المبدع
شرح المقنع ط العلمية [بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ]
[نِصَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]
بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ (وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) فَدَلَّ أَنَّ
الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ لَا تُسَمَّى بِهِ، وَنَصَّ لَهُمَا خَاصَّةً،
(2/356)
فَيَجِبُ فِيهِ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَلَا
فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَيَجِبُ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا الْإِجْمَاعُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الْآيَةَ.
وَالسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بِذَلِكَ (وَلَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى
يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَيَجِبُ نِصْفُ مِثْقَالٍ) لِمَا رَوَى
ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ
عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفَ مِثْقَالٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
عَلِيٍّ نَحْوَهُ، فَالْمِثْقَالُ: دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ
دِرْهَمٍ؛ وَهُوَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً؛
وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ (وَلَا فِي
الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ) وَزْنَ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) لِمَا فِي "
الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ
صَدَقَةٌ» (فَيَجِبُ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَفِي
الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا كَانَتْ
مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» ، وَالِاعْتِبَارُ
بِالدِّرْهَمِ الْإِسْلَامِيِّ الَّذِي وَزَنُهُ سِتَّةُ دَوَانِيقَ،
وَالْعَشَرَةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي صَدْرِ
الْإِسْلَامِ سَوْدَاءَ، وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ
دَوَانِيقَ، وَطَبَرِيَّةً، الدِّرْهَمُ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ،
فَجَمَعَتْهَا بَنُو أُمَيَّةَ، وَقَسَّمَتْهَا عَلَى اثْنَيْنِ، فَصَارَ
الدِّرْهَمُ مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِيقَ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
إِجْمَاعَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ سُئِلَ فِي رِوَايَةِ
الْمَرْوَذِيِّ عَنْ دَرَاهِمَ صِغَارٍ فَقَالَ: تُرَدُّ إِلَى
الْمَثَاقِيلِ، فَالدِّرْهَمُ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَخُمُسُهُ؛ وَهُوَ
خَمْسُونَ حَبَّةٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ، فَنِصَابُ الذَّهَبِ ثَمَانِيَةٌ
وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقَدْرُهُ
خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَسُبْعَا دِينَارٍ، وَتُسْعُهُ عَلَى
التَّحْدِيدِ الَّذِي زِنَتُهُ دِرْهَمٌ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ.
(2/357)
خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَا زَكَاةَ فِي
مَغْشُوشِهِمَا حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ مَا فِيهِ نِصَابًا، فَإِنْ شَكَّ
فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ، وَيُخْرِجُ عَنِ
الْجَيِّدِ الصَّحِيحِ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَكِنْ قَالَ الْأَثْرَمُ: قَدِ اصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى دَرَاهِمِنَا،
فَيُزَكِّي الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنْ دَرَاهِمِنَا هَذِهِ، فَيُعْطِي
مِنْهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأُوقِيَّةُ
وَالدَّرَاهِمُ مَجْهُولَةً زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -؛ وَهُوَ مُوجِبٌ الزَّكَاةَ فِي أَعْدَادٍ مِنْهَا، وَيَقَعُ
مِنْهَا الْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ
الصَّحِيحَةِ؛ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ
الدَّرَاهِمَ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً إِلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ،
وَأَنَّهُ جَمَعَهَا بِرَأْيِ الْعُلَمَاءِ، وَجَعَلَ وَزْنَ الدِّرْهَمِ
مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِيقَ، قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَى مَا
نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ ضَرْبِ
الْإِسْلَامِ، وَعَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ، فَرَأَوْا صَرْفَهَا إِلَى
ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَنَقْشِهِ، فَجَمَعُوا أَكْبَرَهَا وَأَصْغَرَهَا،
وَضَرَبُوهُ عَلَى وَزْنِهِمْ (وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهِمَا حَتَّى
يَبْلُغَ قَدْرُ مَا فِيهِ) مِنَ النَّقْدِ الْخَالِصِ (نِصَابًا)
لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا: إِنْ بَلَغَ مَضْرُوبُهُ نِصَابًا
زَكَّاهُ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ الْغِشُّ أَكْثَرَ.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يَقُومُ مَضْرُوبُهُ كَالْعُرُوضِ (فَإِنَّ شَكَّ
فِيهِ) أَيْ فِي بُلُوغِ قَدْرِ مَا فِي الْمَغْشُوشِ مِنَ النَّقْدِ
نِصَابًا (خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ) لِيُعْلَمَ قَدْرُ مَا فِيهِ (وَبَيْنَ
الْإِخْرَاجِ) أَيْ: يَسْتَظْهِرُ وَيُخْرِجُ لِيُسْقِطَ الْفَرْضَ
بِيَقِينٍ. فَعَلَى هَذَا إِذَا سَبَكَهُ، فَظَهَرَ نِصَابًا فَأَكْثَرَ،
أَخْرَجَ رُبُعَ عُشْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ،
فَلَا، وَإِنِ اسْتَظْهَرَ فَيُخْرِجُ مَا يُجْزِئُهُ بِيَقِينٍ، وَقِيلَ:
لَا زَكَاةَ، وَإِنْ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، وَشَكَّ فِي زِيَادَةٍ
اسْتَظْهَرَ، فَأَلْفٌ ذَهَبٌ، وَفِضَّةٌ، سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا
يُزَكِّي سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا، وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِضَّةً، وَإِنْ لَمْ
يُجْزِ ذَهَبٌ عَنْ فِضَّةٍ، زَكَّى سِتَّمِائَةٍ ذَهَبًا، وَسِتَّمِائَةٍ
فِضَّةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ قَدْرَ الْعُشْرِ بِأَنْ
يَكُونَ فِي كُلِّ دِينَارٍ سُدُسُهُ، جَازَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا؛
لِأَنَّهُ يَكُونُ مُخْرِجًا لِرُبْعِ الْعُشْرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ قَدْرُ
الْعُشْرِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ، لَمْ يُجْزِئْهُ إِلَّا أَنْ يَسْتَظْهِرَ،
فَيُخْرِجُ قَدْرَ الزَّكَاةَ بِيَقِينٍ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْهَا مَا لَا
غَشَّ فِيهِ، فَهُوَ أَفْضَلُ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ: إِنْ زَادَتْ
قِيمَةُ الْمَغْشُوشِ بِصَنْعَةِ الْغِشِّ، أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهِ،
كَحُلِيِّ الْكِرَاءِ إِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ بِصِنَاعَةٍ.
فَائِدَةٌ: يُعْرَفُ قَدْرُ غِشِّهِ بِوَضْعِ ذَهَبٍ خَالِصٍ زِنَةَ
مَغْشُوشٍ فِي مَاءٍ، ثُمَّ فِضَّةٍ كَذَلِكَ؛
(2/358)
أَخْرَجَ مَكْسُورًا أَوْ بَهْرَجًا، زَادَ
قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَهَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ إِلَى الْفِضَّةِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ أَوْ
يُخْرَجُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ؟ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَهِيَ أَضْخَمُ، ثُمَّ مَغْشُوشٍ، وَيُعْلَمُ عُلُوُّ الْمَاءِ،
وَيُمْسَحُ بَيْنَ كُلِّ عَلَامَتَيْنِ، فَمَعَ اسْتِوَاءِ
الْمَمْسُوحَيْنِ نَصِفُهُ ذَهَبٌ، وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ، وَمَعَ زِيَادَةٍ
وَنَقْصٍ بِحِسَابِهِ.
تَذْنِيبٌ: يُكْرَهُ ضَرْبُ نَقْدٍ مَغْشُوشٍ وَاتِّخَاذُهُ، نَصَّ
عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُنَادِي: لَيْسَ
لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَضْرِبُوا إِلَّا جَيِّدًا، وَيُكْرَهَ
الضَّرْبُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ، قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لَا يَصْلُحُ ضَرْبُ
الدَّرَاهِمِ إِلَّا فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ
النَّاسَ إِنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ.
(وَيُخْرِجُ عَنِ الْجَيِّدِ الصَّحِيحَ مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّ
إِخْرَاجَ غَيْرِ ذَلِكَ خَبِيثٌ، فَلَمْ يَجُزْ، وَكَالْمَاشِيَةِ،
وَيُخْرِجُ عَنِ الرَّدِيءِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، فَإِنْ
كَانَ الْمَالُ أَنْوَاعًا مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ جَازَ إِخْرَاجُهَا
مَنْ أَحَدِهَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ أُخِذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ
بِحِصَّتِهِ، وَجَزَمَ الْمُؤَلِّفُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ "
إِنْ شَقَّ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ، فَمِنَ الْوَسَطِ كَالْمَاشِيَةِ،
وَإِنْ أَخْرَجَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنَ الْأَعْلَى كَانَ أَفْضَلَ،
وَإِنْ أَخْرَجَ عَنِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَدْنَى أَوِ الْوَسَطِ، وَزَادَ
قَدْرَ الْقِيمَةِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنَ الْأَعْلَى
بِقَدْرِ الْقِيمَةِ دُونَ الْمَوْزُونِ، لَمْ يَجُزْ (فَإِنْ أَخْرَجَ)
أَيْ: عَنِ الصِّحَاحِ (مُكَسَّرًا أَوْ) أَخْرَجَ عَنِ الْجِيَادِ
(بَهْرَجًا) أَيْ: رَدِيئًا؛ وَهُوَ الْمَغْشُوشُ، أَوْ أَخْرَجَ سَوْدَاءَ
عَنْ بَعْضٍ (زَادَ قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ، نَصَّ
عَلَيْهِ) وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ
عَلَيْهِ قِيمَةً وَقَدْرًا، وَكَمَا لَوْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ،
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجِبُ الْمِثْلُ،
اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " فِي غَيْرِ
مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ جَيِّدٌ صَحِيحٌ،
فَلَمْ يُجْزِئْ ضِدُّهُ، كَالْمَرِيضَةِ عَنِ الصِّحَاحِ، فَإِذَا
تَسَاوَى الْوَاجِبُ وَالْمُخْرَجُ فِي الْقِيمَةِ وَالْوَزْنِ، جَازَ
بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَالْقَصْدُ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ
بِعَيْنِهَا.
[ضَمُّ الذَّهَبِ إِلَى الْفِضَّةِ مِنْ تَكْمِيلِ النِّصَابِ]
(وَهَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ إِلَى الْفِضَّةِ مِنْ تَكْمِيلِ النِّصَابِ،
أَوْ يُخْرَجُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)
إِحْدَاهُمَا: يُكْمَلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، اخْتَارَهَا
الْخَلَّالُ وَالْخِرَقِيُّ
(2/359)
رِوَايَتَيْنِ، وَيَكُونُ الضَّمُّ
بِالْأَجْزَاءِ، وَقِيلَ بِالْقِيمَةِ فِيمَا فِيهِ الْحَظُّ
لِلْمَسَاكِينِ، وَيُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَصَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ ":
لِأَنَّ مَقَاصِدَهُمَا وَزَكَاتَهُمَا مُتَّفِقَةٌ، فَهُمَا كَنَوْعَيِ
الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَعَلَيْهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الحاضر والدين إِذَا
كَانَ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُضَمُّ.
قَالَ الْمَجْدُ: يُرْوَى أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ إِلَيْهَا أَخِيرًا،
اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " وَ "
الرِّعَايَةِ "، وَابْنُ تَمِيمٍ؛ لِقَوْلِهِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُمَا مَالَانِ يَخْتَلِفُ نِصَابُهُمَا،
فَلَمْ يَجُزِ الضَّمُّ كَأَجْنَاسِ الْمَاشِيَةِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَهَذِهِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى دَلِيلًا
وَأَصَحُّ تَعْلِيلًا، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخَبَرَ مَخْصُوصٌ بِعَرَضِ
التِّجَارَةِ، فَيَصِحُّ الْقِيَاسُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْهُ
الْوَقْفَ، فَيَكُونُ قَوْلًا ثَالِثًا (وَأَمَّا إِخْرَاجُ أَحَدِهِمَا
عَنِ الْآخَرِ) فَيَجُوزُ، صَحَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ؛
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ أَحَدِهِمَا يَحْصُلُ بِإِخْرَاجِ الْآخَرِ،
فَهُوَ كَأَنْوَاعِ الْجِنْسِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا
أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، فَيَمْتَنِعُ كَسَائِرِ
الْأَجْنَاسِ، وَعَلَى الْأُولَى لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ فِي مَوْضِعٍ
يَلْحَقُ الْفَقِيرَ ضَرَرٌ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَالِكُ الدَّفْعَ مَنْ
جِنْسِ الْوَاجِبِ، وَأَرَادَ الْفَقِيرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ لِضَرَرٍ
يَلْحَقُهُ، لَمْ يَلْزَمِ الْمَالِكَ إِجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا
فُرِضَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُكَلَّفْ سِوَاهُ، وَقِيلَ: اخْتِلَافُ
الرِّوَايَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ، فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ
جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، (وَ) عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الضَّمِّ (يَكُونُ
الضَّمُّ بِالْأَجْزَاءِ) عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛
لِأَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَ لَاعْتُبِرَ بِنَفْسِهِ، فَكَذَا إِذَا ضُمَّ
إِلَى غَيْرِهِ كَالْمَوَاشِي؛ وَلِأَنَّ الضَّمَّ بِالْأَجْزَاءِ
مُتَيَقَّنٌ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ، فَإِنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ، كَمَا
لَوْ كَانَ مِلْكُهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ، فَكُلٌّ
مِنْهُمَا نِصْفُ نِصَابٍ، فَمَجْمُوعُهُمَا نِصَابٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ
الثُّلُثُ أَوْ بَقِيَّةُ الْأَجْزَاءِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالْبَاقِي مِنَ
الْآخَرِ (وَقِيلَ: بِالْقِيمَةِ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ وَهُوَ
ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصَابٍ ضُمَّ، فَإِنَّهُ
بِالْقِيمَةِ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ (فِيمَا فِيهِ الْحَظُّ
لِلْمَسَاكِينِ) لأَنَّ أَصْلَ الضَّمِّ إِنَّمَا
(2/360)
فصل
وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي
ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، فَأَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
شُرِعَ
لِأَجْلِ الْحَظِّ
، فَإِذَا كَانَ لَهُ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ،
وَلَهُ مِائَةٌ أُخْرَى ضُمَّا، وَعَلَى الْأَجْزَاءِ: لَا، وَظَاهِرُهُ
أَنَّ الْأَحَظُّ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْقِيمَةِ فَقَطْ،
لِانْقِطَاعِهِ عَمَّا قَبْلَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ
إِلَيْهِمَا، فَلِهَذَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": (وَعَنْهُ: يُكَمَّلُ
أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِالْأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ مِنَ الْأَجْزَاءِ أَوِ
الْقَيِّمَةِ، ذَكَرَهَا فِي " مُنْتَهَى الْغَايَةِ ".
فَرْعٌ: يُضَمُّ جَيِّدُ كُلِّ جِنْسٍ إِلَى رَدِيئِهِ، وَمَضْرُوبِهِ
إِلَى غَيْرِهِ.
(وَيُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ) ؛ أَيْ: عُرُوضِ التِّجَارَةِ (إِلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، كَمَنْ لَهُ عَشَرَةُ
دَنَانِيرَ، وَمَتَاعٌ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أُخْرَى، أَوَّ لُهُ مِائَةُ
دِرْهَمٍ وَمَتَاعٌ قِيمَتُهُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا
تَجِبُ فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ؛ وَهِيَ تُقَوَّمُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا،
فَكَانَا مَعَ الْقِيمَةِ جِنْسًا وَاحِدًا، فَلَوْ كَانَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ
وَعُرُوضٌ، فَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ يُضَمُّ
الْجَمِيعُ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ.
[الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ وَالْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ]
فَصْلٌ (وَلَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ الْمُعَدِّ
لِلِاسْتِعْمَالِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي
الْحُلِيِّ زَكَاةٌ» رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ؛ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ
وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ
التَّابِعِينَ، وَلِأَنَّهُ مُرْصَدٌ لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ، فَلَمْ
تَجِبْ كَالْعَوَامِلِ، وَثِيَابِ الْقِنْيَةِ، قَالَ جَمَاعَةٌ:
مُعْتَادٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ آخَرُونَ لِرَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ إِنْ
أُعِدَّ لِلُبْسٍ مُبَاحٍ أَوْ إِعَارَةٍ، وَلَوْ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ
كَرَجُلٍ يَتَّخِذُ حُلِيَّ النِّسَاءِ لِإِعَارَتِهِنَّ، أَوِ امْرَأَةٍ
تَتَّخِذُ حُلِيَّ الرِّجَالِ
(2/361)
الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ، وَالْآنِيَةُ،
وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ أَوِ النَّفَقَةِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا
بَلَغَ نِصَابًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِإِعَارَتِهِمْ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ إِذَا لَمْ
يُعرْ وَلَمْ يُلْبَسْ، قَالَهُ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ "،
نَقَلَ ابْنُ هَانِي: زَكَاتُهُ عَارِيَتُهُ، وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ
خَمْسَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُ: مُطْلَقًا، لِمَا رَوَى أَبُو
دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِامْرَأَةٍ فِي
يَدِهَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ: هَلْ تُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ:
لَا، قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ
نَارٍ» ".
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ، قَالَهُ أَبُو عَبِيدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ،
وَلِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ: «وَفِي الرِّقَّةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» .
وَجَوَابُهُ بِأَنَّهَا هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، قَالَ أَبُو
عَبِيدٍ: لَا نَعْلَمُ هَذَا الِاسْمَ فِي الْكَلَامِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ
الْعَرَبِ إِلَّا عَلَى الدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ ذَاتِ السِّكَّةِ
السَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الشُّمُولُ يَكُونُ
مَخْصُوصًا بِمَا ذَكَرْنَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ إِذَا كَانَ الْحُلِيُّ
لِيَتِيمٍ لَا يَلْبَسُهُ، فَلِوَلِيِّهِ إِعَارَتُهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا
زَكَاةَ، وَإِنْ لَمْ يُعِرْهُ وَجَبَتْ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، ذَكَرَهُ
جَمَاعَةٌ (فَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ
مُحَرَّمٌ، فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ:
مَا كَانَ عَلَى سَرْجٍ وَلِجَامٍ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْآنِيَةُ مِنَ
النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ لَمَّا كَانَتْ لِمُحَرَّمٍ جُعِلَتْ
كَالْعَدَمِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الِاتِّحَادِ جَوَازُ
الصَّنْعَةِ، كَتَحْرِيمِ تَصْوِيرِ مَا يُدَاسُ مَعَ جَوَازِ اتِّخَاذِهِ
(وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْمَدِّ فَقَطْ، فَنَصَّ
عَلَى وُجُوبِهَا، سَوَاءٌ حَلَّ لَهُ لُبْسُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ مِنْ جِنْسِهِ الزَّكَاةُ، وَكَمَا لَوْ أُعِدَّ لِتِجَارَةٍ
كُحْلِيِّ الصَّيَارِفِ (أَوِ النَّفَقَةِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ) ؛
لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَقَطَتْ مِمَّا أُعِدَّ لِلِاشْتِغَالِ بِصَرْفِهِ
عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ،
وَقَيَّدَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الشَّرْحِ " بِالِاحْتِيَاجِ
إِلَيْهِ،
(2/362)
وَالِاعْتِبَارُ بِوَزْنِهِ إِلَّا مَا
كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ
بِوَزْنِهِ، وَفِي الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ.
وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ وَقَبِيعَةُ السَّيْفِ،
وَفِي حِلْيَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": أَوْ لَمْ يَقْصِدْ رَبُّهُ شَيْئًا (إِذَا
بَلَغَ) كُلُّ وَاحِدٍ (نِصَابًا، وَالِاعْتِبَارُ) فِي نِصَابِ الْكُلِّ
(بِوَزْنِهِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِعُمُومِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ
أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» ، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ
بِوَاسِطَةِ صَنْعَةٍ مُحَرَّمَةٍ يَجِبُ إِتْلَافُهَا شَرْعًا، فَلَمْ
يُعْتَبَرْ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ
إِذَا كَانَتْ صِيَاغَتُهَا مُبَاحَةً، كَمَنْ عِنْدَهُ حُلِيٌّ
لِلْكِرَاءِ وَزْنُهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، قِيمَتُهُ
مِائَتَانِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا، وَحُكِيَ رِوَايَةً
بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ، وَيَضْمَنُ
صَنْعَتَهُ بِالْكَسْرِ (إِلَّا مَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ) كُحُلِيِّ
التِّجَارَةِ (فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ بِوَزْنِهِ، وَفِي
الْإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ) هَذَا قَوْلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ رُبْعَ
عُشْرِهِ لَوَقَعَتِ الْقِيمَةُ الْمُقَوَّمَةُ شَرْعًا لَا حَظَّ فِيهَا
لِلْفُقَرَاءِ؛ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ وَزْنُهُ
مِائَتَيْنِ، وَقِيمَتُهُ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَعَلَيْهِ قَدْرُ رُبْعِ
عُشْرِهِ دَنَانِيرَ، وَقِيمَتُهُ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ مُحَرَّمٍ، أَشْبَهَ
زِيَادَةَ قِيمَتِهِ لِنَفَاسَةِ جَوْهَرِهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ رُبْعَ
عُشْرِهِ مُشَاعًا، أَوْ مِثْلَهُ وَزْنًا مِمَّا يُقَابِلُ جَوْدَتَهُ
زِيَادَةُ الصَّنْعَةِ جَازَ، وَإِنْ خَبَرَ زِيَادَةَ الصَّنْعَةِ
بِزِيَادَةٍ فِي الْمُخْرَجِ، فَكَمُكَسَّرَةٌ عَنْ صِحَاحٍ، فَإِنْ
أَرَادَ كَسْرَهُ مُنِعَ لِبَعْضِ قِيمَةٍ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إِنْ
أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ بِقَدْرِهِ جَازَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ،
وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْقِيمَةَ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ الْكَسْرِ، وَلَمْ
يُخْرِجْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ
ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ فِي الْإِخْرَاجِ
إِنِ اعْتُبِرَتْ فِي النِّصَابِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي النِّصَابِ
لَمْ يَعْتَبِرْ فِي الْإِخْرَاجِ، لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ،
أَوْ تَكْلِيفِهِ أَجْوَدَ لِتُقَابِلَ الصَّنْعَةَ، فَإِنْ كَانَ مُعَدًّا
لِلتِّجَارَةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ كَالْعُرُوضِ.
[مَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ مِنْ خَاتَمِ الْفِضَّةِ]
(وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ) : " «لِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2/363)
الْمِنْطَقَةِ رِوَايَتَانِ، وَعَلَى
قِيَاسِهَا الْجَوْشَنُ وَالْخُوذَةُ وَالْخُفُّ وَالرَّانُّ
وَالْحَمَائِلُ، وَمِنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ أَحْمَدُ: فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ،
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ. رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ، وَظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ،
وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ،
قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ،
جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ فَصِّهِ مِمَّا يَلِي
كَفَّهُ، وَلَهُ جَعْلُ فَصِّهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَنْقُولُ
أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ، وَضُعِّفَ فِي
رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ، وَقِيلَ: الْيَمِينُ
أَفْضَلُ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ، وَيُكَرَهُ فِي
السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِلنَّهْيِ عَنْهُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي:
وَالْإِبْهَامُ مِثْلُهُمَا، فَالْبِنْصِرُ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ.
فَائِدَةٌ: يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ دُونَ مِثْقَالٍ، قَالَهُ فِي "
الرِّعَايَةِ " وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْمُؤَلِّفِ: لَا بَأْسَ
بِأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ لِضَعْفِ خَبَرٍ بُرَيْدَةَ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ
يَخْرُجْ عَنِ الْعَادَةِ، وَإِلَّا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ،
وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا ذِكْرُ اللَّهِ أَوْ غَيْرُهُ، وَفِي "
الرِّعَايَةِ " أَوْ رَسُولُهُ، وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ
احْتِمَالُ لَا يُكْرَهُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِلنَّصِّ
الصَّرِيحِ.
1 -
فَرْعٌ: لَوِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ، لَمْ تَسْقُطْ
الزَّكَاةُ فِيمَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ، إِلَّا أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ
لِوَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: لَا زَكَاةَ
(وَقَبِيعَةُ السَّيْفُ) لِقَوْلِ أَنَسٍ: «كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِضَّةً» رَوَاهُ
الْأَثْرَمُ، وَالْقَبِيعَةُ: مَا يُجْعَلُ عَلَى طَرَفِ الْقَبْضَةِ،
وَعِبَارَةُ الْخِرَقِيِّ أَعَمُّ؛ وَهِيَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ،
وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " شَرْحِهِ " قَالَ
هِشَامٌ: كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى بِالْفِضَّةِ. رَوَاهُ
الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّهَا حِلْيَةٌ مُعْتَادَةٌ لِلرَّجُلِ، أَشْبَهَتِ
الْخَاتَمَ (وَفِي حِلْيَةِ الْمِنْطَقَةِ) وَهِيَ مَا شَدَدْتَ بِهِ
وَسَطَكَ. قَالَهُ الْخَلِيلُ، وَتُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ: الْحِيَاصَةَ
(رِوَايَتَانِ) أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُبَاحُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ
اتَّخَذُوا الْمَنَاطِقَ مُحَلَّاةً
(2/364)
الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ، وَمَا
دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَالْأَنْفِ وَمَا رَبَطَ بِهِ أَسْنَانَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِالْفِضَّةِ؛ وَهِيَ كَالْخَاتَمِ، وَالثَّانِيَةُ: لا لِمَا فِيهِ مِنَ
الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ؛ وَلِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِالتَّخَنُّثِ
وَالِانْحِلَالِ، أَشْبَهَ الطَّوْقَ وَالدُّمْلُجَ (وَعَلَى قِيَاسِهَا)
حِلْيَةُ (الْجَوْشَنِ) ، وَهُوَ الدِّرْعُ (وَالْخُوذَةُ) وَهِيَ
الْبَيْضَةُ (وَالْخُفُّ وَالرَّانُ) وَهُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُ تَحْتَ
الْخُفِّ مَعْرُوفٌ (وَالْحَمَائِلُ) وَاحِدَتُهَا حِمَالَةٌ، قَالَهُ
الْخَلِيلُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يُسَاوِي الْمِنْطَقَةَ مَعْنًى، فَوَجَبَ
أَنْ يُسَاوِيَهَا حُكْمًا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَعَلَّلَهُ الْمَجْدُ
بِأَنَّهُ يَسِيرُ فِضَّةٍ فِي لِبَاسِهِ، وَجَزَمَ فِي " الْكَافِي "
بِإِبَاحَةِ الْكُلِّ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي الْحَمَائِلِ بِالتَّحْرِيمِ،
وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ - أَيْضًا - فِي
الْمِغْفَرِ وَالنَّعْلِ وَرَأْسِ الرُّمْحِ وَشُعَيْرَةِ السِّكِّينِ،
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتِرْكَاشُ النُّشَّابِ،
وَالْكَلَالِيبُ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ تَابِعٌ، وَلَا يُبَاحُ غَيْرُ ذَلِكَ
كَتَحْلِيَةِ الْمَرَاكِبِ، وَلِبَاسِ الْخَيْلِ كَاللُّجُمِ، وَعُلْبَةِ
الدَّوَاةِ، وَالْمِقْلَمَةِ، وَالْمِرْآةِ، وَالْكِمْرَانِ، وَالْمُشْطِ،
وَالْمُكْحُلَةِ، وَالْمِيلِ، وَالْقِنْدِيلِ (وَ) يُبَاحُ لِلرَّجُلِ
(مِنَ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ) لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ لَهُ سَيْفٌ
وَسَبَائِكُ مِنْ ذَهَبٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ كَانَ فِي سَيْفِهِ
مِسْمَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، ذَكَرَهُمَا أَحْمَدُ، وَقَيَّدَهَا بِالْيَسِيرِ
مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ وَزْنُهَا ثَمَانِيَةَ مَثَاقِيلَ،
فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَقَدْ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ
يَسْقُطَ، يَجْعَلُ فِيهِ مِسْمَارًا مَنْ ذَهَبٍ؛ قَالَ: إِنَّمَا رُخِّصَ
فِي الْأَسْنَانِ (وَمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَالْأَنْفِ) وَإِنْ
أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ؛: «لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ
قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ،
فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ،
(2/365)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ يَسِيرُ
الذَّهَبِ، وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ
بِلُبْسِهِ؛ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ بَلَغَ أَلْفَ
مِثْقَالٍ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْحِكْمَةُ فِي الذَّهَبِ لَا يَصْدَأُ، بِخِلَافِ الْفِضَّةِ (وَمَا
رَبَطَ بِهِ أَسْنَانَهُ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ مُوسَى بْنِ
طَلْحَةَ، وَأَبِي حَمْزَةَ الضُّبَعِيِّ، وَأَبِي رَافِعٍ، وَثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ، وَإِسْمَاعِيلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْمُغِيرَةِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ شَدُّوا أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ؛ وَهِيَ
ضَرُورَةٌ، فَأُبِيحَ كَالْقَبِيعَةِ بَلْ أَوْلَى، وَيَتَوَجَّهُ
جَوَازُهُ فِي الْأُنْمُلَةِ كَالسِّنِّ. وَظَاهِرُهُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ
يَسِيرُ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا كَالْأُصْبُعِ وَالْخَاتَمِ إِجْمَاعًا،
وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتَهُ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ إِبَاحَتَهُ
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ) مُطْلَقًا، لِقَوْلِهِ:
نُهِيَ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا، وَقِيلَ: يُبَاحُ فِي
سِلَاحٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا
أُبِيحَ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ أُبِيحَ بِذَهَبٍ، وَكَذَا تَحْلِيَةُ
خَاتَمِ الْفِضَّةِ بِهِ، وَالصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ كَالْكَثِيرِ
لِلْعُمُومِ، وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ؛
وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَصْلُحُ
مِنَ الذَّهَبِ شَيْءٌ، وَلَا خَرْبَصِيصَةَ» انْتَهَى؛ وَهِيَ الْقِطْعَةُ
مِنَ الْحُلِيِّ بِقِدْرِ عَيْنِ الْجَرَادَةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ سَرَفًا
(وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ)
كَالطَّوْقِ مِنَ الْحِلَقِ، وَالْخَلْخَالِ، وَالسُّوَارِ، وَالْقُرْطِ
فِي الْأُذُنِ، وَظَاهِرُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَا فِي الْمَخَانِقِ، وَالْمَقَالِدِ مِنْ
حَرَائِرَ وَتَعَاوِيذَ.
قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالتَّاجُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ
أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى
التَّجَمُّلِ وَالتَّزَيُّنِ لِزَوْجِهَا، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ مَا لَمْ
تَجْرِ الْعَادَةُ بِلُبْسِهِ كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ،
وَالنِّعَالِ الذَّهَبِ، لَا يُبَاحُ لَهُنَّ لِانْتِفَاءِ التَّجَمُّلِ،
فَلَوِ اتَّخَذَتْهُ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ (قَلَّ أَوْ كَثُرَ) ؛
لِأَنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ لَهُنَّ التَّحَلِّي مُطْلَقًا، فَلَا يَجُوزُ
تَقْيِيدُهُ بِالرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ (وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ
بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ) لِمَا رَوَى أَبُو
عَبِيدٍ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَيْضًا؛
وَلِأَنَّهُ سَرَفٌ وَخُيَلَاءُ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ في الاستعمال.
(2/366)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": إِنْ بَلَغَ أَلْفًا فَهُوَ كَثِيرٌ،
فَيَحْرُمُ لِلسَّرَفِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ عَنِ الذَّهَبِ، كَمَا صَرَّحَ
بِهِ بَعْضُهُمْ، وَأَبَاحَ الْقَاضِي أَلْفَ مِثْقَالٍ فَمَا دُونَ،
وَيُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ لَا مُفْرَدَاتُهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُبَاحُ الْمُعْتَادُ، فَإِنْ بَلَغَ الْخَلْخَالُ
وَنَحْوُهُ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ،
وَتَحَقَّقَ السَّرَفُ، فَلَمْ يُبَحْ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَحَدِيثُ
جَابِرٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ.
وَنَقَلَ الْجَوْزَجَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ
زَكَاةٌ، وَإِنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ، لِأَنَّهُ يُعَارُ وَيُلْبَسُ.
1 -
فَرْعٌ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ التَّحْلِيَةُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ
مُعَرَّاةٍ، وَفِي مُرْسَلَةٍ فِي وَجْهٍ، وَعَلَيْهَا تَسْقُطُ
الزَّكَاةُ.
مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ التَّحَلِّي بِالْجَوْهَرِ،
وَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلِاسْتِعْمَالِ كَثِيَابِ
الْبِذْلَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِتِجَارَةٍ، فَيَقُومُ جَمِيعُهُ
تَبَعًا، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: يُكَرَهُ لِلرَّجُلِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلَعَلَّ مُرَادَهُ غَيْرُ تَخَتُّمِهِ
بِذَلِكَ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَأَمَّا تَشَبُّهُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ،
وَعَكْسُهُ، فَيَحْرُمُ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهَاتِ
مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ
جَزْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ اتِّخَاذِ أَحَدِهِمَا حُلِيَّ الْآخَرِ
لِيَلْبِسَهُ، وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى إِبَاحَةِ تَحَلِّي
النِّسَاءِ بِالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ
لِلرِّجَالِ إِلَّا فِي الْخَاتَمِ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
التَّخَتُّمَ لَهُمْ بِجَمِيعِ الْأَحْجَارِ مُبَاحٌ، وَيُسْتَحَبُّ
بِالْعَقِيقِ؛ لِقَوْلِهِ: «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ»
وَضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَفِي دَعْوَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ
مِنَ
(2/367)
بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ
إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَوْضُوعَاتِ نَظَرٌ، وَيُكْرَهُ لَهُمَا خَاتَمُ حَدِيدٍ، وَصُفْرٍ،
وَنُحَاسٍ، وَرَصَاصٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، نُقِلَ مهَنا: أَكْرَهُ خَاتَمَ
الْحَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ. |