دقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات

 [بَابُ الشُّفْعَةِ]
(بَابُ الشُّفْعَةِ) بِإِسْكَانِ الْفَاءِ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ ; لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّفِيعِ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي مِلْكِهِ وَبِالشُّفْعَةِ يُضَمُّ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِهِ فَيَشْفَعُهُ بِهِ، أَوْ مِنْ الشَّفَاعَةِ أَيْ الزِّيَادَةِ ; لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَزِيدُ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوْ ; لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا أَرَادَ بَيْعَ دَارِهِ أَتَاهُ جَارُهُ وَشَرِيكُهُ فَيَشْفَعُ لَهُ فِيمَا بَاعَ فَشَفَّعَهُ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِهِ، أَوْ لِأَنَّ طَالِبَهَا يُسَمَّى شَفِيعًا لِمَجِيئِهِ تَالِيًا لِلْمُشْتَرِي، فَهُوَ ثَانٍ بَعْدَ أَوَّلٍ فَسُمِّيَ طَلَبُهُ شُفْعَةً، وَهِيَ شَرْعًا (اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ) فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَوْ مُكَاتَبًا (انْتِزَاعُ شِقْصِ شَرِيكِهِ) الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَالشِّقْصُ بِكَسْرِ الشِّينِ النَّصِيبُ (مِمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ) ، إمَّا بِالْبَيْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَيَأْتِي (إذَا كَانَ) الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ (مِثْلَهُ) أَيْ: الشَّرِيكِ بِأَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، (أَوْ) كَانَ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ (دُونَهُ) أَيْ: الشَّرِيكِ بِأَنْ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا وَالْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ كَافِرًا. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَيَأْتِي، وَلَا لِلْجَارِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِ دَارٍ إذَا بَاعَهَا أَوْ بَعْضَهَا وَارِثٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِشَيْءٍ مِنْ الدَّارِ، وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْمَوْرُوثِ وَالْمُوصَى بِهِ وَالْمَوْهُوبِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا الْمَجْعُولِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَنَحْوِهِ. وَالشُّفْعَةُ ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ " «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ. فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى إزَالَةُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ (وَلَا تَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ (بِاحْتِيَالٍ) عَلَى إسْقَاطِهَا ; لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَوْ سَقَطَتْ بِالِاحْتِيَالِ لَحِقَ الضَّرَرُ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يُظْهِرَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْبَيْعِ شَيْئًا لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَعَهُ وَيَتَوَاطَآنِ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِهِ، كَإِظْهَارِ التَّوَاهُبِ أَوْ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ، (وَيَحْرُمُ) الِاحْتِيَالُ عَلَى إسْقَاطِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ كُلِّهَا.

(وَشُرُوطُهَا) أَيْ: الشُّفْعَةِ (خَمْسَةٌ) أَحَدُهَا (كَوْنُهُ) أَيْ: الشِّقْصِ الْمُنْتَقَلِ عَنْ الشَّرِيكِ (مَبِيعًا) صَرِيحًا أَوْ فِي مَعْنَاهُ كَصُلْحٍ عَنْ إقْرَارٍ بِمَالٍ أَوْ عَنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُهُ وَهِبَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ. لِحَدِيثِ جَابِرٍ «هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» " رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ ; وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ عِوَضِهِ الَّذِي انْتَقَلَ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ، (فَلَا تَجِبُ) الشُّفْعَةُ (فِي قِسْمِهِ) لِأَنَّهَا إفْرَازٌ أَوْ تَرَاضٍ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَتْ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ (وَلَا) فِي

(2/334)


(هِبَةٍ) أَيْ: مَوْهُوبٍ بِلَا عِوَضٍ وَلَا مُوصًى بِهِ، لَا غَرَضُ الْوَاهِبِ وَالْمُوصِي نَفْعُ الْمُتَّهَبِ وَالْمُوصَى لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ انْتِقَالٍ عَنْهُ وَكَمَوْرُوثٍ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ قَهْرًا بِلَا عِوَضٍ، وَكَذَا لَوْ عَادَ إلَيْهِ الصَّدَاقُ أَوْ بَعْضُهُ لِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ رُدَّ الْمَبِيعُ لِنَحْوِ عَيْبٍ، (وَلَا) شُفْعَةَ (فِيمَا) أَيْ: شِقْصٍ (عِوَضُهُ غَيْرُ مَالِيٍّ كَصَدَاقٍ) أَيْ: الْمَجْعُولِ صَدَاقًا (وَعِوَضُ خُلْعٍ) أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ.
(وَ) عِوَضُ (صُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ) ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِ أَشْبَهَ الْمَوْهُوبَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ لِإِمْكَانِ الْأَخْذِ بِعِوَضِهِ، وَكَذَا عِوَضُ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ وَمَا اشْتَرَاهُ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (وَلَا) شُفْعَةَ فِي (مَا) أَيْ: شِقْصٍ (أَخَذَ) مِنْ شَرِيكِهِ (أُجْرَةً) أَوْ جَعَالَةً (أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ) إنْ صَحَّ جَعْلُهُ ثَمَنًا فِيهِ (أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ) ; لِمَفْهُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ: فَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ " «فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» " رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بَيْعًا عُرْفًا بَلْ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ.

الشَّرْطُ (الثَّانِي كَوْنُهُ) أَيْ: الشِّقْصِ الْمَبِيعِ (مُشَاعًا) أَيْ: غَيْرَ مُفْرَزٍ (مِنْ عَقَارٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (يَنْقَسِمُ) أَيْ: تَجِبُ قِسْمَتُهُ بِطَلَبِ مَنْ لَهُ فِيهِ جُزْءٌ (إجْبَارًا) ; لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ. فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. وَلِحَدِيثِهِ، أَيْضًا " «إنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ.» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ فِيمَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الشَّرِيكَ رُبَمَا دَخَلَ عَلَيْهِ شَرِيكٌ فَيَتَأَذَّى بِهِ فَتَدْعُوهُ الْحَاجَةُ إلَى مُقَاسَمَتِهِ. أَوْ يَطْلُبُ الدَّاخِلُ الْمُقَاسَمَةَ فَيَتَضَرَّرُ الشَّرِيكُ بِمَنْعِ مَا يَحْتَاجُ إلَى إحْدَاثِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ. وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَقْسُومِ (فَلَا شُفْعَةَ لِجَارٍ فِي مَقْسُومٍ مَحْدُودٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. وَحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا " «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَحَقُّ بِصَقَبِهِ أَيْ: بِمَا يَلِيهِ وَيَقْرَبُ مِنْهُ. وَحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا " «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ أَبْهَمَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي مُضْمَرٍ. لِأَنَّ الْعُمُومَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَنْطُوقِ بِهِ دُونَ الْمُضْمَرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْفِنَاءِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ مِمَّنْ لَيْسَ بِجَارٍ، أَوْ يَكُونُ مُرْتَفِقًا بِهِ، وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي لِقَاءِ الْحَسَنِ لِسَمُرَةَ، وَمَنْ أَثْبَتَ لِقَاءَهُ لَهُ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، وَلَوْ سَلِمَ لَكَانَ عَنْهُ الْجَوَابَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَحَدِيثِ "

(2/335)


«الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ» " قَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ: وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْجَارِ فِي الْأَحَادِيثِ الشَّرِيكُ فَإِنَّهُ جَارٌ أَيْضًا. ; لِأَنَّ اسْمَ الْجِوَارِ يَخْتَصُّ بِالْقَرِيبِ، وَالشَّرِيكُ أَقْرَبُ مِنْ اللَّصِيقِ كَمَا أُطْلِقَ عَلَى الزَّوْجَةِ لِقُرْبِهَا (وَلَا) شُفْعَةَ (فِي طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ لَا يَنْفُذُ بِبَيْعِ دَارٍ فِيهِ) أَيْ: فِي الطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّوَصُّلُ إلَى الدَّارِ إلَّا مِنْهُ لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي. لِأَنَّهَا تَبْقَى لَا طَرِيقَ لَهَا (وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ مِنْهَا) أَيْ: الطَّرِيقِ (أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ) لِتَبَعُّضِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ وَجَبَتْ فِي الزَّائِدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ، (فَإِنْ كَانَ لَهَا) أَيْ الدَّارِ (بَابٌ آخَرُ) إلَى شَارِعٍ (وَأَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ لَهَا إلَى شَارِعٍ وَجَبَتْ) الشُّفْعَةُ فِي الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ غَيْرِ النَّافِذِ. حَيْثُ أَمْكَنَتْ قِسْمَتُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرَاضِي (وَكَذَا) أَيْ: كَالطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ (دِهْلِيزٌ) بِالْكَسْرِ: مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ (وَصَحْنٌ) أَيْ: وَسَطُ الدَّارِ (مُشْتَرَكَانِ) ، فَإِذَا بِيعَ بَيْتٌ مِنْ دَارٍ لَهَا دِهْلِيزٌ وَصَحْنٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِطْرَاقُ إلَى الْمَبِيعِ إلَّا مِنْهُمَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ آخَرُ وَأَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ لَهُ إلَى شَارِعٍ وَجَبَتْ فِيهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ أَرْضُهُ بِجِوَارِ أَرْضٍ لِآخَرَ وَيَشْرَبَانِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ وَاحِدٍ فَلَا شُفْعَةَ بِذَلِكَ.

(وَلَا) شُفْعَةَ (فِيمَا) أَيْ: عَقَارٍ (لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ كَحَمَّامٍ صَغِيرٍ. وَبِئْرٍ وَطُرُقٍ) ضَيِّقَةٍ (وَعِرَاضٍ ضَيِّقَةٍ) وَرَحًى صَغِيرَةٍ وَعِضَادَةٍ نَصًّا. لِحَدِيثِ " «لَا شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلَا طَرِيقٍ وَلَا مُثَقَّبَةٍ» " وَالْمُثَقَّبَةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ دَارَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْلُكَهُ أَحَدٌ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ. وَعَنْ عُثْمَانَ " لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا نَخْلٍ " وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ فِيهِ يَضُرُّ بِالْبَائِعِ. لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الشَّفِيعِ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ. فَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِئْرَيْنِ يَرْتَقِي الْمَاءُ مِنْهُمَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَعَ الْبِئْرِ بَيَاضُ أَرْضٍ بِحَيْثُ تُحَصِّلُ الْبِئْرُ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، وَكَذَا الرَّحَى إنْ أَمْكَنَتْ قِسْمَتُهُ بِأَنْ كَانَ لَهُ حِصْنٌ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْحَجَرُ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، أَوْ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَحْجَارٍ دَائِرَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَجَرَيْنِ.

(وَلَا) شُفْعَةَ (فِيمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ) أَيْ أَرْضٍ (كَ) شَجَرٍ وَبِنَاءٍ مُفْرَدٍ وَحَيَوَانٍ (وَجَوْهَرٍ وَسَيْفٍ وَنَحْوِهِمَا) كَسَفِينَةٍ وَزَرْعٍ وَثَمَرٍ وَكُلِّ مَنْقُولٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ بِخِلَافِ الْأَرْضِ (وَيُؤْخَذُ غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ) بِالشُّفْعَةِ (تَبَعًا لِأَرْضٍ) لِحَدِيثِ " قَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ لَمْ

(2/336)


يُقْسَمْ رُبْعُهُ أَوْ حَائِطًا " وَ (لَا) يُؤْخَذُ (ثَمَرٌ) ظَاهِرٌ (وَزَرْعٌ) بِشُفْعَةٍ لَا تَبَعًا وَلَا مُفْرَدًا. لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا. فَلَا يُؤْخَذَ بِالشُّفْعَةِ كَقُمَاشِ الدَّارِ، وَعَكْسُهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ. إذْ الشُّفْعَةُ بَيْعٌ حَقِيقَةً، إلَّا أَنَّ لِلشَّفِيعِ سُلْطَانَ الْأَخْذِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُشْتَرِي. وَمَا بِيعَ مِنْ عُلْوِ مُشْتَرَكٍ دُونَ سُفْلِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَبِالْعَكْسِ إذَا بَاعَ الشَّرِيكُ الْعُلُوَّ وَحِصَّتَهُ مِنْ السُّفْلِ فَلِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ فَقَطْ.

الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: طَلَبُهَا) أَيْ: الشُّفْعَةِ (سَاعَةَ يَعْلَمُ) بِالْبَيْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَإِلَّا بَطَلَتْ نَصًّا لِحَدِيثِ " «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ» " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَفِي لَفْظٍ " «الشُّفْعَةُ كَنَشِطَةِ الْعِقَالِ. إنْ قُيِّدَتْ ثَبَتَتْ وَإِنْ تُرِكَتْ فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا» " وَحَدِيثِ " «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» " قَالَ فِي الْمُغْنِي: رَوَاهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالتَّرَاخِي يَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى الْمَبِيعِ (فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: أَخَّرَ الشَّفِيعُ طَلَبَ الشُّفْعَةِ (لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ) بِهِ (حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ) أَخَّرَهُ الْمُحْدِثُ (لِطَهَارَةٍ أَوْ) مَنْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لِ (إغْلَاقِ بَابٍ أَوْ لِيَخْرُجَ مِنْ حَمَّامٍ) إذَا عَلِمَ وَهُوَ دَاخِلُهَا (أَوْ) أَخَّرَ طَلَبَهَا حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ (لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ أَوْ) أَخَّرَهُ مُؤَذِّنٌ (لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ) الصَّلَاةَ (أَوْ) أَخَّرَهُ (لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ يَخَافُ فَوْتَهَا) بِاشْتِغَالِهِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ (وَنَحْوِهِ) ، كَمَنْ انْخَرَقَ ثَوْبُهُ أَوْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فَأَخَّرَهُ إلَى أَنْ يُرَقِّعَ ثَوْبَهُ أَوْ يَلْتَمِسَ مَا سَقَطَ مِنْهُ (أَوْ) أَخَّرَهُ (مَنْ عَلِمَ لَيْلًا حَتَّى يُصْبِحَ مَعَ غَيْبَةِ مُشْتَرٍ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، لِأَنَّهُ مَعَ حُضُورِهِ يُمْكِنُهُ مُطَالَبَتُهُ بِلَا اشْتِغَالٍ عَنْ أَشْغَالِهِ (أَوْ) أَخَّرَ الطَّلَبَ (لِ) فِعْلِ (صَلَاةٍ وَسُنَنِهَا وَلَوْ مَعَ حُضُورِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْحَوَائِجِ وَنَحْوِهَا عَلَى غَيْرِهَا فَلَيْسَ الِاشْتِغَالُ بِهَا رِضًا بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْإِسْرَاعُ فِي مَشْيِهِ أَوْ تَحْرِيكُ دَابَّتِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ إلَى الْمُشْتَرِي إذْ الْفَوْرُ الْمَشْرُوطُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، (أَوْ) أَخَّرَ الطَّلَبَ (جَهْلًا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ) لِلشُّفْعَةِ (وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ) لَمْ تَسْقُطْ ; لِأَنَّ الْجَهْلَ مِمَّا يُعْذَرُ بِهِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهُمَا جَهْلًا بِاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا أَوْ نِسْيَانًا لِلطَّلَبِ أَوْ الْبَيْعِ كَتَمْكِينِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا جَاهِلَةً بِمِلْكِ الْفَسْخِ أَوْ نَاسِيَةً لِلْعِتْقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ (أَوْ أُشْهِدَ بِطَلَبِهِ) لِلشُّفْعَةِ (غَائِبٌ) عَنْ بَلَدِ مُشْتَرٍ (أَوْ مَحْبُوسٌ) أَوْ مَرِيضٌ (لَمْ تَسْقُطْ) شُفْعَتُهُ ; لِأَنَّ إشْهَادَهُ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْهُ إلَّا

(2/337)


قِيَامُ الْعُذْرِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ سَقَطَتْ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الطَّلَبَ لِلْعُذْرِ وَقَدْ يَتْرُكُهُ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ أَوْ لَا. إذْ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ يُجْعَلُ فَفِيهِ غُرْمٌ وَإِنْ تَبَرَّعَ فَفِيهِ مِنَّةٌ وَقَدْ لَا يَثِقُ بِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ، كَالْمُوَفَّقِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ بِبَلَدِ الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَحْبُوسٍ لَا بُدَّ مِنْ مُوَاجِهَتِهِ لَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ فَلَا يَكْفِي إشْهَادُهُ بِالطَّلَبِ وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ.

(وَتَسْقُطُ) شُفْعَةُ غَائِبٍ (بِسَيْرِهِ فِي طَلَبِهَا بِلَا إشْهَادٍ) عَلَى الطَّلَبِ ; لِأَنَّ السَّيْرَ يَكُونُ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلِغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَرَ أَنَّهُ يُبَيِّنُ كَوْنَ سَيْرِهِ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَتْ كَتَارِكِ الطَّلَبِ مَعَ حُضُورِهِ. وَ (لَا) تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ (إنْ أُخِّرَ طَلَبُهُ) أَيْ: الْغَائِبِ بِتَأْخِيرِ قُدُومِهِ أَوْ تَوْكِيلِهِ مَعَ إمْكَانِهِمَا (بَعْدَهُ) أَيْ: الْإِشْهَادِ بِطَلَبِهَا ; لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ ضَرَرًا بِالْتِزَامِهِ كُلْفَتَهُ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ تِجَارَةٌ وَحَوَائِجُ يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَتَضِيعُ بِغَيْبَتِهِ وَغَلَّتُهُ فِي التَّوْكِيلِ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

(وَلَفْظُهُ) أَيْ: لَفْظُ الطَّلَبِ مِنْ الْمَعْذُورِ (أَنَا طَالِبٌ) لِلشُّفْعَةِ (أَوْ) أَنَا (مُطَالِبٌ) بِالشُّفْعَةِ (أَوْ) أَنَا (آخُذُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ) أَنَا (قَائِمٌ عَلَيْهَا) أَيْ: الشُّفْعَةِ (وَنَحْوُهُ مِمَّا يُفِيدُ مُحَاوَلَةَ الْأَخْذِ) بِالشُّفْعَةِ كَ تَمَلَّكْتُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ أَوْ انْتَزَعْتُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ ضَمَمْتُهُ إلَى مِلْكِي (وَيَمْلِكُ) الشِّقْصَ الْمَبِيعَ (بِهِ) أَيْ: الطَّلَبِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ السَّابِقَ سَبَبٌ فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ كَانَ كَالْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبُولُ (فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ: الشَّفِيعِ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ لِانْتِقَالِ مِلْكِهِ إلَيْهِ بِالطَّلَبِ (وَيُوَرَّثُ) عَنْهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الثَّمَنِ الْحَالِّ وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَأْتِي (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِمِلْكِ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ لَهُ بِالطَّلَبِ (رُؤْيَتُهُ) أَيْ مُشَاهَدَةُ مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ (لِأَخْذِهِ) بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ، قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَى كَوْنِهِ انْتِزَاعًا قَهْرِيًّا كَرُجُوعِ الصَّدَاقِ أَوْ نِصْفِهِ إلَى الزَّوْجِ فِي فُرْقَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَلِذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ وَالشِّقْصِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَلَهُ الطَّلَبُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ يَتَعَرَّفُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا الْمَبِيعُ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ وَالْإِقْنَاعِ.

(وَإِنْ لَمْ يَجِدْ) شَفِيعٌ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ (مَنْ يُشْهِدُهُ) عَلَى الطَّلَبِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا أَوْ وَجَدَ مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ أَوْ مَنْ لَا يَقْدَمُ مَعَهُ إلَى مَحِلِّ الْخُصُومَةِ، (أَوْ أَخَّرَهُمَا) أَيْ: الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ عَلَيْهِ (عَجْزًا كَمَرِيضٍ وَمَحْبُوسٍ ظُلْمًا) فَعَلَى شُفْعَتِهِ. فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ

(2/338)


يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ سَقَطَتْ (أَوْ) أَخَّرَهُمَا (لِإِظْهَارِ) بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ مُخْبِرِ الشَّفِيعِ (زِيَادَةَ ثَمَنٍ) عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ (أَوْ) لِإِظْهَارِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ (نَقْصَ مَبِيعٍ أَوْ) لِإِظْهَارِ (هِبَتِهِ) أَيْ: الْمَبِيعِ أَيْ: أَنَّهُ مَوْهُوبٌ (أَوْ) لِإِظْهَارِ (أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً، (أَوْ) أَخَّرَ شَفِيعٌ الطَّلَبَ أَوْ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ (لِتَكْذِيبِ مُخْبِرٍ) لَهُ (لَا يُقْبَلُ) خَبَرُهُ (فَ) هُوَ (عَلَى شُفْعَتِهِ) ، فَلَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ لِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ إمَّا مَعْذُورٌ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُطْلَقًا ; وَلِأَنَّ خَبَرَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ شَفِيعٍ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. فَإِنْ صَدَّقَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ لِاعْتِرَافِهِ بِوُقُوعِ الْبَيْعِ وَتَأْخِيرِهِ لَهُ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَإِنْ أُخْبِرَ بِثَمَنٍ فَلَمْ يُطَالِبْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَكْثَرُ مِمَّا أُخْبِرَ بِهِ سَقَطَتْ ; لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِالْقَلِيلِ لَا يَرْضَى بِالْكَثِيرِ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضًا يَسِيرًا لَا يَمْنَعُهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ، وَالْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ إذَا أَبَاهُ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَكَإِظْهَارِ زِيَادَةِ ثَمَنٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ دُونَ الْآخَرِ، " كَمَا لَوْ وَقَعَ بِنَقْدٍ فَأُظْهِرَ أَنَّهُ بِعَرْضٍ، وَمِثْلُ مَا إذَا أُظْهِرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ مَا لَوْ أُظْهِرَ أَنَّ فُلَانًا اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ هُوَ وَآخَرُ وَعَكْسُهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى بِشَرِكَةِ إنْسَانٍ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ يُحَابِي إنْسَانًا أَوْ يَخَافُهُ فَيَتْرُكُ الشُّفْعَةَ لِذَلِكَ.

(وَتَسْقُطُ) شُفْعَتُهُ (إنْ كَذَّبَ) مُخْبِرًا لَهُ (مَقْبُولًا) خَبَرُهُ وَلَوْ وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ خَبَرُ عَدْلٍ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ. أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدْلٍ (أَوْ قَالَ) شَفِيعٌ (لِمُشْتَرٍ) لِشِقْصٍ (: بِعْنِيهِ أَوْ أَكْرَنِيهِ) أَوْ قَاسِمْنِي (أَوْ صَالِحْنِي) عَلَيْهِ أَوْ هَبْهُ لِي أَوْ ائْتَمِنِّي عَلَيْهِ (أَوْ اشْتَرَيْتُهُ رَخِيصًا وَنَحْوَهُ) كَ اشْتَرَيْتُ غَالِيًا أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتُ ; لِأَنَّ هَذَا وَشِبْهَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِشِرَائِهِ وَتَرْكِهِ لِلشُّفْعَةِ، وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ: شَرِيكُكَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ زَيْدٍ. فَقَالَ: إنْ بَاعَنِي زَيْدٌ وَإِلَّا فَلِيَ الشُّفْعَةُ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمُشْتَرٍ: بِعْهُ مِمَّنْ شِئْتَ وَنَحْوُهُ.

وَ (لَا) تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ (إنْ عَمِلَ دَلَّالًا بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ شَرِيكِهِ وَالْمُشْتَرِي (وَهُوَ السَّفِيرُ أَوْ تَوَكَّلَ) الشَّفِيعُ (لِأَحَدِهِمَا) فِي الْبَيْعِ (أَوْ جُعِلَ لَهُ) أَيْ: الشَّفِيعِ (الْخِيَارُ) فِي الْبَيْعِ (فَاخْتَارَ إمْضَاءَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ) أَيْ: الْمَبِيعِ، (أَوْ ضَمِنَ) شَفِيعٌ لِبَائِعٍ (ثَمَنَهُ) أَيْ: الشِّقْصِ الْمَبِيعِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِهِ كَالْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْمُسْقِطَ لَهَا الرِّضَا بِتَرْكِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا وَلَمْ يُوجَدْ، (أَوْ سَلَّمَ) الشَّفِيعُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ

(2/339)


طَلَبِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ لِحَدِيثِ " «مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ» " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، (أَوْ دَعَا) الشَّفِيعُ (لَهُ) أَيْ: لِلْمُشْتَرِي بِالْبَرَكَةِ أَوْ غَيْرِهَا (بَعْدَهُ) أَيْ: الْبَيْعِ ; لِأَنَّ دُعَاءَهُ إنْ كَانَ بِالْبَرَكَةِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ دُعَاءٌ لِنَفْسِهِ لِرُجُوعِ الشِّقْصِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ وَاتَّصَلَ بِالسَّلَامِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ فَلَحِقَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِتَرْكِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا (وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ، (أَوْ أَسْقَطَهَا) أَيْ: الشُّفْعَةَ (قَبْلَ بَيْعِ) شِقْصٍ أَوْ أَذِنَ فِيهِ فَلَا تَسْقُطُ ; لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِمَّا يَسْتَقْرِضُهُ لَهُ.

(وَمَنْ تَرَكَ شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ) أَيْ مَحْجُورِهِ (وَلَوْ) كَانَ تَرْكُهُ لَهَا (لِعَدَمِ حَظِّ) لِلْمَحْجُورِ (فَلَهُ) أَيْ: الْمَوْلَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْبَيْعِ (إذَا صَارَ أَهْلًا) بِأَنْ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ أَوْ رَشَدَ (الْأَخْذُ بِهَا) أَيْ: الشُّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ وَلِيُّهُ صَرَّحَ بِالْعَفْوِ ; لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ غَيْرِ الشَّفِيعِ كَالْغَائِبِ يَتْرُكُ وَكِيلُهُ الْأَخْذَ بِهَا. وَعُلِمَ مِنْهُ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِهَا دُونَ الْعَفْوِ عَنْهَا ; لِأَنَّ فِي الْأَخْذِ تَحْصِيلًا وَاسْتِيفَاءً لِلْحَقِّ بِخِلَافِ إسْقَاطِهِ، وَمَتَى رَأَى الْوَلِيُّ الْحَظَّ فِي الْأَخْذِ لَزِمَهُ ; لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ وَالْأَخْذَ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، فَإِذَا أَخَذَ بِهَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا رَدَّ لَهُ، إذَا صَارَ أَهْلًا، وَلَا غُرْمَ عَلَى الْوَلِيِّ بِتَرْكِهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ رَأَى الْوَلِيُّ الْحَظَّ فِي تَرْكِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ (أَخْذُ جَمِيعِ) الشِّقْصِ (الْمَبِيعِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ. فَإِذَا أَخَذَ الْبَعْضَ لَمْ يَنْدَفِعْ الضَّرَرُ (فَإِنْ طَلَبَ) الشَّفِيعُ (بَعْضَهُ) أَيْ: الْمَبِيعِ (مَعَ بَقَاءِ الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ الْمَبِيعِ (سَقَطَتْ) شُفْعَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إذَا سَقَطَ بِالتَّرْكِ فِي الْبَعْضِ سَقَطَ فِي الْكُلِّ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ قَوَدٍ يَسْتَحِقُّهُ، (وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ، كَانْهِدَامِ بَيْتٍ مِنْ دَارٍ بِيعَ بَعْضُهَا بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ كَمَطَرٍ أَوْ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ مُشْتَرٍ أَوْ غَيْرَهُ (أَخَذَ) الشَّفِيعُ (بَاقِيَهُ) أَيْ: الْمَبِيعِ إنْ شَاءَ (بِحِصَّتِهِ) أَيْ: الْمَبِيعِ بَعْدَ مَا تَلِفَ (مِنْ ثَمَنِهِ) أَيْ: ثَمَنِ جَمِيعِ الشِّقْصِ. فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ نِصْفَ الدَّارِ، وَقِيمَةُ الْبَيْتِ الْمُنْهَدِمِ مِنْهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ. ثُمَّ إنْ بَقِيَتْ الْأَنْقَاضُ أَخَذَهَا مَعَ الْعَرْصَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنْ عُدِمَتْ أَخَذَ مَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ مَعَ الْعَرْصَةِ بِالْحِصَّةِ ; لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ كُلِّ الْمَبِيعِ بِتَلَفِ بَعْضِهِ، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي

(2/340)


بِحِصَّتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ شَفِيعٌ آخَرُ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ مَعَ بَقَاءِ صُورَةِ الْمَبِيعِ كَانْشِقَاقِ الْحَائِطِ وَبَوَرَانِ الْأَرْضِ. فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِلَّا تَرَكَ (فَلَوْ اشْتَرَى دَارًا) أَيْ شِقْصًا مِنْهَا (بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَ بَابَهَا أَوْ هَدَمَهَا، فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ أَخَذَهَا) الشَّفِيعُ (بِخَمْسِمِائَةٍ) بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ نَصًّا (وَهِيَ) أَيْ: الشُّفْعَةُ (بَيْنَ شُفَعَاءَ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ) فِيمَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ ; لِأَنَّهَا حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ كَالْغَلَّةِ. فَدَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ. بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدٌ، (وَمَعَ تَرْكِ الْبَعْضِ) مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ (لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي) الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ (أَنْ يَأْخُذَ) بِالشُّفْعَةِ (إلَّا الْكُلَّ) أَيْ: كُلَّ الْمَبِيعِ (أَوْ يَتْرُكَ) الْكُلَّ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، (وَكَذَا إنْ غَابَ) بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ إلَّا أَخْذَ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ نَصًّا. لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ مُطَالِبٌ سِوَاهُ وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ لِمَا فِيهِ إضْرَارُ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ كَانَ الشُّفَعَاءُ ثَلَاثَةً فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ وَأَخَذَ جَمِيعَ الشِّقْصِ مَلَكَهُ.

(وَلَا يُؤَخَّرُ بَعْضُ ثَمَنِهِ لِيَحْضُرَ غَائِبٌ) فَيُطَالِبَ لِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إيفَائِهِ (فَلَا شُفْعَةَ) لَهُ كَمَا لَوْ أَبَى أَخْذَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ (، وَالْغَائِبُ) مِنْ الشُّفَعَاءِ (عَلَى حَقِّهِ) مِنْ الشُّفْعَةِ لِلْعُذْرِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ حَضَرَ ثَانٍ بَعْدَ أَخْذِ أَوَّلَ قَاسَمَهُ إنْ شَاءَ أَوْ عَفَا وَيَبْقَى، فَإِنْ قَاسَمَهُ ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ قَاسَمَهُمَا إنْ أَحَبَّ أَوْ عَفَا. فَيَبْقَى لِلْأَوَّلَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي بَعْدَ أَخْذِ الْأَوَّلِ جَمِيعَ الشِّقْصِ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ. فَلَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مُشْتَرٍ، وَالشَّفِيعُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَدِمَ الثَّالِثُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الثَّانِي ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ فَيَضُمَّهُ إلَى مَا بِيَدِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ. فَتَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ (وَلَا يُطَالِبُهُ) أَيْ: لَا يُطَالِبُ الْغَائِبُ حَاضِرًا (بِمَا أَخَذَهُ) أَيْ: الْحَاضِرُ (مِنْ غَلَّتِهِ) أَيْ: الشِّقْصِ مِنْ ثَمَرٍ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهِمَا، لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِلْكُهُ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ فِي يَدِ مُشْتَرٍ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلُ الْأَخْذَ تَوَفَّرَتْ لِصَاحِبَيْهِ. فَإِذَا قَدِمَ الْأَوَّلُ أَخَذَ الْجَمِيعَ أَوْ تَرَكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَخَذَ الْأَوَّلُ جَمِيعَ الشِّقْصِ ثُمَّ رَدَّهُ لِعَيْبٍ فِيهِ، تَوَفَّرَتْ عَلَى صَاحِبَيْهِ لِرُجُوعِهِ لِمُشْتَرٍ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ عَوْدِهِ إلَيْهِ بِنَحْوِ هِبَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَقْدَمُ الثَّالِثُ حَتَّى قَاسَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ

(2/341)


فَأَخَذَ بِحَقِّهِ مِنْ الشُّفْعَةِ بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ. وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ الثَّالِثُ حَتَّى غَابَ أَحَدُ شَرِيكَيْهِ أَخَذَ مِنْ الْحَاضِرِ ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ. ثُمَّ إنْ قُضِيَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَخَذَ ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ وَإِلَّا انْتَظَرَهُ.

(وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي) لِلشِّقْصِ (شَرِيكًا) فِي الْعَقَارِ، وَثَمَّ شَرِيكٌ آخَرُ (أَخَذَ) أَيْ: اسْتَقَرَّ لِمُشْتَرٍ مِنْ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (بِحِصَّتِهِ) نَصًّا. فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الشَّرِكَةِ. كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُمَا (فَإِنْ عَفَا) مُشْتَرٍ عَنْ شُفْعَتِهِ (لِيُلْزِمَ بِهِ) أَيْ: الشِّقْصِ جَمِيعَهُ (غَيْرَهُ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَخْذُ جَمِيعِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ كَالْحَاضِرِ مِنْ شَفِيعَيْنِ إذَا أَخَذَ الْجَمِيعَ وَحَضَرَ الْآخَرُ وَطَلَبَ حَقَّهُ مِنْهَا. فَقَالَ: خُذْ الْكُلَّ أَوْ دَعْهُ.

(وَلِشَفِيعٍ فِيمَا بِيعَ عَلَى عَقْدَيْنِ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ (بِهِمَا) أَيْ: الْعَقْدَيْنِ ; لِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِيهِمَا.
(وَ) لَهُ الْأَخْذُ (بِأَحَدِهِمَا) أَيُّهُمَا أَرَادَ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَيْعٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُمَا (وَيُشَارِكُهُ) أَيْ: الشَّفِيعَ (مُشْتَرٍ إذَا أَخَذَ بِ) الْعَقْدِ (الثَّانِي فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْأَوَّلِ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهِ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي. فَإِنْ أَخَذَا بِالْبَيْعَيْنِ أَوْ بِالْأَوَّلِ لَمْ يُشَارِكْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ تَسْبِقْ لَهُ شَرِكَةٌ. وَإِنْ بِيعَ شِقْصٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَقْدَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالْجَمِيعِ وَبِبَعْضِهَا وَيُشَارِكُهُ مُشْتَرٍ إنْ أَخَذَ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ بِنَصِيبِهِ مِمَّا قَبْلَهُ.

(وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ) صَفْقَةً وَاحِدَةً، (أَوْ) اشْتَرَى (وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ) صَفْقَةً وَاحِدَةً (أَوْ) اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ (شِقْصَيْنِ مِنْ عَقَارَيْنِ صَفْقَةً) وَاحِدَةً (فَلِلشَّفِيعِ) فِي الْأُولَتَيْنِ (أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا) أَيْ: أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الْبَائِعَيْنِ ; لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَعَ اثْنَيْنِ بَائِعَيْنِ أَوْ مُشْتَرِيَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ. فَإِنْ بَاعَ اثْنَانِ مِنْ اثْنَيْنِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ، لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالْكُلِّ وَبِمَا شَاءَ مِنْهُمَا. وَإِنْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، وَغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ شَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ أَوْ مِنْهُ، (وَ) لِشَفِيعٍ فِيمَا إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ شِقْصَيْنِ مِنْ عَقَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً (أَخْذُ الشِّقْصَيْنِ) مِنْ أَحَدِ الْعَقَارَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ; لِأَنَّ الضَّرَرَ قَدْ يَلْحَقُهُ بِأَرْضٍ دُونَ أُخْرَى (وَ) لِشَفِيعٍ (أَخْذُ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ (بِيعَ مَعَ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ) كَثَوْبٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ خَاتَمٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُهُ (بِحِصَّتِهِ) أَيْ: قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَ (يُقَسَّمُ الثَّمَنُ) الْمُسَمَّى (عَلَى قِيمَتِهِمَا) أَيْ: قِيمَةِ الشِّقْصَيْنِ، أَوْ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَقِيمَةِ مَا مَعَهُ نَصًّا. فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ مَا مَعَهُ عِشْرِينَ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ (بِخَمْسَةِ أَسْدَاسٍ) مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ.

الشَّرْطُ

(2/342)


(الْخَامِسُ: سَبْقُ مِلْكِ شَفِيعٍ لِلرَّقَبَةِ) أَيْ: الْجُزْءِ مِنْ رَقَبَةٍ مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ بِأَنْ يَمْلِكَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ سَابِقٌ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فَلَا تَكْفِي الْيَدُ (فَتَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ (لِمُكَاتَبٍ) كَغَيْرِهِ وَ (لَا) تَثْبُتُ (لِأَحَدِ اثْنَيْنِ اشْتَرَيَا دَارًا صَفْقَةً عَلَى الْآخَرِ) إذْ لَا سَبْقَ، (وَ) كَذَا (لَوْ) جُهِلَ السَّبْقُ (مَعَ ادِّعَاءِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (السَّبْقَ وَتَحَالَفَا أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتُهُمَا) بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِسَبْقِ مِلْكِهِ وَتَجَدُّدِ مِلْكِ صَاحِبِهِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ، (وَلَا) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِمَالِكٍ (بِمِلْكٍ غَيْرِ تَامٍّ كَشَرِكَةِ وَقْفٍ) وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ. فَلَا يَأْخُذُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِالشُّفْعَةِ لِقُصُورِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (أَوْ) بِمِلْكِ (الْمَنْفَعَةِ. كَبَيْعِ شِقْصٍ مِنْ دَارٍ مُوصًى بِنَفْعِهَا لَهُ) فَلَا شُفْعَةَ لِمُوصًى لَهُ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا تَجِبُ بِهَا.

[فَصْلٌ وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ فِي شِقْصٍ مَشْفُوعٍ بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ بِشُفْعَةٍ بَاطِلٌ]
(فَصْلٌ وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ) فِي شِقْصٍ (مَشْفُوعٍ) (بَعْدَ طَلَبِ) شَفِيعٍ بِشُفْعَةٍ (بَاطِلٌ) لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ بِالطَّلَبِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِهِ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِحَقِّهِ. وَإِنْ نَهَى شَفِيعٌ مُشْتَرِيًا عَنْ التَّصَرُّفِ بِلَا طَلَبٍ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ تَصَرُّفُهُ وَسَقَطَتْ الشُّفْعَةُ لِتَرَاخِيهِ، (وَ) تَصَرُّفُ مُشْتَرٍ (قَبْلَهُ) أَيْ: الطَّلَبِ (بِوَقْفٍ) عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بِمَا لَا تَجِبُ بِهِ شُفْعَةٌ ابْتِدَاءً كَجَعْلِهِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ) أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ (أَوْ) جَعْلِهِ (صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ يُسْقِطُهَا) أَيْ: الشُّفْعَةَ ; لِأَنَّ فِي الشُّفْعَةِ إضْرَارًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ إذَنْ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. وَ (لَا) تَسْقُطُ بِتَصَرُّفِ مُشْتَرٍ فِي شِقْصٍ قَبْلَ طَلَبٍ (بِرَهْنٍ أَوْ إجَارَةٍ) لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُشْتَرٍ، وَسَبْقَ تَعَلُّقُ حَقِّ شَفِيعٍ عَلَى حَقِّ مُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ (وَيَنْفَسِخَانِ) أَيْ: الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ (بِأَخْذِهِ) أَيْ: الشَّفِيعِ الشِّقْصَ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمُؤَجَّرَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حِينِ الْأَخْذِ لِسَبْقِ حَقِّهِمَا وَلِخُرُوجِ الشِّقْصِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَهْرًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَلِاسْتِنَادِ الْآخِذِ إلَى حَالِ الشِّرَاءِ. وَإِنْ وَصَّى بِالشِّقْصِ فَإِنْ أَخَذَ شَفِيعٌ قَبْلَ قَبُولٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَاسْتَقَرَّ الْأَخْذُ. وَكَذَا لَوْ طَلَبَ وَلَمْ يَأْخُذْ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْوَرَثَةِ. وَإِنْ قَبِلَ مُوصًى لَهُ قَبْلَ أَخْذِ شَفِيعٍ وَطَلَبِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ. وَإِنْ ارْتَدَّ مُشْتَرٍ وَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

(وَإِنْ بَاعَ) مُشْتَرٍ الشِّقْصَ (أَخَذَهُ شَفِيعٌ

(2/343)


بِثَمَنِ أَيْ: الْبَيْعَيْنِ شَاءَ) ; لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الشِّرَاءُ وَقَدْ وُجِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِي الْعَقْدَيْنِ. وَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَتْ الْبُيُوعُ. فَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ انْفَسَخَ مَا بَعْدَهُ. وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَخِيرِ لَمْ يَنْفَسِخْ شَيْءٌ مِنْهَا. وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُتَوَسِّطِ انْفَسَخَ مَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، (وَيَرْجِعُ مَنْ أُخِذَ الشِّقْصُ مِنْهُ بِبَيْعٍ قَبْلَ بَيْعِهِ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا أَعْطَاهُ) مِنْ ثَمَنِهِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ شَعِيرٍ، وَالثَّانِي بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ فُولٍ، وَالثَّالِثُ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ قَمْحٍ وَأَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْ الْأَوَّلِ دَفَعَ لَهُ الْعَشَرَةَ أَرَادِبَ شَعِيرٍ، وَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا دَفَعَ لَهُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ رَجَعَ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي عَشَرَةَ أَرَادِبَ فُولٍ، وَيَرْجِعُ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي بِمَا دَفَعَهُ لَهُ. وَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّالِثُ دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي الثَّالِثِ عَشَرَةَ أَرَادِبَ قَمْحٍ. وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِ.

(وَلَا تَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ (بِفَسْخِ) الْبَيْعِ (لِتَحَالُفٍ) لِاخْتِلَافِ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ فِي قَدْرِ ثَمَنٍ لِسَبْقِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ الْفَسْخَ، (وَيُؤْخَذُ) الشِّقْصُ (بِمَا) أَيْ: بِثَمَنٍ (حَلَفَ عَلَيْهِ بَائِعٌ) ; لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلِلشَّفِيعِ بِاسْتِحْقَاقٍ الشُّفْعَةُ بِهِ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ شَفِيعٍ، فَلَهُ إبْطَالُ فَسْخِهِمَا لِسَبْقِ حَقِّهِ، (وَلَا) تَسْقُطُ شُفْعَةٌ (بِإِقَالَةٍ، أَوْ) فَسْخٍ لِ (عَيْبٍ فِي شِقْصٍ) فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ وَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ وَالْفَسْخُ لِسَبْقِ حَقِّهِ (وَ) فَسْخُ بَيْعٍ لِعَيْبٍ (فِي ثَمَنِهِ) أَيْ: الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (الْمُعَيَّنِ) كَهَذَا الْعَبْدِ، فَوَجَدَهُ أَصَمَّ مَثَلًا، وَفُسِخَ (قَبْلَ أَخْذِهِ) أَيْ: الشَّفِيعِ الشِّقْصَ (بِهَا) أَيْ: الشُّفْعَةِ (يُسْقِطُهَا) لِئَلَّا يَنْضَرَّ الْبَائِعُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالشُّفْعَةِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَلَا تَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلَ بِهِ الضَّرَرُ، وَلِسَبْقِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى وُجُودِ الْعَيْبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ حَالَ الْبَيْعِ، وَالشُّفْعَةُ ثَبَتَتْ بِالْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي الشِّقْصِ. فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ. وَهُنَا حَقُّ الْبَائِعِ فِي اسْتِرْجَاعِ الشِّقْصِ وَلَا يَحْصُلَ مَعَ الْأَخْذِ. وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِالْفَسْخِ لِعَيْبٍ فِي الثَّمَنِ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْأَخْذِ بِهَا لِمِلْكِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ بِالْأَخْذِ. فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ إبْطَالَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِأَجْنَبِيٍّ.

(وَلِبَائِعٍ) فَسْخٌ بَعْدَ أَخْذِ شَفِيعٍ (إلْزَامُ مُشْتَرٍ بِقِيمَةِ شِقْصِهِ) ; لِفَوَاتِهِ عَلَيْهِ بِيَدِهِ (وَبِتَرَاجُعِ مُشْتَرٍ وَشَفِيعٍ بِمَا بَيْنَ قِيمَةِ) شِقْصٍ (وَثَمَنِهِ) وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْمِثَالِ. ; لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ، وَبَعْدَ

(2/344)


الْفَسْخِ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ عَلَى قِيمَةِ الشِّقْصِ وَالشَّفِيعُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ (فَيَرْجِعُ دَافِعُ الْأَكْثَرِ) مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ (بِالْفَضْلِ) أَيْ: الزَّائِدِ. فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ ثَمَانِينَ وَالْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ مِائَةً وَكَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْمِائَةَ مِنْ الشَّفِيعِ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ. لِأَنَّ الشِّقْصَ إنَّمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِثَمَانِينَ.

(وَلَا يَرْجِعُ شَفِيعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِأَرْشِ عَيْبٍ فِي ثَمَنٍ عَفَا عَنْهُ بَائِعٌ) أَيْ: أَبْرَأَهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ، وَإِنْ اخْتَارَ بَائِعٌ أَخْذَ أَرْشِ عَيْبِ الثَّمَنِ لَمْ يَرْجِعْ مُشْتَرٍ عَلَى شَفِيعٍ بِشَيْءٍ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ غَيْرَ مَعِيبٍ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِبَدَلِ أَرْشِهِ. فَإِنْ عَادَ الشِّقْصُ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْ بَائِعٌ اسْتِرْجَاعَهُ بِمُقْتَضَى فَسْخِهِ لِعَيْبِ الثَّمَنِ السَّابِقِ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْهُ وَانْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْهُ إلَى الْقِيمَةِ، فَإِذَا أَخَذَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ لِنَحْوِ إبَاقِهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ. لِأَنَّ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، وَإِنْ بَانَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَخَذَ بِهَا رَدَّ مَا أَخَذَ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الشَّفِيعِ وَالْمُتَبَايِعِينَ، (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ: الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ (شَفِيعٌ وَقَدْ اشْتَغَلَ بِزَرْعِ مُشْتَرٍ، أَوْ) أَدْرَكَهُ وَقَدْ (ظَهَرَ ثَمَرٌ) فِي شَجَرَةٍ بَعْدَ شِرَائِهِ (أَوْ) أَدْرَكَهُ شَفِيعٌ وَقَدْ (أُبِّرَ طَلْعٌ) لِنَخْلٍ بِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَهُ بِلَا تَأْبِيرٍ (وَنَحْوِهِ) كَظُهُورِ لُقَطَةٍ مِنْ قِثَّاءٍ أَوْ بَاذِنْجَانَ وَنَحْوِهِ بِالشِّقْصِ بِأُصُولِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ شَفِيعٌ، (فَ) الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ وَنَحْوُهُ (لَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ ; لِأَنَّ الزَّرْعَ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَالثَّمَرَ وَنَحْوِهِ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ (وَيَبْقَى) زَرْعٌ (لِحَصَادٍ وَ) يَبْقَى ثَمَرٌ وَنَحْوُهُ لِ (جُذَاذٍ وَنَحْوِهِ) كَلِقَاطٍ فِي نَحْوِ بَامِيَا وَخِيَارٍ (بِلَا أُجْرَةٍ) عَلَى مُشْتَرٍ لِشَفِيعٍ ; لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ كَالشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَحُكْمُهُ كَالْبَيْعِ. فَإِنْ كَانَ الطَّلْعُ مَوْجُودًا حِينَ الشِّرَاءِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ وَأُبِّرَ عِنْدَ مُشْتَرٍ فَكَذَلِكَ، لَكِنْ يَأْخُذُ شَفِيعٌ أَرْضًا وَنَخْلًا بِحِصَّتِهِمَا مِنْ ثَمَنٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ مَا شَمِلَهُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ نَمَا مَبِيعٌ بِيَدِ مُشْتَرٍ نَمَاءً مُتَّصِلًا كَالشَّجَرِ يَكْبَرُ وَالنَّخْلِ يَطْلُعُ وَلَمْ يُؤَبَّرْ، فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِزِيَادَتِهِ لِتَبَعِهَا لَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ زَائِدًا إذَا طَلَّقَ قَبْلَ دُخُولٍ ; لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى رُجُوعِهِ بِالْقِيمَةِ إذَا فَاتَهُ الرُّجُوعُ بِالْعَيْنِ. وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّفِيعِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الشِّقْصِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ.

(وَإِنْ قَاسَمَ مُشْتَرٍ شَفِيعًا أَوْ) قَاسَمَ ((وَكِيلَهُ) أَيْ: الشَّفِيعِ لِإِظْهَارِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي لِشَفِيعٍ (زِيَادَةَ ثَمَنٍ وَنَحْوَهُ) كَإِظْهَارِهِ أَنَّ الشَّرِيكَ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ

(2/345)


وَقَفَهُ عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ (ثُمَّ غَرَسَ) مُشْتَرٍ (أَوْ بَنَى) فِيمَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ ظَهَرَ الْحَالُ (لَمْ تَسْقُطْ) الشُّفْعَةُ ; لِأَنَّ تَرْكَ الشَّفِيعِ الطَّلَبَ بِهَا لَيْسَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا بَلْ لِمَا أَظْهَرَهُ الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي الْقِسْمَةَ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ وَلِيِّ الصَّغِيرِ فَقَاسَمَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَبَلَغَ الصَّغِيرُ فَلَهُمَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ (وَلِرَبِّهِمَا) أَيْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ إذَا أُخِذَ الشِّقْصُ بِالشُّفْعَةِ (أَخَذَهُمَا) أَيْ: قَلْعُ غِرَاسِهِ وَبِنَائِهِ لِأَنَّهُمَا نَمَاءُ مِلْكِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ (وَلَوْ مَعَ ضَرَرِ) أَرْضٍ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لِعَيْنِ مَالِهِ مِمَّا كَانَ حِينَ الْوَضْعِ فِي مِلْكِهِ.

(وَلَا يَضْمَنُ) مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهٍ (نَقْصًا) حَصَلَ فِي أَرْضٍ (بِقَلْعٍ) لِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ، ثُمَّ اخْتَارَ شَفِيعٌ أَخْذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكَهُ، (فَإِنْ أَبَى) مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ) أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ مِلْكًا (بِقِيمَتِهِ حِينَ تَقْوِيمِهِ) لَا بِمَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ، فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً ثُمَّ تُقَوَّمُ خَالِيَةً مِنْهُمَا فَمَا بَيْنَهُمَا فَقِيمَةُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَيَدْفَعُهُ شَفِيعٌ لِمُشْتَرٍ إنْ أَحَبَّ أَوْ مَا نَقَصَ مِنْهُ إنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ. لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي زَادَ بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. جَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ (أَوْ بِقَلْعِهِ وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ) بِقَلْعِهِ (مِنْ قِيمَتِهِ) عَلَى مَا سَبَقَ، (فَإِنْ أَبَى) شَفِيعٌ ذَلِكَ (فَلَا شُفْعَةَ) أَيْ: سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ ; لِأَنَّهُ مُضَارٌّ، (وَإِنْ حَفَرَ) مُشْتَرٍ فِي أَرْضٍ مِنْهَا الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ (بِئْرًا) لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَفِيعٍ لِإِظْهَارِ زِيَادَةِ ثَمَنٍ وَنَحْوَهُ ثُمَّ عَلِمَ وَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَا لَوْ قَاسَمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَفَرَ فِي نَصِيبِهِ بِئْرًا ثُمَّ أَخَذَهُ شَفِيعٌ (أَخَذَهَا) أَيْ: الْبِئْرَ تَبَعًا لِلشِّقْصِ (وَلَزِمَهُ) أَيْ: الشَّفِيعَ لِمُشْتَرٍ (أُجْرَةُ مِثْلِهَا) أَيْ: الْبِئْرِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِحَفْرِهَا، فَإِنْ طَوَاهَا فَكَالْبِنَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ شِقْصَهُ) مِنْ أَرْضٍ بِهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ (قَبْلَ عِلْمِهِ) بِبَيْعِ شَرِيكِهِ (فَ) هُوَ (عَلَى شُفْعَتِهِ) لِثُبُوتِهَا لَهُ حِينَ بَيْعِ شَرِيكِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَفْوِهِ عَنْهَا، (وَتَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ (لِمُشْتَرٍ) لَمْ يَعْلَمْ شَفِيعٌ بِشِرَائِهِ حِينَ بِيعَ شِقْصُهُ (فِي ذَلِكَ) الَّذِي بَاعَهُ الشَّفِيعُ قَبْلَ عِلْمِهِ، سَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ لَا ; لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرَّقَبَةِ. أَشْبَهَ الْمَالِكَ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ شَفْعُهُ، وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ جَمِيعَ حِصَّتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَ حِصَّتِهِ عَالِمًا فَفِي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ: قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ عَدَمِ السُّقُوطِ: إنَّهُ أَصَحُّ لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الشَّرِكَةُ، وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ شُفْعَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي إذَنْ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: أَحَدُهُمَا: لَهُ الشُّفْعَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ.

(2/346)


(وَتَبْطُلُ) أَيْ: تَسْقُطُ شُفْعَةٌ (بِمَوْتِ شَفِيعٍ) قَبْلَ طَلَبٍ مَعَ قُدْرَةٍ أَوْ إشْهَادٍ مَعَ عُذْرٍ ; لِأَنَّهَا نَوْعُ خِيَارٍ شُرِعَ لِلتَّمْلِيكِ أَشْبَهَ الْإِيجَابَ قَبْلَ قَبُولٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ عَلَى الشُّفْعَةِ لِاحْتِمَالِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ مَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ. وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِمَوْتِ شَفِيعٍ (بَعْدَ طَلَبِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي بِهَا (أَوْ) بَعْدَ (إشْهَادٍ بِهِ) أَيْ: الطَّلَبِ (حَيْثُ اُعْتُبِرَ) الْإِشْهَادُ لِمَرَضِ شَفِيعٍ وَنَحْوِهِ، (وَتَكُونُ) الشُّفْعَةُ إذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ (لِوَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) ; لِأَنَّ الطَّلَبَ يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى مُقَابَلَةِ مُقَرَّرٍ لِلْحَقِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا. فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِبَعْضِهِمْ رَدٌّ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى مُوَرِّثِهِمْ بِطَلَبِهِ، وَعَلَى الثَّانِي إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ كَالشُّفَعَاءِ إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ (فَإِنْ عَدِمُوا) أَيْ: وَرَثَتُهُ مَنْ مَاتَ بَعْدَ طَلَبِهِ أَوْ إشْهَادٍ عَلَيْهِ (فَلِإِمَامٍ الْأَخْذُ بِهَا) ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَقِرٌّ لِمَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ، فَمَلَكَ الْإِمَامُ أَخْذَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ قُلْتُ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ مِلْكُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. عَلَى وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ إعْطَاؤُهُ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ.

[فَصْلٌ وَيَمْلِكُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ شَفِيعٌ]
(فَصْلٌ وَيَمْلِكُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ) (شَفِيعٌ) بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ (مُلِئَ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ بِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذُ لِحَاجَتِهِ خَاصَّةً (الْمَعْلُومِ) لِشَفِيعٍ. لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَخْذٌ بِعِوَضٍ، فَاشْتُرِطَ عِلْمُ بَاذِلِهِ بِهِ قَبْلَ إقْدَامِهِ عَلَى الْتِزَامِهِ كَمُشْتَرِي الْمَبِيعِ (، وَيَدْفَعُ) لِمُشْتَرٍ (مِثْلَ) ثَمَنِ (مِثْلِيٍّ) كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَحُبُوبٍ وَأَدْهَانٍ مِنْ جِنْسِهِ ; لِأَنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِمَّا سِوَاهُ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ الثَّمَنِ فَكَانَ مِثْلُهُ كَبَدَلِ قَرْضٍ وَمُتْلَفٍ (وَ) يَدْفَعُ لِمُشْتَرٍ (قِيمَةَ) ثَمَنٍ (مُتَقَوِّمٍ) مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ; لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فِي الْإِتْلَافِ وَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ سَوَاءٌ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ خِيَارٌ اُعْتُبِرَتْ عِنْدَ لُزُومِهِ. لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى شَفِيعٍ (مِثْلُ مِثْلِيٍّ) لِعَدَمِهِ (فَ) عَلَيْهِ (قِيمَتُهُ) لِأَنَّهَا بَدَلُهُ فِي الْإِتْلَافِ (أَوْ) تَعَذَّرَتْ (مَعْرِفَةُ قِيمَةِ) الثَّمَنِ (الْمُتَقَوِّمِ)

(2/347)


بِتَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَ) عَلَى شَفِيعٍ (قِيمَةُ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ تَكُونَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ; لِأَنَّ وُقُوعَهَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مُحَابَاةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا (وَإِنْ جَهِلَ الثَّمَنَ) أَيْ: قَدْرَهُ كَصُبْرَةٍ تَلِفَتْ أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ (وَلَا حِيلَةَ) فِي ذَلِكَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ (سَقَطَتْ) ; لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا لَا يَدَّعِيهِ وَكَمَا لَوْ عَلِمَ قَدْرَ الثَّمَنِ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَسِيَ، (فَإِنْ اتَّهَمَهُ) شَفِيعٌ أَنَّهُ فَعَلَهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِهَا (حَلَّفَهُ) عَلَى نَفْيِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الشَّفِيعِ.
(وَ) إنْ جَهِلَ الثَّمَنَ (مَعَهَا) أَيْ: الْحِيلَةِ (فَ) عَلَى شَفِيعٍ (قِيمَةُ شِقْصٍ) وَيَأْخُذُهُ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيْعٌ بِقِيمَتِهِ (وَإِنْ عَجَزَ) شَفِيعٌ عَنْ ثَمَنِ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ (وَلَوْ) كَانَ عَجْزُهُ (عَنْ بَعْضِ ثَمَنِهِ) أَيْ الشِّقْصِ (بَعْدَ إنْظَارِهِ) أَيْ: الشَّفِيعِ (ثَلَاثًا) أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا مِنْ حِينِ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ نَصًّا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ نَقْدٌ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يُعِدُّهُ فِيهِ وَالثَّلَاثُ يُمْكِنُ الْإِعْدَادُ فِيهَا غَالِبًا. (فَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ) بِلَا حَاكِمٍ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى الثَّمَنِ كَبَائِعٍ بِثَمَنٍ حَالَ تَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَيْهِ ; وَلِأَنَّ الْأَخْذَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَاكِمٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ فَسْخُ الْأَخْذِ بِهَا عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبُيُوعِ وَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ.

(وَلَوْ أَتَى) شَفِيعٌ (بِرَهْنٍ) عَلَى ثَمَنٍ وَلَوْ مُحْرَزًا (أَوْ) أَتَى (بِضَامِنٍ) لَهُ فِيهِ وَلَوْ مَلِيًّا لِبَقَاءِ ضَرَرِهِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ (وَمَنْ) أَيْ: مَتَى (بَقِيَ) الثَّمَنُ (بِذِمَّتِهِ حَتَّى فَلِسَ) أَيْ: حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِفَلَسٍ (خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ فَسْخٍ) لِأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ (أَوْ) إمْضَائِهِ (ضَرْبٍ مَعَ الْغُرَمَاءِ) بِالثَّمَنِ كَبَائِعٍ إذَا فَلِسَ مُشْتَرٍ، (وَ) ثَمَنٍ (مُؤَجَّلٍ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ وَلَمْ يُدْرِكْ شَفِيعٌ الْأَخْذَ حَتَّى حَلَّ عَلَى مُشْتَرٍ (كَ) ثَمَنٍ (حَالٍّ) ابْتِدَاءً (وَإِلَّا) يَحِلَّ مُؤَجَّلٌ قَبْلَ أَخْذِ شَفِيعٍ (فَ) إنَّهُ يَأْخُذُهُ بِهِ (إلَى أَجَلِهِ إنْ كَانَ) الشَّفِيعُ (مَلِيًّا) أَيْ: قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ (أَوْ كَفَلَهُ) فِيهِ كَفِيلٌ (مَلِيءٌ) نَصًّا ; لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِهِ وَيَنْتَفِي عَنْهُ الضَّرَرُ بِكَوْنِهِ مَلِيًّا أَوْ كَفَلَهُ مَلِيءٌ وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي مَعَ الْمَلَاءَةِ وَصْفَ الثِّقَةِ، وَإِذَا أَخَذَ بِالثَّمَنِ مُؤَجَّلًا ثُمَّ مَاتَ هُوَ أَوْ مُشْتَرٍ فَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ (وَيُعْتَدُّ) فِي قَدْرِ ثَمَنٍ (بِمَا زِيدَ) فِيهِ زَمَنٌ مِنْ خِيَارٍ، (أَوْ حُطَّ) مِنْهُ (زَمَنُهُ) ; لِأَنَّهُ كَحَالَةِ الْعَقْدِ ; وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ إنَّمَا يَثْبُتُ إذْ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَالزِّيَادَةُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ هِبَةٌ، وَالنَّقْضُ بَعْدَهُ إبْرَاءٌ فَلَا يَثْبُتَانِ فِي حَقِّ شَفِيعٍ.

(وَيُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ) فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَشَفِيعٌ (فِي

(2/348)


قَدْرِ ثَمَنٍ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ ; لِأَنَّ الْعَاقِدَ أَعْرَفُ بِالثَّمَنِ، وَالشِّقْصُ مِلْكُهُ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ بِدُونِ مَا يَدَّعِي بِهِ مِنْ قَدْرِ الثَّمَنِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَيْسَ الشَّفِيعُ بِغَارِمٍ ; لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ تَمَلُّكَ الشِّقْصِ بِثَمَنِهِ بِخِلَافِ غَاصِبٍ وَنَحْوِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الثَّمَنُ (قِيمَةَ عَرْضٍ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ فَقَوْلُ مُشْتَرٍ فِيهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ مَوْجُودًا عُرِضَ عَلَى الْمُقَوِّمِينَ لِيَشْهَدُوا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ.
(وَ) يُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ (فِي جَهْلٍ بِهِ) أَيْ: بِقَدْرِ الثَّمَنِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ جُزَافًا أَوْ بِثَمَنٍ نَسِيَ مَبْلَغَهُ، (وَ) يُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ فِي (أَنَّهُ غَرَسَ أَوْ بَنَى) فِي أَرْضٍ مِنْهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ إذَا أَنْكَرَهُ الشَّفِيعُ وَإِنَّهُ كَانَ بِهَا حَالَ الشِّرَاءِ ; لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالشَّفِيعُ يُرِيدُ تَمَلُّكَهُ فَيَضِيعُ عَلَيْهِ (إلَّا مَعَ بَيِّنَةِ) شَفِيعٍ فَيُعْمَلُ بِهَا، (وَتُقَدَّمُ) بَيِّنَةُ شَفِيعٍ (عَلَى بَيِّنَةِ مُشْتَرٍ) إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَالْمُشْتَرِي دَاخِلٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ (إنْ قَالَ) مُشْتَرٍ لِشِقْصٍ: (اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ وَأَثْبَتَهُ) أَيْ: الشِّرَاءَ (بَائِعٌ بِأَكْثَرَ) مِنْ أَلْفٍ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ أَيْ: الشِّقْصِ) (بِأَلْفٍ) لِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ أَخْذِهِ بِهَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا ; وَلِأَنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي تَتَضَمَّنُ دَعْوَى كَذِبِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ بِهِ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ لَا يُكَذِّبُهَا (فَإِنْ قَالَ) مُشْتَرٍ صَدَقَتْ الْبَيِّنَةُ وَ (خَلَطْتُ) أَنَا (أَوْ نَسِيتُ أَوْ كَذَبْتُ لَمْ يُقْبَلْ) رُجُوعُهُ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ إقْرَارٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ.

(وَإِنْ ادَّعَى شَفِيعٌ) عَلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ شِقْصٌ كَانَ لِشَرِيكِهِ (شِرَاءَهُ) أَيْ: الشِّقْصِ (بِأَلْفٍ) وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ حَرَّرَ الدَّعْوَى فَيُحَدِّدُ الْمَكَانَ الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ، وَيَذْكُرُ قَدْرَ الشِّقْصِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ غَرِيمُهُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ (فَقَالَ بَلْ اتَّهَبْتُهُ أَوْ وَرِثْتُهُ حَلَفَ) عَلَيْهِ وَلَا شُفْعَةَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْبَيْعُ الْمُثْبِتُ لِلشُّفْعَةِ، (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ وَجَبَتْ (أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ) بِالْبَيْعِ وَجَبَتْ (أَوْ أَنْكَرَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ (وَأَقَرَّ بَائِعٌ بِهِ وَجَبَتْ) الشُّفْعَةُ لِثُبُوتِ مُوجِبِهَا.
(وَ) يُنْتَزَعُ مِنْهُ الشِّقْصَ وَلَيْسَ لِبَائِعٍ وَلَا شَفِيعٍ مُحَاكَمَةُ مُشْتَرٍ لِإِثْبَاتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ، وَ (يَبْقَى الثَّمَنُ) إنْ أَبَى قَبْضَهُ حَتَّى فِي الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ إنْ أَقَرَّ بَائِعٌ بِقَبْضِهِ) أَيْ: الثَّمَنِ مِمَّنْ اُنْتُزِعَ مِنْهُ (فِي ذِمَّةِ شَفِيعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَبْقَى (حَتَّى يَدَّعِيَهُ مُشْتَرٍ) فَيُدْفَعُ إلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ بَائِعٌ فِي الْأَخِيرَةِ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ (أَخَذَ) الشَّفِيعُ (الشِّقْصَ مِنْ بَائِعٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ) لِاعْتِرَافِهِ بِالْبَيْعِ الْمُوجِبِ

(2/349)


لِلشُّفْعَةِ ; لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقَّيْنِ: حَقٍّ لِلشَّفِيعِ، وَحَقٍّ لِلْمُشْتَرِي. فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ وَثَبَتَ حَقُّ الْآخَرِ (وَلَوْ ادَّعَى شَرِيكٌ) فِي عَقَارٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ (عَلَى حَاضِرٍ بِيَدِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ أَنَّهُ) أَيْ الْحَاضِرَ (اشْتَرَاهُ) أَيْ: الشِّقْصَ (مِنْهُ) أَيْ: الْغَائِبِ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ: الشِّقْصَ (بِالشُّفْعَةِ فَصَدَّقَهُ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (أَخَذَهُ) أَيْ: الشِّقْصَ مُدَّعٍ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ، (وَكَذَا لَوْ ادَّعَى) شَرِيكٌ عَلَى حَاضِرٍ (أَنَّكَ بِعْتَ نَصِيبَ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ فَقَالَ: نَعَمْ) فَلِمُدَّعٍ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، (فَإِذَا قَدِمَ) الْغَائِبُ (فَأَنْكَرَ) الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ (حَلَفَ) ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَانْتَزَعَ الشِّقْصَ وَطَالَبَ بِالْأُجْرَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا (وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الشَّفِيعِ) لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى مَنْ بِيَدِهِ نَصِيبُ الْغَائِبِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فَأَنْكَرَ وَقَالَ: إنَّمَا أَنَا وَكِيلٌ فِيهِ أَوْ مُسْتَوْدَعٌ لَهُ فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ.

[فَصْلٌ وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي شِقْصٍ ادَّعَى مُشْتَرٍ شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ]
(فَصْلٌ وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا) أَيْ: شِقْصٍ (ادَّعَى) مُشْتَرٍ (شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ) أَيْ مَحْجُورِهِ ; لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ ثَبَتَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَاسْتَوَى فِيهِ جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَقُبِلَ إقْرَارُ وَلِيِّهِ فِيهِ كَإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى شِرَاءَهُ لِغَائِبٍ فَثَبَتَ فِيهِ وَيَأْخُذُهُ حَاكِمٌ وَيَدْفَعُهُ لِشَفِيعٍ وَالْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ، وَإِنْ أَقَرَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ لِمُوَكِّلِهِ الْغَائِبِ أَوْ لِمَحْجُورِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ بَعْدُ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِالشِّرَاءِ أَوْ اعْتِرَافِ غَائِبٍ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَعْدَ فَكِّهِ بِالشِّرَاءِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمَا بِالْإِقْرَارِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِالشِّرَاءِ إقْرَارٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ وَلَمْ يُطَالَبْ بِبَيَانِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

وَ (لَا) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ (مَعَ خِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطِ الْبَائِعِ أَوْ مُشْتَرٍ (قَبْلَ انْقِضَائِهِ) نَصًّا ; لِأَنَّ الْمِلْكَ يَسْتَقِرُّ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْخِيَارِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَقْدِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا لَوْ بَاعَ شَفِيعٌ حِصَّتَهُ بَعْدَ بَيْعِ شَرِيكِهِ (وَعُهْدَةُ شَفِيعٍ) إنْ ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا وَأَرَادَ الشَّفِيعُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ فَيَكُونُ (عَلَى مُشْتَرٍ) ; لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ كَبَائِعِهِ (إلَّا إذَا أَنْكَرَ) مُشْتَرٍ الشِّرَاءَ وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ (وَأَخَذَ) الشِّقْصَ (مِنْ بَائِعٍ) مُقِرٍّ الْبَيْعَ، (فَ) الْعُهْدَةُ (إذَنْ عَلَيْهِ) أَيْ: الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: (كَ) مَا أَنَّ (عُهْدَةِ مُشْتَرٍ) عَلَى

(2/350)


بَائِعٍ (فَإِنْ أَبَى مُشْتَرٍ) لِشِقْصٍ مَشْفُوعٍ (قَبْضَ مَبِيعٍ) لِيُسَلِّمَهُ لِشَفِيعٍ (أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ) لِوُجُوبِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ لِيُسَلِّمَهُ لِلشَّفِيعِ.

(وَإِنْ وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا) عَنْ أَبِيهِمَا أَوْ غَيْرِهِ مَعَ تَسَاوٍ أَوْ تَفَاضُلٍ (فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) الَّذِي وَرِثَهُ أَوْ بَعْضَهُ (فَالشُّفْعَةُ) فِي الْمَبِيعِ (بَيْنَ) الْوَارِثِ (الثَّانِي) الَّذِي لَمْ يَبِعْ.
(وَ) بَيْنَ (شَرِيكِ مُوَرِّثِهِ) عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا ; لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ حَالَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ مَلَكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ اشْتَرَى اثْنَانِ نِصْفَهَا الْآخَرَ أَوْ اتَّهَبَاهُ أَوْ وَرِثَاهُ وَنَحْوَهُ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَأَرْضًا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ وَبَاعَ أَحَدُ الْعَمَّيْنِ نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ أَخِيهِ وَابْنَيْ أَخِيهِ.

(وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ) حَالَ بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ كُفْرُهُ بِبِدْعَةٍ كَالدُّعَاةِ (عَلَى مُسْلِمٍ) نَصًّا، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدُ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا " «لَا شُفْعَةَ لِنَصْرَانِيٍّ» " وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ ; وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ الْعَقَارُ أَشْبَهَ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْبُنْيَانِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مِلْكِهِ فَقُدِّمَ دَفْعُ ضَرَرِهِ عَلَى دَفْعِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي. وَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ وَرِعَايَتُهُ أَوْلَى وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَشَمِلَ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ وَالْمُرْتَدَّ وَمَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ وَتَثْبُتُ لِقَرَوِيٍّ عَلَى بَدْوِيٍّ كَعَكْسِهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ.

(وَلَا) شُفْعَةَ (لِمُضَارِبٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا مَشْفُوعًا لِلْمُضَارِبِ فِيهِ شَرِكَةٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ (إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ) فِي مَالِ مُضَارَبَةٍ ; لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ فِيهَا جُزْءٌ فَلَا تَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِلَّا) يَظْهَرَ فِيهِ رِبْحٌ (وَجَبَتْ) أَيْ: ثَبَتَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ لَهُ نَصًّا ; لِأَنَّ مَالِكَ الشِّقْصِ لِرَبِّ الْمَالِ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ فِي شِرَائِهِ (وَلَا) شُفْعَةَ (لَهُ) أَيْ: رَبِّ الْمَالِ (عَلَى مُضَارِبٍ) بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِهَا شِقْصًا شَرِكَةً لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا شُفْعَةَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ. لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ (وَلَا) شُفْعَةَ (لِمُضَارِبٍ فِيمَا) أَيْ فِي شِقْصٍ (بَاعَهُ مِنْ مَالِهَا) أَيْ: الْمُضَارَبَةِ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُضَارِبِ (فِيهِ) أَيْ: الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ (مِلْكٌ) ; لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ كَشِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (الشُّفْعَةُ فِيمَا) أَيْ: فِي شِقْصٍ (بِيعَ) أَيْ: بَاعَهُ مَالِكُهُ الْأَجْنَبِيُّ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَكَانٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ (شَرِكَةٌ لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ إنْ كَانَ) فِي أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ (حَظٌّ) نَحْوَ كَوْنِهِ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ ; لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الرِّبْحِ (فَإِنْ أَبَى) مُضَارِبٌ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ (أَخَذَ بِهَا) أَيْ: الشُّفْعَةِ (رَبُّ الْمَالِ) ; لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِلْكُهُ، وَالشَّرِكَةُ حَقِيقَةٌ لَهُ وَلَا يَنْفُذُ

(2/351)


عَفْوُ مُضَارِبٍ عَنْهَا. لِأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِسَيِّدٍ عَلَى مُكَاتَبِهِ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا يُزَكِّيهِ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِخِلَافِ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ شُفْعَةً. وَكَذَا مَا وُقِفَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا. إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهِمَا حَاكِمٌ أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِمَصْلَحَةٍ.