروه يمنع الترخص، وصرح به أبو البركات ابن المنجى؛ لأنه منهي عنه2، وكذا "قال" ابن عقيل في السفر إلى المشاهد لا يترخص به؛ لأنه منهي عنه أشبه سفر المعصية.
وتأتي المسألة في الاعتكاف3، وقد بان بما سبق4 في المسح على العمامة الصماء أن الكراهة هل تمنع الترخيص؟ على وجهين "م 1"، وأطلق
ـــــــ
مسألة – 1: قوله: وقد بان بما سبق في المسح على العمامة الصماء أن الكراهة هل تمنع الترخص؟ على وجهين، انتهى.
منع جواز الرخص5 في السفر المكروه، صرح به ابن منجى في شرح المقنع، وقاله6 وابن عقيل في السفر إلى المشاهد، قال المصنف هنا: وهو ظاهر كلام الأصحاب قلت: الصواب الجواز، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، قال في الهداية والخلاصة وغيرهما: إذا سافر سفرا في غير معصية فله أن يقصر، فظاهر
ـــــــ
1 3/109.
2 ليست في "س".
3 5/170.
4 1/201.
5 في "ط": "الرخص".
6 ليست في "ط".

(3/84)


وقال في "المغني"1: الحجة من أباح القصر في كل سفر، لم يخالف إجماعا، واختاره شيخنا، وقال أيضا: إن حد فتحديده ببريد أجود، وقاله أيضا في سفر المعصية، وأن ابن عقيل رجحه فيه في بعض المواضع "م ش" كأكل الميتة فيه، في رواية اختارها في التلخيص، وهي أظهر "و" وكعاص في سفره "و" وظاهر كلامهم أن السفر المكروه يمنع الترخص، وصرح به أبو البركات ابن المنجى؛ لأنه منهي عنه2، وكذا "قال" ابن عقيل في السفر إلى المشاهد لا يترخص به؛ لأنه منهي عنه أشبه سفر المعصية.
وتأتي المسألة في الاعتكاف3، وقد بان بما سبق4 في المسح على العمامة الصماء أن الكراهة هل تمنع الترخيص؟ على وجهين "م 1"، وأطلق
ـــــــ
مسألة – 1: قوله: وقد بان بما سبق في المسح على العمامة الصماء أن الكراهة هل تمنع الترخص؟ على وجهين، انتهى.
منع جواز الرخص5 في السفر المكروه، صرح به ابن منجى في شرح المقنع، وقاله6 وابن عقيل في السفر إلى المشاهد، قال المصنف هنا: وهو ظاهر كلام الأصحاب قلت: الصواب الجواز، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، قال في الهداية والخلاصة وغيرهما: إذا سافر سفرا في غير معصية فله أن يقصر، فظاهر
ـــــــ
1 3/109.
2 ليست في "س".
3 5/170.
4 1/201.
5 في "ط": "الرخص".
6 ليست في "ط".

(3/85)


أصحابنا إباحة السفر للتجارة، ولعل المراد: غير مكاثر في الدنيا، وأنه يكره، وحرمه في المبهج.
قال ابن تميم: وفيه نظر، وللطبراني1 بإسناد حسن عن مكحول، عن أبي هريرة، مرفوعا ومن طلب الدنيا حلالا مكاثرا لقي الله وهو عليه غضبان مكحول لم يسمع من أبي هريرة، وأما سورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1] فتدل على التحريم لمن شغله عن عبادة واجبة، والتكاثر مظنة لذلك، أو محتمل، فيكره.
وقد قال ابن حزم: اتفقوا على أن الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله قبله مباح، ثم اختلفوا فمن كاره ومن غير كاره.
ـــــــ
كلامهم: جواز القصر في السفر المكروه. وقال ابن عبدوس في تذكرته: ويسن لمسافر لغير معصية، انتهى، وصححه ابن نصر الله في حواشيه، وكلام المصنف في باب المسح على الخفين2 يقوي هذا، ولكن أكثر الأصحاب منعوا من المسح على العمامة الصماء، والذي يظهر أن منعهم من جواز المسح عليها لعدم حصول المشقة بنزعها، لا لكونها مكروهة، ولو عللنا بالكراهة فقط لكان الصحيح جواز المسح عليها، وقد قال بالجواز الشيخ تقي الدين وغيره على ما تقدم.
ـــــــ
1 لم نجده في مطبوع معاجم الطبراني الثلاثة، وهو عند أبي نعيم في "الحلية" 3/110 و8/215، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" "10374" و"10375"، وأورده محمد طاهر الهندي في "تذكرة الموضوعات" ص 174.
2 1/197.

(3/86)


والقصر أفضل "و" والإتمام جائز "هـ" في المنصوص فيهما، وعنه: لا يعجبني الإتمام، وكرهه شيخنا، وهو أظهر، ويوتر ويركع سنة الفجر، ويخير في غيرهما "ش" في فعله، وعن الحنفية كقولنا وقوله، وعند شيخنا: يسن تركه غيرهما، قيل لأحمد: التطوع في السفر؟ قال: أرجو أن لا بأس، وأطلق أبو المعالي التخيير في النوافل والسنن، ونقل ابن هانئ: يتطوع أفضل، وجزم به في الفصول، والمستوعب، وغيرهما، واختاره شيخنا في غير الرواتب، ونقله بعضهم "ع".

(3/87)


فصل: تشترط نية القصر والعلم بها عند الإحرام
...
فصل: تشترط نية القصر1 "و ش" والعلم بها عند الإحرام
، وإن إمامه إذا مسافر "ولو" بأمارة وعلامة كهيئة لباس، لا أن إمامه نوى القصر، عملا بالظن؛ لأنه يتعذر العلم، ولو قال: إن قصر2 قصرت، وإن أتم3 أتممت،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "س": "قصرت".
3 في "س": أتممت".

(3/87)


لم يضر، ثم في قصره إن سبق إمامه الحدث قبل علمه بحاله وجهان، لتعارض أصل وظاهر "م 2"، وإن استخلف مقيما أتموا "هـ م" لأنهم باقتدائهم "به" التزموا حكم تحريمته؛ ولأن قدوم السفينة بلده1 يوجب الإتمام وإن لم يلتزمه، وإن استخلف مقيم مسافرا لم يكن معه قصر وحده.
واختار صاحب المحرر فيمن شك في نية القصر ثم علم بها أنه كمن شك هل أحرم بفرض أو نفل، واختار جماعة: يصح القصر بلا نية "و هـ م" والأشهر: ولو نوى الإتمام ابتداء "م" لأنه رخصة، فيخير مطلقا،
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: لم يضر، ثم في قصره إن سبق إمامه الحدث قبل علمه بحاله وجهان، لتعارض أصل وظاهر. انتهى.
وأطلقهما ابن تميم: أحدهما له القصر، وهو الصحيح، قدمه في "المغني"2، و"الشرح"3 قال في الرعاية الكبرى: ومن نوى القصر فأحدث إمامه المقيم قبل علمه بحاله، أو بان الإمام المقيم قبل السلام محدثا، فله القصر في الأصح، انتهى.
4"وليست عين المسألة، ولكنها تشبهها، وقيل قبل ذلك: وفي وجوب إتمام من علم حدث إمامه المقيم قبل سلامه وجهان، انتهى"4.
وقال ابن تميم: فإن غلب على ظنه أن إمامه مسافر بأمارة، أو علمه مسافرا، فله أن ينوي القصر، ثم يلزمه متابعة إمامه في القصر والإتمام، فإن سبق إمامه الحدث في هذه الحال، فخرج ولم يعلم المأموم، فله القصر في وجه، ويلزمه الإتمام في آخر، انتهى، وقال في الرعاية الصغرى: فإن جهل المؤتم حال إمامه تبعه، وإن علم أنه لم يرد الإتمام فتبعه ففي الصحة وجهان، انتهى.
ـــــــ
1 في "ب" و"ط": "بلده".
2 3/144.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/58.
4 "4 – 4" ليست في "ح".

(3/88)


كالصوم. ولو نوى القصر ثم رفضه ونوى الإتمام جاز "م"1 وأتم، لعدم افتقاره إلى التعيين، فبقيت النية مطلقة، ولو فعله عمدا مع بقاء نية قصره ففي الصحة وجهان "م 3". ومن عزم في صلاته على قطع الطريق أو تاب منه في صلاة أتم، ولو ذكر من قام إلى ثالثة سهوا قطع، فلو نوى الإتمام أتم، وأنى له بركعتين سوى ما سها به فإنه يلغو "هـ" ولو كان من سها إماما بمسافر تابعه "هـ م" إلا أن يعلم بسهوه فتبطل صلاته بمتابعته، كقيام مقيم إلى خامسة. ويتخرج منه: لا تبطل.
ومن نوى القصر فأتم سهوا ففرضه الركعتان "و" والزيادة سهو يسجد لها، وقيل: لا. ومن أوقع بعض صلاته مقيما كراكب سفينة أتم "و" وجعلها القاضي وغيره أصلا لما ذكر صلاة سفر في حضر، وقيل: إن نوى القصر مع علمه بإقامته في أثنائها صح، فعلى الأول: لو كان مسح فوق يوم
ـــــــ
مسألة – 3: قوله: ولو نوى القصر ثم رفضه ونوى الإتمام جاز. ولو فعله عمدا مع بقاء نية قصره ففي الصحة وجهان. انتهى.
وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان. قلت الصواب جوازه، وفعله عمدا دليل على بطلان نية القصر، ثم وجدت ابن نصر الله في حواشيه قال: وجه الصحة إلغاء نية القصر بفعل الإتمام، لأصالته، ووجه البطلان كون الثالثة والرابعة زيادة فعل عمدا، ومقتضى ذلك البطلان، انتهى. والأول أقوى، والله أعلم.
ـــــــ
1 في الأصل و"ط": "و".

(3/89)


وليلة بطلت في الأشهر، لبطلان الطهارة ببطلان المسح، ومن ذكر صلاة حضر في سفر "و" أو عكسه "و ق" أتم، نص عليهما وفي الثانية وجه، وحكى في الأولى اعتبارا بحالة أدائها كصلاة صحة في مرض.
ومن ائتم بمقيم اعتقده مسافرا أو لا وعنه في ركعة فأكثر "و م" أتم، فيتم من أدرك تشهد الجمعة، نص عليه، وعلى الثانية: يقصر، ويتوجه تخريج من صلاة الخوف: يقصر مطلقا، كما خرج بعضهم إيقاعها مرتين على صحة مفترض بمتنفل، وإن نوى مسافر القصر حيث يحرم عالما كمن نواه خلف مقيم عالما لم تنعقد، لنية ترك المتابعة ابتداء، كنية مقيم القصر، ونية مسافر وعبد الظهر، خلف إمام جمعة، نص عليه، وقيل: تنعقد؛ لأنه لا يعتبر للإتمام تعيينه بنية، فيتم تبعا كغير العالم، وإن صح القصر بلا نية قصر، وتتخرج الصحة في عبد لم تجب عليه. وإن نواها المسافر قصرا أتم.
ـــــــ
...............................

(3/90)


وقال أبو المعالي: يتجه أن تجزئه إن قلنا الجمعة ظهر مقصورة، قال أبو المعالي وغيره: وإن ائتم من يقصر الظهر بمسافر، أو مقيم يصلي الصبح، أتم.

(3/91)


فصل: وإن فسدت صلاة من لزمه الإتمام
ولو خلف مقيم "هـ" ولو فسدت قبل ركعة "م" فأعادها أتم، ولو بان الإمام محدثا أتم، ولو بان قبل السلام،
ـــــــ
...............................

(3/91)


فوجهان "م 4" قال أبو المعالي: إن بان محدثا مقيما معا قصر، وكذا إن بان حدثه أولا لا عكسه. ولو ائتم من جهل حدث نفسه بمقيم ثم علم قصر؛ لأنه باطل لا حكم له، ويتم من سافر بعد وجوبها عليه، وعنه: يقصر 1"و هـ ش" كما يقضي المريض"1 ما تركه في الصحة ناقصا، احتج به ابن عقيل2، وكما تجب الجمعة على عبد عتق بعد الزوال، وكالمسح، والفرق أن مدته غير مرتبطة، فلا يفسد المسح في أولها بفساده في آخرها، فاعتبر بحاله، بخلاف الصلاة.
وقيل: إن ضاق الوقت لم يقصر، وعنه: إن فعلها في وقتها قصر، اختاره ابن أبي موسى. وإن نسي صلاة سفر فذكر فيه قصر "و" وقيل:
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: وإن فسدت صلاة من لزمه الإتمام أتم ولو بان الإمام محدثا أتم، ولو بان قبل السلام فوجهان. انتهى، وأطلقهما في التلخيص والرعايتين، ومختصر ابن تميم، والحاويين، وغيرهم:
أحدهما يتم. قلت: وهو الصواب، أشبه ما لو بان بعد السلام.
والوجه الثاني: يقصر، 3"قال في الرعاية في موضع آخر: فله القصر في الأصح"3. \
ـــــــ
1 "1 - 1" في "س": كما يقصر المريض "و هـ ش".
2 بعدها في "ب": "و هـ ش".
3 "3 - 3" ليست في "ح".

(3/92)


لا؛ لأنه مختص بالأداء كالجمعة، ونقل المروذي ما يدل عليه.
قال1 صاحب المحرر: وكذا في سفر آخر "و" وقيل: يتم كذكره في إقامة متخللة، وقيل فيه: يقصر؛ لأنه لم يوجد ابتداء وجوبها فيه. وأخذ صاحب المحرر من تقييد هذه المسألة بناس.
ومما ذكره ابن أبي موسى في التي قبلها: يتم من تعمد تأخيرها بلا عذر حتى ضاق وقتها، عنها، وقاسه على السفر المحرم، وقاله الحلواني، فإنه اعتبر أن تفعل في وقتها، وقيل: يقصر "و" لعدم تحريم السبب، وذكر في "المغني"2
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "قاله"، والمثبت من "ط".
2 3/142.

(3/93)


الأول عن بعض أصحابنا كالجمعة، قال: وهو فاسد لم يرد به شرع.
وفي التعليق في وجوب الصلاة بأول الوقت: إن سافر بعد خروج وقتها لم يقصرها؛ لأنه مفرط، ولا تثبت الرخصة مع التفريط في المرخص فيه.

(3/94)


فصل: وإن نوى مسافر إقامة مطلقة
وقيل: بموضع يقام فيه، ذكره أبو المعالي "و هـ" أتم، وكذا إن نوى مدة فوق أربعة أيام، أو شك في نية المدة ذكره ابن عقيل المذهب، وصححه القاضي وغيره، وعنه: أو أربعة أيام "و م ش" وعنه: ثنتين وعشرين صلاة، اختاره الخرقي وأبو بكر وجماعة، وذكره في "الكافي"1 المذهب، وفي النصيحة: فوق ثلاثة أيام لا خمسة عشر يوما "هـ" بل في رستاق ينتقل فيه، نص عليه كقصره عليه السلام بمكة ومنى
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/452.

(3/94)


وعرفة عشرا1، وقيل: لا، وقائل هذا يمنع القصر بوصوله منتهى قصده خلافا للجميع، ويوم الدخول والخروج من المدة.
وعنه: لا "و م ش" واختار شيخنا وغيره: القصر والفطر وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن، كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة "و" لا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج البخاري "1081"، ومسلم "693" "15"، عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع. قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرا.

(3/95)


يعلم فراغ الحاجة قبل المدة، وقيل: ولا يظن.
قال ابن المنذر: للمسافر القصر ما لم يجمع إقامة، وإن أتى عليه سنون "ع" وفي التلخيص: إقامة الجيش الطويلة للغزو لا تمنع الترخص، لفعله عليه السلام 1"و هـ م ق" ولو نوى إقامة بشرط، فإن لم يوجد فلا كلام، وإن وجد ففسخ بعده بنية السفر، فعنه: كفسخه2 معه، إبطالا للنية بالنية، فيقصر من نيته.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 من ذلك ما رواه جابر بن عبد الله قال: أقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة. أخرجه أبو داود "1235".
2 في "ب": "بفسخه".

(3/96)


واختار الأكثر: يقصر إذا سافر، كما لو تمت مدة الإقامة "م 5" "م هـ ولو مر بوطنه أتم "و هـ م ق" وعنه: لا1، ولا حاجة فيه1، وإلا قصر، وكذا إن مر ببلد له فيه امرأة أو تزوج2، وعنه: أو أهل "خ" أو ماشية "خ" لأنه قول ابن عباس3 أو هما "و م" وقيل: أو مال، وفي "عمد الأدلة" لا منقول وقيل: إن كان به ولد أو والد أو دار قصر.
وفي أهل غيرهما ومال وجهان "*" ومن فارق وطنه بنية رجوعه بقرب
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: ولو نوى إقامة بشرط، فإن لم يوجد فلا كلام، وإن وجد ففسخ بعده بنية السفر فعنه1: كفسخه معه إبطالا للنية بالنية، فيقصر من نيته، واختار الأكثر: يقصر إذا سافر، كما لو1 تمت مدة الإقامة، انتهى. وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان في "رعايته الكبرى":
إحداهما: ويكون ذلك1 كفسخه معه إبطالا للنية بالنية، كما قال المصنف وغيره، فيقصر من نيته، قلت: وهو قوي.
والقول الثاني: يقصر إذا سافر، وهو الصحيح، وعليه جمهور الأصحاب، قال المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين والمصنف هنا: عليه أكثر الأصحاب.
"*" تنبيه: قوله: ولو مر بوطنه أتم وكذا إن مر ببلد له فيه امرأة أو تزوج، وعنه: أو أهل أو ماشية وقيل: أو مال، وفي "عمد الأدلة" لا منقول، وقيل: إن
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في الأصل: "بزوج".
3 وهو ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/455 عن ابن عباس أنه قال: إذا انتهيت إلى ماشيتك فأتمم.

(3/97)


لحاجة لم يترخص حتى يرجع ويفارقه "و" وكذا إن رجع لمروره به في طريق مقصده "ق" وعلى الرواية السابقة: هو كغيره، ولو لم ينو الرجوع بل بدا له لحاجة لم يترخص بعد نية عوده حتى يفارقه ثانية "و" وعنه. يترخص في عوده إليه لا فيه، كنية طارئة للإقامة بقرية قريبة منه. ومن رجع
ـــــــ
كان به ولد أو والد أو دار قصر، وفي أهل غيرهما ومال وجهان، انتهى. الظاهر أن هذين الوجهين المطلقين من تتمة الطريقة، وهي القول الأخير، لا أنهما وجهان مستأنفان مطلقان، هذه خمس مسائل في هذا الباب، والله أعلم.

(3/98)


إلى بلد1 أقام به إقامة مانعة ترخص مطلقا حتى فيه، نص عليه "و" لزوال نية إقامته، كعوده مختارا2، وقيل: كوطنه.
ويعتبر للسفر المبيح كونه منقطعا، فإن كان دائما كملاح بأهله دهره لم يترخص "خ". لتفويت رمضان بلا فائدة؛ لأنه يقضيه في السفر، وكما تعتد امرأته مكانها "و" كمقيم، ومثله مكار، وراع، وساع، وبريد، ونحوهم، نص عليه "خ" وقيل عنه: يترخص، اختاره الشيخ، قال: سواء كان معه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "بلده".
2 في "ط": "مختارا".

(3/99)


أهله أو لا، لأنه أشق، ولم يعتبر القاضي في موضع في ملاح وغيره أهله معه، فلا يترخص وحده، وهو خلاف منصوصه1.
ومن له القصر، فله الفطر ولا عكس؛ لأن المريض ونحوه لا مشقة عليه في الصلاة، بخلاف الصوم. وقد ينوي المسافر مسيرة يومين ويقطعها من الفجر إلى الزوال مثلا فيفطر وإن لم يقصر، أشار ابن عقيل إليه، لكنه لم يذكر الفطر، فقد يعايا بها، ولعل ظاهر ما سبق أن من قصر جمع؛ لكونه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل و"ب" و"ط": نصوصه".

(3/100)


في حكم المسافر، وظاهر ما ذكروه في باب الجمع: لا، وفي الخلاف في بحث المسألة إذا نوى إقامة أربعة أيام له الجمع لا ما زاد، وقيل له: فيما إذا لم يجمع إقامة لا يقصر؛ لأنه لا يجمع، فقال: لا نسلم هذا، بل له الجمع، وهل يمسح مسح مسافر من قصر؟ قال الأصحاب كالقاضي وغيره: هو مسافر ما لم يفسخ أو ينو الإقامة أو يتزوج أو يقدم على أهل.
واحتج القاضي على أن الجيش إذا أقام بدار الحرب مدة تزيد على أربعة أيام أتم بنص أحمد "رحمه الله" على ذلك، وبقوله في رواية عبد الله: المسح في دار الحرب وغيره واحد، للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة.
وقال الأصحاب منهم ابن عقيل: الأحكام المتعلقة بالسفر الطويل أربعة: القصر والجمع والمسح ثلاثا والفطر.
قال ابن عقيل: وإن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام صار مقيما، وخرج عن رخصة السفر. ويستبيح الرخص ولا يخرج عن حكم السفر إذا نوى ما دونها، وإن لم يعلم متى يخرج قصر ولو كان شهورا؛ لأنه ليس بمستوطن بل منزعج انزعاج السائرين فصار بمثابة السائر، وكذا ذكر ابن الجوزي
ـــــــ
...............................

(3/101)


وغيره أن السفر الطويل يستبيح "به" جميع الرخص، إلى أن قال في الملاح ونحوه: لا يستبيح من رخص السفر إلا التيمم وأكل الميتة، كذا قال. قال: وإن نوى إقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة "لم يترخص، وإن نوى إقامة إحدى وعشرين صلاة" فعلى روايتين، وإن لم ينو إقامة مدة معينة بل أقام لحاجته ترخص وإن طال الزمان.
وسأل إسحاق بن إبراهيم لأحمد: رجل سافر في رمضان إذا دخل مصرا يأكل؟ قال: يجتنب الأكل أحب إلي إلا أن يريد فيه إقامة، فإذا زاد على إقامة أربعة أيام وزيادة صام وأتم الصلاة، فدل على تساويهما. ولعل مراده باجتناب الأكل ظاهرا، واحتج صاحب المحرر فيمن نوى إقامة طويلة،
ـــــــ
...............................

(3/102)


في رستاق بما رواه الأثرم أن مورقا1 سأل ابن عمر فقال: إني تاجر أتنقل في قرى الأهواز2 فأقيم في القرية الشهر وأكثر، قال: تنوي الإقامة؟ قلت: لا، قال: لا أراك إلا مسافرا، صل صلاة مسافر. وكذا احتج في المغني3 وقال: لا يبطل حكم سفره، وهذه المسألة واضحة، وإنما ذكرت هذا لأمر اقتضى ذلك "والله أعلم".
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو المعتمر، مورق بن مشمرج العجلي البصري. تابعي، ثقة. توفي بعد المائة. "تهذيب الكمال" 29/16.
2 الأهواز: سبع كور بين البصرة وفارس. "معجم البلدان" 1/284.
3 3/155

(3/103)


باب الجمع بين الصلاتين
مدخل
...
باب الجمع بين الصلاتين
تركه أفضل، وعنه: فعله، اختاره أبو محمد1 بن الجوزي وغيره، كجمعي عرفة ومزدلفة، وعنه: التوقف، ويجوز بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، في سفر القصر "هـ" وقيل: والقصير "و م" وقيل: لا يجوز الجمع إلا لسائر، وعنه: لسائر وقت الأولى، فيؤخر إلى الثانية، اختاره الخرقي "و م" وقال ابن أبي موسى: الأظهر من مذهبه أن صفة الجمع فعل الأولى آخر وقتها والثانية أول وقتها.
ويجوز لمرضع، نص عليه، للمشقة بكثرة النجاسة، وفي الوسيلة رواية: لا "و" وقال أبو المعالي: هي كمريض.
ولعاجز عن الطهارة والتيمم لكل صلاة، وعن معرفة الوقت.
ويجوز لمريض2 على الأصح للمشقة "و م" 3"وزاد: يقدم"3 خوف الإغماء، واحتج أحمد بأنه أشد من السفر، وشرط بعضهم: إن جاز له ترك
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "بن".
2 في الأصل: "المريض".
3 "3 – 3" ليست في "ب".

(3/104)


القيام، واحتجم أحمد بعد الغروب1 ثم تعشى ثم جمع بينهما في وقت إحداهما، قال في الخلاف: يحتمل وجهين: أحدهما أنه كان مسافرا، ويحتمل أنه خاف إن أخر العشاء يمرض، لأجل الحجامة السابقة.
ويجوز لمطر وثلج، في المنصوص، وحكى المنع رواية "و هـ" يشق "و م ش".
وقيل: ولطل بين المغرب والعشاء ولو في وقت العشاء "ش" وعنه2: بين الظهر والعصر، اختاره جماعة "و ش" والأول أشهر.
ويجوز للوحل في الأصح "هـ ش" وقيل: على الأصح ليلا، وأطلق جماعة، وقاسه القاضي وغيره على الجمع لهما للوحل، مع أنه قال بعد
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "المغرب".
2 ليست في "س" و"ط".

(3/105)


هذا: الوحل عذر في الجمع، وذكر رواية أبي طالب المذكورة، قال: فقد جعله عذرا في إسقاط الجمعة، واحتج بخبر ابن عمر أنه أمر مناديه في ليلة باردة فنادى: الصلاة في الرحال1. وذكر الخبر، قال: فإذا جاز ترك الجماعة لأجل البرد، كان فيه تنبيها على الوحل "لأنه" ليس مشقة البرد بأعظم من الوحل، ويدل عليه خبر ابن عباس جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر2. ولا وجه له يحمل عليه إلا الوحل.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1060".
2 أخرجه مسلم "705" "54".

(3/106)


قال: وهو أولى من حمله على غير العذر والنسخ؛ لأنه يحمل على فائدة، وقيل: ليلا مع ظلمة "و م ر" ومثله ريح شديدة باردة "خ" وذكر أحمد للميموني أن ابن عمر كان يجمع في الليلة الباردة، وسبق كلام القاضي في المسألة قبلها1، وكلامهم لا يخالف ما2 إذا ظهر أن مشقة بعض سببين فأكثر من ذلك كمشقة سبب منها، أنه يجوز الجمع لعدم الفرق، وإن لم ينله مطر أو وحل أو ريح، أو ناله يسير، جمع في الأصح، ولو كان غير معتكف "م" وقيل: من خاف فوت مسجد أو جماعة جمع، وقدم أبو المعالي: يجمع الإمام، واحتج بفعله عليه السلام3. وقال4 بعضهم: والجمع5 في وقت الثانية أفضل، وقيل: في جمع السفر "و ش" وقيل: التقديم، وجزم به غير واحد في جمع المطر "و م" ونقله الأثرم، وإن 6"جمع في"6 السفر يؤخر،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أي: في الصفحة السابقة.
2 في "ط": "فيما".
3 تقدم تخرجه ص 106
4 في "ط": "وقال".
5 في "ب": "فالجمع".
6 "6 - 6" في "ب": "في الجمع".

(3/107)


وقيل: الأرفق به، واختاره شيخنا، وذكره ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه "م 1" وإن في جوازه للمطر في وقت الثانية وجهين؛ لأنا لا نثق بدوامه. ونقل ابن مشيش: يجمع في حضر لضرورة مثل مرض أو شغل "خ".
ـــــــ
مسألة - 1: قوله بعدما ذكر ما يجوز الجمع لأجله قال بعضهم: والجمع في وقت الثانية أفضل، وقيل: التقديم، وجزم به غير واحد في جمع المطر ونقله الأثرم، وإن جمع في السفر يؤخر، وقيل: الأرفق به، واختاره شيخنا، وذكره ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه، انتهى، ذكر المصنف عدة أقوال في محل الأفضلية، حيث قلنا بجواز الجمع فنقول: روي عن الإمام أحمد أن جمع التأخير أفضل مطلقا، وجزم به في المحرر والإفادات، ومجمع البحرين، والمنور، وتجريد العناية، وغيرهم، وقدمه في المستوعب والنظم، وحواشي المصنف على المقنع، وقال: ذكره جماعة، قال الشارح: لأنه أحوط، وفيه خروج من الخلاف وعمل بالأحاديث كلها، قال الزركشي: وعليه الأصحاب، يعني أن جمع التأخير أفضل، لكن ذكره في جمع السفر، وقال في روضة الفقه: الأفضل التأخير في جمع المطر، وقيل: جمع التأخير أفضل في السفر دون الحضر، وجزم 1"الهدية، والخلاصة، وتقدم كلام الزركشي. وقدم ابن تميم أن جمع التأخير في حق المسافر أفضل، وقال: نص عليه وجزم"1 بأن الأفضل في حق المريض فعل الأصلح له، وقدم أن 1"التقديم في جمع المطر ونحوه أفضل. انتهى. وقال الآمدي: إن كان سائرا،فالأفضل"1 التأخير وإن كان في المنزل فالأفضل التقديم، وقال في المذهب: الأفضل في حق من يريد الارتحال في وقت الأولى ولا يغلب على ظنه النزول في وقت الثانية أن يقدم الثانية، وفي غير هذه الحال الأفضل تأخير الأولى إلى وقت الثانية، انتهى. وقيل: جمع التقديم أفضل مطلقا، وقيل: جمع التقديم أفضل في جمع المطر، نقله الأثرم،
ـــــــ
1 "1 - 1" ليست في "ط".

(3/108)


قال القاضي: أراد1 ما يبيح ترك الجمعة والجماعة، قال صاحب المحرر: هذا من القاضي يدل على أن أعذارهما كلها تبيح الجمع، واحتج في الخلاف بأن الجماعة تسقط بالمطر، للخبر2، وإذا سقطت الجماعة للمشقة جاز الجمع بينهما لهذا المعنى، ونقل أبو طالب في المطر
ـــــــ
وجمع التأخير أفضل3 في غيره وجزم به في "الكافي"4، والحاويين، وقدمه في الرعايتين، وتقدم كلام ابن تميم. وقيل: يفعل الأرفق به مطلقا، اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: هو ظاهر المذهب المنصوص عن أحمد، وجزم به الشيخ في "المقنع"5، وصاحب الوجيز، وتذكرة ابن عبدوس، وشرح ابن منجى، وغيرهم "قلت": وهو الصواب، وقيل: يفعل المريض الأرفق به من التقديم والتأخير، وجزم به ابن تميم كما تقدم، وقاله صاحب الفائق، والشيخ الموفق، وزاد: فإن استويا عنده فالأفضل التأخير، وقال ابن رزين: ويفعل الأرفق إلا في جمع المطر فإن التقديم6 أفضل. انتهى.
تنبيه: إذا قلنا بأن يفعل الأرفق واستويا عنده، قال في "الكافي"7، وابن منجى في شرحه: الأفضل التأخير في المرض، وفي المطر التقديم، وتقدم كلام الشيخ أيضا في المريض، والله أعلم.
فهذه مسألة واحدة في هذا الباب.
ـــــــ
1 في "ط": "أو".
2 تقدم تخريجه ص 106.
3 1/462.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/98.
5 في "ط": "التفصيل".
6 1/461.
7 1/393.

(3/109)


يكون يوم الجمعة بالغداة فيصير طينا ثم ينقطع وقت الذهاب فقال: من قدر أن يذهب فهو أفضل، وإن لم يقدر لم يذهب، قال: فقد جعل ذلك عذرا في إسقاط الجمعة، فعلى قياسه يكون عذرا في الجمع، ويتوجه مراده غير غلبة نعاس.
وقال صاحب المحرر و1 صاحب "النظم": الخوف يبيح الجمع في ظاهر كلام أحمد، كالمرض ونحوه، وأولى، لمفهوم قول ابن عباس: من غير خوف ولا مطر2. وبه تمسك إمامنا في الجمع للمطر، واختار شيخنا الجمع لتحصيل الجماعة،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب" و"س" و"ط": "أو".
2 تقدم ص 106.

(3/110)


وللصلاة في حمام مع جوازها فيه خوف فوت الوقت.
ولخوف تحرج في تركه، أي مشقة، وفي "الصحيحين"1 في خبر ابن عباس أنه سئل: لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج2 أحدا من أمته3. فلم يعلله بمرض ولا غيره وحمل على آخر الوقت وأوله، وعلى المشقة،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه مسلم بهذا اللفظ، ولم أجده في البخاري، ولم يرقم له المزي، في "تحفة الأشراف" 4/441، ونص ابن حجر في "التلخيص الحبير" أن هذا اللفظ لمسلم 2/50.
2 في الأصل: "لا يخرج".
3 في النسخ الخطية: "الأمة"، والمثبت من "ط".

(3/111)


ومثل1 صاحب المحرر بالضعيف للكبر، وأجاب القاضي وغيره: بأنه يجوز أن يكون في ابتداء الأمر ثم نسخ.
قال: وقد أومأ إليه في رواية صالح، وقد قيل له عنه فقال: قد جاءت الأحاديث بتحديد المواقيت، وسبق كلامه في الجمع، للوحل2.
ـــــــ
1 في الأصل: "ومثله".
2 ص 106.
3 بعدها في "س": "في".
4 "4 - 4" ليست في "س".
5 3/138.

(3/112)


فصل:تشترط النية للجمع في الأشهر
"و م ش" قال القاضي وغيره: هو المذهب، فإن جمع3 وقت الأولى اشترطت عند إحرامها، وقيل: أو قبل 4"فراغها، وقيل"4: أو إحرام الثانية "و م ر" وجزم في الترغيب: وإحرام الثانية، وقيل: هو فقط، وتقديمها على الثانية مطلقا "و".
والموالاة إلا بقدر إقامة ووضوء "و م ش" قال جماعة: وذكر يسير كتكبير عيد، وعنه: أو سنة، وفي الانتصار: يجوز تنفله بينهما، نقل أبو طالب: لا بأس أن يتطوع بينهما، واختار في "المغني"5، وغيره العرف، وفي الخلاف رواية أبي طالب تدل على صحة الجمع وإن لم تحصل الموالاة، واعتبر في الفصول الموالاة، قال: ومعناها أن لا يفصل بينهما بصلاة، ولا كلام، لئلا يزول معنى الاسم وهو الجمع، وقال: إن سبقه
ـــــــ
...............................

(3/112)


الحدث في الثانية، وقلنا تبطل "به" فتوضأ أو اغتسل ولم يطل ففي بطلان جمعه احتمالان، واختار شيخنا لا موالاة، وأخذه من رواية أبي طالب والمروذي: للمسافر أن يصلي العشاء قبل مغيب الشفق، وعلله أحمد بأنه يجوز له الجمع، ومن نصه في جمع المطر: إذا صلى إحداهما في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس، ويشترط وجود العذر عند إحرامهما1، والأشهر: وسلام الأولى، وقيل: يعتبر دوامه فيها وإن انقطع السفر في الأولى فلا جمع، وتصح ويتمها، وكذا بعدها، وكذا في الثانية2، كالقصر فيتمها نفلا، وقيل: تبطل، وقيل: لا يبطل الجمع، كانقطاع مطر في الأشهر، والفرق ظاهر أن نتيجته وحل فيتبعه، وهما سواء في المعنى بخلاف من جمع لسفر فزال وثم مطر أو مرض يبطل جمعه، وذكر أبو المعالي احتمالا: يبطل3 الجمع بعد الثانية، ومريض كمسافر.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل و"س": "إحرامها".
2 بعدها في "س": "و".
3 في الأصل: "لا يبطل".

(3/113)


فصل: وإن جمع وقت الثانية اشترطت نية الجمع
قبل أن يبقى من وقت الأولى بقدرها، لفوت فائدة الجمع، وهي التخفيف بالمقارنة بينهما، قاله1 صاحب المحرر وغيره، وذكر الأكثر: ما لم يضق عن فعلها، لتحريم التأخير إذن "و ش" وقيل: أو قدر تكبيرة أو ركعة.
ووجود العذر إلى وقت الثانية.
والترتيب "ش" لأن عليهما أمارة، وهي اجتماع الجماعة؛ ولأن الثانية تبع للأولة؛ فما لم يوجد2 المتبوع لا يثبت حكم التبع؛ ولأنها إنما يجوز فعلها بصلاة الأولى، فقد صلاها قبل وقتها فلا يصح، بخلاف الفوائت في ذلك، ذكره القاضي وغيره، وقيل: يسقط بالنسيان "و هـ" لأن أحدهما هنا تبع لاستقرارهما، كالفوائت، ويتوجه منها تخريج يسقط مطلقا، وقيل: "وضيق" وقت الثانية كفائتة مع مؤداة، وإن كان الوقت لهما أداء.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "قال".
2 بعدها في "ط": "حكم".

(3/114)


وقيل: والموالاة، فيأثم بالتأخير، وقدم أبو المعالي: لا. ولا يقصرها لأنها قضاء.
وإن تعدد1 إمام أو مأموم، أو نواه المعذور منهما، أو صلى الأولى وحده ثم الثانية إماما أو مأموما، صح في الأشهر.
وله الوتر قبل مغيب الشفق "م".
وصلاة عرفة ومزدلفة كغيرهما، نص عليه: اختاره الأكثر "و ش" واختار أبو الخطاب في عباداته وشيخنا: الجمع والقصر مطلقا "و م" والأشهر عن أحمد: الجمع فقط، اختاره الشيخ "و هـ".
ولامتناع القصر للمكي، قال أحمد: ليس ينبغي أن يولى أحد منهم الموسم النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم وأبو بكر وعمر وعثمان من المدينة وقال عطاء: من السنة أن لا يولى أحد منهم.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "تعذر".

(3/115)


باب صلاة الخوف
مدخل
...
باب صلاة الخوف
تجوز "و"1 في قتال مباح "و" ولو حضرا "و" مع خوف هجم العدو، فإن كان في جهة القبلة لم يخف بعضهم ولم يخافوا كمينا صلى بهم صلاة عسفان2، فيصفهم خلفه صفين فأكثر، فيصلي بهم جميعا حتى يسجد، فيسجد معه "الصف" الأول، ويحرس الثاني حتى يقوم الإمام إلى الثانية فيسجد ويلحقه، وفي الخبر تأخر المتقدم وتقدم المتأخر3: فقيل: هو أولى للتسوية في فضيلة الموقف، ولقرب4 مواجهة العدو، وقيل: يجوز "م 1" وفي الركعة الثانية يحرس الساجد معه أولا، ثم يلحقه
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: فإن كان في جهة القبلة فيصفهم "خلفه" صفين "فأكثر" ويصلي بهم جميعا حتى يسجد، فيسجد معه الصف الأول، ويحرس الثاني حتى يقوم الإمام إلى الثانية فيسجد ويلحقه، وفي الخبر تأخر المتقدم وتقدم المتأخر فقيل: هو أولى للتسوية في فضيلة الموقف، ولقرب مواجهة العدو، وقيل: يجوز، انتهى:
القول الأول: هو الصحيح، جزم به في المغني5، والشرح6، ومختصر ابن تميم، والوجيز، وتذكرة ابن عبدوس، وغيرهم، وهو ظاهر ما جزم به في الكافي7، والهادي، وشرح ابن رزين، فإنهم ذكروا الصفة التي في الحديث، واقتصروا عليها.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 عسفان: على مرحلتين من مكة على طريق المدينة، وسميت عسفان لتعسف السيل فيها. "معجم البلدان" 4/121. وقوله: صلاة عسفان، يعني الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع.
3 وهو خبر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بعسفان. أخرجه أبو داود "1236"، والنسائي في "المجتبى" 3/177 - 178، من حديث أبي عياش الزرقي.
4 في الأصل: و"س": "والقرب".
5 3/298.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/118.
7 1/468.

(3/116)


في1 التشهد، فيسلم بجميعهم، وقال القاضي وأصحابه: يحرس الصف الأول أولا؛ لأنه أحوط، وإن حرس بعض الصف أو جعلهم صفا واحدا جاز، لا حراسة صف2 واحد في الركعتين.
ـــــــ
1 في الأصل: "ثم".
2 ليست في الأصل و"ب".

(3/117)


فصل: وإن كان العدو في غير جهة القبلة
...
ويتوجه فيهم هذا الخلاف، قال وتكون الصلاة معه مبنية على إمامة الفاسق "م 2".
وقيل: يشترط كون كل طائفة ثلاثة فأكثر، قيل: يكره أقل.
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: وإن كان العدو في غير جهة القبلة قسمهم طائفتين تكفي كل طائفة العدو فإن فرط الإمام في ذلك أو فيما فيه حظ لنا أثم، ويكون صغيرة، وهل يقدح في الصلاة إن قارن الصلاة؟ الأشبه لا يقدح؛ لأن النهي لا يختص بشرط الصلاة، وقيل: يفسق، وإن لم يتكرر، كالمودع والأمين والوصي إذا فرط في الأمانة، وذكر ذلك ابن عقيل وتكون الصلاة معه مبنية على إمامة الفاسق، انتهى. وأطلقهما ابن تميم فقال: فإن ترك الأمير ما فيه حظ المسلمين أثم، وهل يفسق بذلك قبل تكراره؟ على وجهين، انتهى. قال ابن عقيل في الفصول: وهذا لفظه: إن فعل ذلك عمدا كان عاصيا، ويحتمل أن يصير بذلك فاسقا، كالمودع والأمين والوصي إذا فرط، فتخرج صحة إمامته على الخلاف في صلاة الفاسق، ويحتمل أن يكون ذلك صغيرة لا توجب بمجردها الفسق حتى يشفعها بأمثالها، وهل يقدح ذلك في الصلاة لكونها معصية قارنت الصلاة؟ الأشبه أنها 1"لا تقدح، وعلله، انتهى، واقتصار المصنف على كلام ابن عقيل يقوي ما قال إنه الأشبه"1، والله أعلم.
قلت: الصواب أنه يفسق، وارتكاب ما فعله يدل على أمر عظيم، والذي يظهر أن هذا ليس من الخلاف المطلق الذي اصطلح عليه المصنف، والله أعلم.
ـــــــ
1 "1 - 1" في "ط".

(3/11)


فصل: لو صلى كخبر ابن عمر1
بطائفة ركعة ومضت "*"، 2"ثم بالثانية ركعة ومضت"2، وسلم ثم أتت الأولى فأتمت الصلاة بقراءة وقيل: أو "لا" لأنها مؤتمة به حكما فلا تقرأ فيما تقضيه كمن زحم أو نام حتى سلم إمامه، ونصه خلافه، ثم أتت الثانية فأتمت بقراءة أجزأ "ق"3، وهو أحد قولي الشافعي وليست المختارة "هـ" وعنده: يفعل ولو كان العدو بجهة القبلة، ولو قضت الثانية ركعتها وقت فارقت إمامها وسلمت، ثم مضت وأتت الأولى فأتمت كخبر ابن مسعود4، صح، وهو5 أولى، قاله بعضهم.
ـــــــ
"*" الثاني: قوله: في فصل، ولو صلى كخبر ابن عمر. فلا تقرأ فيما تقضيه من زحم قال ابن نصر الله: لعله: كمن زحم، وأجراه شيخنا على ظاهره، والأول أولى.
ـــــــ
1 الذي أخرجه البخاري "942"، ومسلم "39" "305" وفيه: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخزف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم، مقبلين على العدو، وجاء أولئك، ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة. واللفظ لمسلم.
2 "2 - 2" ليست في الأصل.
3 في "ط": "وهو أحد قولي الشافعي".
4 رواه أبو داود "1244"، بلفظ: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف – فقاموا صفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم - ركعة، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء العدو، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا، فقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة وسلموا.
5 في "س": "وهذا".

(3/124)


ولو صلى كخبر أبي بكرة1، بكل طائفة صلاة2 وسلم بها صح، وبناه القاضي وغيره على اقتداء المفترض بالمتنفل، ونصه التفرقة، ولما منع القاضي وغيره مفترضا خلف متنفل قال: يحتمل أنه عليه السلام فعله في الوقت الذي كان يعاد فيه الفرض في يوم مرتين، فصلاته في حال اقتداء
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1248"، والنسائي في "المجتبى" 3/179، ونصه: صلى صلاة الخزف بالذين خلفه ركعتين، والذين جاؤوا بعد ركعتين، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، ولهؤلاء ركعتين ركعتين، واللفظ للنسائي.
2 ليست في الأصل.

(3/125)


المفترض1 به مؤداة بنية الفرض، وإنما كانت تصير نفلا بعد إعادتها، 2"وذلك لا يغير"2 حكم صلاة المأموم. كمعذور لا تلزمه الجمعة أم مثله في الظهر ثم شهد الإمام الجمعة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب" و"س": "الفرض".
2 "2 - 2" في "س": "وذلك لا يعلم لغير".

(3/126)


ولو صلى بهم الرباعية الجائز قصرها تامة، بكل طائفة ركعتين بلا قضاء، فتكون له تامة، ولهم مقصورة، فنصه: تصح، لخبر جابر1، ومنعه صاحب المحرر، لاحتمال سلامه فتكون الصفة قبلها.
ولو قصرها وصلى بكل طائفة ركعة بلا قضاء كصلاته عليه السلام في خبر ابن عباس2 وحذيفة3 وزيد بن ثابت4، وغيرهم، صح في ظاهر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 117.
2 رواه النسائي في "المجتبى" 3/169: بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد، وصف الناس خلفه صفين، صفا خلفه وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.
3 رواه أبو داود "1246" والنسائي في "المجتبى" 3/168، من حديث ثعلبة بن زهدم قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان.... فقام حذيفة فصف الناس خلفه صفين، صفا خلفه وصفا موازي العدو، فصلى بالذي خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.
4 رواه النسائي في "المجتبى" 3/168 مثل صلاة حذيفة.

(3/127)


كلامه، فإنه قال: ما يروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها صحاح1. ابن عباس يقول ركعة ركعة إلا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، وللقوم "ركعة" ركعة، ولم ينص على خلافه، وللخوف والسفر، و2 منعه الأكثر "و"2.
ـــــــ
1 بعدها في الأصل "عن".
2 ليست في الأصل.

(3/128)


فصل: وإن صلى صلاة الخوف
ولا خوف بطلت وقيل: لا صلاة إمام، والمراد على3 خبر أبي بكرة.
ويصلي الجمعة في الخوف حضرا بشرط كون الطائفة أربعين، فيصلي بطائفة ركعة بعد حضورها الخطبة، فإن4 أحرم بالتي لم تحضرها لم تصح، وتقضي كل طائفة ركعة بلا جهر، ويتوجه تبطل إن بقي منفردا بعد ذهاب الطائفة كما لو نقص5 العدد، وقيل: يجوز هنا للعذر؛ ولأنه مرتقب الطائفة الثانية.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
3 بعدها في النسخ الخطية: "غير".
4 في الأصل: "فإنه".
5 في "س": "انقض"، وفي "ب": "انقص".

(3/128)


قال أبو المعالي: وإن صلاها كخبر ابن عمر1، جاز، قال: ويصل الاستسقاء ضرورة، كالمكتوبة، والكسوف، والعيد آكد منه.
ويستحب حمل سلاح خفيف، واختار جماعة يجب "و م ش" ولا يشترط "و" ويتوجه فيه تخريج واحتمال.
وفي المنتخب: هل يستحب؟ فيه روايتان: نقل ابن هانئ2: لا بأس، وذكر جماعة منهم ابن عقيل: أن حمله في غير الخوف محظور، فهو أمر بعد حظر، وهو للإباحة، كذا قالوا مع قولهم: يستحب، وقاله القاضي "أيضا" وقال أيضا عن رفع الجناح عنهم: رفع الكراهة عنهم؛ لأنه مكروه في غير العذر وظاهر كلام الأكثر: لا يكره في غير العذر، وهو أظهر.
ويكره ما يثقله أو يمنع إكمالها أو يضر غيره، وذكر في الفصول: يكره ما يمنعه استيفاء الأركان، ومراده على الكمال، قال: إلا في حرب مباح، كذا قال، ولم يستثن في مكان آخر.
ـــــــ
1 تقدم ص 124.
2 بعدها في "س": "و".

(3/129)


ويحمل نجسا لحاجة، وفي الإعادة روايتان "م 4".
ـــــــ
4 ليست في "ط".

(3/130)


فصل: يجوز فعل الصلاة حال المسايفة
أو الهرب المباح كظن سبع ونحوه أو غريم ظالم، أو خوفه على نفسه أو أهله أو ماله أو ذبه عنه، وعلى الأصح أو عن غيره، وعنه: أو عن مال غيره راجلا وراكبا، إيماء إلى القبلة وغيرها، وجد ذلك قبل1 الصلاة أو فيها. ولو احتاج عملا كثيرا، وعنه له التأخير إذن ولا يجب "هـ" بخلاف، من هدد بالقتل ومنع منها فيجوز تأخيرها، قال القاضي وغيره: لأنه غير قادر وهذا قادر، وتنعقد الجماعة، نص عليه، للنصوص، فدل أنها تجب، وهو ظاهر ما احتجوا به، وقيل: لا يجب، وعند ابن حامد والشيخ: لا تنعقد "و هـ" ويعفى عن تقدم الإمام، كعمل كثير، وفي الفصول: يحتمل أن يعفى، ولم يذكر غيره، لكن يعتبر إمكان2 المتابعة، ويومئ بالسجود أخفض، ولا يجب سجوده، على
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: ويحمل نجسا لحاجة3، وفي الإعادة روايتان، انتهى قال في الرعاية الكبرى: قلت: يحتمل الإعادة وعدمها وجهين، انتهى، قلت: الصواب عدم الإعادة وهو ظاهر كلامه في الرعاية الصغرى، فإنه قال: لا يضر تلويث سلاحه بدم، وهي قريبة مما إذا تيمم في الحضر خوفا من البرد وصلى، فإن الصحيح لا4 يعيد كما تقدم، ولها نظائر كثيرة.
فهذه أربع مسائل في هذا الباب، فيها الخلاف مطلق.
ـــــــ
1 في "س": "أول".
2 في "س": "إنه مكان".
3 ليست في "ح".

(3/130)


دابته وله الكر والفر ونحوه لمصلحة ولا يزول الخوف إلا بانهزام الكل ولا تبطل بطوله "ش" ويتوجه من هذا: لو أكره على زيادة فعل "لم" تبطل به، ولهذا جزم القاضي بأن له التأخير لدفع1 الإكراه، لأنه غير قادر، بخلاف شدة2 الخوف، وسبق3 من كلام الشيخ وغيره في سجود السهو خلافه.
وقيل: إن كثر دفع عدو من سيل وسبع وسقوط جدار ونحوه أبطل، قال في الخلاف: على أنه لا يمتنع أن يلزمه الفعل، وإن لم يعتد به، كالمضي في الحج الفاسد، والدخول مع الإمام في حال السجود، كذا قال.
ولا يلزم الإحرام إلى القبلة، وعنه: يلزم قادرا، وذكر أبو بكر وابن عقيل رواية: وعاجزا، ولطالب عدو يخاف فوته الصلاة كذلك، وعنه: لا، صححه ابن عقيل "و" وكذا التيمم له.
ونقل أبو داود في القوم يخافون فوت الغارة فيؤخرون الصلاة4 حتى تطلع الشمس أو يصلون على دوابهم قال: "كل" أرجو، ومن أمن أو خاف في الصلاة انتقل وبنى "ش" في الثانية، ولا تبطل "هـ" ومن صلاها لظن عدو، فلم يكن، أعاد "و هـ م ق" لعدم المبيح، كما لو كان محدثا، وقيل: لا، وذكره ابن هبيرة رواية.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "كدفع".
2 ليست في "ط".
3 2/331.
4 ليست في الأصل.

(3/131)


وكذا إن كان وثم مانع، وقيل: إن خفي المانع وإلا أعاد، وإن بان يقصد غيره لم يعد في الأصح، لوجود سبب الخوف بوجود عدو يخاف هجمه، كما لا يعيد من خاف عدوا في تخلفه عن رفقته فصلاها ثم بان أمن الطريق، وعنه: من خاف كمينا أو مكيدة1 مكروها إن تركها صلاها وأعاد، وإن خاف هدم سور أو طم خندق إن صلاها آمنا فصلاة خائف، ما لم يعلم خلافه، ذكره القاضي، وقال ابن عقيل: يصلي آمنا ما لم يظن ذلك. 2"والله سبحانه أعلم"2.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 "2 - 2" ليست في "ط" و"س" و"ب".

(3/132)


باب صلاة الجمعة
مدخل
...
باب صلاة الجمعة
قال في "الفصول": سميت جمعة لجمعها الجماعات، وقيل: لجمع طين آدم فيها، وقيل: لأن آدم جمع فيها خلقه، رواه أحمد وغيره مرفوعا1. وقدم صاحب "المحرر" وغيره2: لجمعها الخلق الكثير.
وهي أفضل من الظهر، وهي صلاة مستقلة، لعدم انعقادها بنية الظهر وممن لا تجب عليه، ولجوازها قبل الزوال،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد "23718" بطوله، من حديث سلمان الفارسي مرفوعا وفيه: "هو الذي جمع الله فيه أباكم" . وأخرجه مختصرا النسائي في "الكبرى" "1665".
2 ليست في "س".

(3/133)


لا أكثر من ركعتين، قال أبو يعلى الصغير وغيره: ولا تجمع في محل يبيح الجمع.
وعنه: ظهر مقصورة، وفي الانتصار والواضح وغيرهما: هي الأصل والظهر بدل، زاد بعضهم: رخصة في حق من فاتته، وذكر أبو إسحاق وجهين: هل هي فرض الوقت أو الظهر "و هـ"1 لقدرته على الظهر بنفسه بلا شرط، ولهذا يقضي من فاتته ظهرا، وجزم في الخلاف وغيره بأنها فرض الوقت عند2 أحمد؛ لأنها المخاطب بها، والظهر بدل، وذكر كلام أبي إسحاق ويبدأ بالجمعة خوف فوتها، ويترك فجرا فائتة نص عليه "هـ"3 وقال في القصر: قد قيل: إن الجمعة تقضى ظهرا، ويدل عليه أنه قبل فواتها لا تجوز الظهر، وإذا فاتت الجمعة لزمت الظهر، قال: فدل أنها قضاء للجمعة.
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط": عن".
3 ليست في "س".

(3/134)


وهي فرض عين "و" على المسلمين الرجال "و" المكلفين "و" لا الخناثى، ولا تصح من كافر وزائل العقل، وفي نهاية الأزجي رواية: تلزم النساء، وإن لزمت المكتوبة صبيا لزمته، وقيل: لا1. عبدا، واختاره صاحب المحرر وغيره وقال: وهو كالإجماع، للخبر2، وإنما تلزم الأحرار، قال ابن عقيل وغيره: فما3 لا يجب شرعا لا يملك السيد إجباره عليه على وجه التعبد كالنوافل، وكذا قال أبو المعالي بن المنجى: الحقوق الشرعية تتعلق بخطاب الشارع لا بإذن السيد ولا بإجباره كالنوافل، فإن خالف وحضرها سقط فرض الظهر وأثم كالآبق، وقيل: تلزم المعتق بعضه في نوبته.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "عبد".
2 في سننه "1067".
3 في الأصل و"س": "فيما".

(3/135)


وعنه: تلزم العبد، اختاره أبو بكر خلافا لهم فيستحب أن يستأذن سيده: ويحرم منعه ويخالفه، وعنه: بإذن سيد "خ".
وإنما تلزم المستوطنين بنيانا معتادا ولو كان فراسخ، نقله الجماعة بحجر أو قصب ونحوه، متصلا أو1 متفرقا، يشمله اسم واحد، واعتبر أحمد في رواية ابن القاسم اجتماع المنازل في القرية، قاله القاضي، وقال أيضا: معناه متقاربة الاجتماع، وقيل له أيضا: لو كانت القرية متفرقة الأبنية والمنازل لم تقم بها الجمعة؟ فأجاب بأنه لم يجمعهم وطن، على أنا لا نعرف عن أصحابنا رواية في التفريق، والصحيح أنه إن كان التفريق متقاربا جاز إقامتها فيها، قال الأصحاب: لا ينتقلون عنه، أو قرية خرابا عزموا على إصلاحها والإقامة بها، فيصح في غير المصر "هـ" وربضه كهو، ولو مع فرجة بينهما "هـ" ولا تصح في غير المستوطنين بناء كبيوت الشعر والخراكي2.
وتجوز إقامتها بقرب بناء في صحراء بلا عذر، ويكون حكمه في هذا كالمصر، ويجوز للمسافر القصر والفطر فيه، ذكره القاضي وغيره،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "و".
2 الخراكي: جمع خركاه: وهي الخيمة الكبيرة. "معجم الألفاظ الفارسية المعربة". ص 53.

(3/136)


وقيل: بل في جامع "و م ش".
وفي الخلاف: إن كلام أحمد يحتمل الجواز ولو بعد، وإن الأشبه بتأويله المنع، كالعيد يجوز فيما قرب لا فيما بعد. قال ابن عقيل: وإذا أقيمت في صحراء استخلف من يصلي بالضعفة، وقدم الأزجي صحتها ووجوبها على المستوطنين بعمود "خ" أو خيام "خ" واختاره شيخنا، وهو متجه1. نقل أبو نصر2 العجلي: ليس على أهل البادية جمعة لأنهم يتنقلون قال بعضهم: فأسقطها عنهم، وعلل بأنهم غير مستوطنين، والأول المذهب، ولا يتم عدد من مكانين متقاربين، لعدم استيطان المتمم ولا يجوز تجميع أهل كامل في ناقص، وذكر صاحب المحرر: إلا أن يكون بينهما كبين البنيان ومصلى العيد، لعدم خروجهم عن حكم بقعتهم3، والأولى مع تتمة العدد تجميع كل قوم، وقيل: يلزم القرية قصد مصر بينهما فرسخ فأقل، وحكى رواية، ولا جمعة بمنى "هـ" كعرفة، نقل يعقوب: ليس بهما4
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "خلافا للجميع".
2 في "ط": "نصر".
3 ليست في "ب".
4 في "ط": "بها".

(3/137)


جمعة، إنما يصلي الظهر ولا يجهر، وقيل له في رواية أبي داود عن والي مكة يركب من منى فيجمع بهم، قال: لا إلا إذا كان "هو" بمكة.
والمقيم في قرية لا يبلغ عدد الجمعة، أو في الخيام ونحوها، والمسافر غير سفر قصر، لا تلزمهم إلا إذا كان فرسخا، نص عليه "و م" قال جماعة: تقريبا عن مكان الجمعة، وعنه: عن أطراف البلد "و م"1 فتلزمهم، وعنه: المعتبر إمكان2 سماع النداء "و ش" زاد بعضهم: غالبا من مكانها أو أطرافه، وذكر أبو الخطاب: أيهما وجد، وعنه3: بل إن سمعوه، وعنه: إن فعلوها ثم رجعوا ليومهم لزمهم4، ولو سمعته قرية من فوق فرسخ لعلو مكانها، أو لم يسمعه من دونه لجبل حائل أو انخفاضها، فعلى الخلاف، وحيث لزمهم لم تنعقد بهم لئلا يصير التابع أصلا، وفي
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "ش".
2 في "ط": "مكان".
3 في "ب": "عن".
4 في الأصل: "لزمتهم"، والمعنى: لزمهم السعي إلى الجمعة. ينظر: "المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف" 5/165.

(3/138)


صحة1 إمامتهم فيه وجهان، لوجوبها عليهم، وعدم انعقادها بهم "م 1". وكذا إن لزمت مسافرا أقام ما يمنع القصر ولم ينو استيطانا "م 2".
والأشهر: تلزمه، وعنه: لا جزم به في التخليص وغيره "خ" وتجزئ
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وفي صحة إمامتهم فيها وجهان، لوجوبها عليهم، وعدم انعقادها بهم، انتهى، يعني من وجبت عليه الجمعة بغيره، كمن هو مقيم بقرية لا يبلغ عددهم ما يشترط في الجمعة، أو كان مقيما في الخيام ونحوها، أو كان مسافرا دون مسافة قصر، و1 نحوهم وبقريتهم، في مسافة فرسخ فما دون من تجب عليه الجمعة، فصلى معهم. وأطلق الخلاف أيضا في المحرر، والرعايتين، وحواشي المصنف على المقنع، والفائق، وغيرهم، وأطلقه في مجمع البحرين في المقيم غير المستوطن:
أحدهما لا تصح إمامتهم، وهو الصحيح، وهو ظاهر كلام القاضي والشيخ في الكافي2، وفي المقنع3، في المسافر، وجزم به في الإفادات، وصححه في النظم.
والوجه الثاني: تصح إمامتهم فيها، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وأبي بكر، لأنهما عللا منع إمامة4 المسافر بأنها لا تجب عليه قاله في مجمع البحرين.
مسألة - 2: قوله: وكذا إن لزمت مسافرا أقام ما يمنع القصر ولم ينو استيطانا. انتهى، وذلك كمن أقام بمصر لعلم أو شغل ونحوه، وقد علمت الصحيح في المسألة التي قبلها، فكذا في هذه، وأطلق الخلاف في المحرر ومختصر ابن تميم والرعاية والفائق وغيرهم.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 1/478.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/173.
4 في "ص": "إقامة".

(3/139)


امرأة حضرتها تبعا "و" للمقيمين ولا تنعقد بها "و" ولا تؤم "و" فيهن وكذا مسافر له القصر، ويحتمل أن يلزمه تبعا للمقيمين "خلافا لهم" قاله شيخنا، وهو متجه، وذكر بعضهم وجها، وحكى رواية تلزمه بحضورها "خ" في وقتها ما لم ينضر بالانتظار، وتنعقد به2، "و هـ م ر" ويؤم فيها "م ر" كمن سقطت عنه تخفيفا لعذر مرض وخوف ونحوهما "و" لزوال ضرره، فهو كمسافر يقدم فلو دام ضرره، كخائف على ماله وحاقن، جاز انصرافه لدفع ضرره خاصة، فلو صلى بقي الوجوب لعدم المسقط، وهو اشتغاله بدفع ضرره، بخلاف المسافر، لبقاء سفره، وهو المسقط.
وإن لزمت عبدا انعقدت به وأم وإلا فلا على الأصح فيهما، وليس كمسافر "خ" ومميز كعبد "خ"3 ومن لم تجب عليه لمرض أو سفر، أو اختلف في وجوبها كعبد، فهي أفضل في حقه، ذكره ابن عقيل وغيره، قال: وكره قوم التجميع للظهر يوم الجمعة في حق أهل العذر لئلا يضاهي بها جمعة أخرى، احتراما للجمعة المشروعة في يومها. لا كامرأة "و".
ـــــــ
...............................

(3/140)


فصل: من لزمته الجمعة فصلى الظهر شاكا
هل صلى الإمام الجمعة؟ لم تصح "ر ش" كشكه في دخول الوقت، لأنها فرض الوقت، للأخبار1، والمسألة مبنية عليه، قاله ابن عقيل وغيره؛ ولأن الجمعة لا تتعذر في حقه إلا بسلام الإمام، لاحتمال بطلانها فيستأنفها، فتقع ظهرا هذا قبله، وقيل: إن أمكنه إدراكها وإلا صحت "و م" وسبق وجه أن فرض الوقت الظهر، فتصح مطلقا "و هـ" وقديم2 قولي الشافعي ولهذا يصلي الفجر عند أبي حنيفة من خاف فوت الجمعة؛ لأن فرض الوقت الظهر ولم تفت، لكن لا تبطل ظهره بالسعي إلى الجمعة "هـ" وكذا لو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة لم يصح في الأشهر "هـ" وقيل: إن أخر الإمام الجمعة تأخيرا منكرا، فللغير أن يصلي ظهرا ويجزئه عن فرضه، جزم به صاحب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أي: الأخبار الدالة على فرضية صلاة الجمعة في وقت الظهر منها ما رواه البخاري "4168" من حديث سلمة بن الأكوع: كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفيء، ومن حديث أنس "904" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس.
2 في "ط": "قدم".

(3/141)


المحرر، وجعله ظاهر كلامه "و م" لخبر تأخير الأمراء الصلاة عن وقتها1. وسبق أن أحمد احتج به على أن تارك الصلاة لا يكفر، واحتج في الخلاف بهذا الخبر على صحتها بغير سلطان قال: ولم يفرق بين الجمعة وغيرها2. قال: وأخذ أحمد بظاهره في الجمعة، فسأل في رواية صالح وابن منصور إذا أخروا الصلاة يوم الجمعة فقال: يصليها لوقتها ويصليها مع الإمام، وظاهر ما ذكر هنا لا يصليها غير ولي الأمر إذا تأخر، وظاهر ما سبق في صلاة الجماعة يصلي غيره، ويوافقه ما
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 20.
2 في الأصل و "ب" وهامش "س": "غيره".

(3/142)


احتج به القاضي وغيره في صحتها بلا سلطان بما روى ابن المنذر1 عن ابن مسعود أنه صلى بالناس لما أبطأ الوليد بن عقبة2 بالخروج، وصلى أبو موسى الأشعري بالناس حين أخرجوا3 سعيد بن العاص4.
ومن لم تلزمه الجمعة صحت ظهره قبله على الأصح "و" ولو زال عذره، وقيل: لا، وهو رواية في الترغيب "و م" كصبي بلغ في الأشهر، وقال ابن عقيل: من لزمته بحضوره لم تصح والأصح فيمن دام عذره، كامرأة، تصح قولا واحدا، وقيل: الأفضل له التقديم، ولعله مراد من أطلق، ولا تبطل بالسعي في الأشهر "هـ" بدليل صلاة من صلى خلفه، مع منع اقتداء مفترض بمتنفل، اعتبارا بحالة الاقتداء.
ولا تكره لمن فاتته "م" أو لمعذور الصلاة جماعة في المصر "هـ" وفي مكانها وجهان "3 م" ولم يكرهه أحمد، ذكره القاضي قال: وما كان يكره
ـــــــ
المسألة - 3: قوله: ولا تكره لمن فاتته أو لمعذور الصلاة جماعة في المصر، وفي مكانها وجهان، انتهى. قال ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى: ولمن فاتته، أو5 لم تلزمه، أن يصلي الظهر جماعة بأذان وإقامة ما لم يخف فتنة، وهل يكره في موضع صليت فيه الجمعة؟ فيه وجهان، انتهى:
ـــــــ
1 في الأوسط 4/113.
2 هو: الوليد بن عقبة بن أبي معيط القرشي الأموي، أخو عثمان لأمه. له صحبة، أسلم يوم الفتح، وبعثه رسول الله على صدقات بني المصطلق. ولاه عثمان الكوفة، ثم عزله عنها. مات في أيام معاوية. "تهذيب الكمال" 31/53.
3 في "س" و"ط": "أخرها".
4 هو: أبو عثمان، سعيد بن العاص القرشي الأموي، له صحبة، وهو أحد كتاب المصحف لعثمان، ولي الكوفة والمدينة. "ت 58هـ" وقيل غير ذلك. "تهذيب الكمال" 10/501، و"تهذيب التهذيب" 117.
5 في "ص": "لو".

(3/143)


إظهارها، قال: وعلى أنه لو كره إظهارها1 وكثرة الجمع فيها لم يضر؛ لأنهم2 ربما اتهموا بالرغبة عن الصلاة خلف الإمام، فيعاقبهم الإمام إذا لم تكن أعذارهم ظاهرة، فأما إن كانت ظاهرة لم تكره، وعلى أن أبا حنيفة استحب الأذان والإقامة للظهر يوم الجمعة، ولا يستحب إظهاره، ونقل الأثرم وغيره: لا يصلي فوق ثلاثة جماعة، ذكره القاضي وابن عقيل وغيرهما، ويأتي3 قبل آخر فصل "في" الباب: هل يؤذن لها؟.
ومن لزمته الجمعة4 فتركها بلا عذر تصدق بدينار أو بنصفه، للخبر، ولا يجب "ع" ولا يجوز لمن تلزمه السفر في يومها بعد اللزوم حتى يصلي، بناء على استقرارها بأوله، فلهذا خرج الجواز مع الكراهة ما لم يحرم5 بها لعدم
ـــــــ
أحدهما يكره، وهو الصحيح، قال في المغني6 والشرح7 وشرح ابن رزين وغيرهم: لا يستحب إعادتها8 في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة، وعللوه بما يقتضي الكراهة.
والوجه الثاني لا يكره، وهو ظاهر كلامه في الرعاية الصغرى والحاوي وجماعة، وجزم به في مجمع البحرين.
ـــــــ
1 في الأصل و"ب": إظهاره".
2 في النسخ الخطية: "لأنه".
3 ص 194.
4 ليست في "س".
5 في الأصل: "يجزم".
6 3/223.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/180.
8 في "ص": "إعلانها".

(3/144)


الاستقرار "و هـ" وفيه قبل اللزوم بعد طلوع الفجر روايتان "م ر ق" وثالثة يجوز للجهاد، وأنه أفضل، نقلها أبو طالب، وقيل: الروايات إن دخل وقتها وإلا جاز "4 م".
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: ولا يجوز لمن تلزمه السفر في يومها بعد اللزوم حتى يصلي وفيه قيل اللزوم بعد طلوع الفجر روايتان: وثلثه يجوز للجهاد، وأنه أفضل نقلها أبو طالب، وقيل: الروايات إن دخل وقتها وإلا جاز، انتهى.
وأطلقهن في الهداية والفصول والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والتلخيص والبلغة ومختصر ابن تميم والحاويين وشرح الخرقي للطوفي، وأطلق الروايتين في غير الجهاد في الكافي1:
إحداهن يجوز مطلقا، وهو الصحيح، قال ابن منجى في شرحه: هذا المذهب، قال في مجمع البحرين: هذا أصح الروايات، واختاره الشيخ الموفق وابن عبدوس في تذكرته، وقدمه في المستوعب والمقنع2 والنظم والفائق.
والرواية الثانية: لا يجوز، جزم به في الوجيز والمنور، وقدمه في المحرر وشرح ابن رزين وإدراك الغاية وغيرهم وصححه ابن عقيل وغيره.
ـــــــ
1 1/497، 498.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/183.

(3/145)


وله السفر إن أتى بها في قرية بطريقه، وإلا كره، قال بعضهم رواية واحدة "و م" وظاهر كلام جماعة: لا يكره.
قال أحمد فيمن سافر يوم الجمعة: قل من يفعله إلا رأى ما يكره. وقد قال ابن حزم في باب الصيد: اتفقوا أن سفر الرجل مباح له1 ما لم تزل الشمس من يوم الخميس، واتفقوا على2 أن السفر حرام على من تلزمه الجمعة إذا نودي لها، كذا قال.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 ليست في "ط".

(3/146)


فصل: يشترط لصحة الجمعة الاستيطان
، وقد سبق، والوقت.وتجب بالزوال، وعنه: وقت العيد "وتجوز وقت العيد" نقله واختاره الأكثر، وذكر القاضي وغيره أنه المذهب وعنه: في الساعة السادسة، اختاره الخرقي، وأبو بكر وابن شاقلا والشيخ، واختار ابن أبي موسى في الخامسة، وعنه: بعد الزوال، اختاره الآجري "و"، وهو الأفضل، وذكر
ـــــــ
والرواية الثالثة: يجوز للجهاد خاصة جزم به في الكافي والإفادات وقدمه في "الشرح"3، قال 4"هو و"4 الشيخ في المغني وهو الذي ذكره القاضي وقال الطوفي في شرح الخرقي: قلت: وينبغي أن يقال لا يجوز له السفر بعد الزوال أو حين يشرع في الأذان لها، لجواز أن يشرع في ذلك في وقت5 صلاة العيد على الصحيح من المذهب، ولا نزاع في تحريم السفر حينئذ، لتعلق حق الله بالإقامة، وليس ذلك بعد الزوال، انتهى.
ـــــــ
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/183.
4 "4 - 4" ليست في "ح".
5 في "ح": "الوقت".

(3/146)


ابن عقيل في عمد الأدلة ومفرداته عن قوم من أصحابنا: بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس.
وآخره: وقت الظهر لا الغروب "م ر". فإن خرج صلوا ظهرا، فإن كانوا فيها أتموا جمعة، قال بعضهم: نص عليه، وهو ظاهر المذهب "و م" قال القاضي وغيره: هو المذهب؛ لأن الوقت إذا فات لم يمكن استدراكه، فسقط اعتباره في الاستدامة للعذر، ومثله العدد وهو للمسبوق1، ولأن الوقت حصل عنه بدل وهو وقت الثانية، ولأن بعضه كجميعه2، فيمن طرأ تكليفه في آخره، بخلاف العدد فيهما. وعنه: قبل ركعة لا، اختاره الخرقي والشيخ. ثم هل يتمونها ظهرا "و ش" أو يستأنفونها؟ "و هـ" فيه وجهان "م 5".
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: فإن خرج الوقت صلوا ظهرا، فإن كانوا فيها أتموا جمعة وعنه: قبل ركعة لا، اختاره الخرقي والشيخ، ثم هل يتمونها ظهرا أو يستأنفون؟ فيه وجهان، انتهى. وأطلقهما في3 الكافي4 والمقنع5 والمحرر وشرح المجد6، ومختصر ابن تميم وشرح ابن منجا ومجمع البحرين.
ـــــــ
1 في "ط": "للمسبوق".
2 في "ب": "لجميعه".
3 ليست في "ط".
4 1/482.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/190.
6 ليست في "ح" و"ط".

(3/147)


وعنه: يعتبر الوقت فيها إلا السلام. وإن غربت وهم1 فيها، فقيل كذلك، وقيل تبطل؛ لأن وقت الغروب ليس وقتا للجمعة، ووقت العصر وقت الظهر التي الجمعة بدلها "م 6" فعلى المذهب لو بقي من الوقت قدر الخطبة والتحريمة لزمهم2 فعلها، وإلا لم يجز. وكذا يلزمهم إن شكوا في
ـــــــ
وحواشي المصنف والفائق والحاويين والزركشي وغيرهم:
أحدهما: يتمونها ظهرا، وهو الصحيح، صححه في التصحيح، وجزم به في المذهب والوجيز، وقدمه في الرعايتين والنظم.
والوجه الثاني: يستأنفونها ظهرا، قلت: وهو الصواب3.
وقال الشيخ في المغني4 وتبعه الشارح5: فعلى هذا إن دخل وقت العصر قبل ركوعه فعلى قياس قول الخرقي تفسد ويستأنفها ظهرا، وعلى قول أبي6 إسحاق بن شاقلا يتمها ظهرا، وهو ظاهر كلام ابن رزين في شرحه والزركشي، قال الطوفي في شرح الخرقي: والوجهان مبنيان على قول أبي6 إسحاق ابن شاقلا والخرقي الآتيان، انتهى، فعلى هذا يكون الصحيح من المذهب أنه يتمها ظهرا إن كان قد نوى الظهر، وإلا استأنفها، وظاهر كلام المصنف أنهما ليسا مبنيين على قول الخرقي وابن شاقلا، لأنه هناك قدم قول الخرقي، وهنا أطلق الخلاف.
مسألة - 6: قوله: وإن غربت وهم فيها فقيل كذلك يعني يكون الحكم كما لو خرج وقت الظهر وهم فيها وقيل: تبطل؛ لأن وقت المغرب ليس وقتا للجمعة، ووقت العصر وقت الظهر التي الجمعة بدلها، انتهى، وأطلقهما ابن تميم:
ـــــــ
1 في "ط": "هو".
2 في "ط": "لزمه".
3 بعدها في "ط": "ويدل على ذلك قوله في "المغني والشرح" وغيرهما الآتي".
4 3/191.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/192.
6 في "ط": "ابن".

(3/148)


خروجه، عملا بالأصل.
الشرط الثالث: تنعقد بأربعين فأكثر في ظاهر المذهب "و ش" لا بمن
ـــــــ
أحدهما هو كدخول وقت العصر. 1"قدمه في "الرعاية الكبرى"، فقال وإن دخل وقت المغرب وهم في الجمعة، فهو كدخول وقت العصر"1. وقيل: بل تبطل، انتهى.
والوجه الثاني: تبطل، قلت: وهو2 الصواب الذي لا يعدل عنه، و3 "إطلاق المصنف"3 فيه نظر ظاهر.
تنبيه: هذه المسألة ذكرها ابن تميم في مختصره، وابن حمدان في رعايته الكبرى والمصنف، ولم أرها لغيرهم، وظاهرها مشكل، فإن الإمام أحمد والأصحاب قالوا: يخرج وقت الجمعة بدخول وقت العصر، وإنما اختلفوا إذا دخل وقت العصر وهم فيها، فكيف نصحح4 الجمعة بعد غروب الشمس 5"على قول"5، فيحتمل أن يكون مرادهم إذا جوزنا الجمع بين الجمعة والعصر، وجمع جمع تأخير، وتأخروا إلى آخر الوقت، لكن لم نطلع على كلام أحد من الأصحاب أنه قال ذلك، أو حصل لهم إفاقة من جنون أو إسلام أو بلوغ أو عذر من الأعذار إلى آخر وقت العصر، وجوزنا الصلاة لهم، ولم أرهم ذكروا ذلك، والقول بأنهم دخلوا في الصلاة من قبل دخول وقت العصر واستمروا6 إلى الغروب بعيد جدا، ثم وجدت القاضي في التعليقة الكبيرة وهو الخلاف الكبير قال: فيما7 إذا دخل وقت العصر وهم في
ـــــــ
1 "1 - 1" ليست في "ط".
2 في "ح": "هذا".
3 "3 - 3" في "ح": "أطلق".
4 في "ط": "يصحح".
5 "5 - 5" ليست في "ط".
6 في النسخ الخطية: "استمر".
7 ليست في "ط".

(3/149)


تتقرى بهم قرية عادة "م" وعنه: بخمسين، وعنه: بسبعة، وعنه: بخمسة،
ـــــــ
الجمعة قال أبو حنيفة والشافعي كما لا يجوز فعلها في وقت المغرب، والجواب أنه يجوز فعلها في وقت المغرب كما يجوز في وقت العصر، ولا فرق، انتهى، فقطع بهذا، وقال بعد ذلك بأسطر: لما قال المخالف الوقت شرط، كما أن العدد شرط، ثم ثبت أنه لو تفرق العدد قبل الفراغ منها استقبل الصلاة كذلك الوقت، انتهى. فقال القاضي في الجواب الثالث: فأما إذا خرج وقت العصر ودخل وقت المغرب، فيحتمل أن نقول: تبنى، ويحتمل أن نقول: تبطل؛ لأن وقت المغرب لم يجعل وقتا للجمعة، ووقت العصر قد جعل وقتا للظهر التي الجمعة بدل عنها، انتهى. فالذي يظهر أنه جعل وقت العصر مع وقت الجمعة وقتا واحدا للعذر على أحد الاحتمالين، كغيرها من الصلوات، والله أعلم.

(3/150)


وعنه: بأربعة "و هـ" وعنه: بثلاثة، اختاره شيخنا، وعنه: بثلاثة في القرى، وعنه: يعتبر كون الإمام زائدا "خ" فعليها لو بان محدثا ناسيا لم تجزئهم إلا أن يكونوا بدونه العدد المعتبر، ويتخرج: لا مطلقا، قال صاحب المحرر بناء على رواية أن صلاة المؤتم بناس حدثة تفسد إلا أن يكون قرأ خلفه، تقديرا لصلاته صلاة انفراد. وإن رأى الإمام وحده العدد فنقص لم يجز أن يؤمهم، ولزمه استخلاف أحدهم، وبالعكس لا يلزم واحدا منهما.
ولو أمره السلطان أن لا يصلي إلا بأربعين لم يجز بأقل، ولا أن يستخلف، لقصر ولايته، بخلاف التكبير الزائد، وبالعكس الولاية باطلة، لتعذرها من جهته، ويحتمل أن يستخلف أحدهم.
ـــــــ
...............................

(3/151)


ولو لم يرها قوم بوطن مسكون، فظاهر كلامه للمحتسب أمرهم برأيه بها، لئلا يظن الصغير أنها تسقط مع زيادة العدد، ولهذا المعنى قال أحمد: يصليها مع بر وفاجر، مع اعتبار عدالة الإمام، ويحتمل: لا.
قال أحمد: لا تحمل الناس على مذهبك.
وليس لمن قلدها أن يؤم في الصلوات الخمس، بناء على أنها صلاة مستقلة، ذكره في الأحكام السلطانية، وليس لمن قلد أحدهما أن يؤم في عيد وكسوف واستسقاء. وإن نقص العدد ابتدءوا ظهرا، نص عليه "و ش" وقيل: يتمون ظهرا "و م ر" وقيل: جمعة "و هـ" ولو لم يسجد في الأولى "هـ" وقيل: جمعة1 إن بقي معه اثنا عشر؛ لأنه العدد الباقي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا في الصلاة، رواه البخاري2، والمراد في انتظارها. كما روى مسلم3 في الخطبة. والدارقطني4: بقي معه أربعون رجلا، تفرد به علي بن عاصم، وإنما انفضوا لظنهم جواز الانصراف.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في صحيحه "936"، من حديث جابر قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ أقبلت عير تحمل طعاما، فالتفتوا إليها، حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا.
3 في "صحيحه" "863" "36"، من حديث جابر.
4 في "سننه" 2/4، من حديث جابر.

(3/152)


ولأبي داود في "مراسيله"1 بإسناد حسن، عن مقاتل بن حيان أن خطبته عليه السلام هذه كانت بعد صلاة الجمعة، وظنوا لا شيء عليهم في الانفضاض عن الخطبة، وأنه قبل هذه القضية2 إنما كان يصلي قبل الخطبة ويتوجه أنهم انفضوا لقدوم التجارة3؛ لشدة المجاعة، أو ظن وجوب الخطبة واحدة وقد فرغت، وفي الخلاف في مسألة نقض الوضوء بالقهقهة، كان لعذر، وهو الحاجة إلى شراء الطعام؛ ولأن سماع الخطبة ليس بشرط، وإنما الواجب هو الصلاة. ويجوز أن يكونوا رجعوا للصلاة، كذا قال. وقيل: يتمون جمعة إن كان بعد ركعة، واختاره الشيخ وذكره قياس المذهب "و م ر" كمسبوق.
وفرق غيره بأنها صحت من المسبوق تبعا، كصحتها4 ممن لم يحضر الخطبة تبعا، وإن بقي العدد أتم جمعة، قال أبو المعالي: سواء كانوا سمعوا الخطبة أو لحقوهم5 قبل نقصهم6 بلا خلاف كبقائه من السامعين، وكذا جزم به غير واحد، وظاهر كلام بعضهم خلافه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 برقم "62".
2 في "ط": "القصة".
3 بعدها في "ط": "و".
4 في "ط": "لصحتها".
5 في الأصل: "لحقوقهم".
6 في "ط": "تقضيهم".

(3/153)


الشرط الرابع: الخطبة. ويأتي1.
ـــــــ
1 ينظر هذا الشرط: ص 164، كما أشار إليه المصنف.

(3/154)


فصل: ولا يشترط لصحتها إذن الإمام
"و م ش" وعنه: بلى "و هـ" وعنه: إن لم يتعذر، وعنه: يشترط لوجوبها لا لجوازها، ونقل أبو الحارث والشالنجي: إذا كان بينه وبين المصر قدر ما يقصر فيه الصلاة جمعوا ولو بلا إذن.
وإن لم يعلم بموته إلا بعد الصلاة واشترط إذنه، فعنه: لا إعادة، للمشقة، وعنه: بلى، لبيان عدم الشرط "م 7".
وإن غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه الجمعة، فنص أحمد: يجوز اتباعهم، قاله ابن عقيل، قال القاضي: ولو قلنا من شرطها إمام إذا كان خروجهم بتأويل سائغ.
ويجب السعي بالنداء الثاني "و" وعنه: بالأول، قال بعضهم: لسقوط الفرض به، وقيل: لأن عثمان سنه2، وعملت به الأمة. وتتخرج رواية:
ـــــــ
مسألة - 7: قوله: إذا قلنا: يشترط إذن الإمام، وإن لم يعلم بموته إلا بعد الصلاة، فعنه: لا إعادة للمشقة، وعنه: بلى لبيان عدم الشرط، انتهى. الرواية الأولى هي الصحيحة، قال ابن تميم في مختصره: هذا أصح الروايتين، وصححها الشيخ الموفق و الشارح والمصنف في حواشي المقنع، والرواية الثانية اختارها أبو بكر، قال في التلخيص: ومع اعتباره فلا تقام إذا مات حتى يبايع عوضه، وقال في الرعاية الكبرى: وإن علم موته بعد الصلاة ففي الإعادة روايتان، وقيل: مع اعتبار الإذن، وقيل: إن اعتبرنا الإذن أعادوا، وإلا فلا، وقيل: إن اعتبرنا إذنه فيها فمات فلا تقام الجمع حتى يبايع عوضه، انتهى. وقال أبو بكر: الروايتان بناء على اعتبار إذنه وعدمه، فإن قلنا باعتباره وجبت الإعادة، نقله ابن تميم.
ـــــــ
2 أخرج البخاري "912" عن يزيد بن السائب قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس، زاد النداء الثالث على الزوراء.

(3/154)


بالزوال والأشهر أن النداء الأول مستحب، وعند ابن البناء: لا يستحب، وقال ابن أبي موسى: يجب النداء الذي يحرم البيع، وذكره بعضهم رواية. ومن بعد منزله سعى في وقت يدركها كلها إذا علم حضور العدد، وأطلقه بعضهم، والمراد: بعد طلوع الفجر لا قبله، ذكره في الخلاف وغيره، وأنه ليس بوقت للسعي أيضا.

(3/155)


فصل: وتجوز في أكثر من موضع لحاجة
، كخوف فتنة أو بعد أو ضيق
ـــــــ
...............................

(3/155)


"ش هـ ر م ر" لئلا تفوت 1"حكمة تجميع"1 الخلق الكثير دائما، ولجوازها
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل و"س": "حكم التجميع".

(3/156)


في الخوف للعذر، وإنما افتتحتها الطائفة الثانية بعد صلاة الأولى، لعدم بطلانها ببطلان الثانية.
وقيل: في موضعين، وذكر مثله القاضي في كتاب التخريج والخلاف في العيد1. وقاله ابن عقيل: وذكر في الجمعة وجهين، وعنه: لا، مطلقا؛ لأنه قال: لا أعلم أحدا فعله وفعل علي إنما هو في العيد2.
وعنه: عكسه "خ" لأنه أطلق القول في رواية المروذي وغيره، وسئل عن الجمعة في مسجدين فقال: صل، فقيل له: إلى أي شيء تذهب؟ قال: إلى قول علي في العيد: إنه أمر أن يصلي بضعفة الناس3، ذكره القاضي وغيره، وحمله على الحاجة، وفيه نظر؛ لأنه احتج لعلي في العيد، ولا حجة فيه، لإمكان صلاته بالناس في الجامع بلا مشقة، وغاية ما تركه فضيلة الصحراء، إن كان يرى أفضليتها فيها، وإن صلى بالناس في الصحراء فلا حاجة إلى الاستخلاف، لجواز الترك، وليس في الحضور كبير مشقة، لقرب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "العبد".
2 ليست في "ط".
3 تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

(3/157)


المسافة جدا، وعدم تكرره؛ لأنه في السنة مرة أو مرتين. ويأتي كلام القاضي في استخلاف علي في العيد1.
وفي الفصول: إن كان البلد قسمين بينهما نائرة كان عذرا أبلغ من مشقة الازدحام، ويحتمل أن يجتمعوا على ظهر2 لا جمعة، كالأعذار سواء، والله أعلم.
ولو أذن الإمام ولا حاجة لم يجز، ذكره أبو المعالي، وظاهر كلام غيره مختلف؛ لأن سقوط فرض على وجه لم يرد لا يجوز؛ ولأنه ما خلا عصر عن نفر تفوتهم الجمعة، ولم ينقل تجميع، بل صلوا ظهرا، ولم ينكر، ولهذا ذكر ابن المنذر أنه لا تجمع "ع" وحيث منعت فالمسبوقة بالإحرام "و ش"، وقيل: بشروع الخطبة باطلة، ولو صح بناء الظهر على تحريمة الجمعة لعدم انعقادها لفوتها. وقيل يتمون ظهرا، كمسافر نوى القصر فبان إمامه مقيما، وإن امتازت المسبوقة بإذن الإمام وقيل: أو المسجد الأعظم "و هـ م" وزاد: أو العتيق صحت. وقيل: السابقة، وإن وقعتا معا صلوا جمعة "و" وإن جهل الحال أو جهلت السابقة صلوا ظهرا، وقيل: جمعة، وقيل: في الصورة الأولى "و ش".
ـــــــ
1 ص 210.
2 في "ط": "شهر".

(3/158)


فصل: يسن الغسل لها
أحدث بعده أو لا، ولو لم يتصل غسله بالرواح "م" وأفضله عند مضيه، وسبقه بجماع، نص عليه.
ـــــــ
...............................

(3/158)


والتطيب "و" وفي خبر أبي سعيد "ولو من طيب المرأة" رواه مسلم1 يعني ما ظهر لونه وخفي ريحه لتأكد الطيب، وظاهر كلام الإمام أحمد2، والأصحاب خلافه.
ولبس أفضل ثيابه "و" والبياض، والتبكير3 - ولو كان مشتغلا بالصلاة في منزله عند أحمد ماشيا "و" بعد طلوع الفجر "و ش" وقيل: بعد صلاته، لا بعد طلوع الشمس "هـ" ولا بعد الزوال "م" نقل حنبل: الجمعة واجبة فرض، والذهاب إلى الجمعة تطوع سنة مؤكدة، قال القاضي: لم يرد بالذهاب إليها القصد، وإنما أراد "به" البكور أو السعي، وهو سرعة المشي، قال: وقد قال في رواية حنبل: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فسروه على غير وجهه قالوا4: قال ابن مسعود: لو قرأتها لسعيت حتى يسقط ردائي5. ولا بأس بركوبه لعذر أو للعود.
ويسن الدنو من الإمام، واستقبال القبلة، والاشتغال بالصلاة والذكر، وكذا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يومها، لأمر الشارع به في أخبار6، وفي بعضها: وليلتها، وذكره بعض أصحابنا: لكن الخبر في الليلة مرسل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في صحيحه "846" "7".
2 ليست في "ط".
3 في "ط": "التكبير".
4 بعدها في "ط": "وقد".
5 أورده القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وذكر أن ابن مسعود قرأها: "فامضوا".
6 من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإنه مشهود تشهده الملائكة" . أخرجه ابن ماجه "1637"، من حديث أبي الدرداء.

(3/159)


ضعيف1، وعن ابن مسعود مرفوعا: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" . رواه الترمذي2 وحسنه. قال الأصحاب: وليلتها3.
ويقرأ سورة الكهف في يومها، زاد أبو المعالي: وليلتها، للخبر4. ويكثر الدعاء، وأفضله بعد العصر. قال أحمد: أكثر الحديث في الساعة التي ترجى فيها الإجابة أنها بعد صلاة العصر، وترجى بعد زوال الشمس.
ويكره تخطي أحد، وحرمه في النصيحة والمنتخب وأبو المعالي وشيخنا. وإن رأى فرجة، فإن وصلها بدونه كره، وإلا فلا، وعنه: لا مطلقا، وعنه: عكسه، وعنه5: ثلاثة صفوف، وعنه: بل أكثر، وقيل: إن كانت أمامه لم يكره، وجزم أبو الخطاب 6"وغيره"6؛ بأنه لا يكره للإمام، وكذا أبو المعالي، وزاد: وأن تبكيره لا يستحب. وجزم في الغنية: يتخطى إمام ومؤذن. وجزم صاحب المحرر7: لا يكره لإمام وغيره للحاجة. وتخطى أحمد زوارق عدة بدجلة بلا إذن؛ لأنه عنده حريم دجلة، وهو للمسلمين، فلما8 ضيقوا الطريق جاز مشيه عليها، قاله الخلال. ويحرم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/249، من حديث أنس.
2 في "سننه" "484".
3 ليس في "ط".
4 أخرج الضياء المقدس في "الأحاديث المختارة" "429"، من حديث علي مرفوعا: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج الدجال، عصم منه" .
5 في "س": "عن".
6 ليست في "ب".
7 في "س": "المحرم".
8 في الأصل: "فلا".

(3/160)


"و" وفي الرعاية: يكره أن يقيم غيره فيجلس مكانه ولو كان الغير ولده أو1 عبده، أو عادته يصلي فيه، حتى المعلم ونحوه "ش"2؛ لأن عنده إذا حضر لم يكن لغيره جلوسه فيه، قال أصحابنا: إلا من جلس بمكان يحفظه لغيره بإذنه أو دونه، قيل: لأنه2 يقوم باختياره، وقيل: لأنه جلس لحفظه له، ولا يحصل ذلك إلا بإقامته، ولم يذكر جماعة: أو دونه، فقال صاحب المحرر: لأنه توكيل في اختصاص بمباح، كتوكيله في تملك المباح ومقاعد السوق، "م 8".
قال أبو المعالي: فإن جلس في مصلى الإمام، أو طريق المارة، أو استقبل المصلين في مكان ضيق، أقيم، وإن آثر بمكانه الأفضل، أو سبق إليه آخر، فقيل: يكره، وقيل: يباح. وفي الفصول: لا يجوز الإيثار، وقيل:
ـــــــ
مسألة - 8: قوله: ويحرم وفي الرعاية يكره أن يقيم غيره فيجلس مكانه قال الأصحاب: إلا من جلس بمكان يحفظه لغيره بإذنه أو دونه، قيل: لأنه يقوم باختياره، وقيل: لأنه جلس لحفظه له، ولا يحصل ذلك إلا بإقامته، ولم يذكر جماعة: أو دونه، فقال صاحب المحرر: لأنه توكيل في اختصاص بمباح كتوكيله في تملك المباح ومقاعد السوق، انتهى القول الأول وهو القيام باختياره، جزم به في التلخيص وغيره، وبه علل الشيخ في المغني3 و الشارح4، و ابن رزين في شرحه، وغيرهم. والقول الثاني ظاهر ما قاله5 المجد في شرحه.
ـــــــ
1 في النسخ: "و".
2 ليست في الأصل.
3 3/233.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/291.
5 في هامش النسخ نسخة: "علله".

(3/161)


يجوز إن آثر أفضل منه. وفي الفنون: إن آثر ذا هيئة بعلم ودين جاز، وليس إيثارا حقيقة، بل اتباعا للسنة "م9 - 10"؛ لقوله عليه السلام: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى" 1. فإذا قام مقام ذلك فقد غصبه عليه، كذا قال، ويؤخذ من كلامهم تخريج سؤال ذلك عليها، وهو متجه، وصرح2
ـــــــ
مسألة - 9: وإن آثر بمكانه الأفضل أو سبق إليه آخر، فقيل: يكره، وقيل: يباح، وفي الفصول: لا يجوز الإيثار، وقيل: يجوز إن آثر أفضل منه، وفي الفنون: إن آثر ذا هيئة بعلم "ودين" جاز، وليس إيثارا حقيقة، بل اتباعا للسنة، انتهى. ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى: لو آثر بمكانه الأفضل، فهل يكره أو يباح أو يحرم أو يجوز إن كان أفضل منه؟ أطلق الخلاف، أحدها يكره الإيثار مطلقا، وهو الصحيح، جزم به في المذهب والمستوعب والكافي3 والتلخيص والرعاية والنظم والحاويين وغيرهم، وقدمه في المغني4، وشرح5، المجد والشرح ومختصر ابن تميم البحرين وشرح ابن رزين وحواشي المصنف على المقنع والرعاية الكبرى وغيرهم، قال المصنف في النكت: هذا المشهور، انتهى.
والقول الثاني: يباح، وهو احتمال للمجد في شرحه.
والقول الثالث: لا يجوز الإيثار، قاله في الفصول.
والقول الرابع: يجوز إن آثر أفضل منه، وهو احتمال في المغني4 وغيره، وقد ذكر المصنف كلامه في الفنون.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "432" "122"، من حديث أبي مسعود.
2 بعدها في "ط": "به".
3 1/502.
4 3/233.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/292.

(3/162)


في الهدي فيهما بالإباحة، ولا يكره القبول، وقيل: بلى، والطريق للمرور، فلم يكره السبق. ومن فرش مصلى ففي جواز رفعه لغيره وجهان، وقيل. إن تخطى رفعه "م 11" ولا يصلي عليه، وقدم في الرعاية: يكره جلوسه عليه، وجزم صاحب المحرر وغيره بتحريمه، ويتوجه: إن حرم
ـــــــ
المسألة الثانية: لو آثر شخصا فسبق إليه غيره فهل يكره أو يباح؟ 1"أطلق الخلاف"1. أو يحرم؟ فيه أقوال:
أحدها: يحرم، وهو الصحيح، قدمه في المغني2 والشرح3 وصححاه، وصححه في الرعاية الكبرى، وقدمه ابن رزين في شرحه وغيره، ولم4 يذكره المصنف، وهو عجيب منه!.
والقول الثاني: يباح، اختاره ابن عقيل، وصححه الناظم5، وجزم به في الفصول والمستوعب، وقدمه في مختصر ابن تميم ومجمع البحرين وحواشي المصنف وغيرهم.
والقول الثالث: يكره، وقيل: بالمنع هنا إن قيل الإيثار غير مكروه، وهو احتمال6 للمجد، وهو موافق لما قاله الشيخ وغيره.
تنبيه: لم يذكر المصنف القول بالتحريم، مع أنه هو الصحيح، وإنما ذكر الكراهة والإباحة وأطلق الخلاف فيهما، والصحيح منهما6 الإباحة.
مسألة - 11: قوله: ومن فرش مصلى ففي جواز رفعه لغيره وجهان، وقيل: إن تخطى رفعه، انتهى. وأطلقهما في الفصول والمذهب ومسبوك الذهب،
ـــــــ
1 ليست في "ص".
2 3/233.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/292.
4 في "ط": "ذلك".
5 في "ط": "النظم".
6 ليست في "ط".

(3/163)


رفعه فله فرشه1 وإلا كره. وأطلق شيخنا: ليس له فرشه. ومن قام لحاجة ثم عاد قال بعضهم قريبا، وأطلق جماعة فهو أحق في الأصح، فإن وصل بالتخطي فكما سبق، وجوزه أبو المعالي.
ـــــــ
1 ليست في "ط".

(3/164)


فصل: يشترط لصحة الجمعة خطبتان
"و م ش" وهما بدل من1 ركعتين في
ـــــــ
والمستوعب والمغني2 والكافي3 والمقنع4 والهادي والتلخيص والبلغة والشرح وشرح ابن منجى ومختصر ابن تميم والرعايتين والحاويين و مجمع البحرين والنظم وشرح الخرقي للطوفي وتجريد العناية وغيرهم:
أحدهما ليس له رفعه وهو الصحيح، صححه في التصحيح5 وجزم به في المنور ومنتخب الآدمي وقدمه في الهداية والخلاصة والمحرر والفائق وإدراك الغاية وغيرهم.
والوجه الثاني: له رفعه، اختاره القاضي، ذكره في الفصول، وجزم به في الوجيز، وقدمه ابن رزين في شرحه، قال الشيخ تقي الدين: لغيره رفعه في أظهر قولي العلماء، وقال في الفائق: قلت: فلو حضرت الصلاة ولم يحضر رفع، انتهى. قلت: وهو الصواب، والظاهر أنه مراد من أطلق، وأن محل الخلاف في غير هذه الصورة، والله أعلم، وقيل: إن وصل إليه صاحبه من غير تخطي أحد فهو أحق، وإلا جاز رفعه.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 3/234.
3 1/502.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/294.
5 في "ط": "التصريح".

(3/164)


المنصوص، ومنه: خطبة "و هـ" و1 من شرطهما تقديمهما "و" وقت الجمعة "و" ولم يذكره بعضهم، وقول الحمد لله "و م ر ش" والصلاة على
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية. والمثبت من "ط".

(3/165)


رسوله صلى الله عليه وسلم "و م ر ش" واختار صاحب المحرر: أو يشهد 1"أنه عبد الله"1 ورسوله. وأوجبه شيخنا فقط، لدلالته عليه؛ ولأنه إيمان به، والصلاة عليه دعاء له، وأين هذا من هذا، فالصلاة عليه مشروعة مع الدعاء أمامه، كما قدم السلام عليه في التشهد على غيره، والتشهد مشروع في الخطاب والثناء، وأوجب في مكان آخر الشهادتين، وأوجب الصلاة عليه مع الدعاء الواجب2، وتقديمها عليه لوجوب تقديمه على النفس، والسلام عليه في التشهد، وتأتي رواية أبي طالب، وظاهرها وجوب الصلاة والسلام، وقيل: لا يشترط ذكره.
وتشترط الموعظة "و م ر ش" وقيل: في الثانية، وذكر أبو المعالي وشيخنا: لا يكفي ذم الدنيا وذكر الموت، زاد أبو المعالي: وكذا الحكم المعقولة التي لا تتحرك لها القلوب ولا تنبعث بها إلى الخير، فلو اقتصر على: أطيعوا الله واجتنبوا معاصيه فالأظهر: لا يكفي، وإن كان فيه توصية؛ لأنه لا بد من اسم الخطبة عرفا، ولا يحصل باختصار يفوت به المقصود.
وقراءة آية "و م ر ش" وعنه: بعضها، وقيل في الأولة، وقيل "في" الثانية، وعنه: لا تجب قراءتها، اختاره الشيخ، وقال أبو المعالي: لو قرأ آية لا تستقل بمعنى أو حكم كقوله: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21]، أو {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لم يكف ذلك ولم يحرم على الجنب، وهذا احتمال
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "أن محمدا عبده".
2 ليست في "ط".

(3/166)


لصاحب "المحرر" في غير الجنب، وأنه يكفي بعض آية تفيد مقصود الخطبة، وإن قرأ ما يتضمن الحمد والموعظة ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم كفى، قال أبو المعالي: وفيه نظر، لقول أحمد: لا بد من خطبة، ونقل ابن الحكم: لا تكون خطبة إلا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم أو خطبة تامة، وسئل في رواية أبي طالب: تجزئه سورة؟ فقال: عمر قرأ سورة الحج على المنبر، قيل: فتجزئه قال: لا، لم يزل الناس يخطبون بالثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلمون على النبي عليه السلام. وفي الفصول: إن قرأ سورة فاطر أو1 الأنعام ونحوهما فهل تجزئه2 عن الأذكار؟ ثم ذكر رواية أبي طالب ولم يزد. وقيل: يجب ترتيب الحمد وما بعده.
وأوجب الخرقي وابن عقيل الثناء على الله، ولا يكفي ما يسمى خطبة "م ر" ولا تحميدة أو تسبيحة "هـ م ر". ويشترط حضور العدد "م ر" وسائر شروط الجمعة للقدر الواجب فإن لم يسمعوا لخفض صوته أو بعد، لم تصح، وإلا صحت، وإن كانوا صما، فذكر صاحب المحرر: تصح، وذكر غيره: لا "م 12" وإن قرب الأصم وبعد من يسمع فقيل: لا تصح، لفوات المقصود، وقيل: يصح، قال ابن عقيل: كما لو كان جميع أهل القرية طرشا،
ـــــــ
مسألة - 12: قوله: وإن كانوا صما فذكر صاحب المحرر: يصح، وذكر غيره: لا، انتهى. ما قاله المجد جزم به ابن تميم أيضا، وما قاله غير المجد جزم به في الرعاية، وهو الصواب.
ـــــــ
1 في "س": و"ب": "و".
2 في "ط": "تجزئ".

(3/167)


أو كانوا عجما وكان عربيا "م 13".
قال أبو المعالي: وهذا كما يقوله في شاهد النكاح إذا كان أصم لم يصح، وكذا من حلف لا يكلم فلانا فكلمه فلم يسمع لصممه. وفيهما الخلاف فيتجه هنا مثله، كذا1 قال.
وإن انفضوا وعادوا وكثر التفريق عرفا أو فات ركن منها ففي البناء وجهان، وفي الفصول: إن انفضوا لفتنة أو عدو، ابتدئ كالصلاة،
ـــــــ
مسألة - 13: وإن قرب الأصم وبعد من يسمع فقيل: لا تصح، لفوات المقصود، وقيل: تصح، قال ابن عقيل: كما لو كان جميع أهل القرية طرشا، أو كانوا عجما وكان عربيا، انتهى. قال في 2"الرعاية الكبرى": وإن تعذر السماع لخفض صوته أو لبعد الكل، فلا. وقيل: عن كان في حد السماع"2 2"طرشا، وليس ثم من يسمع صحت. فإن كان البعداء منه سامعين، ولم يسمعوها. فوجهان. انتهى"2.
وهذه مسألة المصنف، وأطلق الخلاف أيضا في التلخيص ومختصر ابن تميم والنكت للمصنف والزركشي، وحكاهما ابن عقيل في فصوله احتمالين، وأطلقهما:
أحدهما: لا تصح. قلت: وهو الصواب، وهو 2"وظاهر كلامه في"2 الرعاية الصغرى والحاويين وغيرهما.
والقول الثاني: تصح. وفيه قوة.
مسألة - 14: وإن انفضوا وعادوا وكثر التفرق عرفا، أو فات ركن منها، ففي البناء وجهان انتهى. وأطلقهما في الرعايتين والحاويين:
ـــــــ
1 في "ب": "لذا".
2 ليست في "ط".

(3/168)


ويحتمل أن لا تبطل، كالوقت يخرج فيها، ويحتمل أن يفرق بينهما بأن الوقت يتقدم ويتأخر للعذر وهو الجمع؛ ولأن الجمعة مشتقة من الجمع، وقد زال، وسبق في الانفضاض في الصلاة.
ويشترط الموالاة بين الخطبتين، وبينهما وبين الصلاة في الأصح "و ش" كبين أجزاء الخطبة، وحكى فيه الخلاف، وإن قرأ آية سجدة فنزل فسجد لم يكره "م" وقيل: يبني ولو طال كسائر سننها، وقال ابن عقيل: يستحب قرب المنبر من المحراب لئلا يطول الفصل بين الخطبة والصلاة، فإن لم يتهيأ جاز1، كالأذان والإقامة.
وتشترط النية، ذكره في الفنون وهو ظاهر كلام غيره، وفي بطلانها بكلام محرم وجهان، كأذان، وأولى "م 14" وإن حرم الكلام في الخطبة لم
ـــــــ
أحدهما يستأنفها، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، لاشتراطهم سماع العدد المعتبر للخطبة، وقد انتفى، قال في المذهب: فإن انفضوا ثم عادوا قبل أن يتطاول الفصل صلاها جمعة، انتهى. فمفهومه أنه إذا تطاول الفصل لا يصلي جمعة ما لم يستأنف الخطبة، وجزم به في النظم، وكذا جزم به في المغني2، والشرح وشرح ابن رزين، فقالوا: فإن طال الفصل لزم إعادة الخطبة إن كان الوقت متسعا، وإن ضاق الوقت صلوا ظهرا، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة، انتهى. قال في التلخيص: ومع طول الفصل فقد فاتت الموالاة، وهي مشترطة على الأصح، فيستأنف، انتهى. والوجه الثاني: يصح البناء على ما تقدم من الخطبة.
مسألة - 15" . قوله: وفي بطلانها بكلام محرم وجهان، كأذان3، وأولى، انتهى.
ـــــــ
1 في "س": "جاز".
2 3/210.
3 ليست في "ط".

(3/169)


تبطل به، وقوله عليه السلام: "لا جمعة له"1 فيه نظر، وضعف، ولا يصح، وإن صح، فمعناه: لا جمعة له2 كاملة. قال ابن عقيل وغيره كقوله: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"3 بالإجماع، والله أعلم. والخطبة بغير عربية كقراءة، وقال القاضي: وعلى أن لفظ القرآن دليل النبوة وعلامة الرسالة ولا يحصل بالعجمية، والخطبة المقصود بها الوعظ والتذكير وحمد الله والصلاة على رسوله؛ ولأن القرآن الاعتبار فيه باللفظ والنظم دون المعنى، والخطبة يجزئ فيها المعنى، وهل يجب إبدال عاجز عن قراءة بذكر أم لا لحصول معناها من بقية الأذكار؟ فيه وجهان "م 16".
ـــــــ
قلت: قد تقدم أن الصحيح من المذهب بطلان الأذان بالكلام المحرم مطلقا، فكذا هنا يبطل وأولى، والمصنف قد أطلق الخلاف في بطلان الأذان بالكلام المحرم إذا كان يسيرا على ما تقدم، فليراجع. وقد قال هنا: إنه أولى بالبطلان، والله أعلم.
الوجه الثاني: لا تبطل، قلت: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، لأنهم لم يذكروه من شروط صحة الخطبة، وأطلق الوجهين في الرعاية الكبرى ومختصر ابن تميم، ومراد المصنف بالكلام المحرم الكلام4 اليسير، فهو محل الخلاف.
مسألة - 16: قوله: والخطبة بغير العربية كقراءة وهل يجب إبدال عاجز عن قراءة بذكر أم لا، لحصول معناها5 من بقية الأذكار؟ فيه وجهان، انتهى. وأطلقهما ابن تميم فقال: وهل يحتاج إلى إبدالهما عند العجز عنها؟ فيه وجهان. وأطلقهما في الرعاية الكبرى، وهما احتمالان مطلقان في "شرح الزركشي":
ـــــــ
1 أخرجه أحمد "719"، وأبو داود "1051"، من حديث علي.
2 ليست في النسخ الخطية.
3 أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/420، من حديث جابر.
4 ليست في "ص".
5 في "ط": "معناه".

(3/170)


فصل: ولا يشترط لهما الطهارتان،
اختاره الأكثر "و هـ م ر" وعنه: بلى "و ش" وعنه: الكبرى اختاره جماعة، ونصه: تجزئ خطبة الجنب؛ لأن تحريم لبثه لا تعلق له بواجب العبادة، كصلاة من معه درهم غصب، وقيل: لا لتحريم لبثه، وإن عصى بتحريم قراءة فهو متعلق بفرض لها، فهو كصلاة بمكان غصب، وفي الفصول: نص أحمد يعطي أن الآية لا تشترط، وهو أشبه، أو جواز1 قراءة الآية للجنب، وإلا فلا وجه له، وفي فنونه أو عمد الأدلة: يحمل على الناسي إذا ذكر اعتد بخطبته، بخلاف الصلاة، وستر العورة، وإزالة النجاسة، كطهارة صغرى.
ولا يشترط أن يلي الخطبتين والصلاة واحد "و هـ" وفي خطبة مميز ونحوه وجهان "م 17" وعنه يشترط "و ق"2 وعنه: لغير عذر "و م" ذكر في الفصول أنه ظاهر المذهب؛ لأن المروي عن أحمد فيمن أحدث بعد
ـــــــ
أحدهما: يجب قلت: وهو الصواب، كالقراءة في الصلاة فإنها أيضا مشتملة على ذكر.
والوجه الثاني: لا يجب.
مسألة - 17: قوله: ولا يشترط أن يلي الخطبتين والصلاة3 واحد. وفي خطبة مميز ونحوه وجهان، انتهى. قال ابن تميم: وإن قلنا يعتد بآذان الصبي المميز ففي خطبته وجهان، انتهى. وقال ابن حمدان في "الرعاية الكبرى": وإن قلنا يعتد بأذان مميز ففي صحة خطبته وجهان، إن صح أن يؤم غير من خطب. انتهى:
ـــــــ
1 في "س": "جوز".
2 في "ب" و"ط": "وش".
3 ليست في النسخ الخطية، وهي من عبارة "الفروع".

(3/171)


الخطبة قبل الصلاة. والخلاف إن ولي الخطبتين أو إحداهما اثنان، وقيل: إن جاز في الأولى فهنا وجهان.
ولا يشترط حضور النائب الخطبة "و م"1 كالمأموم، لتعينها عليه، وعنه: بلى "و هـ ش" لأنه لا تصح جمعة من لم يشهد الخطبة إلا تبعا، كمسافر، وإن أحدث واستخلف من لم يحضر الخطبة صح في الأشهر، ولو لم يكن صلى معه على الأصح "خ" إن أدرك معه ما تتم به جمعة، 2"وتعليلهما ما سبق"2. وإن أدركه في التشهد فسبق في ظهر مع عصر، وإن منعنا الاستخلاف أتموا فرادى، قيل: ظهرا؛ لأن الجماعة شرط كما لو اختل العدد، وقيل: جمعة بركعة معه، كمسبوق، وقيل: جمعة مطلقا، لبقاء حكم الجماعة لمنع الاستخلاف "م 18" وإن جاز الاستخلاف فأتموا
ـــــــ
أحدهما: لا تصح، قلت: وهو الصواب؛ 3"لأنه الصحيح من المذهب المنصوص عن الإمام أحمد أنها بدل من ركعتين؛ لما تقدم، وهو لا تصح إمامته في الفرض على الصحيح"3؛ لأنه الصحيح من المذهب أيضا.
والوجه الثاني: تصح.
مسألة - 18: قوله: وإن منعنا الاستخلاف أتموا فرادى، قيل: ظهرا؛ لأن الجماعة شرط كما لو اختل العدد، وقيل: جمعة بركعة معه، كمسبوق، وقيل: جمعة مطلقا، لبقاء حكم الجماعة لمنع الاستخلاف، انتهى. وأطلقهن ابن تميم.
أحدها: يتمها جمعة بركعة معه كمسبوق، وهو الصحيح، قدمه في الرعاية الكبرى، وهو ظاهر ما قطع به في التلخيص، وهو الصواب.
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 ليست في الأصل.
3 ليست في "ط".

(3/172)


فرادى لم تصح جمعتهم "و" ولو كان في الثانية "ش" كما لو نقص1 العدد، وأولى، وقد يتوجه منه تخريج. وإذا جاز أن يتولى الخطبة غير الإمام اعتبرت عدالته.
وقال ابن عقيل: يحتمل أن يتخرج روايتان، قال أبو المعالي وغيره: ومن قدمه إمام أولى إن لم تبطل بحدثه حتى لو توضأ وعاد عادوا لإمامته، وإلا من قدمه المأموم، وإن تقدم واحد بلا استخلاف ففيه احتمال، والأظهر الجواز. وإن طال الفصل حتى استخلف، فإن أتوا فيه بركن وانقضى فلا استخلاف، وإن لم ينقض ففيه احتمال، ولا حاجة إلى نية الاقتداء بالثاني، فإن قطعوا نية الاقتداء بالأول فالقياس بطلان الجمعة، قاله أبو المعالي، وقال: وإن أحدث في الركعة الثانية لم يجب استخلاف ولا متابعة، وأتموا جماعة أو2 فرادى، أو بعضهم، كذا قال، وقد نقل صالح: إذ قدم رجلا قبل أن يحدث أو بعدما أحدث أو لم يقدم فتقدم رجل3، فصلاتهم تامة.
ويصلي الخرس ظهرا لفوت الخطبة صورة ومعنى، وقيل: جمعة يخطب أحدهم إشارة، كما تصح جميع عباداته: صلاته وإمامته وظهاره ولعانه ويمينه وتلبيته وشهادته وإسلامه وردته، والقصد التفهم،
ـــــــ
والوجه الثاني: يتمها جمعة مطلقا، لما4 علل المصنف.
والوجه الثالث: يتمها ظهرا لما قاله المصنف.
ـــــــ
1 في "ب": "أنقص".
2 في الأصل: "و".
3 في الأصل في "ط": "فصلى بهم".
4 في "ح": "كما".

(3/173)


بخلاف القراءة، فإن القصد النطق بالعربية، ولهذا لو كانوا عجما فخطب بهم بالعجمية صح، بخلاف القراءة، ذكره ابن عقيل.
ولمن لا يحسن الخطبة قراءتها من صحيفة، ذكره أبو المعالي وابن عقيل، قال: كالقراءة في الصلاة لمن لا يحسن القراءة في المصحف، كذا قال، وسبق أن المذهب لا بأس بالقراءة في المصحف1، قال جماعة: كالقراءة من الحفظ، فيتوجه هنا مثله؛ لأن الخطبة شرط كالقراءة، وذكر ابن عبد البر عن جماعة منهم عثمان وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعبد الملك بن مروان2 ومعن بن زائدة3 وخالد القسري4: أنهم خطبوا فارتج عليهم5. وعن بعضهم قال: هيبة الزلل تورث حصرا، وهيبة العافية6 تورث جبنا. وذكر أبو جعفر النحاس أنه ارتج على يزيد بن أبي سفيان7، فعاد إلى الحمد ثلاثا، فارتج عليه فقال: يا أهل الشام، عسى الله أن يجعل بعد عسر يسرا، وبعد عي بيانا، وأنتم إلى إمام عادل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 2/267.
2 هو: أبو الوليد، عبد الملك بن مروان. أحد خلفاء بني أمية ودهاتهم. قيل فيه: معاوية للحلم، وعبد الملك للحزم. ت 86هـ "سير أعلام النبلاء" 5/463، و"الأعلام" 4/165.
3 هو: أبو الوليد معن بن زائد الشيباني. أحد أبطال الإسلام، وعين الأجواد. كان من صحابة المنصور، ولاه اليمن وغيرها. وأختلف في فاته، فقيل: "سنة 152هـ" وقيل: "158هـ". تاريخ بغداد" 13/235 – 244، و"سير أعلام النبلاء" 7/97.
4 هو: أبو الهيثم خالد بن عبد الله القسري الدمشقي. ولي العراق ومكة. "ت 126 هـ" "سير أعلام النبلاء" 5/425.
5 انظر أخبار الذين أرتج عليهم في خطبهم: "تاريخ المدينة" لابن شيبة 3/958، والعقد الفريد 4/147 - 149.
6 في "ط": "العافية".
7 هو: يزيد بن أبي سفيان الأموي، أخو معاوية من أبيه، وأمه زينب بنت نوفل الكنانية. له صحبة، وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، ولما فتحت دمشق أمره عمر عليها "ت 18هـ". "سير أعلام النبلاء". 1/328.

(3/174)


أحوج منكم إلى إمام قائل. ثم نزل، فبلغ ذلك عمرو بن العاص فاستحسنه. وقيل لعبد الملك بن مروان: عجل عليك الشيب، فقال: كيف لا يعجل، وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين؟ وخطب عبد الله بن عامر في يوم أضحى فارتج عليه، فقال: لا أجمع عليكم لوما وعيا، من أخذ شاة من السوق فهي له وثمنها علي. وارتج على معن بن زائدة فقال وضرب برجله المنبر: فتى حروب لا فتى منابر. قال الجوهري1: رجل لومة: يلومه الناس، ولومة: يلوم الناس. مثل هزأة وهزأة.
ـــــــ
1 في الصحاح: "لوم".

(3/175)


فصل: تسن خطبته على منبر أو محل عال
"و" يكون عن يمين مستقبلي القبلة، كذا كان منبره عليه السلام وسمي منبرا لارتفاعه، من النبر، وهو الارتفاع وذكر في شرح مسلم2: أن اتخاذ المنبر سنة مجمع عليها، وكان منبره عليه السلام ثلاث درجات يقف على الثالثة التي تلي مكان الاستراحة، ثم وقف أبو بكر على الثانية، ثم عمر على الأولى، تأدبا، ثم وقف عثمان مكان أبي بكر، ثم علي موقف النبي صلى الله عليه وسلم. ثم زمن معاوية قلعه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
2 5/33 - 34.

(3/175)


مروان وزاد فيه ست درج، فكان الخلفاء يرتقون ستا يقفون مكان عمر1.
قال أبو المعالي: وإن وقف بالأرض وقف على يسار مستقبلي القبلة، بخلاف المنبر.
ويسن سلامه إذا استقبلهم "هـ م" كسلامه على من عنده في خروجه "ق" قال القاضي وجماعة: ولأنه استقبال بعد استدبار، فأشبه من فارق قوما ثم عاد إليهم، زاد صاحب المحرر: وعكسه المؤذن إذا صعد، ورد هذا السلام وكل سلام مشروع فرض كفاية على الجماعة المسلم عليهم لا فرض عين "هـ" وقيل: سنة "خ" كابتدائه "و" وفيه وجه غريب: يجب، ذكره شيخنا.
ويسن جلوسه وقت التأذين "و" وذكر ابن عقيل إجماع الصحابة، وفي شرح مسلم عن "هـ" "ومالك" في رواية عنه: لا يستحب، وكذا بين الخطبتين، خفيفة قال جماعة: بقدر سورة الإخلاص، وإن أبى فصل بسكتة.
وخطبته قائما.
وعنه: هما شرطان، جزم به2 في النصيحة "و ش م ر" وقاله أبو بكر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 انظر: "فتح الباري" 2/399.
2 ليست في "ط".

(3/176)


النجاد في جلسته بينهما، وعن "م" يجب، وتصح بدونه، قال الطحاوي عن قول الشافعي: لم يقله غيره.
واعتماده على سيف أو قوس أو عصا "و" بإحدى يديه، ويتوجه باليسرى والأخرى بحرف المنبر أو يرسلها1، وإن لم يعتمد أمسك يمينه بشماله أو أرسلهما،.
وقصده تلقاءه2 "و" ويقصر الخطبة "و" وفي التعليق: والثانية أقصر، جعله أصلا لإفراد الإقامة3، ورفع صوته حسب طاقته والدعاء للمسلمين، ولا يجب في الثانية "ش" وقيل: و4 يرفع يديه "خ" وجزم به في الفصول، واحتج بالعموم، وقيل: لا يستحب، قال صاحب المحرر: بدعة، وفاقا للمالكية والشافعية وغيرهم. ورأى عمارة5 بن رؤيبة بشر بن مروان رفع يديه في الخطبة: فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيديه6 هكذا، وأشار بأصبعه المسبحة، رواه مسلم وأحمد7، وفي لفظ8: لعن الله هاتين اليدين.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب": "يرسلهما".
2 يعني: يقصد بوجهه تلقاءه دون ميل إلى يمين ولا شمال.
3 يعني: قاس عليه إفراد الإقامة لتكون أقصر من الأذان؛ لأنها من الأذان بمنزلة الخطبة الثانية من الأولى.
4 ليست في "ط".
5 في الأصل: "عبادة".
6 في "ط": "بيديه".
7 مسلم "874" "53" وأحمد "7224".
8 أخرجه أحمد "8299"، وفيه: اليديتين.

(3/177)


ويجوز الدعاء لمعين، وقيل: يستحب للسلطان، ويستحب الدعاء له1 في الجملة، حتى قال أحمد وغيره: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل؛ لأن في صلاحه صلاحا للمسلمين، وفي الصحيحين2 من حديث أبي هريرة: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" ، الإمام العادل وذكر الحديث، قال في شرح مسلم عن القاضي 3"عياض: هو كل من"3 نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام، وبدأ به لعموم نفعه وقال ابن حامد في أصوله: أما محبته إذا كان عدلا فلا أعلم خلافا في وجوبها، لقوله عليه السلام: "النظر إلى الإمام العادل عبادة" 4 وقوله عليه السلام: "أكرموا الشهود فإن الله يستخرج بهم الحقوق" 5.
وقال أحمد: إني لأدعو له بالتسديد والتوفيق، وأرى ذلك واجبا، كذا ذكر ذلك ابن حامد6، وهو غريب، والخبران لا يعرفان، ثم ذكر خلافا للناس في وجوب محبة الفاسق، ووجوب البراءة منه، بناء على زوال إمامته بذلك، كرواية لنا، المذهب خلافها، قال: والمأخوذ به ما بين أحمد من الصبر عليه واعتقاد طاعته وإمامته، فأما الدعاء عليهم فلا يجوز، ثم ذكر ابن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 البخاري "660"، ومسلم "1031".
3 ليست في "ط".
4 لم نقف عليه معروفا، وأخرجه الخلال في "السنة" "17" عن الفضيل بلفظ: النظر إلى وجه الإمام العادل عبادة.
5 أخرجه العقيلي في الضعفاء" 3/84، من حديث العباس بن عبد المطلب.
6 بعدها في الأصل: "عن أحمد".

(3/178)


حامد أن الإمام إذا قال بخلق القرآن أو الرفض أو غير ذلك يخرج عن الإمامة، ويجب الإنكار حسب الطاقة. وما قاله من القول بخلق القرآن ونحوه فبناء على التكفير به، وما قاله من القول بالرفض ونحوه فخلاف ظاهر كلام أحمد "رحمه الله" والأصحاب في عدم جواز الخروج، وإن فسق وجار1 لكن ابن حامد يشير إلى الخروج عليه بالبدع، فهو قول ثالث.
وإن استدبرهم في الخطبة صح في الأصح "و" وينحرفون إليه فيها "و" وفي التنبيه: إذا خرج، ويتربعون فيها، ولا تكره الحبوة، نص عليه، "و" وكرهها صاحب المغني2 والمحرر، لنهيه عليه السلام في السنن3، وفيه ضعف، ويكره أن يسند الإنسان ظهره إلى القبلة، وكرهه أحمد، وقد يتوجه احتمال، لإخباره عليه السلام أنه رأى إبراهيم عليه السلام مسندا ظهره إلى البيت المعمور4. وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي: ما رأيت أحمد جالسا "إلا" القرفصاء إلا أن يكون في الصلاة.
وقال ابن الجوزي: هذه الجلسة التي تحكيها قيلة5: إني رأيت
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "جاز".
2 3/202.
3 أخرج أبو داود "1110"، والترمذي "514"، من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. وسهل متكلم فيه.
4 أخرجه البخاري "349"، ومسلم "162" "259" وفيه: "فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور".
5 في الأصل: "قبلة".

(3/179)


رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا جلسة المتخشع القرفصاء1، وكان أحمد يقصد في جلوسه هذه الجلسة وهي أن يجلس على أليتيه رافعا ركبتيه إلى صدره، مفضيا بأخمص قدميه إلى الأرض، وربما احتبى بيديه، ولا جلسة أخشع منها، وقال أيضا في آداب القراءة: ينبغي أن لا يتربع ولا يتكئ. وخبر قيلة رواه أبو داود والترمذي1، وليس بالقوي، وللبخاري2 عن ابن عمر: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم محتبيا بيديه، وهو القرفصاء، ولمسلم3 عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسنا.
قال ابن عقيل في الفنون: من أعظم منافع الإسلام وآكد قواعد الأديان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح. فهذا أشق ما تحمله المكلف؛ لأنه مقام الرسل، حيث يثقل صاحبه على الطباع وتنفر منه نفوس أهل اللذات، ويمقته أهل الخلاعة، وهو إحياء للسنن، وإماتة للبدع، إلى أن قال: لو سكت المحقون ونطق المبطلون لتعود النشء ما شاهدوا، وأنكروا ما لم يشاهدوا، فمتى رام المتدين إحياء سنة أنكرها
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "4847"، والترمذي "2814".
2 في صحيحه "2672".
3 في صحيحه "670" "286".

(3/180)


الناس وظنوها بدعة، ولقد رأينا ذلك، فالقائم بها يعد مبتدعا1، كمن بنى مسجدا ساذجا، أو كتب مصحفا بلا زخرف، أو صعد منبرا فلم يتسود، ولم يدق بسيف مراقي المنبر، ولم يصعد على علم ولا منارة، ولا نشر علما، فالويل له2 من مبتدع عندهم، أو أخرج ميتا له بغير صراخ ولا تخريق ولا قراء ولا ذكر صحابة على النعش ولا قرابة.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ب": "لهم".

(3/181)


فصل: من دخل المسجد في الخطبة لم يمنع من التحية
"هـ م"3 ولا تجوز الزيادة عليهما4 "و" بل5 يركعهما ويوجز، أطلقه6 أحمد والأكثر، وقال صاحب المغني7 والتلخيص والمحرر: إن لم تفته معه تكبيرة الإحرام وإن جلس قام فأتى بها، أطلقه أصحابنا "*". ويتوجه احتمال:
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله في تحية المسجد8: وإن جلس قام فأتى بها، أطلقه أصحابنا، انتهى. قلت: ذكر المجد في شرحه في سجود التلاوة في فصل إذا قرأ السجدة محدثا أن التحية تسقط بطول الفصل.
ـــــــ
3 بعدها في "ب": "بل".
4 في الأصل: "عليها".
5 ليست في "ب".
6 في الأصل: "أطلقهما".
7 3/193.
8 في "ط": "المجلس".

(3/181)


تسقط من عالم ومن جاهل لم يعلم عن قرب، وأطلق الشافعية سقوطها به، وحمله بعضهم على العالم، وعند الحنفية لا تسقط بالجلوس، وأن العالم1 يخير بين صلاته أولا، وعند انصرافه.
ولا تستحب التحية للإمام؛ لأنه لم ينقل. ذكره أبو المعالي وغيره، ومن ذكر فائتة أو قلنا لها سنة صلاها وكفت، والمراد إن كانت الفائتة ركعتين فأكثر؛ لأن تحية المسجد لا تحصل بغيرها2 "و" ولا بصلاة جنازة "و" ولو نوى التحية والفرض، فظاهر "كلامهم" حصولهما "و ش" وقد ذكر جماعة: لو نوى غسل الجنابة وغسل الجمعة أجزأ عنهما "و م ش" لقوله عليه السلام: "وإنما لامرئ ما نوى" 3. ولأنه لا تنافي، كما لو أحرم بصلاة ينوي بها الفرض وتحية المسجد، وفي الرعاية احتمال وجهين، أحدهما هذا، ولم يبين الثاني، فيحتمل أن مراده لا تحصل واحدة منهما، كما لو نوى بصلاته الفرض والسنة، ويحتمل أن مراده لا يحصل غسل الجمعة خاصة، لعدم صحته قبل غسل الجنابة في وجه. لأن القصد به حضور الجمعة، والجنابة تمنعه، والأشهر تجزئ نية غسل الجنابة عن الجمعة، كالفرض عن تحية المسجد، فظاهره حصول ثوابها، وقيل: لا تجزئ،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب" و"س": "الحاكم"، وفي هامش "س": "العالم"، وفي "ط": الجالس".
2 في "ب": "بغيرهما".
3 أخرجه البخاري "1"، ومسلم "1907"، من حديث عمر.

(3/182)


للخبر المذكور، وكالفرض عن السنة.
ولا تجب تحية المسجد "و" خلافا لداود وأصحابه، وظاهر ما ذكروه تستحب التحية لكل داخل قصد الجلوس "أو لا" يؤيده ما يأتي في البداءة بالطواف.
ويجوز الكلام قبل الخطبة "هـ" كبعدها "هـ" نص عليه، وقيل: يكره. وبين الخطبتين في الجواز والكراهة والتحريم "و هـ م" أوجه، وجعل صاحب المغني1 والمحرر أصل التحريم سكوته لتنفس، ويتوجه فيه احتمال "م 19".
ويحرم فيهما "و هـ م" وقيل: وحالة الدعاء، وقيل: المشروع، وعنه:
ـــــــ
مسألة - 19: قوله: ويجوز الكلام قبل الخطبة كبعدها، نص عليه، وقيل: يكره. وبين الخطبتين في الجواز والكراهة والتحريم أوجه، وجعل صاحب المغني والمحرر أصل التحريم سكوته لتنفس، ويتوجه فيه احتمال، انتهى. وأطلقهن المصنف أيضا في حواشي المقنع، وقال في الرعايتين: وفي كراهته بين الخطبتين وجهان، وقال في الحاويين: في الكلام بين الخطبتين وجهان، وقال ابن
ـــــــ
1 3/200.

(3/183)


يحرم على السامع، اختاره جماعة، وعنه: يكره مطلقا "و ش" وعنه: يجوز.
وله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "هـ م ر ق" وفي التخريج للقاضي: في نفسه والسنة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سرا، كالدعاء اتفاقا قاله شيخنا، قال: ورفع الصوت قدام بعض الخطباء مكروه أو محرم اتفاقا، ودعاء الإمام بعد صعوده لا أصل له.
ويجوز تأمينه على الدعاء، وحمده خفية إذا عطس، ويجوز تشميت العاطس، ورد السلام نطقا كإشارته به؛ لأنه مأمور به لحق آدمي، كتحذير الضرير، فدل أنه يجب، وأنهم عبروا بالجواز لاستثنائه من منع الكلام، فدل أن ابتداء ذلك داخل في منع الكلام، وأن الابتداء كالرد على الروايتين،
ـــــــ
تميم: وفي إباحته في الجلوس بين الخطبتين وجهان، وأطلق في الفائق الوجهين في الكراهة والتحريم، وأطلق في النظم وجهين، وأطلق في المغني1 والشرح2 احتمالين في المنع والجواز:
أحدها: يباح وهو الصحيح، قال المجد في شرحه: هذا عندي أصح وأقيس، قال ابن رزين في شرحه: ويجوز الكلام في الجلسة؛ لأنه غير خاطب، وقيل: لا يجوز، انتهى.
والوجه الثاني: يكره، ويحتمله كلام ابن رزين.
ـــــــ
1 3/193.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/301.

(3/184)


وعنه: يجوز إن لم1 يسمع، ويتوجه: يجوز إن سمع ولم يفهمه، وعنه: يحرم2 مطلقا "و هـ م" كالأمر3 بالإنصات. وقال ابن عقيل: وكذا التعليم والمذاكرة، والأشهر المنع، لنهيه عليه السلام عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة4؛ ولأنه لا سبب له، ولا يفوت، ويفضي إلى رفع الصوت، واحتج الشيخ بالخبر على كراهة الحلق قبلها1.
ويحرم ابتداء نافلة "و" في كلام بعضهم: بجلوسه على المنبر، وفي كلام بعضهم: بخروجه "و هـ" وهو أشهر في الأخبار5 "م 20" ولو لم يشرع في الخطبة "م" وظاهر كلام بعضهم: لا، وعند ابن عقيل وابن الجوزي: لا يحرم على من لم يسمعها "خ" وقيل: يكره، وفي الخلاف وغيره: يكره ابتداء التطوع بخروجه، لاتصاله بحال الخطبة، والكلام يمكن قطعه فلا
ـــــــ
والوجه الثالث: يحرم وهو ظاهر كلام القاضي، قاله في مجمع البحرين.
مسألة - 20: قوله: ويحرم ابتداء نافلة، في كلام بعضهم: بجلوسه على المنبر، وفي كلام بعضهم: بخروجه، وهو أشهر في الأخبار، انتهى.
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 في "ط": "يجوز".
3 في "ط": "للأمر".
4 أخرج أبو داود "1079"، والترمذي "322"، والنسائي 2/47، وابن ماجه "1133"، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يحلق في المسجد يوم الجمعة قبل الصلاة.
5 منها ما أخرجه أحمد "20721" عن نبيشة الهذلي مرفوعا: ".... فإن لم يجد الإمام خرج، صلى ما بدا له، وإن وجد الإمام قد خرج، جلس فاستمع وأنصت..." .

(3/185)


يتصل، وظاهر كلامهم: لا تحريم إن لم يحرم الكلام فيها، وهو متجه "ش" ويخففه من هو فيه.
ومن نوى أربعا صلى ركعتين، قال صاحب المحرر: يتعين ذلك، بخلاف السنة1، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: في السنة يأتي بركعتين، فلو قام إلى ثالثة ولم يقيدها بسجدة، فقال بعض الحنفية: يعود إلى القعدة ويسلم، وقال بعضهم: يتمها أربعا ويخفف، كما لو قيدها بالسجدة.
ولا يمنع من لم يسمع من ذكر الله خفية "هـ م" بل هو أفضل في المنصوص فيسجد لتلاوة، وفي الفصول: إن بعدوا فلم يسمعوا همهمته جاز أن يتشاغلوا بالقراءة والمذاكرة في الفقه.
ويباح كلام الخاطب، وله، لمصلحة، وأطلق2 جماعة، وعنه: يكرهان ولا منع "هـ م ر" كأمر إمام بمعروف "و" وإشارة الأخرس المفهومة كلام، ولغيره وفي كلام صاحب المحرر: وله 3"تسكيت متكلم"3 بإشارة وفي المستوعب وغيره: يستحب.
ـــــــ
الأول: جزم به في الكافي4 المغني5 والشرح6 والنظم ومجمع البحرين ومختصر ابن تميم والرعاية الكبرى والزركشي وغيرهم.
والثاني: قطع به أبو المعالي وابن منجى، وذكر المصنف في أصله كلام القاضي في الخلاف وفي غيره.
ـــــــ
1 في الأصل: "السفه".
2 في "ب": "أطلقه". ومعنى قوله: وله لمصلحة. أنه يجوز لأحد الحاضرين تكليم الخاطب فيما فيه مصلحة.
3 في "ط": "أن يسكت متكلما".
4 1/504.
5 3/193.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/300.

(3/186)


ولا يتصدق. على سائل وقت الخطبة، ولا يناوله إذن للإعانة على محرم، وإلا جاز، نص عليه، كسؤال الخطيب الصدقة على إنسان، وفي الرعاية: الكراهة وقت الخطبة، وقيل: يكره السؤال والتصدق في مسجد، جزم به في الفصول، ولعل المراد الصدقة1 على من سأل، وإلا لم يكره، وظاهر كلام ابن بطة: يحرم السؤال، وقاله في إنشاد الضالة، فهذا مثله وأولى، قال في رواية حنبل: لا تنشد الضالة في المسجد، ويأتي2 كلام صاحب المحرر آخر الاعتكاف في البيع فيه، فيجب الإنكار إن وجب الإنكار في المختلف فيه، وفي شرح مسلم أن عقوبته لمخالفته وعصيانه، وعلى الأول يستحب، ويقول لمن نشد الضالة أي طلبها: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا، فنظيره الدعاء على السائل، كقول ابن عمر لرجل قال في جنازة: استغفروا له: لا غفر الله لك3، وسيأتي، وصح عن ابن عمر، وقد رواه أحمد أنه رأى مصليا لم يرفع يديه، فحصبه وأمره برفعهما4. ولمسلم5 عن سلمة بن الأكوع6: أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: "كل بيمينك" فقال: لا أستطيع فقال: "لا استطعت ما منعه إلا الكبر"، فما رفعها7 إلى فيه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط" "التصدق".
2 4/349.
3 لم نقف عليه.
4 تقدم تخريجه 2/200.
5 في صحيحه "2021".
6 هو: سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي. له صحبة. شهد بيعة الرضوان. ت 74هـ "تقريب التهذيب" ص 188.
7 في النسخ الخطية و"ط": "رفعهما"، والتصويب من مصدر التخريج.

(3/187)


قال في شرح مسلم: فيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر، كذا قال، وقد يكون هذا فيمن فعل محرما، كمرور رجل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على حمار أو أتان وهو يصلي، فقال: "قطع علينا صلاتنا قطع الله أثره" ، فأقعد. له طريق حسنة. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما1، وسبق دعاء عمارة على الذي رفع يديه في الخطبة2، فأما إن حصل منه كذب أو شوش على مصل فواضح، وعنه: إن حصب سائلا وقت الخطبة فهو أعجب إلي3، فعله ابن عمر4.
ويكره العبث "و" وكذا شرب ماء إن سمعها، وإلا فلا، نص عليه، واختار صاحب المحرر: ما لم يشتد عطشه. وجزم أبو المعالي بأنه إذن أولى، وفي النصيحة: إن عطش فشرب فلا بأس "و ش".
قال في "الفصول": وكره جماعة من العلماء شربه بقطعة بعد الأذان؛ لأنه بيع منهي عنه، وأكل مال بالباطل، قال: وكذا شربه على أن يعطيه الثمن بعد الصلاة؛ لأنه بيع، فأطلق، ويتوجه: يجوز5 للحاجة، دفعا للضرر، وتحصيلا لاستماع الخطبة.
وهل ينزل عند لفظ6 الإقامة أو إذا فرغ ليقف بمحرابه عندها؟ يحتمل وجهين "م 21". قال ابن عقيل وغيره: يستحب أن يكون حال صعوده على
ـــــــ
مسألة - 21: قوله: وهل ينزل يعني الخطيب عند لفظة الإقامة أو إذا فرغ ليقف بمحرابه عندها؟ يحتمل وجهين، انتهى. تابع المصنف صاحب التلخيص في
ـــــــ
1 أحمد "16608"، وأبو داود "705" "706" "707"، والبخاري في "التاريخ الكبير" 8/365 – 366، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/275.
2 ص 177.
3 ليست في "ب".
4 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 3/225.
5 ليست في "ط".
6 في الأصل و"ب" و"ط": "لفظ" والمثبت من "س".

(3/188)


تؤدة لأنه سعي إلى ذكر، كالسعي إلى الصلاة، وإذا نزل نزل مسرعا لا يتوقف، كذا قالوا، ولا فرق.
ويستحب لمن نعس أن يتحول، ما لم يتخط، وسبق في الأعذار1، وسبق حكم الصلاة في المقصورة، آخر باب اجتناب النجاسة2.
ـــــــ
1 ص 63.
2 2/117.

(3/189)


فصل: وصلاة الجمعة ركعتان
"ع" يسن أن يقرأ جهرا "و" في الأولى بالجمعة، والثانية بالمنافقين بعد الفاتحة "و ش" وعنه: الثانية بـ"سبح" لا "الغاشية"، "م" وقيل: الأولى بـ"سبح"، والثانية بالغاشية، وقال الخرقي: سورة "و هـ".
وفي فجرها، {الم}3 السجدة "م" وفي الثانية: هل أتى "م"4، قال شيخنا لتضمنهما5 ابتداء خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان إلى أن يدخل الجنة أو النار. وتكره مداومته عليهما، في المنصوص. قال
ـــــــ
العبارة، وتابعه أيضا ابن تميم، ذكره في أول صفة الصلاة:
أحدهما6: ينزل عند لفظة، الإقامة وهو الصحيح، قدمه في الرعايتين والحاويين.
ـــــــ
3 بعدها في "س": "تنزيل".
4 في "ط": "خلافا له أيضا".
5 في "ب" و"ط": "لتضمنها".
6 في النسخ الخطية: "أحدها"، والمثبت من "ط".

(3/189)


أحمد: لئلا يظن أنها مفضلة بسجدة، وقال جماعة: لئلا يظن الوجوب، وقرأها أحمد فسها أن يسجد فسجد للسهو، قال القاضي: كدعاء القنوت، قال: ولا يلزم على هذا بقية سجود التلاوة في غير صلاة الفجر في غير الجمعة، لأنه يحتمل أن يقال فيه مثله هنا، ويحتمل الفرق للترغيب في هذه السجدة، قال شيخنا: ويكره تحريه قراءة سجدة غيرها، والسنة إكمالها، ويكره بالجمعة، زاد في الرعاية: والمنافقين في عشاء ليلتها، وعنه: لا.
ولا سنة لها قبلها، نص عليه "و م"1 قال شيخنا: وهو مذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وعليه جماهير الأئمة؛ لأنها وإن كانت ظهرا مقصورة، فتفارقها في أحكام، وكما أن ترك المسافر السنة أفضل، لكون ظهره مقصورة، وإلا لكان التربيع أفضل، لكن لا يكره، وأنه لا يداوم إلا لمصلحة، وأن عليه يدل كلام أحمد.
وعنه: بلى ركعتان، اختاره ابن عقيل، وعنه: أربع "و هـ ش" قال شيخنا: وهو قول طائفة من أصحابنا، قال عبد الله: رأيت أبي يصلي في المسجد إذا أذن المؤذن يوم الجمعة ركعات وقال: رأيته يصلي ركعات قبل الخطبة، فإذا قرب الأذان أو الخطبة تربع ونكس رأسه، وقال ابن هانئ رأيته إذا أخذ في الأذان قام فصلى ركعتين أو أربعا، قال: وقال:
ـــــــ
والوجه الثاني: ينزل عند فراغه من الخطبة2، وعليه عمل كثير من الخطباء، وهو الصواب.
ـــــــ
1 في الأصل: "و هـ".
2 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".

(3/190)


اختار قبلها ركعتين وبعدها ستا، وصلاة أحمد قبل الأذان تدل على الاستحباب "و ش"1 وجمهور العلماء، لقوله عليه السلام: "ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له..." 2 الحديث، وسبق قولهم: يشتغل بالصلاة، وأكثرها بعدها ست، نص عليه، واختار الشيخ أربعا "و هـ ش" وفي التبصرة: قال شيخنا: أدنى الكمال ست، وحكي عنه: لا سنة لها، وإنما قال: لا بأس بتركها، فعله عمران، واستحب أحمد أن يدع الإمام الأفضل عنده تأليفا للمأموم، وقاله شيخنا، قال: ولو كان مطاعا يتبعه المأموم، فالسنة أولى، قال: وقد يرجح المفضول3، كجهر عمر بالاستفتاح لتعليم السنة4، وابن عباس بالقراءة على الجنازة5، وللبخاري6 عن جابر أنه صلى في إزار وثيابه عنده فقال له قائل: تصلي في إزار واحد؟ فقال: إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك، وأينا كان له ثوبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولمسلم7 أن أبا هريرة قيل له: ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".. أراد
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "و هـ".
2 أخرجه مسلم "857" "26"، من حديث أبي هريرة.
3 في "س": "المقصود".
4 أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/301.
5 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 4/42، من طريق شرحبيل بن سعد قال: حضرت عبد الله بن عباس صلى بنا على جنازة بالأبواء، فكبر، ثم قرأ بأم القرآن، رافعا صوته.
6 في صحيحه "352".
7 في صحيحه "250" "40".

(3/191)


أبو هريرة الموالي، وكان خطابه لأبي حازم، وفروخ بفتح الفاء وتشديد الراء بخاء معجمة لا ينصرف، قال صاحب كتاب العين: بلغنا أنه كان من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم من ولد كان بعد إسماعيل وإسحاق كثر نسله، ونما عدده، فولد العجم الذين هم في وسط البلاد، وكذا نقل صاحب المطالع وغيره أن فروخ ابن لإبراهيم صلى الله عليه وسلم وأنه أبو العجم.
وقال ابن عقيل: لا ينبغي الخروج عن عادات الناس، 1"إلا في الحرام"1؛ لتركه عليه السلام بناء الكعبة2. وترك أحمد الركعتين قبل المغرب، وقال: رأيت الناس لا يعرفونه.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 أخرج البخاري "7243"، ومسلم "1333" "400"، من حديث عائشة مرفوعا: "لولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم، أن أدخل الجدر بالبيت وأن ألصق بابه في الأرض" .

(3/192)


فصل: من أدرك ركعة أتم جمعة
"و" وكذا دونها في رواية "و هـ" والمذهب: لا، وذكر ابن عقيل أن الأصحاب لا يختلفون فيه؛ لأن إدراك المسافر إدراك إيجاب وهذا إدراك إسقاط؛ لأنه3 لو صلى منفردا صلى أربعا، فاعتبر إدراك تام؛ ولأنه لو أدرك من صلاة الجماعة دون ركعة ثم تفرقت الجماعة أدرك فضل الجماعة، ولو أدرك ذلك من الجمعة لم يدركها، قال أحمد: لولا الحديث لكان ينبغي أن يصلي ركعتين، وقال: قاله ابن مسعود، وفعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا إنما تصح ظهره معهم بنية الظهر، وتحرم بعد الزوال "و م ش" وقيل: لا تصح، لاختلاف النية، وقال
ـــــــ
...............................
ـــــــ
3 يعني الذي يدرك ركعة من الجمعة.

(3/192)


أبو إسحاق وذكره القاضي: المذهب ينوي الجمعة "خ" تبعا لإمامه ثم يتم ظهرا.
قال صاحب المحرر: وهو ضعيف، فإنه فر من اختلاف النية ثم التزمه في البناء، والواجب العكس أو1 التسوية، ولم يقل أحد من العلماء بالبناء مع اختلاف يمنع الاقتداء، وذكر ابن عقيل قوله والقول الأول روايتين، وقال في فنونه أو عمد الأدلة: لا يجوز أن يصليها ولا ينويها ظهرا؛ لأن الوقت لا يصلح، فإن دخل نوى جمعة وصلى ركعتين، ولا يعتد بها.
ومن أدرك مع الإمام ما يعتد به فأحرم، ثم زحم عن السجود أو نسيه، أو أدرك القيام وزحم عن الركوع والسجود حتى سلم، أو توضأ لحدث وقلنا يبني ونحو ذلك، استأنف ظهرا، نص عليه "و م"2 لاختلافهما في فرض وشرط، كظهر وعصر، ولافتقار كل منهما إلى النية، بخلاف بناء التامة على المقصورة؛ لأن الإتمام3 لا يفتقر، وعنه: يتمها ظهرا "و ش" وعنه: جمعة "و هـ" كمدرك ركعة، وعنه: يتم جمعة من زحم عن سجود أو نسيه لإدراكه الركوع، كمن أتى بالسجود قبل سلام إمامه على الأصح "و م" لأنه أتى به في جماعة، والإدراك الحكمي كالحقيقي لحمل الإمام السهو عنه، وإن أحرم فزحم وصلى فذا لم يصح، وإن أخرج في الثانية فإن نوى
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "و".
2 في "ط": "وهـ".
3 في "س" و"ب": "الائتمام".

(3/193)


مفارقته أتم جمعة، وإلا فعنه: يتم جمعة، كمسبوق، وعنه: يعيد؛ لأنه فذ في ركعة "م 22".
ولا أذان في الأمصار لمن فاتته، قاله أحمد ونقل حنبل في المسافرين إذا أدركوا يوم الجمعة 1"وحضرت صلاة الظهر: صلوا"1 وصلوا صلاة الظهر بأذان وإقامة إنما هي ظهر، ويتوجه أن إظهاره كالجمعة كما سبق، ويتوجه إخفاؤه.
ـــــــ
1 في "ط": "وصلوا صلاة الظهر".

(3/194)


فصل: تسقط الجمعة إسقاط حضور لا وجوب
فيكون حكمه كمريض ونحوه، لا كمسافر ونحوه عمن حضر العيد مع الإمام عند الاجتماع، وذكر في الخلاف أنه الظاهر من قول الشافعية فيمن كان خارج البلد، ويصلي الظهر كصلاة أهل الأعذار، وعنه: لا تسقط "و" كالإمام، وعنه: تسقط عنه أيضا، اختاره جماعة، لعظم المشقة عليه، فهو أولى بالرخصة. وجزم ابن عقيل وغيره بأن له الاستنابة، وقال: الجمعة تسقط بأيسر عذر، كمن له عروس تجلى عليه، فكذا المسرة بالعيد، كذا قال في مفرداته.
وقال صاحب المحرر: لا وجه لعدم سقوطها مع إمكان الاستنابة.
ـــــــ
مسألة - 22: قوله وإن أحرم فزحم وصلى فذا لم يصح، وإن أخرج في الثانية فإن نوى مفارقته أتم جمعة، وإلا فعنه: يتم جمعة، كمسبوق، وعنه: يعيد؛ لأنه فذ في ركعة، انتهى. وأطلقهما في الفصول والمغني2 والشرح والرعاية الكبرى:
إحداهما: لا تصح، ويعيدها ظهرا، وهو الصحيح، قدمه ابن تميم، ذكره في باب موقف الإمام والمأموم. قلت: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
ـــــــ
2 3/186.

(3/194)


وعنه1: لا تسقط عن العدد المعتبر، اختاره صاحب التلخيص.
ويسقط في الأصح العيد بالجمعة "خ" كالعكس وأولى، فيعتبر العزم على الجمعة، وقال أبو الخطاب والشيخ: يسقط بفعلها وقت العيد، وفي مفردات ابن عقيل احتمال تسقط الجمع وتصلى فرادى، وفي الفصول والمستوعب والتلخيص ونهاية أبي المعالي: ويجلس مكانه ليصلي العصر، ولم يذكره الأكثر، لضعف الخبر الخاص فيه، واحتج ابن عقيل أيضا بقوله عليه السلام: "لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها" 2. ويستحب انتظار الصلاة بعد الصلاة، ذكره جماعة، منهم صاحب المغني والمحرر، وجلوسه بعد فجر وعصر إلى طلوعها وغروبها، لا في بقية الأوقات، نص عليه، واقتصر صاحب المغني والمحرر على الفجر؛ لأنه عليه السلام كان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس حسنا. رواه مسلم3 عن جابر بن سمرة أي مرتفعة، وإن قام وجلس بمكان فيه فلا بأس، كقول4 الأصحاب: لا يجوز الخروج من معتكفه، وصرحوا بالمسجد، والأول أفضل وأولى، وفي الصحيحين5 من حديث أبي هريرة: "فإذا صلى لم تزل الملائكة
ـــــــ
6"والرواية الثانية: يتمها جمعة، وتصح"6.
فهذه اثنتان وعشرون مسألة قد من الله بتصحيحها.
ـــــــ
1 بعدها في الأصل: "لا تسقط".
2 أخرجه البخاري "661"، ومسلم "640" "222"، من حديث أنس.
3 في صحيحه "2672".
4 في "ط": لقول".
5 البخاري "647"، ومسلم "649" "272".
6 ليست في "ط".

(3/195)


تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة" . وفي الصحيح1: "فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه" 2. وزاد في دعاء الملائكة: "اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه" . وفي الصحيح: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يحدث" 2 وفي الصحيح: "أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه والملائكة تقول: اللهم اغفر له وارحمه، ما لم يقم من مصلاه أو يحدث" 2 وفي الصحيح: "لا يزال في الصلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة ما لم يحدث" 2.
قال ابن هبيرة: انتظار العبادة عبادة، وإذا لم يحدث فهو على هيئة الانتظار، فنافى بحدثه حال المتأهبين لها، فلذلك كان الدعاء من الملائكة له، ويتوجه احتمال لا يخرج حتى يزول النهي. ويصلي ركعتين، للخبر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "الصبح".
2 انظر تخريج الحديث السابق.

(3/196)


وفيه ضعف.
قال صاحب المحرر: والأولى أن يشتغل بالذكر، وأفضله قراءة القرآن، وعن عطية العوفي وهو ضعيف عن أبي سعيد مرفوعا يقول الله: من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل1 ثواب الشاكرين، وإن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. رواه الترمذي2، وقال: حسن غريب، وعن ابن عمر مرفوعا من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين رواه أبو حفص بن شاهين3، وذكر أن خبر أبي سعيد يفسره، وأن بعضهم حمله على ظاهره، قال ابن حبان4: هذا موضوع ما رواه إلا صفوان5 بن أبي الصهباء، وذكر ابن الجوزي الخبرين في الموضوعات6، كذا قال، وليس خبر أبي سعيد بموضوع، وفي حسنه نظر، وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وعن أبي هريرة مرفوعا من لم يسأل الله يغضب عليه وعنه أيضا مرفوعا ليس شيء أكرم على الله من الدعاء. رواهما
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في سننه "2926".
3 وأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" 6/46.
4 في "المجروحين" 1/376.
5 في الأصل: "سفيان".
6 2/348.

(3/197)


الترمذي وابن ماجه1، وعنه أيضا مرفوعا: أعجز الناس من عجز بالدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام حديث حسن رواه أبو يعلى الموصلي وغيره2.
وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف ولم يره شيخنا، ويأتي آخر الاعتكاف3 إن شاء الله تعالى.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الترمذي "3373" و"3370"، ابن ماجه "3829".
2 وأخرجه الطبراني في "الدعاء" "61"، من حديث عبد الله بن مغفل.
3 5/189.

(3/198)


باب صلاة العيدين
مدخل
...
باب صلاة العيدين1
وهي فرض كفاية، فيقاتل الإمام أهل بلد تركوها، وعنه: فرض عين، 2"اختاره شيخنا"2 "و هـ" وعنه: سنة، جزم به في التبصرة "و م ش" فلا يقاتل تاركها، كالتراويح والأذان، خلافا النهاية أبي المعالي. ويكره أن ينصرف من حضر3 ويتركها.
ويشترط لوجوبها شروط الجمعة "و" وأوجبها في المنتخب بدون العدد. وقيل لأحمد في رواية ابن هانئ: على المرأة صلاة عيد؟ قال: ما بلغنا في هذا شيء، ولكن أرى أن تصلي، وعليها ما على الرجال، يصلين في بيوتهن.
ويشترط لصحتها أداء4: الاستيطان، وعدد الجمعة، فلا تقام إلا حيث تقام5، اختاره الأكثر "و هـ": وعنه لا، اختاره جماعة "و م ش" فيفعلها المسافر والعبد والمرأة والمنفرد، وعلى الأولى يفعلونها تبعا، لكن يستحب أن يقضيها من فاتته كما يأتي6. واختار شيخنا: لا "و هـ" وإنه7: هذه الرواية، لأنه عليه السلام وخلفاءه لم يصلوها في سفر. قال
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "العيد".
2 ليست في "س".
3 في "ط": "حضرها".
4 في الأصل و"ط": "إذن".
5 بعدها في "ط": "الجمعة".
6 ص 208.
7 في "ط": "أن".

(3/199)


صاحب المحرر: ليست بدون استيطان وعدد سنة مؤكدة "ع" وأوجب ابن عقيل السعي من بعد، لعدم تكرره وإنا إذا لم نعتبر العدد، كفى1 استيطان أهل البادية، واعتبر الاستيطان رواية واحدة، وذكر في العدد الروايتين.
وللمرأة حضورها "و م ر" وعنه: يستحب، اختاره ابن حامد وصاحب المحرر "و ش" في غير المستحسنة، وعنه: يكره، وعنه: للشابة "و هـ" وعنه: لا يعجبني "و م ر".
ووقتها كصلاة الضحى لا بطلوع الشمس "و ش م ر" و2 يسن تعجيل الأضحى "م" بحيث يوافق من بمنى في ذبحهم، نص عليه، والإمساك حتى يأكل من أضحيته "و" وتأخير الفطر "م" والأكل فيه قبل الخروج "و" والأفضل تمرات وترا، قال صاحب المحرر وعنه: وهو آكد من إمساكه في الأضحى، والتوسعة على الأهل، والصدقة، وتبكير المأموم ماشيا، قال جماعة: بعد صلاة3 الفجر "و ش" لا بعد طلوع الشمس "م ر"، وقال أبو المعالي: إن كان4 البلد ثغرا استحب الركوب وإظهار السلاح، ويكون مظهرا للتكبير "و م ش": يظهره في الفطر فقط، لا عكسه "هـ" ويسن لبس أحسن ثيابه "و" إلا المعتكف في العشر الأواخر أو عشر ذي الحجة5 من معتكفه إلى المصلى في ثياب اعتكافه "و ش" نص على ذلك،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "ففي".
2 في الأصل: "وعنه".
3 في "س": "طلوع".
4 في الأصل: "كانت".
5 ليست في "ب" و"س" و"ط"، وهي نسخة في هامش "س".

(3/200)


وقال جماعة: إلا الإمام، وقال القاضي في موضع معتكف كغيره في زينة1، وطيب ونحوهما: ثياب جيدة ورثة للكل2 سواء.
ويسن تأخر الإمام إلى الصلاة، والصحراء أفضل "و هـ م" نقل حنبل: الخروج إلى المصلى في العيد أفضل إلا ضعيفا أو مريضا، ولم يزل أبو عبد الله يأتي المصلى حتى ضعف، وكره الأكثر الجامع بلا عذر، وليس بأفضل إن وسعهم "ش" بل لأهل مكة "و" لمعاينة الكعبة.
وذهابه في طريق ورجوعه في آخر "و" قيل: يرجع في الأقرب، والجمعة في هذه كالعيد في المنصوص.
ـــــــ
1 في الأصل: "وزينة".
2 في "ط": "الكل".

(3/201)


فصل: ثم يصلي ركعتين
"ع" فيكبر للإحرام "و" ثم يستفتح "م" ثم يكبر ستا "و م" وعنه: سبعا "و ش" زوائد، ثم يتعوذ "م" وعنه: يستفتح بعد الزوائد، اختاره الخلال وصاحبه، وعنه: يخير، ويكبر في الثانية قبل قراءتها، وعنه: بعدها "و هـ" خمسا زوائد "و م ش" لا ثلاثا زوائد في كل ركعة "هـ" وعنه: خمسا في الأولى وأربعا في الثانية، واحتج بأنس3. قال أحمد: اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التكبير وكله جائز. وعنه: يصلي أهل القرى بلا تكبير، ونقل جعفر: يصل أهل القرى أربعا، إلا أن يخطب فركعتين.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
3 أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/174، عن أنس: أنه كان يكبر في العيد تسعا.

(3/201)


ويرفع يديه مع كل تكبيرة، نص عليه، لا لإحرامه فقط "م" ولا له وللزوائد "هـ". وبين كل تكبيرتين ذكر "هـ م" غير مؤقت، نقله حرب "و ش" يؤيده أنه روي عنه وعنه: يحمد ويكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. 1"وعنه: ويدعو، وعنه: ويسبح ويهلل، وعنه: يذكر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم"1. وعنه: يدعو ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. واحتج في المسألة بقول ابن مسعود2، وهو مختلف وعنه: وفي الذكر بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين وجهان "م 1".
والتكبيرات الزوائد والذكر بينهما سنة "و": شروط للصلاة. وفي
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وفي الذكر بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين وجهان، انتهى. وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى، البحرين وغيرهم. أحدهما: يأتي به أيضا، وهو الصحيح، قال المجد في شرحه: هذا أصح، قال الزركشي: وهو ظاهر كلام أبي الخطاب.
والوجه الثاني: لا يأتي به، قاله القاضي وابنه أبو الحسين، وجزم به في المحرر، والوجيز، وقدمه في الفائق، قال في الرعاية الصغرى والحاويين: ويقوله في وجه، فظاهره أن المشهور لا يقوله، قلت: وهو ظاهر كلامه في المغني3،
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/292، وفيه تفتح بها الصلاة، وتحمد ربك، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
3 3/274.

(3/202)


"الروضة": إن ترك التكبيرات الزوائد ثم ولم تبطل، وساهيا لا يلزمه سجود لأنها هيئة. كذا قال. ويقرأ فيهما جهرا "و" وعنه: أدناه بعد الفاتحة الأولى بسبح والثانية بالغاشية، الأولى {ق}، والثانية {اقْتَرَبَتِ}، اختاره الآجري: لا توقيت، اختاره الخرقي "و هـ م".
ومن أدرك الإمام قائما بعد التكبير الزائد أو بعضه، أو ذكره قبل الركوع لم يأت بها في الأصح "و ق" نص عليه في المسبوق، كما لو أدركه راكعا "هـ" نص عليه، قال جماعة: كالقراءة، وأولى؛ لأنها ركن، قال الأصحاب: أو ذكره فيه "و" وفي كلام الحنفية: يقوم فيأتي به؛ لأنه يؤتى به فيه، كتكبير1 الركوع عند الانحطاط للركوع؛ ولأن المقتدي المسبوق بها يأتي بها إذا خاف رفع الإمام من الركوع، وعن "هـ" في عود راكع إلى القيام للقنوت روايتان، وإن أتى به الذاكر لم يعد القراءة "م" وإن كان فيها أتى به ثم يستأنفها، وقيل: لا يستأنف إن كان يسيرا، وأطلقه القاضي وغيره.
ـــــــ
1 في الأصل: "كتكبيرة".

(3/203)


فصل: ثم يخطب خطبتين، فلو خطب قبل الصلاة لم يعتد بالخطبة،
ذكره
ـــــــ
و"الشرح"2، وشرح ابن رزين؛ لأنهم قالوا: يأتي بهذا الذكر بين كل تكبيرتين.
ـــــــ
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/346.

(3/203)


صاحب المحرر قول أكثر العلماء "هـ ش" وذكر أبو المعالي وجهين، وهما كالجمعة في أحكامها على الأصح "و م" إلا التكبير مع الخاطب "م ر" واستثنى جماعة الطهارة واتحاد الإمام والقيام والجلسة والعدد لكونها سنة "و" لا شرط للصلاة في الأصح، فأشبها الأذان والذكر بعد الصلاة.
وفي تحريم الكلام روايتان إما كالجمعة أو لأن خطبتها مقام ركعتين، بخلاف العيد "م 2". وفي النصيحة: إذا استقبلهم سلم وأومأ بيده.
ويسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات "و م" نسقا "و" وظاهر كلامه:
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: وفي تحريم الكلام يعني حال الخطبة روايتان، إما كالجمعة، أو لأن خطبتها مكان ركعتين، بخلاف العيد، انتهى. وأطلقهما في الفصول والشرح1، والحاويين.
إحداهما: لا يجوز الكلام، وهو الصحيح، قال في الرعايتين: خطبتا العيدين في أحكامهما كخطبة الجمعة حتى في أحكام الكلام على الأصح، وقدمه في الفائق، قال ابن تميم: وهي في الإنصات والمنع من الكلام كخطبة الجمعة، نص عليه، وعنه: لا بأس بالكلام فيها، بخلاف الجمعة، انتهى. قال الإمام أحمد: إذا لم يسمع الخطيب في العيد إن شاء رد السلام وشمت العاطس، وإن شاء لم يفعل، انتهى.
والرواية الثانية: يجوز الكلام حالة الخطبة؛ لأن الخطبة غير واجبة، فلم يجب الإنصات كسائر الأذكار.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/357.

(3/204)


جالسا، وقيل: قائما "و م ق" فلا جلسة ليستريح إذا صعد، لعدم الأذان هنا، بخلاف الجمعة.
والثانية بسبع "و ش": بعد فراغها اختاره القاضي، قال أحمد: قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة1: إنه من السنة وقيل: التكبيرات شرط، واختار شيخنا: يفتتحها بالحمد؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغيره، وقال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله، فهو أجذم" 2. ويذكر في خطبة "الفطر" حكم الفطرة وفي الأضحى الأضحية، وفي نهاية أبي المعالي: إذا فرغ فرأى قوما لم يسمعوها استحب إعادة مقاصدها لهم؛ لأنه عليه السلام حيث رأى أنه لم يسمع النساء أتاهن فوعظهن وحث على الصدقة، فدل على استحبابه في حق النساء لفعله عليه السلام، المتفق عليه3، ولم يذكره الأصحاب، والمراد مع عدم خوف فتنة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو عبد الله الهذلي، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، الإمام الفقيه، مفتي المدينة وعالمها، أحد الفقهاء السبعة. "ت 98هـ". "سير أعلام النبلاء" 4/475.
2 أخرجه أبو داود "4840"، وابن ماجه "1894".
3 أخرجه البخاري "5881" ومسلم "884"، من حديث ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد، فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد، ثم أتى النساء، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تصدق بخرصها وسخابها.

(3/205)


وترك نفل الصلاة قبل صلاة العيد وبعده في مكانها قبل مفارقته أولى، لأن في الصحيحين وغيرهما أنه عليه السلام لم يفعله1. وإنما نهيه عليه السلام عنه من حديث جرير، رواه أبو بكر النجاد2، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواه ابن بطة3، فلا تظهر صحتهما، قال أحمد: لا أرى الصلاة، قال في المستوعب وغيره: لا يسن ذلك، ونقل الجماعة: لا يصلي، وهو المذهب وأنه يكره "و م و هـ" قبلها
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج البخاري "989"، ومسلم "884" "1"، وأبو داود "1059"، والترمذي "537"، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها، ومعه بلال.
2 لم نقف عليه.
3 أخرج أحمد في "مسنده" "6688"، أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى، وخمسا في الآخرة، ولم يصل قبلها ولا بعدها.

(3/206)


ووافقه "ش" في الإمام، وفي الموجز: لا يجوز، وفي المحرر: لا سنة لها قبلها ولا بعدها، كذا قال، وكذا حكاه أبو بكر الرازي مذهب أبي حنيفة وفي النصيحة: لا ينبغي أن يصلي قبلها ولا بعدها حتى تزول الشمس، لا في بيته ولا طريقه، اتباعا للسنة ولجماعة صحابة، وهو قول أحمد، كذا قال. وقيل: يصلي تحية المسجد، واختاره أبو الفرج، وجزم به في الغنية، وهو أظهر، ونصه: لا، وكره أحمد قضاء فائتة لئلا يقتدى به.
ومن كبر قبل سلام الإمام صلى ما فاته على صفته، لا أربعا، نص عليه "و" كسائر الصلوات، وقال القاضي: هو كمن فاتته الجمعة، لا فرق في التحقيق. ويكبر1 مسبوق في القضاء بمذهبه، كبعد الفراغ في أحد
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "وتكبير".

(3/207)


الوجهين، ذكرهما أبو المعالي، وعنه: بمذهب إمامه "و م" كمأموم "م 3" "و" وكذا إن فاته ركعة أو اثنتان بنوم أو غفلة وعند "هـ" بمذهب إمامه، وفي نهاية أبي المعالي خلاف في المأموم.
ومن فاتته حضر الخطبة ثم صلاها "هـ" ندبا "و" على صفتها "م ش" متى شاء وعند ابن عقيل: قبل الزوال، وإلا من الغد: لا يكبر المنفرد، وقيل: وغيره، وعنه: يصليها أربعا بلا تكبير بسلام، قال بعضهم: كالظهر: أو بسلامين يخير بين ركعتين وأربع.
وإن خرج وقتها فكالسنن في القضاء، وقال في الفصول وغيره: فيمن قضاها يستحب أن يجمع أهله ويصليها جماعة، فعله أنس1. ويجوز
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: ويكبر مسبوق في القضاء بمذهبه، كبعد الفراغ في أحد الوجهين، ذكرهما أبو المعالي، وعنه: بمذهب إمامه، كمأموم، انتهى. أطلق المصنف الوجهين في صفة تكبير المأموم إذا صلى بعد فراغ الإمام، أحدهما يكبر بمذهبه "قلت": وهذا الصواب الذي لا شك فيه.
والوجه الثاني يكبر بمذهب الإمام، 2"وقد"2 قال الأصحاب: إذا أدرك الإمام في التشهد قام إذا سلم فصلى كصلاته على الصحيح، وإن أدرك معه ركعة قضى أخرى وكبر فيها ستا بناء على الصحيح من المذهب أن ما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته، وما يقضيه أولها، وعلى الرواية الأخرى يكبر خمسا.
تنبيه: صرح المصنف أن المسبوق يكبر في القضاء بمذهبه على المقدم من الروايتين، والرواية الثانية يكبر بمذهب إمامه، إذا علم ذلك، فظاهر كلامه أن المصلي
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/183، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/305 بلفظ: كان أنس إذا فاته صلاة العيد مع الإمام، جمع أهله، فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد.
2 في "ص": "قلت".

(3/208)


استخلافه للضعفة "م" وفي صفة صلاة الخليفة الخلاف لاختلاف الرواية في صفة صلاة خليفة علي وأبي مسعود البدري1 رضي الله عنهما2. وعنه: يصلي ركعتين إن خطب فإنها تستحب لها3، وله تركها، وإلا أربعا، وقيل: إن صلى أربعا لم يصلها قبل الإمام؛ لأن بتعييده يظهر شعار
ـــــــ
إذا لم يدرك شيئا من الصلاة بل صلى بعد الفراغ منها أن في صفة صلاته وجهين، ذكرهما أبو المعالي، أحدهما يكبر بمذهبه، والثاني بمذهب الإمام الذي صلى، وهو مشكل جدا، بل الصواب الذي يقطع به أنه يكبر بمذهب نفسه، إذ لا تعلق له بالإمام بعد الفراغ، وكيف يتأتى أن يقدم المصنف أن المسبوق يكبر في القضاء بمذهبه لا بمذهب إمامه ويطلق الخلاف فيما إذا صلى بعد فراغ الإمام؟ وهذا لا يقال ولا يصح، ولعله أراد بالفراغ الفراغ من التكبير لا الفراغ من الصلاة، وأراد بالمسبوق الأول المسبوق ببعض التكبير، وهو بعيد، والله أعلم.
فإن كان أراد هذا فالصحيح أن حكمه حكم المسبوق ببعض التكبير من أنه يكبر بمذهبه، انتهى. والوجه الثاني الذي ذكره أبو المعالي مسكوت عنه، فيحتمل أن يكون
ـــــــ
1 هو: عقبة بن عمرو ثعلبة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم. "ت 40 هـ". "تهذيب الكمال" 20/215.
2 أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/184 – 185، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/310 – 311، أن عليا أمر رجلا أن يصلي بضعفة الناس في المسجد يوم فطر، أو يوم أضحى، وأمره أن يصلي أربعا. واللفظ للبيهقي.
3 في "ب" و"س" و"ط": "له".

(3/209)


اليوم، وأيهما سبق سقط به الفرض وضحى، وينويه المسبوق نفلا. قال في الرعاية: فإن نووه فرض كفاية أو عين، أو جهلوا السبق فنووه فرضا أو سنة، فوجهان، ويأتي في صلاة الجنازة مرة ثانية1. واحتج في الخلاف بصلاة خليفة علي أربعا على قضاء من فاتته أربعا. قال: ومعلوم أنه لم يستخلف من يصلي بهم صلاة العيد أداء؛ لأن الأداء لا يكون أربعا، وإنما يكون ركعتين، علم أنه استخلف عليهم من يصلي بهم بعد فوات الصلاة معه، كذا قال.
وإذا أخروا العيد لعذر أو غيره "هـ" إلى الزوال صلوا "م" "من" الغد، ولو أمكن في يومها "ش" وكذا لو مضى أيام صلوا، خلافا للقاضي "هـ" في الفطر و "في" الأضحى وثاني التشريق وفي تعليق القاضي: إن علموا بعد الزوال فلم يصلوا من الغد لم يصلوا، وهي قضاء، وفي نهاية أبي المعالي: أداء مع عدم العلم أو العذر.
ـــــــ
كما قلنا، ويحتمل أن يكون على ظاهره، 2"وأنه لم يدرك مع الإمام شيئا من الصلاة، وهو أولى"2؛ ولغرابته عزاه المصنف إليه إذ لم يذكره غيره، وقصد حكاية الخلاف في3 إطلاقه، ولعل4 وجهه: أن صلاة هذا تبع لصلاة الإمام فيصلي كصلاته، وهو بعيد جدا.
ـــــــ
1 ص 349.
2 ليست في "ح".
3 في "ص": "إلى".
4 في "ط": "لعله".

(3/210)


فصل: يسن التكبير ليلة الفطر وإظهاره
...
فصل: يسن التكبير ليلة الفطر "هـ م" وإظهاره
، نص عليه. ومن الخروج "و" إلى فراغ الخطبة وعنه: إلى خروج الإمام "و ق" وعنه: إلى وصوله المصلى.
والتكبير فيه آكد من الأضحى، نص عليه، ولا يكبر عقيب المكتوبة في الأشهر "و" ويسن المطلق في عشر ذي الحجة "هـ م" ولو لم ير بهيمة الأنعام "ش" ويرفع صوته به، قاله أحمد، وفي الغنية والكافي1 وغيرهما: يسن إلى آخر التشريق أيضا.
وأيام العشر: الأيام المعلومات "و هـ ش" وأيام التشريق المعدودات "و" وعنه: عكسه، وعنه: المعلومات يوم النحر ويومان بعده "و م" وعنه: يوم النحر وأيام التشريق.
ويكبر في خروجه إلى المصلى "و" ويسن فيه المقيد وهو للمحل، وعنه: حتى المنفرد "و م ش" من صلاة فجر يوم عرفة "و هـ"وعنه: هو
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/524.

(3/211)


كالمحرم من صلاة الظهر يوم النحر "و م ش" لا من فجر عرفة "هـ" وينتهي تكبيرهما عقب عصر آخر أيام التشريق لا عصر يوم النحر "هـ" ولا صلاة فجر آخر أيام التشريق "م ش" ونقل جماعة: مثله لمحرم1، اختاره الآجري.
ويكبر إمام "إلى" القبلة في ظاهر نقل ابن القاسم، اختاره الشيخ كغيره، والأشهر يستقبل الناس وقيل يخير.
وإن قضى فيها مكتوبة من غير أيامها كبر في رواية "و هـ ش" كأيامها "و" في عامها قيل في حكم المقضي كالصلاة وقيل أداء لأنه تعظيم وقيل: أداء؛ لأنه تعظيم للزمان، وعنه: لا يكبر "م 4 و 5" "و ق" ولا يكبر بعد أيامها، لأنه سنة فات
ـــــــ
مسألة - 4: قوله، وإن قضى فيها مكتوبة من غير إيامها كبر في رواية كأيامها، في عامها، قيل: في حكم المقضي، كالصلاة، وقيل: أداء؛ لأنه تعظيم للزمان، وعنه: لا يكبر، انتهى، ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى - 4: إذا قضى في أيام التكبير صلاة مكتوبة من غير أيامها، فذكر فيها روايتين:
إحداهما: يكبر، وهو الصحيح، جزم به في المغني2، والشرح3 وشرح ابن رزين.
ـــــــ
1 في الأصل" "المحرم".
2 3/292.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/376.

(3/212)


وقتها. قال ابن عقيل: باطل بالسنن الراتبة، فإنها تقضى مع الفرائض، أشبه التلبية.
ولا يكبر عقيب نافلة خلافا للآجري "ق" ولا عقيب الأضحى والفطر إن قيل فيه مقيد، نقله الجماعة "ق" يكبر اختاره جماعة منهم، أبو بكر وأبو الوفاء، وقال: هو الأشبه بالمذهب وأحق لأنه ليس لنا صلاة لا يتعقبها ذكر.
ولا تجهر به امرأة، وتأتي به كالذكر عقب الصلاة: تكبر تبعا للرجال فقط "و هـ" وعنه: لا تكبر كالأذان، وقال القاضي: هذا النهي يرجع إلى الجهر، كما حملنا حذف السلام في الثانية على الجهر، وفي الترغيب: هل يسن لها التكبير؟ فيه روايتان.
ومسافر كمقيم ولو لم يأتم بمقيم "هـ" ومميز كبالغ، فيتوجه: مثله صلاة
ـــــــ
والرواية الثانية: لا يكبر، قال المجد في شرحه، الأقوى عندي أنه لا يكبر، وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين "قلت": والنفس تميل إليه.
المسألة الثانية - 5: إذا قضى صلاة من أيام التكبير في 1"أيام التكبير في"1 عامها فإنه يكبر لها، إذا علمت ذلك فقال المصنف: قيل: في حكم المقضي، كالصلاة، وقيل أداء؛ لأنه تعظيم للزمان، هل يوصف التكبير بالقضاء كالصلاة أو لا يوصف، وإن وصفت الصلاة به لأنها تعظيم للزمان؟.
قال في المغني2: وتبعه في الشرح3: وإذا فاتته صلاة من أيام التشريق،
ـــــــ
1 ليست في "ح".
2 3/292.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/376.

(3/213)


معادة، ويتوجه احتمال، قال في الفصول في صلاة الصبي يضرب عليها بخلاف نفل البالغ. ومن نسيه "قضاه مكانه ويعود فيجلس من قام أو ذهب، وقيل: أو ماشيا "و ش" كالذكر" بعد الصلاة، وإن طال الفصل لم يأت به "و م ش" ويتوجه احتمال وتخريج، وهو ظاهر كلام جماعة.
وإن أحدث ولو سهوا "هـ" أو خرج من المسجد، وقيل: أو تكلم "*"، فوجهان "م 6".
ـــــــ
فقضاها فيها فحكمها حكم المؤداة في التكبير؛ لأنها صلاة في أيام التشريق، انتهى. قلت: الصواب أنه تبع للصلاة فهو في حكم المقضي، والله أعلم، وقال في الرعاية الكبرى: ومن قضى زمن التكبير صلاة فائتة فيه كبر، بلى، وقيل: هل يسن التكبير للقضاء في أيام التشريق مما تركه من غيرها؟ فيه وجهان، وقيل: من فاتته صلاة من أيام التشريق فقضاها فيها كالمؤداة في أيام التشريق في التكبير وعدمه، انتهى.
مسألة - 6: قوله: وإن أحدث ولو سهوا، أو خرج من المسجد، وقيل: أو تكلم فوجهان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم وصاحب تجريد العناية:
أحدهما: لا يكبر، وهو الصحيح، قال الشيخ في المقنع1: قضاء ما لم يحدث أو يخرج من المسجد، وهو ظاهر ما جزم به التلخيص والمحرر والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وإدراك الغاية وغيرهم، وقدمه في المغني2 والشرح3، والرعاية الكبرى وغيرهم، قال في الكافي4: وإن أحدث قبل التكبير لم يكبر، وإن نسي التكبير استقبل القبلة وكبر ما لم يخرج من
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/377.
2 3/293.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/378.
4 1/526.

(3/214)


ويكبر مأموم نسيه إمامه "و" ومسبوق إذا قضى "و" ومن لم يرم جمرة العقبة كبر ثم لبى، نص على الكل.
وصفته شفعا الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد "و هـ" واستحب ابن هبيرة تثليث التكبير أولا "و م ر" وآخرا "و ش" ولا بأس قوله لغيره: تقبل الله منا ومنك نقله الجماعة، كالجواب، وقال: "لا أبتدئ به" "الكل حسن" "يكره" قيل له في رواية حنبل: ترى له أن يبتدئ؟ قال: لا. ونقل1 علي بن سعيد2: ما أحسنه،
ـــــــ
المسجد، انتهى. وقال في المغني3 والشرح4 أيضا: قال أصحابنا: لا يكبر إذا أحدث.
والوجه الثاني يكبر، قال المجد في شرحه: وهو الصحيح، قال الشيخ في المغني3: والأولى إن شاء الله أنه يكبر ولو أحدث؛ لأن ذلك مفرد بعد سلام الإمام، فلا يشترط له الطهارة، كسائر الذكر، انتهى. وهو الصواب، وهذا الوجه اختاره الشيخان، ولكن يقوى المذهب بما قطع به في الكافي5 وغيره.
"*" تنبيه: قوله: وقيل: أو تكلم، هذا القول اختاره ابن عقيل، قال الشيخ في المغني3، وتبعه الشارح: وبالغ ابن عقيل فقال: إن تركه حتى يتكلم لم يكبر، انتهى.
فهذه ست مسائل قد صحت ولله الحمد.
ـــــــ
1 في "ب": "وعن".
2 هو: علي بن سعيد بن جرير، النسائي. ذكره ابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" ص 100، في ذكر من حدث عن أحمد على الإطلاق من الشيوخ والأصحاب.
3 3/239.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/378.
5 1/526.

(3/215)


إلا أن يخاف الشهرة، وفي النصيحة: أنه فعل الصحابة وأنه قول العلماء.
ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار، نص عليه "هـ م" وقال: إنما هو دعاء وذكر، قيل له: تفعله أنت؟ قال: لا، وأول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث1، وعنه: يستحب، ذكره شيخنا "خ" نقل عبد الكريم بن الهيثم2 أن أحمد قيل له: يكثر الناس، قال: وإن كثروا. قلت: ترى أن يذهب إلى المدينة يوم عرفة على فعل ابن عباس؟ قال: سبحان الله. ورخص في الذهاب، ولم ير شيخنا زيارة القدس ليقف به، أو عند النحر3، ولا التعريف بغير عرفة، وأنه لا نزاع فيه بين العلماء، وأنه منكر، وفاعله ضال.
ومن تولى صلاة العيد أقامها كل عام4، لأنها راتبة، ما لم يمنع منها، بخلاف كسوف واستسقاء، ذكره القاضي. وغيره، والله سبحانه أعلم.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو سعيد، عمرو بن حريث بن عمرو، المخزومي، الكوفة، الصحابي "85 هـ". "أسد الغابة" 4/213.
2 هو: أبو يحيى، عبد الكريم بن الهيثم، القطان، ذكره ابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" ص 99، في ذكر من حدث عن أحمد على الإطلاق من الشيوخ والأصحاب.
3 في الأصل و"س": "عيد".
4 في "س": "عيد".

(3/216)


باب صلاة الكسوف
مدخل
...
باب صلاة الكسوف
يقال: كسفت الشمس بفتح الكاف وضمها ومثله خسفت. وقيل1: الكسوف للشمس، والخسوف للقمر.
تسن "و" حضرا "و" وسفرا "و" والأفضل جماعة "و" في جامع "و": في المصلى، لا أن خسوف القمر في البيت منفردا "هـ م".
وللصبيان حضورها، واستحبه ابن حامد لهم وللعجائز2، كجمعة وعيد. وسبق حضور النساء جماعة الرجال.
ولا يشترط لها إذن الإمام3 ولا الاستسقاء "و" كصلاتهما منفردا: بلى، وعنه: لاستسقاء، وعنه: لها لصلاة وخطبة، لا للخروج والدعاء.
ولا تشرع خطبة "و هـ م" وعنه: بلى بعدها خطبتان، تجلى الكسوف أو لا، اختاره ابن حامد "و ش" وأطلق غير واحد في استحباب الخطبة روايتين، ولم يذكر القاضي وغيره نصا أنه لا يخطب، إنما أخذوه من نصه: لا خطبة في الاستسقاء. وقال أيضا: لم يذكر لها أحمد خطبة، وفي النصيحة: أحب أن يخطب بعدها.
وإن تجلى لم يصل "و" وفيها يخفف، وقيل: كنافلة إن تجلى قبل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "ويقال".
2 في النسخ الخطية: "ولعجائز"، والمثبت من "ط".
3 في "س" و"ب": "إمام".

(3/217)


الركوع الأول أو فيه، وإلا أتمها صلاة كسوف، لتأكدها بخصائصها، و1قال أبو المعالي: من جوز الزيادة عند حدوث الامتداد على القدر المنقول جوز النقصان عند التجلي، ومن منع منع النقص؛ لأنه التزم ركنا بالشروع، فتبطل بتركه، وقيل: لا تشرع2 الزيادة لحاجة زالت، كذا قال، وكذا إن غرب، والأشهر يصلي إذا غاب القمر خاسفا ليلا، وفي منع الصلاة له بطلوع الفجر كطلوع الشمس وجهان، إن فعلت وقت نهي "م 1". وليس وقتها كالعيد "م".
ولا تقضى، كاستسقاء وتحية مسجد وسجود شكر.
ولا تعاد "و" وقيل: بلى ركعتين3. وأطلق أبو المعالي في جوازه وجهين، وعلى الأول: يذكر ويدعو حتى تنجلي، ويعمل بالأصل في بقائه ووجوده ولا عبرة بقول المنجمين، ولا يجوز العمل به.
ـــــــ
مسألة - 1 قوله: والأشهر يصلي إذا غاب القمر خاسفا ليلا، وفي منع الصلاة له بطلوع الفجر كطلوع الشمس وجهان، إن فعلت وقت نهي، انتهى. وأطلقهما في الرعاية الكبرى ومختصر ابن تميم وتجريد العناية، قال الشارح: فيه احتمالان، ذكرهما القاضي:
أحدهما لا يمنع من الصلاة إذا قلنا إنها تفعل في وقت نهي، اختاره المجد في شرحه، قال في مجمع البحرين: لم يمنع في أظهر الوجهين، وهو ظاهر كلام أبي الخطاب.
والوجه الثاني: اختاره الشيخ الموفق، قال في مجمع البحرين: قال الشارح عن احتمالي4 القاضي: أحدهما: لا يصلي، لأن القمر آية الليل، وقد ذهب الليل، أشبه ما
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في النسخ الخطية: "لشرع"، والمثبت من "ط".
3 بعدها في "ب": "وركعتين".
4 في "ط": "احتمال".

(3/218)


فصل: وهي ركعتان، يقرأ في الأولى جهرا على الأصح،
ولو في كسوف الشمس "خ" بالفاتحة، ثم بنحو البقرة، ثم يركع فيطيل. وقال جماعة: نحو مائة آية "و ش" وقيل: معظم القراءة، وقيل: نصفها، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة، ودون القراءة الأولى، قيل: كمعظمها، ثم يركع دون الأول، نسبته إلى القراءة كنسبة الأول منها، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين ويطيلهما في الأصح "ش" وقيل: كالركوع "و م" وقيل1: وكذا الجلسة بينهما "خ" ولا يطيل اعتدال الركوع، "و" وذكره بعضهم "ع" وانفرد أبو الزبير2 عن جابر مرفوعا بإطالته3، فيكون فعله مرة لبيان الجواز، أو أطاله قليلا ليأتي بالذكر الوارد فيه، قال جابر: فانصرف حين انصرف وقد آضت الشمس4، أي رجعت إلى حالها الأول بهمزة ممدودة من آض يئيض إذا رجع، ومنه قولهم "أيضا". وهو مصدر منه ووصفت عائشة بأنه أطالها جدا5
ـــــــ
إذا طلعت الشمس، والثاني يصلي؛ لأن الانتفاع بنوره باق، فأشبه ما قبل الفجر، انتهى.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 هو: الإمام، الحافظ، الصدوق، أبو الزبير، محمد بن مسلم بن تدرس القرشي، الأسدي، مولى حكيم بن حزام، روى له الجماعة؛ إلا أن البخاري روى له مقرونا بغيره. "ت 128 هـ". "تهذيب الكمال" 6/503، "سير أعلام النبلاء" 5/380.
3 أخرجه مسلم "904" "9" من حديث جابر بن عبد الله قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فأطال القيام، حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحوا من ذاك... الحديث
4 مسلم "904" "10".
5 أخرجه البخاري "1044" ومسلم "901" ولفظ مسلم: قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فأطال القيام جدا، ثم ركع فأطال الركوع حدا. ثم رفع رأسه فأطال القيام جدا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع جدا...." الحديث.

(3/219)


وهو بكسر الجيم نصب على المصدر أي جد جدا وفي الإشارة: بعد رفعه من ركوعه الأول يسبح قدر ما قرأ وروي: يقرأ وفي النصيحة: إذا رفع من ركوعه الثاني في الأولى سمع وحمد، وإن ذكر فحسن، ثم يصلي الثانية كذلك دون الأولى، "و" قال القاضي وابن عقيل: القراءة في كل قيام أقصر مما قبله، وكذا التسبيح، وذكر أبو الخطاب وغيره قراءة القيام الثالث أطول من الثاني، ثم يتشهد ويسلم، وليست كهيئة نافلة "هـ"1 ووافقه "م"2 في خسوف القمر.
وتجوز بكل صفة رويت فقط، فمنه ثلاث ركوعات في كل ركعة، وأربع في كل ركعة، وروى أبو داود3 من حديث أبي بن كعب: خمس في كل ركعة، ومنعه بعضهم؛ لأنه لم يره، وفي السنن: كصلاة النافلة: وعنه:
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "و".
2 ليست في الأصل. وفي "ط": "و".
3 أبو داود "1182"، من حديث أبي بن كعب قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين. الحديث.

(3/220)


أربع ركوعات في كل ركعة أفضل والركوع الثاني سنة، وتدرك به الركعة في أحد الوجهين "م 2" "و م" واختار1 أبو الوفاء: إن صلاها الإمام بثلاث ركوعات لإدراكه معظم الركعة، ولو زاد في السجود كما زاد في الركوع لم يجز؛ لأنه لم يرد، والركوع متحد.
ـــــــ
1 في "س": "اختاره".
2 بعدها في "ط": "و".

(3/221)


فصل: تقدم الجنازة على الكسوف،
ويقدم هو على الجمعة إن أمن فوتها، "و" أو لم يشرع في خطبتها، وكذا على العيد والمكتوبة في الأصح "و" وفي تقديم
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: والركوع2 والثاني سنة، وتدرك به الركعة في أحد الوجهين، انتهى. وأطلقهما ابن تميم وصاحب مجمع البحرين والمصنف في حواشيه، وهما احتمالان مطلقان في المغني3، والشرح4:
أحدهما: يدرك به الركوع، قدمه في الرعايتين، والحاويين.
والوجه الثاني: لا يدرك به الركوع، اختاره القاضي وجزم به في "الإفادات"، 5"وذكر المصنف اختيار ابن عقيل"5.
ـــــــ
3 3/332.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/402.
5 ليست في "ح".

(3/221)


الوتر إن خيف فوته والتراويح عليه وجهان "م 3 و 4" وقيل إن صليت التراويح جماعة قدمت لمشقة الانتظار. وإن كسفت بعرفة صلى ثم دفع، وإن منعت وقت نهي دعا وذكر.
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: وفي تقديم الوتر إن خيف فوته والتراويح عليه وجهان، انتهى، يعني إذا اجتمع وتر وكسوف أو تراويح وكسوف، وخيف من فوات الوتر أو التراويح، فهل يقدمان على الكسوف؟ أطلق الخلاف، فذكر مسألتين:
المسألة الأولى - 3: إذا اجتمع الوتر والكسوف وخيف من1 فوات الوتر فالصحيح من المذهب تقديم الكسوف، قال المجد في شرحه: هذا أصح، قال في المذهب: بدأ بالكسوف في أصح الوجهين، وصححه الناظم، وجزم به في المغني2، والشرح3، والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم، وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمحرر ومختصر ابن تميم والحاويين وشرح ابن رزين وغيرهم.
والوجه الثاني يقدم الوتر، واختار في المغني2 أنه إذا خيف فوت الوتر أنه يقدم، فإن لم يبق إلا قدر الوتر 4"فلا حاجة إلى"4 التلبس بصلاة الكسوف؛ لأنه إنما يقع في وقت النهي، وحكي الأول عن الأصحاب، وأطلقهما في مجمع البحرين والفائق.
المسألة الثانية - 4: إذا اجتمع كسوف وتراويح، وخيف من فوت التراويح، وتعذر فعلها في ذلك الوقت، فأطلق الخلاف في تقديم التراويح أو الكسوف، وأطلقه في
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 3/331.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/400.
4 في "ط": "فالأولى".

(3/222)


ولا يصلي صلاة الكسوف لغيره "و م ش" إلا لزلزلة، في المنصوص، وعنه: ولكل آية "و هـ" وذكر شيخنا أن هذا قول محققي أصحاب أحمد وغيرهم، قال: كما دل على ذلك السنن والآثار، ولولا أن ذلك قد يكون سببا لشر وعذاب لم يصح التخويف بذلك، وهذه صلاة رهبة وخوف، كما أن صلاة الاستسقاء صلاة رغبة ورجاء، وقد أمر الله تعالى عباده1 أن يدعوه خوفا وطمعا.
وفي النصيحة: يصلون لكل آية ما أحبوا، ركعتين أم أكثر، كسائر الصلوات، وأنه يخطب.
وقيل: إنه لا يتصور كسوف إلا في ثامن وعشرين، أو تاسع وعشرين، ولا خسوف إلا في إبدار القمر، و1 اختاره شيخنا، ورد بوقوعه في غيره، فذكر أبو شامة2 الشافعي في تاريخه3: أن القمر خسف ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكسفت الشمس في غده،
ـــــــ
"المغني"، والشرح ومجمع البحرين والرعاية الكبرى والفائق وغيرهم، أحدهما تقدم4 التراويح، اختاره الشيخ في المغني، وقدمه ابن تميم، والوجه الثاني يقدم الكسوف، قدمه ابن رزين في شرحه "قلت": وهو الصواب؛ لأن الكسوف آكد، فهذه أربع مسائل قد صححت بحمد الله تعالى.
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 هو: شهاب الدين أبو القاسم، عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي، المؤرخ، النحوي، صاحب التصانيف. له "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية"، و"الزيل" عليه "ت 665 هـ". "العبر" 5/280، و"شذرات الذهب" 7/553.
3 "الذيل على الروضتين" ص 189.
4 في "ص": "تقديم".

(3/223)


والله على كل شيء قدير، قال: واتضح بذلك ما صوره الشافعي من اجتماع الكسوف والعيد، واستبعده أهل النجامة، هذا كلامه، وكسفت الشمس يوم موت إبراهيم عاشر شهر ربيع الأول1، قاله غير واحد، وذكره بعض أصحابنا اتفاقا. قال في الفصول: لا يختلف النقل في ذلك، نقله الواقدي2، والزبيري3، وأن الفقهاء فرعوا وبنوا على ذلك إذا اتفق عيد وكسوف، وقال غيره: لا سيما إذا اقتربت4 الساعة فتطلع من مغربها، قال ابن هبيرة: ما يدعيه المنجمون من أنهم يعرفون ذلك قبل كونه من طريق فلا يختص بهم دون غيرهم ممن يعرف الحساب، بل هو مما إذا حسبه الحاسب عرفه، وليس مما يدل على أنهم يتخصصون فيه، مما يجعلونه حجة في دعواهم علم5 الغيب مما تفرد الله سبحانه بعلمه، فإنه لا دلالة لهم على ذلك، ولا فيما تعلقوا به من هذا الاحتجاج على ما أرهجوا به.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "الأول".
2 هو: أبو عبد الله، محمد بن عمر بن واقد، الأسلمي مولاهم، المدني، من أقدم المؤرخين في الإسلام، ومن أشهرهم، ومن حفاظ الحديث، قاضي بغداد، من مصنفاته: "المغازي النبوية" و"تفسير القرآن"، "ت 207هـ". "سير أعلام النبلاء" 9/454، "الأعلام" 6/311.
3 هو: الحافظ، النسابة، أبو عبد الله، الزبير بن أبي بكر، بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، قاضي مكة وعالمها، القرشي، الأسدي، الزبيري، المدني، المكي، له: "نسب قريش" كتاب كبير نفيس. "ت 256 هـ". "سير أعلام النبلاء" 12/311.
4 في "س": "قربت".
5 في "ط": "على".

(3/224)


ويستحب العتق في كسوفها، نص عليه، لأمره عليه السلام به في الصحيحين1، قال في المستوعب وغيره: للقادر.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 البخاري "519" من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس. ولم نجده في "مسلم"، ولم يرمز له في "تحفة الأشراف" 11/258.

(3/225)


باب صلاة الاستسقاء
مدخل
...
باب صلاة الاستسقاء
تسن "هـ" حضرا وسفرا عند جدب الأرض، وقيل: وخوفه واحتباس القطر لمجدب، وفي مخصب لمجدب وجهان "م 1". ولا استسقاء لانقطاع مطر عن أرض غير مسكونة ولا مسلوكة لعدم الضرر.
وإن غار ماء عين أو نهر أو نقص وضر فروايتان، وذكر ابن عقيل: يستسقى، وأن الأصحاب قالوا: لا. والأفضل جماعة "و م ش" وقت العيد "و م ش" وقيل: بعد الزوال.
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وفي مخصب لمجدب وجهان، يعني هل يصلي المخصب للمجدب أم تختص الصلاة بالمجدب؟ أطلق الخلاف:
أحدهما يصلون لهم، وهو الصحيح، قطع به ابن عقيل وصاحب التلخيص والنظم ومجمع البحرين والإفادات والفائق وغيرهم، قال ابن تميم: لا يختص بأهل الجدب، قال في الرعاية: وإن استسقى مخصب لمجدب جاز، وقيل: يستحب، انتهى. قال المجد في شرحه: يستحب ذلك، انتهى.
1"والوجه الثاني: لا يصلي بهم.
مسألة - 2: قوله: وإن غار ماء عين، أو نهر، أو نقص وضر، فروايتان انتهى"1.
وأطلقهما في المذهب والتلخيص ومختصر ابن تميم ومجمع البحرين، وهما وجهان في شرح المجد:
أحدهما2: يصلون، وهو الصحيح، جزم به في الفصول والمستوعب والإفادات والنظم والحاويين، قال في الرعايتين: استسقوا على الأقيس، واختاره القاضي وابن عقيل وغيرهما.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "أحدهما".

(3/226)


ويعظهم الإمام ويأمرهم بالتوبة وأداء الحقوق، قال جماعة: والصدقة والصيام، زاد جماعة: ثلاثة أيام، وأنه يخرج صائما، وظاهر كلامهم: لا يلزم الصوم بأمره، مع أن في المستوعب وغيره تجب طاعته في غير المعصية، وذكره بعضهم "ع" ولعل المراد: في السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها لا مطلقا، ولهذا جزم بعضهم: تجب في الطاعة، وتسن في المسنون، وتكره في المكروه وذكر أبو الوفاء وأبو المعالي: لو نذر الإمام الاستسقاء زمن الجدب وحده أو هو والناس لزمه في نفسه، وليس له أن يلزم غيره بالخروج معه، وإن نذره غير الإمام انعقد أيضا، كالصلوات المشروعة للأسباب، كركعتي الطواف وتحية المسجد، فإنه لو قال: لله علي أن أركع للطواف، 1"أو أن أحيي"1 المسجد صح.
ويعدهم يوم خروجهم، ثم يخرج إلى المصلى "و" متواضعا متضرعا متذللا، متنظفا، وقيل فيه: لا، كالطيب "و"، ومعه الشيوخ وأهل الدين، ويستحب خروج المميز "و م ش" وقيل: يجوز كالطفل، والبهيمة وقيل فيها: يكره. وفي الفصول: نحن لخروج الشيوخ والصبيان أشد استحبابا، قال: ويؤمر سادة العبيد بإخراج عبيدهم وإمائهم ولا يجب، والمراد مع عدم الفتنة، ويجوز خروج العجوز2 "و م" وقيل: لا وجعله أبو الوفاء ظاهر كلامه، وقيل: يستحب "و هـ ش" ولا تخرج ذات هيئة "الاستسقاء"؛ لأن القصد إجابة الدعاء، وضررها أكثر، قال صاحب المحرر: يكره "و"
ـــــــ
والرواية الثانية: لا يصلون، قال ابن عقيل وتبعه الشارح: قال أصحابنا: لا يصلون، "قلت": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، وقدم في الفائق.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "وأن أجيء" وهو بعيد.
2 في "ط": "العجائز".

(3/227)


ويكره إخراجنا لأهل الذمة "و" وقيل: لا، ونقل الميموني: يخرجون معهم ولا يكره خروجهم "هـ" وإن خرجوا لم يمنعوا ولم يختلطوا بالمسلمين،. وهل الأولى إفرادهم بيوم أم لا؟ "و" فيه وجهان "م3" وفي خروج عجائزهم الخلاف"*"، ولا تخرج شابة منهم بلا خلاف في المذهب، ذكره في الفصول. وجعل كأهل الذمة من خالف دين الإسلام في الجملة.
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: وهل الأولى إفرادهم بيوم أم لا؟ فيه وجهان، انتهى. وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
أحدهما: لا يفردون بيوم، وهو الصحيح، نصره المجد في شرحه وابن عبد القوي في مجمع البحرين، قال في تجريد العناية: لا يفرد أهل1 الذمة بيوم في الأظهر، وجزم به في المغني2، والشرح3، والإفادات والنظم وغيرهم، وقدمه في الرعاية الصغرى ومختصر ابن تميم والحاويين والفائق وحواشي المصنف والزركشي وغيرهم. وقال في مجمع البحرين: لو قال قائل: إنه لا يجوز خروجهم في وقت مفرد، لم يبعد؛ لأنهم قد يسقون فيخشى الفتنة على ضعفة المسلمين، انتهى.
والوجه الثاني: الأولى خروجهم منفردين بيوم، اختاره ابن أبي موسى4، وجزم به في التلخيص.
تنبيهان:
"*" الأول: قوله: "وفي خروج عجائزهم الخلاف" الظاهر أنه الخلاف الذي في عجائز المسلمين، والمذهب الجواز.
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 3/349.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/418.
4 الإرشاد: ص 113.

(3/228)


ويجوز التوسل بصالح1، وقيل: يستحب، قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذي: إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره، وجعلها2 شيخنا كمسألة اليمين به، قال: والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته، والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وبدعائه وشفاعته، ونحوه مما هو من فعله وأفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع "ع"، وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]. وقال أحمد وغيره: في قوله عليه السلام: "أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق" 3: الاستعاذة لا تكون بمخلوق، قال إبراهيم الحربي4: الدعاء عند قبر معروف5 الترياق المجرب. وقال شيخنا: قصده للدعاء عنده رجاء الإجابة بدعة لا قربة باتفاق الأئمة، وقال أيضا: يحرم بلا نزاع بين الأئمة6.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أي: التوسل بالدعاء منه، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وتوسل عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتوسل معاوية بدعاء يزيد الجرشي رضي الله عنه.
2 في الأصل وهامش "س": "وجعله".
3 أخرجه مسلم "2708" "54"، من حديث خولة بنت حكيم السلمية، ونحوه في البخاري "3371" عن ابن العباس.
4 هو الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، أبو إسحاق، إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم البغدادي الحربي، صاحب التصانيف له: "غريب الحديث". "ت 285 هـ". "سير أعلام النبلاء" 13/356.
5 هو: علم الزهد، بركة العصر، أبو محفوظ، معروف بن فيروز الكرخي، كان مجاب الدعوة. "ت 200 هـ". الأعلام 7/269.
6 وهو الصواب؛ إذ كيف يكون قبر أحد من الأموات ترياقا ودواء للأحياء؟! وذلك مما لم يرد به كتاب ولا سنة، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين الذين يقتدى بهم، بل الثابت هو النهي عن قصد قبور الأنبياء الصالحين لأجل الصلاة، والدعاء عندها.

(3/229)


وقد شاع عند الناس لا سيما أهل الحديث تعظيم السلطان محمود بن سبكتكين1، قال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي2: هو أبو القاسم بن ناصر الدين أبي منصور، ولي3 خراسان أربعين سنة ثم عظمه إلى غاية إلى أن قال: وقد زرت مشهده بظاهر غزنة4، وهو الذي يتقرب إليه الناس ويرجون استجابة الدعوات عنده، توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، ويأتي كلامه في الفنون آخر الفصل الثاني من باب الدفن "*".
ـــــــ
1 تنظر ترجمته في "الأعلام" 7/171.
2 هو: الإمام الحافظ البارع، أبو الحسن، عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري. له: "مجمع الغرائب" و"المفهم" لشرح مسلم. "ت 529 هـ". "سير أعلام النبلاء" 20/16.
3 في الأصل و"ب": "والي".
4 غزنة: بفتح أوله وسكون ثانيه قم نون، هكذا يتلفظ بها العامة، والصحيح عند العلماء: غزنين، فيقولون: جزنة، ويقال لمجموع بلادها: زابلستان، وهي مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان وهي الحد بين خرسان والهند، وقد نسب إلى هذه المدينة من لا يعد ولا يحصى من العلماء. "معجم البلدان" 4/201

(3/230)


فصل: ويصلى بهم كالعيد
"و ش" وعنه: بلا تكبير زائد، وهو ظاهر كلام الخرقي "و م" وفي النصيحة: يقرأ في الأولى {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً} [نوح: 1]، وفي الثانية ما أحب، ثم يخطب، اختاره الأكثر "و م ش" وعنه: قبل الصلاة، وعنه: يخير، اختاره جماعة. ويخطب على المنبر "م" كالعيد في
ـــــــ
"*" الثاني: قوله: ويأتي كلامه في "الفنون" آخر الفصل الثاني من باب الدفن5 صوابه آخر الفصل الأول.
ـــــــ
5 ص 382.

(3/230)


الأحكام، والناس جلوس "و" خطبة مفتتحة بتسع تكبيرات وعنه: بالحمد "و م ر" وقيل: بالاستغفار "و ش م و" ويكثره فيها، ويكثر الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويكبر فيها كالعيد "م ش" وعنه: خطبتين، قال ابن هبيرة: اختارها الخرقي وأبو بكر وابن حامد "و م ش" وعنه: يدعو فقط "و هـ" نصره في الخلاف وغيره، قال في الفصول: وهو الظاهر من مذهبه.
ويرفع يديه وقت الدعاء فقط وظهورهما نحو السماء، ذكره جماعة وسبق في صفة الصلاة1 ويرفعون، ويقول ما ورد، ومنه: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا غدقا نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل، اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت" 2.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 2/168.
2 رواه أبو داود "1169"، عن جابر، وابن ماجه "1269"، عن شرحيبل بن السمط، "1270" عن ابن عباس.

(3/231)


ويؤمنون، قال الحلواني وقال الخرقي: يدعون، ويقرأ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} الآيات [نوح: 10] الآيات. وفي الصحيحين1 إنه عليه السلام: "استسقى في خطبة الجمعة" وهو نوع مستحب "و" فقال: "اللهم أغثنا" ثلاثا، ففيه تكرار الدعاء ثلاثا، والأشهر في اللغة، غثنا بلا ألف من غاث يغيث أي أنزل المطر، وذكر بعضهم2: أن ما في الخبر من الإغاثة بمعنى المعونة لا3 من طلب الغيث، ولا يكره قول:اللهم4 أمطرنا، ذكره أبو المعالي. يقال: مطرت وأمطرت؛ وذكر أبو عبيدة: أمطرت في العذاب5.
ويستحب استقبال القبلة في أثناء كلامه، قيل: بعد خطبته، وقيل فيها "4 م" فيدعو سرا، ويحول6 رداءه "هـ" بعد استقباله اليمين يسارا،
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: ويستحب استقبال القبلة في أثناء كلامه، قيل: بعد خطبته وقيل فيها، انتهى:
ـــــــ
1 البخاري "1013" ومسلم "897" عن أنس.
2 ليست في الأصل.
3 في "س": "لأنه".
4 في "ط": "العوام".
5 في "ط": "الغداة".
6 في "س" و"ب": التحويل".

(3/232)


واليسار يمينا. نص عليه، لا جعل أعلى المربع أسفله "ش" والناس كذلك، نقل أبو داود: يقلب الإزار تنقلب السنة، وللدارقطني وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه ليتحول القحط1. ولا تحويل في كسوف وحال الإمطار والزلزلة، ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم.
ووقوفه أول المطر وإخراج أثاثه وثيابه ليصيبها، وتطهيره منه. وقال أبو المعالي: وقراءته عند فراغه: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس: 89] وشبهها، تفاؤلا بالإجابة، وإن سقوا وإلا عادوا ثانيا وثالثا، وإن سقوا بعد خروجهم صلوا، لا قبل التأهب له2 وبعد التأهب يخرجون ويصلون شكرا لله تعالى، ويسألون المزيد، وقيل: يخرجون ولا يصلون، وقيل عكسه، وقيل بنفيهما.
ـــــــ
أحدهما: يستحب ذلك في أثناء الخطبة، وهو الصحيح، وعليه الأكثر وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي3 والمقنع4 والرعايتين والحاويين ومجمع البحرين والوجيز ومختصر ابن تميم والشرح4 وغيرهم.
والوجه الثاني: يسن بعدها، قال في المحرر والفائق وغيرهما: ويستقبل القبلة في أثناء دعائه.
ـــــــ
1 الدارقطني 2/66، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/351.
2 ليست في الأصل.
3 1/538.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 5/429.

(3/233)


فصل: وإن خيف من زيادة الماء
استحب قول: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر" ، وقيل: ويستحب صلاة كسوف أيضا.
ويستحب قول: "مطرنا بفضل الله ورحمته" . ويحرم: بنوء كذا "ش" لخبر زيد بن خالد في الصحيحين1. ولمسلم2 عن أبي هريرة: مرفوعا: "ألم تروا إلى ما قال3: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب وبالكوكب". وله2 أيضا عنه مرفوعا: "ما أنزل من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين، ينزل الله الغيث فيقولون: الكوكب كذا وكذا" ، وفي رواية "بكوكب كذا كذا"2، فهذا يدل على أن المراد كفر النعمة، وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر "ع" ولا يكره: في نوء كذا، خلافا للآمدي.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ولفظه: "هل تدرون ما ذا قال ربكم؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر؛ فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، وكافر بالكواكب، وأما من قال: بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، ومؤمن بالكواكب" . أخرجه البخاري "846"، ومسلم "71" "125".
2 في صحيحه "72" 126".
3 ليست في "ط".

(3/234)


وإن نذر المطاع في قومه زمن الجدب أن يستسقى1، وحده لزمه وحده، وهل تلزمه الصلاة بلا تعيينها؟ فيه وجهان "م 5".
ولو نذرها زمن الخصب، فقيل: لا ينعقد، وقيل: بلى؛ لأنه قربة في الجملة، فيصليها، ويسأل دوام الخصب، وشموله "م 6"، ومن رأى سحابا أو هبت الريح سأل الله خيره، وتعوذ به من شره، وما سأل سائل ولا تعوذ متعوذ بمثل المعوذتين، وورد في الأثر: "ن قوس قزح أمان لأهل الأرض من الغرق"2. قال ابن حامد في أصوله: هو من آيات الله، قال: ودعوى
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: وإن نذر المطاع في قومه زمن الجدب أن يستسقي3، "وحده" لزمه وحده، وهل تلزمه الصلاة "بلا" تعيينها؟ فيه وجهان، انتهى:
أحدهما: تلزمه، "قلت": وهو الصواب، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
والوجه الثاني: لا تلزمه.
مسألة - 6: قوله: وإن نذرها زمن الخصب فقيل: لا ينعقد، وقيل: بلى، لأنه قربة في الجملة، فيصليها، ويسأل دوام الخصب وشموله، انتهى:
أحدهما: ينعقد لما علله المصنف.
والقول الثاني: لا ينعقد "قلت": وهو الصواب، وليست هذه الصلاة استسقاء.
فهذه ست مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 بعدها في "س" و"ط": "وحده".
2 أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 2/309، عن ابن عباس.
3 بعدها في "ط": "وحده".

(3/235)


العامة: إن غلبت حمرته كانت الفتن والدماء، وإن غلبت خضرته كان رخاء وسرور، هذيان.
ـــــــ
...............................

(3/236)