المغني
لابن قدامة [كِتَابُ الْقِسْمَة]
الْأَصْلُ فِي الْقِسْمَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ
الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: 28]
وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى}
[النساء: 8] الْآيَةَ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ
الْحُدُودُ، وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ» .
وَقَسَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ
عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ.
وَأَجْمَعْت الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الْقِسْمَةِ، وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ
حَاجَةً إلَى الْقِسْمَةِ؛ لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ
مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى إيثَارِهِ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ
الْمُشَارَكَةِ وَكَثْرَةِ الْأَيْدِي.
[مَسْأَلَةٌ أَتَى الْقَاضِي شَرِيكَانِ فِي رَبْعٍ أَوْ نَحْوِهِ
فَسَأَلَاهُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا]
(8304) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا أَتَاهُ شَرِيكَانِ فِي رَبْعٍ أَوْ
نَحْوِهِ، فَسَأَلَاهُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا، قَسَمَهُ، وَأَثْبَتَ
فِي الْقَضِيَّةِ بِذَلِكَ، أَنَّ قَسْمَهُ إيَّاهُ بَيْنَهُمَا كَانَ عَنْ
إقْرَارِهِمَا، لَا عَنْ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُمَا بِمِلْكِهِمَا إذَا
ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الشَّرِيكَيْنِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، رَبْعًا
أَوْ غَيْرَهُ - وَالرَّبْعُ: هُوَ الْعَقَارُ مِنْ الدُّورِ وَنَحْوِهَا
إذَا طَلَبَا مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا، أَجَابَهُمَا
إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مِلْكُهُمَا.
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ
كَانَ عَقَارًا نَسَبُوهُ إلَى مِيرَاثٍ، لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَّى يَثْبُتَ
الْمَوْتُ وَالْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ
الْمَيِّتِ، فَلَا يَقْسِمُهُ احْتِيَاطًا لِلْمَيِّتِ، وَأَمَّا مَا عَدَا
الْعَقَارَ يَقْسِمُهُ، وَإِنْ كَانَ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّهُ يَبُورُ
وَيَهْلَكُ، وَقِسْمَتُهُ تَحْفَظُهُ، وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ الَّذِي لَا
يُنْسَبُ إلَى الْمِيرَاثِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ، عَقَارًا كَانَ
أَوْ غَيْرَهُ، مَا لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُمَا؛ لِأَنَّ قَسْمَهُ
بِقَوْلِهِمْ لَوْ رُفِعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ يَسْتَسْهِلُهُ
أَنْ يَجْعَلَهُ حَكَمًا لَهُمْ، وَلَعَلَّهُ يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ.
وَلَنَا، أَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ،
فَيَثْبُتُ لَهُمْ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُمْ
التَّصَرُّفُ، وَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِنْهُمْ، وَاتِّهَابُهُ،
وَاسْتِئْجَارُهُ. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ يَنْدَفِعُ إذَا ثَبَتَ
فِي الْقَضِيَّةِ أَنِّي قَسَمْته بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ، لَا عَنْ
بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُمْ بِمِلْكِهِمْ، وَكُلُّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى
حُجَّتِهِ.
وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ
مِلْكُهُمْ، وَلَا حَقَّ لِلْمَيِّتِ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ
دَيْنٌ، وَمَا ظَهَرَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَلِهَذَا اكْتَفَيْنَا بِهِ
فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، وَفِيمَا لَمْ يَنْسُبُوهُ إلَى الْمِيرَاثِ.
(10/99)
[فَصْلٌ قِسْمَة الْقَاضِي الْمَكِيلَات
وَالْمَوْزُونَات مِنْ الْمَطْعُومَات وَغَيْرِهَا]
(8305) فَصْلٌ: وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، مِنْ
الْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ قِسْمَةِ الْأَرْضِ مَعَ
اخْتِلَافِهَا، يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ مَا لَا يَخْتَلِفُ
بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحُبُوبُ، وَالثِّمَارُ،
وَالنُّورَةُ، وَالْأُشْنَانُ، وَالْحَدِيدُ، وَالرَّصَاصُ، وَنَحْوُهَا
مِنْ الْجَامِدَاتِ، وَالْعَصِيرُ، وَالْخَلُّ، وَاللَّبَنُ، وَالْعَسَلُ،
وَالسَّمْنُ، وَالدِّبْسُ، وَالزَّيْتُ، وَالرُّبُّ وَنَحْوُهَا مِنْ
الْمَائِعَاتِ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَوْ إفْرَازُ
حَقٍّ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ، وَإِفْرَازُهُ جَائِزٌ.
فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَنْوَاعٌ، كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ، وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ،
فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا كُلَّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، أُجْبِرَ
الْمُمْتَنِعُ، وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، لَمْ
يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ،
وَلَيْسَ بِقِسْمَةٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، كَغَيْرِ الشَّرِيكِ.
فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، جَازَ. وَكَانَ بَيْعًا يُعْتَبَرُ فِيهِ
التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فِيمَا يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِيهِ،
وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ.
[فَصْلٌ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَة مِنْ الْقَاضِي وَأَبَى الْآخَرُ]
(8306) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثِيَابٌ، أَوْ حَيَوَانٌ، أَوْ
أَوَانٍ، أَوْ خَشَبٌ، أَوْ عَمَدٌ، أَوْ أَحْجَارٌ، فَاتَّفَقَا عَلَى
قِسْمَتِهَا، جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَسَمَ الْغَنَائِمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَيَوْمَ خَيْبَرَ، وَهِيَ
تَشْتَمِلُ عَلَى أَجْنَاسٍ مِنْ الْمَالِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى
قِسْمَةِ كُلِّ جِنْسٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى قِسْمَتِهَا أَعْيَانًا
بِالْقِيمَةِ. وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى
حِدَتِهِ، وَطَلَبَ الْآخَرُ قِسْمَتَهُ أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ، قُدِّمَ
قَوْلُ مَنْ طَلَبَ قِسْمَةَ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، إذَا أَمْكَنَ.
وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةِ، وَأَبَى الْآخَرُ، وَكَانَ مِمَّا
لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ إلَّا بِأَخْذِ عِوَضٍ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ
جِنْسِهِ، أَوْ قَطْعِ ثَوْبٍ فِي قَطْعِهِ نَقْصٌ، أَوْ كَسْرِ إنَاءٍ،
أَوْ رَدِّ عِوَضٍ، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ.
وَإِنْ أَمْكَنَ قِسْمَةُ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، مِنْ غَيْرِ
ضَرَرٍ، وَلَا رَدِّ عِوَضٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ.
وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ:
لَا أَعْرِفُ فِي هَذَا عَنْ إمَامِنَا رِوَايَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا
يُجْبَرَ الْمُمْتَنِعُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ، مِنْ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُقْسَمُ أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ،
فَلَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى
قِسْمَةِ الدُّورِ، بِأَنْ يَأْخُذَ هَذَا دَارًا وَهَذَا دَارًا وَهَذَا
دَارًا، وَكَالْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ،
وَلَيْسَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي الْقِيمَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ
اخْتِلَافِ قِيمَةِ الدَّارِ الْكَبِيرَةِ وَالْقَرْيَةِ الْعَظِيمَةِ،
فَإِنَّ أَرْضَ الْقَرْيَةِ تَخْتَلِفُ، سِيَّمَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ
أَشْجَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَرَاضٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَالدَّارُ ذَاتُ
بُيُوتٍ وَاسِعَةٍ وَضَيِّقَةٍ، وَحَدِيثَةٍ وَقَدِيمَةٍ، ثُمَّ هَذَا
الِاخْتِلَافُ لَمْ يَمْنَعْ الْإِجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ، كَذَلِكَ
الْجِنْسُ الْوَاحِدُ، وَفَارَقَ الدُّورَ؛ فَإِنَّهُ أَمْكَنَ قِسْمَةُ
كُلِّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا، وَهَا هُنَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلِّ
ثَوْبٍ مِنْهَا أَوْ إنَاءٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الثِّيَابُ
أَنْوَاعًا؛ كَالْحَرِيرِ، وَالْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، فَهِيَ
كَالْأَجْنَاسِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَمْوَالِ. وَالْحَيَوَانُ
كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَيُقْسَمُ النَّوْعُ الْوَاحِدُ مِنْهُ.
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ،
(10/100)
وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ قِسْمَةَ إجْبَارٍ؛
لِأَنَّهُ تَخْتَلِفُ مَنَافِعُهُ، وَيُقْصَدُ مِنْهُ الْعَقْلُ وَالدِّينُ
وَالْفِطْنَةُ، وَذَلِكَ لَا يَقَعُ فِيهِ التَّعْدِيلُ.
وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَزَّأَ
الْعَبِيدَ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمْ الْأَنْصَارِيُّ فِي مَرَضِهِ ثَلَاثَةَ
أَجْزَاءٍ. وَلِأَنَّهُ نَوْعُ حَيَوَانٍ يَدْخُلُهُ التَّقْوِيمُ،
فَجَازَتْ قِسْمَتُهُ، كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ
صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَجْمَعُ ذَلِكَ، وَتُعَدُّ لَهُ كَسَائِرِ
الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ.
[فَصْلٌ وَالْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ وَتَمْيِيزُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ
مِنْ الْآخَرِ]
(8307) فَصْلٌ: وَالْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ، وَتَمْيِيزُ أَحَدِ
النَّصِيبَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا.
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ فِي الْآخَرِ: هِيَ بَيْعٌ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُبْدِلُ
نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ السَّهْمِ
الْآخَرِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَلَا تَجِبُ
فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَيَدْخُلُهَا الْإِجْبَارُ، وَتَلْزَمُ بِإِخْرَاجِ
الْقُرْعَةِ، وَيَتَقَدَّرُ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ بِقَدْرِ الْآخَرِ،
وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا
تَنْفَرِدُ عَنْ الْبَيْعِ بِاسْمِهَا وَأَحْكَامِهَا، فَلَمْ تَكُنْ
بَيْعًا، كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ، أَنَّهَا إذَا
لَمْ تَكُنْ بَيْعًا، جَازَتْ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا، وَالْمَكِيلِ
وَزْنًا، وَالْمَوْزُونِ كَيْلًا، وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا
يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا
يَبِيعُ بِهَا، وَإِذَا كَانَ الْعَقَارُ أَوْ نِصْفُهُ وَقْفًا، جَازَتْ
الْقِسْمَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ.
انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، هَذَا إذَا خَلَتْ مِنْ الرَّدِّ، فَإِنْ
كَانَ فِيهَا رَدُّ عِوَضٍ، فَهِيَ بَيْعٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الرَّدِّ
يَبْذُلُ الْمَالَ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ،
وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ. فَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ فِي وَقْفٍ، لَمْ يَجُزْ؛
لِأَنَّ بَيْعَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ وَقْفًا،
وَبَعْضُهُ طَلْقَا، وَالرَّدُّ مِنْ صَاحِبِ الطَّلْقِ، لَمْ يَجُزْ؛
لِأَنَّهُ يَشْتَرِي بَعْضَ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْوَقْفِ، جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ بَعْضَ الطَّلْقِ، وَذَلِكَ
جَائِزٌ.
[فَصْلٌ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ بِالْقِسْمَةِ]
(8308) فَصْلٌ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِ بِالْقِسْمَةِ إذَا كَانَ
مُتَبَرِّعًا، وَلَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ بِأُجْرَةٍ.
وَبِهَذَا قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ
لَا يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ، كَالْمُرْضِعَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ
نَفْسِهِ الَّذِي يُوجِبُ تَعْدِيلَهُ، فَلَمْ تُقْبَلْ، كَشَهَادَةِ
الْقَاضِي الْمَعْزُولِ عَلَى حُكْمِهِ.
(10/101)
وَلَنَا، أَنَّهُ شَهِدَ بِمَا لَا نَفْعَ
لَهُ فِيهِ، فَقُبِلَ، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَإِذَا كَانَ بِأُجْرَةٍ، لَمْ
يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، لِكَوْنِهِ يُوجِبُ الْأُجْرَةَ
لِنَفْسِهِ، وَهَذَا نَفْعٌ، فَتَكُونُ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ.
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ يُوجِبُ تَعْدِيلَهُ.
مَمْنُوعٌ، وَلَا نُسَلِّمُ لَهُمْ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْحُكْمِ.
[مَسْأَلَةٌ طَلَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ فَامْتَنَعَ
الْآخَرُ]
(8309) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَوْ سَأَلَ أَحَدُهُمَا شَرِيكَهُ
مُقَاسَمَتَهُ، فَامْتَنَعَ، أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ، إذَا
أَثْبُتْ عِنْدَهُ مِلْكَهَا، وَكَانَ مِثْلُهُ يَنْقَسِمُ وَيَنْتَفِعَانِ
بِهِ مَقْسُومًا أَمَّا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، فَامْتَنَعَ
الْآخَرُ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يُجْبَرُ
الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ ثَلَاثَةُ
شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِلْكُهُمَا
بِبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ حُكْمًا عَلَى
الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُت بِهِ
الْمِلْكُ لِخَصْمِهِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الرِّضَا؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ
عَلَى أَحَدِهِمَا، إنَّمَا يَقْسِمُ بِقَوْلِهِمَا وَرِضَاهُمَا.
الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا ضَرَرٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا
ضَرَرٌ، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» . رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، فِي " مُوَطَّئِهِ " مُرْسَلًا، وَفِي
لَفْظٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَضَى، أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ
يُمْكِنَ تَعْدِيلُ السِّهَامِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يُجْعَلُ مَعَهَا،
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهَا
تَصِيرُ بَيْعًا، وَالْبَيْعُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَحَدُ
الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ، أَرْضٌ قِيمَتُهَا مِائَةٌ، فِيهَا
شَجَرَةٌ أَوْ بِئْرٌ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ، فَإِذَا جُعِلَتْ الْأَرْضُ
سَهْمًا، كَانَتْ الثُّلُثَ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَ مَعَهَا خَمْسِينَ
يَرُدُّهَا عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ الْبِئْرُ أَوْ الشَّجَرَةُ،
لِيَكُونَا نِصْفَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ، فَهَذِهِ فِيهَا بَيْعٌ، أَلَا
تَرَى أَنَّ آخِذَ الْأَرْضِ قَدْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ
الْبِئْرِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ، وَالْبَيْعُ لَا يُجْبَرُ
عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ
تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ
مِنْهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إزَالَةَ ضَرَرِ
الشَّرِكَةِ عَنْهُمَا، وَحُصُولَ النَّفْعِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ نَصِيبَ
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا تَمِزْ، كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ
بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَيَتَمَكَّنَ مِنْ إحْدَاثِ الْغِرَاسِ
وَالْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ وَالسِّقَايَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ،
وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ الِاشْتِرَاكِ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ
الْآخَرُ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا
ضِرَارَ» .
(10/102)
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي
الضَّرَرِ الْمَانِعِ مِنْ الْقِسْمَةِ، فَفِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ
مَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ انْتِقَاعُ أَحَدِهِمَا بِنَصِيبِهِ مُفْرَدًا،
فِيمَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَعَ الشَّرِكَةِ، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ
بَيْنَهُمَا دَارٌ صَغِيرَةٌ، إذَا قُسِمَتْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مَوْضِعًا ضَيِّقًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ.
وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي شَيْءٍ غَيْرِ الدَّارِ، وَلَا
يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ دَارًا، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقِسْمَةِ
أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ أَنْ تَنْقُصَ
قِيمَةُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِالْقِسْمَةِ عَنْ حَالِ الشَّرِكَةِ،
سَوَاءٌ انْتَفَعُوا بِهِ مَقْسُومًا أَوْ لَمْ يَنْتَفِعُوا.
وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرٌ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ، فِي
رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إذَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْسِمُ وَبَعْضُهُمْ
لَا يَقْسِمُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ مِنْ ثَمَنِهِ، بِيعَ،
وَأُعْطُوا الثَّمَنَ.
فَاعْتُبِرَ نُقْصَانُ الثَّمَنِ.
وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ نَقْصَ قِيمَتِهِ ضَرَرٌ،
وَالضَّرَرُ مَنْفِيٌّ شَرْعًا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ
وَإِنْ اسْتَضَرَّ، قِيَاسًا عَلَى مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ.
وَلَا يَصِحُّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا
ضِرَارَ» . وَلِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرًا، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ،
كَقِسْمَةِ الْجَوْهَرَةِ بِكَسْرِهَا، وَلِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ إضَاعَةً
لِلْمَالِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَنْ إضَاعَتِهِ.
وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا
مِنْ الْفَرْقِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ يَسْتَضِرُّ
بِالْقِسْمَةِ دُونَ الْآخِرِ؛ كَرَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا دَارٌ،
لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهَا، وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهَا، فَإِذَا قَسَمَاهَا
اسْتَضَرَّ صَاحِبُ الثُّلُثِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَا يَكُونُ
دَارًا، وَلَا يَسْتَضِرُّ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لَهُ مَا يَصِيرُ
دَارًا مُفْرَدَةً، فَطَلَبَ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ الْقِسْمَةَ، لَمْ
يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَيْهَا.
ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، قَالَ: كُلُّ
قِسْمَةٍ فِيهَا ضَرَرٌ، لَا أَرَى قِسْمَتَهَا.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَيْهَا.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ
إفْرَادَ نَصِيبِهِ الَّذِي لَا يَسْتَضِرُّ بِتَمْيِيزِهِ، فَوَجَبَتْ
إجَابَتُهُ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَا لَا يَسْتَضِرَّانِ بِالْقِسْمَةِ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا
ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» .
وَلِأَنَّهَا قِسْمَةٌ يَسْتَضِرُّ بِهَا صَاحِبُهُ، فَلَمْ يُجْبَرْ
عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ اسْتَضَرَّا مَعًا، وَلِأَنَّ فِيهِ إضَاعَةَ
الْمَالِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَنْ إضَاعَتِهِ، وَإِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ إضَاعَتُهُ مَالَهُ
فَإِضَاعَتُهُ مَالَ غَيْرِهِ أَوْلَى.
(10/103)
وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ جُمَيْعٍ، عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا
تَعْصِبَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ، إلَّا مَا حَصَلَ الْقَسْمُ» .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ أَنْ يُخْلِفَ شَيْئًا، إذَا قُسِمَ كَانَ
فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى بَعْضِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا.
وَلِأَنَّنَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ مَانِعٌ مِنْ الْقِسْمَةِ،
وَأَنَّ الضَّرَرَ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا مَانِعٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ الْمَانِعُ هُوَ ضَرَرَ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ
جِهَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مَانِعًا، كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا
عَلَيْهَا مَعَ ضَرَرِهِمَا أَوْ ضَرَرِ أَحَدِهِمَا، فَتَعَيَّنَ
الضَّرَرُ الْمَانِعُ فِي جِهَةِ الْمَطْلُوبِ، وَلِأَنَّهُ ضَرَرٌ غَيْرُ
مَرْضِيٍّ بِهِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ، فَمَنَعَ الْقِسْمَةَ، كَمَا لَوْ
اسْتَضَرَّا مَعًا.
وَإِنْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ الْمُسْتَضِرُّ بِهَا، كَصَاحِبِ الثُّلُثِ فِي
الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهَا.
هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ دَفْعَ
ضَرَرِ الشَّرِكَةِ عَنْهُ، بِأَمْرٍ لَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ،
فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ.
يُحَقِّقُهُ أَنَّ ضَرَرَ الطَّالِبِ مَرْضِيٌّ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ،
فَسَقَطَ حُكْمُهُ، وَالْآخَرُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَصَارَ كَمَا لَا
ضَرَرَ فِيهِ.
وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ
الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْقَسْمِ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ طَلَبَ
الْقِسْمَةِ مِنْ الْمُسْتَضِرِّ سَفَهٌ، فَلَا يَجِبُ إجَابَتُهُ إلَى
السَّفَهِ. قَالَ الشَّرِيفُ: مَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَضِرُّ، لَمْ
تَجِبْ الْقِسْمَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا
يَنْتَفِعُ بِهَا، وَجَبَتْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ انْتَفَعَ بِهَا الطَّالِبُ، وَجَبَتْ، وَإِنْ
اسْتَضَرَّ بِهَا الطَّالِبُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا،
وَلِلْآخَرَيْنِ نِصْفُهَا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا، فَإِذَا
قُسِمَتْ اسْتَضَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَسْتَضِرَّ صَاحِبُ
النِّصْفِ، فَطَلَبَ صَاحِبُ النِّصْفِ الْقِسْمَةَ، وَجَبَتْ إجَابَتُهُ؛
لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا نِصْفَيْنِ، فَيَصِيرُ حَقُّهُمَا لَهُمَا
دَارًا، وَلَهُ النِّصْفُ، فَلَا يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ مِنْهُمَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِمَا الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَضِرُّ بِإِفْرَازِ نَصِيبِهِ.
وَإِنْ طَلَبَا الْمُقَاسَمَةَ، فَامْتَنَعَ صَاحِبُ النِّصْفِ أُجْبِرَ؛
لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
وَإِنْ طَلَبَا إفْرَازَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ
(10/104)
مِنْهُمَا، أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا
إفْرَازَ نَصِيبِهِ، لَمْ تَجِبْ الْقِسْمَةُ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ
لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِالطَّالِبِ وَسَفَهٌ. وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي
ذَكَرْنَاهُ تَجِبُ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ لَا ضَرَرَ
عَلَيْهِ.
الْحَالُ الثَّانِي، الَّذِي لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ،
وَهِيَ مَا إذَا عُدِمَ أَحَدُ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا تَجُوزُ
الْقِسْمَةُ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَتُسَمَّى قِسْمَةَ التَّرَاضِي، وَهِيَ
جَائِزَةٌ مَعَ اخْتِلَالِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ
الْبَيْعِ وَالْمُنَاقَلَةِ، وَبَيْعُ ذَلِكَ جَائِزٌ.
[فَصْلٌ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ سُفْلُهَا وَعُلْوُهَا فَإِذَا
طَلَبَا قَسْمَهَا]
(8310) فَصْلٌ: إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، سُفْلُهَا
وَعُلْوُهَا، فَإِذَا طَلَبَا قَسَمَهَا؛ نَظَرْتُ، فَإِنْ طَلَبَ
أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ السُّفْلِ وَالْعُلْوِ بَيْنَهُمَا، وَلَا ضَرَرَ فِي
ذَلِكَ، أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ. لِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي الْأَرْضِ
يَجْرِي مَجْرَى الْغَرْسِ، فَيَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَالشُّفْعَةِ،
ثُمَّ لَوْ طَلَبَ قِسْمَةَ أَرْضٍ فِيهَا غِرَاسٌ، أُجْبِرَ شَرِيكُهُ
عَلَيْهِ، كَذَلِكَ الْبِنَاءُ. وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا جَعْلَ
السُّفْلِ لِأَحَدِهِمَا وَالْعُلْوِ لِلْآخَرِ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا،
لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ؛ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ
الْعُلْوَ يَتْبَعُ لِلسُّفْلِ، وَلِهَذَا إذَا بِيعَا، تَثْبُتُ
الشُّفْعَةُ فِيهِمَا، وَإِذَا أُفْرِدَ الْعُلْوُ بِالْبَيْعِ، لَمْ
تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَإِذَا كَانَ تَبَعًا لَهُ، لَمْ يُجْعَلْ
الْمَتْبُوعُ سَهْمًا وَالتَّبَعُ سَهْمًا، فَيَصِيرُ التَّبَعُ أَصْلًا.
الثَّانِي، أَنَّ السُّفْلَ وَالْعُلْوَ يَجْرِيَانِ مَجْرَى الدَّارَيْنِ
الْمُتَلَاصِقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْكُنُ
مُنْفَرِدًا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارَانِ، لَمْ يَكُنْ
لِأَحَدِهِمَا الْمُطَالَبَةُ بِجَعْلِ كُلِّ دَارٍ نَصِيبًا كَذَا
هَاهُنَا. الثَّالِثُ، أَنَّ صَاحِبَ الْقَرَارِ يَمْلِكُ قَرَارَهَا
وَهَوَاءَهَا، فَإِذَا جُعِلَ السُّفْلُ نَصِيبًا انْفَرَدَ صَاحِبُهُ
بِالْهَوَاءِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ قِسْمَةً عَادِلَةً. وَبِهَذَا قَالَ
الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْسِمُهُ الْحَاكِمُ، يَجْعَلُ
ذِرَاعًا مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلْوِ. وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ: ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقْسِمُهَا بِالْقِيمَةِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا دَارٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا قَسَمَهَا عَلَى مَا
يَرَاهُ جَازَ، كَاَلَّتِي لَا عُلْوَ لَهَا.
وَلَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، وَفِيهَا رَدُّ
مَا ذَكَرُوهُ، وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ
تَحَكُّمٌ، وَبَعْضُهُ يَرُدُّ بَعْضًا. وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا
قِسْمَةَ الْعُلْوِ وَحْدَهُ، أَوْ السُّفْلِ وَحْدَهُ، لَمْ يُجَبْ
إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُرَادُ لِلتَّمْيِيزِ، وَمَعَ بَقَاءِ
الْإِشَاعَةِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ. وَإِنْ طَلَبَ
قِسْمَةَ السُّفْلِ مُنْفَرِدًا، أَوْ الْعُلْوِ مُنْفَرِدًا، لَمْ يُجَبْ
إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُلْوُ سُفْلِ
الْآخَرِ، فَيَسْتَضِرُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَتَمَيَّزُ
الْحَقَّانِ.
(10/105)
[فَصْلٌ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارٌ أَوْ
خَانٌ كَبِيرٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ ذَلِكَ وَلَا ضَرَرَ فِي
قِسْمَتِهِ]
(8311) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا دَارٌ، أَوْ خَانٌ كَبِيرٌ،
فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ ذَلِكَ وَلَا ضَرَرَ فِي قِسْمَتِهِ،
أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَتُفْرَدُ بَعْضُ الْمَسَاكِنِ
عَنْ بَعْضٍ وَإِنْ كَثُرَتْ الْمَسَاكِنُ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا
دَارَانِ، أَوْ خَانَانِ، أَوْ أَكْثَرُ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ
يَجْمَعَ نَصِيبَهُ فِي إحْدَى الدَّارَيْنِ، أَوْ أَحَدِ الْخَانَيْنِ،
وَيَجْعَلَ الْبَاقِيَ نَصِيبًا، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ. وَبِهَذَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: إذَا رَأَى
الْحَاكِمُ ذَلِكَ، فَلَهُ فِعْلُهُ، سَوَاءٌ تَقَارَبَتَا أَوْ
تَفَرَّقَتَا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ وَأَعْدَلُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتَا مُتَجَاوِرَتَيْنِ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ
مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ تَتَقَارَبُ
مَنْفَعَتُهُمَا، بِخِلَافِ الْمُتَبَاعِدَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: إنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَجَزَتْ الْأُخْرَى، أُجْبِرَ
الْمُمْتَنِعُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مَجْرَى الدَّارِ
الْوَاحِدَةِ. وَلَنَا، أَنَّهُ نَقْلُ حَقِّهِ مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ
أُخْرَى، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، كَالْمُتَفَرِّقِينَ عَلَى مِلْكٍ،
وَكَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً بِهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَمَا
لَوْ كَانَتَا دَارًا وَدُكَّانًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ،
وَالْحُكْمُ فِي الدَّكَاكِينِ كَالْحُكْمِ فِي الدُّورِ، وَكَمَا لَوْ
كَانَتْ لَهَا عَضَائِدُ صِغَارٌ، لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قَسْمِهَا
عَلَيْهَا.
[فَصْلٌ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ وَاحِدٌ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا وَتَتَحَقَّقُ
فِيهَا الشُّرُوطُ]
(8312) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ وَاحِدٌ يُمْكِنُ
قِسْمَتُهَا، وَتَتَحَقَّقُ فِيهَا الشُّرُوطُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا،
أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى قَسْمِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ فَارِغَةً أَوْ
ذَاتَ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا نَخْلٌ، وَكَرْمٌ، وَشَجَرٌ
مُخْتَلِفٌ، وَبِنَاءٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى
حِدَتِهَا، وَطَلَبَ الْآخَرُ قِسْمَةَ الْجَمِيعِ بِالتَّعْدِيلِ
بِالْقِيمَةِ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُقْسَمُ كُلُّ عَيْنٍ عَلَى
حِدَتِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَقْسُومٍ، إذَا أَمْكَنَتْ التَّسْوِيَةُ
بَيْن الشَّرِيكَيْنِ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ، كَانَ أَوْلَى.
وَنَحْوَ هَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إذَا
أَمْكَنَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي جَيِّدِهِ
وَرَدِيئِهِ، بِأَنْ يَكُونَ الْجَيِّدُ فِي مُقَدَّمِهَا وَالرَّدِيءُ فِي
مُؤَخَّرِهَا، فَإِذَا قَسَمْنَاهَا صَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَيِّدِ
وَالرَّدِيء مِثْلُ مَا لِلْآخَرِ، وَجَبَتْ الْقِسْمَةُ، وَأُجْبِرَ
الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ الْقِسْمَةُ هَكَذَا،
بِأَنْ تَكُونَ الْعِمَارَةُ أَوْ الشَّجَرُ وَالْجَيِّدُ لَا تُمْكِنُ
قِسْمَتُهُ وَحْدَهُ، وَأَمْكَنَ التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ عُدِّلَتْ
بِالْقِيمَةِ، وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: لَا يُجْبَرُ
الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَيْهَا.
وَقَالُوا: إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ ثَلَاثِينَ جَرِيبًا، قِيمَةُ عَشْرَةِ
أَجْرِبَةٍ مِنْهَا كَقِيمَةِ عِشْرِينَ، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ
الْقِسْمَةِ عَلَيْهَا؛ لِتَعَذُّرِ التَّسَاوِي فِي الذَّرْعِ،
(10/106)
وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقْلَانِ
مُتَجَاوِرَانِ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْقِسْمَةِ، إذَا لَمْ
تُمْكِنْ إلَّا بِأَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمًا، كَذَا
هَاهُنَا. وَلَنَا، أَنَّهُ مَكَانٌ وَاحِدٌ، أَمْكَنَتْ قِسْمَتُهُ،
وَتَعْدِيلُهُ، مِنْ غَيْرِ رَدِّ عِوَضٍ وَلَا ضَرَرٍ، فَوَجَبَتْ
قِسْمَتُهُ، كَالدُّورِ. وَلِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُفْضِي إلَى مَنْعِ
وُجُوبِ الْقِسْمَةِ فِي الْبَسَاتِينِ كُلِّهَا وَالدُّورِ؛ فَإِنَّهُ لَا
يُمْكِنُ تَسَاوِي الشَّجَرِ وَبِنَاءِ الدُّورِ وَمَسَاكِنِهَا إلَّا
بِالْقِيمَةِ، وَلِأَنَّهُ مَكَانٌ لَوْ بِيعَ بَعْضُهُ وَجَبَتْ فِيهِ
الشُّفْعَةُ لِشَرِيكِ الْبَائِعِ، فَوَجَبَتْ قِسْمَتُهُ، كَمَا لَوْ
أَمْكَنَتْ التَّسْوِيَةُ بِالزَّرْعِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ بُسْتَانَانِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَرِيقٌ،
أَوْ حَقْلَانِ، أَوْ دَارَانِ، أَوْ دُكَّانَانِ مُتَجَاوِرَانِ أَوْ
مُتَبَاعِدَانِ، فَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قِسْمَتَهُ، بِجَعْلِ
كُلِّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا، لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَى هَذَا، سَوَاءٌ
كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُتَمَيِّزَانِ، لَوْ بِيعَ
أَحَدُهُمَا، لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِمَالِكِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ
الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ، وَالْأَرْضِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ عَظُمَتْ،
فَإِنَّهُ إذَا بِيعَ بَعْضُهَا، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِمَالِكِ الْبَعْضِ
الْبَاقِي، وَالشُّفْعَةُ كَالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
يُرَادُ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَنُقْصَانِ التَّصَرُّفِ، فَمَا
لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ، لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِ، فَكَذَلِكَ مَا لَا
شُفْعَةَ فِيهِ، لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ، وَعَكْسُ هَذَا مَا تَجِبُ
قِسْمَتُهُ، تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِ،
تَجِبُ قِسْمَتُهُ. وَلِأَنَّهُ لَوْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ
الْبُسْتَانِ، كَانَ صَلَاحًا لِبَاقِيهِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا. وَلَمْ
يَكُنْ صَلَاحًا لِمَا جَاوَزَهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا.
[فَصْلٌ كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا
دُونَ الزَّرْعِ]
(8313) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا
قِسْمَتَهَا دُونَ الزَّرْعِ، أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ
فِي الْأَرْضِ كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْقِسْمَةَ،
كَالْقُمَاشِ، وَسَوَاءٌ خَرَجَ الزَّرْعُ، أَوْ كَانَ بَذْرًا لَمْ
يَخْرُجْ، فَإِذَا قَسَمَاهَا، بَقِيَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا،
كَمَا لَوْ بَاعَا الْأَرْضَ لَغَيْرِهِمَا. وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا
قِسْمَةَ الزَّرْعِ مُنْفَرِدًا، لَمْ يُجْبَرْ الْآخَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ
الْقِسْمَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْدِيلِ الْمَقْسُومِ، وَتَعْدِيلُ
الزَّرْعِ بِالسِّهَامِ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ فِي
الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ.
وَإِنْ طَلَبَ قِسْمَتَهَا مَعَ الزَّرْعِ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ، جَازَ،
وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَصِيلًا، أَوْ اشْتَدَّ
الْحَبُّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ كَالشَّجَرِ فِي الْأَرْضِ،
وَالْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ
بَيْعٌ. لَمْ يُجْبَرْ إذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ
بَيْعَ السُّنْبُلِ بَعْضِهِ بِبَعْضِ. وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ
السَّنَابِلَ هَاهُنَا دَخَلَتْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، فَلَيْسَتْ
الْمَقْصُودَ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ النَّخْلَةِ الْمُثْمِرَةِ بِمِثْلِهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قِسْمَتِهَا مَعَ
الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ لِلنَّقْلِ عَنْهَا،
فَلَمْ تَجِبْ قِسْمَتُهُ مَعَهَا كَالْقُمَاشِ فِيهَا.
(10/107)
وَلَنَا، أَنَّهُ ثَابِتٌ فِيهَا
لِلنَّمَاءِ وَالنَّفْعِ، فَأَشْبَهَ الْغِرَاسَ، وَفَارَقَ الْقُمَاشَ،
فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالدَّارِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي
نَقْلِهِ. وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بَذْرًا فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ
أَصْحَابُنَا: لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ؛ لِجَهَالَتِهِ، وَكَوْنِهِ لَا
يُمْكِنُ إفْرَازُهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَيَحْتَمِلُ
الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ، فَلَا تَضُرُّ
جَهَالَتُهُ، كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا
فِيهَا زَرْعٌ فَاشْتَرَطُوا، مِلِكَهُ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ بَذْرًا
مَجْهُولًا.
[فَصْلٌ كَانَتْ الْأَرْضُ لِاثْنَيْنِ فَأَرَادَا قِسْمَةَ الْبِئْرِ
وَالشَّجَرَةِ دُونَ الْأَرْضِ]
(8314) فَصْلٌ: إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ قِيمَتُهَا مِائَةٌ، فِي
أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِئْرٌ قِيمَتُهَا مِائَةٌ، وَفِي الْآخَرِ شَجَرَةٌ
قِيمَتُهَا مِائَةٌ عَدَلْت بِالْقِيمَةِ، وَجَعَلْت الْبِئْرَ مَعَ نِصْفِ
الْأَرْضِ نَصِيبًا، وَالشَّجَرَةَ مَعَ النِّصْفِ الْآخَرِ نَصِيبًا.
فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ؛ نَظَرْت فِي الْأَرْضِ،
فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً أَوْ أَقَلَّ، لَمْ تَجِبْ الْقِسْمَةُ؛
لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ، لَمْ يُمْكِنْ التَّعْدِيلُ إلَّا
بِقِسْمَةِ الْبِئْرِ وَالشَّجَرَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا تَجِبُ
قِسْمَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً، فَجَعَلْنَاهَا سَهْمًا،
وَالْبِئْرَ سَهْمًا، وَالشَّجَرَةَ سَهْمًا، لَمْ يَحْصُلْ مَعَ الْبِئْرِ
وَالشَّجَرَةِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْضِ، فَيَصِيرُ هَذَا كَقِسْمَةِ
الشَّجَرِ وَحْدَهُ، وَقِسْمَةُ ذَلِكَ وَحْدَهُ لَيْسَتْ قِسْمَةَ
إجْبَارٍ.
وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ كَبِيرَةَ الْقِيمَةِ، بِحَيْثُ يَأْخُذُ بَعْضُ
الشُّرَكَاءِ سِهَامَهُمْ مِنْهَا، وَيَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ مَعَ
الْبِئْرِ وَالشَّجَرَةِ، وَجَبَتْ الْقِسْمَةُ، وَمِثَالُهُ أَنْ تَكُونَ
قِيمَةُ الْأَرْضِ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، فَيَجْعَلُهَا مِائَةً
وَخَمْسِينَ سَهْمًا، وَيُضَمُّ إلَى الْبِئْرِ مَا قِيمَتُهُ خَمْسُونَ،
وَإِلَى الشَّجَرَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ سِهَامٍ
مُتَسَاوِيَةً، وَفِي كُلِّ سَهْمٍ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ،
فَتَجِبُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً،
وَقِيمَةُ الْأَرْضِ أَرْبَعَمِائَةٍ، وَجَبْت الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّنَا
نَجْعَلُ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنْهَا سَهْمَيْنِ، وَمِائَةً مَعَ الْبِئْرِ
وَالشَّجَرَةِ سَهْمَيْنِ، فَتَعَدَّلَتْ السِّهَامُ.
وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِاثْنَيْنِ، فَأَرَادَا قِسْمَةَ الْبِئْرِ
وَالشَّجَرَةِ دُونَ الْأَرْضِ، لَمْ تَكُنْ قِسْمَةَ إجْبَارٍ، وَهَكَذَا
الْأَرْضُ ذَاتُ الشَّجَرِ، إذَا اُقْتُسِمَ الشَّجَرُ دُونَ الْأَرْضِ،
لَمْ تَكُنْ قِسْمَةَ إجْبَارٍ. وَلَوْ اقْتَسَمَاهَا بِشَجَرِهَا، كَانَتْ
قِسْمَةَ إجْبَارٍ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ يَدْخُلُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ،
فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهِ
الشُّفْعَةُ إذَا بِيعَ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْضِ بِشَجَرِهِ. وَإِذَا قُسِمَ
ذَلِكَ دُونَ الْأَرْضِ، صَارَ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ، لَيْسَ بِتَابِعٍ
لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، فَيَصِيرُ كَأَعْيَانِ مُفْرَدَةٍ مِنْ الدُّورِ
وَالدَّكَاكِينِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ
إذَا بِيعَ مُفْرَدًا. وَكُلُّ قِسْمَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ، إذَا تَرَاضَيَا
بِهَا، فَهِيَ بَيْعٌ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْعِ.
[مَسْأَلَةُ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ]
(8315) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا قُسِمَ، طُرِحَتْ السِّهَامُ،
فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا وَقَعَ سَهْمُهُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ
يَتَرَاضَيَا، فَيَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا رَضِيَ بِهِ)
(10/108)
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى
ضَرْبَيْنِ؛ قِسْمَةُ إجْبَارٍ، وَقِسْمَةُ تَرَاضٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا
أَنَّ قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ مَا أَمْكَنَ التَّعْدِيلُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ
رَدٍّ. وَلَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ تَكُونَ
السِّهَامُ مُتَسَاوِيَةً، وَقِيمَةُ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ
مُتَسَاوِيَةً. الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُتَسَاوِيَةً،
وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ مُخْتَلِفَةً. الثَّالِثُ، أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ
مُخْتَلِفَةً وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ مُتَسَاوِيَةً. الرَّابِعُ، أَنْ
تَكُونَ السِّهَامُ مُخْتَلِفَةً، وَالْقِيمَةُ مُخْتَلِفَةً.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَمِثْلُ أَرْضٍ بَيْنَ سِتَّةٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ سُدُسُهَا، وَقِيمَةُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مُتَسَاوِيَةٌ،
فَهَذِهِ تَعْدِلُهَا بِالْمِسَاحَةِ سِتَّةُ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةٍ؛
لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعْدِيلِهَا بِالْمِسَاحَةِ تَعْدِيلُهَا
بِالْقِيمَةِ، لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا فِي الْقِيمَةِ، ثُمَّ يُقْرَعُ
بَيْنَهُمْ، وَكَيْفَمَا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ جَازَ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ
أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إنْ شَاءَ رِقَاعًا،
وَإِنْ شَاءَ خَوَاتِيمَ، يُطْرَحُ ذَلِكَ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ،
وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَاتَمٌ مُعَيَّنٌ، ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجْ
خَاتَمًا عَلَى هَذَا السَّهْمِ. فَمَنْ خَرَجَ خَاتَمَهُ فَهُوَ لَهُ،
وَعَلَى هَذَا، لَوْ أَقْرَعَ بِالْحَصَى أَوْ غَيْرِهِ جَازَ.
وَاخْتَارَ أَصْحَابُنَا فِي الْقُرْعَةِ أَنْ يَكْتُبَ رِقَاعًا
مُتَسَاوِيَةً بِعَدَدِ السِّهَامِ، وَهُوَ هَاهُنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ
يُخْرِجَ الْأَسْمَاءَ عَلَى السِّهَامِ، وَبَيْنَ إخْرَاجِ السِّهَامِ
عَلَى الْأَسْمَاءِ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْأَسْمَاءَ عَلَى السِّهَامِ،
كَتَبَ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمَ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ، وَتُتْرَكُ
فِي بَنَادِقَ طِينٍ أَوْ شَمْعٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ،
وَيُتْرَكُ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْقِسْمَةَ، وَيُقَالُ لَهُ:
أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ. فَإِذَا أَخْرَجَهَا كَانَ
ذَلِكَ السَّهْمُ لِمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي الْبُنْدُقَةِ، ثُمَّ يُخْرِجُ
أُخْرَى عَلَى سَهْمٍ آخَرَ، كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى الْأَخِيرُ،
فَيَتَعَيَّنَ لِمَنْ بَقِيَ. وَإِنْ اخْتَارَ إخْرَاجَ السِّهَامِ عَلَى
الْأَسْمَاءِ، كَتَبَ فِي الرِّقَاعِ أَسْمَاءَ السِّهَامِ، فَيَكْتُبُ فِي
رُقْعَةِ الْأَوَّلِ مِمَّا يَلِي جِهَةَ كَذَا، وَفِي أُخْرَى الثَّانِيَ،
حَتَّى يَكْتُبَ السِّتَّةَ، ثُمَّ يُخْرِجُ الرُّقْعَةَ عَلَى وَاحِدٍ
بِعَيْنِهِ، فَيَكُونُ لَهُ السَّهْمُ الَّذِي فِي الرُّقْعَةِ.
وَيَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى الْأَخِيرُ، فَيَتَعَيَّنُ لِمَنْ
بَقِيَ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ، أَنَّ الْبَنَادِقَ تُجْعَلُ طِينًا،
وَتُطْرَحُ فِي مَاءٍ، وَيُعَيَّنُ وَاحِدٌ، فَأَيُّ الْبَنَادِقِ انْحَلَّ
الطِّينُ عَنْهَا، وَخَرَجَتْ رُقْعَتُهَا عَلَى الْمَاءِ، فَهِيَ لَهُ،
وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ خَرَجَ اثْنَانِ
أُعِيدَ الْإِقْرَاعُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَسْهَلُ. الْقِسْمُ
الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُتَّفِقَةً وَالْقِيمَةُ
مُخْتَلِفَةً، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُعْدَلُ بِالْقِيمَةِ، وَتُجْعَلُ
سِتَّةَ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ. وَيُفْعَلُ فِي إخْرَاجِ
السِّهَامِ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءً، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا
أَنَّ التَّعْدِيلَ تَمَّ بِالسِّهَامِ، وَهَا هُنَا بِالْقِيمَةِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ، أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مُتَسَاوِيَةً وَالسِّهَامُ
مُخْتَلِفَةً؛ مِثْلُ أَرْضٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا،
وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا، وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا، وَأَجْزَاؤُهَا
مُتَسَاوِيَةُ الْقِيمَةِ، فَإِنَّهَا تُجْعَلُ سِهَامًا بِقَدْرِ
أَقَلِّهَا، وَهُوَ السُّدُسُ، فَتُجْعَلُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ، وَتُعَدَّلُ
بِالْأَجْزَاءِ، وَيَكْتُبُ ثَلَاثَ رِقَاعٍ بِأَسْمَائِهِمْ، وَيُخْرِجُ
رُقْعَةً عَلَى السَّهْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِصَاحِبِ
(10/109)
السُّدُسِ، أَخَذَهُ، ثُمَّ يُخْرِجُ
أُخْرَى عَلَى الثَّانِي، فَإِنْ خَرَجَتْ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَخَذَ
الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، وَكَانَتْ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ لِصَاحِبِ
النِّصْفِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، وَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ الثَّانِيَةُ
لِصَاحِبِ النِّصْفِ، أَخَذَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ،
وَكَانَ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَتْ
الْقُرْعَةُ الْأُولَى لِصَاحِبِ النِّصْفِ، أَخَذَ الثَّلَاثَةَ
الْأُوَلَ، وَتَخْرُجُ الثَّانِيَةُ عَلَى الرَّابِعِ، فَإِنْ خَرَجَتْ
لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَخَذَهُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ، وَكَانَ السَّادِسُ
لِصَاحِبِ السُّدُسِ، فَإِنْ خَرَجَتْ الثَّانِيَةُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ،
أَخَذَهُ، وَأَخَذَ الْآخَرُ الْخَامِسَ وَالسَّادِسَ، وَإِنْ خَرَجَتْ
الْأُولَى لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَخَذَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ، ثُمَّ
يُخْرِجُ الثَّانِيَةَ عَلَى الثَّالِثِ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِصَاحِبِ
النِّصْفِ، أَخَذَ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ، وَأَخَذَ
الْآخَرُ السَّادِسَ، وَإِنْ خَرَجَتْ الثَّانِيَةُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ،
أَخَذَهُ، وَأَخَذَ صَاحِبُ النِّصْفِ مَا بَقِيَ.
وَقِيلَ: تُكْتَبُ سِتَّةُ رِقَاعٍ، بِاسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثٌ،
وَبِاسْمِ صَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ، وَبِاسْمِ صَاحِبِ السُّدُسِ
وَاحِدَةٌ. وَهَذَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ خُرُوجُ
اسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ، وَإِذَا كَتَبَ ثَلَاثَ رِقَاعٍ حَصَلَ
الْمَقْصُودُ فَأَغْنَى. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكْتُبَ رِقَاعًا بِأَسْمَاءِ
السِّهَامِ، وَيُخْرِجَهَا عَلَى أَسْمَاءِ الْمُلَّاكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا
أَخْرَجَ وَاحِدَةً فِيهَا السَّهْمُ الثَّانِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ، ثُمَّ
أَخْرَجَ أُخْرَى لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ فِيهِمَا السَّهْمُ
الْأَوَّلُ، احْتَاجَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مُتَفَرِّقًا، فَيَتَضَرَّرُ
بِذَلِكَ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ، إذَا اخْتَلَفَتْ السِّهَامُ وَالْقِيمَةُ، فَإِنَّ
الْقَاسِمَ يَعْدِلُ السِّهَامَ بِالْقِيمَةِ، وَيَجْعَلُهَا سِتَّةَ
أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيَمِ، ثُمَّ يُخْرِجُ الرِّقَاعَ فِيهَا
الْأَسْمَاءُ عَلَى السِّهَامِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ
سَوَاءً، لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنَّ التَّعْدِيلَ هَاهُنَا
بِالْقِيَمِ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا بِالْمِسَاحَةِ. وَأَمَّا الضَّرْبُ
الثَّانِي، وَهِيَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي الَّتِي فِيهَا رَدٌّ، وَلَا
يُمْكِنُ تَعْدِيلُ السِّهَامِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مَعَ بَعْضِهَا عِوَضٌ،
فَهَذِهِ لَا إجْبَارَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَا يُجْبَرُ
عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ،
كَالدَّارَيْنِ تُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَهْمًا، وَمَا
يَدْخُلُ الضَّرَرُ عَلَيْهِمَا بِقِسْمَتِهِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، وَقَدْ
ذَكَرْنَا مِنْهُ صُوَرًا فِيمَا تَقَدَّمَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ
قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ تَلْزَمُ بِإِخْرَاجِ الْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّ قُرْعَةَ
قَاسِمِ الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِهِ فَيَلْزَمُ بِإِخْرَاجِهَا
كَلُزُومِ حُكْمِ الْحَاكِمِ.
وَأَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي، فَفِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا،
تَلْزَمُهُ أَيْضًا، كَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّ الْقَاسِمَ
كَالْحَاكِمِ، وَقُرْعَتَهُ كَحُكْمِهِ. وَالثَّانِي، لَا تَلْزَمُ؛
لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَالْبَيْعُ يَلْزَمُ بِالتَّرَاضِي، لَا
بِالْقُرْعَةِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ هَاهُنَا لِتَعْرِيفِ الْبَائِعِ
مِنْ الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا إنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدًا مِنْ السَّهْمَيْنِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ،
فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا،
وَكَذَلِكَ لَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَاخْتَارَ، وَيَلْزَمُ
هَاهُنَا بِالتَّرَاضِي وَتَفَرُّقِهِمَا، كَمَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ.
(10/110)
[فَصْلٌ لِلشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَقْتَسِمَا
بِأَنْفُسِهِمَا وَأَنْ يَأْتِيَا الْحَاكِمَ لِيُنَصِّبَ بَيْنَهُمَا
قَاسِمًا]
(8316) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَقْتَسِمَا
بِأَنْفُسِهِمَا، وَأَنْ يَأْتِيَا الْحَاكِمَ لِيُنَصِّبَ بَيْنَهُمَا
قَاسِمًا يَقْسِمُ لَهُمَا، وَأَنْ يُنَصِّبَا قَاسِمًا يَقْسِمُ لَهُمَا،
فَإِنْ نَصَّبَ الْحَاكِمُ قَاسِمًا لَهُمَا، فَمِنْ شَرْطِهِ
الْعَدَالَةُ، وَمَعْرِفَةُ الْحِسَابِ وَالْقِيمَةِ وَالْقِسْمَةِ،
لِيُوصِلَ إلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ،
إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ حُرًّا.
وَإِنْ نَصَّبَا قَاسِمًا بَيْنَهُمَا، فَكَانَ عَلَى صِفَةِ قَاسِمِ
الْحَاكِمِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَهُوَ كَقَاسِمِ
الْحَاكِمِ، فِي لُزُومِ قِسْمَتِهِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا،
أَوْ فَاسِقًا، أَوْ غَيْرَ عَارِفٍ بِالْقِسْمَةِ، لَمْ تَلْزَمْ
قِسْمَتُهُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا بِهَا، وَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ،
فِيمَا يَرْجِعُ إلَى لُزُومِ الْقِسْمَةِ. وَيُجْزِئُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ
فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ، فَإِنْ احْتَاجَ الْقَسْمُ إلَى
التَّقْوِيمِ، احْتَاجَ إلَى قَاسِمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ
يَكُونَ الْمُقَوِّمُ اثْنَيْنِ، وَلَا يَكْفِي فِي التَّقْوِيمِ وَاحِدٌ.
فَمَتَى نَصَّبَا قَاسِمًا أَوْ نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ، وَكَانَتْ
الشُّرُوطُ فِيهِ مُتَحَقِّقَةً، لَزِمَتْ الْقِسْمَةُ بِقُرْعَتِهِ.
وَإِنْ اخْتَلَّ فِيهِ بَعْضُ الشُّرُوطِ، لَمْ تَلْزَمْ الْقِسْمَةُ إلَّا
بِتَرَاضِيهِمَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ وَاحِدٌ. وَإِنْ قَسَمَا
بِأَنْفُسِهِمَا، وَأَقْرَعَا، لَمْ تَلْزَمْ الْقِسْمَةُ إلَّا
بِتَرَاضِيهِمَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاكِمَ بَيْنَهُمَا،
وَلَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.
[فَصْلٌ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ]
(8317) فَصْلٌ: وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَ الْقَاسِمَ مِنْ بَيْتِ
الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اتَّخَذَ قَاسِمًا، وَجَعَلَ لَهُ رِزْقًا مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ لَمْ يَرْزُقْهُ الْإِمَامُ، قَالَ الْحَاكِمُ
لِلْمُتَقَاسَمَيْنِ: ادْفَعَا إلَى الْقَاسِمِ أُجْرَةً لِيَقْسِمَ
بَيْنَكُمَا. فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَجْرٍ
مَعْلُومٍ لِيَقْسِمَ نَصِيبَهُ، جَازَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ جَمِيعًا
إجَارَةً وَاحِدَةً لِيَقْسِمَ بَيْنَهُمْ الدَّارَ بِأَجْرِ وَاحِدٍ
مَعْلُومٍ، لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ
نَصِيبِهِ مِنْ الْمَقْسُومِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ؛
لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا كَعَمَلِهِ فِي نَصِيبِ
الْآخَرِ، سَوَاءٌ تَسَاوَتْ سِهَامُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَتْ، فَإِنَّ
الْأَجْرَ بَيْنَهُمْ سَوَاءٌ. وَلَنَا أَنَّ أَجْرَ الْقِسْمَةِ
يَتَعَلَّقُ بِالْمِلِكِ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ،
كَنَفَقِهِ الْعَبْدِ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي
أَكْبَرِ النَّصِيبَيْنِ أَكْثَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْسُومَ لَوْ
كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، كَانَ كَيْلُ الْكَثِيرِ أَكْثَرَ عَمَلًا
مِنْ كَيْلِ الْقَلِيلِ، وَكَذَلِكَ الْوَزْنُ وَالزَّرْعُ، وَعَلَى
أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْحَافِظِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
سَوَاءٌ، وَيَخْتَلِفُ أَجْرُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ.
(8318) فَصْلٌ: وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ
أَحَدُهُمَا الطَّالِبَ لَهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ،
وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ عَلَى
الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لَهُ. وَلَنَا، أَنَّ
الْأُجْرَةَ تَجِبُ بِإِفْرَازِ الْأَنْصِبَاءِ، وَهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ،
فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا.
(10/111)
[فَصْلٌ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ
غَلَطًا فِي الْقِسْمَةِ وَأَنَّهُ أُعْطِيَ دُونَ حَقِّهِ]
(8319) فَصْلٌ: وَإِذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ غَلَطًا فِي
الْقِسْمَةِ، وَأَنَّهُ أُعْطِيَ دُونَ حَقِّهِ؛ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَتْ
قِسْمَتُهُ تَلْزَمُ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا تَقِفُ عَلَى تَرَاضِيهِمَا،
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا تُقْبَلُ
دَعْوَى الْمُدَّعِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، فَإِنْ أَقَامَ
شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ وَأُعِيدَتْ، وَإِنْ لَمْ
تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَطَلَبَ يَمِينَ شَرِيكِهِ أَنَّهُ لَا فَضْلَ مَعَهُ،
أُحْلِفَ لَهُ. وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛
لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْقِسْمَةِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ فِيهَا.
وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالتَّرَاضِي، كَاَلَّذِي
قَسَمَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا وَنَحْوِهِ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَى مِنْ ادَّعَى
الْغَلَطَ. هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَرِضَاهُ
بِالزِّيَادَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ تَلْزَمُهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي
أَنَّ هَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَأَنَّهُ مَتَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ
بِالْغَلَطِ، نَقَضَتْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُحْتَمِلٌ
ثَبَتَ بِبَيِّنَةِ عَادِلَةٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ
بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا فِي
كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ حَقَّهُ مِنْ الزِّيَادَةِ
سَقَطَ بِرِضَاهُ.
لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ مَعَ عِلْمِهِ، أَمَّا إذَا ظَنَّ
أَنَّهُ أُعْطِيَ حَقَّهُ فَرَضِيَ بِنَاءً عَلَى هَذَا، ثُمَّ بَانَ لَهُ
الْغَلَطُ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ كَالثَّمَنِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ؛
فَإِنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ
مَكَايِيلَ، رَاضِيًا بِذَلِكَ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ ثَمَانِيَةٌ، أَوْ
ادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنَّهُ غَلِطَ فَأَعْطَاهُ اثْنَيْ عَشْرَ
وَثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بِالرِّضَا، وَلَا يَمْنَعُ سَمَاعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتِهِ، وَلِأَنَّ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ أَقَرَّ بِالْغَلَطِ،
لَنَقَضَتْ الْقِسْمَةُ، وَلَوْ سَقَطَ حَقُّ الْمُدَّعِي بِالرِّضَى،
لَمَا نَقَضَتْ الْقِسْمَةُ بِإِقْرَارِهِ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ
الزَّائِدَ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي مَنْ بَاعَ
دَارًا عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ، فَبَانَتْ تِسْعَةً أَوْ أَحَدَ
عَشْرَ، أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي
الْآخَرِ، تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ، وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ.
وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالتَّرَاضِي، فَلَوْ كَانَ التَّرَاضِي
يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْ الزِّيَادَةِ، لَسَقَطَ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ
الزِّيَادَةِ، وَحَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ النَّقْصِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِأَنَّ مَنْ رَضِيَ بِشَيْءِ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ،
لَمْ يَسْقُطْ بِهِ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ اقْتَسَمَا شَيْئًا، وَتَرَاضَيَا
بِهِ، ثُمَّ بَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مُسْتَحَقًّا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ
لَا تُعْطِي الْمَظْلُومَ حَقَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا
تَنْقُصُ الْقِسْمَةَ، كَمَا لَوْ تَبَيَّنَ الْغَلَطُ فِي الثَّمَنِ، أَوْ
الْمُسْلَمِ فِيهِ. قُلْنَا: لِأَنَّ الْغَلَطَ هَاهُنَا فِي نَفْسِ
الْقِسْمَةِ، بِتَفْوِيتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا، وَهُوَ تَعْدِيلُ
السِّهَامِ، فَتَبْطُلُ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَفِي الْمُسْلَمِ
وَالثَّمَنِ الْغَلَطُ فِي الْقَبْضِ دُونَ الْعَقْدِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ
قَدْ تَمَّ بِشُرُوطِهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ الْغَلَطُ فِي قَبْضِ عِوَضِهِ
فِي صِحَّتِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
(10/112)
[فَصْلٌ اقْتَسَمَ الشَّرِيكَانِ شَيْئًا
فَبَانَ بَعْضُهُ مُسْتَحَقًّا]
(8320) فَصْلٌ: إذَا اقْتَسَمَ الشَّرِيكَانِ شَيْئًا، فَبَانَ بَعْضُهُ
مُسْتَحَقًّا؛ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا،
بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: لَا تَبْطُلُ، بَلْ يُخَيَّرُ مَنْ ظَهَرَ الْمُسْتَحَقُّ فِي
نَصِيبِهِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ، كَمَا
لَوْ وَجَدَ عَيْبًا فِيمَا أَخَذَهُ. وَلَنَا، أَنَّهَا قِسْمَةٌ لَمْ
تُعَدَّلْ فِيهَا السِّهَامُ، فَكَانَتْ بَاطِلَةً، كَمَا لَوْ فَعَلَا
ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْحَالِ. وَأَمَّا إذَا بَانَ نُصِيبُ
أَحَدِهِمَا مَعِيبًا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تُمْنَعَ الْمَسْأَلَةُ،
فَنَقُولَ بِبُطْلَانِ الْقِسْمَةِ؛ لِعَدَمِ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ،
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْعَيْبَ لَا يُمْكِنُ
التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْبُطْلَانِ، كَالْبَيْعِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ فِي نَصِيبِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، لَمْ
تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ مَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بَعْدَ الْمُسْتَحَقِّ قَدْرَ حَقِّهِ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ
حَقِّ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ أَفْرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
حَقَّهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرَرُ الْمُسْتَحَقِّ فِي نَصِيبِ
أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ، مِثْلُ أَنْ يَسُدَّ طَرِيقَهُ، أَوْ مَجْرَى
مَائِهِ، أَوْ وَضُوئِهِ، أَوْ نَحْوِ هَذَا، فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ؛
لِأَنَّ هَذَا يَمْنَعُ التَّعْدِيلَ. وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ فِي
نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، بَطَلَتْ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مُشَاعًا فِي نَصِيبِهِمَا، بَطَلَتْ
الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَ شَرِيكُهُمَا وَقَدْ اقْتَسَمَا مِنْ
غَيْرِ حُضُورِهِ وَلَا إذْنِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ لَهُمَا
شَرِيكٌ يَعْلَمَانِهِ، فَاقْتَسَمَا دُونَهُ. وَإِنْ كَانَا يَعْلَمَانِ
الْمُسْتَحَقَّ حَالَ الْقِسْمَةِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، فَالْحُكْمُ فِيهَا
كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمَاهُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ
فِيهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(8321) فَصْلٌ: وَإِذَا ظَهَرَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَيْبٌ لَمْ
يَعْلَمْهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَلَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ أَوْ الرُّجُوعُ
بِأَرْشِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي نَصِيبِهِ، فَمَلَكَ ذَلِكَ،
كَالْمُشْتَرِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَبْطُلَ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ
التَّعْدِيلَ فِيهَا شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
[فَصْلٌ اقْتَسَمَا دَارَيْنِ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا
وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُهُ]
(8322) فَصْلٌ: وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارَيْنِ، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا دَارًا، وَبَنَى فِيهَا، أَوْ اقْتَسَمَا أَرْضَيْنِ، فَبَنَى
أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُهُ،
وَنُقِضَ بِنَاؤُهُ، وَقُلِعَ غَرْسُهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى
شَرِيكِهِ بِنِصْفِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. ذَكَرَهُ
(10/113)
الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَحَكَاهُ
أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ الْقَاضِي.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَيْسَ لَهُ
الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ بَنَى وَغَرَسَ بِاخْتِيَارِ
نَفْسِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِنَقْصِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ
بَنَى فِي مِلْكِ نَفْسِهِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ
بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّ الدَّارَيْنِ لَا يُقْسَمَانِ قِسْمَةَ
إجْبَارٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَصِيبًا،
وَإِنَّمَا يُقْسَمَانِ كَذَلِكَ بِالتَّرَاضِي، فَتَكُونُ جَارِيَةً
مَجْرَى الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَهُ الدَّارَ جَمِيعَهَا، ثُمَّ بَانَتْ
مُسْتَحَقَّةً، رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ كُلِّهِ، فَإِذَا بَاعَهُ
نِصْفَهَا، رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي كُلِّ
قِسْمَةٍ جَارِيَةٍ مَجْرَى الْبَيْعِ، وَهِيَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي،
الَّذِي فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ، وَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهِ لَضَرَرٍ
فِيهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَأَمَّا قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ، إذَا ظَهَرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا
مُسْتَحَقًّا بَعْدَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِيهِ، فَنُقِضَ الْبِنَاءُ،
وَقُلِعَ الْغَرْسُ، فَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ. فَالْحُكْمُ
فِيهَا كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ بَيْعًا. لَمْ يَرْجِعْ؛
لِأَنَّ شَرِيكَهُ لَمْ يُغْرِهِ، وَلَمْ يَنْقُلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ
بَيْعٌ، وَإِنَّمَا أُفْرِزَ حَقُّهُ مِنْ حَقِّهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ
مَا غَرِمَ فِيهِ. هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيه قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
[فَصْلٌ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ ثُمَّ بَانَ عَلَيْهِ
دَيْنٌ]
(8323) فَصْلٌ: وَإِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ، ثُمَّ
بَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا مِمَّا اقْتَسَمُوهُ، لَمْ
تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا
يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فِيهَا، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا بِغَيْرِ
رِضَاهُمْ، فَأَشْبَهَ تَعَلُّقَ دَيْنِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ
الْجَانِي، وَيُفَارِقُ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَتَعَلَّقُ بِهِ
بِرِضَا مَالِكِهِ وَاخْتِيَارِهِ. فَعَلَى هَذَا يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ:
إنْ شِئْتُمْ وَفَّيْتُمْ الدَّيْنَ وَالْقِسْمَةُ بِحَالِهَا، وَإِنْ
أَبَيْتُمْ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ وَبِيعَتْ التَّرِكَةُ فِي الدَّيْنِ.
فَإِنْ أَجَابَ أَحَدُهُمْ، وَامْتَنَعَ الْآخَرُ، بِيعَ نَصِيبُ
الْمُمْتَنِعِ وَحْدَهُ، وَبَقِيَ نَصِيبُ الْمُجِيبِ بِحَالِهِ. وَإِنْ
كَانَ ثَمَّ وَصِيَّةٌ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَقْسُومِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ
كَمَا لَوْ ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا، عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهِ؛
لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ أَخْذُهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَالٍ
غَيْرِ مُعَيَّنٍ، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَحُكْمُهَا
حُكْمُ الدَّيْنِ، عَلَى مَا بَيَّنَّا.
[فَصْلٌ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ الْمُهَايَأَةَ مِنْ
غَيْرِ قِسْمَةٍ]
(8324) فَصْلٌ: وَإِذَا طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ
الْمُهَايَأَةَ مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ، إمَّا فِي الْأَجْزَاءِ بِأَنْ
يَجْعَلَ لِأَحَدِهِمَا بَعْضَ الدَّارِ يَسْكُنُهَا، أَوْ بَعْضَ
الْحَقْلِ يَزْرَعُهُ، وَيَسْكُنُ الْآخَرَ، وَيَزْرَعُ فِي الْبَاقِي،
أَوْ يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا، وَيَزْرَعُ سَنَةً، وَيَسْكُنُ الْآخَرُ،
وَيَزْرَعُ سَنَةً أُخْرَى، لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا.
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ:
يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْهُ ضَرَرًا، فَيَنْتَفِي
بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» .
وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبِيدِ خَاصَّةً، عَلَى أَنَّهُ لَا
يُجْبَرُ عَلَى الْمُهَايَأَةِ. وَلَنَا، أَنَّ الْمُهَايَأَةَ
مُعَاوَضَةٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ حَقَّ كُلِّ
وَاحِدٍ فِي الْمَنْفَعَةِ عَاجِلٌ، فَلَا يَجُوزُ
(10/114)
تَأْخِيرُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ،
كَالدَّيْنِ، وَكَمَا فِي الْعَبِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيُخَالِفُ
قِسْمَةَ الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ إفْرَازُ النَّصِيبَيْنِ، وَتَمْيِيزُ
أَحَدِ الْحَقَّيْنِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ،
جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَجَازَ فِيهِ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ،
كَقِسْمَةِ التَّرَاضِي، وَلَا يَلْزَمُ، بَلْ مَتَى رَجَعَ أَحَدُهُمَا
عَنْهَا، انْتَقَضَتْ الْمُهَايَأَةُ. وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا
الْقِسْمَةَ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَانْتَقَضَتْ الْمُهَايَأَةُ. وَوَافَقَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي انْتِقَاضِهَا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَلْزَمُ الْمُهَايَأَةُ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا
عِنْدَهُ، فَلَزِمَتْ، كَقِسْمَةِ الْأَصْلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ بَذَلَ
مَنَافِعَ لِيَأْخُذَ مَنَافِعَ مِنْ غَيْرِ إجَارَةٍ، فَلَمْ يَلْزَمْ،
كَمَا لَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا لِيُعِيرَهُ شَيْئًا آخَرَ إذَا احْتَاجَ
إلَيْهِ، وَفَارَقَ الْقِسْمَةَ، فَإِنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ، عَلَى مَا
ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ اقْتَسَمُوا دَارًا وَحَصَلَ لِبَعْضِهِمْ فِيهَا زِيَادَةُ
أَذْرُعٍ وَلِبَعْضِهِمْ نُقْصَانٌ ثُمَّ بَاعُوا الدَّارَ جُمْلَةً
وَاحِدَةً]
(8325) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي قَوْمٍ اقْتَسَمُوا دَارًا، وَحَصَلَ
لِبَعْضِهِمْ فِيهَا زِيَادَةُ أَذْرُعٍ، وَلِبَعْضِهِمْ نُقْصَانٌ، ثُمَّ
بَاعُوا الدَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً: قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمْ عَلَى
قَدْرِ الْأَذْرُعِ. يَعْنِي أَنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى
قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِيهَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ
أَحَدِهِمَا فِي الْأَذْرُعِ كَزِيَادَةِ مِلْكِهِ فِيهَا. مِثْلُ أَنْ
يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الْخُمُسَانِ، فَيَحْصُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ
ذِرَاعًا، وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، فَيَحْصُلَ لَهُ سِتُّونَ،
فَإِنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ
مِلْكِهِمَا فِي الدَّارِ، فَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةُ الْأَذْرُعِ
لِرَدَاءَةِ مَا أَخَذَهُ صَاحِبُهَا، مِثْلُ دَارٍ بَيْنَهُمَا
نِصْفَيْنِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا بِنَصِيبِهِ مِنْ جَيِّدِهَا أَرْبَعِينَ
ذِرَاعًا، وَأَخَذَ الْآخَرُ مِنْ رَدِيئِهَا سِتِّينَ ذِرَاعًا، فَلَا
يَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْأَذْرُعِ، بَلْ
يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ السِّتِّينَ هَاهُنَا
مَعْدُولَةٌ بِالْأَرْبَعِينَ، فَكَذَلِكَ يَعْدِلُ بِهَا فِي الثَّمَنِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي قَوْمٍ اقْتَسَمُوا دَارًا كَانَتْ أَرْبَعَةَ
سُطُوحٍ، يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ، فَلَمَّا اقْتَسَمُوا أَرَادَ
أَحَدُهُمْ مَنْعَ جَرَيَانِ مَاءِ الْآخَرِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا
شَيْءٌ قَدْ صَارَ لِي. قَالَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ أَنَّهُ
يَرُدُّ الْمَاءَ، فَلَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ، فَلَيْسَ لَهُ
مَنْعُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ وَأَطْلَقُوا،
فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ بِحُقُوقِهَا،
وَكَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِحُقُوقِهَا، وَمِنْ حَقِّهَا جَرَيَانُ
مَائِهَا فِي مَاءٍ كَانَ يَجْرِي إلَيْهِ مُعْتَادٍ لَهُ، وَهُوَ عَلَى
سَطْحِ الْمَانِعِ، فَلِهَذَا اسْتَحَقَّهُ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ
تَشَارَطَا عَلَى رَدِّهِ، فَالشَّرْطُ أَمْلَكُ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى
شُرُوطِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إذَا اقْتَسَمَا دَارًا، فَحَصَلَ الطَّرِيقُ
فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَكَانَ لِنَصِيبِ الْآخَرِ مَنْفَذٌ يَتَطَرَّقُ
مِنْهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ
تَقْتَضِي التَّعْدِيلَ، وَالنَّصِيبُ الَّذِي لَا طَرِيقَ لَهُ لَا
قِيمَةَ لَهُ إلَّا
(10/115)
قِيمَةً قَلِيلَةً، فَلَا يَحْصُلُ
التَّعْدِيلُ، وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، أَنْ
يَكُونَ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ
بِهِ، وَهَذَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ آخِذُهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهُ
رَاضِيًا بِهِ، عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ، جَازَ؛ لِأَنَّ
قِسْمَةَ التَّرَاضِي بَيْعٌ، وَشِرَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ،
وَقِيَاسُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، أَنَّ الطَّرِيقَ تَبْقَى
بِحَالِهَا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْ صَرْفَهَا عَنْهُ،
كَمَجْرَى الْمَاءِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ قِسْمَةُ مَالِ الصَّغِيرِ مَعَ شَرِيكِهِ]
(8326) فَصْلٌ: قَالَ: وَلِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ قِسْمَةُ مَالِ الصَّغِيرِ
مَعَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إمَّا إفْرَازُ حَقٍّ، أَوْ بَيْعٌ،
وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ لَهُمَا، وَلِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَصْلَحَةً
لِلصَّبِيِّ، فَجَازَتْ، كَالشِّرَاءِ لَهُ، وَيَحُوزُ لَهُمَا قِسْمَةُ
التَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعًا
لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهُ لِضَرَرِ الْحَاجَةِ
إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، أَوْ الْحَاجَةِ إلَى النَّفَقَةِ.
[فَصْلٌ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا وِلَايَةُ الْقَضَاءِ]
(8327) فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ إلَّا بِتَوْلِيَةِ
الْإِمَامِ، أَوْ مَنْ فَوَّضَ الْإِمَامُ إلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ
مَنْ وَلَّاهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، فَهَلْ تَصِحُّ وِلَايَتُهُ؟ عَلَى
وَجْهَيْنِ. وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَخْتَارَ لِلْقَضَاءِ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَهُمْ. وَالْأَلْفَاظُ
الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْوِلَايَةُ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ
وَكِنَايَةٍ، فَالصَّرِيحَةُ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ؛ وَهِيَ: قَدْ وَلَّيْتُك
الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُك، وَاسْتَنَبْتُكَ، وَاسْتَخْلَفْتُك، وَرَدَدْت
إلَيْك الْحُكْمَ، وَفَوَّضْت إلَيْك، وَجَعَلْت إلَيْك. فَإِذَا وُجِدَ
أَحَدُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ الْمُوَلِّي، وَجَوَابُهَا مِنْ
الْمُوَلِّي بِالْقَبُولِ، انْعَقَدَتْ الْوِلَايَةُ. وَأَمَّا
الْكِنَايَةُ، فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ: قَدْ اعْتَمَدْت عَلَيْك،
وَعَوَّلْت عَلَيْك، وَوَكَلْت إلَيْك، وَأَسْنَدْت إلَيْك. فَلَا
تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ بِهَا حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ، نَحْوُ
قَوْلِهِ: فَاحْكُمْ فِيمَا وَكَلْت إلَيْك، وَانْظُرْ فِيمَا أَسْنَدْت
إلَيْك، وَتَوَلَّ مَا عَوَّلْت فِيهِ عَلَيْك.
وَإِذَا صَحَّتْ الْوِلَايَةُ، وَكَانَتْ عَامَّةً، اسْتَفَادَ بِهَا
النَّظَرَ فِي عَشْرَةِ أَشْيَاءَ: فَصْلُ الْخُصُومَات بَيْنَ
الْمُتَنَازِعِينَ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ،
وَدَفْعُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَالنَّظَرُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى
وَالْمَجَانِينِ، وَالْحَجْرُ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ
لَسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَالنَّظَرُ فِي الْوُقُوفِ، فِي عَمَلِهِ فِي
حِفْظِ أُصُولِهَا، وَإِجْرَاءِ فُرُوعِهَا عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ،
وَتَزْوِيجُ الْأَيَامَى اللَّاتِي لَا أَوْلِيَاءَ لَهُنَّ، وَإِقَامَةُ
الْحُدُودِ وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فِي عَمَلِهِ
بِكَفِّ الْأَذَى عَنْ طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَفْنِيَتِهِمْ،
وَتَصَفُّحُ حَالِ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ،
(10/116)
وَالِاسْتِبْدَالُ بِمَنْ ثَبَتَ جَرْحُهُ
مِنْهُمْ، وَالْإِمَامَةُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ. وَفِي
جِبَايَةِ الْخَرَاجِ، وَأَخْذِ الصَّدَقَةِ وَجْهَانِ. (8328) فَصْلٌ:
قَالَ وَيُوصِي الْوُكَلَاءَ وَالْأَعْيَانَ عَلَى بَابِهِ بِتَقْوَى
اللَّهِ تَعَالَى، وَالرِّفْقِ بِالْخُصُومِ، وَقِلَّةِ الطَّمَعِ،
وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يَكُونُوا شُيُوخًا أَوْ كُهُولًا مِنْ أَهْلِ
الدِّينِ وَالصِّيَانَةِ وَالْعِفَّةِ.
[فَصْلٌ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يُفْتِيَ فِي الْأَحْكَامِ]
(8329) فَصْلٌ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ
يُفْتِيَ فِي الْأَحْكَامِ. كَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ: أَنَا أَقْضِي وَلَا
أُفْتِي. وَأَمَّا الْفُتْيَا فِي الطَّهَارَةِ وَسَائِرِ مَا لَا يُحْكَمُ
فِي مِثْلِهِ، فَلَا بَأْسَ بِالْفُتْيَا فِيهِ.
(10/117)
|