الهداية
على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني كِتَابُ الشُّفْعَةِ (6)
الشُّفْعَةُ: هِيَ اسْتِحْقَاقُ انْتِزَاعِ الإِنْسَانِ حِصَّةَ شَرِيْكِهِ
مِنْ يَدِ مُشْتَرِيْهَا، ولاَ يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ في وُجُوبِ
الشُّفْعَةِ في الشِّقْصِ المُشَاعِ مِنَ العَقَارِ الَّذي (7) تَجِبُ
قِسْمَتُهُ إذَا بَاعَهُ شَرِيْكُهُ المُسْلِمُ بِمَالٍ فَأَمَّا العَقَارُ
الَّذِي لاَ تَجِبُ / 203 و/ قِسْمَتُهُ كَالحَمَّامِ الصَّغِيْرِ
والبِئْرِ والطُّرُقِ والعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ، ومَا لَيْسَ بِعَقَارِ
مِمَّا لاَ يُقَسَّمُ كَالرَّحَى والنَّخْلَةِ والشَّجَرَةِ والحَيَوَانِ
فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ (8) في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: فِيهِ
الشُّفْعَةِ (9)، ولاَ يَخْتَلِفُ
__________
(1) انظر: الشرح الكبير 5/ 450 - 451، والإنصاف 6/ 231.
(2) انظر: الشرح الكبير 5/ 453، والإنصاف 6/ 235.
(3) انظر: الشرح الكبير 5/ 454، والإنصاف 6/ 236.
(4) انظر: الشرح الكبير 5/ 456، والإنصاف 6/ 244.
(5) انظر: الشرح الكبير 5/ 456، والإنصاف 6/ 245.
(6) وهي مأخوذة من ضم الشيء إلى الشيء، ومن ذَلِكَ الشفع اسم للزوج؛
لأَنَّهُ انضم الثَّانِي إلى الأول. انظر: شرح الزركشي 2/ 553.
(7) فِي الأصل: ((الَّتِي))، ولعل مَا أثبتناه أصوب.
(8) وهي المذهب كَمَا قَالَ الْقَاضِي. انظر: الروايتين والوجهين 92/ أ،
والإنصاف 6/ 257.
(9) وهي اختيار ابن عقيل. انظر: الإنصاف 6/ 257.
(1/320)
المَذْهَبُ أَنَّ البِنَاءَ والغِرَاسِ
يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعاً للأرْضِ، فَأَمَّا الثِّمَارُ فَهَلْ
تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ تَبَعاً؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ إِذَا بَاعَ
شِقْصاً مِنْ إِنْسَانٍ فِيهِ ثَمَرَةٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ يُؤْخَذُ
بالشُّفْعَةِ. فَأَمَّا المَقْسُومَةُ المَحْدُودَةُ فَلاَ شُفْعَةَ
لِجَارِهِ فِيهِ (1)، وأَمَّا إِذَا كَانَ الشَّرِيْكُ ذِمِّيّاً فَبَاعَ
شَرِيْكُهُ المُسْلِمُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ، وأَمَّا
إِنِ انْتَقَلَ الشِّقْصُ بِغَيْرِ مَالٍ، مِثْلُ: أَنْ يَجْعَلَهُ مَهْراً
أو عِوَضاً في الخُلْعِ أَو في الصُّلْحِ عَنْ دَمِ العَمْدِ أو في
مَنْفَعَةِ دَارٍ، فَقَالَ شَيْخُنَا: لاَ شُفْعَةَ في ذَلِكَ (2)، وَهُوَ
قَوْلُ أبي بَكْرٍ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ (3)،
ويَأْخُذُ الشَّفِيْعُ الشِّقْصَ بِعِوَضِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ
العَقْدُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ، وإِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ أَخَذَهُ بِقِيْمَتِهِ، وإِنْ كَانَ الثَّمَنُ
مُؤَجَّلاً أَخَذَهُ بِذَلِكَ الأَجِلِ إِنْ كَانَ مَلِيْئاً وإِلاَّ
أَقَامَ ضَامِناً مَلِيْئاً وأَخَذَ، نَصَّ عَلَيْهِ (4)، وأَمَّا مِلْكُهُ
بِهِبَةٍ أو وَصِيَّةٍ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ، فَإِنْ بَاعَ ذِمِّيٌّ
ذِمِّيّاً شِقْصاً بِخَمْرٍ، فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ مَالٌ لَهُمْ وجَبَتِ
الشُّفْعَةُ، وإِنْ قُلْنَا: لَيْسَتْ بِمَالٍ فَلاَ شُفْعَةَ. والمُوْقَفُ
عَلَيْهِ شِقْصٌ مِنْ عَقَارٍ إِذَا بَاعَ شَرِيْكُهَ حَقَّهُ، فَقَالَ
شَيْخُنَا: لا شُفْعَةَ لَهُ بِشِرْكِةِ الوَقْفِ، وعِنْدِي أَنَّ
المَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ الوَقْفَ يَمْلِكُهُ المُوَقَّفُ
عَلَيْهِ أمْ لاَ؟ وفِيهِ رِوَايَتَانِ (5):
إحْدَاهُمَا: يَمْلِكُهُ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ.
والثَّانِيَةُ: لاَ يَمْلِكُهُ فَلاَ يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ (6).
وإِذَا كَانَتِ الدَّارُ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ فَاشْتَرَى إِنْسَانٌ حَقَّ
اثْنَيْنِ مِنْهُمْ كَانَ للشَّفِيْعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا دُوْنَ
الآخَرِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَخْذُ الكُلِّ أو
التَّرْكُ (7)، فَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ مِنْ أَحَدٍ حَقَّهُ فَإِنَّ
للشَّفِيْعِ أَخْذَ حِصَّةِ أَحَدِ المُشْتَرِيَيْنِ دُوْنَ الآخَرِ،
فَإِنْ وَرِثَ رَجُلاَنِ دَاراً عَنْ أَبِيْهِمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا
وخَلَفَ ابْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُ الابْنَيْنِ نَصِيْبَهُ كَانَتْ
الشُّفْعَةُ بَيْنَ الأَخِ
__________
(1) وَقِيلَ: قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 255: ((تثبت الشفعة للجار،
وحكاه القاضي يعقوب في التبصرة، وابن الزاغوني عن قوم من الأصحاب رِوَايَة.
قَالَ الزركشي صححه ابن الصيرفي، واختاره الحارثي فِيْمَا أظن، وأخذ
الرِّوَايَة من نصه في رِوَايَة أبي طالب ومهنّا: لا يحلف أن الشفعة تستحق
بالجوار)). وانظر: شرح الزركشي 2/ 554.
(2) وَهُوَ ظاهر كلام الخرقي أيضاً. انظر: المقنع 5/ 469، وشرح الزركشي 2/
556.
(3) وَهُوَ اختيار أبي الخطاب في الانتصار كَمَا نقل ذَلِكَ الزركشي في
شرحه 2/ 556.
(4) انظر: المغني 5/ 507، والإنصاف 6/ 301.
(5) وجعلها في المقنع: 153، والهادي: 136 عَلَى وجهين.
(6) الصَّحِيح من المذهب هنا: أنه لا شفعة لَهُ، جزم بِهِ في الوجيز وغيره،
وقطع بِهِ أيضاً ابن أبي موسى، والقاضي وابنه، وابن عقيل، والشريفان - أبو
جَعْفَر والزيدي -، وأبو فرج الشيرازي في آخرين. الإنصاف 6/ 283. انظر:
المقنع: 153، والشرح الكبير 5/ 505.
(7) انظر: المغني 5/ 527، وشرح الزركشي 2/ 563.
(1/321)
والعَمِّ، ويُؤْخَذُ بالشُّفْعَةِ عَلَى
قَدْرِ الأَمْلاَكِ (1)، وَعَنْهُ: تُؤْخَذُ عَلَى قَدْرِ الرُّؤُوْسِ (2)،
وإِذَا كَانَ المُشْتَرِي شَرِيْكاً فالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وبَيْنَ
الشَّرِيْكِ الآخَرِ، وإِذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ الخِيَارِ لَمْ تَجِبِ
الشُّفْعَةُ حَتَّى / 204 ظ/ يَقْضِيَ الخِيَارُ، نَصَّ عَلَيْهِ (3)،
ويُحْتَمَلُ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ؛ لأَنَّ المِلْكَ فِي بَيْعِ
الخِيَارِ يَنْتَقِلُ عِنْدَهُ، وإِذَا أَقَرَّ البَائِعُ بالبيع وأَنْكَرَ
المُشْتَرِي فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (4)، وإِذَا
بَاعَ المَرِيْضُ مِنْ وَارِثِهِ شِقْصاً بِثَمَنِ المِثْلِ وَجَبَتِ
الشُّفْعَةُ، وإِذَا بَاعَ المُرْتَدُّ وقُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَهَلْ
تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ
ولاَ شُفْعَةَ لِرَبِّ المَالِ عَلَى المُضَارِبِ فِيْمَا يشتريه بِمَالِ
المُضَارَبَةِ فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ (5)، والآخَرِ: أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ
الشُّفْعَةُ، وأَصْلُ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ شِرَاءُ رَبِّ المَالِ مِنْ
مَالِ المُضَارَبَةِ أَمْ لاَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ
هَلْ يَسْتَحِقُّ العَامِلُ الشُّفْعَةَ عَلَى رَبِّ المال؟ عَلَى
وَجْهَيْنِ (6)، ومِنْ شَرْطِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ المُطَالَبَةُ بِهَا
عَلَى الفَوْرِ ساعة علمه نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أَبِي طَالِب الشفعة
بالمواثبة سَاعَةَ يَعْلَمُ (7)، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ وشَيْخُنَا: مِنْ
شَرْطِ الثُّبُوتِ المُطَالَبَةُ في مَجْلِسِ العِلْمِ وإِنْ طَالَ
المَجْلِسُ (8)، وعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى:
أَنَّهَا لا تَسْقُطُ أَبَداً حَتَّى يُوْجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا
مِنْ عَفْوٍ أو مُطَالَبَةٍ بِقِسْمَةٍ ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (9)،
والحَمْلُ عَلَى الأَوَّلِ، فَإِنْ تَرَكَ المُطَالَبَةَ بَعْدَ عِلْمِهِ،
أو حَتَّى قَامَ مِنَ المَجْلِسِ عَلَى قَوْلِ ابنِ حَامِدٍ سَقَطَتِ
الشُّفْعَةُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالبَيْعِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ
وإِنْ
__________
(1) نقلها عَنْهُ إسحاق بن منصور، وَهِيَ اختيار الخرقي، وأبي بَكْر، وأبي
حفص، والقاضي، وصححه الزركشي، وجزم بِهِ ابن عقيل. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ
والوجهين 92/ أ، والمغني 5/ 523، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 562، والإنصاف 6/
275.
(2) وَهُوَ اختيار ابن عقيل. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 92/ أ،
والمغني 5/ 523، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 563، والإنصاف 6/ 276، وروى الأثرم
عَنْهُ الوقف فِي ذَلِكَ حكاه الحارثي،
انظر: الروايتين والوجهين 92/أ، والإنصاف 6/ 276.
(3) نَصَّ عَلَيْهِ في رِوَايَة حَنْبَل. انظر: الإنصاف 6/ 308.
(4) الأول: تجب لَهُ الشفعة، وَهِيَ اختيار الْقَاضِي، وابن عقيل، وابن
بكروس، وابن الزاغوني.
والثاني: لا تجب، وَهِيَ اختيار الشريفين - أبي جَعْفَر وأبي القاسم الزيدي
-. انظر: المغني 5/ 476، والإنصاف 6/ 309.
(5) انظر: المغني 5/ 499، والإنصاف 6/ 313.
(6) انظر: المغني 5/ 499.
(7) ونقل ابن منصور: لا بد من طلبها حِيْنَ يَسْمَع حَتَّى يعلم طلبه ثُمَّ
لَهُ أن يخاصم وَلَوْ بَعْدَ أيام. انظر: المغني 5/ 477، وشرح
الزَّرْكَشِيّ 2/ 557، والإنصاف 6/ 260.
(8) وَهِيَ رِوَايَة عن الإمام أحمد، واختارها الشريفان أَبُو جَعْفَرَ
والزيدي، وابن عقيل، والعكبري.
انظر: الإنصاف 6/ 260 - 261.
(9) انظر: المغني 5/ 477 - 478، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 557، واختارها
الْقَاضِي يعقوب.
(1/322)
لَمْ تَنْتَقِلُ المُطَالَبَةُ إلى
وَارِثِهِ، ويُتَخَرَّجُ أَنْ لاَ تَسْقُطَ ويُطَالِبَ الوَارِثَ، فَإِنْ
طَالَبَ ومَاتَ انْتَقَلَتِ الشُّفْعَةُ إِلَى وَارِثِهِ قَوْلاً وَاحِداً،
فَإِنْ قَالَ: بِعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ أو صَالَحَنِي عَلَى مَالٍ بَطَلَتِ
الشُّفْعَةُ، فَإِنْ عَلِمَ بالبَيْعِ وَهُوَ مَرِيْضٌ أو مَحْبُوسٌ وَلَمْ
يُمْكِنْهُ التَّوْكِيْلُ والإِشْهَادُ بالمُطَالَبَةِ فَهُوَ عَلَى
شُفْعَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ غَائِباً فَعَلِمَ وأَشْهَدَ عَلَى
الشُّفْعَةِ وسَارَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ، فَإِنْ أَخَّرَ
المُطَالَبَةَ بَعْدَ الإِشْهَادِ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ، ويُحْتَمَلُ
أَنْ تَسْقُطَ إِذَا أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ
وسَارَ في طَلَبِهَا فَعَلى وَجْهَيْنِ (1)، فَإِنْ أَخَّرَ المُطَالَبَةَ
وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْ المُخْبِرَ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ المُخْبِرُ
مِمَّنْ لاَ يُقْبَلُ خَبَرُهُ كَالصَّبِيِّ والفَاسِقِ فَهُوَ عَلَى
شُفْعَتِهِ، وإِنْ كَانَ المُخْبِرُ عَدْلاً بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، فَإِنْ
دَلَّ في البَيْعِ أو تَوَكَّلَ لأَحَدَ المُتَبايِعَيْنِ أو ضَمِنَ
عُهْدَةَ الثَّمَنِ أو جَعَلَ لَهُ الخِيَارَ فَاخْتَارَ إِمْضَاءَ
البَيْعِ أو قَالَ: أَشْتَرِي فَقَدْ أَسْقَطْتُ شُفْعَتِي لَمْ تَسْقُطْ،
فَإِنْ بَاعَ حِصَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بالشُّفْعَةِ /205 و/ ثُمَّ
عَلِمَ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ تَسْقُطَ (2)، فَإِنْ
أَظْهَرَ لَهُ زِيَادَةً في الثَّمَنِ أو نُقْصَاناً (3) في المُشْتَرَى
فَتَرَكَ المُطَالَبَةَ ثُمَّ بَانَ لَهُ بِخَلاَفِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى
شُفْعَتِهِ، ولاَ يَحِلُّ للمُشْتَرِي أَنْ يَحْتَالَ لإِسْقَاطٍ، ولاَ
أَنْ يَأْخُذَ عَنْهَا عِوَضاً، وإِذَا عَفَا الوَلِيُّ عَنْ مَنْفَعَةِ
الصَّبِيِّ والحَظِّ في الأَخْذِ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ (4)، وإِذَا
تَصَرَّفَ المُشْتَرِي في الشِّقْصِ بالبِنَاءِ والغِرَاسِ فَالشَّفِيْعُ
مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِقِيْمَتِهِ (5) وبَيْنَ أَنْ
يَقَلَعَ ذَلِكَ ويَضْمَنَ أَرْشَ مَا نَقَصَ فَإِنْ تَصَرَّفَ بالإنفَاقِ
والهِبَةِ والصَّدَقَةِ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ (6)، وَقَالَ
أبو بَكْرٍ: لاَ تَبْطُلُ، ولَهُ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ ويَأْخُذَ
الشُّفْعَةَ، فَإِنْ بَاعَ المُشْتَرِي فَللشَفِيْعِ الخِيَارُ بَيْنَ أَنْ
يَفْسَخَ ويَأْخُذَ وبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ المُشْتَرِي الثَّانِي بما
اشْتَرَاهُ، فَإِنِ اخْتَلَفَا في الثَّمَنِ فَتَحَالَفَا وفَسَخَ فَلَهُ
أَنْ يَأْخُذَ بما حَلَفَ عَلَيْهِ البَائِعُ، فَإِنْ تَعَامَلاَ فَلَهُ
الأَخْذُ أَيْضاً، فَإِنْ رَدَّ المُشْتَرِي بالعَيْبِ فَلَهُ أَنْ
يَفْسَخَ الرَّدَّ ويَأْخُذَ المَبِيْعَ، فَإِنْ حَطَّ البَائِعُ عَنِ
المُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمِ المُشْتَرِي أَنْ يَحطَّهُ
عَنِ الشفيع إِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ لُزُومِ البَيْعِ، فَإِنْ قَالَ
المُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ الشِّقْصَ بَأَلْفٍ، فَأَقَامَ البَائِعُ
البَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ فالشَّفِيْعُ يَأْخُذُهُ
__________
(1) الأول: سقوط الشفعة، وَهُوَ ظاهر كلام أحمد والخرقي؛ لأن السير يَكُون
للطلب وغيره فَلاَ يتبين إلا بالإشهاد وعدمه والثاني: احتمل أن لا تبطل،
وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي. انظر: المغني 5/ 486، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 558.
(2) قَالَ المرداوي في الإنصاف 6/ 268: ((قواعد المذهب تقتضي سقوطها مَعَ
علمه)).
(3) في المخطوط: ((نقصان)).
(4) واختار ابن بطة عكس ذَلِكَ. انظر: الإنصاف 6/ 272.
(5) نَصَّ عَلَيْهِ أحمد. انظر: شرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 560، والإنصاف 6/
285.
(6) انظر: المغني 5/ 501، وشرح الزَّرْكَشِيّ 2/ 560.
(1/323)
بِأَلْفٍ، فَإِنْ قَالَ المُشْتَرِي: غَلِطْتُ (1) في قَوْلِي فَهَلْ
يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) بِنَاءً عَلَى
المُخْبِرِ فِي المُرَابَحَةِ إِذَا قَالَ: غَلِطْتُ، فَالثَّمَنُ آكَدُ،
فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِيْنِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وإِذَا أتلفَ
بَعْضَ المَبِيْعِ فَللشَفِيْعِ أَنْ يَأْخُذَ البَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنَ
الثَّمَنِ. وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ اللهِ -
عز وجل - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ البَاقِيَ إِلاَّ بِجَمِيْعِ
الثَّمَنِ (3) أَو يَتْرُكَ، فَإِنْ بَاعَ شِقْصاً وسَيفاً أو نَحْوَهُ
فَللشَّفِيْعِ أَخْذُ الشِّقْصِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، ويُتَخَرَّجُ
أَنْ لاَ يَأْخُذَ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ويَنْتَزِعُ الشَّفِيْعُ
المَبِيْعَ مِنْ يَدِ المُشْتَرِي وعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ
المُشْتَرِي مِنَ القَبْضِ فَقَالَ شَيْخُنَا: يُجْبِرُهُ الحَاكِمُ عَلَى
القَبْضِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ الشَّفِيْعُ، وقِيَاسُ المَذْهَبِ: أَنَّهُ
يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِ البَائِعِ؛ لأَنَّ المَبِيْعَ المُعَيَّنَ يَلْزَمُ
مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ ويَكُونُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْ يَدِ
المُشْتَرِي ولاَ يَجُوزُ للشَّفِيْعِ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الشِّقْصِ،
فَإِنِ اشْتَرَى شِقْصَيْنِ مِنْ أَرْضَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً
فَللشَّفِيْعِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَهُمَا (4)، ويُحْتَمَلُ أَنْ لاَ
يَجُوزُ فَإِنْ /206 ظ/ كَانَتِ الشُّفْعَةُ لاثْنَيْنِ فَتَرَكَ
أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ فَلَيْسَ للآخَرِ أن يأخذ إِلاَّ الكُلَّ أو
يَتْرُكَ، فَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَاراً مِنْ رَجُلٍ صفعةً وَاحِدَةً
فَلاَ شُفْعَةَ لأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَ الدَّارِ قَبْلَ صَاحِبِهِ،
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحالَفَا ولاَ شُفْعَةَ
لأَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
تَشْهَدُ لَهُ بالسَّبْقِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا
بِتَارِيْخِ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الآخَرِ حُكِمَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ، وإِذَا
اخْتَلَفَ الشَّفِيْعُ والمُشْتَرِي في مِقْدَارِ الثَّمَنِ وأَقَامَا
البَيِّنَةَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الشَّفِيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا
بَيِّنَةٌ فَالقَوْلُ قَولُ المُشْتَرِي مَعَ يَمِيْنِهِ. |