دقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات

 [بَابُ الْإِحْرَامِ]
ِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ، كَأَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ الطِّيبَ وَالنِّكَاحَ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ كَمَا يُقَالُ: أَشْتَى إذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ إذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ وَشَرْعًا (نِيَّةُ النُّسُكِ) أَيْ الدُّخُولِ فِيهِ، لَا نِيَّتُهُ لِيَحُجَّ " أَوْ " يَعْتَمِرَ (وَسُنَّ لِمُرِيدِهِ) أَيْ الْإِحْرَامِ (غُسْلٌ) وَلَوْ نُفَسَاءَ أَوْ حَائِضًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
«وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِإِهْلَالِ الْحَجِّ، وَهِيَ حَائِضٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ رَجَتَا الطُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمِيقَاتِ أَخَّرَتَاهُ حَتَّى تَطْهُرَ (أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمِ مَاءٍ) أَوْ عَجْزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ لِعُمُومِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] (وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَيْنَ غُسْلٍ وَإِحْرَامٍ) كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ
(وَ) سُنَّ لَهُ (تَنَظُّفٌ) بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ، وَقَطْعِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ كَالْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ أَخْذَ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ فَاسْتُحِبَّ فِعْلُهُ قَبْلَهُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ فِيهِ.
(وَ) سُنَّ لَهُ (تَطَيُّبٌ فِي بَدَنِهِ) بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ، كَمِسْكٍ، أَوْ أَثَرُهُ كَمَاءِ وَرْدٍ وَيَجُوزُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَقَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَالْآثَارِ أَنَّ قِصَّةَ صَاحِبِ الْجُبَّةِ كَانَتْ عَامَ حُنَيْنٌ وَالْجِعْرَانَةَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ أَيْ فَهُوَ نَاسِخٌ
(وَكُرِهَ) لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ تَطَيُّبٌ (فِي ثَوْبِهِ) وَلَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ فِي إحْرَامِهِ، مَا لَمْ يَنْزِعْهُ، فَإِنْ نَزَعَهُ لَمْ يَلْبِسْهُ حَتَّى يَغْسِلَ طِيبَهُ لُزُومًا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الطِّيبَ وَلُبْسَ الْمُطَيَّبِ، دُونَ الِاسْتِدَامَةِ وَمَتَى تَعَمَّدَ مُحْرِمٌ مَسَّ طِيبٍ عَلَى بَدَنِهِ، أَوْ نَحَّاهُ عَنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، أَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَى لَا إنْ سَالَ بِعَرَقٍ أَوْ شَمْسٍ.
(وَ) سُنَّ لِمُرِيدِهِ (لُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ) جَدِيدَيْنِ أَوْ خَلِقَيْنِ (وَنَعْلَيْنِ) لِحَدِيثِ «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ وَالنَّعْلَانِ التسومة وَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ سرموذة وَنَحْوهَا إنْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ وَيَكُونُ لُبْسُهُ ذَلِكَ (بَعْدَ تَجَرُّدِ ذَكَرٍ عَنْ مَخِيطٍ) كَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَجَرَّدَ لِإِهْلَالٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(وَ) سُنَّ

(1/528)


(إحْرَامُهُ عَقِبَ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا) نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (وَلَا يَرْكَعُهُمَا) أَيْ رَكْعَتَيْ النَّفْلِ (وَقْتَ نَهْيٍ) لِتَحْرِيمِ النَّفْلِ إذَنْ (وَلَا) يَرْكَعُهُمَا (مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ) لِحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ»
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ إحْرَامِهِ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
(وَ) سُنَّ لَهُ (أَنْ يُعَيِّنَ نُسُكًا) فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ مِنْ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ قِرَانٍ (وَيَلْفِظُ بِهِ) أَيْ بِمَا عَيَّنَهُ لِلْأَخْبَارِ (وَأَنْ يَشْتَرِطَ) لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ «إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَجِدُنِي وَجِعَةً فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقَوْلِي: اللَّهُمَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ «فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْتَ» (فَيَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا وَتَيَسُّرِهَا عَادَةً (وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) فَيَسْتَفِيدُ: أَنَّهُ مَتَى حُبِسَ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ حَلَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمَهُ نَحْوه وَلَوْ قَالَ: فَلِي أَنْ أَحِلَّ، خُيِّرَ
(وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ، أَوْ إنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يَصِحَّ) شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِيهِ وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ اشْتِرَاطُهُ بِقَلْبِهِ (وَيَنْعَقِدُ إحْرَامٌ حَالَ جِمَاعٍ) لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهِ إنْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ وَيَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ (وَيَبْطُلُ) إحْرَامٌ بِرِدَّةٍ (وَيَخْرُجُ) مُحْرِمٌ (مِنْهُ بِرِدَّةٍ) فِيهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَ (لَا) يَبْطُلُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ (بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ كَمَوْتٍ) وَيَأْتِي حُكْمُ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ فِي الْإِحْصَارِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَيِّتٍ (وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامٌ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهَا) أَيْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ إذَنْ (وَيُخَيَّرُ مُرِيدُ) إحْرَامٍ (بَيْنَ) ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (تَمَتُّعٌ وَهُوَ أَفْضَلُهَا) نَصًّا قَالَ: لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ وَتَأَسَّفَ بِقَوْلِهِ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَا حَلَلْتُ مَعَكُمْ» وَلَا يَنْقُلُ أَصْحَابَهُ إلَّا إلَى الْأَفْضَلِ وَلَا يَتَأَسَّفُ إلَّا عَلَيْهِ
وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الِاعْتِقَادِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَأَسَّفْ هُوَ لِأَنَّهُ

(1/529)


يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ سَوْقَ الْهَدْيِ وَلِمَا فِي التَّمَتُّعِ مِنْ الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ مَعَ كَمَالِ أَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ (فَإِفْرَادٌ) لِأَنَّ فِيهِ كَمَالُ أَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ (فَقِرَانٌ) وَاخْتُلِفَ فِي حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ.
(وَ) صِفَةُ (التَّمَتُّعِ: أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) نَصًّا قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَفْرُغُ مِنْهَا.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيَتَحَلَّلُ (وَ) يُحْرِمُ (بِهِ) أَيْ الْحَجِّ (فِي عَامِهِ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبِهَا أَوْ بَعِيدٍ مِنْهَا (بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ فَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ أَتَمَّ أَفَعَالَهَا فِي أَشْهُرِهِ وَإِنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا
(وَ) صِفَةُ (الْإِفْرَادِ: أَنْ يُحْرِمَ ابْتِدَاءً بِحَجٍّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ) أَيْ الْحَجِّ مُطْلَقًا (وَ) صِفَةُ (الْقِرَانِ: أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا أَوْ يُحْرِمَ بِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (ثُمَّ يُدْخِلُهُ) أَيْ الْحَجَّ (عَلَيْهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ وَيَصِحُّ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ وَقَالَ «هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَيَكُونُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا (قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي طَوَافِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ سَعْيِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا (وَيَصِحُّ) إدْخَالُ حَجٍّ عَلَى عُمْرَةٍ (مِمَّنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَلَوْ بَعْدَ سَعْيِهَا) بَلْ يَلْزَمُهُ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] قَالَ فِي شَرْحِهِ هُنَا: وَيَصِيرُ قَارِنًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَرَدَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ بَعْدُ
(وَمَنْ أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ الْحَجِّ (ثُمَّ أَدْخَلَهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ (عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ بِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ، وَلَا يُسْتَفَادُ بِهِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَلَا يَصِيرُ قَارِنًا، وَعَمَلُ قَارِنٍ كَمُفْرِدٍ نَصًّا وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُهَا وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ فَيَتَأَخَّرَ حِلَاقٌ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ

[فَصْلٌ وَيَجِبُ عَلَى مُتَمَتِّعٍ دَمٌ]
ٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] .
(وَ) وَيَجِبُ (عَلَى قَارِنٍ دَمٌ) لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ كَالتَّمَتُّعِ وَهُوَ دَمُ (نُسُكٍ) لَا دَمُ جُبْرَانٍ ; إذْ لَا نَقْصَ فِي التَّمَتُّعِ يُجْبَرُ بِهِ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ) أَيْ الْمُتَمَتِّعُ

(1/530)


وَالْقَارِنُ (مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَهَذَا فِي التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ (وَهُمْ) أَيْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ هُوَ مِنْهُ) دُونَ (مَسَافَةِ قَصْرٍ) لِأَنَّ حَاضِرِي الشَّيْءِ مَنْ حَلَّ فِيهِ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ أَوْ جَاوَرَهُ بِدَلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ فَلَا دَمَ (فَلَوْ اسْتَوْطَنَ أَفَقِيٌّ) لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ (مَكَّةَ فَحَاضِرٌ) لَا دَمَ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ
(وَمَنْ دَخَلَهَا) أَيْ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا (وَلَوْ نَاوِيًا لِإِقَامَةٍ) بِهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ (أَوْ) كَانَ الدَّاخِلُ (مَكِّيًّا اسْتَوْطَنَ بَلَدًا بَعِيدًا) مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ عَنْ الْحَرَمِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا (مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمٌ) وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا لِأَنَّهُ حَالَ أَدَاءِ نُسُكِهِ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا (وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ دَمِ مُتَمَتِّعٍ وَحْدَهُ) أَيْ دُونَ الْقَارِنِ زِيَادَةً عَمَّا تَقَدَّمَ سِتَّةُ شُرُوطٍ (أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] (وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ)
فَلَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ لِلْآيَةِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَبَاعُدًا (وَأَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ (مَسَافَةَ قَصْرٍ فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ سَافَرَ بَيْنَهُمَا الْمَسَافَةَ (فَأَحْرَمَ) بِالْحَجِّ (فَلَا دَمَ) نَصًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " إذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ خَرَجَ وَرَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ مَا دُونَهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ بَعِيدًا فَقَدْ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعِيدًا لِحَجِّهِ فَلَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ (فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَأَنْ يَحِلَّ مِنْهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهِ) أَيْ الْحَجِّ (وَإِلَّا) يَحِلُّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بِأَنْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (صَارَ قَارِنًا) فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ سَعْيِهِ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ
(وَأَنْ يُحْرِمَ بِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ مَكَّةَ) فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُونِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَكِنْ إنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ فِي حَالٍ يَجِبُ فِيهَا (لَزِمَهُ) دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ (وَأَنْ يَنْوِيَ التَّمَتُّعَ فِي ابْتِدَائِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (أَوْ) فِي (أَثْنَائِهَا) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَحُصُولِ التَّرَفُّهِ وَرَدَّهُ الْمُوَفِّقُ
(وَلَا يُعْتَبَرُ) لِوُجُوبِ دَمِ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ (وُقُوعُهُمَا) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (عَنْ) شَخْصٍ (وَاحِدٍ فَلَوْ اعْتَمَرَ عَنْ وَاحِدٍ وَحَجَّ عَنْ آخَرَ وَجَبَ الدَّمُ بِشَرْطِهِ) وَ (لَا) تُعْتَبَرُ (هَذِهِ

(1/531)


الشُّرُوطُ) جَمِيعُهَا (فِي كَوْنِهِ) أَيْ الْآتِي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُسَمَّى (مُتَمَتِّعًا) فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تَصِحُّ مِنْ الْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ وَرِوَايَةُ الْمَرْوَزِيِّ «لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ» أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمٌ
(وَيَلْزَمُ الدَّمُ) أَيْ دَمُ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ (بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أَيْ فَلْيُهْدِ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَفْعَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إحْرَامِهِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَ «يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» وَلَا يَسْقُطُ دَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ بِفَسَادِ (نُسُكِهِمَا) لِأَنَّ مَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الصَّحِيح وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ كَالطَّوَافِ وَغَيْرِهِ (أَوْ) أَيْ وَلَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا (بِفَوَاتِهِ) أَيْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ فَسَدَ (وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمَانِ) دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ وَدَمٌ لِقِرَانِهِ الثَّانِي.
(وَ) إنْ قَضَى الْقَارِنُ (مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَتَى بِنُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْ نُسُكِهِ (وَيُحْرِمُ) قَارِنٌ قَضَى مُفْرِدًا (مِنْ الْأَبْعَدِ) مِنْ مِيقَاتَيْهِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ مِنْهُمَا قَارِنًا وَمُفْرِدًا إنْ تَفَاوَتَا (بِعُمْرَةٍ إذَا فَرَغَ) مِنْ حَجِّهِ
(وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ مُتَمَتِّعًا أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ الْحَجِّ (مِنْ الْأَبْعَدِ) مِنْ الْمِيقَاتَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ أَحَدِهِمَا قَارِنًا وَمِنْ الْآخَرِ بِالْعُمْرَةِ (إذَا فَرَغَ مِنْهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَبْعَدُ الْأَوَّلَ فَالْقَضَاءُ يَحْكِيهِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ قِصَاصٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِحُلُولٍ فِيهِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ (وَسُنَّ لِمُفْرِدٍ وَقَارِنٍ فَسْخُ نِيَّتِهِمَا بِحَجٍّ) نَصًّا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَقَرَنُوا أَنْ يَحِلُّوا كُلُّهُمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ إلَّا خُلَّةً وَاحِدَةً قَالَ مَا هِيَ؟ قَالَ تَقُولُ: بِفَسْخِ الْحَجِّ، قَالَ: كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ عَقْلًا، عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا جِيَادًا، كُلُّهَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ، أَتْرُكُهَا لِقَوْلِكَ؟ وَلَيْسَ الْفَسْخُ إبْطَالًا لِلْإِحْرَامِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ نَقْلَهُ بِالْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ
(وَيَنْوِيَانِ) أَيْ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ (بِإِحْرَامِهِمَا بِذَلِكَ) الَّذِي هُوَ إفْرَادٌ أَوْ قِرَانٌ (عُمْرَةً مُفْرَدَةً) فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا قَدْ طَافَ وَسَعَى قَصَّرَ وَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ وَسَعَى فَإِنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ وَيَحِلُّ (فَإِذَا خَلَا) مِنْ الْعُمْرَةِ (أَحْرَمَا بِهِ) أَيْ الْحَجِّ (لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ وَيُتِمَّانِ) أَفَعَالَ الْحَجِّ (مَا لَمْ يَسُوقَا هَدْيًا) فَإِنْ سَاقَاهُ لَمْ يُصْبِحْ الْفَسْخُ لِلْخَبَرِ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَفِي الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ (أَوْ يَقِفَا بِعَرَفَةَ) فَإِنْ وَقَفَا بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا فَسْخُهُ، لِعَدَمِ وُرُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَا يُسْتَفَادُ بِهِ فَضِيلَةُ التَّمَتُّعِ وَإِنْ

(1/532)


سَاقَهُ أَيْ الْهَدْيَ (مُتَمَتِّعٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ) مِنْ عُمْرَتِهِ (فَيُحْرِمُ بِحَجٍّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلٍ بِحَلْقٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ»
(فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (مَعًا) نَصًّا لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَالْقِرَانِ وَلَا يَصِيرُ قَارِنًا لِاضْطِرَارِهِ لِإِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى عُمْرَتِهِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ هُنَا وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَالْمُتَمَتِّعَةُ إنْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ أَوْ خَشِي غَيْرُهَا فَوَاتَ الْحَجِّ أَحْرَمْت بِهِ) وُجُوبًا كَغَيْرِهَا فَمَنْ خَشِيَ فَوَاتَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا طَرِيقُهُ (وَصَارَتْ قَارِنَةً) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهِلِّي بِالْحَجِّ» (وَلَمْ تَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ كَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ (وَيَجِبُ عَلَى قَارِنٍ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ زَمَنَهُ (قَبْلَ طَوَافٍ وَسَعْيٍ: دَمُ قِرَانٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، كَمَا تَقَدَّمَ
فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَطَافَ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجِّ عَلَيْهَا لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ، وَلَيْسَ بِقَارِنٍ كَمَا سَبَقَ (وَتَسْقُطُ الْعُمْرَةُ) عَنْ الْقَارِنِ فَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُهَا فِي الْحَجِّ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» " إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ

[فَصْلٌ وَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا]
(صَحَّ) إحْرَامُهُ لِتَأَكُّدِهِ وَكَوْنِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِمَحْظُورَاتِهِ (وَصَرْفُهُ) أَيْ الْإِحْرَامَ (لِمَا شَاءَ) مِنْ الْأَنْسَاكِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ بِالنِّيَّةِ دُونَ اللَّفْظِ (وَمَا عَمِلَ) مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا (قَبْلَ) صَرْفِهِ لِأَحَدِهِمَا (فَهُوَ لَغْوٌ) لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ
(أَوْ) إنْ أَحْرَمَ (بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ وَعَلِمَ) (بِمَا) أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ (بِمِثْلِهِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ أَهْلَلْت؟ فَقَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا» وَعَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوه مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَإِذَا تَبَيَّنَ إطْلَاقُهُ) أَيْ إحْرَامُ فُلَانٍ، بِأَنْ كَانَ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ (فَلِلثَّانِي) الَّذِي

(1/533)


أَحْرَمَ بِمِثْلِهِ (صَرْفُهُ) أَيْ الْإِحْرَامَ (إلَى مَا شَاءَ) مِنْ الْأَنْسَاكِ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى مَا يَصْرِفُهُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ وَلَا، إلَى مَا كَانَ صَرْفُهُ إلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ مُطْلَقًا وَيَعْمَلُ الثَّانِي بِقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ (وَإِنْ جَهِلَ) مَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ أَوْ بِمِثْلِهِ (إحْرَامَهُ) أَيْ فُلَانٍ (فَلَهُ) أَيْ الثَّانِي (جَعْلُهُ عُمْرَةً) لِصِحَّةِ فَسْخِ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَيْهَا
(وَلَوْ شَكَّ) الَّذِي أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ فُلَانٌ أَوْ بِمِثْلِهِ (هَلْ أَحْرَمَ الْأَوَّلُ؟ فَكَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ) الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (فَيَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ (مُطْلَقًا) فَصَرَفَهُ لِمَا شَاءَ (وَلَوْ كَانَ إحْرَامُ الْأَوَّلِ فَاسِدًا) بِأَنْ وَطِئَ فِيهِ (فَكَنَذْرِهِ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ) فَيَنْعَقِدُ إحْرَامُ الثَّانِي بِمِثْلِهِ مِنْ الْأَنْسَاكِ ; وَيَأْتِي بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ (وَيَصِحُّ) وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُ قَائِلٍ (أَحْرَمْت يَوْمًا أَوْ أَحْرَمْت بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا) ك أَحْرَمْت مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ بِثُلُثِ نُسُكٍ لِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ زَمَنًا لَمْ يَصِرْ حَلَالًا فِيمَا بَعْدَهُ، حَتَّى يُؤَدِّيَ نُسُكَهُ، وَلَوْ رَفَضَ إحْرَامَهُ
وَإِذَا دَخَلَ فِي نُسُكٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ فَيَقَعُ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا وَيَصْرِفُهُ لِمَا شَاءَ وَ (لَا) يَصِحُّ إحْرَامُ قَائِلٍ (إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ مَثَلًا فَأَنَا مُحْرِمٌ) لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِتَعْلِيقِهِ إحْرَامَهُ وَكَذَا إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت، فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِعَدَمِ جَزْمِهِ (وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ) انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا (أَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا) لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ فَصَحَّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا مَعًا كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا، وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا، وَكَنِيَّةِ صَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ فَإِنْ فَسَدَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى قَضَائِهَا
(وَمَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكِ) تَمَتُّعٍ أَوْ إفْرَادٍ (أَوْ قِرَانٍ) وَنَسِيَهُ (أَوْ) أَحْرَمَ (بِنَذْرٍ وَنَسِيَهُ) أَيْ مَا نَذَرَهُ (قَبْلَ طَوَافٍ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ) اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهَا الْيَقِينُ (وَيَجُوزُ) صَرْفُ إحْرَامِهِ (إلَى غَيْرِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ فَإِنْ صَرَفَهُ (إلَى قِرَانٍ أَوْ) إلَى (إفْرَادٍ يَصِحُّ حَجًّا فَقَطْ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا مُفْرَدًا فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ عُمْرَةٍ عَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَلَا قَارِنٍ
(وَ) إنْ صَرَفَهُ إلَى (تَمَتُّعٍ فَكَفَسْخِ حَجٍّ إلَى عُمْرَةٍ) فَيَصِحُّ إنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَسُقْ هَدْيًا لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا، وَفَسْخُهُمَا صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَلْزَمُهُ دَمُ مُتْعَةٍ بِشُرُوطِهِ لِلْآيَةِ (وَيُجْزِئُهُ تَمَتُّعُهُ عَنْهُمَا) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِصِحَّتِهِمَا بِكُلِّ حَالٍ.
(وَ) إنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ (أَوْ) نَذَرَهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الطَّوَافِ (وَلَا) هَدْيَ مَعَهُ أَيْ النَّاسِي (يَتَعَيَّنُ) صَرْفُهُ (إلَيْهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ ; لِامْتِنَاعِ إدْخَالِ

(1/534)


الْحَجِّ عَلَيْهَا إذَنْ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ

وَإِذَا حَلَقَ) بَعْدَ سَعْيِهِ (مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (يُحْرِمُ بِحَجٍّ وَيُتِمُّهُ) أَيْ الْحَجَّ (وَعَلَيْهِ لِلْحَلْقِ دَمٌ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا) مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا لِحَلْقِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ قُلْت: لَكِنْ إنْ فَسَخَ نِيَّتَهُ لِلْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ حَلْقِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا (فَ) عَلَيْهِ (دَمُ مُتْعَةٍ) بِشُرُوطِهِ (وَمَعَ مُخَالَفَتِهِ) مَا سَبَقَ بِأَنْ صَرَفَهُ مَعَ نِسْيَانِهِ بَعْدَ طَوَافٍ وَلَا هَدْيَ مَعَهُ (إلَى حَجٍّ أَوْ إلَى قِرَانٍ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ حَجٍّ) كَمَا يَأْتِي (وَلَمْ يُجْزِئْهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ طَوَافِهَا، أَوْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ) لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِمَا
(وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) وَطَافَ ثُمَّ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ (صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ) وُجُوبًا (وَأَجْزَأَهُ) حَجُّهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ لِصِحَّتِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ تَمَامِ نُسُكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ اثْنَيْنِ) اسْتَنَابَاهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ (أَوْ) أَحْرَمَ عَنْ (أَحَدِهِمَا) لَا بِعَيْنِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ وَنُسُكُهُ (عَنْ نَفْسِهِ دُونَهُمَا) لِعَدَمِ إمْكَانِ وُقُوعِهِ عَنْهُمَا، وَلِأَمْرِ حَجٍّ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى (وَمَنْ أَحْرَمَ لِعَامَيْنِ) بِأَنْ قَالَ: لَبَّيْكَ لِعَامٍ وَعَامٍ قَابِلٍ (حَجِّ مِنْ عَامِهِ وَاعْتَمَرَ مِنْ قَابِلٍ) قَالَهُ عَطَاءٌ حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أُدِّبَ) عَلَى فِعْلِهِ ذَلِكَ، لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا نَصًّا
(وَمَنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ بِعَامٍ فِي نُسُكٍ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَنْسَهُ صَحَّ) إحْرَامُهُ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَلَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدَهُ) نَصًّا فِي ذَلِكَ الْعَامِ بِحَجٍّ، وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِهِ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، لِبَقَاءِ تَوَابِعِ الْإِحْرَامِ لِلْأَوَّلِ مِنْ رَمْيٍ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ بَاقٍ، وَلَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ (وَإِنْ نَسِيَهُ:) أَيْ الْمُعَيَّنُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مُسْتَنِيبِهِ (وَتَعَذَّرَ عِلْمُهُ، فَإِنْ فَرَّطَ) نَائِبٌ، كَأَنْ أَمْكَنَهُ كِتَابَةُ اسْمِهِ أَوْ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ (أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا) لِتَفْرِيطِهِ، وَلَا يَكُونُ الْحَجُّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّتِهِ (وَإِنْ فَرَّطَ مُوصًى إلَيْهِ) فَلَمْ يُسَمِّهِ لِلنَّائِبِ (غَرِمَ) مُوصًى إلَيْهِ (ذَلِكَ) أَيْ نَفَقَةُ إعَادَةِ الْحَجِّ عَنْهُمَا (وَإِلَّا) يُفَرِّطُ نَائِبٌ وَلَا مُوصًى إلَيْهِ، فَالْغُرْمُ لِذَلِكَ (مِنْ تَرِكَةِ مُوصِيهِ) بِالْحَجِّ عَنْهُمَا، لِأَنَّ الْحَجَّ عَنْهُمَا، فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا وَلَا مُوجِبَ لِضَمَانٍ عَنْهُمَا

(1/535)


[فَصْلٌ وَيُسَنُّ لِمَنْ أَحْرَمَ عَيَّنَ نُسُكًا أَوْ أَطْلَقَ مِنْ عَقِب إحْرَامِهِ تَلْبِيَةٌ]
ٌ) لِقَوْلِ جَابِرٍ: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك» الْحَدِيثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (حَتَّى عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ) زَادَ بَعْضُهُمْ: وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ: وَنَائِمٍ وَأَنْ تَكُونَ (كَتَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَهِيَ (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ نَصًّا لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ (وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) لِلْخَبَرِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَالتَّلْبِيَةُ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا لَزِمَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك وَأَمْرِك، وَثُنِّيَتْ وَكُرِّرَتْ لِإِرَادَةِ إقَامَةٍ بَعْدَ إقَامَةٍ وَلَفْظُ " لَبَّيْكَ " مُثَنًّى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَمَعْنَاهُ: التَّكْثِيرُ، وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُ: " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ " (وَسُنَّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا) أَيْ التَّلْبِيَةِ (وَسُنَّ بَدْءُ قَارِنٍ بِذِكْرِ الْعُمْرَةِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَسُنَّ إكْثَارُ تَلْبِيَةٍ) لِحَدِيثِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُضَحِّي لِلَّهِ وَيُلَبِّي حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، إلَّا غَابَتْ بِذُنُوبِهِ فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
(وَتَتَأَكَّدُ التَّلْبِيَةُ إذَا عَلَا نَشَزًا) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ عَالِيًا، (أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً، أَوْ أَقْبَلَ لَيْلٌ، أَوْ أَقْبَلَ نَهَارٌ، أَوْ الْتَقَتْ الرِّفَاقُ، أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا، أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا، أَوْ رَكِبَ دَابَّتَهُ، أَوْ نَزَلَ عَنْهَا، أَوْ رَأَى الْبَيْتَ) أَيْ الْكَعْبَةَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ إذَا لَقِيَ رَاكِبًا، أَوْ عَلَا أَكَمَةً، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَفِي آخِرِ اللَّيْلِ» وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ " كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا عَلَا نَشَزًا، وَإِذَا لَقِيَ رَاكِبًا، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ "
(وَسُنَّ جَهْرُ ذِكْرٍ بِهَا) لِقَوْلِ أَنَسٍ " سَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهَا صُرَاخًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ «أَتَانِي جَبْرَائِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ» أَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهِ)

(1/536)


بِخِلَافِ الْبَرَارِي وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ " إنَّ هَذَا الْمَجْنُونُ: إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْت " (وَ) فِي غَيْرِ (طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ) لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الطَّائِفِينَ وَالسَّاعِينَ

(وَتُشْرَعُ تَلْبِيَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لِقَادِرٍ) عَلَيْهَا كَأَذَانٍ (وَأَلَّا) يَقْدِرَ عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَيُلَبِّي (بِلُغَتِهِ) لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى (وَسُنَّ دُعَاءٌ) بَعْدَهَا، فَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» .
(وَ) سُنَّ (صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا) أَيْ التَّلْبِيَةِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ كَالْأَذَانِ (وَلَا) يُسَنُّ (تَكْرَارُهَا) أَيْ التَّلْبِيَةِ (فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) .
قَالَ أَحْمَدُ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: تَكْرَارُهَا ثَلَاثًا بِدُبُرِ الصَّلَاةِ حَسَنٌ (وَكُرِهَ لِأُنْثَى جَهْرٌ بِتَلْبِيَةٍ ; بِأَكْثَرَ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا) مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا وَ (لَا) يُكْرَهُ (لِحَلَالٍ تَلْبِيَةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ)