شرح الزركشي على مختصر الخرقي

[باب ما ينقض الطهارة]
ش: نقضت الشيء إذا أفسدته، فنواقض الطهارة مفسدات الطهارة، والمراد [الطهارة] الصغرى.
قال: والذي ينقض الطهارة ما خرج من قبل أو دبر
ش: الذي ينقض الطهارة أشياء:
(أحدها) كل شيء خرج من قبل أو دبر، لقول الله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] .
125 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» فقال رجل من أهل حضر موت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط. متفق عليه.

(1/232)


وكلام الخرقي يشمل القليل والكثير، لعموم ما تقدم، ويشمل أيضا النادر، كالدود، والحصا والشعر، ونحو ذلك.
126 - لما روى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «في المذي الوضوء، وفي المني الغسل» رواه أحمد والترمذي وصححه وهو شامل للدائم، وهو نادر.
127 - وعن عروة، عن فاطمة بنت أبي حبيش، أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا كان دم الحيض - فإنه أسود يعرف، فإذا كان كذلك - فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضئي وصلي، فإنما هو دم عرق» رواه أبو داود والنسائي، ودم الاستحاضة نادر.

(1/233)


128 - ويشمل أيضا الطاهر كالمني، والريح، وإن خرجت من القبل، لعموم حديث أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» رواه الترمذي وصححه، ولمسلم وأبي داود معناه، وهذا المنصوص المشهور، وقال أبو الحسين: قياس مذهبنا النقض بالريح من قبل المرأة دون الرجل، وكذلك قال ابن عقيل: إنه الأشبه، لأن قبل المرأة ينفذ إلى الجوف، دون قبل الرجل، وريح الدبر إنما نقض لاستصحابه جزءا لطيفا من النجاسة، بدليل نتنها، قال أبو البركات: ومن قال هذا من الأصحاب التزم نجاسة المني، وقال: إذا أحدث في مائع، أو ماء يسير نجسه، حذارا من النقض بطاهر.
ويشمل أيضا إذا قطر في إحليله دهنا ثم سال، أو احتشى قطنا ثم خرج منه ولا بلة معه، أو كان في وسط القطن ميل فسقط بلا بلة، وهو أحد الوجوه، إناطة بالمظنة، (والثاني) : لا ينقض، لانتفاء الخارج، فإن تيقن خروج بلة نقض على الأعرف، وأبعد من قال: لا نقض حتى يخرج بول.

(1/234)


(والثالث) : ينقض الدهن خاصة، لاستصحابه بلة غالبا، بخلاف غيره.
وخرج من كلامه إذا استرخت مقعدته، فخرجت مع بلة لم ينفصل عنها، ثم عادت، وما إذا احتقن، ولم يخرج شيء من الحقنة، أو وطئ في الفرج أو دونه، فدب ماؤه فدخل فرجها ولم يخرج، وهو أحد الوجهين [في الجميع] .
ومراد الخرقي [- رَحِمَهُ اللَّهُ -]- والله أعلم - بالقبل المتيقن، نظرا للغالب، لئلا يرد عليه خروج النجاسة من أحد فرجي الخنثى المشكل، إذا لم يكن بولا، ولا غائطا، فإنه لا ينقض إلا كثيرها على المذهب، [والله أعلم] .

[خروج الغائط والبول من غير مخرجهما]
قال: وخروج الغائط والبول من غير مخرجهما.
ش: الثاني من النواقض في الجملة خروج النجاسة من غير السبيلين المعتادين، ولا يخلو إما أن يكون بولا أو غائطا، أو غيرهما، فإن كان بولا أو غائطا، نقضت وإن قلت، لعموم [قَوْله تَعَالَى] : {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] .
129 - وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث صفوان: «ولكن من غائط وبول ونوم» وإن كانت (من) غيرهما فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

(1/235)


[زوال العقل من نواقض الوضوء]
قال: وزوال العقل، إلا أن يكون النوم اليسير جالسا أو قائما.
ش: الناقض الثالث: زوال العقل في الجملة، لأن الحس يذهب معه، وذلك مظنة خروج الخارج، والمظنة تقوم مقام الحقيقة، ولحديث صفوان المتقدم، والمزيل للعقل على ضربين، نوم وغيره، فغيره كالجنون والإغماء، ونحو ذلك، ينقض إجماعا، حكاه ابن المنذر في الإغماء وعممه أبو محمد، وأما النوم فينقض في الجملة على المذهب بلا ريب، لما تقدم.
130 - وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ» رواه أحمد، وأبو داود، ولأحمد عن معاوية نحوه، وقد

(1/236)


سأله ابن سعيد عنهما فقال: حديث علي أثبت وأقوى. ونقل عنه الميموني: لا ينقض بحال لكن نفاها الخلال، ولا تفريع عليها، أما على المذهب فالكثير ينقض على أي حال

(1/237)


كان، لما تقدم، ولتحقيق المظنة، وقيل عنه بعدم النقض في غير الاضطجاع، واليسير ينقض في حال الاضطجاع لما تقدم، ولا ينقض في حال القعود على الأعرف، وحكي عنه النقض.
131 - وهي مردودة بأن في الصحيحين أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا ينامون، ثم يصلون ولا يتوضئون. والجلوس منهم متيقن.
132 - ولأبي داود عن أنس: «كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينتظرون العشاء الآخرة، حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون» .
وفي القائم، والراكع، والساجد روايات، (إحداهن) : النقض في الجميع، لعموم ما تقدم، خرجت منه حالة الجلوس بفعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لتيقنها، ففيما عداها يبقى على قضية العموم. (الثانية) : النقض إلا في القائم، وهو اختيار

(1/238)


المصنف، وأبي محمد، والخلال إلحاقا للقائم بالقاعد، بل أولى، لاعتماد القاعد بخلاف القائم (الثالثة) : النقض إلا في القائم والراكع، لشبه الراكع بالقائم، (الرابعة) : عدم النقض في الجميع، وهو اختيار القاضي، والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، والشيرازي، وابن عقيل، وابن البنا، قال أبو العباس: اختارها القاضي وأصحابه، وكثير من أصحابنا.
133 - لما روى أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الزهد عن الحسن البصري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نام العبد وهو ساجد يباهي الله به الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي، وهو ساجد لي» فسماه ساجدا مع نومه، ولأن

(1/239)


الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك، وهل يلحق المستند، والمحتبي، والمتكئ، بالمضطجع أو بالقاعد؟ فيه قولان، أشهرهما الأول.
(تنبيهان) : «أحدهما» : المرجع في اليسير والكثير إلى العرف، لعدم حد الشارع له، قاله الشيخان وغيرهما، فإذا سقط الساجد عن هيئته، أو القائم عن قيامه، ونحو ذلك، بطلت طهارته، لأن أهل العرف يعدون ذلك كثيرا، وكذلك إن رأى حلما، نص عليه، وقطع به جماعة، والأشبه عند أبي البركات عدم تأثير ذلك، وحد أبو بكر اليسير بركعتين، وظاهر كلام أحمد خلافه، ولا بد في النوم الناقض من الغلبة على العقل، فمن سمع كلام غيره وفهمه فليس بنائم، فإن سمعه ولم يفهمه فيسير.
(الثاني) : «الوكاء» في الأصل الخيط الذي تشد به القربة ونحوها، جعلت اليقظة للاست كالوكاء للقربة، «والسه» حلقة الدبر، وكني بالعين عن اليقظة لأن النائم لا عين له تبصر، «وتخفق رؤوسهم» . من الخفوق وهو الاضطراب، وقيل: معناه ينامون وهم قعود، حتى تسقط ذقونهم في صدورهم [والله أعلم] .

[التقاء الختانين من نواقض الوضوء]
قال: والتقاء الختانين.
ش: هذا الناقض الرابع، وأكثر الأصحاب لا يعدونه ناقضا، لما استقر عندهم - والله أعلم - من أن ما أوجب الغسل نقض الطهارة الصغرى، وقد أشار إلى ذلك القاضي في الجامع الكبير، كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعد، من أن التقاء الختانين

(1/240)


يوجب الغسل، وإن كان بحائل، كما هو [ظاهر] إطلاق الأكثرين، وممن صرح بأن موجبات الغسل ناقضات للطهارة - وإن لم يوجد خروج خارج، ولا ملامسة - السامري، وابن حمدان.
والخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر ذلك ليشعر بهذين الأصلين، وإنما قيل بالنقض بذلك قياما للمظنة مقام الحقيقة، وقد حكى ابن حمدان وجها في الكافر يسلم: لا يجب عليه الوضوء، وإن وجب عليه الغسل، وهذا غير ما تقدم، إذ الكلام ثم في أن ما أوجب الغسل نقض الطهارة، لأن ما أوجب الكبرى أوجب الصغرى والله أعلم.

[الردة من نواقض الوضوء]
قال: والارتداد عن الإسلام.
ش: الناقض الخامس: الارتداد عن الإسلام - والعياذ بالله - على المحقق المعروف.
134 - لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطهور شطر الإيمان» وإذا بطل الإيمان فكيف بشطره، نظرا إلى أن الإيمان تركب من طهارة الظاهر، وطهارة الباطن كما سيأتي.
135 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: الحدث حدثان، حدث اللسان، وحدث الفرج، وحدث اللسان أشد من حدث الفرج. ورواه ابن شاهين مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(1/241)


واستدل بقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] بناء على الإحباط بمجرد الردة، والموت في قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217] شرط للخلود، وفيه نظر. إذ المشهور أن الإحباط مشروط بالموت على الردة، ولهذا صح الحج في الإسلام السابق، ولزمه قضاء ما تركه فيه من صلاة وزكاة، وصوم، على المشهور، ثم الإحباط إنما ينصرف للثواب، دون نفس العمل، بدليل [صحة صلاة] من صلى خلفه وهو مسلم، ولم يعد القاضي في جامعه، وخصاله - وأبو الخطاب في هدايته، وابن البنا، وابن عقيل في التذكرة، وصاحب التلخيص، والسامري - الردة في النواقض، فقيل: لأنها لا تنقض عندهم، وقيل: إنما تركوها لعدم فائدتها، لأنه إن لم يعد إلى الإسلام فظاهر، وإن عاد إلى الإسلام وجب عليه الغسل،

(1/242)


ويدخل فيه الوضوء، وقد أشار إلى ذلك القاضي في الجامع الكبير فقال: لا معنى لجعلها من النواقض، مع وجوب الطهارة الكبرى.
واستدل أبو العباس عليه [فقال] : إن فائدة ذلك تظهر فيما إذا عاد، فإنا نوجب عليه الوضوء والغسل، فإن نواهما بالغسل أجزأه، ولو لم ينقض لم يجب عليه [إلا] الغسل.
(قلت) : ومثل هذا لا يخفى على القاضي، وإنما أراد القاضي - والله أعلم - أن وجوب الغسل ملازم لوجوب الطهارة الصغرى كما تقدم، وممن صرح بأن موجبات الغسل تنقض الوضوء، السامري، وابن حمدان حكى وجها بأن الوضوء لا يجب بالالتقاء بحائل، ولا بالإسلام، وإذا ينتفي الخلاف بين الأصحاب في المسألة.
وتخصيص المصنف للنقض بالردة مشعر بعدم النقض بغيرها من الكلام، وهو صحيح، نعم: يستحب من الكلام المحرم، وهل يستحب من القهقهة؟ فيه وجهان.
(تنبيه) : «الشطر» النصف، وجعل الطهور - والله أعلم - شطر الإيمان لأنه يطهر الظاهر، والإيمان يطهر الباطن، والله أعلم.

[مس الفرج من غير حائل من نواقض الوضوء]
قال: ومس الفرج [من غير حائل]
ش: السادس من النواقض مس الفرج، والفرج مأخوذ من

(1/243)


الانفراج، وهو اسم لمخرج الحدث، ويتناول الذكر، والدبر وفرج المرأة، ومناط المسألة الذكر، وغيره مبني ومفرع عليه، فلنتكلم على الذكر أولا فنقول: المذهب المشهور الذي عليه عامة الأصحاب: أن مسه ينقض الوضوء في الجملة.
136 - لما روت بسرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مس ذكره فليتوضأ» رواه الخمسة، وصححه أحمد والترمذي، وقال البخاري: إنه أصح ما في الباب.

(1/244)


137 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، ليس دونها حجاب، فقد وجب عليه الوضوء» رواه أحمد، والطبراني وهذا لفظه، وابن حبان، والحاكم وصححه وللنسائي، من حديث بسرة نحوه، مع أن عمل الصحابة عليه.
138 - فقد رواه مالك في الموطأ، عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر وحكاه إمامنا عن عمر وابنه وابن عباس، وأنس،

(1/245)


وابن عبد البر عن زيد بن خالد الجهني، والبراء، وجابر، والخطابي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - (وعن أحمد) - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى: يستحب الوضوء من مسه ولا يجب. اختارها أبو العباس في فتاويه.
139 - لما «روى قيس بن طلق، عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: قدمنا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاءه بدوي فقال: يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما توضأ؟ فقال: «وهل هو إلا مضغة منه، أو بضعة منه» رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي. ويحمل ما تقدم على الاستحباب، جمعا بين

(1/246)


الأدلة، ومن نصر الأول ضعف الحديث، ثم ادعى نسخه على تقدير صحته.
140 - بدليل أن وفادة طلق كانت في سنة الهجرة [وهم يؤسسون المسجد، وإسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة من الهجرة] وهذا إن لم يكن نصا في النسخ لكنه ظاهر فيه، ثم يؤيده أن حديث طلق موافق للأصل، ودعوى الاستحباب مردودة بقوله: «وجب عليه الوضوء» ومنهم من حمل حديث طلق على المس من وراء حائل، لأنه قد جاء أن السؤال عن المس في الصلاة، وتعليله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرده.

(1/247)


ولا تفريع على هذه الرواية، أما على الأولى فقد شمل كلام الخرقي ذكر نفسه، وذكر غيره، وهو المعروف، لأن في حديث بسرة - في رواية لأحمد والنسائي - أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ويتوضأ من مس الذكر» وحكى ابن الزاغوني رواية باختصاص النقض بذكر نفسه، جمودا على أنه المعروف من الرواية: «من مس ذكره» (وشمل) [أيضا] ذكر الصغير والكبير، وهو المذهب المنصوص عليه، نظرا لعموم ما سبق، وعنه: لا ينقض ذكر الطفل. حكاها الآمدي.
(وشمل) أيضا ذكر الحي والميت، وهو المذهب المنصوص أيضا، لما تقدم، وقيل: لا ينقض ذكر الميت. (وشمل) أيضا المتصل والمنقطع المنفصل، وهو أحد الوجهين، وبه قطع الشيرازي، تعليقا بالعموم، (والثاني) : لا ينقض المنقطع لعدم حرمته، وانتفاء مظنة خروج الخارج، (وشمل) أيضا أصل الذكر ورأسه، وهو المذهب لما تقدم، وعنه: تخصيص النقض بالحشفة، وعنه بالثقب. وكلاهما بعيدان.
وقول الخرقي: مس الفرج. المس اللمس باليد، فالنقض مختص بها وإن كان بزائدة منها، لحديث أبي هريرة المتقدم، والمراد باليد على المذهب: إلى الكوع، كما في آية التيمم، والسرقة، وعنه: [بل إلى] المرفق،

(1/248)


كما في آية الوضوء. وعنه: بل يختص النقض ببطن الكف، وعليها في حرفها وجهان، وقال الأصحاب: النقض أيضا يحصل بمس الفرج، لأنه أدعى إلى الحدث، ومال أبو البركات إلى عدم النقض به، لأن النقض بمس الذكر تعبد عند المحققين.
وقد شمل كلام الخرقي المس سهوا، ولغير شهوة، وهو المشهور، لظواهر النصوص، (وعنه) : لا ينقض مسه سهوا.
141 - لقوله: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» الحديث،

(1/249)


ولا لغير شهوة، نظرا إلى أنه معلل بخروج الخارج، كلمس النساء.
وشرط الخرقي أن يكون اللمس من غير حائل، وهو المذهب.
142 - لما تقدم من حديث أبي هريرة، ولأحمد فيه: «ليس دونه ستر» وحكى عنه القاضي في شرح المذهب النقض مع الحائل.
إذا عرف هذا ففي النقض بمس حلقة الدبر روايتان، (إحداهما) - وقال الخلال: إنها الأشيع في قوله وحجته، وقواها أبو البركات -: لا ينقض، لأن غالب الأحاديث مقيدة بالذكر، (والثانية) : - وهي ظاهر كلام الخرقي واختيار

(1/250)


الأكثرين، الشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي وابن عقيل، وابن البنا، وابن عبدوس -: ينقض.
143 - لما روت أم حبيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» رواه ابن ماجه، والأثرم، وصححه أحمد، وأبو زرعة. والفرج اسم جنس مضاف، فيعم، وذكر الذكر لا يخصص، لأنه بعض أفراده، وفي مس المرأة فرجها، أيضا روايتان (إحداهما) : لا ينقض لما تقدم من أن أكثر الأحاديث مقيدة بالذكر، (والثانية) : وصححها أبو البركات - ينقض، لعموم «من مس فرجه فليتوضأ» وذكر الذكر لا يخصص، لما تقدم، والمفهوم غير مراد، لأن الخطاب كان جواب سؤال سائل للرجال.

(1/251)


144 - وقد روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» ولا فرق بين مس فرجها وفرج غيرها، وفي التلخيص: ينقض مس فرج المرأة، وفي مسها فرج نفسها وجهان. وفيه نظر.
وظاهر كلام الأصحاب أنه لا يشترط للنقض بذلك الشهوة، وهو مفرع على المذهب، وشرطها ابن أبي موسى، وهو جار على الرواية الضعيفة.
(تنبيه) : المضغة، قدر اللقمة من اللحم، «والبضعة» قطعة أكبر من المضغة. والله أعلم.

[القيء والدم والدود من نواقض الوضوء]
قال: والقيء الفاحش، والدم الفاحش، والدود الفاحش، يخرج من الجروح.
ش: قد تقدم في الثاني من النواقض أن النجاسة الخارجة من غير السبيلين تنقسم إلى بول وغائط وغيرهما [وقد تقدم الكلام على البول والغائط، والكلام هنا فيما عداه] ولا يخلو إما أن يكون فاحشا أو غير فاحش.
فإن كان غير فاحش لم ينقض على المشهور من الروايتين.

(1/252)


145 - لأن عبد الله بن أبي أوفى بصق دما، فمضى في صلاته، وابن عمر عصر بثرة فخرج منها دم فلم يتوضأ، ذكرهما البخاري.
146 - وعن أبي هريرة أنه أدخل أصبعه في أنفه، فخرج عليها دم، فلم يتوضأ، ذكره أحمد وقال: قال ابن عباس في الدم: إذا كان فاحشا أعاد الوضوء. وقال: الدم القليل لا أرى فيه الوضوء، لأن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخصوا فيه.
وغير ذلك ما عدا البول، والغائط في معناه، والرواية الثانية: ينقض لعموم ما يأتي.
وإن كان فاحشا نقض على المعروف - ولا عبرة برواية أثبتها

(1/253)


بعضهم، ونفاها أبو البركات: أن القيح والصديد، والمدة لا ينقض مطلقا.
147 - لما روى معدان بن أبي طلحة، «عن أبي الدرداء، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت ذلك له فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه» . رواه أحمد والترمذي وقال: هو أصح شيء في الباب. وقال الأثرم لأحمد: اضطربوا في [هذا] الحديث. فقال: حسين المعلم يجوده. وقيل له: حديث ثوبان يثبت عندك؟ قال: نعم.

(1/254)


148 - ولابن ماجه عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أصابه قيء، أو رعاف، أو قلس، أو مذي، فلينصرف فليتوضأ» فيحمل هذا والذي قبله على الفاحش عملا بالدليلين، ويؤيد ذلك قول ابن عباس المتقدم، وقد اعترض على هذا الحديث بأنه مرسل ولا يضر على قاعدتنا، على أنه قد أيد بعمل الصحابة.

(1/255)


149 - فحكى أحمد الوضوء من الرعاف عن علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عبد البر عن عمر: ثم حديث معدان يوافقه.
إذا عرف هذا فاختلف عن إمامنا في الفاحش اختلافا كثيرا، نحو عشرة أقوال أو أكثر، والمشهور منها، المعمول عليه، أنه: ما يفحش في النفس، ولا عبرة بما قطع به ابن عبدوس، وحكى عن شيخه: أن اليسير قطرتان، لما تقدم عن ابن عباس، ولا يعرف عن صحابي خلافه، ثم المعتبر في حق كل إنسان بما يستفحشه في نفسه، نص عليه، وقال الخلال: إنه الذي استقر عليه قوله، ومال إليه أبو محمد، وقال أبو العباس في شرح العمدة، إنه ظاهر المذهب، وحده أنه الأولى، إلا أنه استثنى القطرة والقطرتين، فعفى عن ذلك مطلقا، إذ العفو لدفع المشقة، فإذا لم يستفحشه شق عليه غسله وإن استفحشه هان عليه غسله، وقال ابن عقيل في

(1/256)


فصوله، وشيخه أظنه في المجرد: والمعتبر نفوس أوساط الناس، فلا عبرة بالقصابين، ولا المتوسوسين، كما رجع في يسير اللقطة إلى نفوس الأوساط، وفي الأحراز والقبوض إلى عادة الأكثر، وتبعهما على ذلك صاحب التلخيص وأبو البركات في محرره.
(تنبيه) : القلس بالتحريك - وقيل بالسكون - ما خرج من الجوف، ملء الفم أو دونه، وليس بقيء، فإن عاد فهو القيء. والله أعلم.

[أكل لحم الجزور من نواقض الوضوء]
قال: وأكل لحم الجزور.
ش: السابع من النواقض أكل لحم الجزور، على المذهب، المختار لعامة الأصحاب.
150 - لما روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أن رجلا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ» قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم توضئوا من لحوم الإبل» قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم» قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا» رواه أحمد ومسلم، وقال ابن خزيمة: لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح، لعدالة ناقليه.

(1/257)


151 - وعن البراء بن عازب قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: «توضئوا منها» وسئل عن لحوم الغنم، فقال: «لا تتوضئوا منها» وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: «لا تصلوا فيها، فإنها من الشياطين» وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: «صلوا فيها، فإنها بركة» رواه أحمد وأبو داود، والترمذي، وصححه والذي قبله أحمد وإسحاق، وظاهر الأمر الوجوب، والوضوء إذا أطلقه الشارع حمل على الشرعي، لا سيما وقد قرنه بالصلاة، وفرق بينه وبين لحم الغنم، مع مطلوبية الوضوء اللغوي فيه، وهو غسل اليد والفم.

(1/258)


152 - وكذا فهم جابر راوي الحديث وغيره الوضوء الشرعي فقال: كنا نتمضمض من ألبان الإبل، ولا نتمضمض من ألبان الغنم، وكنا نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم، ذكره البيهقي في السنن.
153 - وقال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نتوضأ من لحوم الإبل، ولا نتوضأ من لحوم الغنم» ، رواه ابن ماجه، وله نحوه عن ابن عمر، وكذا لأحمد من حديث أسيد بن الحضير والمعنى في ذلك إن قيل: [إنه] معلل ما أشار إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنها من الشياطين، إذ كل عات متمرد شيطان، فالكلب الأسود شيطان الكلاب، والإبل شياطين الأنعام.

(1/259)


154 - وفي الحديث «على ذروة كل بعير شيطان» والأكل منها يورث حالا شيطانية، والشيطان من نار والماء يطفئها.
155 - ودعوى النسخ بقول جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[في الصحيح] : «كان آخر الأمرين من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك الوضوء مما مست النار» ، ودعوى النسخ مردودة بأن هذه قضية عين، ولا عموم لها، ولو سلم عمومها - كما قاله أصحابنا، أو ورد لفظ عام - لم ينسخ العام الخاص، بل الخاص يقضي على العام، ثم لو سلم اندراج المطبوخ [منه] في العموم، فإنما يدل على نفي الوضوء بسبب مس النار، لا نفي الوضوء من جهة

(1/260)


أخرى، وإذا نقول: الوضوء من المطبوخ كان لعلتين، مس النار، وكونه لحم إبل، فإذا زالت إحداهما لا يلزم زوال الأخرى.
وقد شمل كلام الخرقي النيء وهو كذلك، لما تقدم.
وعن أحمد (رواية أخرى) : لا ينقض مطلقا، وقد فهم دليلها [وجوابه] مما تقدم، وعنه (ثالثة) : إن طالت المدة وفحشت، كعشر سنين لم يعد، بخلاف ما إذا قصرت، وعنه (رابعة) - وقال الخلال: إن عليها استقر قوله -: يفرق بين الجاهل وغيره، لأنه خبر آحاد فيعذر بالجهل به - كما يعذر بالجهل بالزنا ونحوه - الحديث العهد بالإسلام، والجاهل هنا من لم يبلغه الحديث، قاله أبو العباس، أما من بلغه فلا يعذر، وعنه: بلى مع التأويل، وعنه: مع طول المدة.
وقد خرج من كلام الخرقي ما عدا اللحم من لبنها، وسنامها، وكرشها، وكبدها، ومرقها، ونحو ذلك، وهو إحدى الروايتين في اللبن، وأحد الوجهين، أو الروايتين المخرجتين في غيره، واختيار الأكثرين فيهما، لأن الصحيح من الأحاديث ليس فيه ذكر اللبن.

(1/261)


156 - ثم في ابن ماجه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مضمضوا من اللبن، فإن له دسما» وظاهره الاكتفاء بالمضمضة في كل لبن، (والقول الثاني) : يجب في جميع ذلك.
157 - لأن في بعض الأحاديث: «توضئوا من لحوم الإبل وألبانها» رواه أحمد. وغير اللبن في معناه، من السنام ونحوه، والمعتمد أن الوضوء من لحوم الإبل هل هو معلل، فيلحق به ذلك، أو غير معلل، وهو المشهور؟ على قولين.
وخرج من كلامه أيضا ما عدا لحم الإبل من اللحوم، وهو المشهور من الروايتين في اللحوم المحرمة أما غير المحرمة فلا

(1/262)


تنقض اتفاقا، نعم في استحباب الوضوء مما مست النار وجهان.
(تنبيه) : «مرابض الغنم» اسم لمواضع ربضها، أي إقامتها، «ومبارك» اسم لموضع البروك.

[غسل الميت من نواقض الوضوء]
قال: وغسل الميت.
ش: (الثامن) من النواقض غسل الميت مطلقا، على المنصوص، المختار للجمهور.
158 - لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء.
159 - وقال أبو هريرة: أقل ما فيه الوضوء، وقال التميمي، وأبو محمد: لا ينقض، كما لو يممه.
160 - وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس

(1/263)


بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم» رواه الدارقطني، قال بعض الحفاظ: إسناده جيد.
وقد دخل في كلام الخرقي ما إذا غسله في قميصه، وهو ظاهر كلام غيره، وفيه احتمال، وخرج من كلامه ما إذا غسل بعضه، وهو أظهر الاحتمالين عند ابن حمدان، وخرج أيضا ما إذا يممه، وهو المعروف، وقيل: فيه احتمال.
(تنبيه) : قيد ابن حمدان المسألة بما إذا قيل: إن مس فرجه ينقض اهـ. والغاسل من يقلبه ويباشره، لا من يصب الماء ونحوه، و «حسبكم» . أي يكفيكم. والله أعلم.
قال: وملاقاة جسم المرأة لشهوة.
ش: هذا خاتمة النواقض، وهو ملاقاة جسم الرجل [جسم] المرأة لشهوة، على المشهور، المعمول به من الروايات، لقول الله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] الآية والمفهوم منه في العرف المس المقصود منهن، وهو المس للتلذذ، أما المس لغرض آخر فلا فرق بينهن وبين غيرهن في ذلك، ولأن اللمس بشهوة هو المظنة لخروج المني والمذي، فأقيم مقامه، كالنوم مع الريح.

(1/264)


161 - وعلى هذا يحمل قول ابن مسعود: من قبلة الرجل امرأته الوضوء. ونحوه عن ابن عمر، أخرجهما مالك في الموطأ.
162 - وقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن القبلة من اللمس، فتوضئوا منها. رواه البيهقي، فتخصيصه القبلة بذلك قرينة الشهوة.
163 - وعن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «جاء رجل فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل أصاب [من] امرأة لا تحل له، فلم يدع شيئا يصيب الرجل من المرأة إلا قد أصاب منها، إلا أنه لم يجامعها؟ فقال: «توضأ وضوءا حسنا ثم قم فصل» فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] فقال معاذ: هي له خاصة، أم للمسلمين عامة؟ فقال: «بل هي للمسلمين

(1/265)


عامة» رواه أحمد والدارقطني، مع أن فيه انقطاعا، فإن راويه عن معاذ عبد الرحمن بن أبي ليلى ولم يدركه.
164 - وما روي من أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل ولم يتوضأ، إن صح أيضا محمول على التقبيل ترحما ونحوه، ولو أريد بالآية الجماع

(1/266)


لاكتفى بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] .
(والثانية) : ينقض مطلقا لظاهر [إطلاق] الآية الكريمة، وما تقدم من حديث معاذ ونحوه، ويؤيد ذلك أنه قد ورد في لسان الشارع، وأريد به ذلك.
165 - قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ماعز «لعلك قبلت أو لمست» ؟
166 - ونهى عن بيع الملامسة وقد حكي عن أحمد أنه رجع عن هذه الرواية. (والثالثة) : لا ينقض مطلقا، وهو اختيار أبي العباس في فتاويه، وهو قول الحبر ابن عباس، حملا للآية على الجماع.
167 - قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إن الله حيي كريم، يكني بما شاء عما شاء، وإن مما كنى به عن الجماع الملامسة. ويؤيد ذلك ما روي من تقبيله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما تقدم يحمل على الاستحباب، جمعا بين الأدلة اهـ.
وقد شمل كلام الخرقي الأجنبية، وذات المحرم، والعجوز، وهو كذلك، وشمل أيضا الحية والميتة، وهو اختيار القاضي

(1/267)


وابن عبدوس، وابن البنا، وصاحب التلخيص وغيرهم نظرا للعموم، وقياسا على وجوب الغسل بوطئها، وخالفهم أبو جعفر، وابن عقيل، وأبو البركات، لأنها ليست محلا للشهوة، أشبهت البهيمة، وشمل أيضا مسها بعضو زائد، ومس عضو زائد منها، لأن جسمه لاقى جسمها، وصرح به غيره.
وقوله: المرأة. قد يخرج به الطفلة. وصرح به أبو البركات، مقيدا بالتي لا تشتهى، وصرح أبو محمد، وصاحب التلخيص، والسامري، وغيرهم بأنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة.
وقوله: المرأة. أي لجسم المرأة، فيحتمل أن يدخل تحته الشعر والسن، والظفر، وهو قويل، والمذهب عدم النقض بذلك.
وخرج من كلامه اللمس بحائل وهو المعروف المنصوص وحكي عنه النقض مع الحائل أيضا وبعدت.
وقوله: ملاقاة جسم الرجل للمرأة، قد يدخل فيه ما إذا مسته المرأة ووجدت منه الشهوة، أن وضوءه ينتقض، وهذا

(1/268)


ينبني على أصلين:
(أحدهما) : أن المرأة هل حكمها حكم الرجل إذا مسته، وهو المشهور، أم لا؟ فيه روايتان.
(الثاني) : أن اللامس حيث انتقض وضوءه هل ينتقض وضوء الملموس، وهو اختيار ابن عبدوس، أو لا ينتقض، وهو اختيار أبي البركات؟ على روايتين أيضا، ثم محلها - وفاقا للشيخين - فيما إذا وجدت الشهوة من الملموس، فيكون كلام الخرقي ينبني على أن حكم المرأة حكم الرجل، وأن وضوء اللامس ينتقض إذا انتقض وضوء الملموس.
واعلم أن عامة الأصحاب يعد النواقض كما عدها الخرقي، عدا التقاء الختانين كما تقدم، وزاد بعض المتأخرين: زوال عذر المستحاضة ونحوها بشرطه، وخروج وقت صلاة تيمم لها، وبطلان المسح بفراغ مدته، أو خلع حائله، ونحو ذلك، وبرء محل الجبيرة، ورؤية الماء للمتيمم العادم له ونحو ذلك، وهذا وإن [كان] مناقشا فيه، لكن الحكم متفق عليه اهـ.
(تنبيه) : {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] أي ساعة بعد ساعة. واحدتها: زلفة [والله أعلم] .
قال: ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة، فهو على ما تيقن منهما.

(1/269)


168 - ش: روى عبد الله بن زيد قال: «شكي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا» متفق عليه.
169 - وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا» رواه مسلم وغيره، والمعنى في ذلك أن الشيء إذا كان على حال، فانتقاله عنها يفتقر إلى زوالها، وحدوث غيرها، وبقائها، وبقاء الأولى لا يفتقر [إلا] إلى مجرد [بقائها] ويكون أولى.
واعلم أن كلام الخرقي يشمل صورا، منها ما تقدم، (ومنها) إذا تيقن الطهارة والحدث، وشك في السابق منهما، فإنه على ضد حاله قبلهما، مثاله: إذا تيقن بعد الزوال مثلا أنه كان متطهرا ومحدثا، فإنه ينظر إلى ما قبل الزوال فإن كان محدثا فهو الآن متطهر، لأنه قد تيقن زوال ذلك الحدث بطهارة بعد الزوال، والحدث الموجود بعد الزوال، يحتمل أن يكون ذلك الحدث واستمر، ويحتمل أنه حدث متجدد، فهو متيقن للطهارة، شاك في الحدث، وإن كان قبل الزوال متطهرا فهو الآن محدث، وبيانه مما تقدم (ومنها) إذا تيقن فعل الطهارة والحدث، وصورته أنه تيقن بعد الزوال أنه تطهر طهارة رفع بها حدثا، وأحدث

(1/270)


حدثا نقض به طهارة، فيكون على مثل حاله قبل الزوال، فإن كان قبله متطهرا فهو الآن متطهر، لأن الطهارة التي قبل الزوال، قد تيقن زوالها بالحدث، وتيقن أيضا زوال الحدث بالطهارة التي بعد الزوال، والأصل بقاؤها، وإن كان قبل الزوال محدثا، فهو الآن محدث، وبيانه مما تقدم، والضابط كما قال الخرقي العمل بالأصل.
(تنبيه) : الشك في كلام الخرقي خلاف اليقين، وإن انتهى إلى غلبة الظن، وفاقا للفقهاء واللغويين كما قاله الجوهري، وابن فارس وغيرهما، وفي اصطلاح الأصوليين هو تساوي الاحتمالين والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال: