المغني
لابن قدامة [كِتَابُ الصَّلَاةِ] [فَصْلٌ فِي
الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ]
الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ
عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ
لَهُمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا
دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيُطْعِمْ،
وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْت مُرْتَحِلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي
الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا
عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي ... نَوْمًا فَإِنَّ
لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا
وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ، فَإِذَا
وَرَدَ فِي الشَّرْعِ أَمْرٌ بِصَلَاةٍ أَوْ حُكْمٌ مُعَلَّقٌ عَلَيْهَا،
انْصَرَفَ بِظَاهِرِهِ إلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا
الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] وَأَمَّا
السُّنَّةُ فَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ؛
شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ
رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ آيٍ وَأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ، نَذْكُرُ بَعْضَهَا
فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ خَمْسِ
صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.
(513) فَصْلٌ: وَالصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ فِي الْيَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوبِهَا، وَلَا
يَجِبُ غَيْرُهَا إلَّا لِعَارِضٍ مِنْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا قَوْلُ
أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْوِتْرُ وَاجِبٌ؛
لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ»
وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوِتْرُ
حَقٌّ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
، وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ اللَّهُ
عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ
«فَرَجَعْت إلَى رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، مَا
يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ
(1/267)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَمَنْ
جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُنْقِصْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِهِنَّ،
فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ
الْجَنَّةَ، وَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ وَقَدْ نَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا، لَمْ
يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ
غَفَرَ لَهُ» وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، «أَنَّ
أَعْرَابِيًّا أَتَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ
الصَّلَاةِ قَالَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَالَ: فَهَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟
قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاَلَّذِي
بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْلَحَ
الرَّجُلُ إنْ صَدَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَزِيَادَةُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي السُّنَنِ، فَلَا
يَتَعَيَّنُ كَوْنُهَا فَرْضًا؛ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُصَلَّى عَلَى
الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَكَانَتْ نَافِلَةً كَالسُّنَنِ
الرَّوَاتِبِ.
(1/268)
|