دقائق
أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات [بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ]
ِ (وَهِيَ) أَيْ النَّجَاسَةُ لُغَةً: ضِدُّ الطَّهَارَةِ وَشَرْعًا
(عَيْنٌ) كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ (أَوْ صِفَةٌ) كَأَثَرِ بَوْلٍ بِمَحَلٍّ
طَاهِرٍ (مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهَا بِلَا ضَرُورَةٍ، لَا لِأَذًى فِيهَا
طَبْعًا) احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ السُّمِّيَّاتِ مِنْ النَّبَاتِ،
فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِمَّا يَضُرُّ مِنْهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ
لِأَذَاهَا و (لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) احْتِرَازًا عَنْ صَيْدِ
الْحَرَمِ، أَوْ عَنْ صَيْدِ الْبَرِّ لِلْمُحْرِمِ (أَوْ) لِحَقِّ
(غَيْرِهِ شَرْعًا) احْتِرَازًا عَنْ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ،
فَيَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ لِمَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ لِحَقِّ مَالِكِهِ
زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَا لِحُرْمَتِهَا، احْتِرَازًا عَنْ مَيْتَةِ
الْآدَمِيِّ وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا، احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ مَنِيٍّ
وَمُخَاطٍ (حَيْثُ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا) مُتَعَلِّقٌ بِاجْتِنَابِ (بَدَنَ
مُصَلٍّ) مَنْصُوبٌ بِاجْتِنَابٍ (وَثَوْبَهُ وَبُقْعَتَهُمَا) مَعْطُوفٌ
عَلَى بَدَنٍ (وَعَدَمِ حَمْلِهَا) عَطْفٌ عَلَى اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ
وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ: قَوْلُهُ (شَرْطٌ
لِلصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ
فَاهْجُرْ} [المدثر: 4] وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ»
وَقَوْلِهِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ
«اُقْرُصِيهِ وَصَلِّي فِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «وَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِّ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ
الْأَعْرَابِيِّ، إذْ بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ» وَلَا يَجِبُ
ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِيهَا،
وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ. وَالنَّهْيُ عَنْهُ فِي
الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ حَامِلٍ
مُسْتَجْمِرًا) لِأَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي
مَحَلِّهِ (أَوْ) مِنْ حَامِلٍ (حَيَوَانًا طَاهِرًا) كَالْهِرِّ، لِأَنَّ
مَا بِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ فِي مَعِدَتِهَا فَهِيَ كَالنَّجَاسَةِ فِي جَوْفِ
الْمُصَلِّي و «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ» (وَ) تَصِحُّ (مِمَّنْ مَسَّ ثَوْبُهُ
ثَوْبًا) نَجِسًا (أَوْ حَائِطًا نَجِسًا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَيْهِ)
لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِثَوْبِهِ وَلَا بَدَنِهِ.
فَإِنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ
كَالْبُقْعَةِ لَهُ (أَوْ) أَيْ وَتَصِحُّ مِمَّنْ (قَابَلَهَا) أَيْ
النَّجَاسَةَ (رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَمْ يُلَاقِهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِمَوْضِعٍ لِصَلَاتِهِ وَلَا مَحْمُولًا فِيهَا. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ
بَيْنَ
(1/161)
رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُصِبْهَا، فَإِنْ
لَاقَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (أَوْ صَلَّى عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ مِنْ)
حَصِيرٍ أَوْ بِسَاطٍ (مُتَنَجِّسٍ طَرَفُهُ) فَتَصِحُّ (وَلَوْ تَحَرَّكَ)
الْمُتَنَجِّسُ (بِحَرَكَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ يَنْجَرُّ بِهِ)
وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ مَشْدُودٌ فِي
نَجَاسَةٍ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا مُصَلٍّ
عَلَيْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ مُتَّصِلَةٍ
بِأَرْضٍ نَجِسَةٍ،
فَإِنْ كَانَ النَّجَسُ مُتَعَلِّقًا بِالْمُصَلِّي بِحَيْثُ يَنْجَرُّ
مَعَهُ إذَا مَشَى، كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ حَبْلٌ
مَشْدُودٌ فِي نَجَاسَةٍ، أَوْ حَيَوَانٌ نَجِسٌ أَوْ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ
فِيهَا نَجَاسَةٌ بِحَيْثُ تَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى لَمْ تَصِحَّ
صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ لِلنَّجَاسَةِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ
حَامِلَهَا، فَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ كَبِيرَةً، أَوْ الْحَيَوَانُ
كَبِيرًا، لَا يَقْدِرُ عَلَى جَرِّهِ إذَا اسْتَعْصَى عَلَيْهِ صَحَّتْ ;
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَّبِعٍ لَهَا.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ مَا لَا يَنْجَرُّ
تَصِحُّ لَوْ انْجَرَّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ وَهُوَ أَوْلَى.
وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ حَبْلٌ طَرَفُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ.
فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُوَفَّقِ: الصِّحَّةُ.
وَفِي الْإِقْنَاعِ: لَا تَصِحُّ (أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ) نَجَاسَةٌ
(فَزَالَتْ) سَرِيعًا (أَوْ أَزَالَهَا سَرِيعًا) فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ.
لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا
عَنْ يَسَارِهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ. فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ،
قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاك
أَلْقَيْت نَعْلَك فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، قَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ
أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهَا قَذَرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد،
وَلِأَنَّ مِنْ النَّجَاسَةِ مَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا
فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ زَمَنِهَا. كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ و (لَا) تَصِحُّ
صَلَاتُهُ (إنْ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ (عَنْهُ)
سَرِيعًا، لِإِفْضَائِهِ إلَى اسْتِصْحَابِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ
زَمَنًا طَوِيلًا. أَوْ لِعَمَلٍ كَثِيرٍ. إنْ أَخَذَ يُطَهِّرُهَا (أَوْ
نَسِيَهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (أَوْ جَهِلَ عَيْنَهَا) بِأَنْ أَصَابَهُ
شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ
(أَوْ) جَهِلَ (حُكْمَهَا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ
لِلصَّلَاةِ (أَوْ) جَهِلَ (أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلِمَ)
تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ اجْتِنَابَ
النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ وَلَا
بِالْجَهْلِ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَعَنْهُ: تَصِحُّ صَلَاتُهُ إذَا
نَسِيَ، أَوْ جَهِلَ النَّجَاسَةَ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ
الْمُتَأَخِّرِينَ (أَوْ حَمَلَ قَارُورَةً) بَاطِنُهَا نَجِسٌ وَصَلَّى،
لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (أَوْ) حَمَلَ (آجُرَّةً) وَاحِدَةً الْآجُرُّ،
وَهُوَ الطُّوبُ الْمَشْوِيُّ (بَاطِنُهَا نَجِسٌ أَوْ) حَمَلَ (بَيْضَةً
فِيهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ، أَوْ) حَمَلَ بَيْضَةً (مَذِرَةً، أَوْ)
(1/162)
(عُنْقُودًا) مِنْ عِنَبٍ (حَبَّاتُهُ
مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً فِي
غَيْرِ مَعِدَتِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ حَمَلَهَا فِي كَمِّهْ.
(وَإِنْ طَيَّنَ) أَرْضًا (نَجِسَةً) وَصَلَّى عَلَيْهَا (أَوْ بَسَطَ
عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ طَاهِرًا صَفِيقًا أَوْ رَطْبَةٍ
وَلَمْ تَنْفُذْ إلَى ظَاهِرِهِ (أَوْ) بَسَطَ (عَلَى حَيَوَانٍ نَجِسٍ)
طَاهِرًا صَفِيقًا (أَوْ) بَسَطَ عَلَى (حَرِيرٍ طَاهِرًا صَفِيقًا) لَا
خَفِيفًا أَوْ مُهَلْهَلًا (أَوْ غَسَلَ وَجْهَ آجُرٍّ وَصَلَّى عَلَيْهِ،
أَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ بَاطِنُهُ فَقَطْ نَجِسٌ) وَظَاهِرُهُ الَّذِي
صَلَّى عَلَيْهِ طَاهِرٌ (أَوْ) صَلَّى عَلَى (عُلْوٍ سُفْلُهُ غَصْبٌ،
أَوْ) صَلَّى عَلَى (سَرِيرٍ تَحْتَهُ نَجِسٌ كُرِهَتْ) صَلَاتُهُ،
لِاعْتِمَادِهِ عَلَى مَا لَا تَصِحُّ عَلَيْهِ (وَصَحَّتْ) لِأَنَّهُ
لَيْسَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَلَا مُبَاشِرًا لِمَا لَا تَصِحُّ
عَلَيْهِ.
(وَإِنْ خِيطَ جُرْحٌ أَوْ جُبِرَ عَظْمٌ) مِنْ آدَمِيٍّ (ب) خَيْطٍ
(نَجِسٍ أَوْ عَظْمٍ نَجِسٍ فَصَحَّ) الْجُرْحُ أَوْ الْعَظْمُ (لَمْ
تَجِبْ إزَالَتُهُ) أَيْ النَّجِسِ مِنْهُمَا (مَعَ) خَوْفِ (ضَرَرٍ) عَلَى
نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ حُصُولِ مَرَضٍ ; لِأَنَّ حِرَاسَةَ النَّفْسِ
وَأَطْرَافِهَا وَاجِبٌ وَأَهَمُّ مِنْ رِعَايَةِ شَرْطِ الصَّلَاةِ
وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ مَاءٍ وَلَا سُتْرَةٍ بِزِيَادَةٍ
كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَإِذَا جَازَ تَرْكُ شَرْطٍ مُجْمَعٍ
عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ، فَتَرْكُ شَرْطٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِحِفْظِ
بَدَنِهِ أَوْلَى،
فَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لَزِمَهُ (وَ) حَيْثُ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ
(لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ) أَيْ الْخَيْطِ أَوْ الْعَظْمِ النَّجِسِ (إنْ
غَطَّاهُ اللَّحْمُ) لِإِمْكَانِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فِي جَمِيعِ
مَحَلِّهَا، فَإِنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ تَيَمَّمَ لَهُ لِعَدَمِ
إمْكَانِ غَسْلِهِ (وَمَتَى وَجَبَتْ) إزَالَتُهُ (فَمَاتَ) قَبْلَ
إزَالَتِهِ (أُزِيلَ) وُجُوبًا لِقِيَامِ مَنْ يَلِيه مَقَامَهُ (إلَّا
مَعَ الْمُثْلَةِ) بِإِزَالَتِهِ فَتَسْقُطُ لِلضَّرَرِ بِهَا، كَالْحَيِّ
(وَلَا يَلْزَمُ شَارِبَ خَمْرٍ قَيْءٌ) لِلْخَمْرِ، لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى
مَحَلٍّ يَسْتَوِي فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ.
وَكَذَا سَائِرُ النَّجَاسَاتِ تَحْصُلُ بِالْجَوْفِ (وَإِنْ أُعِيدَتْ
سِنُّ) آدَمِيٍّ قُلِعَتْ (أَوْ) أُعِيدَتْ (أُذُنٌ) مِنْهُ قُطِعَتْ
(أَوْ) أُعِيدَ (نَحْوُهُمَا) مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَعَادَهَا
بِحَرَارَتِهَا (فَثَبَتَتْ) أَوْ لَمْ تَثْبُتْ (فَ) هِيَ (طَاهِرَةٌ)
لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ، فَحُكْمُهُمَا حُكْمُهُ. وَتَقَدَّمَ:
مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ كَمَيْتَتِهِ.
[فَصْلٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا]
مُطْلَقًا وَمَا يَصِحّ فِيهِ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ، وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (وَلَا تَصِحُّ تَعَبُّدًا صَلَاةُ) فَرْضٍ أَوْ
نَفْلٍ (فِي مَقْبَرَةٍ) قَدِيمَةٍ أَوْ حَدِيثَةٍ تَقَلَّبَتْ أَوْ لَا،
وَهِيَ مَدْفَنُ الْمَوْتَى. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1/163)
«لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ،
فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ
بْنِ جُنْدُبٍ (وَلَا يَضُرُّ) صِحَّةَ الصَّلَاةِ (قَبْرَانِ وَلَا مَا
دُفِنَ بِدَارِهِ) وَلَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ قُبُورٍ ; لِأَنَّهُ لَا
يُسَمَّى مَقْبَرَةً، بَلْ هِيَ ثَلَاثَةُ قُبُورٍ فَأَكْثَرُ، نَقَلَهُ
فِي الِاخْتِبَارَاتِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ،
وَبُنِيَ لَفْظُهَا مِنْ الْقَبْرِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَثُرَ
بِمَكَانٍ جَازَ أَنْ يُبْنَى لَهُ اسْمٌ مِنْ اسْمِهِ كَمَسْبَعَةٍ
وَمَضْبَعَةٍ لِمَا كَثُرَ فِيهِ مِنْ السِّبَاعِ وَالضِّبَاعِ، وَأَمَّا
الْخَشْخَاشَةُ وَتُسَمَّى الْفَسْقِيَّةَ فِيهَا أَمْوَاتٌ كَثِيرُونَ،
فَهِيَ قَبْرٌ وَاحِدٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ بَحْثًا.
(وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا صَلَاةٌ (فِي حَمَّامٍ) لِقَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا
الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَ) لَا تَصِحُّ
أَيْضًا (فِيمَا يَتْبَعُهُ فِي بَيْعٍ) لِتَنَاوُلِ اسْمِهِ لَهُ.
فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَانِ الْغُسْلِ وَالْمَسْلَخِ وَالْأَتُونِ وَكُلِّ
مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُهُ (وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا
صَلَاةٌ فِي (حَشٍّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضْمِهَا فَيُمْنَعُ مِنْ
الصَّلَاةِ دَاخِلَ بَابِهِ، وَلَوْ غَيْرَ مَوْضِعِ الْكَنِيفِ، وَلَوْ
مَعَ طَهَارَتِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَنَعَ الشَّرْعُ
مِنْ الْكَلَامِ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، كَانَ مَنْعُ الصَّلَاةِ
أَوْلَى، وَهُوَ لُغَةً الْبُسْتَانُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَحَلِّ
قَضَاءِ الْحَاجَةِ: لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ
فِي الْبُسْتَانِ، وَهِيَ الْحُشُوشُ: فَسُمِّيَتْ الْأَخْلِيَةُ فِي
الْحَضَرِ حُشُوشًا بِذَلِكَ.
(وَ) لَا تَصِحُّ أَيْضًا تَعَبُّدًا صَلَاةٌ فِي (أَعْطَانِ إبِلٍ) جَمْعُ
عَطَنٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَهِيَ الْمَعَاطِنُ جَمْعُ مَعْطِنٍ بِكَسْرِهَا
لِحَدِيثِ «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ
الْإِبِلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيث
أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ " وَهِيَ " أَيْ الْأَعْطَانُ (مَا تُقِيمُ
فِيهَا) الْإِبِلُ (وَتَأْوِي إلَيْهَا) طَاهِرَةً كَانَتْ أَوْ نَجِسَةً،
فِيهَا إبِلٌ حَالَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَأَمَّا مَا
تَبِيتُ فِيهِ الْإِبِلُ فِي مَسِيرهَا أَوْ تَنَاخُ فِيهِ لِعَلَفِهَا
أَوْ سَقْيِهَا، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِعَطَنٍ.
(وَ) لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ أَيْضًا (فِي مَجْزَرَةٍ) مَكَانَ الذَّبْحِ (وَ)
لَا فِي (مَزْبَلَةٍ) مَلْقَى الزُّبَالَةِ.
(وَ) لَا فِي (قَارِعَةِ الطَّرِيقِ) أَيْ مَحَلِّ قَرْعِ الْأَقْدَامِ
مِنْ الطَّرِيقِ.
وَهِيَ الْمَحَجَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سَالِكٌ أَوْ لَا. لِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ،
وَالْمَقْبَرَةُ، وَالْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْحَمَّامُ،
وَمَعْطِنُ الْإِبِلِ، وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. وَرَوَاهُ
(1/164)
اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا.
وَتَصِحُّ فِي طَرِيقِ أَبْيَاتٍ قَلِيلَةٍ (وَ) لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ
تَعَبُّدًا أَيْضًا عَلَى (أَسْطِحَتِهَا) أَيْ أَسْطِحَةِ تِلْكَ
الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا ; لِأَنَّ الْهَوَاءَ
تَابِعٌ لِلْقَرَارِ لِمَنْعِ الْجُنُبِ مِنْ اللُّبْثِ بِسَطْحِ
الْمَسْجِدِ، وَحَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا بِدُخُولِ
سَطْحِهَا (وَ) لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا قَصْدًا فِي (سَطْحِ
نَهْرٍ) وَكَذَا سَابَاطٌ وَجِسْرُهَا عَلَيْهِ.
قَالَ السَّامِرِيُّ: لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَهُ
ابْنُ عَقِيلٍ
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كَالطَّرِيقِ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَجَزَمَ
ابْنُ تَمِيمٍ بِالصِّحَّةِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: صِحَّةُ
الصَّلَاةِ فِي الْمَدْبَغَةِ (سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ فِي مَقْبَرَةٍ)
فَتَصِحُّ لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَبْرِ
فَيَكُونُ مُخَصَّصًا لِلنَّهْيِ السَّابِقِ (وَسِوَى جُمُعَةٍ وَعِيدٍ
وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا) كَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ (بِطَرِيقِ
الضَّرُورَةِ) بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ الْمُصَلَّى وَاضْطُرُّوا
لِلصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ لِلْحَاجَةِ
(وَ) سِوَى جُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا بِمَوْضِعِ (غَصْبٍ)
أَيْ مَغْصُوبٍ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ ; لِأَنَّهُ إذَا
صَلَّاهَا الْإِمَامُ فِي الْغَصْبِ وَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الصَّلَاةِ
مَعَهُ فَاتَتْهُمْ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الْخَوَارِجِ
وَالْمُبْتَدِعَةِ فِي الطَّرِيقِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ الْأَعْيَادُ وَالْجِنَازَةُ (وَ) سِوَى الصَّلَاةِ (عَلَى
رَاحِلَةٍ بِطَرِيقٍ) عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ
مُوَضَّحًا (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْأَمَاكِنِ
الْمُتَقَدِّمَةِ (لِعُذْرٍ) كَمَا لَوْ حُبِسَ فِيهَا، بِخِلَافِ خَوْفِ
فَوْتِ الْوَقْتِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ (وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ
(إلَيْهَا) لِحَدِيثِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ مَرْفُوعًا «لَا
تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا إلَيْهَا» رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ
وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْمَوَاضِعِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ
تَعَبُّدِيٌّ. فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ (بِلَا حَائِلٍ) فَإِنْ كَانَ
حَائِلٌ لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ (وَلَوْ) كَانَ (كَمُؤَخَّرَةِ رَحْلٍ)
كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي، فَلَا يَكْفِي الْخَطُّ، وَيَكْفِي حَائِطُ
الْمَسْجِدِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُمْ: لَا
يَضُرُّ بَعْدَ كَثِيرٍ عُرْفًا لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْ
الْمُصَلِّي.
و (لَا) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ (فِيمَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ الْمُسَافِرِ
يَمْنَةً وَيَسَرَةً) نَصًّا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَجَّةٍ (وَلَوْ
غُيِّرَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، مَوَاضِعُ النَّهْيِ (بِمَا
يُزِيلُ اسْمَهَا) كَجَعْلِ حَمَّامٍ دَارًا (أَوْ مَسْجِدًا وَصَلَّى
فِيهِ صَحَّتْ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ. وَكَذَا لَوْ نُبِشَتْ قُبُورٌ
غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ وَحُوِّلَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى، وَجُعِلَتْ
مَسْجِدًا لِقِصَّةِ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
(وَكَمَقْبَرَةٍ) فِي الصَّلَاةِ
(1/165)
فِيهَا (مَسْجِدٌ حَدَثَ بِهَا) أَيْ
الْمَقْبَرَةِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ
أَوْ لِعُذْرٍ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيث
انْتَهَى.
وَإِنْ حَدَثَتْ الْقُبُورُ بَعْدَهُ، حَوْلَهُ أَوْ فِي قِبْلَتِهِ،
كُرِهَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهَا بِلَا حَائِلٍ، وَفِي الْهَدْيِ: لَوْ وُضِعَ
الْقَبْرُ وَالْمَسْجِدُ مَعًا. لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ
وَلَا الصَّلَاةُ اهـ. وَلَوْ حَدَثَ طَرِيقٌ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ
صَحَّتْ فِيهِ (وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ) الصَّلَاةِ (فِي الْكَعْبَةِ وَلَا
عَلَى ظَهْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَالشَّطْرُ: الْجِهَةُ
وَالْمُصَلِّي فِيهَا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ
لِجِهَتِهَا، وَلِأَنَّهُ يَسْتَدْبِرُ مِنْ الْكَعْبَةِ مَا لَوْ
اسْتَقْبَلَهُ مِنْهَا خَارِجَهَا صَحَّتْ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ
الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَدَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
السَّابِقِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا،
لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى
وَالْجِدَارُ لَا أَثَرَ لَهُ إذْ الْمَقْصُود الْبُقْعَةُ ; لِأَنَّهُ
يُصَلِّي إلَيْهَا حَيْثُ لَا جِدَارَ (إلَّا إذَا وَقَفَ) الْمُصَلِّي
(عَلَى مُنْتَهَاهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ) مِنْهَا
(أَوْ) وَقَفَ (خَارِجَهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ (وَسَجَدَ فِيهَا) فَيَصِحُّ
فَرْضُهُ، لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرُ
مُسْتَدْبِرٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا، كَمَا لَوْ صَلَّى إلَى أَحَدِ
أَرْكَانِهَا (وَتَصِحُّ نَافِلَةٌ) فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا.
(وَ) تَصِحُّ (مَنْذُورَةٌ فِيهَا وَعَلَيْهَا) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ
يَدَيْهِ شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «دَخَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا
فَتَحُوا كُنْت أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيت بِلَالًا، فَسَأَلْته: هَلْ
صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ؟
قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، عَنْ يَسَارِك إذَا دَخَلْت،
ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ،
وَلَا يُعَارِضُهُ رِوَايَتُهُمَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ، وَلَا رِوَايَةُ
الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ» ; لِأَنَّ الدُّخُولَ كَانَ
مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأَوْلَى وَصَلَّى فِي الثَّانِيَةِ،
كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
وَأُلْحِقَ النَّذْرُ بِالنَّفْلِ،
وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ: النَّذْرُ الْمُطْلَقُ يُحْذَى بِهِ حَذْوَ
الْفَرَائِضِ (مَا لَمْ يَسْجُدْ عَلَى مُنْتَهَاهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ
فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا
فِيهِ (وَيُسَنُّ نَفْلُهُ) أَيْ تَنَفُّلُهُ بِالصَّلَاةِ (فِيهَا) أَيْ
الْكَعْبَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يُسَنُّ أَيْضًا نَفْلُهُ (فِي الْحِجْرِ، وَهُوَ مِنْهَا) أَيْ
الْكَعْبَةِ نَصًّا. لِخَبَرِ عَائِشَةَ (وَقَدْرُهُ) أَيْ الْحِجْرِ
الدَّاخِلِ فِي حُدُودِ الْبَيْتِ (سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ) فَلَا
يَصِحُّ
(1/166)
اسْتِقْبَالُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ،
لَكِنْ يَطُوفُ مِنْ وَرَائِهِ جَمِيعِهِ احْتِيَاطًا (وَيَصِحُّ
التَّوَجُّهُ إلَيْهِ) أَيْ الْحِجْرِ (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ مَكِّيٍّ
وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ
فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (وَالْفَرْضُ فِيهِ) أَيْ الْحِجْرِ (كَدَاخِلِهَا)
أَيْ الْكَعْبَةِ، لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهُ وَلَمْ
يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ. أَوْ وَقَفَ خَارِجَهُ وَسَجَدَ فِيهِ كَمَا
تَقَدَّمَ فِي الْكَعْبَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ (وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ
(بِأَرْضِ الْخَيْفِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا
كُلُّ بُقْعَةٍ نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ، كَأَرْضِ بَابِلَ وَالْحِجْرِ
وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ، وَتُكْرَهُ أَيْضًا فِي مَقْصُورَةٍ تُحْمَى
نَصًّا.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَصُّ بِالظَّلَمَةِ وَقَالَ
أَحْمَدُ مَا سَمِعْت فِي الرَّحَى بِشَيْءٍ، وَتَصِحُّ فِي أَرْضِ
السِّبَاخِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا تُكْرَهُ
(بِبَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ) وَلَوْ مَعَ صُوَرٍ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَيْسَ
لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ، لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ،
وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ. وَلَا بَأْسَ
بِالصَّلَاةِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَزْرُوعَةً، أَوْ عَلَى
مُصَلَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، بِلَا غَصْبٍ وَلَا ضَرَرٍ. |