المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب الوقف
باب الوقف
...
كتاب الوقف
وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
__________
كتاب الوقف
وهو مصدر وقف يقال وقف الشيء وأوقفه وحبسه
وأحبسه وسبله كله بمعنى واحد لكن أوقف لغة
شاذة عكس أحبسه وهو مما اختص به المسلمون قال
الشافعي لم يحبس أهل الجاهلية وإنما حبس أهل
الإسلام وهو من القرب المندوب إليها والأصل
فيه ما روى عبدالله بن عمر قال: " أصاب عمر
أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم
يستأمر فيها فقال يا رسول الله صلى الله عليه
وسلم إني أصبت مالا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس
عندي منه فما تأمرني فيه قال "إن شئت حبست
أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا
توهب ولا تورث" قال فتصدق بها عمر في الفقراء
وفي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل
والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف
أو يطعم صديقا غير متمول فيه" وفي لفظ "غير
متأثل" متفق عليه
وقال جابر لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف ولم يره شريح وقال
لا حبس عن فرائض الله قال أحمد هذا مذهب أهل
الكوفة ولعله في غير المساجد ونحوها قال
القرطبي لا خلاف بين الإئمة في تحبيس القناطر
والمساجد واختلفوا في غير ذلك والأول قول أكثر
العلماء سلفا وخلفا قال أحمد من يرد الوقف
إنما يرد السنة التي أجازها النبي صلى الله
عليه وسلم وفعلها أصحابه ومن الغرائب ما حكاه
صاحب المبسوط أن لزوم الوقف من الأنبياء عليهم
السلام خاصة وجوابه بأن الوقف قربة مندوب
إليها لقوله تعالى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}
(الحج: من الآية77) .
"هو تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة" كذا في
التلخيص والوجيز ومرادهم بتسبيل المنفعة أن
يكون على بر أو قربة وأحسنه حبس مال يمكن
الإنتفاع به مع
(5/233)
وفيه روايتان
إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه
مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه
أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها
أو سقاية ويشرعها لهم والأخرى لا يصح إلا
بالقول.
__________
بقاء عينه ممنوع من التصرف في عينه بلا عذر
مصروف منافعه في البر تقربا إلى الله تعالى
وله أربعة أركان الواقف وشرطه أن يكون جائز
التصرف والموقوف عليه وما ينعقد به وسمي وقفا
لأن العين موقوفة وحبسا لأن العين محبوسة.
"وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل
الدال عليه" عرفا "مثل أن يبني مسجدا ويأذن
للناس في الصلاة فيه أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن
لهم في الدفن فيها" هذه الرواية ظاهر المذهب
ونص عليها في رواية جماعة لأن العرف جار بذلك
وفيه دلالة على الوقف فجاز أن يحصل به كالقول
قال الشيخ تقي الدين أو أذن فيه وأقام نقله
أبو طالب وجعفر ولو نوى خلافه.
"أو سقاية ويشرعها لهم" أي للناس والمراد به
البيت المبني لقضاء حاجة الناس وليس منصوصا
عليه في كتب اللغة والغريب وإنما المذكور فيها
أن السقاية بكسر السين الموضع الذي يتخذ فيه
الشراب في المواسم وغيرها.
"والأخرى لا يصح إلا بالقول" ذكرها القاضي
اختارها أبو محمد الجوزي وقد سأله الأثرم عن
رجل أحاط حائطا على أرض ليجعلها مقبرة ونوى
بقلبه ثم بدا له العود فقال إن كان جعلها لله
فلا يرجع ولأن هذا تحبيس على وجه القربة فوجب
أن يتعين باللفظ كالوقف على الفقراء لكن قال
في المغني وهذه لا تنافي الأولى فإنه إن أراد
بقوله إن كان جعلها لله أي نوى بتحويطها جعلها
لله فهذا تأكيد للأولى وزيادة عليها إذ منعه
من الرجوع بمجرد التحويط مع النية وإن أراد
بقوله جعلها لله أي اقترنت بفعله قرائن دالة
على ذلك من إذنه للناس في الدفن فيها فهي عين
الأولى وإن أراد أنه وقفها بقوله فيدل بمفهومه
على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط والنية
(5/234)
وصريحه وقفت
وحبست وسلبت وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت فلا
يصح الوقف بالكناية إلا أن ينويه أو يقرن بها
أحد الألفاظ الباقية
__________
وهذا لا ينافي الأولى لأنه فيها يضم إلى فعله
إذنه للناس في الدفن ولم يوجد هنا فانتفت هذه
الروايات للإحتمالات وصار المذهب رواية واحدة
فصار بمنزلة من قدم إلى ضيفه طعاما كان إذنا
في أكله ومن ملأ خابية ماء كان سبيلا له
وكالبيع والهبة وأما الوقف على المساكين فلم
تجربه عادة بغير لفظ
فرع: الاخرس يصح وقفه بالإشارة المفهمة كغيره.
"وصريحه وقفت" لأنه موضوع له وكلفظة التطليق
في الطلاق "وحبست وسبلت" لأنه ثبت لهما عوض في
الشرع فمتى أتى بواحده منها صار وقفا من غير
انضمام أمر زائد ولو عبر ب أو ك الوجيز
والفروع لكان أولى وفي كلام بعضهم أن الصريح
لا ينحصر في الثلاثة وفي المغني والكافي إذا
جعل علو موضع أو سفله مسجدا صح وكذا وسطه وإن
لم يذكر استطراقا كبيعه فيتوجه منه الإكتفاء
بلفظ يشعر بالمقصود وهو أظهر على أصلنا فيصح
جعلت هذا للمسجد أو فيه ونحوه وهو ظاهر نصوصه
فيكون تمليكا للمسجد جزم به الحارثي أي
للمسلمين لنفعهم به وظاهر كلام المؤلف لا يكون
تمليكا لأنهم ذكروا في الإقرار له وجهين
كالحمل.
"وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت" لأنه لم يثبت لها
عرف لغوي ولا شرعي لأن الصدقة تستعمل في
الزكاة وهي ظاهرة في صدقة التطوع والتحريم
يستعمل في الظهار والتأبيد يحتمل تأبيد
التحريم أو تأبيد الوقف.
"فلايصح الوقف بالكناية" مجردة فعلى هذا لا بد
من انضمام شيء آخر إليها ليترجح إفادتها للوقف
وأشار إليه بقوله.
"إلا أن ينويه" فيصح ويكون على ما نوى إلا أن
النية تجعله وقفا في الباطن دون الظاهر.
"أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية" من الصرائح
والكناية وهي خمسة علم
(5/235)
أو حكم الوقف
فيقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو
محرمة أو مؤبدة ولاتباع ولا توهب ولا تورث ولا
يصح إلا بشروط أربعة أحدهما أن يكون في عين
يجوز بيعها ويمكن الإنتفاع بها دائما مع بقاء
عينها كالعقار والحيوان والأثاث والسلاح.
__________
ذلك من تمثيله لأن اللفظ يترجح بذلك لإرادة
الوقف "أو" يقرن به "حكم الوقف فيقول تصدقت
صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو
مؤبدة" هذا مثال للأول ولا تباع ولا توهب ولا
تورث هذا مثال للثاني لأن هذه القرينة تزيل
الإشتراك وذكر أبو الفرج أن أبدت صريح وأن
صدقة موقوفة أو مؤبدة أو لاتباع كناية.
"ولا يصح إلا بشروط أربعة" لم يتعرض المؤلف
للواقف لظهوره وشرطه أن يكون مالكا جائز
التصرف وهو في الصحة من رأس المال وفي مرض
الموت أو ما نزل منزلته من الثلث.
"أحدها أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن
الإنتفاع بها دائما مع بقاء عينها" قال أبو
محمد الجوزي بقاء متطاولا أدناه عمر الحيوان
"كالعقار" لحديث عمر قال أحمد في رواية الأثرم
إنما الوقف في الدور والأرضين على ما وقف
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عقيل
وظاهر هذا حصره على العقار لأنه هو الذي يتأبد
حقيقة بخلاف غيره.
"والحيوان" لما روى أبو هريرة مرفوعا "من
احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا فإن
شبعه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة
حسنات" رواه البخاري ولأنه يحصل تحبيس الأصل
وتسبيل المنفعة فصح وقفه كالعقار.
"والأثاث والسلاح" لقوله عليه السلام "أما
خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاد في سبيل الله"
متفق عليه ولفظ البخاري وأعتده قال الخطابي
الأعتاد ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآله
الجهاد ونقل المروذي لايجوز وقف سلاح ذكره أبو
بكر وعنه ولا منقول لأنها أعيان
(5/236)
ويصح وقف
المشاع.
__________
لا تبقى على التأبيد فلم يجز وقفها كالطعام
ورد بالفرق قوله في عين يحترز به عن الموصى
بمنفعته فلا يصح وقفه من مالك المنفعة قوله
يجوز بيعها يحترز به عن الحر فإنه لا يصح أن
يقف نفسه
وأرض السواد قال الإمام أحمد القطائع ترجع إلى
الأصل إذا جعلها للمساكين فظاهره أنه يصح
وقفها وهي في الأصل وقف ومعناه أن وقفها يطابق
الأصل لا أنها تصير وقفا بهذا القول قاله في
الشرح ويستثنى منه وقف المصحف فإنه يصح رواية
واحدة قاله في الوسيلة. والماء قال الفضل سألت
أحمد عن وقف الماء فقال إن كان شيئا استجازوه
بينهم جاز وحمله القاضي وغيره على وقف مكانه
وهو بعيد لأن وقف مكان الماء لا تتوقف صحته
على استجازتهم له ومقتضاه أن النص شاهد بصحة
الوقف لنفس الماء قال الحارثي وهو مشكل من
وجهين أحدهما إثبات الوقف فيما لم يملكه فإن
الماء يتجدد شيئا فشيئا والثاني ذهاب العين
بالإنتفاع والوقف يستدعى بقاء أصل ينتفع به
على ممر الزمان ولكن قد يقال مادة الحصول من
غير تأثير بالإنتفاع تنزل منزلة بقاء العين مع
الإنتفاع وتأتي تتمة ذلك "ويصح وقف المشاع" في
قول أكثر الفقهاء لما روى ابن عمر أن عمر قال
إن المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب
إلي منها فاردت أن اتصدق بها فقال النبي صلى
الله عليه وسلم "احبس أصلها وسبل ثمرتها" رواه
النسائي وابن ماجة ولأنه عقد يجوز على بعض
الجملة مفرزا فجاز عليه مشاعا كالبيع ويعتبر
أن يقول كذا سهما من كذا سهما قاله أحمد
قال في الفروع ثم يتوجه أن المشاع لو وقف
مسجدا أثبت حكم المسجد في الحال فيمنع منه
الجنب عند القسمة متعينة هنا كتعيينها طريقا
للإنتفاع بالموقوف وفي الرعاية الكبرى لو وقف
نصف عبده صح ولم يسر إلى بقيته وإن كان لغيره
(5/237)
ويصح وقف الحلي
على اللبس والعارية وعنه لا يصح ولا يصح الوقف
في الذمة كعبد ودار ولا غير معين كأحد هذين
ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والكلب
__________
فإن أعتق ما وقفه منه أو أعتقه الموقوف عليه
لم يصح ولم يسر وإن اعتق الواقف بقيته أو
أعتقه شريكه فيه عتق بقيته ولم يسر إلى
الموقوف وإن علق عتقه بصفة ثم وقفه قبلها صح
وقفه.
"ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية" لما روى
نافع أن حفصة ابتاعت حليا بعشرين ألفا حبسته
على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته رواه
الخلال ولوجود الضابط ولأن فيه نفعا مباحا
مقصودا فجاز أخذ الأجرة عليه وصح وقفه كوقف
السلاح في سبيل الله.
"وعنه: لا يصح" نقلها الأثرم وحنبل قال في
المغني والشرح وأنكر حديث حفصه لأن التحلي ليس
هو المقصود الاصلي من الأثمان فلم يصح وقفها
كالدنانير ورد بأن المفسد فيها عدم الانتفاع
بعينها وهذا في الحلي معدوم
قال في التلخيص وهو محمول على رواية منع وقف
المنقول وذكر القاضي في تعليقه رواية الأثرم
وحنبل ولفظها لا أعرف الوقف في المال فإن لم
يكن في الرواية غير هذا ففي أخذ المنع منه نظر
قاله الزركشي.
"ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار" لأنه نقل
ملك على وجه القربة فلم يصح في غير معين
كالهبة.
"ولا" وقف "غير معين كأحد هذين" العبدين لما
ذكرنا وفيه احتمال في العتق فيخرج المبهم
منهما بالقرعة "ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم
الولد" لأنه نقل للملك فيها في الحياة فلم يجز
كالبيع وفيه وجه وقيده ابن حمدان إن صح بيعها
والكلب لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
"والكلب" أبيح الإنتفاع به على خلاف الأصل
للضرورة فلم يجز التوسع فيها وكذا لا يصح وقف
الحمل منفردا
(5/238)
ولا ما لا
ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان والمطعوم
والرياحين الثاني أن يكون على بر كالمساكين
والمساجد
__________
"ولا" يصح وقف "مالا ينتفع به مع بقائه دائما
كالأثمان" وهي الدنانير والدراهم "والمطعوم
والرياحين" في قول عامة العلماء لأن مالا
ينتفع به إلا بإتلاف لا يصح وقفه كالشمع
ليشعله وقيل يصح في الأثمان بناء على إجارتها
ورد لأن تلك المنفعة ليست المقصودة التي خلقت
له الأثمان فلم يجز الوقف له كوقف الشجر على
نشر الثياب ويستثنى منه لو وقف فرسا بسرج
ولجام مفضضين فإنه يصح ويدخل تبعا نص عليه أما
لو وقفهما للتحلي والوزن فاختار صاحب التلخيص
الصحة كإجارتها لذلك واختار المؤلف وجمع ضدها
لأن ذلك ليس من المرافق العامة فإن أطلق بطل
وقيل يصح ويحمل عليهما.
مسألة:
لا يصح وقف قنديل نقد على مسجد ويزكيه ربه
وقيل يصح فيكسر ويصرف لمصلحته وقال ابن المنجا
تمثيله بالمطعوم والرياحين فيه نظر من جهة
أنهما لا يبقيان فيحذفان ويقتصر على التمثيل
بالأثمان أو يبقيان مع حذف مع بقائه فإنه يصح
أن يقال إنهما لا ينتفع بهما دائما لأن نفعهما
يحصل في بعض الزمن وعلم منه أن وقف مالا منفعة
فيه كالعين المؤجرة لا يصح لعدم وجود المعنى
نعم إن وقفها مدة الإجارة إذا انقضت صح إن قيل
يصح تعليق الوقف على شرط.
"لثاني أن يكون على بر" ومعروف إذا كان الوقف
على جهة عامة لأن المقصود منه التقرب إلى الله
تعالى وإذا لم يكن على بر لم يحصل المقصود
"كالمساكين والمساجد" فإذا قال جعلت ملكي
للمسجد صار حقا من حقوقه ولا يعتبر قبول ناظره
لتعذره بالقبول كحالة وقف المسجد فإنه لا
يشترط قبوله لأن الناظر لا يكون إلا بعد الوقف
(5/239)
والقناطر
والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة ولا
يصح على الكنائس وبيوت النار
__________
"والقناطر" والسقايات والمقابر وكتب العلم
"والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة" نص
عليه لأن القريب الذمي موضع القربة بدليل جواز
الصدقة عليه ويصح الوقف على أهل الذمة جزم به
الأكثر لأن صفية وقفت على أخ لها يهودي ولأنهم
يملكون ملكا محترماً ولأن من جاز أن يقف عليه
الذمي جاز أن يقف المسلم عليه كالمسلم وصحح
الحلواني على فقرائهم وصححه في الواضح من ذمي
عليهم وعلى بيعة وكنيسة ومقتضى كلام صاحب
التلخيص والمحرر أنه لايصح الوقف عليهم لأن
الجهة معصية بخلاف أقاربه وإن وقف ذمي على ذمي
شيئا وشرطه أن يستحقه ما دام ذميا فأسلم فله
أخذه أيضا لأن الواقف عينه له ويلغو شرطه ورده
في الفنون وقيل يشترط أن لا يكون معصية فيصح
في المباح كالوقف على الأغنياء وقيل ومكروه
فائدة: يصح الوقف على الصوفية وهم المشتغلون
بالعبادات في غالب الأوقات المعرضون عن الدنيا
قال الشيخ تقي الدين فمن كان منهم جماعا للمال
أو لم يتخلق بالأخلاق المحمودة ولا تأدب
بالآداب الشرعية غالبا أو فاسقا لم يستحق ولم
يعتبر الحارثي الفقر قال في الفروع ويتوجه
احتمال لا يصح عليهم ولهذا قال الإمام ما رأيت
صوفيا إلا سلما الخواص قاله أبو محمد الجويني
إذ ليس له حد يعرف به.
"ولا يصح على الكنائس وبيوت النار" والبيع لأن
ذلك معصية لكون أن هذه المواضع بيت للكفر
والمسلم والذمي سواء قال أحمد في نصارى وقفوا
على البيعة ضياعا وماتوا ولهم أبناء نصارى
فأسلموا والضياع بيد النصارى فلهم أخذها
وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم وحكم
الوقف على قناديل البيعة ومن يخدمها ويعمرها
كالوقف عليها قاله في المغني والشرح وإن قال
أنت حر بشرط أن تخدم الكنيسة سنة بعد موتي
وهما نصرانيان فأسلم العبد قبل تمامها عتق في
الحال وعنه تلزمه القيمة لبقية الخدمة وعنه لا
وهي
(5/240)
وكتابة التوراة
والإنجيل ولا على حربي ولا مرتد ولا يصح على
نفسه في إحدى الروايتين وإن وقف على غيره
واستثنى الأكل منه
__________
أصح وأوفق لأصوله.
"وكتابة التوارة والإنجيل" للإعانة على
المعصية فإنها منسوخة وقد بدل بعضها غضب النبي
صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئا
استكبته منها وقال "أفي شك أنت يا ابن الخطاب
ألم آت بها بيضاء نقية ولو كان أخي موسى حيا
ما وسعه إلا اتباعي" وكتب الزندقة من باب
أولى.
"ولا على حربي ولا مرتد" لأن أموالهما مباحة
في الأصل تجوز إزالتها فما يتجدد لهم أولى
ولانتفاء الدوام لأنهما مقتولان عن قرب
تنبيه: لا يصح الوقف على قطاع الطريق ولا على
المغاني ولا التنوير على قبر وتبخيره ولا على
من يقيم عنده أو يخدمه ولا وقف ستور لغير
الكعبة وصححه ابن الزاغوني فيصرف لمصلحته ذكره
ابن الصيرفي.
"ولايصح على نفسه في إحدى الروايتين" قال في
رواية أبي طالب لاأعرف الوقف إلا ما أخرجه لله
تعالى أو في سبيله فإن وقفه عليه حتى يموت فلا
أعرفه فعليها يكون باطلا وجزم به الأكثر وقدمه
في الفروع لأن الوقف تمليك إما للرقبة أو
للمنفعة وكلاهما لا يصح لأن الإنسان لا يجوز
له أن يملك نفسه من نفسه كما لا يجوز أن يبيع
ماله من نفسه والأصح أنه يصرف لمن بعده في
الحال.
والثانية يصح ذكره في المذهب ظاهر المذهب
واختاره ابن أبي موسى وابن عقيل وأبو المعالي
والشيخ تقي الدين لأنه يصح أن يقف وقفا فينتفع
به كذلك إذا خص نفسه بانتفاعه وكشرط غلته له
ومتى حكم به حاكم حيث يجوز له الحكم وظاهر
كلامهم ينفذ حكمه ظاهرا لأنها مسألة اجتهادية
وهل ينفذ باطنا فيه خلاف.
"وإن وقف على غيره واستثنى" كل الغلة أو بعضها
له أو لولده "الأكل منه
(5/241)
مدة حياته صح
الثالث أن يقف على معين يملك ولا يصح على
مجهول كرجل ومسجد ولا على حيوان لا يملك
كالعبد والحمل
__________
مدة حياته" أو مدة معلومة "صح" الوقف والشرط
نص عليه واحتج بأنه قال سمعت ابن عيينة عن ابن
طاوس عن أبيه عن حجر المدري أن في صدقة رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل أهله منها
بالمعروف وشرط عمر أكل الوالي عليها وكان هو
الوالي عليها وفعله جماعة من الصحابة وقيل لا
يصح الوقف لأنه إزالة ملك فلم يجز اشتراط نفعه
لنفسه كالبيع وقيل لا يصح شرطه فإن صح فمات في
أثناء المدة كان لورثته ويصح إجارتها.
"الثالث: أن يقف على معين يملك" لأن الوقف
تمليك فلم يصح غير معين كالهبة "ولا يصح على
مجهول كرجل ومسجد" لما ذكرنا ولا على أحد هذين
وفيه وجه بناء على أنه لا يفتقر إلى قبول ولا
على معدوم أصلا كوقفه على من سيولد لي أو
لفلان وصححه فيه في المغني لأنه يراد للدوام
بخلاف الوصية وفي الترغيب هو منقطع الأول ولم
يعتبر الحارثي أن يملك لحصول معناه فيصح لعبد
وبهيمة ينفقه عليهما
"ولا على حيوان لا يملك كالعبد" قال أحمد فيمن
وقف على ممالكيه لا يصح الوقف حتى يعتقهم
وظاهره ولو قلنا أنه يملك بالتمليك لأن ملكه
كالعدم وقيل يصح إن قلنا يملك به ويكون لسيده
والمدبر وأم الولد كالقن وكذا المكاتب في
الأصح لأن ملكه غير مستقر لا يقال الوقف على
المساجد صحيح وهي لا تملك فينبغي أن يصح هنا
لأن الوقف على المسلمين إلا أنه عين في نفع
خاص لهم فيرد أنه يصح على الكنائس ويكون الوقف
على أهل الذمة
وجوابه أن الجهة التي عين صرف الوقف فيها ليست
نفعا بل هي معصية محرمة يزدادون بها عقابا
بخلاف المساجد "والحمل" لما ذكرنا وصححه ابن
عقيل والحارثي كوصية قال في الفروع ويتوجه في
الوقف على حمل صحة
(5/242)
والملك
والبهيمة الرابع أن يقف ناجزا فإن علقه على
شرط لم يصح إلا أن يقول هو وقف بعد موتي فيصح
في قول الخرقي وقال أبو الخطاب لايصح.
__________
الهبة له وأولى لصحتها لعبد وعلى الأول يصح
تبعا كعلى أولادي وأولاد فلان وفيهم حمل مستحق
هو وكل حمل من أهل الوقف بالوضع من ثمر وزرع
ما يستحقه مشتر نص عليه "والملك والبهيمة"
لعدم ملكها والجن والميت كذلك
"الرابع: أن يقف ناجزا" كوقفت داري على كذا
ولا خلاف في صحته بشرطه لأنه نقل للملك أشبه
البيع "فإن علقه بشرط لم يصح" لأنه نقل للملك
فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز
تعليقه على شرط في الحياة كالهبة وفيه وجه
وقيل إن قلنا هو لله تعالى وظاهره شامل لما
إذا شرط شرطا فاسدا كخيار فيه وتحويله وتغيير
شرط وخرج من البيع صحته وفي الشرح إذا شرط أن
يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه بطل الوقف
طاعة لا نعلم في بطلان الشرط خلافا لأنه ينافي
مقتضى العقد وقيل يصح الوقف بناء على الشروط
الفاسدة في البيع.
"إلا أن يقول هو وقف بعد موتي فيصح في قول
الخرقي" أي يصح تعليق الوقف المعلق بالموت
واختاره أبو الخطاب في خلافه ونصره في المغني
والشرح وذكر أنه ظاهر كلام أحمد وقدمه في
الفروع واحتج أحمد بأن عمر أوصى فكان في وصيته
هذا ما أوصى به عبد الله أمير المؤمنين إن حدث
به حادث أن ثمنا صدقة والعبد الذي فيه والسهم
الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه رواه أبو داود
ولأن هذا تبرع معلق بالموت فصح كالهبة والصدقة
فعلى هذا ينفذ من الثلث فما دون ويقف الباقي
على إجازة الورثة كالتدبير.
"وقال أبو الخطاب" والقاضي وابن البنا في
الخصال "لا يصح" لأنه تعليق
(5/243)
فصل
ولا يشترط القبول إلا أن يكون على آدمي معين
ففيه وجهان: أحدهما يشترط ذلك فإن لم يقبله
أورده بطل في حقه دون من بعده
__________
للوقف على شرط فلم يصح كما لو علقه على شرط في
الحياة وحمل القاضي كلام الخرقي على أنه قال
قفوا بعد موتي هذا وصية بالوقف لا إيقاف وفي
الشرح سوى المتأخرون من أصحابنا بين تعليقه
بالموت وبين تعليقه بشرط في الحياة ولايصح لما
بينهما من الفرق لأن هذا وصية وهي أوسع من
التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول
وللمجهول والحمل وكما لو قال إذا مت فداري
لفلان أو أبرأته من ديني الذي عليه
فصل
"ولا يشترط" القبول إذا كان على غير معين
كالمساكين أو من لا يتصور منه القبول كالمسجد
والقناطر لأنه لو اشترط لامتنع صحة الوقف فيه
ويلزم بمجرد الإيجاب وذكر صاحب النظم احتمالا
يقبله نائب الإمام
"إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان:
أحدهما يشترط ذلك" صححه صاحب النهايةلأنه تبرع
فكان من شرطه القبول كهبة ووصية ولو على
التراخي وقال الشيخ تقي الدين وأخذ ريعه قبول
والثاني وهوالمذهب واختاره القاضي وجزم به في
الوجيز أنه لا يشترط ذلك لأنه إزالة ملك يمنع
البيع فلم يعتبر فيه القبول كالعتق والفرق أن
الوقف لا يختص المعين بل يتعلق به حق من يأتي
من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم
إلا أنه مرتب فصار كالوقف على الفقراء قال ابن
المنجا وهذا الفرق موجود بعينة في الهبة
والأشبه أنه ينبني ذلك على الملك هل ينتقل إلى
الموقوف عليه أم لا فعلى هذا لا يبطل بالرد
كالعتق وعلى الأول "فإن لم يقبله أو رده بطل
في حقه" لأنه تمليك لم يوجد شرطه أشبه الهبة
لكن اختلفوا فيما إذا رد ثم قبل هل يعود أم لا
قاله الشيخ تقي الدين "دون من بعده" لأن
المبطل وجد في
(5/244)
وكان كما لو
وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز يصرف في
الحال إلى من بعده وفيه وجه آخر إن كان من لا
يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين يصرف
إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن ينقرض ثم يصرف
إلى من بعده وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر
له مآلا أو على من يجوز ثم على من لا يجوز
أوقال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز
الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في
إحدى الروايتين
__________
الأول فاختص به وصار كالوقف المنقطع الابتداء
يخرج في صحته في حق من سواه وبطلانه وجهان
مبنيان على تفريق الصفقة والأصح صحته لتعذر
استحقاقه لفوت وصف فيه وأشار إليه بقوله" كان
كما لو وقف من لا يجوز" كالمجهول "ثم على من
يجوز" كالمساكين "يصرف في الحال إلى من بعده"
لأن الواقف قصد صيرورة الوقف إليه في الجملة
ولا حالة يمكن انتظارها فوجب الصرف إليه لئلا
يفوت غرض الواقف ولئلا تبطل فائدة الصحة.
"وفيه وجه آخر" قال ابن حمدان وهوأصح وأشهر
"إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه
كرجل معين" أي كعبده وأم ولده لأنه أحد نوعي
الوقف "يصرف إلى مصرف الوقف المنقطع إلى أن
ينقرض" لأنها إحدى حالتي الإنقطاع أشبه الأخرى
"ثم يصرف إلى من بعده" أي من يجوز عليه الوقف
لإنه مرتب "وإن وقف على جهة تنقطع" كأولاده
لأنه بحكم العادة يمكن انقراضهم "ولم يذكر
مآلا" المآل بهمزة مفتوحة بعد الميم المفتوحة
المرجع "أو على من يجوز" الوقف كأولاده "ثم
على من لا يجوز" كالكنائس.
"أو قال وقفت وسكت انصرف بعد انقراض من يجوز
الوقف عليه" قد تضمن هذا صحة الوقف قال في
الرعاية في الأصح وقال محمد بن الحسن لا يصح
لأن الوقف مقتضاة التأبيد فإذا كان منقطعا صار
وقفا على مجهول وجوابه أنه معلوم المصرف فصح
كما لو صرح بمصرفه إذ المطلق يحمل على العرف
كنقد البلد وحينئذ يصرف "إلى ورثة الواقف"
نسبا قاله في الوجيز والفروع بقدر إرثهم "وقفا
عليهم في إحدى الروايتين" وفي الكافي هي
(5/245)
والأخرى إلى
أقرب عصبته وهل يختص به فقراؤهم على وجهين
وقال القاضي في موضع يكون وقفا على المساكين
__________
ظاهر المذهب وجزم بها في الوجيز وقدمها في
الفروع لأن الوقف مصرفه البر وأقاربه أولى
الناس ببره لقوله عليه السلام "إنك أن تدع
ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون
الناس" ولأنهم أولى الناس بصدقاته النوافل
والمفروضات فكذا صدقته المنقول "والأخرى" يصرف
"إلى أقرب عصبته لأنهم أحق أقاربه ببره لقوله
عليه السلام "ابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك
وأخاك ثم أدناك أدناك" رواه النسائي فيحتمل أن
يكون ملكا لهم وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى
وظاهر الخرقي عكسه والمذهب أنه يكون وقفا
عليهم لأن الملك زال عنه بالوقف فلا يعود ملكا
لهم وعنه ملكا ويحتلمه كلام الخرقي في الورثة
"وهل يختص به فقراؤهم على وجهين" أحدهما وهو
ظاهر كلام الإمام والخرقي والمجد أنه لا يختص
بهم بل يشمل الفقير والغني منهما لأنه لو وقف
على أولاده شملهما فكذا هنا والثاني واختاره
القاضي في الروايتين أنه يختص الفقراء منهم إذ
القصد بالوقف البر والصلة والفقراء أولى بهذا
المعني من غيرهم ونص على أنه يصرف في مصالح
المسلمين.
"وقال القاضي في موضع" وهو الجامع الصغير
والشريف أبو جعفر وإليه ميل المؤلف وهو رواية
"يكون وقفا على المساكين" قال في الشرح وهو
أعدل الأقوال لأنهم أعم جهات الخير ومصرف
الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها
فإن كان للواقف أقارب مساكين كانوا أولى به
استحبابا كصلاته وحيث قلنا يصرف إلى الأقارب
فانقرضوا أو لم يوجد له قريب فإنه يصرف لبيت
المال نص عليه في رواية أبي طالب وقطع به أبو
الخطاب والمجد لأنه مال لا مستحق له وقال
الأكثر يرجع الفقراء والمساكين إذ القصد
بالوقف الصدقة الدائمة لقوله عليه السلام "أو
صدقة جارية" وقال ابن أبي موسى يباع ويجعل
ثمنه للمساكين ونقل حرب عنه مثله
(5/246)
وإذا قال وقفت
داري سنة لم يصح ويحتمل أن يصح ويصرف بعدها
مصرف المنقطع ولا يشترط إخراج الوقف على يده
في إحدى الروايتين
__________
وعنه يرجع إلى ملك واقفة الحي قال ابن
الزاغوني في الواضح الخلاف في الرجوع إلى
الأقارب أو إلى بيت المال أو إلى المساكين
مختص بما إذا مات الواقف أما إن كان حيا
فانقطعت الجهة فهل يعود الوقف إلى ملكه أو إلى
عصبته فيه روايتان وظاهر المتن أن المسائل
الثلاث على سنن واحد وأن الخلاف فيها وفي
الشرح إذا قال وقفت هذا وسكت أو صدقة موقوفة
أنه لا نص فيها وقال ابن حامد يصح وهو قياس
قول أحمد في النذر المطلق فإنه ينعقد موجبا
للكفارة وفي الفروع وكذا إذا قال وقفه ولم يزد
وقال القاضي وأصحابه أنه يصرف في وجوه البر
وفي عيون المسائل فيها وفي تصدقت به الجماعة
المسلمين وفي الروضة إن قال وقفته صح في
الصحيح عندنا
تنبيه: للوقف أربعة أحوال متصل الإبتداء
والإنتهاء ولا إشكال في صحته ومنقطع الإنتهاء
وهو صحيح في الأصح ومنقطع الإبتداء متصل
الإنتهاء ومتصل الإبتداء والإنتهاء منقطع
الوسط والمذهب صحتهما وقيل بالبطلان بناء على
تفريق الصفقة
مسألة: لو وقف على الفقراء ثم على ولده صح لهم
دونه وقيل وعليه كما لو وقف على فقراء بلد
معين
"وإذا قال وقفت داري سنة لم يصح" لأن مقتضى
الوقف التأبيد وهذا ينافيه فلو قال وقفت هذا
على ولدي سنة ثم على المساكين صح "ويحتمل أن
يصح" لأنه منقطع الإنتهاء وقد بينا صحته "و"
حينئذ "يصرف بعدها" أي بعد السنة "مصرف
المنقطع" أي منقطع الإنتهاء "ولايشترط إخراج
الوقف عن يده في إحدى الروايتين" في ظاهر
المذهب لأن الوقف يزول به ملك الواقف ويلزم
بمجرد اللفظ لحديث عمر السابق ولأنه تبرع يمنع
البيع والهبة فيلزم بمجرده
(5/247)
فصل
ولا يملك الموقوف عليه الوقف وعنه لا يملكه
ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه
__________
كالعتق والثانية لا يلزم إلا بالقبض وإخراج
الوقف عن يده اختارها ابن أبي موسى وقاله محمد
بن الحسن لأنه تبرع بمال لم يخرجه عن المالية
فلم يلزم بمجرده كالهبة فلو شرط نظره له سلمه
ليد غيره ثم ارتجعه واجيب بالفرق فإنها تمليك
مطلق والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فهو
بالعتق أشبه فإلحاقه به أولى وعلم منه أن
الخلاف في لزوم الوقف وهو ظاهر كلام الأكثر
وصرح في الهداية أنه في الصحة ولعله ظاهر
المتن
فصل:
"ويملك الموقوف عليه الوقف" في ظاهر المذهب
لأنه سبب يزيل التصرف في الرقبة فملكه المنتقل
إليه كالهبة إلا أن يكون مما لا يملك كالمسجد
ونحوه فإن الملك فيه ينتقل إلى الله تعالى.
"وعنه لا يملكه" الموقوف عليه ويكون تمليكا
لله تعالى وهو اختيار ابن أبي موسى لأنه إزالة
ملك عن العين والمنفعة على وجه القربة بتمليك
المنفعة فلم ينتقل إلى صاحبها كالعتق ولأنه لو
انتقل إليه لافتقر إلى قبوله كسائر الأملاك
وعنه أنه باق على ملك الواقف لقوله "إن شئت
حبست أصلها وتصدقت بها" ولأنه لا يوجب زوال
الملك عنه فتلزمه الخصومة فيه والأول أولى
لأنه سبب لم يخرج به الملك عن المالية فوجب أن
ينتقل إليه كالهبة والبيع وفارق العتق من حيث
أنه إخراج عن حكم المالية ولأنه لو كان تمليكا
للمنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى
وقول أحمد إنهم لا يملكون التصرف في الرقبة
جمعا بينهما لا يقال عدم ملكه التصرف فيها يدل
على عدم ملكه لها لأنه ليس بلازم بدليل أم
الولد فإنه يملكها ولا يملك التصرف في رقبتها.
"ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه" بغير خلاف
نعلمه لأنه نماء ملكه قاله
(5/248)
وليس له وطء
الجارية فإن فعل فلا حد عليه ولا مهر وإن أتت
بولد فهو حر وعليه قيمته ويشتري بها ما يقوم
مقامه وتصير أم ولد له وتعتق بموته وتجب
قيمتها في تركته ويشتري بها مثلها وتكون
وقفاً.
__________
في الشرح ومقتاضاه أنه مبني على الملك وفيه
شيء ويستوفيه بنفسه وبالإجارة والإعارة ونحوها
إلا أن يعين في الوقف غير ذلك وينبني على
الخلاف ما إذا كان الموقوف ماشية فإنه لا تجب
زكاتها على الثانية والثالثة لضعف الملك أو
انتفائه ووجبت على الموقوف عليه في ظاهر كلامه
واختاره القاضي في التعليق والمجد وقيل لا تجب
لضعف الملك اختاره في التلخيص والأصح يخرج
المعين فطرته على الأولى كعبد اشتري من غلة
الوقف لخدمة الوقف لتمام التصرف فيه ذكره أبو
المعالي والخلاف فيما يقصد به تملك الريع أما
المسجد والمقبرة فلا خلاف أنه ينقطع عنه
اختصاص الآدمي ويشبه ذلك الربط والمدارس.
"وليس له وطء الجارية" لأن ملكه ناقص ولا يؤمن
حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من الوقف بأن
تبقى أم ولد.
"فإن فعل فلا حد عليه" للشبهة "ولا مهر" عليه
لأنه لو وجب لوجب له لا يجب للإنسان شيء على
نفسه.
"وإن أتت بولد فهو حر" لأنه من وطء شبهة
"وعليه" أي على الواطيء "قيمته" يوم الوضع
"ويشتري بها ما يقوم مقامه" أي عبد مكانه لأنه
فوت رقه ولأن القيمة بدل عن الوقف فوجب أن ترد
في مثله "وتصير أم ولد" له لأنه أحبلها بحر في
ملكه وإن قلنا لا يملكها لم تصر أم ولد له صرح
به في المغني والشرح لأنها أجنبية.
"وتعتق بموته" كأم الولد "وتجب قيمتها في
تركته" لأنه أتلفها على من بعده من البطون
"يشتري بها مثلها وتكون وقفا" لينجبر على
البطن الثاني ما فاتهم وقيل يصرف إلى البطن
الثاني إن تلقى الوقف من واقفه وهو ظاهر كلام
جماعة فلهم
(5/249)
وإن وطئها
أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد حر وعليه
المهرلأهل الوقف وقيمة الولد فإن تلفت فعليه
قيمتها يشتري بها مثلها ويحتمل أن يملك قيمة
الولد ها هنا وله تزويج الجارية وأخذ مهرها
وولده وقف معها ويحتمل أن يملكه
__________
اليمين مع شاهدهم لثبوت الوقف مع امتناع بعض
البطن الأول منها فإن كان النصف طلقا فأعتقه
مالكه لم يسر إلى الوقف لأنه لم يعتق
بالمباشرة فبالسراية أولى
"وإن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد حر"
لاعتقاده أنه وطيء في ملك وإن كان عبدا وظاهره
أنه إذا وطئها مكرهة أو مطاوعة فعليه الحد
لانتفاء الشبهة "وعليه المهر لأهل الوقف" لأنه
وطيء جاريتهم في غير ملك أشبه الأمة المطلقة
ولأنه عوض المنفعة وهي مستحقة لهم "و" عليه
"قيمة الولد" لأن رقه فات بسبب من جهة وهو
اعتقاد الحرية وتعتبر قيمته يوم تضعه حيا لأنه
لا يمكن تقويمه قبل ذلك ويكون الولد وقفا معها
تبعا لها "وإن تلفت فعليه" أي المتلف سواء كان
اجنبيا اوالواقف "قيمتها" لأنه إتلاف حصل في
مستحق الغير فوجبت القيمة كما لو أتلف غير
الوقف وكذا إن كان المتلف الموقوف عليه لأنه
لا يملك التصرف في الرقبة إنما له المنفعة
"يشتري بها مثلها" لأنه أقرب إلى الوفاء بشرط
الواقف يصير وقفا بالشراء "ويحتمل أن يملك"
الموقوف عليه "قيمة الولد" لأنه يملك النماء
وهو منه "ههنا" يعني إذا وطئها أجنبي بشبهة
"ولا يلزمه قيمة الولد إن أولدها" لأن ما تملك
قيمته لا تلزمه قيمته وله أي للموقوف عليه
"تزويج الجارية" في الأصح لأنه عقد على
منفعتها أشبه الإجارة والثاني لا يجوز تزويجها
لأنه عقد على منفعتها في العمر فيفضي إلى
تفويت منفعتها في حق من يأتي من البطون وهذا
الخلاف مبني على الملك وحينئذ ليس له أن
يتزوجها وإن قلنا هو ملك لله فيزوجها حاكم
ويتزوجها "وأخذ مهرها" لأنه بدل المنفعة وهل
يستحقها كالأجرة "وولدها وقف معها" أي إذا
ولدت من زوج أو زنى لأن ولد كل ذات رحم حكمه
حكمها كأم الولد والمكاتبة "ويحتمل أن يملكه"
لأنه من نمائها كثمرة الشجرة
(5/250)
وإن جنى الوقف
خطا فالأرش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون
في كسبه وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين
فمن مات منهم رجع نصيبه إلى الآخرين
__________
فرع: إذا طلبت التزويج لزمه إجابتها لأنه حق
لها طلبته فتعينت الإجابة وما فات من الحق به
يفوت نفعا فلا يصلح أن يكون مانعا كغير
الموقوفة.
"وإن جنى الوقف" جناية موجبة للمال "خطأ
فالأرش على الموقوف عليه" جزم به الشيخان وفي
الوجيز ومرادهم إذا كان معينا لأنه ملكه فكانت
عليه كجناية أم الولد ولم يتعلق أرشها برقبة
الوقف لأنه لا يمكن بيعه ولا يلزمه أكثر من
قيمته كأم الولد.
"ويحتمل أن يكون في كسبه" كما لو يكن معينا
كالوقف على المساكين لأنه ليس له مستحق معين
يمكن إيجاب الأرش عليه والمذهب إن قلنا هو ملك
لله فالأرش في كسبه لتعذر تعلقه برقبته لكونه
لا يباع وبالموقوف عليه لكونه لا يملكه وقيل
هو في بيت المال وحكاه في التبصرة رواية كأرش
جناية الحر المعسر وضعفه في المغني بأن
الجناية إنما تكون في بيت المال في صورة
تحملها العاقلة عند عدمها وجناية العبد لا
تحملها
تنبيه: لم يتعرض المؤلف إذا جنى جناية موجبة
للقود والقطع أنه يجب فإن قتل يبطل الوقف لا
بقطعه ويكون باقيه وقفا كتلفه بفعل الله تعالى
فإن قتل فالظاهر لا يجب القود كعبد مشترك وتجب
القيمة وليس للموقوف عليه العفو عنها لأنه لا
يختص بها ويشتري بها مثلها يكون وقفا ويتوجه
اختصاص الموقوف عليه بها إن قلنا يملكه وإن
قطع طرفه فللعبد القود وإن عفا فأرشه يصرف في
مثله وفي الترغيب احتمال كنفعه كجناية بلا تلف
طرف ويعايا بمملوك لا مالك له وهو عبد وقف على
خدمة الكعبة قاله ابن عقيل في المنثور.
"وإذا وقف على ثلاثة" كزيد وعمر وبكر "ثم على
المساكين فمن مات منهم" أورد "رجع نصيبه إلى
الآخرين" لأنهما من الموقوف عليهم أولا وعوده
(5/251)
فصل
ويرجع إلى شرط الواقف في قسمه على الموقوف
عليه وفي التقديم.
__________
إلى المساكين مشروط بانقراضهم إذ استحقاق
المساكين مرتب ثم فإذا مات الثلاثة أوردوا
فللمساكين عملا بشرطه فلو وقف على ثلاثة ولم
يذكر له مآلا فمن مات منهم فحكم نصيبه حكم
المنقطع كما لو ماتوا جميعا قاله الحارثي
واختار في القواعد أنه يصرف إلى الباقي
وهوأظهر
فصل
"ويرجع إلى شرط الواقف" لأن عمر وقف وقفا وشرط
فيه شروطا ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في
اشتراطه فائدة ولأن ابن الزبير وقف على ولده
وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غيرمضرة ولا
مضرة بها فإذا استغنت بزوج فلا حق لها فيه
ولأن الوقف متلقي من جهته فاتبع شرطه ونصه كنص
الشارع قال الشيخ تقي الدين يعني في الفهم
والدلالة في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه
ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل
على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها
وافقت لغة العرب أوالشارع أو لا فلو تعقب شرطه
جملا عاد إلى الكل واستثناء كشرط نص عليه وكذا
مخصص من صفة وعطف بيان وتوكيد وبدل ونحوه وجار
ومجرور نحو وعلى أنه وبشرط أنه ونحوه "في قسمه
على الموقوف عليه" أي على أن للأنثى سهما
وللذكر سهمين أو بالعكس والمستحب أن يقسمه على
أولاده على حسب قسمة الله تعالى في الميراث
للذكر مثل حظ الأنثيين وقال القاضي المستحب
التسوية بينهم لأن القصد القربة على وجه
الدوام وقد استووا في القرابة ورد بأنه اتصال
المال إليهم فينبغي أن يكون على حسب الميراث
كالعطية والذكر في مظنة الحاجة غالبا بوجوب
حقوق تترتب عليه بخلاف الأنثى.
"وفي التقديم" بأن يقف على أولاده مثلا يقدم
الأفقه أو الأدين أوالمريض
(5/252)
والتأخير
والجمع والترتيب والتسوية والتفضيل وإخراج من
شاء بصفة وإدخاله بصفة والناظر فيه
__________
ونحوه قال في رواية محمد بن الحكم فيما إذا خص
بعضهم بالوقف إن كان على طريق الأثرة فأكرهه
وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة فلا
بأس.
"والتأخير" بأن يقف على ولد فلان بعد بني فلان
"والجمع" بأن يقف على أولاده وأولاد أولاده
ونسله وعقبه.
"والترتيب" بأن يقف على أولاده ثم أولادهم ثم
يقف على اولاده وإن نزلوا الأعلا فالأعلا أو
الأقرب فالأقرب أو على أولاده فإذا انقرضوا
فعلى أولاد أولاده فالتقديم بقاء أصل
الإستحقاق للمؤخر على صفة أن له ما فضل وإلا
سقط والترتيب عدم استحقاق المؤخر مع وجود
المقدم.
"والتسوية" بأن يقف على طائفة بينهم بالتسوية
وقيل يمنع تسوية بين فقهاء كمسابقة.
"والتفضيل بأن يقول لواحد الثلث وللآخر
الثلثان.
"وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة" لقضية ابن
الزبير في بناته وليس هو تعليق للوقف بصفة بل
وقف مطلق والإستحقاق له صفة فلو شرط أن يخرج
من شاء منهم ويدخل من شاء من غيرهم لم يصح
لمنافاته مقتضاه لا قوله يعطي من شاء ويمنع من
شاء لتعليقه استحقاقه بصفة كما لو وقفه على
المشتغلين بالعلم من ولده فإنه يستحقه المشتغل
دون غيره فمن ترك الإشتغال زال استحقاقه فإن
عاد إليه عاد استحقاقه ذكره في المغني والشرح
وقال الحارثي بالفرق لا يتجه وقال الشيخ تقي
الدين كل متصرف بولاية إذا قيل يفعل ما شاء
فإنما هو لمصلحة شرعية حتى لو صرح الواقف بما
يهواه أو يراه مطلقا فشرط باطل لمخالفة الشرع
وكشرطه تغيير شرط.
"و" في "الناظر فيه" بأن يقول الناظر فلان فإن
مات ففلان لأن عمر جعل وقفه إلى حفصة تليه ما
عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها ولأن مصرف
الوقف
(5/253)
والإنفاق عليه
وسائر أحواله
__________
يتبع فيه شرط الواقف فكذا في نظره وشرطه أن
يكون مكلفا ثقة كافيا في ذلك خبيرا به قويا
عليه فإن جعله لغيره لم يعزله بلا شرط وإن
شرطه لنفسه ثم لغيره صح في الأصح وإن فوضه
لغيره أو أسنده فله عزله قاله ابن حمدان
والحارثي وقيل لا واختاره جمع
وللناظر التقرير في الوظائف وفي الأحكام
السلطانية يقرر في الجوامع الكبار الإمام ولا
يتوقف الإستحقاق على نصيبه إلا بشرط ولانظر
لغيره معه أطلقه الأصحاب في الفروع ويتوجه مع
حضوره فيقرر حاكم في وظيفة خلت في غيبته ولو
سبق توليه ناظر غائب قدمت والناظر منفذ لما
شرطه الواقف.
"والإنفاق عليه" بأن يقول يعمر الوقف من
المكان الفلاني مثلا "وسائر أحواله" لأنه ثبت
بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه ولأن ابتداء
الوقف مفوض إليه فكذا في تفاصيله فلو شرط أن
لا يؤجر أو قدرها بمدة اتبع وأن لا ينزل فاسق
وشرير ومتجوه ونحوه عمل به قال في الفروع وإلا
توجه أن لا يعتبر في فقهاء ونحوهم وفي إمام
ومؤذن الخلاف وقال الشيخ تقي الدين لا يجوز أن
ينزل فاسق في جهة دينية كمدرسة وغيرها مطلقا
لأنه يجب الإنكار وعقوبته فكيف ينزل وإن نزل
مستحق تنزيلا شرعيا لم يجز صرفه بلا موجب
شرعي.
تنبيه: للحاكم النظر العام فيعترض عليه إن فعل
ما لا يسوغ وله ضم أمين مع تفريطه أو تهمته
وكذا مع ضعفه ومن ثبت فسقه أو أمر متصرفا
بخلاف الشرط الصحيح عالما بتحريمه قدح فيه
فإما أن ينعزل أو يعزل أو يضم إليه أمين على
الخلاف ثم إن صار هو والوصي أهلا كما لو صرح
به وكالموصوف ذكره الشيخ تقي الدين وذكر
الجدفي النكت أنه لو عزل من وظيفته للفسق ثم
تاب لم يعد إليها وإذا فرط سقط مماله بقدر ما
فوته من الواجب وإذا أطلق النظر لحاكم
المسلمين شمل أي حاكم وأفتى جماعة من ذوي
المذاهب أنه عند التعدد يكون للسلطان تولية من
شاء ولو فوضه حاكم لم يجز لآخر نقضه ولو ولى
كل منهما شخصا قدم ولي الأمر أحقهم
(5/254)
فإن لم يشترط
ناظرا فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم
__________
فرع: إذا جهل شرط الواقف تساوى فيه المستحقون
لأن الشركة ثبتت ولم يثبت التفضيل فوجبت
التسوية كما لو شرك بينهم بلفظه ذكره في
الكافي وغيره وقيده الشيخ تقي الدين بما إذا
لم يكن عادة قال لأن العادة المستمرة والعرف
المستقر في الوقف يدل على شرط الواقف أكثر مما
يدل لفظ الإستفاضة.
"فإن لم يشترط ناظرا" أو شرطه لإنسان فمات
"فالنظر للموقوف عليه" على المذهب لأنه ملكه
وغلته له فكان نظره إليه كملكه المطلق فإن كان
واحدا استقل به مطلقا وقيل يضم إلى الفاسق
أمين حفظا لأصل الوقف عن التضييع وإن كان مولى
عليه قام وليه مقامه وإن كانوا جماعة فهو
بينهم على قدر حصصهم ويستثنى منه ما إذا كان
الوقف على مسجد أو من لا يمكن حصرهم فإنه
للحاكم لأنه ليس له مالك معين وله أن يستنيب
فيه.
"وقيل للحاكم" أي حاكم البلد اختاره ابن أبي
موسى لأنه يتعلق به حق الموجودين وحق من يأتي
من البطون وبناه المؤلف وهو ظاهر المحرر
والفروع على الملك فإن قلنا هو للموقوف عليه
فالنظر له لأنه يملك عينه ونفعه وإن قلنا هو
لله تعالى فالحاكم يتولاه ويصرفه في مصرفه
كالوقف على المساكين والحاصل إن كان النظر
لغير موقوف عليه وكانت ولايته من حاكم أو ناظر
فلا بد فيه من شرط العدالة وإن كانت ولايته من
واقف وهوفاسق أو عدل ففسق إليه أمين ووظيفة
ناظر حفظ وقف وعمارة وإيجار وزراعة ومخاصمة
فيه وتحصيل ريعه من أجرة وزرع وثمره وصرفه في
جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق ونحوه
فرع: إذا شرط النظر لاثنين فأكثر لم يصح تصرف
أحدهما بلا شرط وإن شرطه لكل منهما صح فإن
شرطه لاثنين من أفاضل ولده فلم يوجد منهما إلا
واحد ضم إليه أمين لأن الواقف لم يرض بنظر
واحد ذكره في الكافي وكذا لو جعله لاثنين فمات
أحدهما أو انعزل
(5/255)
وينفق عليه من
غلته وإن وقف على ولده ثم على المساكين فهو
لولده الذكور والإناث بالسوية
__________
"وينفق عليه" أي على الوقف "من غلته" إن لم
يعين واقف من غيره لأن الوقف تحبيس الأصل
وتسبيل المنفعة ولايحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه
فكان من ضرورته فإن لم يكن له غلة فالنفقة على
موقوف عليه معين إن كان الواقف ذاروح فإن تعذر
الإنفاق بيع وصرف الثمن في عين أخرى تكون
وقفاً لمحل الضرورة وإن كان على غير معين
كالمساكين فالنفقة من بيت المال فإن تعذر بيع
ثم إن كان الوقف عقارا لم تجب عمارته من غير
شرط فإن كان بشرطه عمل به
وقال الشيخ تقي الدين تجب عمارته بحسب البطون
وتقدم عمارته على أرباب الوظائف قال الشيخ تقي
الدين الجمع بينهما حسب الإمكان أولى بل قد
يجب ولو احتاج المطلوب مسبل أو دار موقوفة
لسكنى حاج أو غزاة ونحوهم إلى مرمة أو جر منه
بقدر ذلك
فرع: للناظر الإستدانة عليه بلا إذن حاكم
كشرائه الوقف بنسيئة أو بنقد لم يعينه قال في
الفروع ويتوجه في قرضه مالا لولي
"وإن وقف على والده" أو أولاده أو على أولاد
فلان "ثم على المساكين فهو لولده الذكور
والإناث" والخناثي لأن اللفظ يشملهم "بالسوية"
لأنه شرك بينهم وإطلاقها يقتضي التسوية كما لو
أقر لهم بشيء كولد الأم في الميراث ولا يدخل
فيه الولد المنفي باللعان لأنه لا يسمى ولدا
ولا يستحق منه حمل إلا بعد انفصاله لأنه لا
يسمى ولدا قبل انفصاله فيستحق من ثمر وزرع
كمشتر نقله المروذي وقطع به في المغني وغيره
ونقل جعفر يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد قطع
به في المبهج وقال الشيخ تقي الدين الثمرة
للموجود عند التأبير وبدو الصلاح ويشبه الحمل
إن قدم إلى ثغر موقوف عليه فيه أو خرج منه إلى
بلد موقوف عليه فيه نقله يعقوب وقياسه من نزل
في
(5/256)
ولا يدخل فيه
ولد البنات وهل يدخل فيه ولد البنين على
روايتين وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو
ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين
__________
مدرسة ونحوه واختار شيخنا يستحق بحصته من مغلة
وإن من جعله كالولد فقد أخطأ ذكره في الفروع
"ولا يدخل فيه ولد البنات" بغير خلاف قاله في
المغني والشرح لعدم دخولهم في قوله تعالى
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}
(النساء: من الآية11) ولقول الشاعر:
بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء
الرجال الأباعد
لأن ولد الهاشمية ليس بهاشمي ولا ينسب إلى
أبيها شرعا ولا عرفا وبهذا علل أحمد فقال
لأنهم من رجل آخر وقيل شملهم لدخولهم في مسمى
الأولاد.
"وهل يدخل ولد البنين على روايتين" كذا في
المحرر والفروع أحدهما وجزم بها في الوجيز
يدخلون لدخولهم في قولهم تعالى {يُوصِيكُمُ
اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} (النساء: من
الآية11) وحينئذ يشمل ولد البنين وإن سفلوا
لأنه ولد لقوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ}
(الأعراف: من الآية26) {يَا بَنِي إِسْرائيلَ}
(البقرة: من الآية47) ولقوله عليه السلام
"ارموا بني اسماعيل فإن أباكم كان راميا"
ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه
ولد البنين فكذا إذا لم يكونوا قبيلة وحينئذ
يستحقون في الوقف بعد آبائهم مرتبا وظاهره
يشمل الموجودين ومن سيوجد وفيه رواية وهذا ما
لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك.
والثانية لا يدخلون اختارها القاضي وأصحابه
لأن ولده حقيقة ولد صلبه والكلام لحقيقته
وإنما يسمى ولد الولد ولدا مجازا بدليل صحة
النفي إلا أن يقترن به ما يدل على إدخالهم
كقوله وقفت على أولادي لولد الذكور الثلثان
ولولد الإناث الثلث وآية الميراث دلت قرينة
على إرادة الولد وإن سفل فحمل اللفظ على
حقيقته ومجازة.
"وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو
نسله دخل فيه ولد البنين" بغير
(5/257)
ونقل عنه لا
يدخل فيه ولد البنات ونقل عنه في الوصية
يدخلون فيه وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله
وقال أبو بكر وابن حامد يدخلون فيه إلا أن
يقول على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون
__________
خلاف علمناه لأنه ولد ولده حقيقة وانتسابا
"ونقل عنه لا يدخل فيه ولد البنات" لأنه قال
فيمن وقف على ولده ما كان من ولد البنات فليس
لهم شيء فهذا النص يحتمل تعديته إلى هذه
المسألة ويحتمل أن يكون مقصورا على من وقف على
ولده ولم يذكر ولد ولده والمنع اختاره القاضي
في التعليق والجامع والشيرازي وأبو الخطاب في
خلافة الصغير وفي الفروع اختاره الأكثر كمن
ينسب إلي ونص عليها في ولد ولدي الصلبي إلا
بقرينة تدل على دخولهم.
"ونقل عنه في الوصية يدخلون فيه وذهب إليه بعض
أصحابنا وهذا مثله" لأن حكم الوقف والوصية
واحد والقول بدخولهم هو رواية ثابتة عن أحمد
قدمها في المحرر والرعاية واختارها أبو الخطاب
في الهداية لأن البنات أولاده فأولادهن أولاد
اولاده حقيقة لقوله تعالى {وَمِنْ
ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ} (الأنعام: من الآية84)
وإلى قوله {وَعِيسَى} (الأنعام: من الآية85)
وهو ولد بنته وقال النبي صلى الله عليه وسلم
على المنبر "إن ابني هذاسيد ولعل الله أن يصلح
به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" يعني الحسن
رواه البخاري قال في الشرح والقول بدخولهم أصح
وأقوى دليلا.
"وقال أبو بكر وابن حامد يدخلون فيه" هذا
رواية لأن ولد البنت يدخل في التحريم الدال
عليه قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (النساء: من
الآية23) "إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي فلا
يدخلون" لأنه ليس من صلبه وفي الروايتين في
المغني أنهما اختارا الدخول مطلقا وفي الخصال
لابن البنا أن ابن حامد اختار الدخول وابا بكر
ما ذكره هنا وهو في المغني القديم وقيل إن قال
ولد ولدي لصلبي شمل ولد بنيه لصلبه وفي
التبصرة يشمل في الذرية وإن الخلاف في ولد
ولده ومحل الخلاف
(5/258)
__________
مع عدم القرينة أما مع القرينة فالعمل بها
ولهذا قيل في عيسى والحسن إنهما إنما دخل مع
الذكر والكلام مع الإطلاق وأجاب في المغني
والشرح عن قضية عيسى بأنه لم يكن له نسب ينتسب
إليه فنسب إلى أمه والحسن بأنه مجاز اتفاقا
بدليل قوله تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} (الأحزاب: من
الآية40)
مسألة: إذا قال على ولدي ثم على ولده ولدي عند
الفقراء لم يشمل البطن الثالث ومن بعده في
الأشهر فإن قال على ولدي فإذا انقرض ولد ولدي
فعلى الفقراء شمل ولد ولده وقيل لا كما لو قال
على ولدي لصلبي فلو وقف على ولده فلان وفلان
ثم على ولد ولده منع جزم به في المغني وغيره
وقال القاضي لا ونقله حرب لأن قوله على ولدي
يستغرق الجنس فيعم والتخصيص بقوله فلان وفلان
تأكيد للبعض فلا يوجب إخراج البقية كالعطف في
قوله تعالى {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً
لِجِبْرِيلَ} (البقرة: من الآية97) وعلى الأول
فيقصر الوقف على المسلمين وأولادهما وأولاد
الثالث جعلا لتسميتهما بدلا للبعض من الكل
فاختص الحكم به ويجوز أن يكون بدل الكل من
الكل لانطلاق لفظ الولد على الأثنين كانطلاقه
على الجميع
فرع: إذا قال على أولادي ثم أولادهم عند
الفقراء فترتب جملة وقيل إفراد وفي الإنتصار
إذا قوبل جمع مقابلة الفرد منه بالفرد من
مقابلة لغة فعلى هذا قال في الفروع الأظهر
استحقاق الولد وإن لم يستحق أبوه شيئا قاله
شيخنا ومن ظن أن الوقف كالإرث لم يدري ما يقول
ولهذا لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو
بعضهم لم تحرم الثانية مع وجود الشروط فيه
إجماعا وقول الواقف من مات فنصيبه لولده يعم
ما استحقه وما يستحقه مع صفة الإستحقاق استحقه
أولا تكثيرا للفائدة ولصدق الإضافة بأدنى
ملابسة
تنبيه: إذا قال من مات عن غير ولد فنصيبه لمن
في درجته والوقف مرتب فهو لأهل البطن الذي هو
منهم من أهل الوقف وكذا إن كان مشتركا بين
(5/259)
وإن وقف على
بنيه أو نبي فلان فهو للذكور خاصة
__________
البطون فإن لم يوجد في درجته أحد بطل هذا
الشرط وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره وإن كان
الوقف على البطن الأول على أن نصيب من مات
منهم عن غير ولد لمن في درجته فخلاف والأشهر
أنه يستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو بني عم
أبيه ونحوهم إلا أن يقول يقدم الأقرب فالأقرب
إلى المتوفي ونحوه فيختص بهم وليس من الدرجة
من هو أعلا منه أو أنزل وإن شرط أن نصيب
المتوفى عن غير ولد لمن في درجته استحقه أهل
الدرجة وقت وفاته وكذا من سيولد منهم أفتى به
الشارح وصاحب الفائق وابن رجب قال وعلى هذا لو
حدث من هو أعلا من الموجودين وكان في الوقف
استحقاق الأعلا فالأعلا أخذه منهم وقوله من
مات فنصيبه لولده يشمل الأصل والعائد واختار
الشيخ تقي الدين الأصل فقط
تتمة: لو قال هو وقف على أولادي ثم أولادهم
الذكور والإناث ثم أولادهم الذكور من ولد
الظهر فقط ثم نسلهم وعقبهم عند الفقراء على
أنه من مات منهم وترك ولدا وإن سفل فنصيبه له
فمات أحد الطبقة الأولى وترك بنتا فماتت ولها
أولاد فقال شيخنا ما استحقته قبل موتها لهم
ويتوجه لا ولو قال من مات عن غيرولد وإن سفل
فنصيبه لإخوته ثم نسلهم وعقبهم عم من أعقب ومن
لم يعقب ومن أعقب ثم انقطع عقبه لأنه لا يقصد
غيره واللفظ يحتمل فوجب الحمل عليه قطعا ذكره
شيخنا ويتوجه نفوذ حكم بخلافة ذكره في الفروع
"وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور
خاصة" في قول الجمهور لأن لفظ البنين وضع لذلك
حقيقة لقوله تعالى {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ
عَلَى الْبَنِينَ} (الصافات:153) {زُيِّنَ
لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
وَالْبَنِينَ} (آل عمران: من الآية14) و
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا} (الكهف: من الآية46) ولا يدخل فيه
الخنثى لأنه لا يعلم كونه ذكرا وعكسه لو وقف
على بناته اختص بهن ولا شيء للذكور ولا
للخناثى لأنه لا يعلم كونه أنثى لانعلم فيه
خلافا
(5/260)
إلا أن يكونوا
قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم
وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكور
والإناث من اولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني
هاشم بسهم ذوي القربى
__________
"إلا أن يكونوا قبيلة" كبيرة قاله في الرعاية
كبني هاشم وتميم وقضاعة "فيدخل فيه النساء"
لقوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي
آدَمَ} (الاسراء: من الآية70) ولأن اسم
القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها وروى أن جواري من
بني النجار قلن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من
جار
ويقال امرأة من بني هاشم دون "أولادهن من
غيرهم" وحكاه في الرعاية قولا لأنهم لا
ينتسبون إلى القبيلة الموقوف عليها بل إلى
غيرها وكما لو قال المنتسبين إلي واقتضى ذلك
دخول أولادهن منهم وهو ظاهر لدخول الإنتساب
حقيقة ولايشمل مواليهم وعلى الأول يكفي واحد
منهم وقيل بل ثلاثة ويأخذ كل واحد مارآه
الناظر وقيل بل قدر حقه من الزكاة مع فقرة
كالوقف على الفقراء
"وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكور
والإناث من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاوز بني
هاشم بسهم ذوي القربى" لقوله تعالى {مَا
أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ
الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
الْقُرْبَى} (الحشر: من الآية7) فأعطى النبي
صلى الله عليه وسلم أولاده وأولاد عبدالمطلب
وأولاد هاشم ذكرهم وانثاهم ولم يعط من هو أبعد
كبني عبد شمس وبني نوفل شيئا لا يقال هما كبني
المطلب لأنه علل عليه السلام بأنهم لم يفارقوه
في جاهلية ولاإسلام ولم يعط قرابة أمه وهم بنو
زهرة شيئا وجعل هاشما الأب الرابع ولا يتصور
أن يكون رابعا إلا أن يعد النبي صلى الله عليه
وسلم أبا وظاهره أنه يستوي فيه الذكر والأنثى
والكبير والصغير والقريب والبعيد والغني
والفقير لشمول اللفظ لهم ولا يدخل في الكافر
لأنه لم يدخل في
(5/261)
وعنه إن كان
يصل قرابته من قبل أمه في حياته صرف إليهم
وإلا فلا وأهل بيته بمنزلة قرابته
__________
المستحق من قربى النبي صلى الله عليه وسلم.
"وعنه يجاوز بها أربعة آباء فعليها يعطي كل من
يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينتسبون
إلى الأب الأدنى لانهم قرابتهم فيتناولهم من
اللفظ وعنه ثلاثة آباء "وعنه إن كان يصل
قرابته من قبل أمه في حياته" كإخوته أمه
وأخواله وخالاته "صرف إليهم" لأن صلته إياهم
في حياته قرينة تدل على إرادتهم بصلته هذه
وإلا فلا أي وإن لم يصلهم في حياته فلا يصرف
إليهم لما ذكرنا وهذه الرواية نقلها صالح
وعبدالله وابن هانيء وصححها القاضي وجماعة
ونقل صالح إن وصل أغنياءهم أعطوا وإلا الفقراء
أولى وأخذ عدم دخولهم في كل لفظ عام والأول
أولى وأصح لأن هذا عرف في الشرع فيجب حمله
عليه وتقديمه على العرف اللغوي كالوضوء ولا
وجه لتخصيصه بذي الرحم المحرم وهذا مع الإطلاق
فأما إن وجدت قرينة لفظية أو حالية تدل على
إرادتهم أو حرمانهم عمل بها
فرع: قرابة أمه كذلك وعنه إن وصلهم شملهم
ومثله قرابة غيره أو الفقهاء ويصل بعضهم ذكره
القاضي
تنبيه: إذا وقف على أقرب قرابته أو أقرب الناس
إليه قدم الأقرب نسبا وإرثا وابنه كأبويه وقيل
يقدم عليهما وأخوه لأبيه أو أبويه كجد أب وقيل
عكسه وأخوه لأبيه كأمه إن شمل قرابته وكذا
أبناؤهما وولد أبويه أولى منهما قال في الفروع
ويتوجه رواية كأخيه لأبيه لسقوط الأمومة في
النكاح وجزم به في التبصرة وأبوه أولى من ابن
ابنه وفي الترغيب عكسه ويستوي جداه وعماه
كأبويه.
"وأهل بيته بمنزلة قرابته" نص عليه في رواية
عبدالله فيمن أوصى بثلث ماله لأهل بيته قال هو
بمنزلة قوله لقرابتي حكاه ابن المنذر عنه
واحتج بقوله عليه
(5/262)
وقال الخرقي
يعطي من قبل أبيه وأمه وقومه ونسباؤه كقرابته
__________
السلام "لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي" فجعل
سهم ذوي القربى عوضا لهم من الصدقة التي حرمت
عليهم فكان ذوي القربى الذين سماهم الله تعالى
هم أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة وهم آل
علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس وحكى القاضي
عن ثعلب أن أهل البيت عند العرب آباء الرجل
وأولادهم كالأجداد والأعمام وأولادهم ويستوي
فيه الذكر والأنثى وقال القاضي ولد الرجل لا
يدخل في اسم القرابة ولا أهل بيته وفيه شيء
فإن ولد النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته
وأقاربه الذين حرموا الصدقة وأعطوا من سهم ذوي
القربى بل هو أقرب قرابته.
"وقال الخرقي يعطي من قبل أبيه وأمه" لأن أمه
من أهل بيته فكذا أقاربها من أولادها وأبويها
وإخوتها وأخواتها ونقل صالح يختص من يصله من
قبل أبيه وأمه ولو جاوز أربعة آباء وإن
القرابه تعطى أربعة آباء فمن دون واختار أبو
محمد الجوزي أن قومه وأهل بيته كقرابة أبويه
وأن القرابة قرابة أبيه إلى أربعة آباء وعنه
أزواجه من أهله ومن أهل بيته ذكرها الشيخ تقي
الدين وقال في دخولهن في آله وأهل بيته
روايتان اختار الدخول وهو قول الشريف
فرع: أهل الوقف هم المتناولون له.
"وقومه ونسباؤه كقرابته" نص عليه لأن قوم
الرجل قبيلته وهم نسباؤه وقيل كذي رحمه وقال
أبو بكر هو بمثابة اهل بيته لأن أهل بيته
أقاربه وأقاربه هم قومه ونسباؤه وقال القاضي
إذا قال لرحمي أو لأرحامي أو لنسبائي صرف إلى
قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب
الخامس فعليه يدفع إلى كل من يرثه بفرض أو
تعصيب أو بالرحم في حال قال في المغني وقول
أبي بكر في المتناسبين أولى من قول القاضي لأن
ذلك في العرف على من كان من العشيرة التي
ينسبان إليها وإذا كان كل واحد منهما ينسب إلى
قبيلة صاحبه فليس بمناسب لها
فائدة: القوم للرجال دون النساء لقوله تعالى
{لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}
(5/263)
والعترة هم
العشيرة وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء
والأمهات والأيامي والعزاب من لا زوج له ومن
الرجال والنساء ويحتمل أن يختص الأيامي
بالنساء والعزاب بالرجال
__________
[الحجرات: من الآية11]سموا به لقيامهم بالأمر
ذكره ابن الجوزي.
"والعترة هم العشيرة" الأدنون هذا أصح وأشهر
في عرف الناس وبذلك فسره ابن قتيبة لقول أبي
بكر في محفل من الصحابة نحن عترة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم ينكر أحد وهم أهل
اللسان فلا يعول على خلافه لكن توقف أحمد في
ذلك وقيل ذريته وقيل ولده وولد ولده.
"وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء
والأمهات" والأولاد لأن الرحم تشملهم وهي في
القرابة من جهة الأم أكثر استعمالا فإذا لم
يجعل ذلك مرجحا فلا يجعل ذلك مانعا وذكر
القاضي مجاوزته للأب الخامس
تذنيب:
إذا وقف على جماعة أو جمع من الأقرب إليه
فثلاثة فإن لم يكن يتمم العوز من الأبعد ويشمل
أهل الدرجة ولو كثروا وفي الفروع ويتوجه في
جماعة اثنان لأنه لفظ مفرد وقال المجد أقل
الجمع مماله تثنية خاصة ثلاثة ويتوجه وجه في
لفظ الجمع اثنان ولفظ النساء ثلاثة والرهط لغة
ما دون العشرة من الرجال خاصة وفي كشف المشكل
هو ما بين الثلاثة إلى العشرة.
"والأيامي والعزاب من لا زوج له من الرجال
والنساء" ذكره أصحابنا لما روى عن سعيد بن
المسيب قال أيمت حنة من زوجها وأيم عثمان من
رقية يقال رجل عزب وامرأة عزبة قاله ثعلب
وإنما سمي عزبا لانفراده ولايقال أعزب ورد
بأنها لغة حكاها الأزهري عن أبي حاتم وفي صحيح
البخاري عن ابن عمر وكنت شابا أعزب وسواء تزوج
الرجل أولا والمرأة سواء كانت بكرا أو ثيبا
وقيل لا يكون الأيم إلا بكرا "ويحتمل أن يختص
الأيامي بالنساء والعزاب بالرجال" لقوله تعالى
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (النور:
من الآية32) وفي الخبر
(5/264)
فأما الأرامل
فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن وقيل هو
للرجال وللنساء وإن وقف على أهل قريته أو
قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه.
__________
أعوذ بالله من سرار الأيم إنما أراد به النساء
لأن العرف اختصاصهن بهذا الإسم العرفي
اختصاصهن بهذا الأسم العرفي يقال امرأة أيم
بغير هاء ولو كان الرجل مشاركا لها لقيل أيم
وأيمة كقائم وقائمه وحكى أبو عبيد أيمة ولأن
العرف أن العزب يختص بالرجل.
"فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن
أزواجهن" بموت أو غيره قال أحمد في رواية حرب
وقد سئل عن رجل وصى لأرامل بني فلان فقال قد
اختلف الناس فيها فقال قوم هو للرجال والنساء
والذي يعرف يعرف في كلام الناس أن الأرامل
النساء لأنه هو المعروف فيحمل المطلق عليه.
"وقيل هو للرجال والنساء" وقاله الشعبي وإسحاق
وأنشد:
هذي الارامل قد قضيت حاجتها
... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
فيقال رجل أرمل وامرأة أرملة والأول أولى لأن
الأرامل جمع أرملة فلا يكون جمعا للمذكر لأن
اختلاف المفرد يقتضي اختلاف الجمع والشعر لا
دلالة فيه لأنه لو شمل لفظ الأرامل للمذكر
والمؤنث لقال حاجتهم لأن تذكير الضميرعند
اجتماع النوعين لازم وسمى نفسه أرملا تجوزا
بدليل أنه وصف نفسه بأنه مذكر ولو ثبت في
الحقيقة أنه لهما لكن خصه أهل العرف بالنساء
فهجرت الحقيقة وصارت مغمورة
فرع: إخوته وعمومته وبكر وثيب وعانس لذكر
وأنثى
"وإن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل
فيهم" أي في الموقوف "من يخالف دينه" وفيه وجه
آخر أن المسلم وإن كان الواقف كافرا عليهم من
يخالف دينه على المذهب لأن الظاهر من حال
الواقف أنه لم يرد من يخالف دينه مما بينهما
من المقابلة فيكون ذلك قرينة صارفة للفظ عن
شموله بدليل أنه تبارك وتعالى لما اطلق آية
الميراث لم يشمل المخالف فكذا هنا فعلى هذا لو
كان الواقف مسلما لم يدخل الكافر وكذا عكسه
فإن صرح بهم دخلوا لأن إخراجهم يترك به صريح
المقال وهو أقوى من قرينة الحال وكدا إن وجدت
قرينة
(5/265)
وفيه وجه آخر
أن المسلم يدخل فيه و إن كان الواقف كافرا
__________
دالة على إرادتهم فلو كان أهل القرية والأقارب
كلهم كفارا دخلوا لأن إخراجهم يؤدي إلى رفع
اللفظ بالكلية فإن كان فيهم مسلم واحد والباقي
كفار دخلوا أيضا لأن إخراجهم بالتخصيص بعيد
وفيه مخالفة الظاهر وإن كان الأكثر كفارا فهو
للمسلمين في ظاهر قول الخرقي لأنه أمكن حمل
اللفظ عليهم والتخصيص يصح بإخراج الأكثر وقيل
يدخل الكفار لأن التخصيص في مثل هذا بعيد وأن
تخصيص الصورة النادرة قريب وتخصيص الأكثر بعيد
يحتاج إلى دليل
فائدة: حكم سائر ألفاظ العموم كالإخوة
والأعمام واليتامى والمساكين حكم أهل قريته
"وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل فيه وإن كان
الواقف كافرا" لأن اللفظ عام وحاصله أن الواقف
إن كان كافرا تناول أهل دينه لأن لفظه
يتناولهم والقرينة دالة على إرادتهم وهل يدخل
فيه المسلم ينظر فإن وجدت قرينة على دخولهم
كما إذا لم يكن إلا مسلمون وإن انتفت القرائن
فوجهان وإن كان في القرية كافر من غير دين أهل
الواقف لم يدخل لأن قرينة الحال تخرجه وقيل
بدخوله بناء على توريث الكفار بعضهم من بعض.
ملحق: الصبي والغلام من لم يبلغ واليتيم من لا
أب له ولو جهل بقاء أبيه فالأصل بقاؤه وقال
الشيخ تقي الدين يعطي من ليس له ببلد الإسلام
أب يعرف فإن بلغ خرج من حد اليتم
والشاب والفتى من بلغ إلى الثلاثين وقيل وخمسة
والكهل منها إلى منها إلى السبعين وفي الكافي
والترغيب إلى آخر العمرثم الهرم
والأشراف أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
ذكره الشيخ تقي الدين قال وأهل العراق كانوا
لا يسمون شريفا إلا من كان من بني العباس
وكثير من أهل الشام وغيرهم لا
(5/266)
و إن وقف على
مواليه وله موال من فوقه ومن أسفل تناول
جميعهم وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق وإن
وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب
تعميمهم والتسوية بينهم وإلا جاز تفصيل بعضهم
على بعض
__________
يسمون إلا من كان علويا والشريف في اللغة خلاف
الوضيع والضعيف ولما كان أهل بيت النبي صلى
الله عليه وسلم أحق البيوت بالتشريف صار من
كان من أهل بيته شريفا فلو وصى لبني هاشم لم
يدخل مواليهم نص عليه
"وإن وقف على مواليه وله موال من فوقه ومن
أسفل تناول جميعهم" ويستوون فيه لأن الاسم
يشملهم جميعا قال ابن أبي موسى من وقف على
مواليه المعتقين جاز وكان بينهم على ماشرط فإن
ماتوا ولهم أولاد صار ما كان وقفا عليهم وقفًا
على أولادهم.
"وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق لأنهم
أقوى عصبة بدليل ثبوت الميراث لهم ولا يستحق
مولى أبيه مع وجود مواليه فإن لم يكن له موال
فقال الشريف هو لمولى أمه لأن الاسم يتناوله
مجازا وقد تعذرت الحقيقة فإن كان له موالي أب
حين الوقف ثم انقرض مواليه لم يكن لموالي الأب
في ظاهر ما ذكروا لأن الأسم تناول غيرهم فلا
يعود إليهم إلا بعقد ولم يوجد "وإن وقف على
جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم" كبني فلان الذين
ليسوا بقبيلة "وجب تعميمهم والتسوية بينهم"
لأن اللفظ يقتضى ذلك وقد أمكن الوفاء به فوجب
العمل بمقتضاه اشبه ما لو أقر لهم وقوله تعالى
{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (النساء: من
الآية12) يوضحه فإن كان الوقف في ابتدائه على
من يمكن استيعابه فصار مما لا يمكن استيعابه
كوقف علي رضي الله عنه وجب تعميم من أمكن منهم
والتسوية بينهم لأن التعميم والتسوية كان
واجبا فإذا تعذر وجب ما أمكن كالواجب الذي
يعجز عن بعضه "وإلا" أي وإن لم يمكن حصرهم
واستيعابهم كبني هاشم وبني تميم لم يجب
تعميمهم إجماعا لأنه غير ممكن "وجاز تفضيل
بعضهم على بعض" لأنه إذا جاز
(5/267)
والإقتصار على
واحد منهم ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة
ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر من القدر الذي
يدفع إليه في الزكاة والوصية كالوقف في هذا
الفصل
__________
حرمانه جاز تفضيل غيره عليه "والإقتصاد على
واحد منهم" على المذهب لأن مقصود الواقف
مجاوزة الجنس وذلك يحصل بالدفع إلى واحد منهم
"ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة" هذا رواية
عن أحمد لأنها أقل الجمع قال في الخلاف وقد
سئل أحمد عن رجل أوصى بثلثه في أبواب البر قال
يجزا ثلاثة أجزاء فعلى هذا الفرق أن الوصية
يعتبر فيها لفظ الموصي وأمر الله يعتبر فيها
المقصود بدلالة أن الموصي للمساكين لا يعدل
إلى غيرهم والإطعام في الكفارة يجوز صرفها إلى
غيرالمساكين وإن كان منصوصا عليهم ومقتضى ذلك
صحة الوقف على من لا يمكن حصرهم ولا استيعابهم
كالمساكين
"ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر من القدر الذي
يدفع إليه في الزكاة" أي إذا كان الوقف على
الأصناف الذين يأخذون الصدقات أو بعضهم صرف
إليهم ويعطي كل منهم من الوقف مثل القدر الذي
يعطي من الزكاة لأن المطلق من كلام الآدمي
يحمل على المعهود في الشرع فعلى هذا إذا كان
الموقوف عليه الفقراء لم يدفع إلى واحد منهم
زيادة على خمسين درهما أو قيمتها من الذهب
لأنه القدر الذي يحصل به الغني واختار
أبوالخطاب وابن عقيل زيادة المسكين على
الخمسين وقد أومأ إليه أحمد وقيل لكل صنف ثمن
وإن وقف على الفقراء أو المساكين أعطي الآخر
وفيه وجه.
"والوصية كالوقف في هذا الفصل" لأن مبناها على
لفظ الموصي أشبهت الوقف فإن وصى أن يفرق في
فقراء مكة فقال أحمد في رواية أحمد بن الحسين
بن حسان هل يفرق على قوم دون قوم فقال ينظر
إلى أحوجهم قال القاضي فظاهره أنه يعتبر العدد
تذنيب: إذا وقف مدرسة أو رباطا أو خانقاه أو
نحو ذلك على طائفة اختصت بهم وإن وقف عليها
مسجدا أو مقبرة فوجهان والأشبه اختصاص من
عينهم
(5/268)
فصل
والوقف عقد لازم
__________
ولا يختص أحد بالصلاة اتفاقا وإن عين إماما أو
ناظرا تعين وقيل إن وقف مسجدا على الفقراء
وشرطه لهم اختصوا به إمامة ونظرا وعنه على ما
جرت به العادة وكذا إن وقفه على أهل مذهب في
الأشبه
فصل
"والوقف عقد لازم" أي يلزم بمجرد القول لأنه
تبرع يمنع البيع والهبة فلزم بمجرد كالعتق
وقال في التلخيص وغيره وحكمه اللزوم في الحال
أخرجه مخرج الوصية أو لم يخرجه حكم به حاكم
أولا لقوله عليه السلام لا يباع أصلها ولا
يوهب ولا يورث قال الترمذي العمل على هذا
الحديث عند أهل العلم وإجماع الصحابة على ذلك
ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية فإذا نجزه في
الحياة لزم من غير حكم كالعتق وذهب أبو حنيفة
رضي الله عنه أنه لايلزم بمجرده وللواقف
الرجوع فيه إلا أن يوصى به بعد موته أو يحكم
بلزومه حاكم وحكاه بعضهم عن علي وابن مسعود
وابن عباس واحتج له بما رواه المحاملي عن
عبدالله بن زيد صاحب الأذان أنه جعل حائطه
صدقة وجعله لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فجاء أبواه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقالا لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط فرده
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما
ولأنه إخراج مال على وجه القربة فلم يلزم
بمجرده كالصدقة وجوابه السنة الثابتة مع أن
هذا الخبر ليس فيه ذكر الوقف والظاهر أنه جعله
صدقة غير موقوف فرأى النبي صلى الله عليه وسلم
والديه أحق بصرفها إليهما بدليل أنه لم يردها
إليه ويحتمل أن الحائظ كان لهما وتصرفه فيه
بحكم النيابة عنهما ولم يجيزاه عند القياس على
الصدقة ليس بظاهر فإنها تلزم في الحياة بغير
حكم حاكم وإنما يفتقر إلى القبول والوقف لا
يفتقر إليه فافترقا
(5/269)
ولا يجوز فسخه
بإقالة ولاغيرها ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل
منافعه فيباع
__________
"ولايجوز فسخه بإقالة ولاغيرها" لأن ذلك شأن
العقود المقتضية للتأبيد "ولا يجوز بيعه" ولا
المناقلة به "إلا أن تتعطل منافعه" بالكلية
كدار انهدمت أو ارض خربت وعادت مواتا ولم تمكن
عمارتها نقل علي ابن سعيد لا يستبدل به
ولايبيعه إلا أن يكون بحال لا ينتفع به ونقل
أبو طالب لا يغير عن حاله ولا يباع إلا أن لا
ينتفع منه بشيء وقاله الأصحاب وفي المغني
والشرح إلا أن يقل فلا يعد نفعا ونقل مهنا أو
ذهب أكثر نفعة.
"فيباع" لما روي أن عمر كتب إلى سعد لما بلغه
أن بيت المال الذي بالكوفة نقب أن انقل المسجد
الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبله
المسجد فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان هذا
بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان
كالإجماع
وحكى في التلخيص عن أبي الخطاب أنه لايجوز
بيعه وهو غريب لا يعرف في كتبه لأن مالا يجوز
بيعه مع بقاء منفعه لا يجوز مع تعطلها كالعتق
وجوابه بأن فيما ذكرناه استبقاء للوقف عند
تعذر إبقائه بصورته فوجب ذلك كما لو استولد
الجارية أو قتلها أو قتلها غيره وقال ابن عقيل
الوقف مؤبد فإذا لم يمكن تأبيده على وجه
تخصيصه استبقينا الغرض وهو الإنتفاع على
الدوام في عين أخرى واتصال الأبدال جرى مجرى
الأعيان وجمودنا على العين مع تعطيلها تضييع
للغرض قولهم يباع اي يجوز بيعه نقله وذكره
جماعة وظاهر رواية الميموني يجب لأن الولي
يلزمه فعل المصلحة ولأنه استبقاء للوقف بمعناه
فوجب كإيلاد أمة موقوفة وقال الشيخ تقي الدين
مع الحاجة تجب بالمثل وبلا حاجة يجوز بخير منه
لظهور المصلحة ولا يجوز بمثله لفوات التعيين
بلا حاجة فإن أمكن بيع بعضه ليعمر به الباقي
جاز وإن لم يمكن الإنتفاع بشيء منه بيع جميعه
ذكره في المغني والشرح قال في الفروع والمراد
مع اتحاد الواقف كالجهة ثم إن كان المراد
عينين كدارين
(5/270)
ويصرف ثمنه في
مثله.
__________
فظاهر وكذا عينا واحدة ولم تنقص القيمة
بالتشقيص فإن نقصت توجه البيع في قياس المذهب
كبيع وصي لدين أو حاجة صغيرة بل هذا أسهل
لجواز تغيير صفاته لمصلحة وذكر الحافظ ابن رجب
أن عبادة من أصحابنا أفتى في أوقاف وقفها
جماعة على جهة واحدة من جهات البر إذا خرب
بعضها للمباشر أن يعمره من الأجرة ووافقه
طائفة من الحنفية
تنبيه: لم يتعرض المؤلف للمتولي بيعه والأشهر
أنه الحاكم قدمه في الفروع وفي التلخيص ويكون
البائع الإمام أو نائبه نص عليه وكذلك الشراء
بثمنه وهو ظاهر ما في المغني والشرح لأنه فسخ
لعقد لازم مختلف فيه اختلافا قويا فيتوقف فسخه
على الحاكم كما قيل في الفسوخ المختلف فيها
ولكونه بيعا على الغائبين وهم الذين يستحقونه
بعد انقراض الموجودين وجزم في المحرر أنه
ناظره وقيل بل يفعله الموقوف عليه إن قلنا
يملكه
فرع: لو شرط الواقف أنه لا يباع فخرب يباع
وشرطه إذن فاسد نص عليه قال حرب قلت لأحمد رجل
وقف ضيعة فخربت وقال في الشرط لا يباع فباعوا
منها سهما وأنفقوه على البقية ليعمروها قال لا
بأس بذلك إذا كان كذلك لأنه اضطرار ومنفعة
لهم. "ويصرف ثمنه في مثله" كذا في المحرر
والوجيز والفروع وزاد أو بعض مثله قاله أحمد
لأنه أقرب إلى غرض الواقف وكجهته وظاهر الخرقي
أنه لا يتعين المثل واقتصر عليه في المغني
والشرح إذ القصد النفع لكن يتعين صرف المنفعة
في المصلحة التي كانت الاولى تصرف إليها لأن
تغيير المصرف مع إمكان المحافظة عليه لا يجوز
كما لا يغير الوقف بالبيع مع إمكان الإنتفاع
به وقوة كلامه وهو ظاهر الخرقي أنه لا بد من
إيقاف الناظر له وصرح في الرعاية أنه يصير
وقفا بمجرد الشراء وجوزهما الشيخ تقي الدين
لمصلحة وأنه قياس الهدي وذكره وجها في
المناقلة وأومأ إليه أحمد
(5/271)
وكذلك الفرس
الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى بثمنه ما
يصلح للجهاد وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في
موضعه وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها
إلى مسجد آخر ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في
عمارته
__________
"وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو" بأن
ينحطم "بيع" كالوقف إذا تعطلت منافعه "واشتري
بثمنه ما يصلح للجهاد" نصر عليه محافظة على
غرض الواقف وعنه يصرفه على الدواب الحبس أو
يصرف ثمنه في مثله وظاهره التخيير وعلى الأول
إن لم يكن ثمنه ثمن فرس أخرى أعين به في شراء
فرس حبيس نص عليه ذكره في المغني والشرح لأن
المقصود استيفاء منفعة الوقف الممكن استيفاؤه
وصيانتها عن الضياع.
"وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه" فإنه
يباع إذا خربت محلته نقله عبدالله ذكره جماعة
وفي رواية صالح يحول المسجد خوفا من اللصوص
وإذا كان في موضعه قدر وقال القاضي يعني إذا
كان ذلك يمنع من الصلاة فيه ونص على جواز بيع
عرصته وتكون الشهادة على الإمام.
"وعنه لا تباع المساجد" نقلها علي بن سعيد
لأنها آكد من غيرها "لكن تنقل آلتها إلى مسجد
آخر" اختاره أبو محمد الجوزي لأنه أقرب إلى
غرض الواقف لكن نقل جعفر فيمن جعل خانا في
السبيل وبنى بجنبه مسجدا فضاق أيزاد منه في
المسجد قال لا قيل فإنه ترك ليس ينزل فيه فقد
عطل قال يترك على ما صير إليه ولا يجوز نقله
مع إمكان عمارته قاله في الفنون وإن جماعة
أفتوا بخلافه وغلطهم
"ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته" نقل
أبو داود إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة
تشعث وخافوا سقوطه جاز بيعهما وصرف ثمنهما
عليه لأنه إذا جاز بيع الكل عند الحاجة فبيع
بعضه مع بقاء البعض أولى وقاسه في الشرح على
بيع بعض الفرس الحبيس عند تعذر الإنتفاع به
(5/272)
وما فضل من
حصره وزيته عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر
والصدقة به على فقراء المسلمين ولا يجوز غرس
شجرة في المسجد
__________
ويجوز نقض منارته وبناء حائطه بها لتحصينه من
الكلاب نص عليه في رواية محمد بن عبدالحكم
للمصلحة.
"وما فضل من حصره وزيته" وقصبه ونفقته وعبارة
الوجيز والفروع وما فضل عن حاجته وهي أولى "عن
حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر" قاله أحمد لأنه
انتفاع في جنس ما وقف له فكان مصروفا له في
مثله وكالهدي "والصدقة به على فقراء المسلمين"
نص عليه في رواية المروذي واحتج بأن شيبة بن
عثمان الحجي كان يتصدق بخلقان الكعبة وروى
الخلال بإسناده أن عائشة أمرته بذلك وهذه قضية
انتشرت ولم تنكر فكان كالإجماع ولأنه مال لله
تعالى لم يبق له مصرف فصرف إلى المساكين ولأن
نفع المسجد عام والفقراء كذلك وخصه أبو الخطاب
والمجد بفقراء جيرانه لأنهم أحق بمعروفه وعنه
لا يصرف لهما وعنه بلى لمثله واختاره الشيخ
تقي الدين وقال أيضا وفي سائر المصالح وبناء
مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته قال وإن علم
أن ريعه يفضل عنه دائما وجب صرفه لأن بقاءه
فساد وإعطاؤه فوق ما قدره الواقف لأن تقديره
لا يمنع استحقاقه كغير مسجده وقال ومثله وقف
غيره ولا يجوز لغير الناظر صرف الفاضل
فرع: فضل غلة موقوف على معين استحقاقه مقدر
يتعين إرصاده ذكره أبو الحسين والحارثي ونقل
حرب فيمن وقف على قنطرة فانحرف الماء يرصد
لعله يرجع وإن وقف على ثغر فاختل صرف في ثغر
مثله وعلى قياسه مسجد ورباط ونحوهما.
"ولا يجوز غرس شجرة في المسجد" نص عليه وقال
تقلع غرسته بغير حق لأن المسجد لم يبن لذلك
إنما بني لقراءة القرآن والصلاة وذكر الله
تعالى ولما يحصل بها من الأذى وفي الإرشاد
والمبهج يكره غرسها فيه وقيل يكره إن لم يضق
وإلا حرم فإن غرست فيه وأثمرت فقال
(5/273)
فإن كانت
مغروسة فيه جاز الأكل منها قال أبو الخطاب إذا
لم يكن بالمسجد حاجة إلى ثمنها فإن احتاج صرف
ذلك في عمارته
__________
أحمد لا أحب الأكل منها وقيل تباح لفقراء
الدرب وقيل مع غنى المسجد عنها وظاهر النص
والمحرر أنه لا يختص قلعها بواحد وفي المستوعب
والشرح أنه للإمام.
"فإن كانت مغروسة" بأن وقف وهي "فيه" فإن عين
مصرفها اتبع وإلا صارت كالوقف المنقطع "جاز
الأكل منها" لأنها تبع للمسجد وهو لكل من
المسلمين الإنتفاع به فكذا الأكل منها وظاهره
مطلقا وهو قول.
"قال أبو الخطاب إذا لم يكن بالمسجد حاجة إلى
ثمنها" اقتصر في المحرر على هذا لأن حاجة
المسجد مقدمة على غيره "فإن احتاج ذلك صرف في
عمارته" لأنها مقدمة على غيرها وقول أبي
الخطاب تقييد لما أطلق لعدم ذكره بواو العطف
وذكر جماعة أنه يصرف في مصالحه فإن فضل فلجاره
كلها نص عليه قال جماعة ولغيره وقيل للفقير
منهم
فرع: لا يجوز حفر بئر في المسجد ولا يغطى
بالمغتسل لأنه للموتى ونقل المروذي أنها تطم
وفي الرعاية أن أحمد لم يكره حفرها فيه ثم قال
بلى إن كره الوضوء فيه
مسألة: إذا غرس الناظر أو بنى فيه فهو له إن
أشهد وإلا للوقف قال في الفروع ويتوجه في
أجنبي للوقف بنيته وقال شيخنا يد الواقف ثابتة
على المتصل به ما لم تأت حجة يدفع موجبها
كمعرفة كون الغارس غرسها بماله بحكم إجارة أو
إعارة أو على المنفعة فليس له دعوى البناء بلا
حجة ويد أهل العرصة المشتركة ثابتة على ما
فيها بحكم الإشتراك إلا مع بينة باختصاصه
ببناء ونحوه
(5/274)
باب الهبة
والعطية
وهي تمليك في حياته بغير عوض وإن شرط فيها
عوضا معلوما صارت بيعا وعنه يغلب فيها حكم
الهبة
__________
باب الهبة والعطية
أصلها من هبوب الريح أي مروره يقال وهبت له
شيئا وهبا بإسكان الهاء وفتحها وهبة والإسم
الموهب والموهبة بكسر الهاء فيهما والإتهاب
قبول الهبة والإستيهاب سؤال الهبة وتواهب
القوم أي وهب بعضهم بعضا ووهبته كذا لغة قليلة
والعطية قال الجوهري هي الشيء المعطى والجمع
العطايا والعطية هنا الهبة في مرض الموت فذكر
الهبة في الصحة والمرض وأحكامهما قاله في
المطلع
"وهي تمليك في حياته بغير عوض" فخرج بالأول ما
ليس بتمليك كالعرية فإنها إباحة وبالثاني
الوصية وبالثالث عقود المعاوضات كالبيع
والإجارة والمراد به ماله المعلوم الموجود صرح
به في الوجيز بما يعد هبة عرفا ويعتبر فيه أن
يكون من جائز التصرف.
"وإن شرط فيها عوضا معلوما" صح نص عليه "وصارت
بيعا" لأنه تمليك بعوض معلوم أشبه البيع
ومعناه أنه يثبت فيها الخيار والشفعة وحكى في
الفروع قولا أنها تصح بقيمتها فعليه يلغو
الثواب المشروط ويرجع إلى قيمتها والظاهر أنه
يرجع إلى ذلك إذا جعل الثواب مجهولا ونبه عليه
في الفائق وقيل لا يصح لأنه شرط في الهبة ما
ينافي مقتضاها ولنفي الثمن ورد بأنه تمليك
بعوض فصح عارية.
"وعنه يغلب فيها حكم الهبة" ذكرها أبو الخطاب
لأنه وجد لفظها الصريح فكان المغلب فيها الهبة
كما لو لم يشرط عوضا وحينئذ لا يثبت
(5/275)
وإن شرط ثوابا
مجهولا لم يصح وعنه أنه قال يرضيه بشيء فعلى
هذا إن لم يرض فله الرجوع فيها أو في عوضها إن
كانت تالفة
__________
فيها أحكام البيع المختصة به وظاهره أن الهبة
المطلقة لا تقتضي عوضا سواء كانت لمثله أو
دونه أو أعلا منه وقال ابن حمدان هي من الأدنى
تقتضي عوضا هو القيمة لقول عمر من وهب هبة
أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا
لم يرض منها
وجوابه بأنها عطية على وجه التبرع فلم يقتض
ثوابا كهبة المثل والوصية أو قول عمر خالفه
ابنه وابن عباس وقبل يقتضي عوضا مع عرف فلو
أعطاه ليعاوضه أو ليقضي له حاجة فلم يف
فكالشرط فعلى ما ذكره لو عوضه عن الهبات كانت
هبة مبتدأة لا عوضا أيهما أصاب عيبا لم يكن له
الرد وإن خرجت مستحقة أخذها صاحبها ولم يرجع
الموهوب له ببدلها
"وإن شراط ثوابا" أي عوضا "مجهولا لم تصح"
الهبة لأنه عوض مجهول في معاوضة فلم يصح
كالبيع وحينئذ حكمها حكم البيع الفاسد فيردها
الموهوب له بزيادتها مطلقا لأنها نماء ملك
الواهب وإن كانت تالفة رد قيمتها.
"وعنه أنه قال يرضيه بشيء "أي هو صحيح وذكره
الشيخ تقي الدين ظاهر المذهب فإذا أعطاه عنها
عوضا رضيه لزم العقد لأنها تصح بغير عوض فلأن
تصح بعوض مجهول من باب أولى قال أحمد في رواية
محمد بن الحكم هذا لك على أن تثيبني فله أن
يرجع إذا لم يثبه لأنه شرط ونص على معناه في
رواية إسماعيل بن سعيد ولا يجوز أن يكافئه
بالشكر والثناء نص عليه.
"فعلى هذا إن لم يرض فله الرجوع فيها أو في
عوضها إن كانت تالفة" لأنه عقد معاوضة فاسد
فيلزمه ضمان العين إذا تلفت كالبيع الفاسد
وقيل يعطيه قدر قيمتها والأول أصح لأن هذا بيع
فيعتبر التراضي ومقتضاه أنه يرجع في العين مع
بقائها مطلقا لكن إن تغيرت بزيادة أو نقصان
ولم يثبه منها فقال أحمد لا
(5/276)
وتحصل الهبة
بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب والقبول
والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها وتلزم
بالقبض.
__________
أرى عليه نقصان ما نقص عنده إذا رده إلى صاحبه
إلا أن يكون ثوبا لبسه أو جارية استخدمها فأما
غير ذلك إذا نقص فلا شيء عليه كالرهن
فرع: إذا ادعى ربها شرط العوض أو قال رهنتني
ما بيدي فقال بل بعتكه فأيهما يصدق إذا حلف
فيه وجهان وجزم في الكافي في الأولى أنه يقبل
قول المنكر
"وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من
الإيجاب" بأن يقول وهبتك وأهديت إليك وأعطيتك
ونحوه كهذا لك "والقبول" بأن يقول قبلت أو
رضيت "والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها"
اختاره ابن عقيل وهو الصحيح لأنه عليه السلام
كان يهدي ويهدى إليه ويعطي ويعطى ويفرق
الصدقات ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها وكان
أصحابه يفعلون ذلك ولم ينقل عنهم إيجاب ولا
قبول ولو كان شرطا لنقل عنهم نقلا متواترا أو
مشتهرا وكالبيع وذكر القاضي وأبو الخطاب أنها
لا تصح إلا بالإيجاب والقبول ولا تصح بدونه
وسواء وجد قبض أم لا لأنها عقد تمليك فافتقر
إلى ذلك كالنكاح وفي المستوعب والمغني أنها لا
تصح إلا بلفظ الهبة والعفو والتمليك وفي
الرعاية في عفو وجهان وما ورد في الأخبار دال
على خلافه قال ابن عقيل إنما يشترط الإيجاب
والقبول مع الإطلاق وعدم العرف ولأنه يكتفي
بها في المعاوضات فالهبة أولى والنكاح يشترط
فيه الإشهاد وغيره ولا يقع إلا قليلا فيه ذلك
بخلاف الهبة.
"وتلزم بالقبض"بإذن واهب بلا شبهة لما روى
مالك عن عائشة أنا أبا بكر نحلها جداد عشرين
وسقا من ماله بالعالية فلما مرض قال يا بنية
كنت نحلتك جداد عشرين وسقا ولو كنت جددتيه
واحتزتيه كان لك فإنما هو اليوم مال وارث
فاقتسموه على كتاب الله تعالى وروى ابن عيينة
عن عمر نحوه ولم
(5/277)
وعنه تلزم في
غير المكيل والموزون بمجرد الهبة ولا يصح
القبض إلابإذن الواهب إلا ما كان في يد المتهب
فيكفي مضي زمن يتأتى قبضه فيه
__________
نعرف لهما في الصحابة مخالفا ولأنها هبة
غيرمقبوضة فلم تلزم كالطعام المأذون في أكله
"وعنه تلزم في غيرالمكيل والموزون" والمعدود
والمزروع "بمجرد الهبة" أي إذا كان متميزا
فإنه يلزم بمجرد العقد اختاره الأكثر قال ابن
عقيل هي المذهب لعموم قوله عليه السلام:
"العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه"
ولأنه إزالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد
كالوقف والعتق ولأنه تبرع فلا يعتبر فيه القبض
كالوصية ولأنه عقد لازم ينقل الملك فلم يقف
لزومه على القبض كالبيع وحديث أبي بكر محمول
على أنه أراد به عشرين وسقا مجدودة فيكون
مكيلا غير معين ولا تصح الهبة فيه قبل تعيينه
فيكون معناه وعدتك بالنحلة لكنه خلاف الظاهر
وأجابوا عن الوقف والوصية والعتق بالفرق فإن
الوقف إخراج ملك لله تعالى فخالف التمليكات
والوصية تلزم في حق الوارث والعتق إسقاط حق
وليس بتمليك وإذا قلنا الهبة تملك بالعقد
بمجرده فيصح التصرف فيها قبل القبض نص عليه
لأن حق الواهب انقطع عنها بمجرد انتقال ملكه
وليست في ضمانه ولا محذور في التصرف فيها بوجه
وظاهره أن الهبة حيث افتقرت إلى القبض فإنها
تصح بالعقد واختار الخرقي وجمع عكسه قال
المروذي اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن
الهبة لا تجوز إلا مقبوضة والأشهر الأول وهل
يملكها به فيه وجهان وعليهما يخرج النماء قال
جماعة إن اتصل القبض.
"ولا يصح القبض" إذا قيل يلزم به "إلا بإذن
الواهب" لأنه قبض غير مستحق عليه فلم يصح إلا
بإذنه كأصل العقد وكالرهن "إلا ما كان في يد
المتهب" كالوديعة والمغصوب "فيكفي مضى زمن
يتأتى قبضه فيه" هذا رواية واختارها القاضي
لأنه مقبوض فلا معنى لتجديد الإذن فيه وقول
ابن المنجا أنه
(5/278)
وعنه لا يصح
حتى يأذن في القبض وإن مات الواهب قام وارثه
مقامه في الإذن والرجوع وإن أبرأ الغريم غريمه
من دينه
__________
المذهب فيه نظر فإن ظاهر كلام أحمد في رواية
ابن منصور أنها تلزم من غير مضي مدة يتأتى
فيها القبض قدمه في المحرر والفروع وصححه في
المغني والشرح لأن قبضه مستدام فأغنى عن
الإبتداء كما لو باعه سلعة
ويبنى على الخلاف الرجوع والنماء وفي الرعاية
الزيادة قبل القبض للمتهب إذا قبض ما يعتبر
قبضه وقيل للواهب وهو أقيس والأصح أنه إذا أذن
في القبض ثم رجع عن الإذن أو في الهبة صح
رجوعه "وعنه لا يصح حتى يأذن في القبض" كما لو
لم يكن في يده.
"وإن قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع" في
الأصح لأنه عقد مآله إلى اللزوم فلم ينفسخ
بالموت كالبيع في مدة الخيار وكما لو مات
المتهب بعد القبول وقال القاضي وقدمه في الشرح
إنها تبطل سواء كان قبل الإذن في القبض أو
بعده لأنه عقد جائز فبطل بموت أحد المتعاقدين
كالوكالة وظاهره أن ورثة المتهب لا تقوم مقامه
بل تبطل الهبة بموته في الأصح
فرع: يقبض أب لطفل من نفسه والأصح لا يحتاج
قبولا ويقبل ويقبض للطفل والمجنون وليهما وقيل
وغيره ممن يقوم بمصلحتهما إذا عدم وأمين
الحاكم كهو
أصل: يصح قبض المميز وقبوله بلا إذن وليه وقيل
يتوقف صحة قبضه فقط على إذنه ولا يصح هبة من
صغير وسفيه ولو بإذن وليهما وتصح الهبة من
العبد وقيل بإذن سيده وما اتهبه عبد غير مكاتب
وقبله فهو لسيده ويصح قبوله بلا إذن سيده نص
عليه وقيل لا يقبله إلا بإذنه فإن قبله وقلنا
يملكه فهو له دون سيده وإلا فلا ذكره في
الرعاية
"وإن ابرأالغريم غريمه من دينه" ولو اعتقد أنه
ليس له عنده شيء ولو قبل حلوله
(5/279)
أو وهبه له أو
أحله منه برئت وإن رد ذلك ولم يقبله وتصح هبة
المشاع وهبة كل ما يجوز بيعه
__________
خلافا للحلواني وغيره "أو وهبه له أو أحله
منه" أو أسقطه عنه أو تركه أو ملكه أو تصدق به
عليه أو عفا عنه "برئت ذمته وإن رد ذلك ولم
يقبله" في المنصوص لأنه إسقاط حق فلم يفتقر
إلى القبول كالعتق والطلاق والشفعة وبهذا فارق
هبة المعين لأنه تمليك وفي المغني في إبرائها
له من المهر هل هو إسقاط أو تمليك فيتوجه منه
احتمال لا يصح وإن صح اعتبر قبوله
وفي الموجز والإيضاح لا تصح هبة إلا في معين
وفي المغني وإن حلف لا يهبه فأبرأه لم يحنث
لأن الهبة تمليك وعلى النص يصح ولو كان المبرأ
منه مجهولا وفيه خلاف لكن لو جهله ربه وكتمه
المدين خوفا من أنه لو عمله لم يبره لم تصح
البراءة ومن صور البراءة من المجهول لو أبرأه
من أحدهما أو أبرأ أحدهما ويؤخذ بالبيان
والمذهب لا يصح مع إبهام المحل كأبرأت أحد
غريمي ولو أبرأه من مائة وهو يعتقد أنه لا شيء
له وكانت عليه ففي صحة البراءة وجهان أصلهما
ما لو باع مالا كان لمورثه يعقتد أنه باق
لمورثه وكان قد مات وانتقل إليه.
"وتصح هبة المشاع" جزم به الأكثر لما في
الصحيح أن وفد هوازن لما جاؤوا يطلبون من رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنم
منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما
كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم" ولأنه يجوز
بيعه وظاهره سواء أمكن قسمته أولا لكن يعتبر
لقبضه إذن الشريك قاله في المجرد فيكون نصفه
مقبوضا تملكا ونصف الشريك أمانة وقال في
الفنون بل عارية مضمونة وفي الرعاية من اتهب
مبهما أو مشاعا من منقول أو غيره فأذن له
شريكه في القبض كان سهمه أمانة مع المتهب أو
يوكل المتهب شريكه في قبض سهمه منه ويكون بيده
أمانة وإن تنازعا قبض لهما وكيلهما أو أمين
الحاكم والأشهر إن أذن له في التصرف مجانا
فكعارية وإن كان بأجرة فكمأجور
"و" تصح "هبة كل ما يجوز بيعه" لأنه تمليك في
الحياة فصح كالبيع
(5/280)
ولا تصح هبة
المجهول وما لا يقدر على تسليمه ولا يجوز
تعليقها على شرط
__________
وظاهره أن ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته وفي
أم الولد أوجه وفي الكلب المعلم والصوف على
الظهر وجهان وفي المغني والشرح والوجيز تصح
هبته ونجاسة يباح نفعها كالوصية نقل حنبل فيمن
أهدى إلى رجل كلب صيد ترى له أن يثيب عليه قال
هذا خلاف الثمن هذا عوض من شيء فأما الثمن فلا
"ولا تصح هبة المجهول" كالحمل في البطن واللبن
في الضرع نص عليه في رواية أبي داود وحرب لأنه
تمليك فلم يصح في المجهول كالبيع وشرطه إلا ما
تعذر علمه كالصلح صرح به الأئمة وقيل لا يصح
إن كان دون المتهب لانتفاء العلة وعلم منه أنه
لا تصح هبة المعدوم كالتي تحمل أمته أو شجرته
من باب أولى.
"وما لا يقدر على تسليمه" كالآبق والشارد
والمغصوب لغير غاصبه لأنه عقد يفتقر إلى القبض
أشبه البيع وظاهره أنه إذا وهبه لغاصبه أو لمن
يتمكن من أخذه صح لإمكان قبضه وليس لغير
الغاصب القبض إلا بإذن الواهب فإن وكل المالك
الغاصب في تقبيضه صح وإن وكل المتهب الغاصب في
القبض له فقبل ومضى زمن يمكن قبضه فيه صار
مقبوضا وملكه المتهب وبرىء الغاصب من ضمانه
ذكره في الشرح وقيل تصح هبة غيرمقدور عليه
وقاله أبو ثور لأنه تمليك بلا عوض كالوصية قال
في الفروع ويتوجه منه هبة معدوم غيره. "ولا
يجوز تعليقها على شرط" جزم به أكثر الأصحاب
لأنها تمليك لمعين في الحياة فلم يجز تعليقها
على شرط كالبيع وما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال "إن رجعت هديتنا إلى النجاشي
فهي لك" وعد لا هبة واستثنى في الفروع وسبقه
إليه ابن شهاب والقاضي غير الموت أي موت
المبرىء
تنبيه: لا يصح تعليق الإبراء بشرط نص عليه
فيمن قال إن مت فأنت في
(5/281)
ولا شرط ما
ينافي مقتضاها نحو ألا يبيعها ولا يهبها ولا
توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة إلا في العمرى
وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو أرقبتكها أو
جعلتها لك عمرك أو حياتك فإنه
__________
حل لأنه إن كان تمليكا فكتعليق الهبة وإلا فقد
يقال هو تمليك من وجه والتعليق مشروع في
الإسقاط المحض فقط فإن ضم التاء فوصية وعن
أحمد أنه جعل رجلا في حل من عيبه بشرط أن لا
يعود قال ما أحسن الشرط فيتوجه فيهما روايتان
وذكر الحلواني صحة الإبراء بشرط واحتج بنصه
المذكور
"ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها
ولا يهبها" أو بشرط أن يبيعها أو يهبها أو يهب
فلانا شيئا لم يصح الشرط رواية واحدة وكذا
الهبة وفيها وجه بناء على الشروط الفاسدة في
البيع وإن وهب أمة واستثنى حملها صح في قياس
قوله في العتق وفيه تخريج.
"ولا توقيتها" خلافا للحارثي "كقوله وهبتك هذا
سنة" لأنه تعليق لانتهاء الهبة وقيل يلغو
توقيته وتصح الهبة مطلقا
"إلا في العمرى" والرقبى فإنهما نوعان من
الهبة ويصح توقيتهما سميت عمرى لتقييدها
بالعمر وسميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت
صاحبه
"وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار" أو أعطيتك "أو
أرقبتكها" قال ابن القطاع أرقبتك أو أعطيتك
وهي هبة ترجع إلى المرقب إن مات المرقب وقد
نهى عنه والفاعل منهما معمر ومرقب بكسر الميم
الثانية والقاف والمفعول بفتحهما وقال أبو
السعادات يقال أعمرته الدار أي جعلتها له
يسكنها مدة عمره فإذا مات عادت إلى كذا كانوا
يفعلونه في الجاهلية فأبطل ذلك الشرع وأعلمهم
أن من أعمر شيئا أو أرقبه في حياته فهو له
ولورثته من بعده "أو جعلتها لك عمرك" أو عمري
"أو حياتك" أوما بقيت "فإنه" أي ذلك
(5/282)
يصح وتكون
للمعمر ولورثته من بعده.
__________
وهو العمرى والرقبى "يصح" في قول أكثر العلماء
وحكي عن بعضهم ضده لقوله عليه السلام "لا
تعمروا ولا ترقبوا" هذا نهي وهو يقتضي الفساد
وجوابه ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم "قال العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة
لأهلها" رواه أبو داود واالترمذي وحسنه والنهي
ورد على وجه الإعلام لهم أنكم إن أعمرتم
أوأرقبتم نفذ للمعمر وللمرقب ولم يعد إليكم
منه شيء بدليل حديث جابر مرفوعاً "من أعمر
عمرى فهي لمن أعمرها حياً وميتاً ولعقبه" رواه
مسلم ولو أريد به حقيقة لم يمنع صحته كطلاق
الحائض وصحة العمرى ضرر على المعمر فإن ملكه
يزول لغير عوض قاله في المغني والشرح.
"وتكون للمعمر" بفتح الميم ملكاً في قول جماعة
من الصحابة ومن بعدهم لما روى جابر قال: "قضى
النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت
له" متفق عليه ورواه مالك في الموطأ "ولورثته
من بعده" لما روى زيد ابن ثابت "أن النبي صلى
الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث" لأن
الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك
وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته
منافياًلحكم الأملاك فإن عدموا فلبيت المال
دون ربها نص عليه ومقتضاه أنه إذا أضافها إلى
عمر غيره أنها لا تصح وعنه يرجع بعد موت
المعمر إلى المعمر وقاله الليث لقول جابر إنما
العمرى التي أجازها النبي صلى الله عليه وسلم
أن يقول هي لك ولعقبك أما إذا قال هي لك ماعشت
فإهنا ترجع إلى صاحبها وليس بظاهر مع أنه حمل
قوله على تمليك المنافع وجوابه بأنه قضى بها
طارق بالمدينة بأمر عبد الملك بن مروان وقول
بعضهم إنها تمليك المنافع لايضر إذا نقلها
الشارع إلى تمليك الرقبة كالمنقولات الشرعية
أما لو قال أعمرتك هذه الدار ولعقبك فلاخلاف
عندنا في الصحة كما اقتضاه كلامه في الكافي
وذكر العقب تأكيد .
تنبيه: ليس ذلك خاصا بالعقار بل يجري فيه وفي
الحيوان والثياب نقل
(5/283)
وإن شرط رجوعها
إلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتا صح
الشرط وعنه لا يصح وتكون للمعمر ولورثته من
بعده
__________
يعقوب وابن هانىء من يعمر الجارية أيضا قال
لاأراه وحمله القاضي على الورع لأن بعضهم
جعلها تمليك المنافع وروى سعيد بإسناده عن
الحسن أن رجلا أعمر فرسا حياته فخاصمه بعد ذلك
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه
السلام "من ملك شيئا حياته فهو لورثته بعده "
والإنسان إنما يملك الشيء عمره فقد وقته بما
هو مؤقت به في الحقيقة فصار كالمطلق.
"وإن شرط رجوعها إلى المعمرعند موته" إن مات
قبله أو إلى غيره وتسمى الرقبى أو رجوعها
مطلقا إليه أو إلى ورثته "أو قال هي لآخرنا
موتا صح الشرط" كالعقد على الأصح لقوله عليه
السلام "المسلمون على شروطهم" قال القاسم ما
أدركت الناس إلا على شروطهم وحينئذ يعمل
بالشرط.
"وعنه لا يصح" الشرط نص عليه في رواية أبي
طالب وفي المغني هو ظاهر المذهب وقدمه في
المحرر والفروع لما روى أحمد بإسناده مرفوعا
قال "لا عمرى ولا رقبى فمن أعمر شيئا أو أرقبه
فهو له حياته وموته" وهذا صريح في إبطال الشرط
لأن الرقبى يشترط فيها عودها إلى المرقب إن
مات الآخر قبله.
"وتكون للمعمر ولورثته من بعده" لقوله عليه
السلام "من ملك شيئا حياته فلورثته بعد موته"
وعنه بطلانهما كالبيع
فرع: إذا قال سكناه لك عمرك أو غلته أو خدمته
لك أو منحتكه فهو عارية نقله الجماعة لأنه في
التحقيق هبة المنافع والمنافع إنما تستوفى
بمضي الزمان شيئا فشيئا وتبطل بموت أحدهما
تنبيه: إذا وهب أو باع فاسدا ثم تصرف في العين
بعقد صحيح مع علمه بفساد الأول صح الثاني لأنه
تصرف في ملكه عالما بأنه ملكه وإن اعتقد صحة
الأول ففي الثاني وجهان كما لو تصرف في عين
يعتقد أنها لأبيه فبان أنه قد مات وملكها قال
القاضي أصلهما من باشر بالطلاق امرأة يعتقدها
أجنبية فبانت
(5/284)
فصل
والمشروع في عطية الاولاد القسمة بينهم على
قدر ميراثهم
__________
امراته أو باشر بالعتق من يعتقدها حرة فبانت
أمته ففي وقوعهما روايتان
فصل
"والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على
قدر ميراثهم" أي يجب التعديل في عطية أولاده
للذكر مثل حظ الانثيين اقتداء بقسمة الله
تعالى وقياسا لحال الحياة على حال الموت قال
عطاء ما كانوا يقتسمون إلا على كتاب الله
تعالى وقاله عطاء وشريح وإسحاق وقيل لصلبه
وذكره الحارثي لا ولد بنيه وبناته للحقيقة
وعنه يستحب ذكر كأنثى وقاله أكثر العلماء
لقوله عليه السلام لبشير بن سعد "سو بينهم"
وكالنفقة
وجوابه أن الذكر أحوج منها من جهة أن الصداق
والنفقة عليه بخلافها وحديث بشير قضية في عين
وحكاية حال لا عموم لها إنما يثبت حكمها في
مثلها ولا يعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم
أثني أولا ثم تحمل التسوية على القسمة على
كتاب الله تعالى
ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء وعنه
لا يجب التعديل في النفقة كشيء تافه نص عليه
وقال أبو يعلى الصغير كشيء يسير وعنه بلى مع
تساوي فقر فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية
بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا أو غنى
نقل أبو طالب لا ينبغي أن يفضل أحدا من ولده
في طعام وغيره قال إبراهيم كانوا يستحبون
التسوية بينهم حتى في القبل فدخل فيه نظر وقف
وظاهره أنه لا يجب التعديل بين غيرهم بل ذلك
مخصوص بالأولاد فقط جزم به المؤلف في كتبه
وزعم الحارثي أنه المذهب وان عليه المتقدمين
من أصحابنا قال في الفروع وهو سهو إذ الأصل
تصرف الإنسان في ماله كيف شاء خرج منه الأولاد
للخبر مع أنه عليه السلام لم يسأل بشيرا هل لك
وارث غير
(5/285)
فإن خص بعضهم
أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر
حتى يستووا
__________
ولدك أم لا واختار الأكثر أن بقية الأقارب
كالأولاد نص عليه وهو المذهب لأن المنع من ذلك
كان خوف قطيعة الرحم والتباغض وهو موجود في
الأقارب
والأم كالأب فيما ذكرنا لأنها أحد الأبوين
أشبهت الأب ولوجود المعنى المقتضى للمنع "فإن
خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو
إعطاء الآخر حتى يستووا" نص عليه وجزم به
الأصحاب لما روى النعمان بن بشير قال : "تصدق
علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة
لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليشهده فقال "أكل ولدك أعطيت مثله"
قال لا قال "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"
قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة" وفي لفظ
"فاردده" وفي لفظ "فارجعه" وفي لفظ "لا تشهدني
على جور" وفي لفظ "فأشهد على هذا غيري" وفي
لفظ "سو بينهم" متفق عليه وذلك يدل على
التحريم لأنه سماه جورا أو أمر برده وامتنع من
الشهادة عليه ولا شك أن الجور حرام والأمر
يقتضي الوجوب وهو يورث العداوة والبغضاء
وقطيعة الرحم، فمنع منه كتزويج المرأة على
عمتها وقيل يجوز تفضيل أحدهم واختصاصه لمعنى
فيه ويكره إن كان على سبيل الأثرة اختاره
المؤلف ونصره في الشرح وقال الليث والثلاثة
يجوز ذلك مطلقا لأن أبا بكر نحل عائشة جداد
عشرين وسقا دون سائر ولده
واحتج الشافعي بقوله: "أشهد على هذا غيري"
فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها لأنه عطية
تلزم بموت المعطي كالتسوية
وجوابه بأن فعل أبي بكر لا يعارض ما تقدم
وبأنه نحلها لمعنى فيها لا يوجد في غيرها من
أولاده أو كان قاصدا بأن ينحل غيرها فأدركته
الوفاة وبأن قوله: "أشهد..." إلى آخره ليس
بأمر لأن أدنى أحواله الإستحباب ولا خلاف في
(5/286)
فإن مات قبل
ذلك ثبت للمعطي وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع
اختاره أبو عبدالله بن بطة وإن سوى بينهم في
الوقف
__________
كراهته مع أنه لو كان أمرا لبادر إلى امتثاله
وإنما هو تهديد وظاهره أنه إذا خص بعضهم بإذن
الباقي أو كان لمعنى كزمانة أو عمى أو طلب علم
جاز وأنه لا فرق في ذلك بين الصحة والمرض وعنه
لا ينفذ في مرضه ونقل الميموني معناه قال أبو
الفرج يؤمر برده.
"فإن مات"الواهب "قبل ذلك ثبت للمعطي" ولزم
وليس لبقية الورثة الرجوع نص عليه واختاره
الخلال وصاحبه والخرقي وأكثر العلماء لقول أبي
بكر لعائشة رضي الله عنها وددت أنك حزتيه فدل
أنها لو كانت حازتة لم يكن له الرجوع ولقول
عمر ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو
انفرد فإن كان في المرض فقد خالف ويقف على
إجازة بقية الورثة لكن إن كانت العطية في
المرض ليسوي بينهم فقد توقف أحمد والأشهر
الجواز لأنه طريق لفعل الواجب.
"وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو
عبدالله بن بطة" وأبو حفص والشيخ تقي الدين
قال أحمد عروة قد روى حديث عمر وعثمان وإن سوى
بينهم في الوقف وعائشة وتركها وذهب إلى حديث
النبي صلى الله عليه وسلم ترد في حياة الرجل
وبعد موته ولأنه عليه السلام سمى ذلك جورا وفي
رواية لمسلم "إني لا أشهد إلا على حق" وغير
الحق لا يجوز والجور لا يحل فعله ولا يختلف
بالحياة والموت ولا يطيب أكله ويتعين رده وعنه
أنها باطلة واختارها الحارثي وقال أبو يعلى
الصغير قولهم لو حرم لفسد والتحريم يقتضي
الفساد في رواية لا في أخرى بدليل قوله في
الصلاة في دار غصب فدل على الخلاف
أصل لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده نقله
الأكثر وعنه بلى ونقل ابن الحكم لا يعجبني فإن
حدث له وارث سوى ندباً قدمه جماعة وقيل وجوبا
قال أحمد أعجب إلي يسوي اقتصر عليه في المغني
"وإن سوى بينهم في الوقف" ذكر كأنثى جاز قاله
القاضي وقدمه في
(5/287)
أوقف ثلثه في
مرضه على بعضهم جاز نص عليه وقياس المذهب لا
يجوز
__________
الفروع لأن القصد القربة على وجه الدوام وقد
استووا في القرابة نقل ابن الحكم لا بأس قيل
فإن فضل قال لا يعجبني على وجه الأثرة إلا
لعيال بقدرهم أو حاجة لأن الزبير خص المردودة
من بناته دون المستغنية منهن بصدقته واختار
المؤلف أنه يستحب أن يقسم بينهم كقسمة الميراث
لأنه إيصال المال إليهم فيكون على حسب الميراث
وذكر أن قول القاضي لا أصل له وهو ملغي
بالعطية والهبة لأن الوقف لا ينقل الرقبة أو
ينقلها على وجه من القصور بخلاف الهبة "أو وقف
ثلثه في مرض"ه أو وصى بوقفه "على بعضهم جاز نص
عليه" اختاره القاضي والأكثر واحتج الإمام بأن
عمر جعل أمر وقفه إلى حفصة تأكل منه وتشتري
رقيقا ولأن الوقف ليس في معنى المال فهو كعتق
الوارث وكالوقف على الأجانب وعلل في رواية
الميموني بأن الوقف غير الوصية لأنه لا يباع
ولا يورث ولا يصير ملكا للورثة ينتفعون
بغلتها.
"وقياس المذهب لا يجوز" ظاهره أنه لا نقل فيها
عن الإمام لكن نص في رواية إسحاق بن إبراهيم
فيمن وصى لأولاد بنته بأرض توقف فقال إن لم
يرثوه فجائز وظاهره أنه لا يجوز الوقف على
وارث في المرض اختارها أبو حفص وابن عقيل
ذكرها أبوالخطاب ورجحها في المغني والشرح لأنه
تخصيص لبعض ورثته بماله في مرضه فمنع منه
كالوصية وإلحاقا له بالهبة وحديث عمر ليس فيه
تخصيص لبعض الورثة بالوقف لأنه جعل الولاية
إليها وليس ذلك وقفا عليها وكونه انتفاعا
بالغلة لا يقتضي جوازالتخصيص كما لو أوصى
لوارث بمنفعة عبد وحمل كلامه على أنه وقف على
الورثة فعنه كهبة فتصح بالإجازة وعنه لا إن
قيل هبة وعنه يلزم في ثلثه وهي أشهر
تنبيه: إذا وقف داره في مرض موته وهي تخرج من
ثلثه على ابنه وبنته نصفين جاز على المنصوص
ولزم لأنه لما كان له تخصيص البنت بها فبنصفها
أولى وعلى المنصور في المغني وغيره إن أجاز
الإبن جاز وإن رده بطل الوقف فيما زاد على
(5/288)
ولا يجوز لواهب
أن يرجع في هبته إلا الأب
__________
نصيب الإبن وهو السدس ويرجع إلى الإبن ملكا
فيكون له النصف وقفا والسدس ملكا والثلث للبنت
جميعه وقفا وقيل يبطل الوقف في نصف ما وقف على
البنت وهو الربع ويبقى ثلاثةأرباعها وقفا
نصفها للإبن وربعها للبنت والربع الذي بطل
الوقف فيه بينهما أثلاثا وتصح من اثني عشر
للإبن ستة أسهم وقف وسهمان ملك وللبنت ثلاثة
أسهم وقف وسهم ملك ولو كان لا يملك غيرها
وقلنا يلزم في الثلث فردا فثلثها وقف بينهما
بالسوية وثلثاها ميراثا وإن رد ابنه فله ثلثا
الثلثين إرثا ولبنته ثلثها وقفا وإن ردت فلها
ثلث الثلثين إرثا ولابنه نصفها وقفا وسدسها
إرثا كرد الموقوف عليه
فرع: لا يصح وقف زائد على الثلث على أجنبي جزم
به المؤلف وجماعة وأطلق بعضهم وجهين وكذا على
وارث ولو حيلة كوقف مريض ونحوه على نفسه ثم
عليه
"ولا يجوز" أي لا يحل "لواهب أن يرجع في هبته"
اللازمة كذا في الرعاية والوجيز لما روى ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "العائد
في هبته كالكلب يقيىء ثم يعود في قيئه" متفق
عليه ولأحمد والبخاري ليس لنا مثل السوء وفي
رواية لأحمد قال قتادة ولا أعلم القيء إلا
حراما وكالقيمة وظاهره وإن لم يثب عليها صرح
به في المحرر وكذا حكم الهدية "إلا الأب" فله
الرجوع في أظهر الروايات عنه وصححه ابن حمدان
وهو المذهب عند الشيخين لما روى عمر وابن عباس
مرفوعا "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع
فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه الخمسة
وصححه الترمذي وسواء قصد برجوعه التسوية بين
أولاده أو لا وظاهره لا فرق فيه بين المسلم
والكافر في ظاهر كلامهم وفي الإختيارات منع
الأب الكافر أن يرجع فيما أعطى ولده الكافر ثم
أسلم فإن كان في حال إسلام الولد ففيه نظر
ومقتضاه أن الأم لا رجوع لها وهو ظاهر كلام
أحمد قال في رواية الأثرم ليست هي عندي
(5/289)
وعنه ليس له
الرجوع وعنه له الرجوع إلا أن يتعلق به حق أو
رغبة مثل أن يتزوج الولد أو يفلس
__________
كالرجل لأن له أن يأخذ من مال ولده بخلاف الأم
ولولايته وحيازته جميع المال وقيل بلى وهو
ظاهر الخرقي وصححه في المغني والشرح لقوله
عليه السلام "سووا بين أولادكم" ولا للمرأة
فيما تهب زوجها وهو إحدى الروايات لقوله تعالى
{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} الآية وعنه لها
الرجوع مطلقا نقلها الأثرم وحكاه الزهري عن
القضاة وأطلقهما في المحرر والفروع وقيداه
بمسألته وسيأتي "وعنه ليس له الرجوع" كالجد
لعموم ما سبق وفيه وجه ذكره ابن رزين وجوابه
بأنه عليه السلام قال لبشير : "فارجعه" وفي
رواية فاردده رواه مالك عن الزهري عن حميد عن
النعمان وأقل أحوال الأمر الجواز .
"عنه له الرجوع إلا أن يتعلق به حق أو رغبة"
لغير الولد مثل أن يهب ابنه شيئا فيرغب الناس
في معاملته فيداينوه أو في مناكحته فيزوجوه أو
يهب ابنته شيئا فتتزوج وقد نبه عليه بقوله
"مثل أن يتزوج الولد أو يفلس" لأنه تعلق بها
حق غير الإبن ففي الرجوع إبطال حقه يؤيده قوله
عليه السلام "لا ضرر ولا إضرار" والرجوع ضرر
وفيه تحيل على إلحاق الضرر بالمسلمين زاد في
الفروع تبعا الرعاية والوجيز أو ما يمنع تصرف
المتهب مؤبدا أو مؤقتا كالرهن ونحوه فلا رجوع
فرع: إذا أسقط حقه من الرجوع فاحتمالان في
الإنتصار وإن علق الرجوع بشرط لم يصح
تنبيه: يحصل الرجوع في الهبة بالألفاظ الدالة
عليه علم الولد أو لا ولا يفتقر إلى حكم حاكم
في الأصح فإن أخذ ما وهبه لولده ونوى به
الرجوع كان رجوعا ويقبل قوله في نيته فإن مات
الأب ولم يعلم هل نوى الرجوع ولم توجد قرينة
لم يحكم بأنه رجوع وإن حفت به قرائن دالة على
الرجوع فوجهان وفي المغني ينبني هذا على نفس
العقد فمن أوجب الإيجاب في القبول فليس
(5/290)
وإن نقصت العين
أو زادت زيادة منفصلة لم يمنع الرجوع والزيادة
للإبن ويحتمل أنها للأب وهل تمنع المتصلة
الرجوع على روايتين.
__________
برجوع وإلا فهو رجوع فإن نوى الرجوع من غير
قول ولا فعل لم يحصل الرجوع وجها واحدا
"وإن نقصت العين" أو تلف بعضها لم يمنع الرجوع
ولا ضمان على الولد فيما تلف منها لأنه تلف
على ملكه سواء تلف بفعله أو لا وإن جنى العبد
جناية تعلق أرشها برقبته فهو كنقصانه بذهاب
بعض أجزائه فإن رجع الأب فيه ضمن أرش الجناية
وإن كانت على العبد فرجع الأب فأرش الجناية
عليه للإبن كالزيادة المنفصلة.
"أو زادت زيادة منفصلة" كالولد والثمرة وكسب
العبد "لم تمنع الرجوع" بغير خلاف نعلمه قاله
في الشرح لأن الرجوع في الأصل دون النماء ممكن
وفيه في الموجز رواية "والزيادة للإبن" لأنها
حادثة في ملكه ولا يتبع في الفسوخ وكذا هنا
وكولد الأمة منه "ويحتمل أنها للأب" ذكره
القاضي كالرد بالعيب ولأنها زيادة في الموهوب
فملكها الأب كالمتصلة لكن إن كانت الزيادة ولد
أمة لا يجوز التفريق بينهما منع من الرجوع إلا
أن يقول المنفصلة للأب فيرجع فيهما جميعا أو
يرجع في الأم ويتملك الولد من مال ولده قاله
في الشرح وفيه شيء وإن اختلفا في حدوث زيادة
ففي أيهما يقبل قوله وجهان.
"وهل تمنع" الزيادة "المتصلة" كالسمن في العين
وتعلم صنعة في المعاني "الرجوع" إذا زادت بها
القيمة قاله في الشرح "على روايتين" كذا في
الكافي والمحرر إحداهما لا تمنع لأنها زيادة
في الموهوب فلم يمنع الرجوع كالزيادة قبل
القبض والمنفصلة والثانية وهي أشهر ورجحها في
الشرح يمنع لأن الزيادة للموهوب له لكونها
نماء ملكه ولم ينتقل إليه
(5/291)
وإن باعه
المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له
الرجوع على وجهين وإن رجع إليه ببيع أو هبة لم
يملك الرجوع وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك
أبوه الرجوع
__________
من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها وحينئذ
يمتنع الرجوع في الأصل لئلا يفضي إلى سوء
المشاركة وضرر التشقيص لأنه استرجاع للمال
بفسخ عقد لغير عيب في عوضه فمنعه الزيادة
المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح بخلاف
الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد
رضي ببذل الزيادة وعلى المنع فللأب أخذها
بطريق التملك بشرطه وقصر العين وتفصيلها زيادة
متصلة يجري فيها الخلاف
فرع: إذا وهب حاملا من غيره فولدت في يده فهبة
متصلة وقيل منفصلة إن قلنا لا حكم للحمل وإن
رجع فيها حاملا جاز وإن لم تزد قيمتها وإن
زادت قيمتها فمتصلة ولو وهبه نخلة فحملت فهي
قبل التأبير زيادة متصلة وبعده منفصلة.
"وإن باعه المتهب" أو وهبه لم يملك الواهب
الرجوع قولا واحدا "ثم رجع إليه بفسخ أو
إقالة" أو فلس المشتري "فهل له الرجوع على
وجهين" كذا أطلقهما في المحرر والفروع واقتصر
على ذكر الفسخ فقط وهو مغن
أحدهما وجزم به في الوجيز لا يملك الرجوع لأن
الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه
عادة أشبه ما لو عاد إليه بالهبة أما لو عاد
إليه بخيار المجلس أو الشرط فله الرجوع لأن
الملك لم يستقر عليه
والثاني يملكه لأن السبب المزيل ارتفع وعاد
الملك بالسبب الأول أشبه فسخ البيع بالخيار
"وإن رجع إليه ببيع أوهبة لم يملك الرجوع"
لأنه عاد إليه بملك جديد لم يستفده من قبل
أبيه فلم يملك فسخه وإزالته كالذي لم يكن
موهوبا
"وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع"
كما لو وهبه لغير ابنه ولأن
(5/292)
إلا أن يرجع هو
وإن كاتبه أو رهنه لم يملك الرجوع إلا أن ينفك
الرهن أو تنفسخ الكتابة وعن أحمد في المرأة
تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها
رضيت أو كرهت لأنها لا تهب له إلا مخافة غضبه
أو إضرارا بها بأن يتزوج عليها
__________
في رجوعه إبطالا لملك غير ابنه وقيل له أن
يرجع وإن لم يرجع ابنه "إلا أن يرجع هو" لأن
المانع من الرجوع زوال مالك الإبن وقد عاد
إليه وقيل لا يملكه لأنه عاد إليه بعد استقرار
ملك غيره عليه أشبه ما لو وهبه ابن الإبن
لأبيه
"وإن كاتبه أو رهنه لم يملك الرجوع" لأن حق
المرتهن والمكاتب تعلق به والرجوع يبطله فلم
يجز لما فيه من الضرر بالغير وهذا عند من لا
يرى بيع المكاتب وقاله جماعة فأما من أجاز
بيعه فحكمه عنده كالعين المستأجرة
"إلا أن ينفك الرهن أو تنفسخ الكتابة" لزوال
المانع والتزويج لا يمنع الرجوع والمعلق عتقه
بصفة كذلك وإذا رجع وكان التصرف لازما
كالإجارة والتزويج فهو باق بحاله وإن كان
جائزا كالوصية بطل والصحيح في التدبير أنه لا
يمنع الرجوع
فرع: إذا قال أبوه وهبتك هذا العبد وهو سمين
أو كبير فلي الرجوع فقال ابنه وهو مهزول فسمن
أو صغير فكبر فلا رجوع لك فوجهان فلو قال
وهبتك هذا الذهب مصوغا فقال ابنه أنا صغته صدق
الواهب.
"وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان
سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت"نقلها أبو
طالب ثم ذكر العلة فقال "لأنها لا تهب له إلا
مخافة غضبه أو إضرارا بها بأن يتزوج عليها"
لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب به والله
تعالى إنما أباحه عند طيب نفسها بقوله تعالى
{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً}
(النساء: من الآية4) وظاهره إن لم يكن سألها
فهو جائز وقيل يرجع إن وهبته لدفع ضرر فلم
يندفع أو عوض أو شرط فلم يحصل وعنه يرد عليها
الصداق مطلقا ولو قال هي طالق
(5/293)
فصل
وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع
حاجته وعدمها في صغره وكبره إذا لم تتعلق حاجة
الإبن به.
__________
ثلاثا إن لم تبرئني فأبرأته صح وهل ترجع
ثالثها ترجع إن طلقها ذكره الشيخ تقي الدين
وغيره
فصل
"وللأب أن يأخذ من مال ولده" قال في المستوعب
لا تختلف الرواية أن مال الولد ملك له دون
أبيه "ما شاء" من ماله "ويتملكه" لأن من جاز
له أخذ شيء جاز له أن يتملكه بدليل الأشياء
المباحة ولهذا قال أحمد ليس بين الرجل وبين
ولده ربا قال لا يمنع الإبن الأب ما أراد من
ماله فهو له ويستثنى من ذلك سريته ولو لم تكن
أم ولد
"مع حاجته" أي الوالد "وعدمها في صغره" أي
الولد "وكبره" لما روى سعيد والترمذي وحسنه عن
عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من
كسبكم" وروى الطبراني في معجمه عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم قال إن أبي احتاج مالي
فقال "أنت ومالك لأبيك"
ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع وما كان
موهوبا له كان له أخذ ماله كعبده يؤيده أن
سفيان بن عيينة قال في قوله تعالى {وَلا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ
بُيُوتِكُمْ} (النور: من الآية61) ذكر الأقارب
دون الأولاد لدخولهم في قوله تعالى {مِنْ
بُيُوتِكُمْ} لأن بيوت أولادهم كبيوتهم ولأن
الرجل يلي مال ولده من غير تولية فكان له
التصرف كمال نفسه وشرطه إذا لم تتعلق حاجة
الإبن به ومالا يضره نص عليه وجزم بها في
الوجيز لأن حاجة الإنسان مقدمة على دينه فلأن
تقدم على أبيه بطريق الأولى وشرط في
(5/294)
و إن تصرف فيه
قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء لم يصح تصرفه
__________
الكافي والشرح والوجيز ما لم يعطه ولدا آخر نص
عليه لأن تفضيل أحد الولدين غير جائز فمع
تخصيص الآخر بالأخذ منه أولى
وعنه: له أن يتملك ما لا يجحف به جزم به في
الكافي وذكر في الشرح أن لا يجحف بالإبن ولا
يضر به ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته وعنه له
كتملكه كله ويروى أن مسروقا زوج ابنته بصداق
عشرة آلاف درهم فأخذها فأنفقها في سبيل الله
وقال للزوج جهز امرأتك واستدل ابن عقيل بقوله
عليه السلام " لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن
طيب نفس منه" رواه الدارقطني ولأن ملك الولد
تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي
تعلقت به حاجته
وجوابه بأنه مخصوص بما سبق فلا تنافي بينهما
وظاهره لا فرق في الولد بين الذكر والأنثى وان
الجد لا يكون كذلك وفيه رواية مخرجة من ولايته
وإجباره أنه كالأب في كل شيء ما لم يخالف
الإجماع كالعمريتين وفي الأم قول
"وإن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء
لم يصح تصرفه" على الأصح لأن ملك الولد على
مال نفسه تام فصح تصرفه فيه ولو كان للغير أو
مشتركا لم يجز ذلك وقال الشيخ تقي الدين ويقدح
في أهليته لأجل الأذى سيما بالحبس وعنه له أن
يبرىء من مال ولده ويتسرى منه وما فعل فيه فهو
جائز وفيه بعد لأنه تصرف في ملك غيره بما لا
حظ فيه خصوصا مع صغر الولد إذ ليس من الحظ
إسقاط دينه وعتق عبده وهبة ماله
تنبيه: يحصل التملك بقبضه نص عليه مع قول أو
نية قال في الفروع ويتوجه أو قرينة وفي المبهج
في تصرفه في غيرمكيل وموزون روايتان بناء على
حصول ملكه قبل قبضه ويصح بعده ولو أراد أخذه
مع غناه فليس له أن يأبى عليه نقل الأثرم ولو
كنت أنا لجبرته على دفعه إليه على حديث النبي
صلى الله عليه وسلم
(5/295)
وإن وطىء جارية
فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا يلزمه
قيمته ولا مهر ولا حد عليه وفي التعزير وجهان
وليس للإبن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف
ولا أرش جناية ولا غير ذلك
__________
أنت ومالك لأبيك.
"إن وطىء جارية ابنه" أي قبل تملكها فقد وطئها
وليست بزوجة ولا ملك يمين وهو حرام "فأحبلها
صارت أم ولد له" لأن إحبال الأب لها يوجب نقل
الملك إليه وحينئذ يكون الوطء مصادفا للملك
وذلك يقتضي صيرورتها أم ولد ضرورة مصادفة
الوطء الملك ومقتضاه أنها إذا لم تحبل منه
أنها باقية على ملك الولد وولده حر لأنه من
وطء شبهة "لا تلزمه قيمته ولا مهر" ولا قيمتها
إذ ليس له مطالبة الأب بشيء من ذلك "ولا حد
عليه" على الأصح للشبهة "وفي التعزير وجهان"
أشهرهما التعزير وذكره القاضي رواية واحدة
لأنه وطىء وطأ محرما كوطء المشتركة والثاني لا
لأنه لا يقتص منه بالجناية على ولده فلا يعزر
بالتصرف في ماله والفرق أن التعزير هنا حق لله
تعالى بخلاف الجناية على ولده قال بعضهم فيضرب
مائة إلا سوطا
فرع: إذا تملكها فليس له وطؤها حتى يستبرئها
فإن كان الإبن وطئها لم تحل له بحال فإن وطئها
بعد وطء الإبن فروايتان كوطء ذات محرم بملك
يمين ولا ينتقل الملك فيها إن كان الإبن
استولدها فإن وطئها الأب والإبن في طهر واحد
وأتت بولد عرض على القافة ويحد الإبن لوطئه
جارية أبيه ولم يلحقه الولد ويكون ملكا لأبيه
وقد أوجب أحمد أن يعتقه الأب لكونه جزءا من
ابنه.
"وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف
ولا أرش جناية ولا غير ذلك" قاله الزبير بن
بكار وسفيان بن عيينة لما روي إن رجلا جاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينا
عليه فقال "أنت ومالك لأبيك" رواه الخلال ولأن
المال أحد نوعي الحقوق فلم يملك مطالبة أبيه
به كحقوق الأبدان وظاهره أنه لا يطالبه بنفقته
والمذهب أنه يطالبه بها وجزم به في الوجيز
وغيره وعين بمال له في يده قاله في الرعاية
وقيل له أن يطالبه بماله في ذمته مع حاجته
إليه
(5/296)
والهدية
والصدقة نوعان من الهبة
__________
وغنى والده عنه وقيل يثبت له في ذمته مطلقا
فعلى هذا ففي ملكه إبراء نفسه نظر قاله القاضي
وذكر غيره لا يملكه كإبرائه لغريمه ولا طلب له
في حياة والده فإن مات الإبن فليس لورثته
مطالبة الأب في الأشهر كمورثهم وإن مات الأب
بطل دين الإبن قاله أحمد وقيل يرجع في تركة
الأب لأن دينه لم يسقط عن الأب وإنما تأخرت
المطالبة وحمله بعضهم على ما أخذه على سبيل
التمليك
مسألة: إذا مات فوجد ما اشتراه منه بعينه قال
في المبهج أو بعضه ولم ينقد ثمنه أو وجد ما
أقرضه فهل يأخذه أو يكون إرثا فيه روايتان وما
قضاه في مرضه أو وصى بقضائه فمن رأس ماله وإلا
لم يسقط بموته ولو أقر بقبض دينه فأنكر رجع
على غريمه وهو على الأب نقله منها فظاهره أنه
لا يرجع إن أقر الإبن .
"الهدية والصدقة نوعان من الهبة" أي هما نوعا
الجنس كالإنسان والفرس مع الحيوان وحاصله إن
قصد بإعطائه ثواب الآخرة فصدقة وإن قصد إكراما
وتوددا ونحوه فهدية وإلا فهبة وعطية ونحلة
وهما كهبة فيما تقدم لكن نقل المروذي وحنبل لا
رجوع في الصدقة وفي عيون المسائل والمستوعب لا
يعتبر في الهدية قبول للعرف ومن أهدى إليه
ليهدي له أكثر فلا بأس به لغير النبي صلى الله
عليه وسلم نقله أحمد عن الضحاك ونقل أبو
الحارث فيمن سأل الحاجة فسعا معه فيها فيهدي
إليه إن علم أنه لأداء الأمانة لم يقبل إلا أن
يكافئه ونقل يعقوب لا ينبغي للخاطب إذا خطب
لقوم أن يقبل لهم هدية فهاتان روايتان واختار
الشيخ تقي الدين التحريم ونقله عن السلف ورخص
فيه بعض المتأخرين
فرع: وعاء هدية كهي مع عرف
(5/297)
فصل في عطية
المريض
أما المريض غير مرض الموت أو مرض غير مخوف
كالرمد ووجع الضرس والصداع ونحوه فعطاياه
كعطايا الصحيح سواء يصح في جميع ماله وإن كان
مرض الموت المخوف كالبرسام وذات الجنب والرعاف
الدائم والقيام المتدارك
__________
فصل في عطية المريض
"أما المريض غير مرض الموت أو مرض غير مخوف
كالرمد" وهو ورم حار في الملتحم عن مادة في
العين ويعرف بتقدم الصداع وقد يكون من الحجاب
وقد يكون من الخارج "ووجع الضرس والصداع"
اليسير وهو وجع الرأس "ونحوه" كحمى يوم قاله
في الرعاية وقيل ساعة قاله في الشرح وإسهال
يسير من غيردم.
"فعطاياه كعطايا الصحيح سواء" لأنه في حكم
الصحيح لكونه لا يخاف منه في العادة "يصح في
جميع ماله" ولو اتصل به الموت للأدلة وكما لو
كان مريضا فبرأ
"وإن كان مرض الموت" القاطع بصاحبه "المخوف"
أي مرضا مخوفا اتصل به الموت "كالبرسام" وهو
بخار يرتقي إلى الرأس ويؤثر في الدماغ فيحيل
عقل صاحبه وقال عياض هو ورم في الدماغ يتغير
منه عقل الإنسان ويهذي ويقال فيه سرسام .
"ذات الجنب" وهو قرح بباطن الجنب ووجع القلب
والرئة ولا تسكن حركتها وقيل هو دمل كبيرة
تخرج بباطن الجنب وتفتح إلى داخل
"والرعاف الدائم" فإنه يصفي الدم فيذهب القوة
"والقيام المتدارك" هو المبطون الذي أصابه
الإسهال ولا يمكنه إمساكه فإن كان يجري تارة
وينقطع أخرى فإن كان يوما أو يومين فليس بمخوف
لأنه قد يكون من فضلة الطعام إلا أن يكون معه
(5/298)
والفالج في
ابتدائه والسل في انتهائه وما قال عدلان من
أهل الطب أنه مخوف فعطاياه كالوصية في أنها لا
تصح لوارث ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا
بإجازة الورثة كالهبة والعتق والكتابة
والمحاباة
__________
زحير وتقطيع فيكون مخوفا لأنه يضعف البدن
"والفالج في ابتدائه" وهو داء معروف يرخي بعض
البدن قال ابن القطاع فلج فالجا بطل نصفه أو
عضو منه
"والسل في انتهائه" هو بكسر السين داء معروف
وقد سل وأسله الله تعالى فهو مسلول على غير
قياس ومثله القولنج وهو أن ينعقد الطعام في
بعض الأعضاء ولا ينزل عنه فهذه الأشياء مخوفة
وإن لم يكن معها حمى وهي مع الحمى أشد خوفا
وإن بادره الدم واجتمع في عضو كان مخوفا لأنه
من الحرارة المفرطة وإن هاجت به الصفراء فهي
مخوفة لأنها تورث يبوسة وكذلك البلغم إذا هاج
لأنه من شدة البرودة وقد يغلب على الحرارة
الغزيرة فيطفئها ذكره في المغني والشرح.
"وما قال عدلان" أي مسلمان "من أهل الطب" أي
عند الشك فيه "أنه مخوف" فيرجع إلى قولهما
لأنهما من أهل الخبرة كذا جزم به الأصحاب
فظاهره أنه لا يقبل فيه قول واحد لأنه يتعلق
به حق الوارث والعطايا وقيل يقبل لعدم وذكر
ابن رزين المخوف عرفا أوبقول عدلين.
"فعطاياه" صحيحة لأن عمر أوصى حين جرح وسقي
لبنا وخرج من جرحه واتفق الصحابة على نفوذ
عهده "كالوصية في أنها لا تصح لوارث ولا
لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة
كالهبة" المقبوضة "والعتق والكتابة والمحاباة"
والصدقة والوقف والإبراء من الدين والعفو عن
الجناية الموجبة للمال لما روى أبو هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله تصدق
عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في
أعمالكم" رواه ابن ماجه فمفهومه ليس له أكثر
من الثلث يؤيده ما روى عمران بن حصين أن رجلا
(5/299)
فأما الأمراض
الممتدة كالسل والجذام والفالج في دوامه فإن
صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإلا فلا وقال
أبو بكر فيه وجه آخر أن عطيته من الثلث
__________
أعتق في مرضه ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم
فاستدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم
ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق
أربعة" رواه مسلم وإذا لم ينفذ العتق مع
سرايته فغيره أولى ولأن هذه الحال الظاهر منها
الموت فكانت عطيته فيها في حق ورثته لا تتجاوز
الثلث كالوصية وعلم منه أن هذه العطايا إذا
وجدت في الصحة فهي من رأس المال بغير خلاف
نعلمه
تنبيه: حكم العطية في مرض الموت حكم الوصية في
أشياء
منها: أنه يقف نفوذها على خروجها من الثلث أو
إجازة الورثة
ومنها: أنها لا تصح لوارث إلا بإجازة الورثة
ومنها أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في
الصحة
ومنها: أنها تزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة
واحدة كتزاحم الوصايا
ومنها: أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت
لها قبله ولا بعده
"فأما الأمراض الممتدة كالسل والجذام والفالج
في دوامه" وحمى الربع "فإن صار صاحبها صاحب
فراش" أي لزم الفراش "فهي مخوفة" أي عطيته من
الثلث لأنه مريض صاحب فراش يخشى منه التلف
أشبه الحمى المطبقة "وإلا فلا" أي إن لم يصر
صاحبها صاحب فراش فليست مخوفة وعطيته حينئذ من
رأس المال قال القاضي إذا كان يذهب ويجيء
فعطاياه من جميع المال هذا تحقيق المذهب لأنه
لا يخاف تعجيل الموت منه وإن كان لا يبرأ منه
فهو كالهرم .
"وقال أبو بكر فيه وجه آخر أن عطيته من الثلث"
مطلقا لأنها مخوفة في الجملة فوجب إلحاقها به
من غير تفصيل وهو رواية نقل حرب في وصية
المجذوم
(5/300)
ومن كان بين
الصفين عند التحام الحرب أو في لجة البحر عند
هيجانه أو وقع الطاعون ببلده أو قدم ليقتص منه
__________
والمفلوج من الثلث فالمجد أثبتها وجعلها ثابتة
وصاحب الشرح حملها على الأول وذكر أبو بكر
وجها آخر أن عطايا هؤلاء من المال كله وقول
ابن المنجا أنه يلزم منه التناقض على قول أبي
بكر ليس بظاهر فغايته أنه حكى وجهين
"ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب" بأن
اختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل منهما
مكافئة للأخرى أو مقهورة ولا فرق بين كونهما
متفقين في الدين لأن توقع التلف هنا كتوقع
المريض أو أكثر فوجب أن يلحق به فأما القاهرة
بعد ظهورها فليس بمخوف.
"أو في لجة البحرعند هيجانه" أي إذا اضطرب
وهبت الريح العاصف لأن الله تعالى وصفهم بشدة
الخوف في قوله تعالى {هُوَ الَّذِي
يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}
(يونس: من الآية22) وظاهره أنه إذا ركبه وهو
ساكن فليس بمخوف.
"أو وقع الطاعون" قال أبو السعادات هو المرض
العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به
الأمزجة والأبدان وقال عياض هو قروح تخرج في
المغابن وغيرها لا يلبث صاحبها ويغم إذا ظهرت
وفي شرح مسلم وأما الطاعون فوباء معروف وهو
بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حوله
ويخضر ويحمر حمرة بنفسجية ويحصل معه خفقان
للقلب {ببلدة} لأنه مخوف إذا كان فيه.
"أو قدم ليقتص منه" لأنه إذا حكم للمريض وحاضر
الحرب بالخوف مع ظهور السلام فمع ظهور التلف
وقربه أولى ولا عبرة بصحة البدل ولو عبر
بالقتل كغيره لعم سواء كان قصاصا أو غيره
كالرجم وكذا إذا حبس للقتل ذكره في الكافي
والفروع وأسير عند من عادتهم القتل
مسألة: إذا كان المريض يتحقق تعجيل موته فإن
كان عقله قد اختل كمن
(5/301)
والحامل عند
المخاض فهو كالمريض وقال الخرقي وكذلك الحامل
إذا صار لها ستة أشهر وقيل عن أحمد ما يدل على
أن عطايا هؤلاء من المال كله وإن عجز الثلث عن
التبرعات المنجزة بدىء بالأول فالأول منها
__________
ذبح أو أبينت حشوته فلا حكم لعطيته ولا كلامه
وإن كان ثابت العقل كمن خرقت حشوته أو اشتد
مرضه ولم يتغير عقله صح تصرفه وذكر في المغني
والشرح وكمن جرح جرحا موحيا مع ثبات عقله وفي
الترغيب من قطع بموته كقطع حشوته وغريق ومعاين
كميت.
"والحامل عند المخاض" أي عند الطلق كذا ذكره
معظم الأصحاب "فهو كالمريض" مرضا مخوفا لأنه
يحصل لها ألم شديد يخاف منه التلف "وقال
الخرقي وكذك الحامل إذا صار لها ستة أشهر" هو
رواية عن أحمد أي عطيتها من الثلث كمريض حتى
تنجو من نفاسها لأنه وقت تمكن الولادة فيه وهو
من أسباب التلف والأشهر مع ألم وقال إسحاق إذا
ثقلت لا يجوز لها إلا الثلث لم يحد حدا وحكاه
ابن المنذر عن أحمد.
"وقيل عن أحمد ما يدل على أن عطايا هؤلاء من
المال كله" حكاه أبو بكر لأنه لا مرض بهم فهم
كالصحيح
تنبيه: إذا ولدت المرأة المشيمة معها أو مات
معها فهو مخوف فإن خرجا فحصل ثم ورم أو ضربان
شديد فكذلك وإن لم يكن شيء من ذلك فقد روي عن
أحمد في النفساء إذا كانت ترى الدم فعطيتها من
الثلث والسقط كالولد التام لا مضغة أو علقة
إلا أن يكون ألم قاله في المغنى والشرح.
"وإن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة" يحترز به
عن الوصية فالتبرع عبارة عن إزالة ملكة فيما
ليس بواجب بغير عوض "بدىء بالأول فالأول منها"
لأن السابق استحق الثلث فلم يسقط بما بعده
وسواء كان السابق عتقا أو غيره وعنه يقسم بين
الكل بالحصص وعنه يقدم العتق وعلم منه أن
التبرعات إذا كانت عطايا ووصايا تقدم العطايا
لأنها أسبق
(5/302)
وإن تساوت قسم
بين الجميع بالحصص وعنه يقدم العتق وأما
معاوضة المريض بثمن المثل فيصح من رأس المال
وإن كانت مع وارث ويحتمل ألا يصح لوارث وإن
حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه
وتصح فيما عداه
__________
"وإن تساوت" أي وقعت دفعة بأن وكل جماعة فيها
فأوقعوها دفعة واحدة "قسم بين الجميع بالحصص"
على المذهب لأنهم تساووا في الإستحقاق فيقسم
بينهم على قدر حقوقهم كغرماء المفلس "وعنه
يقدم العتق" لأنه آكد لكونه مبنيا على السراية
والتغليب وإن كانت كلها عتقا أقرعنا بينهم
فيكمل العتق في بعضهم
أصل: إذا قضى المريض بعض غرمائه ووفت تركته
بالكل صح وإن لم يف فوجهان أشهرهما وهو قياس
قول أحمد أنهم لا يملكون الإعتراض عليه لأنه
أدى واجبا عليه كأداء ثمن البيع والثاني عكسه
لأن حقهم تعلق بماله بمرضه فمنع تصرفه فيه
كالتبرع وما لزمه في مرضه من حق لا يمكنه دفعه
وإسقاطه فهو من رأس ماله فلو تبرع أو أعتق ثم
أقر بدين لم يبطل تبرعه نص عليه في العتق لأن
الحق ثبت بالتبرع في الظاهر.
"أما معاوضة المريض بثمن المثل فيصح من رأس
المال" ذكره الأصحاب لأنه إنما يعتبر من الثلث
التبرع وليس هذا تبرعا "وإن كانت مع وارث"
لأنه لا تبرع فيها ولا تهمة فصحت كالأجنبي
"ويحتمل أن لا يصح لوارث" هذا رواية لأنه خصه
بعين المال أشبه ما لو حاباه ومعناه أنها لا
تصح معه إلا بإجازة اختاره في الإنتصار لفوات
حقه في المعين.
"وإن حابا وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما
حاباه" لأن المحاباة كالوصية وهي لوارث باطلة
فكذا المحاباة "وتصح فيما عداه" لأن المانع من
صحة البيع المحاباة وهي هنا مفقودة فعلى هذا
لو باع شيئا بنصف ثمنه فله نصفه بجميع الثمن
لأنه تبرع له بنصف الثمن فبطل التصرف فيما
تبرع به وعنه يبطل بيع الكل وعلى الأول محله
بدون إجازة الوارث وتعتبر إجازة
(5/303)
وللمشتري
الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه فإن كان له
شفيع فله أخذه فإن أخذه فلا خيار للمشتري وإن
باع المريض أجنبيا وحاباه
__________
المجنون في مرضه من ثلثه وقال ابن حمدان إن
جعلت عطية وإلا فمن كله.
"وللمشتري الخيار لأن الصفقة تبعضت في حقه"
فشرع ذلك دفعا للضرر فإن فسخ وطلب قدر
المحاباة أو طلب الإمضاء في الكل وتكميل حق
الورثة من الثمن لم يكن له ذلك وعنه يصح في
العين كلها ويرد المشتري الوارث تمام قيمتها
أو يفسخ.
"فإن كان له شفيع فله أخذه" لأنها تجب بالبيع
الصحيح وقد وجد "فإن أخذه فلا خيار للمشتري"
لزوال الضرر عنه لأنه لو فسخ المبيع رجع
بالثمن وقد حصل له الثمن من الشفيع.
فرع: إذا آجر نفسه وحابا المستأجر صح مجانا
"وإن باع المريض أجنبيا وحاباه" لم يمنع ذلك
من صحة العقد في قول الجمهور لأنه تصرف صدر من
أهله في محله فصح كغير المريض فعليه لو باع
عبدا لا يملك غيره قيمته ثلاثون بعشرة فقد
حابا المشتري بثلثي ماله وليس له المحاباة
بأكثر من الثلث فإن أجاز الورثة ذلك لزم البيع
وإن ردوا فاختار المشتري فسخ البيع فله ذلك
وإن اختار إمضاءه فعن أحمد يأخذ نصف المبيع
بنصف الثمن ويفسخ البيع في الباقي وصححه
الشيخان وطريقه أن يسقط الثمن وهو عشرة من
قيمة العبد وهو ثلاثون ثم يأخذ ثلث المبيع وهو
عشرة فينسبه من الباقي وهو عشرون فما خرج
بالنسبة صح البيع في مقدار تلك النسبة فيصح
البيع في نصف المبيع بنصف الثمن وعلى قول
القاضي ينسب الثمن وثلث المبيع من قيمة المبيع
فيصح في مقدار تلك النسبة بالثمن كله وهو قول
أهل العراق فلو باعه بخمسة عشر وهو يساوي
ثلاثين صح البيع في ثلثيه بثلثي الثمن على
الأول وعلى الثاني للمشتري خمسة أسداسه
(5/304)
وكان شفيعه
وارثا فله الأخذ بالشفعة لأن المحاباة لغيره
ويعتبر الثلث عند الموت فلو أعتق عبدا لا يملك
غيره ثم ملك مالا يخرج من ثلثه تبينا أنه عتق
كله وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء
__________
"وكان شفيعه وارثا فله الأخذ بالشفعة" في
الأصح "لأن المحاباة لغيره" كما لو وصى لغريم
وارثه وهذا إذا لم يكن حيلة ولأنه إنما منع
منها في حق الوارث لما فيها من التهمة من
إيصال المال إلى بعض الورثة المنهي عنه شرعا
وهذا معدوم فيما إذا أخذ بالشفعة ما وقعت فيه
المحاباة وقيل لا يملك الوارث الشفعة لإفضائه
إلى إثبات حق وارثه
فرع: لا يصح تعليق عطية منجزة ونحوها في مرض
مخوف على شرط إلا في العتق فلو علق صحيح عتق
عبده فوجد شرطه في مرضه فمن ثلثه في الأصح
"ويعتبر الثلث عند الموت" لأنه وقت لزوم
الوصايا واستحقاقها ويثبت له ولاية القبول
والرد فإن ضاق ثلثه عن العطية والوصية قدمت
العطية في قول جمهور الفقهاء لأنها لازمة
فقدمت على الوصية كعطية الصحة وعنه هما سواء
وتعتبر قيمة المنجز وقبوله حين نجزه ونماؤه من
حينه إلى الموت تبع له فمن جعل عطيته من ثلثه
فحمل ما نجزه فكسبه له وإلا فله منه بقدر ما
خرج من أصله من الثلث وليس بشركة قاله في
الرعاية.
"فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا يخرج
من ثلثه تبينا أنه عتق كله" لخروجه من الثلث
عند الموت "وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق
منه شيء" نص عليه لأن الدين مقدم على الوصية
بدليل قول علي قضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالدين قبل الوصية وعنه يعتق الثلث لأن
تصرف المريض من الثلث كتصرفا الصحيح في الجميع
فإن مات قبل سيده مات حرا وقيل بل ثلثه
فرع: هبته كعتقه
فائدة: للمريض لبس ناعم وأكل طيب لحاجته وإن
فعله لتفويت حق الورثة منع قاله في الإنتصار
وفيه يمنعه إلا بقدر حاجته وعادته وسلمه أيضا
لأنه لا
(5/305)
فصل
وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء أحدها
أنه يبدأ بالأول فالأول منها والوصايا يسوى
بين المتقدم والمتأخر منها والثاني أنه لا
يملك الرجوع في العطية بخلاف الوصية والثالث
أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها بخلاف
الوصية والرابع أن الملك يثبت في العطية من
حينها ويكون مراعى فإذا خرج من الثلث تبينا أن
الملك كان ثابتا من حينه
__________
يستدرك كإتلافه وجزم به الحلواني وغيره لأن حق
وارثه لم يتعلق بعين ماله
فصل
"وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء أحدها
أنه يبدأ بالأول فالأول منها" لوقوعها لازمة
"والوصايا يسوى بين المتقدم والمتأخر منها"
لأنها تبرع بعد الموت فوجد دفعة واحدة
"والثاني أنه لا يملك الرجوع في العطية" لأنها
تقع لازمة في حق المعطي ينتقل إلى المعطى في
الحياة إذا اتصل بها القبول والقبض ولو كثرت
وإنما منع من التبرع بزيادة على الثلث لحق
الورثة بخلاف الوصية فإنه يملك الرجوع فيها
لأن التبرع فيها مشروط بالموت فقبل الموت لم
يوجد فهي كالهبة قبل القبول
"والثالث أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها"
لأنها تمليك في الحال "بخلاف الوصية" فإنها
تمليك بعد الموت فاعتبر عند وجوده "والرابع أن
الملك يثبت في العطية من حينها" بشروطها لأنها
إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال
فيعتبر قبولها في المجلس كعطية الصحة وكذا إن
كانت محاباة أو إعتاقا "ويكون مراعى" لأنا لا
نعلم هل هو مرض الموت أو لا ولا نعلم هل
يستفيد مالا أو يتلف شيء من ماله فتوقفنا
لنعلم عاقبه أمره ليعمل بها فإذا انكشف الحال
علمنا حينئذ ما ثبت حال العقد كإسلام أحد
الزوجين
"فإذا خرج من الثلث تبينا أن الملك كان ثابتا
من حينه" أي من حين العطيه لأن المانع من
ثبوته كونه زائدا على الثلث وقد تبين خلافه
(5/306)
فلو أعتق في
مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده
شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له
إن كان معتقا وللموهوب له إن كان موهوبا وإن
خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك فلو أعتق
عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت
سيده فقد عتق منه شيء وله من كسبه شيء ولورثة
سيده شيئان فصار العبد وكسبه نصفين فيعتق منه
نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما
__________
فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب
في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث
كان كسبه له إن كان معتقا لأن الكسب تابع لملك
الرقبة وللموهوب له إن كان موهوبا لما ذكرنا
وعلم منه أن العتق والهبة نافذان فيه إذا خرج
من الثلث فتعين كون الكسب للمعتق والموهوب له
للتبعية وإن خرج بعضه من الثلث فلهما أي
للمعتق والموهوب له من كسبه بقدر ذلك أي
بمقدار نسبة ذلك البعض إليه فلو أعتق عبدا لا
مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فقد
عتق منه شيء وله من كسبه شيء لأن الكسب يتبع
ما تنفذ فيه العطية دون غيره فيلزم الدور لأن
للعبد من كسبه بقدر ما عتق وباقيه لسيده
فيزداد به مال السيد وتزداد الحرية كذلك
ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من كسبه
وينقص بذلك قدر المعتق منه ونبه عليه بقوله
ولورثة سيده شيئان فصار العبد وكسبه نصفين أي
صار مقسوما نصفين لأن العبد لما استحق بعتقه
شيئا وبكسبه شيئا كان له في الجملة شيئان
وللورثة شيئان فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه
وللورثة نصفهما أي نصف العبد ونصف الكسب فإذا
كان العبد قيمته مائة مثلا وكسب مائة قسمت ذلك
على أربعة أشياء فيكون الشيء خمسين وهو أولى
من ضم الأشياء ثم يقسم نصفين لأن بالأول تبين
مقدار الشيء فيعلم مقدار العتق بخلاف القسمة
نصفين فإنه يحتاج إلى نظر لتبين مقدار العتق
(5/307)
وإن كسب مثلي
قيمته صار له شيئان وعتق منه شيء وللورثة
شيئان فيعتق ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس
كسبه والباقي للورثة وإن كسب نصف قيمته عتق
منه شيء وله نصف شيء من كسبه وللورثة شيئان
فيعتق منه ثلاثة اسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه
والباقي للورثة
__________
وإن كسب مثلي قيمته صار له شيئان وعتق منه شيء
وللورثة شيئان فيعتق ثلاثة أخماسه وله ثلاثة
أخماس كسبه والباقي للورثة ففي مسألتنا إذا
كسب مائتين قسمت المجموع وهو ثلاثمئة على خمسة
أشياء ثلاثة للعبد وشيئان للورثة وجدت كل شيء
يعدل شيئين وذلك ثلاثة أخماس العبد وإن كسب
نصف قيمته عتق منه شيء وله نصف من كسبه
وللورثة شيئان فالجميع ثلاثة أشياء ونصف شيء
فأبسطها تصر سبعة له ثلاثة أسباعها فيعتق
ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي
للورثة في الصور كلها لأنه ملكهم وضابط ذلك أن
تقول عتق منه شيء وللورثة مثلا ما عتق منه وهو
شيئان وله من كسبه شيء إن كسب مثل قيمته
وشيئان إن كسب مثلا قيمته وثلاثة أشياء إن كسب
ثلاثة أمثال قيمته ونصف شيء إن كسب مثل نصف
قيمته وعلى هذا أبدا ثم تجمع الأشياء فتقسم
قيمة العبد وكسبه عليها فما خرج فهو الشيء فلو
أعتق عبدا لا مال له سواه قيمته مائة فكسب
ثلاثة أمثال قيمته فقد عتق منه شيء ولورثة
سيده شيئان وله من كسبه ثلاثة أشياء فتجمع
الأشياء فتصير ستة فاقسم عليها قيمة العبد
وكسبه وذلك أربعمائة يخرج الشيء ستة وستين
وثلثين فقد عتق منه شيء وهو ثلثا قيمته ولورثة
سيده شيئان مثلا ما عتق منه وله من كسبه ثلاثة
أشياء مائتان وهي ثلثا كسبه
فرع: أعتق عبدا قيمته عشرون ثم آخر قيمته عشرة
فكسب كل منهما قدر قيمته فكملت الحرية في
العبد الأول فيعتق منه شيء وله من كسبه شيء
(5/308)
وإن كان موهوبا
لإنسان فله من العبد بقدر ما عتق منه وبقدره
من كسبه وإن أعتق جارية ثم وطئها ومهر مثلها
نصف قيمتها فهو كما لو كسب نصف قيمتها يعتق
منها ثلاثة أسباعها
__________
وللورثة شيئان فتقسم العبدين وكسبهما على
الأشياء الأربعة فيخرج لكل شيء خمسة عشر فيعتق
منه بقدر ذلك وهو ثلاثة أرباعه وله ثلاثة
أرباع كسبه والباقي للورثة وإن بدأ بعتق
الأدنى عتق كله وأخذ كسبه ويستحق الورثة من
العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق وهو
نصفه ونصف كسبه ويبقى نصفه ونصف كسبه بينهما
نصفين فيعتق ربعه وله ربع كسبه ويرق ثلاثة
أرباعه ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه وذلك مثلا ما
عتق منهما فإن أعتقهما معا أقرعنا بينهما فمن
خرجت له قرعة الحرية فهو كما لو بدأ بإعتاقه
فلو كانا متساويي القيمة فأعتقهما بكلمة واحدة
ولا مال له سواهما فمات أحدهما في حياته أقرع
بين الحي والميت فإن وقعت على الميت فالحي
رقيق ويتبين أن الميت نصفه حر لأن مع الورثة
مثل نصفه وإن وقعت على الحي عتق ثلثيه ولا
يحسب الميت على الورثة لأنه لم يصل إليهم وإن
كان موهوبا لإنسان فله أي للموهوب له بقدر ما
عتق منه لأن القدر الموهوب يعدل القدر المعتق
وبقدره من كسبه لأن الكسب يتبع الملك فلزم أن
يملك من الكسب بقدر ما ملك من العبد فإن كانت
قيمته مائة فكسب تسعة فاجعل له كل دينار شيئا
فقد عتق منه مائة وله من كسبه تسعة أشياء ولهم
مائتا شيء فيعتق منه مائة جزء وتسعة أجزاء من
ثلاثمائة وتسعة له من كسبه مثل ذلك ولهم مائتا
جزء من نفسه ومائتا جزء من كسبه فإن كان على
السيد دين يستغرق قيمته ويقيمة كسبه صرفا في
الدين ولم يعتق منه شيء لأن الدين مقدم على
التبرع وإن لم يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرف من
العبد وكسبه ما يقضي منه الدين وما بقي منهما
يقسم على ما يعمل في العبد الكامل وكسبه وإن
أعتق جارية لا مال له غيرها ثم وطئها ومهر
مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسب نصف قيمتها
يعتق منها ثلاثة أسباعها لأنها لو كسبت نصف
(5/309)
ولو وهبها
مريضا آخر لا ملك له أيضا فوهبها الثاني للأول
صحت هبة الأول في شيء وعاد إليه بالهبة
الثانية ثلثه بقي لورثة الآخر ثلثا شيء وللأول
شيئان فلهم ثلاثة ارباعها ولورثة الثاني ربعها
وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين
بقفيز يساوي عشرة فأسقط قيمة الرديء من قيمة
الجيد ثم أنسب الثلث إلى الباقي وهو عشرة من
عشرين تجده نصفها فيصح البيع في نصف الجيد
بنصف الرديء
__________
قيمتها لعتق منها ثلاثة أسباعها سبع بملكها له
من نفسها بحقها من مهرها ولا ولاء عليها لأحد
وسبعان بإعتاق الميت لكن في التشبيه نظر من
حيث إن الكسب يزيد به ملك السيد وذلك يقتضي
الزيادة في العتق والمهر ينقصه وذلك يقتضي
نقصان العتق ولو وهبها مريضا آخر لا مال له
أيضا فوهبها الثاني للأول وماتا جميعا صحت هبة
الأول في شيء وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه
بقي لورثة الآخر ثلثا شيء وللأول أي لورثة
الأول شيئان فاضربها في ثلاثة ليزول الكسر تكن
ثمانية أشياء تعدل الأمة الموهوبة فلهم أي
لورثة الأول ثلاثة أرباعها ستة ولورثة الثاني
ربعها شيئان وإن شئت قلت المسألة من ثلاثة لأن
الهبة صحت من ثلث المال وهبة الثاني صحت في
ثلث الثلث فتكون من ثلاثة اضربها في أصل
المسألة تكن تسعة أسقط السهم الذي صحت فيه
الهبة الثانية بقيت المسألة من ثمانية وإن باع
مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز
يساوي عشرة وهما من جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح
البيع في جزء منه مع التخلص من الربا لكونه
يحرم التفاضل بينهما فأشار إلى الطريقة فقال
فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد ثم انسب
الثلث إلى ما بقي وهو عشرة من عشرين تجده
نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء
لأن ذلك يقابله بعض المبيع بقسطه من الثمن عند
تعذر أخذ جميعه بجميع الثمن أشبه ما لو اشترى
سلعتين بثمن فانفسخ البيع في أحدهما بعيب أو
غيره
(5/310)
ويبطل فيما بقي
وإن أصدق امرأة عشرة لامال له غيرها وصداق
مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات لها بالصداق
خمسة وشيء بالمحاباة رجع إليه نصف ذلك بموتها
صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين
أجبرها بنصف شيء وقابل.
__________
ويبطل فيما بقي لانتفاء المقتضي للصحة لا يقال
فلا يصح في الجيد بقدر قيمة الرديء ويبطل في
غيره لأنه يفضي إلى الربا لكونه عقدا يصح في
ثلث الجيد بكل الرديء وذلك ربا ولأن المحاباة
في البيع وصية وفيما ذكر إبطالها لأنه لا يحصل
لها شيء وطريق الجبر أن يقال يصح البيع في شيء
من الأرفع بشيء من الأدنى وقيمة ثلث شيء فتكون
المحاباة بثلثي شيء ألقها من الأرفع يبقى
قفيزا إلا ثلثي شيء يعدل ثلثي المحاباة وذلك
شيء وثلث شيء فإذا جبرته عدل شيئين فالشيء نصف
القفيز وإن كان الأدنى يساوي عشرين صحت في
جميع الجيد بجميع الردي وإن كان الأدنى يساوي
خمسة عشر فاعمل بالطريقين الأولين ولك طريق
آخر وهو أن تضرب ما حاباه به في ثلاثة تبلغ
خمسة وثلاثين انسب قيمة الجيد إليها بثلثها
فيصح بيع ثلثي الجيد بثلثي الرديء وبطل فيما
عداه
فرع: لو حابا في إقالة في سلم كمن أسلف عشرة
في كر حنطة ثم أقاله في مرضه وقيمته ثلاثون
تعين الحكم كما لو ذكره لإمضاء الإقالة في
السلم بزيادة وهو ممتنع وإن أصدق امرأة عشرة
لا مال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله
ثم مات فيدخلها الدور فنقول لها خمسة بالصداق
لأنها مهر مثلها وشيء بالمحاباة لأنها كالوصية
ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء رجع إليه نصف
ذلك بموتها لأن الزوج يرث نصف ما لامرأته إذا
لم يكن لها ولد صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء
لأنه كان له خمسة الأشياء وورث اثنين ونصف شيء
يعدل شيئين لأنه مثلا ما استحقته المرأة
بالمحاباة وذلك شيء أجبرها بنصف شيء لتعلم
وقابل أي يزاد على الشيئين نصف شيء فليقابل
ذلك النصف المراد
(5/311)
يخرج الشيء
ثلاثة فلورثته ستة ولورثتها أربعة وإن مات
قبلها ورثته وسقطت المحاباة وعنه تعتبر
المحاباة من الثلث قال أبو بكر هذا قول قويم
رجع عنه
فصل
ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في
صحته عتق ولم يرثه ذكره أبو الخطاب
__________
أي يبقى سبعة ونصف تعدل شيئين ونصفا يخرج
الشيء ثلاثة فلورثته ستة لأن لهم شيئين
ولورثتها أربعة لأنه كان لها خمسة وشيء وذلك
ثمانية رجع إلى ورثته نصفها وهي أربعة
والطريقة في هذا أن ننظر ما بقي في يد ورثة
الزوج فخمساه هو الشيء الذي صحت المحاباة فيه
وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا والشيء
هو خمساها وإن شئت أسقطت خمسه وأخذت نصف ما
بقي وإن مات قبلها ورثته لأنها زوجته وسقطت
المحاباة نص عليه لأن حكمها في المرض حكم
الوصية في أنها لا تصح لوارث فعله لو وارثة
كالكافرة لم تسقط المحاباة لعدم الإرث وحينئذ
فلها مهرها وثلث ما حاباها به وعنه تعتبر
المحاباة من الثلث لأنها محاباة لمن يجوز
عليها الصدقة فاعتبرت من الثلث كمحاباة
الأجنبي قال أبو بكر هذا قول قديم رجع عنه
وقيل تسقط المحاباة إن لم يجزها بقية الورثة
وقيل يسقط المسمى ويجب مهر المثل وقيل مهرها
وربع الباقي وقيل بل ثلث المحاباة وكذا الخلاف
فيمن تزوج من يرثه في مرضه بأكثر من مهر المثل
ولو تزوج مريضة بدون مهرها فهل لها ما نقص فيه
وجهان
فصل
ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في
صحته عتق من رأس المال لأن إقرار المريض بذلك
كالصحيح ولم يرثه ذكره أبو الخطاب وفي الرعاية
(5/312)
لأنه ورثه كان
إقراره لوارث وكذلك على قياسه لو اشترى ذا
رحمه المحرم في مرضه وهو وارثه أو وصى له به
أو وهب له فقبله في مرضه وقال القاضي يعتق
ويرث ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه
على قياس الأول
__________
أنه أقيس لأنه لو ورثه كان إقراره لوارث فيبطل
عتقه لأنه مرتب على صحة الإقرار وهو لا يصح
لوارث وعلله الخبري بأن عتقهم وصية فلا يجمع
لهم بين الأمرين لأنهم إذا ورثوا بطلت الوصية
وإذا بطلت الوصية بطل العتق فيؤدي توريثهم إلى
إسقاط توريثهم وقيل يرث لأنه حين الإقرار لم
يكن وارثا فوجب أن يرث كما لو لم يصر وارثا
وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم أي
من يعتق عليه بالشراء في مرضه وهو وارثه أو
وصى له به أو وهب له فقبله في مرضه أي يعتق
ولا يرث لما ذكرناه وقال القاضي يعتق ويرث وهو
المنصوص وقدمه في المحرر والفروع وحاصله أنه
إذا ملك من يعتق عليه بهبة أو وصية أو أقر أنه
أعتق ابن عمه عتقا من رأس المال وورثا لأنه
حين موت موروثه ليس بقاتل ولا مخالف لدينه ولا
يكون عتقهم وصية وقيل يعتق من ثلثه وإلا عتق
منه بقدر الثلث فلو دبر ابن عمه عتق ولم يرث
نص عليه وإن قال أنت حر في آخر حياتي عتق
والأشهر يرث وليس عتقه وصية ولو علق عتق عبده
بموت قريبه لم يرثه ذكره جماعة قال القاضي
لأنه لا حق له فيه قال في الفروع ويتوجه
الخلاف
مسألة : إذا اشترى مريض من يعتق على وارثه صح
وعتق على الوارث قولا واحدا وإن وصى بعتق بعض
عبد أو أعتقه أو دبره وبقيته له أو لغيره
وثلثه يحمل كله كمل عتقه وأخذ الشريك حقه وعنه
لا سراية فيهن وهو أولى وفي استسعائه للشريك
روايتان وعنه السراية في المنجز فقط قال ابن
حمدان وإن اشترى المديون ذا رحمه المحرم لم
يصح وقيل بلى ويباع في الدين ولو اتهب عبد من
يعتق على سيده وقلنا يصح قبوله بدون إذنه عتق
على سيده ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم
ترثه على قياس الأول لأن إرثها يفضي
(5/313)
ولو أعتقها
وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال
له سواهما وهي مهر مثلها ثم مات صح العتق ولم
يستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم
يبطل صداقها وقال القاضي تستحق المائتين.
__________
إلى بطلان عتقها لأنه وصية وإبطال عتقها يبطل
توريثها وقال القاضي ترثه نص عليه في رواية
المروذي وهو المذهب لأن العتق في هذه الحال
وصية بما لا يلحقه الفسخ فيجب تصحيحه للوارث
كالعفو عن العمد في مرضه فإنه لا يسقط ميراثه
ولا تبطل الوصية ومحله ما إذا خرجت من الثلث
كما لو أعتق ابن عمه أو اشترى ذا رحم يعتق
عليه ممن يرث ولو أعتقها في صحته وتزوجها في
مرضه فإنه يصح وترثه بغير خلاف علمناه ولو
أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين
لا مال له سواهما وهي مهر مثلها ثم مات صح
العتق والنكاح لأنه صدر من أهله في محله ولم
يستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم
يبطل صداقها ووجه أنها إذا استحقت الصداق لم
يبق شيء سوى قيمة الأمة المقدر بقاؤها فلا
ينفذ العتق في كلها لكون الإنسان محجورا عليه
في التصرف في مرضه في جميع ماله وإذا بطل
العتق في البعض بطل النكاح وإذا بطل النكاح
بطل الصداق وقال القاضي تستحق المائتين وتعتق
لأن العتق وصية لها وهي غير وارثة والصداق
استحقته بعقد المعاوضة وهي تنفذ من رأس المال
فهو كما لو تزوج أجنبية وأصدقها المائتين وفي
إرثها الخلاف قال في المغني والأول أولى من
القول بصحة العتق واستحقاق الصداق جميعا
لإفضائه إلى القول بصحة العتق في مرض الموت من
جميع المال ولا خلاف في فساد ذلك فلو أصدق
المائتين أجنبية صح وبطل العتق في ثلثي الأمة
لأن الخروج من الثلث معتبر بحالة الموت وحالة
الموت لم يبق له مال وكذا لو تلفت المائتان
قبل موته عتق منها الثلث فقط
فرع: لو أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها
فالنكاح صحيح في الظاهر فإن
(5/314)
وإن تبرع بثلث
ماله ثم اشترى أباه من الثلثين فقال القاضي
يصح الشراء ولا يعتق فإذا مات عتق على الوارث
إن كانوا ممن يعتق عليهم
__________
مات ولم يملك شيئا آخر تبينا أن النكاح باطل
ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وإن كان دخل
بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها
ويرق أربعة أسباعها وحسابها أن نقول عتق منها
شيء ولها بصداقها نصف شيء وللورثة شيئان
فتجمعه ثلاثة أشياء ونصفا تبسطها تكن سبعة
مسألة: مريضة أعتقت عبدا لها قيمته عشرة
وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت وخلفت مائة
فمقتضى قول الأصحاب أن تضم العشرة إلى المائة
فتكون التركة ويرث نصف ذلك والباقي للورثة
وقال أبو يوسف ومحمد يحسب عليه قمته أيضا ويضم
إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي لا
يرث شيئا وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا
يكون إعتاقه وصية لوارث وهو مقتضى قول الخرقي
فائدة : وهب أمة حرم على المتهب وطؤها حتى
تبرأ أو تموت وفي الخلاف له التصرف وفي
الإنتصار والوطء وإن تبرع بثلث ماله في مرضه
ثم اشترى أباه من الثلثين وله ابن فقال القاضي
ومتابعوه يصح الشراء ولا يعتق الأب في الحال
إذا اعتبرنا عتقه من الثلث لكونه اشتراه بمال
هو مستحق للورثة بتقدير موته ولأن تبرع المريض
إنما ينفذ من الثلث ويقدم الأول فالأول فإذا
قدم التبرع لم يبق من الثلث شيء ولو اشترى
أباه بماله وهو تسعة دنانير وقيمته ستة فقال
المجد عندي تنفذ المحاباة لسبقها العتق ولا
يعتق عليه كالتي قبلها وقال القاضي يتحاصان
هنا فينفذ ثلث الثلث للبائع محاباة وثلثاه
للمشتري عتقا فيعتق به ثلث رقبته ويرد البائع
دينارين ويكون ثلثا المشتري مع الدينارين
ميراثا فإذا مات المشتري عتق على الوارث لأنه
ملك من يعتق عليه إن كانوا ممن يعتق عليهم
كالأولاد مثلا لأن الجد يعتق على أولاد ابنه
(5/315)
ولا يرث لأنه
لم يعتق في حياته
__________
ولا يرث لأنه لم يعتق في حياته إذ شرط الإرث
أن يكون حرا عند الموت ولم يوجد وعلى قول غير
القاضي وهو من يقول إن الشراء ليس بوصية يعتق
الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت
وما بقي فللأب سدسه وباقيه للوارث
فرع: من وهب له أبوه استحب له قبوله وقيل يجب
فإن قبله عتق عليه بالملك وورث وإن وهب
لمكاتبه أبوه فله قبوله ويعتق بعتقه
(5/316)
|