المبدع شرح المقنع ط العلمية

كِتَابُ الرَّجْعَةِ إِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ امْرَأَتَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَالْعَبْدُ وَاحِدَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
[كِتَابُ الرَّجْعَةِ] [تَعْرِيفُ الرجعة وَحُكْمُهَا]
ِ الرَّجْعَةُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْكَسْرُ أَكْثَرُ، وَهِيَ لُغَةٌ: الْمَرَّةُ مِنَ الرُّجُوعِ، وَشَرْعًا: عِبَارَةٌ عَنْ إِعَادَةِ مُطَلَّقَةٍ غَيْرِ بَائِنٍ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228] أَيْ: رَجْعَةً، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْعُلَمَاءُ، وقَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] فَخَاطَبَ الْأَزْوَاجَ بِالْأَمْرِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُنَّ اخْتِيَارًا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، «وَطَلَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(إِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ امْرَأَتَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَالْعَبْدُ وَاحِدَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ - فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَإِذَا فُقِدَ

(6/414)


فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ.

وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ: رَاجَعْتُ امْرَأَتِي، أَوْ رَجَّعْتُهَا، أَوِ ارْتَجَعْتُهَا، أَوْ رَدَدْتُهَا، أَوْ أَمْسَكْتُهَا، فَإِنْ قَالَ: نَكَحْتُهَا، أَوْ تَزَوَّجْتُهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.

وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَيْدٌ مِنْهَا لَمْ يَمْلِكِ الرَّجْعَةَ، فَالْأَوَّلُ يَحْتَرِزُ عَنْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا رَجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَلَا تَرَبُّصَ فِي حَقِّهَا بِرَجْعَتِهَا فِيهِ، وَبِالثَّانِي عَنِ الْمُطَلَّقَةِ تَمَامَ الْعَدَدِ، وَبِالثَّالِثِ عَنِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ، وَبِالرَّابِعِ عَنِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْخُلْوَةَ هُنَا كَالدُّخُولِ، وَقِيلَ: لَا رَجْعَةَ لِمَنْ خَلَا بِهَا وَلَمْ يَطَأْ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ (رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ) لِعُمُومِ الْمَنْصُوصِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ إِمْسَاكٌ لِلْمَرْأَةِ بِحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا فِي ذَلِكَ، كَالَّذِي فِي صُلْبِ نِكَاحِهِ، وَلَوْ بِلَا إِذَنِ سَيِّدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا مُسَافِرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُمَكَّنُ مِنَ الرَّجْعَةِ إِلَّا مَنْ أَرَادَ إِصْلَاحًا، وَأَمْسَكَ بِمَعْرُوفِ، وَظَاهِرُهُ: لِلْحُرِّ رَجْعَةُ أَمَةٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَشَرْطُ الْمُرْتَجِعِ: أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِالْأَهْلِيَّةِ الْمُرْتَدُّ، وَبِنَفْسِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ، فَلِوَلِيِّهِ الرَّجْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ، فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْضَ الْوَلَدِ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَ حَمْلِهَا، فَإِذَا كَانَتْ حَامِلًا بِاثْنَيْنِ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ وَضْعِ الثَّانِي فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْأَوَّلِ.

[أَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ]
(وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ: رَاجَعْتُ امْرَأَتِي، أَوْ رَجَّعْتُهَا، أَوِ ارْتَجَعْتُهَا، أَوْ رَدَدْتُهَا، أَوْ أَمْسَكْتُهَا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَالرَّجْعَةُ وَرَدَ بِهَا السُّنَّةُ، وَاشْتَهَرَتْ فِي الْعُرْفِ كَاشْتِهَارِ اسْمِ الطَّلَاقِ فِيهِ، وَقِيلَ: الصَّرِيحُ لَفْظُهَا؛ لِاشْتِهَارِهِ دُونَ غَيْرِهِ، كَقَوْلِنَا فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " تَخْرِيجًا، وَذَكَرَ الْحُلْوَانِيُّ أَلْفَاظَهَا الصَّرِيحَةَ ثَلَاثَةً: أَمْسَكْتُكِ، وَرَاجَعْتُكِ، وَارْتَجَعْتُكِ (فَإِنْ قَالَ: نَكَحْتُهَا، أَوْ تَزَوَّجْتُهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) وَفِي " الْإِيضَاحِ " رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ، قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ، وَالرَّجْعَةُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ، فَلَا تَحْصُلُ بِالْكِنَايَةِ كَالنِّكَاحِ.
وَالثَّانِي: بَلَى، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ تُبَاحُ بِهِ،

(6/415)


وَالرَّجْعِيَّةُ: زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَالظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ، وَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَالرَّجْعِيَّةُ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الرَّجْعَةَ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَجِيزِ "، و" التَّبْصِرَةِ "، و" الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ مَا كَانَ كِنَايَةً تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " هَلْ يَحْصُلُ بِكِنَايَةِ: أَعَدْتُكِ، أَوِ اسْتَدَمْتُكِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَحْصُلُ بِكِنَايَةِ رَجْعَةٍ.

[الْإِشْهَادُ فِيهَا]
(وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ، قَدَّمَهُ الْخِرَقِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ بِضْعٍ مَقْصُودٍ، فَوَجَبَتِ الشَّهَادَةُ فِيهِ كَالنِّكَاحِ، فَلَوِ ارْتَجَعَ بِغَيْرِ إِشْهَادٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَشْهَدَ، وَأَوْصَى الشُّهُودَ بِكِتْمَانِهَا، فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي التَّوَاصِي بِكِتْمَانِ النِّكَاحِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، وَرَجَّحَهَا فِي " الْمُغْنِي "، و" الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولٍ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى شَهَادَةٍ كَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ؛ وَلِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَلِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ كَالْبَيْعِ، وَإِذا يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِشْهَادَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا عِنْدَهَا حِذَارًا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَمَا قِيلَ: إِنَّهَا اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ، فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، إِذِ الرَّجْعَةُ مُبَاحَةٌ، وَجَعَلَ الْمَجْدُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ " يُطْلِقُونَ الْخِلَافَ، وَأَلْزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِإِعْلَانِ الرَّجْعَةِ وَالتَّسْرِيحِ، أَوِ الْإِشْهَادِ، كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ عِنْدَهُ، لَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْفِرْقَةِ، وَلِئَلَّا يُكْتَمَ طَلَاقُهَا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقُولَ: اشْهَدَا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ رَاجَعْتُ زَوْجَتِي إِلَى نِكَاحِي، أَوْ رَاجَعْتُهَا لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقِي.

[بِمَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ]
(وَالرَّجْعِيَّةُ: زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَالظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ) وَيَرِثُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إِنْ

(6/416)


وَالْخُلْوَةُ بِهَا، وَالسَّفَرُ بِهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَتَشَرَّفَ لَهُ، وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا - نَوَى الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَلَا تَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهَا، وَالنَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا، وَالْخُلْوَةِ بِهَا لِشَهْوَةٍ - نَصَّ عَلَيْهِ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَعَنْهُ: لَيْسَتْ مُبَاحَةً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا، فَإِنْ خَالَعَهَا صَحَّ خُلْعُهُ، وَفِيهِ رِوَايَةٌ حَكَاهَا فِي " التَّرْغِيبِ ": لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّحْرِيمِ وهي محرمة، وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا، فَصَحَّ خُلْعُهَا كَمَا قُبِلَ الطَّلَاقُ، وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْخُلْعِ التَّحْرِيمُ، بَلِ الْخَلَاصُ مِنْ ضَرَرِ الزَّوْجِ، عَلَى أَنَّنَا نَمْنَعُ كَوْنَهُ مَحْرَمَةً، وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَالزَّوْجَةِ.
(وَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَالْخُلْوَةُ، وَالسَّفَرُ بِهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَتَشَرَّفَ لَهُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَحْتَجِبْ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: تَتَشَرَّفُ لَهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقُ (وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا - نَوَى الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ) عَلَى الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ زَوَالِ الْمِلْكِ، انْعَقَدَ مَعَ الْخِيَارِ، وَالْوَطْءُ مِنَ الْمَالِكِ يُمْنَعُ زَوَالُهُ كَوَطْءِ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَكَمَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّوْكِيلُ فِي طَلَاقِهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَكُونُ رَجْعَةٌ إِذَا أَرَادَ بِهِ الرَّجْعَةَ، وَقَالَهُ إِسْحَاقُ (وَلَا تَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهَا، وَالنَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا، وَالْخُلْوَةِ بِهَا لِشَهْوَةٍ - نَصَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْوَطْءِ، إِذِ الْوَطْءُ يَدُلُّ عَلَى ارْتِجَاعِهَا دَلَالَةً ظَاهِرَةً بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَحْرُمُ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْحِلُّ مِنَ الزَّوْجَةِ، فَحَصَلَتْ بِهِ الرَّجْعَةُ كَالِاسْتِمْتَاعِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لِلْأَمَةِ، وَكَاللَّمْسِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ (وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ) مَبْنِيَّيْنِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِهِ، أَحَدُهُمَا: هُوَ رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يُبَاحُ بِالزَّوْجَةِ، فَحَصَلَتِ الرَّجْعَةُ بِهِ كَالْوَطْءِ، وَالثَّانِي: لَيْسَ بِرَجْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إِيجَابُ عِدَّةٍ

(6/417)


وَلَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا، وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا الْمَهْرُ إِنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا بَعْدَهُ.

وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ، وَلَا الِارْتِجَاعُ فِي الرِّدَّةِ،

وَإِنْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْأَمَةُ مِنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَلَمَّا تَغْتَسِلْ - فَهَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَلَا مَهْرٍ، فَلَا تَحْصُلُ بِهِ كَالْوَطْءِ (وَعَنْهُ: لَيْسَتْ مُبَاحَةً) ؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ، فَوَجَبَ عَدَمُ إِبَاحَتِهَا كَالْمُطَلَّقَةِ بِعِوَضٍ (وَلَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا) بَلْ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ أُمِرَ بِالْإِشْهَادِ فِيهِ، فَلَمْ يَحْصُلْ مِنَ الْقَادِرِ بِغَيْرِ قَوْلٍ كَالنِّكَاحِ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْقَوْلِ فِعْلٌ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الْقَوْلِ، فَلَمْ تَحْصُلِ الرَّجْعَةُ بِهِ، كَالْإِشَارَةِ مِنَ النَّاطِقِ، فَعَلَيْهَا لَا مَهْرَ لَهَا (وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ فَلَهَا الْمَهْرُ) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَّمَهُ الطَّلَاقُ، فَأَوْجَبَ الْمَهْرُ كَوَطْءِ الْبَائِنِ (إِنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا بَعْدَهُ) وَقَالَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا بَعْدَهُ تَبَيَّنَّا أَنَّ الطَّلَاقَ السَّابِقَ لَمْ يَكُنْ مُفْضِيًا إِلَى الْبَيْنُونَةِ، فَوَجَبَ أَلَّا يَكُونَ مُحَرَّمًا، فَلَا يَكُونُ مُوجَبًا، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا مُهْرَ بِوَطْئِهَا، فَلَزِمَهُ، سَوَاءٌ رَجَعَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَتَهُ الَّتِي يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرُهَا كَالزَّوْجَاتِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِظُهُورِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْبَائِنَ لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ، وَهَذِهِ زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ.
فَرْعٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَطْءِ، وَهَلْ يُعَزَّرُ؛ فِيهِ خِلَافٌ.

[تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ]
(وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ مَقْصُودٍ، أَشْبَهَ النِّكَاحَ، فَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَقَدْ رَاجَعْتُكِ، أَوْ رَاجَعْتُكِ إِنْ شِئْتُ، أَوْ إِنْ قَدِمَ أَبُوكِ - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ، لَكِنْ لَوْ قَالَ: كُلَّمَا رَاجَعْتُكِ فَقَدْ طَلَّقْتُكِ - صَحَّ وَطُلِّقَتْ (وَلَا الِارْتِجَاعُ فِي الرِّدَّةِ) أَيْ: إِذَا رَاجَعَ فِي الرِّدَّةِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ، كَالنِّكَاحِ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ قُلْنَا: تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ؛ فَالرَّجْعَةُ مَوْقُوفَةٌ إِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا - صَحَّتِ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا يَقِفُ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَكَذَا إِذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ إِسْلَامِ أَحَدِهِمَا.

[إِنْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمَّا تَغْتَسِلْ]
(وَإِنْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْأَمَةُ مِنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَلَمَّا تَغْتَسِلْ، فَهَلْ لَهُ

(6/418)


وَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا، بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَتَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ طَلَاقِهَا، سَوَاءً رجعت بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ، أَوْ قَبْلَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
رَجْعَتُهَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ، إِحْدَاهُمَا: لَا تَنْقَضِي حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَلِزَوْجِهَا رَجْعَتُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، قَدَّمَهَا السَّامِرِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ، وَهِيَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْحَابِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَقَالَهُ شَرِيكٌ، وَإِنْ فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَةً؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ - فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ الْحَيْضِ لَا تَزُولُ إِلَّا بِالْغَسْلِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا تَنْقَضِي بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ، اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحُلْوَانِيُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَهِيَ أَوْلَى، وَفِي " الْوَجِيزِ ": وَالصَّحِيحُ: مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَالْقُرْءُ: الْحَيْضُ، وَقَدْ زَالَتْ، فَيَزُولُ التَّرَبُّصُ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ: حَتَّى تَغْتَسِلَ أَيْ: يَلْزَمُهَا الْغَسْلُ؛ وَلِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَتَعَلَّقُ بِبَيْنُونَتِهَا مِنَ الزَّوْجِ، وَحَلِّهَا لِغَيْرِهِ، فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ تَعْلِيقِ الزَّوْجِ، كَالطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَتِ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا بَعْدَ وَضْعِهِ وَقَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ النِّفَاسِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ رَجْعَتُهَا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَالصَّحِيحُ لَا نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ طَهُرَتْ مِنَ النِّفَاسِ أَمْ لَا.

[إِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا]
(وَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا، بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) بِشُرُوطِهِ بِالْإِجْمَاعِ (وَتَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ طَلَاقِهَا، سَوَاءٌ رجعت بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ، أَوْ قَبْلَهُ) وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهَا إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ ثَانٍ فَإِنَّهَا تَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، وَإِنْ عَادَتْ إِلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، وَكَانَ الْأَوَّلَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - عَادَتْ إِلَيْهِ بِطَلَاقٍ ثَلَاثًا إِجْمَاعًا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ، فَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهَا تَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِمْرَانَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا فِي الْإِحْلَالِ لِلْأَوَّلِ، فَلَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الطَّلَاقِ كَوَطْءِ السَّيِّدِ، وَكَمَا لَوْ عَادَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ نِكَاحٍ

(6/419)


وَعَنْهُ: إِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ رَجَعَتْ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ،

وَإِنِ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ مَنْ أَصَابَهَا - رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَعَنْهُ: أَنَّهَا زَوْجَةُ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِرَجْعَتِهَا لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ لَكِنْ إِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي بَانَتْ مِنْهُ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
آخَرَ.
(وَعَنْهُ: إِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجٍ غَيْرِهِ رَجَعَتْ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ) وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي يَهْدِمُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، فَأَوْلَى أَنْ يَهْدِمَ مَا دُونَهَا؛ وَلِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي سَبَبٌ لِلْحِلِّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ؛ لِأَنَّهُ فِي الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ غَايَةٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا تَجَوُّزًا؛ وَلِأَنَّ الْحِلَّ إِنَّمَا يَثْبُتُ فِي مَحَلٍّ فِيهِ تَحْرِيمٌ، وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، وَهَاهُنَا هِيَ حَلَالٌ لَهُ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا حِلٌّ.

[إِنِ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ]
(وَإِنِ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ مَنْ أَصَابَهَا - رُدَّتْ إِلَيْهِ) وَحَاصِلُهُ: أَنَّ زَوْجَ الرَّجْعِيَّةِ إِذَا رَاجَعَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، صَحَّتِ الْمُرَاجَعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى رِضَاهَا، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى عِلْمِهَا كَطَلَاقِهَا، فَإِذَا رَاجَعَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ جَاءَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَأنَّ نِكَاحَ الثَّانِي فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ غَيْرِهِ، وَتُرَدُّ إِلَى الْأَوَّلِ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَتَزَوَّجَتْ وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا (وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) مِنَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وُطِئَتْ فِي أَصْلِ نِكَاحِهِ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا زَوْجَةُ الثَّانِي) إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَيَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ.
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَيْهَا، وَهِيَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا فِي الظَّاهِرِ، وَمَعَ الثَّانِي مِزْيَةٌ، وَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلِ الثَّانِي بِهَا فَلَا مَهْرَ، وَإِنْ دَخَلَ فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالرَّجْعَةِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَحُكْمُ الْعَالِمِ كَالزَّانِي فِي الْحَدِّ وَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِرَجْعَتِهَا لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمُ» الْخَبَرَ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا اعْتَرَفَا لَهُ بِهَا كَانَ كَإِقَامَةِ

(6/420)


الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ تَصْدِيقُهَا، وَمَتَى بَانَتْ مِنْهُ، عَادَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْبَيِّنَةِ بِهَا فِي أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَيْهِ (لَكِنْ إِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي بَانَتْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ، فَتَبِينُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، أَوْ نِصْفُهُ، وَلَا تُسَلَّمُ إِلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِي حَقِّهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَفِي الْيَمِينِ وَجْهَانِ، وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهَا لَا تُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ لَمْ يُقْبَلْ.
(وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ تَصْدِيقُهَا) عَلَى الزَّوْجِ إِذَا أَنْكَرَ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَلَى نَفْسِهَا فِي حَقِّهَا، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ الثَّانِي فِي وَجْهٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى فِي النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيُّ؛ لِلْعُمُومِ، وَعَلَى هَذَا يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ (وَمَتَى بَانَتْ مِنْهُ) بِمَوْتٍ، أَوْ طَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ (عَادَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ رَدِّهَا إِنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الثَّانِي، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْأَوَّلِ إِنْ صَدَّقَتْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": إِنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ، إِلَّا أَنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ عَلَيْهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَشْبَهَ شُهُودَ الطَّلَاقِ إِذَا رَجَعُوا، وَلَنَا أَنَّ مِلْكَهَا قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَى الْمَهْرِ، فَلَمْ يُرْجَعْ بِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَوِ ارْتَدَّتْ أَوْ أَسْلَمَتْ، وَيَلْزَمُهَا الثَّانِي مَهْرُهَا أَوْ نِصْفُهُ، وَهَلْ يُؤْمَرُ بِطَلَاقِهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَهِيَ فِي نِكَاحِ الثَّانِي - وَرِثَتْهُ؛ لِإِقْرَارِهِ بِزَوْجِيَّتِهَا وَتَصْدِيقِهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي إِبْطَالِ نِكَاحِهِ، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ صِحَّةَ نِكَاحِهِ، فَتُنْكِرُ مِيرَاثَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا؛ لِأَنَّهُ زَوْجُهَا فِي الْحُكْمِ، مِنْ إِبَاحَةِ النَّظَرِ، وَالْوَطْءِ، وَكَذَا فِي الْمِيرَاثِ.
فَرْعٌ: إِذَا تَزَوَّجَتِ الرَّجْعِيَّةُ فِي عِدَّتِهَا، وَحَمَلَتْ مِنَ الثَّانِي، انْقَطَعَتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ، فَإِذَا وَضَعَتْ، أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا فِي هَذَا التَّمَامِ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ رَاجَعَهَا قَبْلَ الْوَضْعِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بَاقِيَةٌ، وَإِنَّمَا انْقَطَعَتْ لِعَارِضٍ، كَمَا لَوْ وَطِئَتْ فِي صُلْبِ نِكَاحِهِ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَعَلَى الثَّانِي لَوْ حَمَلَتْ حَمْلًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، وَرَاجَعَهَا فِي هَذَا الْحَمْلِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مِنَ الثَّانِي - لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ بَانَ مِنَ الْأَوَّلِ، صَحَّتْ عَلَى أَصَحِّ الِاحْتِمَالَيْنِ.

(6/421)


فَصْلٌ وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا، قُبِلَ قَوْلُهَا إِذَا كَانَ مُمْكِنًا، إِلَّا أَنْ تَدْعِيهِ بِالْحَيْضِ فِي شَهْرٍ، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ مِنَ الْإقْرَاءِ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إِذَا قُلْنَا: الْإقْرَاءُ: الْحيضُ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
[إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عَدَّتِهَا]
فَصْلٌ (وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا) بِوِلَادَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا (قُبِلَ قَوْلُهَا إِذَا كَانَ مُمْكِنًا) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ: مِنَ الْحَمْلِ، وَالْحَيْضِ، فَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ، لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِنَّ كِتْمَانُهُ؛ وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيهِ كَالنِّيَّةِ، أَوْ أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى التَّابِعِيِّ قَبُولُ خَبَرِ الصَّحَابِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِلَّا أَنْ تَدْعِيهِ بِالْحَيْضِ فِي شَهْرٍ، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ شُرَيْحٍ: إِذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ، وَجَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ، فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَالُونْ، وَمَعْنَاهُ بِلِسَانِ الرُّومِيَّةِ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ. وَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ جِدًّا حُصُولُ ذَلِكَ فِي شَهْرٍ، فَيُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ، بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ، وَكَخِلَافِ عَادَةٍ مُنْتَظِمَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُهَا مُطْلَقًا، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَبُو الْفَرَجِ، كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، ذَكَرَهُ فِي " الْوَاضِحِ " و" الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ "، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْفَاسِقَةِ وَضِدِّهِمَا.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَتِ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، ثُمَّ قَالَ: مَا انْقَضَتْ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا، وَلَوْ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، ثُمَّ رَاجَعْتُهَا، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِكَذِبِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ، وَادَّعَتْ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ - فَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْ بِهِ، وَقَدْ رَجَعَتْ عَنْهُ.
1 -
(وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ) أَيْ: عِدَّةُ الْحُرَّةِ (مِنَ الْأَقْرَاءِ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إِذَا قُلْنَا: الْإقْرَاءُ: الْحيضُ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا مَعَ

(6/422)


وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ: الْأَطْهَارُ، فَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَإِذَا قَالَتِ: انْقَضَتْ عِدَّتِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
آخِرِ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ لَحْظَةً لِيُعْرَفَ بِهَا انْقِطَاعُ الْحَيْضِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اللَّحْظَةُ مِنْ عِدَّتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِمَعْرِفَةِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، وَمَنِ اعْتَبَرَ الْغُسْلَ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَقْتٍ يُمْكِنُ الْغُسْلُ فِيهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ (وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ) ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَيْنِ يَزِيدَانِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ (وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرُوءُ: الْأَطْهَارُ، فَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ طُهْرِهَا، فَيُحْسَبُ بِهِ قُرْءًا، ثُمَّ يُحْسَبُ طُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَبَيْنَهُمَا حَيْضَتَانِ، فَإِذَا طَغَتْ عَلَى الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لَحْظَةٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) زِدْنَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي الطُّهْرَيْنِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ أَمَةً، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": مَعَ بَيِّنَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي بِسَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ، وَعَلَى الثَّالِثِ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ، وَعَلَى الرَّابِعِ بِسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَيْنِ، فَمَتَى ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا عِنْدَ أَحَدٍ فِيمَا أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا.
تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَتْ: انقضت عِدَّتِي بِوَضْعِ حَمْلٍ مُصَوَّرٍ وَأَمْكَنَ، صَدَقَتْ فِي الْمُضْغَةِ، وَفِي يَمِينِ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ رِوَايَتَانِ، فَإِذَا عَيَّنَا وَقْتَ حَيْضٍ، أَوْ وَضْعٍ، وَاخْتَلَفَا فِي سَبْقِ الطَّلَاقِ - قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْعِدَّةِ فِي الْأَشْهَرِ.
قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهَا، فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: عَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَمِينَ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: لَا يَمِينَ فِي نِكَاحٍ وَلَا طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا، فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا كَالْحُدُودِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنْ نَكَلَتْ عَنِ الْيَمِينِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسْتَحْلَفَ الزَّوْجُ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ النُّكُولُ مِنْهَا ظَهَرَ صِدْقُهُ، وَقَوِيَ جَانِبُهُ، وَالْيَمِينُ تُشْرَعُ فِي حَقِّهِ كَمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِالْعَيْنِ فِي الْيَدِ.
1 -

(6/423)


فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ رَاجَعْتُكِ، فَأَنْكَرَتْهُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ سَبَقَ، فَقَالَ: ارْتَجَعْتُكِ، فَقَالَتْ: قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا، قُدِّمَ قَوْلُهَا، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِذَا قَالَتِ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ رَاجَعْتُكِ، فَأَنْكَرَتْهُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَقْبُولٌ، فَصَارَتْ دَعْوَاهُ لِلرَّجْعَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ رَجْعَتَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَأَنْكَرَتْهُ، وَنَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ سَبَقَ، فَقَالَ: ارْتَجَعْتُكِ، فَقَالَتْ: قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ) فَأَنْكَرَهَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الرَّجْعَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِانْقِضَائِهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقَدْ صَحَّتْ فِي الظَّاهِرِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إِبْطَالِهَا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْوَاضِحِ " (الْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْبَيْنُونَةُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ سَابِقًا قُبِلَ مَسْبُوقًا كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْأَصْحَابُ لِسَبْقِ الدَّعْوَى، هَلْ هُوَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمْ لَا؛ (وَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا، قُدِّمَ قَوْلُهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنَجَّا، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "؛ لِأَنَّهُ تَسَاقَطَ قَوْلُهُمَا مَعَ التَّسَاوِي، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ (وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ مُرَجِّحَةٌ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ بِدَلِيلِ الْإِمَامَةِ، وَالْأَذَانِ، وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي مَا يَرْفَعُ الطَّلَاقَ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ، كَالْمُؤْلِي وَالْعِنِّينِ إِذَا ادَّعَيَا إِصَابَةَ امْرَأَتِهِ وَأَنْكَرَتْهُ، وَحكي فِي " الْفُرُوعِ " الْأَقْوَال الثَّلَاثَة مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ " كَالْمُحَرَّرِ " فِي الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ هُنَا، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ قَدْ نُكِحَتْ، فَإِذَا نُكِحَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَادَّعَى الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً، أَوْ صَدَّقَاهُ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ، قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ وَكَذَّبَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي، صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ.

(6/424)


فَصْلٌ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيَطَؤُهَا فِي الْقُبُلِ، وَأَدْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَصْلٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِصَابَةِ، فَقَالَ: قَدْ أَصَبْتُكِ فَلِيَ الرَّجْعَةُ، فَأَنْكَرَتْهُ أَوْ قَالَتْ: قَدْ أَصَابَنِي فَلِيَ الْمَهْرُ - قُبِلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ، وَادَّعَى إِصَابَتَهَا، فَأَنْكَرَتْهُ - لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ لَهَا بِهِ وَلَا يَدَّعِيهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُنْكِرُ، رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، وَالْخُلْوَةُ كَالْإِصَابَةِ فِي إِثْبَاتِ الرَّجْعَةِ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي خَلَا بِهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يُصِيبَهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُصَابَةٍ، فَلَا تُسْتَحَقُّ رَجْعَتُهَا كَالَّتِي لَمْ يَخْلُ بِهَا.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، فَمَلَكَ رَجْعَتَهَا كَالَّتِي أَصَابَهَا.
فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ عِدَّتِهَا أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَأَنْكَرَتْهُ، وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا - قُبِلَ قَوْلُهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إِنْ عَلِمَ مَوْلَاهَا صِدْقَ الزَّوْجِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا تَزْوِيجُهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ هِيَ صِدْقَ الزَّوْجِ فِي رَجَعْتِهَا، فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى سَيِّدِهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا تَمْكِينُهُ مِنْ وَطْئِهَا إِلَّا مُكْرَهَةً كَمَا قُبِلَ الطَّلَاقُ.

[إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ]
فَصْلٌ
(وَإِنْ طَلَّقَهَا) أَيِ: الْحُرُّ (ثَلَاثًا) وَالْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ، وَلَوْ عَبَّرَ كَـ " الْفُرُوعِ " بِقَوْلِهِ: مَنْ طَلَّقَ عَدَدَ طَلَاقِهِ لَكَانَ أَوْلَى (لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ، وَحَدِيثُ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لَا يُرِيدُ بِهِ إِحْلَالًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا إِلَّا الْخَوَارِجُ، وَلِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ: الْجِمَاعُ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ حِلَّهَا لِلْأَوَّلِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا

(6/425)


مَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، فَأَوْلَجَهُ، أَوْ وَطِئَهَا زَوْجٌ مُرَاهِقٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ - أَحَلَّهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ - لَمْ تَحِلَّ، وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
السَّيِّدُ فَلَا، وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا، وَأَنْ يَطَأَهَا فِي الْفَرْجِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَطَؤُهَا فِي الْقُبُلِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى ذَوَاقِ الْعُسَيْلَةِ، وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ (وَأَدْنَى مَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) مَعَ الِانْتِشَارِ (فِي الْفَرْجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، فَلَوْ أَوْلَجَ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ لَمْ يُحِلَّهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِذَوَاقِ الْعُسَيْلَةِ، وَلَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ، وَلَيْسَ الْإِنْزَالُ شَرْطًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ ذَوَاقَ الْعُسَيْلَةِ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِدُونِ الْإِنْزَالِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا فِي الثَّيِّبِ، فَأَمَّا الْبِكْرُ فَأَدْنَاهُ أَنْ يَفْتَضَّهَا بِآلَتِهِ (وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، فَأَوْلَجَهُ) أَحَلَّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشَفَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ: بَقِيَّتُهُ (أَوْ وَطِئَهَا زَوْجٌ مُرَاهِقٌ) أَحَلَّهَا فِي قَوْلِهِمْ، إِلَّا الْحَسَنَ؛ لِظَاهِرِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مِنْ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ الْبَالِغَ، وَبِخِلَافِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ، وَلَا تُذَاقُ عُسَيْلَتُهُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ فَصَاعِدًا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا؛ لِأَنَّ مَنْ دُونَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ الْمُجَامَعَةُ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُجَامِعِ، وَمَتَى أَمْكَنَهُ الْجِمَاعُ فَقَدَ وُجِدَ مِنْهُ الْمَقْصُودُ (أَوْ ذِمِّيٌّ، وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ، أَحَلَّهَا) لِمُطَلِّقِهَا الْمُسْلِمِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ زَوْجٌ، وَبِهِ تَجِبُ الْمُلَاعَنَةُ وَالْقَسَمُ؛ وَلِظَاهِرِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مِنْ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ وَطْءَ الْمُسْلِمِ (وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ - لَمْ تَحِلَّ) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ لَا تَذُوقُ بِهِ الْعُسَيْلَةَ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَطْءُ من

(6/426)


وُطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لَمْ تَحِلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إِحْرَامٍ - أَحَلَّهَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُحِلُّهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
غير زَوْجٍ، فَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ، فَيَبْقَى عَلَى الْمَنْعِ (وَإِنْ وَطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لَمْ تَحِلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا يُحِلُّهَا؛ لِأَنَّهُ زَوْجٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَسَمَّاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُحَلِّلًا مَعَ فَسَادِ نِكَاحِهِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَتَزَوَّجُ، فَتَزَوَّجَ تَزْوِيجًا فَاسِدًا - لَا يَحْنَثُ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ التَّزْوِيجِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ مِنَ الْإِحْصَانِ، وَاللِّعَانِ، وَالظِّهَارِ وَنَحْوِهَا، وَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا لِقَصْدِهِ التَّحْلِيلَ فِيمَا لَا يَحِلُّ، وَلَوْ أَحَلَّ حَقِيقَةً لَمَا لُعِنَ، وَلَا لُعِنَ الْمُحَلَّلُ لَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ» وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ (وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إِحْرَامٍ) أَوْ صَوْمٍ وَاجِبٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (أَحَلَّهَا) فِي اخْتِيَارِ الْمُؤَلِّفِ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "؛ لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ تَامٌّ فِي نِكَاحٍ تَامٍّ، فَأَحَلَّهَا، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا مَرِيضَةً يَضُرُّ بِهَا وَطْؤُهُ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي حِلِّهَا، قَالَهُ فِي " الْكَافِي "، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَوَطِئَهَا، وَكَمَا لَوْ وَطِئَهَا وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَمَسْجِدٍ، وَكَقَبْضِ مَهْرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا لِمَعْنًى فِيهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ وَطْئِهَا فِي إِحْرَامٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ هُنَاكَ لِمَعْنًى فِيهَا، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " و" الْمُفْرَدَاتِ ": مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ (وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُحِلُّهَا) قَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حُرِّمَ لِحَقِّ اللَّهِ، فَلَمْ يُحِلُّهَا، كَوَطْءِ الْمُرْتَدَّةِ، أَوْ نِكَاحٍ بَاطِلٍ.
1 -
مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا وَطِئَهَا فِي رِدَّتِهَا أَوْ رِدَّتِهِ لَمْ يُحِلَّهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ وَقَعَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ غَيْرِ تَامٍّ؛ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْبَيْنُونَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فِي الْعِدَّةِ، فَلَمْ يُصَادِفِ الْوَطْءُ نِكَاحًا، وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَوَطِئَهَا قَبْلَ إِسْلَامِ الْآخَرِ.

(6/427)


مُطَلِّقُهَا - لَمْ تَحِلَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَحِلَّ، وَإِنْ طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، سَوَاءٌ عُتِقَا، أَوْ بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ، وَإِذَا غَابَ عَنْ مُطَلَّقَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَوَطِئَهَا، أَحَلَّهَا عَلَى المذهب لظاهر النَّصِّ، وَكَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُحِلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الشَّهْوَةِ بِدَلِيلِ الْبَهَائِمِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَجْنونُ ذَاهِبُ الْحِسِّ كَالْمَصْرُوعِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَحْصُلِ الْحِلُّ بِوَطْئِهِ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا وَطِئَ مُغْمًى عَلَيْهَا، أَوْ نَائِمَةً لَا تُحِسُّ بِوَطْئِهِ - لَمْ تَحِلَّ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَيُحْتَمَلُ حُصُولُ الْحِلِّ لِلْعُمُومِ، وَلَوْ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً، فَإِذَا هِيَ امْرَأَتُهُ - حَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ نِكَاحًا صَحِيحًا.
الرَّابِعَةُ: إِذَا اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ حَلَّتْ، وَقَدَّمَ فِي " الشَّرْحِ " خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذُقْ عُسَيْلَتَهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا مَعَ إِغْمَائِهِ - فَوَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ خَصْيًا، أَوْ مَسْلُولًا، أَوْ مَوْجُوءًا - حَلَّتْ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْآيَةِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَعَنْهُ: لَا لِعَدَمِ ذَوَقَانِ الْعُسَيْلَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَطَأُ كَالْفَحْلِ، وَلَمْ يَفْقِدْ إِلَّا الْإِنْزَالَ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْإِحْلَالِ.
1 -
(وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا مُطَلِّقُهَا - لَمْ تَحِلَّ) نَصَّ عَلَيْهِ، رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ لِلْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرْجَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا مُبَاحًا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَحِلَّ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَخْتَصُّ الزَّوْجِيَّةَ، فَأَثَّرَ فِي التَّحْرِيمِ.

(وَإِنْ طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّ الطَّلَاقَ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (سَوَاءً عُتِقَا، أَوْ بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ) ؛ لِاسْتِوَاءِ حَالَيْنِ فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي

(6/428)


ثَلَاثًا، فَأَتَتْهُ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا، أَوِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، فَلَهُ نِكَاحُهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا، وَإِلَّا فَلَا..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِلتَّحْرِيمِ قَبْلَ نِكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ اسْتِكْمَالُ الْعَدَدِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَالَتَيِ الْعِتْقِ بَعْدَ الرِّقِّ وَبَقَاءِ الرِّقِّ.
وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِذَا عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ، مَلَكَ تَمَامَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يُبَالِي فِي الْعِدَّةِ عِتْقًا، أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَفْتَى بِهِ، وَقَالَ: قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ: لَا أَرَى شَيْئًا يَدْفَعُهُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ مُعْتَبٍ، عَنْ أَبِي حَسَنٍ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ، وَلَا يُعْرَفَانِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي عُمَرَ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَعْمَرٌ: لَقَدْ تَحَمَّلَ أَبُو حَسَنٍ هَذَا صَخْرَةً عَظِيمَةً، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ عُثْمَانَ وَزَيْدٍ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ جَيِّدٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ مُعْتَبٍ، وَلَا أَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَبُو حَسَنٍ فَهُوَ عِنْدِي مَعْرُوفٌ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ، فَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ وَزَيْدٍ، وَبِهِ أَقُولُ.
فَرْعٌ: إِذَا عَلَّقَ ثَلَاثًا فِي الرِّقِّ بِشَرْطٍ، فَوُجِدَ بَعْدَ عِتْقِهِ - لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ، وَيَبْقَى لَهُ وَاحِدَةٌ، كَتَعْلِيقِهَا بِعِتْقِهِ فِي الْأَصَحِّ.
1 -
(وَإِذَا غَابَ عَنْ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا، فَأَتَتْهُ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا، أَوِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، فَلَهُ نِكَاحُهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طَلَاقِهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ انْقِضَاءُ عِدَّتَيْنِ، بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ وَوَطْءٌ، وَلَمْ يَرْجِعْ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا، مِثْلُ أَنْ يَعْرِفَ أَمَانَتَهَا، أَوْ بِخَبَرِ غَيْرِهَا مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَهَا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " وَجْهٌ: إِنْ كَانَتْ ثِقَةً، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، وَعَلَى مَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْهَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْحَالِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهَا، فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِهَا، كَمَا لَوْ أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ، وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا، فَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ

(6/429)


..
....
....
....
..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[المبدع في شرح المقنع]
التَّحْرِيمُ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ، وَكَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ حَالِهَا فَاسْقٌ، فَلَوْ كَذَّبَهَا الثَّانِي فِي وَطْءٍ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي تَنْصِيفِ مَهْرٍ، وَقَوْلُهَا فِي إِبَاحَتِهَا لِلْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ حَاضِرًا، وَفَارَقَهَا، وَادَّعَتْ إِصَابَتَهُ وَهُوَ مُنْكِرُهَا. وَمِثْلُ الْأَوَّلَةِ، لَوْ جَاءَتْ حَاكِمًا، وَادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَهُ تَزْوِيجُهَا إِنْ ظَنَّ صِدْقَهَا بِمُعَامَلَةٍ، وَعَبْدٌ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يُعْرَفُ، وَظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ لو اتفقا أَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ، فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ.
فَرْعٌ: لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَوُجِدَ مَعَهَا بَعْدُ، وَادَّعَى الْعَقْدَ ثَانِيًا بِشُرُوطِهِ - يُقْبَلُ مِنْهُ، وَسُئِلَ عَنْهَا الْمُؤَلِّفُ، فَلَمْ يُجِبْ، وَلَوْ وَطِئَ مَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، حُدَّ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَحَدَ طَلَاقَهَا وَوَطِئَهَا، فَشَهِدَ بِطَلَاقِهِ، فَلَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَعْرِفَتَهُ بِهِ وَقْتَ وَطْئِهِ إِلَّا بِإِقْرَارِهِ بِهِ.

(6/430)