المبدع
شرح المقنع ط العلمية [بَابُ الْإِحْرَامِ]
[مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ]
بَابُ الْإِحْرَامِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي
التَّحْرِيمِ كَأَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ النِّكَاحَ، وَالطِّيبَ،
وَأَشْيَاءَ مِنَ اللِّبَاسِ كَمَا يُقَالُ أَشْتَى: إِذَا دَخَلَ فِي
الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ: إِذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ.
وَشَرْعًا: هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ لَا بِنِيَّةٍ لِيَحُجَّ أَوْ
يَعْتَمِرَ.
(يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يَغْتَسِلَ) وَلَوْ
حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَيَتَيَمَّمَ لِعَدَمٍ، وَلَا
(3/107)
نَظِيفَيْنِ إِزَارًا وَرِدَاءً،
وَيَتَجَرَّدَ عَنِ الْمَخِيطِ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمَ
عَقِيبَهُمَا، وَيَنْوِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَضُرُّ حَدَثُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ إِحْرَامِهِ، (وَيَتَنَظَّفَ)
بِأَخْذِ شَعْرِهِ، وَظُفْرِهِ، وَقَطْعِ رَائِحَةٍ، لِقَوْلِ
إِبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ
ثِيَابِهِمْ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ فَسُنَّ
فِيهِ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ، (وَيَتَطَيَّبَ)
لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» . رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، وَمُرَادُهُ فِي بَدَنِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ
أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مَذْهَبًا،
وَالْمَذْهَبُ يُكْرَهُ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ، وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ
فِيهِ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ تَبْقَى عَيْنُهُ
كَالْمِسْكِ أَوْ أَثَرُهُ كَالْبَخُورِ فَإِنِ اسْتَدَامَهُ فَلَا
كَفَّارَةَ لِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامُ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَمَا سَبَقَ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ، فَإِنْ نَقَلَهُ مِنْ بَدَنِهِ
مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ أَوْ نَقَلَهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ
نَزَعَهُ، ثُمَّ لَبِسَهُ فَدَى بِخِلَافِ مَا لَوْ سَالَ بِعَرَقٍ أَوْ
شَمْسٍ، (وَيَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ إِزَارًا
وَرِدَاءً) وَنَعْلَيْنِ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
مَرْفُوعًا: «لِيُحْرِمَ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ، وَرِدَاءٍ، وَنَعْلَيْنِ»
. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ
الْجَدِيدِ وَغَيْرِهِ، وَفِي " تَبْصِرَةِ " الْحُلْوَانِيِّ إِخْرَاجُ
كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنَ الرِّدَاءِ أَوْلَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ
يَجُوزُ إِحْرَامُهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " بَعْضُهُ
عَلَى عَاتِقِهِ.
(وَيَتَجَرَّدَ) الرَّجُلُ (عَنِ الْمَخِيطِ) وَهُوَ كُلُّ مَا يُخَاطُ
كَالْقَمِيصِ، وَالسَّرَاوِيلِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَانَ يَنْبَغِي
تَقْدِيمُهُ عَلَى اللُّبْسِ، لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ
(وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمَ عَقِيبِهِمَا) «لِحَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، خَرَجَ حَاجًّا
فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَهَلَّ
بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ،
وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَهُ هُوَ قَوْلُ
أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يَرْكَعُهُمَا وَقْتَ نَهْيٍ، وَلَا مِنْ
عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُحْرِمُ عَقِيبَ
(3/108)
الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا
يَنْعَقِدُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَيَشْتَرِطُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ
إِنِّي أُرِيدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ
بَطَّالٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَعَنْهُ:
عَقِبَهَا. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا رَكِبَ، وَإِذَا سَارَ سَوَاءٌ،
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَقِبَ فَرْضٍ إِنْ كَانَ وَقْتُهُ،
وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَقَالَ فِي "
الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ إِنْ كَانَ بِالْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ اسْتُحِبَّ
صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ
عند إِحْرَامُهُ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، (وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ
بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِعْلِ مَنْ
مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ،
فَاسْتُحِبَّ تَعَيُّنُهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، وَفِي
عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ
فَكَيْفَ يَنْوِي النِّيَّةَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ الْمَنْجَا عَلَى أَنَّ
مَعْنَاهُ يَنْوِي بِنِيَّتِهِ نُسُكًا مُعَيَّنًا، ثُمَّ قَالَ:
وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛
لِأَنَّهُ كَنِيَّةِ الْوُضُوءِ، (وَلَا يَنْعَقِدُ النُّسُكُ إِلَّا
بِالنِّيَّةِ) لِقَوْلِهِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ،
وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ وَعِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَافْتَقَرَ إِلَيْهَا
كَالصَّلَاةِ، وَنِيَّةُ النُّسُكِ كَافِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَفِي " الِانْتِصَارِ " رِوَايَةٌ مَعَ تَلْبِيَةٍ أَوْ سَوْقِ هَدْيٍ،
اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ
عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَيْسَ فِي آخِرِهَا نُطْقٌ وَاجِبٌ، فَكَذَا
أَوَّلُهَا كَالصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْهَدْيُ:
فَإِيجَابُ مَالٍ كَالنَّذْرِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا لَا يَجِبُ،
فَكَذَا تَابَعَهُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَهُوَ لِلنَّدْبِ، وَفِي " الْفُرُوعِ
": يَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ تَجِبُ التَّلْبِيَةُ.
فَرْعٌ: إِذَا نَطَقَ بِغَيْرِ مَا نَوَاهُ، فَالْعِبْرَةُ بِالْمَنْوِيِّ،
لَا بِمَا سَبَقَ لِسَانُهُ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ مَنْ
يُحْفَظُ عَنْهُ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَشْتَرِطَ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ
الْحَجَّ، وَأَجِدُنِي وَجِعَةً فَقَالَ: حُجِّي، وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي
اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَاسْتَحَبَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْخَائِفِ، خَاصَّةً جَمْعًا
بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
(3/109)
النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ فَيَسِّرْهُ لِي
وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي. وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ
حَبَسْتَنِي.
وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ،
وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
(فَيَقُولُ) هَذَا رَاجِعٌ إِلَى تَعْيِينِ النُّسُكِ، وَعِبَارَةُ "
الْمُحَرَّرِ " أَوْلَى (اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ
الْفُلَانِيَّ، فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) وَلَمْ يَذْكُرُوا
مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا، وَتَيْسِيرِهَا
عَادَةً، (وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)
لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِعُرْوَةَ: قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ
فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةً. وَيَسْتَفِيدُ بِهِ أَنَّهُ مَتَى
حُبِسَ بِمَرَضٍ أَوَ عُذْرٍ أَوْ خَطَأٍ فِي طَرِيقٍ وَغَيْرِهِ، حَلَّ،
وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَالَ: فِي "
الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ
فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ، فَلَوْ قَالَ: فَلِي أَنْ أَحِلَّ خُيِّرَ، وَلَوْ
شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ أَوْ إِنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ
يَصِحَّ، ذَكَرُهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي
ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ بِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ
لِلْإِحْرَامِ، وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ فَكَذَا هُوَ.
فَرْعٌ: يَبْطُلُ إِحْرَامُهُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِرِدَّتِهِ لَا
بِجُنُونٍ، وَإِغْمَاءٍ، وَسُكْرٍ كَمَوْتٍ، وَلَا يَنْعَقِدُ مَعَ وُجُودِ
أَحَدِهَا.
[التَّخْيِيرُ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ]
(وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ)
ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ إِجْمَاعًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «خَرَجْنَا مَعَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ
مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ
أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ
فَلْيُهِلَّ. قَالَتْ: وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ،
وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ
بِالْعُمْرَةِ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا
التَّمَتُّعُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي
أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، النَّهْيُ عَنِ التَّمَتُّعِ، وَعَاقَبُوا
مَنْ تَمَتَّعَ، وَكَرِهَ التَّمَتُّعَ عُمَرُ، عُثْمَانُ، وَمُعَاوِيَةُ،
وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَبَعْضُهُمْ: وَالْقِرَانُ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهُ.
(وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ) فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ،
وَعَائِشَةَ، وَجَمْعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ،
(3/110)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي رِوَايَةٍ صَالِحٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ آخِرُ مَا
أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ
يَعْمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. قَالَ: إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدُّخُولَ بِعُمْرَةٍ
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ
مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَأَحْلَلْتُ
مَعَكُمْ» وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ
أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا، وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا
مَنْ سَاقَ هَدْيًا، وَثَبَتَ عَلَى إِحْرَامِهِ لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ،
وَتَأَسَّفَ» ، وَلَا يَنْقُلُهُمْ إِلَّا إِلَى الْأَفْضَلِ، وَلَا
يَتَأَسَّفُ إِلَّا عَلَيْهِ لَا يُقَالُ: أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لَيْسَ
لِفَضْلِ التَّمَتُّعِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ جَوَازِ
الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ، ثُمَّ
لَوْ كَانَ لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ لِأَنَّهُمْ
سَوَاءٌ فِي الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ لَمْ يَتَأَسَّفْ
لِاعْتِقَادِهِ جَوَازَهَا فِيهَا، وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ سَوْقَ
الْهَدْيِ، وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ
اللَّهِ، وَلِإِتْيَانِهِ بِأَفْعَالِهِمَا كَامِلَةً عَلَى وَجْهِ
الْيُسْرِ، وَالسُّهُولَةِ مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ، وَهُوَ الدَّمُ قَالَ:
فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: إِذَا دَخَلَ بِعُمْرَةٍ يَكُونُ قَدْ جَمَعَ
اللَّهُ لَهُ عُمْرَةً وَحَجَّةً، وَمَا لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ دَمُ
نُسُكٍ لَمْ يَدْخُلْهُ كَالْهَدْيِ، وَالْأُضْحِيَةِ، وَلَا يَسْتَوِي
فِيهِ جَمِيعُ الْمَنَاسِكِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الصَّوْمِ لَا يُخْرِجُهُ
عَنْ كَوْنِهِ نُسُكًا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ، وَالْقُرَبُ يَدْخُلُهَا
الْإِبْدَالُ كَالْقِرَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ،
وَهُوَ الرَّفَهُ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ (فَإِنْ أَعْرَضَ) بِأَنَّ
النُّسُكَ الَّذِي لَا دَمَ فِيهِ أَفْضَلُ كَإِفْرَادٍ لَا دَمَ فِيهِ
(رُدَّ) تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ عِنْدَكَ، وَإِنَّمَا
كَانَ إِفْرَادٌ لَا دَمَ فِيهِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ فِيهِ دَمُ
جَنَابَةٍ، وَإِفْرَادٌ فِيهِ دَمُ تَطَوُّعٍ أَفْضَلُ.
(ثُمَّ الْإِفْرَادُ) لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَجَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَصْحَابَهُ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ» ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ
الْحَجَّ» . وَقَالَ عُمَرُ،
(3/111)
وَعَنْهُ: إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ
فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ.
وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعُثْمَانُ، وَجَابِرٌ: هُوَ أَفْضَلُ الْأَنْسَاكِ لِمَا ذَكَرْنَا،
وَلِإِتْيَانِهِ بِالْحَجِّ تَامًّا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى خَبَرٍ
فَكَانَ أَوْلَى، وَشَرْطُ أَفْضَلِيَّتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ
يَعْتَمِرَ تِلْكَ السَّنَةَ، فَلَوْ أَخَّرَهَا عَنْ سَنَتِهِ
فَالتَّمَتُّعُ، وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهُ لِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِ
الْعُمْرَةَ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ.
وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْخَبَرِ أَنَّهُ أَفْرَدَ عَمَلَ الْحَجِّ
عَنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِيمَا بَعْدُ مَعَ أَنَّ
أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ جَابِرٍ ذَكَرَ أَصْحَابُهُ فَقَطْ.
وَأَجَابَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي
أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلَ
مَكَّةَ فَسَخَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَتَأَسَّفَ عَلَى التَّمَتُّعِ
لِأَجْلِ سَوْقِ الْهَدْيِ فَكَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى.
(وَعَنْهُ: إِن ساق الْهَدْيَ فَالْقِرَانَ أَفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعَ)
لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى
يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا
لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ،
وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَارَعَةً إِلَى فِعْلِ الْعِبَادَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ
نُسُكٍ، وَهُوَ الدَّمُ فَكَانَ أَوْلَى.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ يُلَقِّنُ قَارِنًا
تَلْبِيَتَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ يُلَبِّي بِهِمَا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ
سَمِعَهُ فِي وَقْتَيْنِ، أَوْ وَقْتٍ وَاحِدٍ لَمَّا أَدْخَلَ الْحَجَّ
عَلَى الْعُمْرَةِ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَيْ: فَعَلَ الْحَجَّ
بَعْدَهَا، وَيُسَمَّى قِرَانًا لُغَةً.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ بِهِ
وَصِحَّتِهَا وَصَرَاحَتِهَا مَعَ أَنَّهُ قَوْلُهُ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ
عَلَى فِعْلِهِ لِاحْتِمَالِ اخْتِصَاصِهِ بِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا،
فَرَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَتَّعَ فِي حَجَّة الوداع بالعمرة إِلَى الْحَجِّ،
وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ» .
(3/112)
أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهَا
ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا فِي
عَامِهِ وَالْإِفْرَادُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ، وَأَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَا،
وَقَالَ: سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ
قَارِنًا، وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو الصَّحَابَةِ،
وَهُوَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
[صِفَةُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ]
(وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ) كَذَا أَطْلَقَهُ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَأَحْرَمَ
آخَرُونَ مِنَ الْمِيقَاتِ أَيْ: مِيقَاتِ بَلَدِهِ (مِنْ أَشْهُرِ
الْحَجِّ) ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَهُ فِي الشَّهْرِ
الَّذِي يُهِلُّ بِهَا فِيهِ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ
جَابِرٍ، لَا الشَّهْرِ الَّذِي يَحِلُّ مِنْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ
لَمْ يُحْرِمْ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ
النُّسُكَيْنِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا كَالْمُفْرِدِ،
(وَيَفْرُغَ مِنْهَا) قَالَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَمَعْنَاهُ:
يَتَحَلَّلُ مِنْهَا قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "؛ لِأَنَّهُ لَوْ
أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ لَكَانَ
قَارِنًا، وَاجْتِمَاعُ النُّسُكَيْنِ مُمْتَنِعٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ
يَذْكُرِ الْفَرَاغَ مِنْهَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْمُغْنِي "
وَذَكَرَ أَنَّ صِفَتَهَا: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لِقَوْلِهِ {فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ: فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ تَوَصُّلًا بِهَا إِلَى الْحَجِّ فَعَلَى قَوْلِهِ هُنَا
الْمُرَادُ بِهِ التَّمَتُّعُ الْمُوجِبُ لِلدَّمِ، وَمِنْ هُنَا قُلْنَا
إِنَّ تَمَتُّعَ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَحِيحٌ عَلَى
الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى لَا مُتْعَةَ لَهُمْ، وَحكي
رِوَايَةً، وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمُ مُتْعَةٍ؛ لِأَنَّ
الْمُتْعَةَ لَهُ لَا عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ
هَذَا مِنَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجِبُ
عَلَيْهِمْ فَلَا مُتْعَةَ عَلَيْهِمْ أَيِ: الْحَثُّ كَافِيهِمْ.
(ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا)
نَقَلَهُ حَرْبٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ
قَالَ: إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ فَهُوَ
مُتَمَتِّعٌ، وَإِنْ خَرَجَ وَرَجَعَ،
(3/113)
أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُنْفَرِدًا،
وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ يُحْرِمَ
بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ (فِي عَامِهِ)
اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة: 196]
فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ
أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ
عَامِهِ، لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، فَلَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا
إِذَا لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الْأَوْلَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ لها غير ذَلِكَ، وَشَرَطَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنْ
يَنْوِيَ الْمُتَمَتِّعُ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَثْنَائِهَا؛
لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَافْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ
كَالصَّلَاةِ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ
التَّمَتُّعَ هُوَ الرَّفَهُ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ
بِدُونِهَا.
(وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا) ثُمَّ يَعْتَمِرُ
ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ.
قَالَ جَمَاعَةٌ: يُحْرِمُ بِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِهَا
مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ زَادَ بَعْضُهُمْ وَعَنْهُ: بَلْ مِنَ الْمِيقَاتِ،
وَفِي " الْمُحَرَّرِ " أَنْ لَا يَأْتِيَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
بِغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَجْوَدُ وَفِيهِ نَظَرٌ،
(وَالْقران أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - قَالَ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْمِيقَاتِ (أَوْ يُحْرِمَ
بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ) مِنْ مَكَّةَ أَوْ
قُرْبِهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ لِمَا «رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: أَهْلَلْنَا
بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلْنَا عَلَيْهَا الْحَجَّ» ، وَفِي "
الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا صَنَعَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الصَّحِيحِ
أَنَّهُ أَمَرَ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ شَرَعَ
فِي طَوَافِهَا فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ، لَمْ يَصِحَّ الْإِدْخَالُ، كَمَا
لَوْ سَعَى إِلَّا لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَيَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا
بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ إِدْخَالِهِ
الْإِحْرَامَ بِهِ فِي أَشْهُرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، لَمْ
يَصِحَّ إِحْرَامُهُ بِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ، وَلَمْ
يَسْتَفِدْ بِهِ فَائِدَةً بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَعَلَى هَذَا لَا
يَصِيرُ قَارِنًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْإِحْرَامِ
الثَّانِي شَيْءٌ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ عَمَلَ الْقَارِنِ
كَالْمُفْرِدِ فِي الْإِجْزَاءِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَيسقط تَرْتِيبُ
الْعُمْرَةِ وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ كَمَا يَتَأَخَّرُ
الْحَلَّاقُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ لَا
يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ. «وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَكَعُمْرَةِ
الْمُتَمَتِّعِ،
(3/114)
عَلَيْهَا الْحَجَّ. وَإِنْ أَحْرَمَ
بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَصِحَّ إِحْرَامُهُ
بِهَا.
وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمُ نُسُكٍ إِذَا لَمْ
يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَنْهُ: عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ، وَسَعْيَانِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ،
وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، مَعَ أَنَّهُ لَا
يَرَى إِدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ. فَعَلَيْهَا يُقَدِّمُ
الْقَارِنُ فِعْلَ الْعُمْرَةِ عَلَى فِعْلِ الْحَجِّ، كَالْمُتَمَتِّعِ
إِذَا ساق هَديا، فَلَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِهِ، وَسَعْيِهِ
لَهَا فَقِيلَ: تُنْقَضُ عُمْرَتُهُ وَيَصِيرُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ
يُتِمُّهُ، ثُمَّ يَعْتَمِرُ، وَقِيلَ: لَا يَنْتَقِضُ فَإِذَا رَمَى
الْجَمْرَةَ طَافَ لَهَا، ثُمَّ سَعَى، ثُمَّ طَافَ ثُمَّ سَعَى. وَعَنْهُ:
عَلَى الْقَارِنِ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو
حَفْصٍ؛ لِعَدَمِ طَوَافِهَا، وَلِاعْتِمَارِ عَائِشَةَ.
[وُجُوبُ دَمِ نُسُكٍ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ]
(وَيَجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمُ نُسُكٍ) أَمَّا دَمُ
التَّمَتُّعِ فَلَازِمُهُ إِجْمَاعًا، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ،
وَأَمَّا دَمُ الْقِرَانِ، فَلَازِمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ لَهُ
جَمَاعَةٌ بِالْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ
السَّفَرَيْنِ كَالْمُتَمَتِّعِ، وَنَقَلَ بَكْرٌ: عَلَيْهِ هَدْيٌ،
وَلَيْسَ كَالْمُتَمَتِّعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ
هَدْيًا فِي كِتَابِهِ، وَالْقَارِنِ إِنَّمَا يُرْوَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ
أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ،
وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ لِقَوْلِ دَاوُدَ، وَتَبِعَ الْمُؤَلِّفُ
أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ فِي كَوْنِهِ دَمَ نُسُكٍ، وَفِي " الْمُبْهِجِ " وَ
" عُيُونِ الْمَسَائِلِ " أَنَّهُ دَمُ جُبْرَانٍ. وَظَاهِرُهُ وُجُوبُهُ:
وَلَوْ أَفْسَدَ النُّسُكَ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ
الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ كَالطَّوَافِ،
وَعَنْهُ: يَسْقُطُ لِعَدَمِ تَرَفُّهِهِ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ،
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا بِفَوَاتِهِ، فَلَوْ قَضَى
الْقَارِنُ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمَانِ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ،
وَالثَّانِي، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: دَمٌ لِقِرَانِهِ وَدَمٌ لِفَوَاتِهِ،
وَلَوْ قَصَرَ مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ،
وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ؛
لِأَنَّ الْقَضَاءَ كَالْأَدَاءِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ
لِوَقْتِ لُزُومِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِطُلُوعِ فَجْرِ
يَوْمِ النَّحْرِ، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196] الْآيَةَ، وَعَنْهُ: بِإِحْرَامِ الْحَجِّ؛
لِأَنَّهُ غَايَةٌ فَكَفَى أَوَّلُهُ كَأَمْرِهِ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ
إِلَى اللَّيْلِ، وَعَنْهُ: بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي،
وَعَنْهُ: بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ لِنِيَّتِهِ التَّمَتُّعَ إِذَنْ.
وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ إِذَا مَاتَ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ،
يُخْرَجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا:
فَائِدَتُهُ، إِذَا تَعَذَّرَ الدَّمُ، وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى
الصَّوْمِ، فَمَتَى ثَبَتَ الْمُتَعَذِّرُ فِيهِ الرِّوَايَاتُ، وَلَا
يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ، جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ،
فَدَلَّ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا وَجَبَ،
(3/115)
وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ
مِنْهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا
أَحْبَبْنَا لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَإِنَّمَا يَجِبُ بِشُرُوطٍ نَبَّهَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى بَعْضِهَا
فَقَالَ: إِذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،
وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ
أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ثَبَتَ ذَلِكَ
فِي التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانُ مِثْلُهُ لِتَرَفُّهِهِ بِأَحَدِ
السَّفَرَيْنِ.
(وَمَنْ كَانَ مِنْهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ
حَاضِرَ الشَّيْءِ مَنْ حَلَّ فِيهِ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ، وَجَاوَرَهُ
بِدَلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ، وَمَنْ
كَانَ مِنْهُ دون مسافة قَصْر، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "
وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهَذَا الشَّرْطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ
عَلَيْهِ، لَيْسَ لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ مُتْعَةَ الْمَكِّيِّ
صَحِيحَةٌ، وَالْخِلَافُ فِيهِ سَبَقَ.
، فَلَوْ دَخَلَ الْآفَاقِيُّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا لِلْإِقَامَةِ
بَعْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِنْ
اسْتَوْطَنَ أُفُقِيٌّ مَكَّةَ فَحَاضِرٌ، وَإِنِ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ
الشَّامَ، ثُمَّ عَادَ مُقِيمًا مُتَمَتِّعًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَفِي "
الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُصُولِ " خِلَافُهُ.
فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ قَرِيبٌ، وَبِعِيدٌ فَلَا دَمَ
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِهِ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَلَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ، وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْقَرِيبِ،
وَاعْتَبَرَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُصُولِ " إِقَامَتَهُ أَكْثَرَ
بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِمَالِهِ، ثُمَّ بِنِيَّتِهِ، ثُمَّ بِالَّذِي أَحْرَمَ
مِنْهُ.
(الثَّانِي) : أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ،
وَسَبَقَ كَلَامُ أَحْمَدَ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ مُعْتَبَرٌ
لِلْعُمْرَةِ، أَوْ فِي أَعْمَالِهَا، فَاعْتُبِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
كَالطَّوَافِ.
(الثَّالِثُ) : أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لِمَا سَبَقَ.
(الرَّابِعُ) : أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنْ
سَافَرَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ فَعَلَ فَأَحْرَمَ فَلَا دَمَ
عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ
مُسَافِرٌ لَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ لِمَحَلِّ
الْوَفَاةِ.
(الْخَامِسُ) : أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ
إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ تَحَلَّلَ أَوْ لَا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ
حِلِّهِ، صَارَ قَارِنًا.
(3/116)
أَنْ يَفْسَخَ إِذَا طَافَ وَسَعَى،
وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
(السَّادِسُ) : أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ ذَكَرَهُ
جَمَاعَةٌ، وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي "
الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ ": إِنْ بَقِيَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ
مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛
لِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بَلْ دَمُ
الْمُجَاوَزَةِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ إِذَا أَحْرَمَ
مِنْهُ، لَزِمَهُ الدَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِمْ، وَلَمْ يَنْوِهَا
بِهِ، وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ.
(السَّابِعُ) : نِيَّةُ التَّمَتُّعِ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ، أَوْ
أَثْنَائِهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ الْمُؤَلِّفُ
بِخِلَافِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ، وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ،
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تعتبر لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي "
الرِّعَايَةِ " إِلَّا الشَّرْطَ السَّادِسَ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ
لِلْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَقَدَّمَ فِي "
الْفُرُوعِ ": أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُفْرِدَ لَا
دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَذَكَرَ
جَمَاعَةٌ إِنْ أَحْرَمَ بِهِ مِنَ الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، نَصَّ
عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ
مَسَافَةَ قَصْرٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنْ سَافَرَ إِلَيْهِ
فَأَحْرَمَ مِنْهُ فَوَجْهَانِ.
1 -
(وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَحْبَبْنَا لَهُ) وَكَذَا جَزَمَ
فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ " بِالِاسْتِحْبَابِ، وَعَبَّرَ
الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَالْمَجْدُ بِالْجَوَازِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ:
لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ
فَسْخُهُ كَالْعُمْرَةِ (أَنْ يُفْسَخَ إِذَا طَافَ وَسَعَى، وَيَجْعَلَهَا
عُمْرَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَفْرَدُوا
الْحَجَّ وَقَرَنُوا أَنْ يُحِلُّوا كُلُّهُمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً،
إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَلَمَةُ
بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ إِلَّا
خَلَّةً وَاحِدَةً فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقُولُ يُفْسَخُ الْحَجُّ
قَالَ: كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ عَقْلًا! عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
حَدِيثًا صِحَاحًا جِيَادًا كُلُّهَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ أَتْرُكُهَا
لِقَوْلِكَ؛! ، وَلِأَنَّهُ قَلْبٌ لِلْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ
فَاسْتُحِبَّ لِمَنْ لَحِقَهُ الْفَوَاتُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَ "
عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ وُجُوبَ الْفَسْخِ لَمْ
يَبْعُدْ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ حَزْمٍ.
وَجَوَابُهُ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَدِمَ لِأَرْبَعٍ
مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَصَلَّى الصُّبْحَ
(3/117)
قَدْ سَاقَ مَعَهُ هَدْيًا، فَيَكُونَ
عَلَى إِحْرَامِهِ. وَلَوْ سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ
أَنْ يَحِلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِالْبَطْحَاءِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَجْعَلَهَا
عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا» ، وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِقَوْلِهِ -
تَعَالَى - {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَرَدَّ بِأَنَّ
الْفَسْخَ: نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ لَا إِبْطَالُهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَوْ
سُلِّمَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَسْأَلَتِنَا، قَالَهُ الْقَاضِي،
وَمَحِلُّهُ إِذَا اعْتَقَدَ فِعْلَ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ نَقَلَ ابْنُ
مَنْصُورٍ لَا بُدَّ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لِيَسْتَفِيدَ
فضيلة التَّمَتُّعَ، وَلِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُؤَخِّرُهُ لَوْ
لَمْ يُحْرِمْ فَكَيْفَ وَقَدْ أَحْرَمَ، وَشَرَطَهُ كَمَا ذَكَرَهُ
الْمُؤَلِّفُ، وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " إِذَا طَافَا وَسَعَيَا،
وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ: يَجْعَلُهَا عُمْرَةً إِذَا طَافَ وَسَعَى،
وَلَا يَجْعَلُهَا، وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ
«أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي مُوسَى: طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ» فَعَلَى هَذَا يَنْوِيَانِ بِإِحْرَامِهَا
ذَلِكَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، فَإِذَا فَرَغَا مِنْهَا، وَحَلَّا مِنْهَا
أَحْرَمَا بِالْحَجِّ لِيَصِيرَا مُتِمَّيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ
قَبْلَهُ، وَاسْتَأْنَفَ عُمْرَةً لَعَرِيَ الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ عَنْ
نُسُكٍ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَجُوزُ فَيَنْوِي
إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ عُمْرَةً، وَخَبَرُ أَبِي مُوسَى أَرَادَ أَنَّ
الْحِلَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَلْبِ
النِّيَّةِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْمَنْجَا يُوَافِقُهُ؛ لِأَنَّ " إِذا "
ظَرْفٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَحْبَبْنَا أَنْ يُفْسَخَ وَقْتَ طَوَافِهِ
أَيْ: وَقْتَ جَوَازِهِ، وَصَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ يُعَضِّدُهُ،
وَهَذَا مَا لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَتَى
بِمُعْظَمِ الْعِبَادَةِ، وَأَمِنَ فَوْتَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ،
وَتَرَكَهُ الْمُؤَلِّفُ وُضُوحه (إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَاقَ مَعَهُ
هَدْيًا فَيَكُونَ عَلَى إِحْرَامِهِ) لِلنَّصِّ وَلِلْأَخْبَارِ،
وَكَامْتِنَاعِهِ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، (وَلَوْ سَاقَ
الْمُتَمَتِّعُ هَدْيًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ) «لِقَوْلِ ابْنِ
عُمَرَ: تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - – بالعمرة إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ
حَجَّهُ» فَعَلَى هَذَا: يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِذَا طَافَ، وَسَعَى
لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ، فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ
النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، نَصَّ عَلَيْهِ، «وَلِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ فِي الْعَشْرِ، وَلَمْ يَحِلَّ» ، وَنَقَلَ
أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، وَمَعَهُ
هَدْيٌ لَهُ أَنْ يَقُصَّ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً «لِقَوْلِ
مُعَاوِيَةَ قَصَّرْتُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِقَصٍّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي
(3/118)
وَالْمَرْأَةُ إِذَا دَخَلَتْ
مُتَمَتِّعَةً، فَحَاضَتْ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ، أَحْرَمَتْ
بِالْحَجِّ وَصَارَتْ قَارِنَةً. وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، صَحَّ وَلَهُ
صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ
فُلَانٌ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ بِمِثْلِهِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ
أَوْ عُمْرَتَيْنِ، انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
" الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " عَنْ مَالِكٍ: لَهُ التَّحَلُّلُ،
وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ
الْخِرَقِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَحَدُ نَوْعَيِ
الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ كَالْقِرَانِ.
فَائِدَةٌ: حَيْثُ صَحَّ الْفَسْخُ، لَزِمَهُ دَمٌ، نَصَّ عَلَيْهِ،
وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ عَنِ الْقَاضِي: لَا؛ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِي
ابْتِدَائِهَا أَوْ أَثْنَائِهَا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ
عَلَيْهَا.
1 -
(وَالْمَرْأَةُ إِذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ) قَبْلَ طَوَافِ
الْعُمْرَةِ (فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ) أَوْ خَافَهُ غَيْرُهَا
(أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَصَارَتْ قَارِنَةً) نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى
مُسْلِمٌ «أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ فَقَالَ لَهَا
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَهِلِّي بِالْحَجِّ» ،
وَلِأَنَّ إِدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ من غير خَشْيَة
الْفَوَاتِ، فَمَعَهَا أَوْلَى؛ لِكَوْنِهَا مَمْنُوعَةً مِنْ دُخُولِ
الْمَسْجِدِ.
فَعَلَى هَذَا لَا تَقْضِي طَوَافَ الْقُدُومِ، لَكِنْ رَوَى عُرْوَةُ
«عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، وَحَاضَتْ، فَقَالَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْقُضِي رَأْسَكِ،
وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ» .
وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَثْبَاتَ رَوَوْهُ عَنْهَا
بِغَيْرِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَفْضُ
نُسُكٍ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ، وَيَحْتَمِلُ: دَعِي الْعُمْرَةَ، وَأَهِلِّي
مَعَهَا بِالْحَجِّ، وَدَعِي أَفْعَالَهَا.
(وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا) بِأَنْ نَوَى نَفْسَ الْإِحْرَامِ، وَلَمْ
يُعَيِّنْ نُسُكًا (صَحَّ) نَصَّ عَلَيْهِ، كَإِحْرَامِهِ عِنْدَ إِحْرَامِ
فُلَانٍ، وَحَيْثُ صَحَّ مَعَ الْإِبْهَامِ صَحَّ مَعَ الْإِطْلَاقِ،
(وَلَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، بِالنِّيَّةِ لَا
بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ بِأَيِّهَا شَاءَ
فَكَانَ لَهُ صَرْفُ الْمُطْلَقِ إِلَى ذَلِكَ فَعَلَى عِلَّةِ تَعْيِينِهِ
قَبْلَ الطَّوَافِ، فَإِنْ طَافَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ، لِوُجُودِهِ
لَا فِي حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى
الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ في غير أَشْهُر الْحَجِّ فَهُوَ
مَكْرُوهٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَالْعُمْرَةُ أَوْلَى؛
لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَجْعَلُهَا عُمْرَةً
كَإِحْرَامِهِ بِمِثْلِ إِحْرَامِ فُلَانٍ، (وَإِنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا
أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ بِمِثْلِهِ)
(3/119)
وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَنَسِيَهُ،
جَعَلَهُ عُمْرَةً، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ
وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمَ أَهْلَلْتَ؛
قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، قَالَ: فَأَهْدِ، وَامْكُثْ حَرَامًا» . وَعَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوُهُ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ عَلِمَ انْعَقَدَ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ
جَعَلَ نَفْسَهُ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَحُكْمُهُ سَبَقَ.
وَظَاهِرُهُ: لَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا يصرف إِلَيْهِ، وَلَا
إِلَى مَا كَانَ صَرَفَهُ إِلَيْهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا
احْتِمَالَيْنِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ لَا بِمَا وَقَعَ
فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ جَهِلَهُ فَكَالْمَنْسِيِّ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ
أَحْرَمَ أَمْ لَا، وَالْأَشْهَرُ: كَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ فَيَكُونُ
إِحْرَامُهُ مُطْلَقًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ
إِحْرَامُهُ فَاسِدًا، فَيَتَوَجَّهُ لَنَا خِلَافٌ فِيمَا إِذَا نَذَرَ
عِبَادَةً فَاسِدَةً هَلْ يَنْعَقِدُ بِصَحِيحَةٍ؛.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: إِنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ، فَأَنَا مُحْرِمٌ قَالَ فِي "
الْفُرُوعِ ": فَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ أَحْرَمْتُ
يَوْمًا أَوْ بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا فَيَتَوَجَّهُ خِلَافٌ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ
بِإِحْدَاهُمَا) ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ يَصْلُحُ لِأَدَاءِ وَاحِدَةٍ،
فَيَصِحُّ بِهِ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَدَلَّ عَلَى خِلَافٍ هُنَا
كَأَصْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا،
وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ تَجِبُ إِحْدَاهُمَا: دُونَ الْأُخْرَى؛
لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا، وَكَنِيَّةِ صَوْمَيْنِ فِي
يَوْمٍ، وَلَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا
قَضَاؤُهَا، (وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ، وَنَسِيَهُ جَعَلَهُ عُمْرَةً)
نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، وَلَهُ صَرْفُ الْحَجِّ،
وَالْقِرَانِ إِلَيْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِمَنْعِ الْإِبْهَامِ أَوَّلًا،
وَالْمُرَادُ: أَنَّ لَهُ جَعْلَهُ عُمْرَةً، لَا أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ،
(وَقَالَ الْقَاضِي) وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ (لَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا
شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ إِنْ صَادَفَ مَا أَحْرَمَ بِهِ فَقَدْ أَصَابَ، وَإِنْ
صَرَفَهُ إِلَى عُمْرَةٍ، وَكَانَ إِحْرَامُهُ بِغَيْرِهَا جَازَ لِجَوَازِ
الْفَسْخِ إِلَيْهَا، وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ صَرَفَهُ
إِلَى قِرَانٍ، وَكَانَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً، فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ
عَلَى الْعُمْرَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا، فَقَدْ
أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، وَهُوَ لَغْوٌ لَا يَقْدَحُ فِي
صِحَّةِ حَجِّهِ، وَإِنْ صَرَفَهُ
(3/120)
أَحْرَمَ عَنِ اثْنَيْنِ وَقَعَ عَنْ
نَفْسِهِ، وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَقَعَ عَنْ
نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ صَرْفُهُ إِلَى أَيِّهِمَا
شَاءَ، وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ، لَبَّى تَلْبِيَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِلَى الْإِفْرَادِ، وَكَانَ مُتَمَتِّعًا، فَقَدْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى
الْعُمْرَةِ، وَصَارَ قَارِنًا، وَلَا تَبْطُلُ الْعُمْرَةُ بِتَرْكِ
نِيَّتِهَا إِذِ الشَّرْطُ وُجُودُهَا ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا، وَإِنْ
كَانَ قَارِنًا فَكَذَلِكَ هُنَا إِذَا كَانَ قَبْلَ الطَّوَافِ، فَإِنْ
كَانَ نُسُكُهُ بَعْدَهُ، تَعَيَّنَ جَعْلُهُ عُمْرَةً لِامْتِنَاعِ
إِدْخَالِ الْحَجِّ، إِذَنْ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، فَإِذَا سَعَى أَوْ
حَلَقَ، فَمَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ، يُحْرِمُ بِالْحَجِّ
وَيُتِمُّهُ وَيُجْزِئُهُ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْحَلْقِ فِي غَيْرِ
وَقْتِهِ، إِنْ كَانَ حَاجًّا، وَإِلَّا فَدَمُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ
جَعْلَهُ حَجًّا أَوْ قِرَانًا، تَحَلَّلَ بِفِعْلِ الْحَجِّ، وَلَمْ
يُجْزِئْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ
الْمَنْسِيَّ عُمْرَةٌ، فَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ
طَوَافِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَجٌّ، فَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُهَا
عَلَيْهِ وَلَا دَمٌ وَلَا قَضَاءٌ؛ لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِمَا.
(وَإِنْ أَحْرَمَ عَنِ اثْنَيْنِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا
يُمْكِنُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِئُ عَنِ
اثْنَيْنِ كَالصَّلَاةِ، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ، وَكَإِحْرَامِهِ عَنْ زَيْدٍ
وَنَفْسِهِ، وَسَبَقَ إِحْرَامُهُ بِحَجِّهِ عَنْ أَبَوَيْهِ، (وَإِنْ
أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ) لِمَا
تَقَدَّمَ، (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وَالْقَاضِي (لَهُ صَرْفُهُ إِلَى
أَيِّهِمَا شَاءَ) لِصِحَّتِهِ بِمَجْهُولٍ فَصَحَّ عَنْهُ، وَقَالَ
الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ، وَسِيلَةٌ
إِلَى مَقْصُودٍ، وَالْمُبْهَمُ يَصْلُحُ، وَسِيلَةً بِوَاسِطَةِ
التَّعْيِينِ، فَاكْتفي بِهِ شَرْطًا.
فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى طَافَ شَوْطًا أَوْ سَعَى أَوْ
وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ جَعْلِهِ تَعَيَّنَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ
يَلْحَقُهُ فَسْخٌ، وَلَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَعَنْهُ:
يَبْطُلُ إِحْرَامُهُ حَكَاهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَهُوَ غَرِيبٌ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ فِي نُسُكٍ فِي عَامٍ، فَأَحْرَمَ
عَنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ نَسِيَهُ وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ، فَإِنْ
فَرَّطَ أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا، وَإِنْ فَرَّطَ الْمُوصى إِلَيْهِ
بِذَلِكَ، غُرِّمَ، وَإِلَّا فَمِنْ تَرِكَةِ الْمُوصِيَيْنِ إِنْ كَانَ
النَّائِبُ غَيْرَ مُسْتَأْجَرٍ لِذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَاهُ، وَإِنْ لَمْ
يَنْسَهُ صَحَّ، فَلَوْ أَحْرَمَ لِلْآخَرِ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ، نَصَّ
عَلَيْهِ، قَالَ: وَيَضْمَنُ، وَيُؤَدَّبُ مَنْ أَخَذَ مِنَ اثْنَيْنِ
حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا.
1 -
(وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ لَبَّى) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ،
وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَلَفْظُ
(3/121)
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ
لَكَ» .
وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ، وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا،
وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَأَنَسٍ أَهَلَّ أَيْ: رَفَعَ صَوْتَهُ
بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ قَوْلِهِمُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إِذَا صَاحَ،
وَقَدَّمَ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ
عَقِبَ إِحْرَامِهِ، وَنَقَلَ حَرْبٌ يُلَبِّي مَتَى شَاءَ سَاعَةَ
يُسَلِّمُ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ (تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ. مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ، وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ
لَكَ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ، وَالْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ إِذَا
لَزِمَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ، وَكَرَّرَهُ
لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ، وَلَمْ يُرِيدُوا
حَقِيقَةَ التَّلْبِيَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّكْبِيرُ كَحَنَانَيْكَ،
وَالْحَنَانُ: الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إِجَابَةُ دَعْوَةِ
إِبْرَاهِيمَ حِينَ نَادَى بِالْحَجِّ، وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ، وَالْأَشْهَرُ:
أَنَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَكَسْرُ هَمْزَةِ " إِنَّ " أَوْلَى عِنْدَ
الْجَمَاهِيرِ، وَحُكِيَ الْفَتْحُ عَنْ آخَرِينَ، قَالَ: ثَعْلَبٌ مَنْ
كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ يَعْنِي: حَمْدَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ
فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ أَيْ: لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ
لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، وَلَا تُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ،
لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي " الْإِفْصَاحِ " تُكْرَهُ
الزِّيَادَةُ، وَقِيلَ لَهُ: الزِّيَادَةُ بَعْدَهَا لَا فِيهَا فَإِنْ
كَانَ أَخْرَسَ أَوْ مَرِيضًا اسْتُحِبَّ أَنْ يُلَبَّى عَنْهُمَا نَقَلَهُ
ابْنُ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَيُلَبَّى عَنْ مَجْنُونٍ،
وَمُغْمًى عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ، وَنَائِمٍ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ.
[حُكْمُ التَّلْبِيَةِ]
(وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،
وَلِأَنَّهَا ذِكْرٌ فِيهِ فَلَمْ تَجِبْ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ.
(وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا) لِخَبَرِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ
مَرْفُوعًا: «أَتَانِي جِبْرِيلُ
(3/122)
وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا، وَيُلَبِّي إِذَا
عَلَا نَشَزًا، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ
الْمَكْتُوبَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ
بِالْإِهْلَالِ، وَالتَّلْبِيَةِ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ
التِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ قَالَ: الْعَجُّ
وَالثَّجُّ» وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ
فِيهِ فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ إِسَالَةُ
الدِّمَاءِ بِالنَّحْرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَاجِدُ الْحِلِّ
وَأَمْصَارُهُ، وَطَوَافُ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ، فَلَا
يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا أَحْرَمَ
فِي مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ لِقَوْلِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ أَنَّ إِخْفَاءَ
التَّطَوُّعِ أَوْلَى خَوْفَ الرِّيَاءِ عَلَى مَنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي
تِلْكَ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الْبَرَارِيِّ وَعَرَفَاتٍ، وَمَكَّةَ،
وَالْحَرَمِ، (وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا) لِخَبَرِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «مَا
مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ
شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ
الْأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا، وَهَاهُنَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْمَدَنِيِّينَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ
عِنْدَهُمْ، وَهُوَ لِلتِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَيُسَنُّ ذِكْرُ
نُسُكِهِ فِيهَا، وَذِكْرُ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ لِلْقَارِنِ، نَصَّ
عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُسَنُّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُسَنُّ
تَكْرَارُهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ أَحْمَدُ، وَاسْتَحَبَّهُ فِي
" الْخِلَافِ " لِتَلَبُّسِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ:
حَسَنٌ فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، (وَالدُّعَاءُ
بَعْدَهَا) لِمَا رَوَى خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ
كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ، وَيَسْتَعِيذُ
بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ،
وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ إِجَابَة الدعاء، ويصلي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهَا لِقَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ: كَانَ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ " فِيهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
زَائِدَةَ قَوَّاهُ أَحْمَدُ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ يُشْرَعُ
فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ كَصَلَاةٍ، وَأَذَانٍ (وَيُلَبِّي) أَيْ: يَتَأَكَّدُ
فِي مَوَاضِعَ (إِذَا عَلَا نَشَزًا) وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ
بِفَتْحِ الشِّينِ، وَسُكُونِهَا (أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي دُبُرِ
الصَّلَوَاتِ
(3/123)
وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَإِذَا الْتَقَتِ الرِّفَاقُ، وَلَا
تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا إِلَّا بِقَدْرِ مَا تَسْمَعُ
رَفِيقَتُهَا.
بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ تِسْعَةٌ: حَلْقُ الشَّعْرِ
وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، فَمَنْ حَلَقَ أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةً،
فَعَلَيْهِ دَمٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَكْتُوبَاتِ) أَيْ عند الفراغ مِنْهَا، (وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ،
وَالنَّهَارِ) أَيْ: بِأَوَّلِهِمَا، (وَإِذَا الْتَقَتِ الرِّفَاقُ)
لِقَوْلِ جَابِرٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُلَبِّي كَذَلِكَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ
التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِذَا هَبَطَ
وَادِيًا، أَوْ عَلَا نَشَزًا، أَوْ لَقِيَ رَاكِبًا، أَوِ اسْتَوَتْ بِهِ
رَاحِلَتُهُ.
وَتُسْتَحَبُّ إِذَا أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا أَوْ رَكِبَ زَادَ فِي "
الرِّعَايَةِ ": أَوْ نَزَلَ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُسْتَحَبُّ
عِنْدَ تَنَقُّلِ الْأَحْوَالِ بِهِ، وَزَادَ: وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ.
(وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِهَا إِلَّا بِقَدْرِ مَا تَسْمَعُ
رَفِيقَتُهَا) وَقَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ "
وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، فَلَمْ يُشْرَعْ لَهَا
الرَّفْعُ إِلَّا بِمَا ذُكِرَ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمُزَامَلَةُ لَهَا،
لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنَّهَا لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِهَا، وَحَكَاهُ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا، وَيُكْرَهُ جَهْرُهَا أَكْثَرَ مِنْ
قَدْرِ سَمَاعِ رَفِيقَتِهَا خَوْفَ الْفِتْنَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ
أَصْحَابِنَا تَقْتَصِرُ عَلَى إِسْمَاعِ نَفْسِهَا قَالَ فِي " الْفُرُوعِ
": وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
فَائِدَةٌ: لَا تُشْرَعُ التَّلْبِيَةُ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ إِنْ
قَدَرَ كَأَذَانٍ، وَلَمْ يُجَوِّزْ أَبُو الْمَعَالِي الْأَذَانَ بِغَيْرِ
الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا لِنَفْسِهِ مَعَ الْعَجْزِ |