فقه العبادات على المذهب الحنبلي

الباب الخامس (صلاة التطوع)

(1/208)


دليلها: حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) (1) ، ولأن فرضها آكد الفروض فتطوعها آكد التطوع.
أقسامها:
أولاً: الرواتب التابعة للفرائض.
ثانياً: تطوعات مع السنن الرواتب.
ثالثاً: النوافل الموقوتة.
رابعاً: النوافل التي تسن فيها الجماعة.
خامساً: النوافل ذات السبب. [ص:209]
__________
(1) مسند الإمام أحمد: ج-5 /ص 277.

(1/208)


الفصل الأول

(1/209)


أولاً: الرواتب التابعة للفرائض:
وهي عشر ركعات مرتبة حسب الأفضلية كما يلي ركعتا سنة الفجر، ركعتا المغرب، ركعتا سنة الظهر القبلية وركعتا سنة الظهر البعدية وركعتا العشاء.
دليلها: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها) (1) .
-
1ً- ركعتا الفجر: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل، أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر) (2) ، وعنها أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) (3) . وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل) (4) .
ويستحب أن تكونا خفيفتين لما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين التين قبل صلاة الصبح، حتى إني لأقول: هل قرأ بأم الكتاب) (5) . [ص:210] كما يستحب أن يقرأ فيهما: قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه ?سلم قرأ في ركعتي الفج: قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) (6) ويستحب أن يركعهما في البيت.
-
2ً- ركعتان بعد المغرب: روى رافع بن خديج رضي الله عنهما (أتانا رسول الله صلى الله عليه ?سلم في بني عبد الأشهل فصلى المغرب في مسجدنا ثم قال: اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم) (7) .
ويسن أن يقرأ فيهما: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد بدليل أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (أن رسول الله صلى الله عليه ?سلم كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب: قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) (8) ويستحب أن يركعهما في البيت لحديث ابن خديج المتقدم.
-
3ً- ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها.
-
4ً- ركعتان بعد العشاء.
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب التطوع باب 10/1126.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب التطوع باب 3/1116.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 14/96.
(4) مسند الإمام أحمد: ج-2 /ص 405.
(5) البخاري: ج-1/ كتاب التطوع باب 4/1118.
(6) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 14/98.
(7) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 111/1165.
(8) ابن ماجة: ج-1/ إقامة الصلاة باب 112/1166.

(1/209)


ثانياً: تطوعات مع السنن الرواتب:
-
1ً-أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، لما روت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعده حرمه الله على النار) (1) .
-
2ً- أربع ركعات قبل العصر لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله أمرأً صلى قبل العصر أربعاً) (2) . [ص-211]
-
3ً- ست ركعات بعد المغرب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عُدِلن له بعبادة اثنتي عشرة سنة) (3) .
-
4ً- أربع ركعات بعد العشاء لما روى شريح بن هانئ عن عائشة رضي الله عنها، قال: سألتها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات ... ) (4) .
__________
(1) الترمذي: ج-2 /الصلاة باب 317/428.
(2) الترمذي: ج-2 /الصلاة باب 318/430.
(3) الترمذي: ج-2 /الصلاة باب 321/435.
(4) أبو داود: ج-2/ كتاب الصلاة باب 305/1303.

(1/210)


ما يسن بالرواتب وتوابعها:
-1- الفصل بين الفرض والسنة، سواء كانت قبله أو بعده، بقيام أو انتقال أو كلام.
-2- إحياء ما بين العشاءين، وهو من قيام الليل.
-3- قضاء الرواتب والوتر، إلا ما فات من الرواتب مع فرضه وكثر فالأولى تركه دفعاً للحرج إلا سنة الفجر فيقضيها لتأكدها.

(1/210)


الفصل الثاني

(1/212)


النوافل الموقوتة
-
1ً- الوتر:
وهو سنة مؤكدة لمداومته صلى الله عليه وسلم عليه في الحضر والسفر، وهو آكد التطوع بعد الكسوف والاستسقاء والتراويح. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) (1) .
وقته: من بعد صلاة العشاء إلى الصبح لما روى خارجة بن حُذافة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر، جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) (2) . والأفضل فعله سحراً لما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر) (3) فمن كان له تهجد جعل الوتر بعده، ومن خشي أن لا يقوم أوتر قبل أن ينام لما روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل) (4) . ومن فاته الوتر حتى يصبح صلاة قبل الفجر. ولا يصح تعدد الوتر لما رواه طلق بن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا وتران في ليلة) (5) . [ص:213]
وأقله: ركعة واحدة، وأكثره إحدى عشر ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة) (6) .
وأدنى الكمال: ثلاث ركعات بتسليمتين لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحجرة وأنا في البيت فيفصل عن الشفع والوتر بتسليم يسمعناه) (7) .
ويستحب أن يقرأ فيه في الأولى بعد الفاتحة (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله أحد) لما روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون والله الواحد الصمد) (8) . وإن أوتر بخمس سردهن فلا يجلس إلا في آخرهن وإن أوتر بتسع فلا يجلس إلا بعد الثامنة ولا يسلم ثم يجلس بعد التاسعة فيتشهد ويسلم، وكذا إن صلى سبعاً
__________
(1) أبو داود: ج-2/ كتاب الصلاة باب 338/1422.
(2) الترمذي: ج-2 /الصلاة باب 332/452.
(3) البخاري: ج-1/ كتاب الوتر باب 2/951.
(4) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 21/162.
(5) الترمذي: ج-2 /الصلاة باب 344/470.
(6) الترمذي: ج-2 /الصلاة باب 325/440.
(7) مسند الإمام أحمد: ج-6 /ص 84.
(8) أبو داود: ج-2/ كتاب الصلاة باب 339/1423.

(1/212)


القنوت في الوتر:
حكمه: سنة في جميع السنة، ويكون بعد الركوع لما روى أنس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع) (1) .
ويقول فيه ما رواه الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت (2) ، وعافني (3) فيمن [ص:214] عافيت، وتولني (4) فيمن توليت، وبارك (5) لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت) (6) .
وزاد البيهقي بعد قوله: (ولا يذل من واليت) : (ولا يعز من عاديت) (7) ، وزاد النسائي: (وصلي الله على النبي) (8) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) (9) .
وبأس أن يدعو المصلي في قنوته بما يشاء غير ما تقدم من الوارد عنه صلى الله عليه وسلم، وإن كان الوارد أفضل.
ويسن القنوت في الوتر جماعة في رمضان. ويؤمن المأمون على قنوت إمامه، ويرفع القانت يديه في الدعاء إلى صدره وبطونهما نحو السماء ولو كان مأموماً لأن ابن مسعود رضي الله عنه فعله، وإذا فرغ أمرَّ يديه على وجهه.
ويكره القنوت في غير الوتر إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 54/300.
(2) أصل الهدى: الرشاد والبيان قال تعالى: (وإنك لتهدي إلى صرط مستقيم) والهداية من الله التوفيق والإرشاد، وطلب الهداية من قبل المؤمنين مع كونهم مهتدين بمعنى طلب التثبيت عليها أو المزيد منها.
(3) العافية من الأسقام والبلايا. والعافية: أن يعافك الله من الناس ويعافيهم منك.
(4) الولي ضدد العدو، مأخوذ من توليت الشيء أي اعتنيت به أي إن الله ينظر في أمر موليه بالعناية. أو مأخوذ من وليت الشيء إذا لم يكن بينك وبينه واسطة بمعنى أن الولي يقطع الوسائط بينه وبين الله حتى يصير في مقام المراقبة.
(5) البركة: الزيادة، وقيل: هي حلول الخير الإِلهي في الشيء.
(6) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 341/464.
(7) البيهقي: ج-2/ 209.
(8) النسائي: ج-3 / 248.
(9) أبو داود: ج-2/ كتاب الصلاة باب 340/1427.

(1/213)


-2ً- صلاة الضحى:
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ وركعتي الضحى، وأن أوتِر قبل أن أَرْقُد) (1) . [ص:215] وتسن غباً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها.
أقلها: ركعتان، وأكثرها ثماني ركعات لما روت أم هانئ رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثماني ركعاتٍ، ما رأيته صلى صلاة قط أخفَّ منها، غير أنه كان يتم الركوع والسجود) (2) .
وقتها: أفضل وقت تصلى فيه إذا علت الشمس واشتد حرها لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه رأى قوماً يصلون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الأوابين حين تِرْمِضُ الفِصَالُ) (3) .
ويبدأ وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال بقليل. [ص:216]
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 13/85.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 13/80.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 19/143. وترمض: من الرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس: أي حين تحترق أخفاف الفصال، وهي الصغار من أولاد الإِبل، جمع فصيل. وذلك من شدة حر الرمل.

(1/214)


الفصل الثالث

(1/216)


النوافل التي تسن فيها الجماعة
-
1ً- صلاة التراويح:
وهي قيام رمضان.
حكمها: سنة مؤكدة.
عددها: عشرون عند أكثر أهل العلم. وقال مالك: الاختيار (36) ركعة. والدليل على أنها عشرون ما روى البيهقي عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: (كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في شهر رمضان، بعشرين ركعة، وكانوا يقومون بالمئين، وكانو يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام) (1) .
أما الدليل على سنيتها وعلى سنية صلاتها جماعة ما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) (2) وما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة. فصلى بصلاته ناس. ثم صلى من القابلة. فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة. فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم. فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم) وذلك في رمضان (3) . [ص:317]
فكان الناس يصلون لأنفسهم حتى جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في خلافته - على أبي بن كعب رضي الله عنه، وصاروا يصلونها عشرين كل اثنتين بنية ويوتر بهم الإمام بثلاث ركعات. وسميت التراوح لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع ركعات يستريحون.
وقتها: من صلاة العشاء إلى الوتر. ولا بد من التراويح قبل الوتر. ولا تستحب الزيادة على الختمة فيها لئلا يشق على الناس كما لا يستحب بأقل من ذلك. ولا يكره تعقيبها بنافلة جماعة لأن أنساً رضي الله عنه قال ما يرجعون إلا لخير يرجونه أو لشر يحذرونه.
واختلف في قيام ليلة الشك فقامها القاضي ومنعها القاضي ومنعها أبو حفص العكبري لأن الأصل بقاء شعبان.
__________
(1) البيهقي: ج-2/ 496.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب صلاة الترويح باب 1/1905.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 25/177.

(1/216)


-2ً- التطوع المطلق:
وهو مشروع في الليل والنهار لكن تطوع الليل أفضل، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة، بعد الفريضة صلاة الليل) (1) . والنصف الأخير أفضل وبعد النوم أفضل، لأن الناشئة المعينة في قوله تعالى: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ) (2) ، لا تكون إلا بعد الرقدة، ومن لم يرقد فلا ناشئة له. ومعنى أشد وطأً: أي تثبيتاً تفهم ما تقرأ وتعي أذنك، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله وهل من ساعة أقرب إلى الله تعالى من أخرى قال: (جوف الليل الآخر) (3) ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) (4) . [ص:218]
__________
(1) مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 38/202.
(2) المزمل: 6.
(3) مسند الإمام أحمد: ج-4/ ص 114.
(4) البخاري: ج-1/ كتاب التهجد باب 7/1079.

(1/217)


ما يستحب للمتهجد:
-
1ً- أن يذكر الله تعالى إذا استيقظ من نومه، كأن يقول: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
-
2ً- أن ينوي عند نومه قيام الليل ليحوز ما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه يبلغ به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل) (1) .
-
3ً- أن يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذ قام أحدكم من الليل فليصلِّ ركعتين خفيفتين) (2) .
-
4ً- يستحب أن تكون له ركعات معلومة يقرأ فيها حزبه من القرآن، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل) (3) ، وعنها أيضاً قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يَفْرُغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة. فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين. ثم اضطجع على شقه الأيمن. حتى يأتيه المؤذن للإقامة) (4) . أما القراءة فيخير بين الجهر والإسرار. [ص:219]
-
5ً- يستحب أن يختم القرآن في كل سبع، لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال: في شهر قال: إني أقوى من ذلك ... قال: أقرأه في سبع) (5) .
-
6ً- يستحب أن يصلي مثنى مثنى لا يزيد على ركعتين، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قام رجل فقال: يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى ... ) (6) .
أما صلاة النهار فله أن يتطوع بأربع لكن الأفضل التثنية لأنه أبعد من السهو.
-
7ً- أن يكثر من الركوع والسجود لأنه أفضل من إطالة القيام.
والتطوع في البيت أفضل لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) (7) .
ويجوز التطوع إما منفرداً أو في جماعة، لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان أكثر تطوعه منفرداً، وأنه أمَّ ابن عباس رضي الله عنهما في التطوع مرة وحذيفة رضي الله عنه مرة فدل على جواز الجميع.
ويجوز أن يتطوع جالساً، لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: حدِّثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) (8) ، ويستحب أن يكون في حال القيام متربعاً ليخالف حالة الجلوس، ويثني رجليه حال السجود لأن حال الركوع كحال القيام، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً حتى إذا كَبِرَ قرأ [ص:220] جالساً. حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية، قام فقرأهن، ثم ركع) (9) . وإن شاء ركع من قعود.
__________
(1) النسائي: ج-3 /ص 258.
(2) أبو داود: ج-2 / كتاب الصلاة باب 313/1323.
(3) مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 30/218.
(4) مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 17/122.
(5) أبو داود: ج-2 / كتاب الصلاة باب 325/1390.
(6) مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 20/147.
(7) البخاري: ج-1/ كتاب الجماعة والإمامة باب 52/698.
(8) مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 16/120.
(9) مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 16/111.

(1/218)


-3ً- صلاة العيدين:
تعريف: العيد من العَوْد، وسمي عيداً لأنه يعود ويتكرر.
حكمها:
-
1ً- فرض كفاية على كل من تلزمه صلاة الجمعة فلا تقام إلا حيث تقام الجمعة. والدليل على ذلك مداومته صلى الله عليه وسلم عليها وكذلك الخلفاء من بعده، لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة فكانت فرض كفاية كالجهاد. ولا تجب على الأعيان لما روى طلحة بن عبيد الله أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد يسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع) (1) . وإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام لتركهم شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة فأشبه تركهم الأذان.
ويشترط لصحتها الاستيطان والعدد، لأنها صلاة لها خطبة راتبة أشبهت الجمعة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق العيد في حجته ولم يصل.
-
2ً- سنة لمن فاتته الصلاة مع الإمام، وقد ورد عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما.
-
3ً- يستحب خروج النساء لما روت أم عطية رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى. العواتِقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخُدُود. فأما الحيض فيعتزِلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ... ) (2) ، [ص:221] ولكن لا يلبسن ثوب شهرة ولا يتطيبن، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرُجن وهن تفلات) (3) .
مشروعيتها: شرعت في السنة الأولى للهجرة. روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر) (4) .
وقتها: من حِلّ النافلة (أي حين ترتفع الشمس) إلى ما قبيل الزوال، فإذا زالت الشمس وهو فيها فسدت إن حصل الزوال قبل القعود قدر التشهد) ومعنى فسادها أنها تنقلب نفلاً. فإن لم يعلم بها إلا بعد الزوال خرج الإمام من الغد فصلى بالمسلمين، لما روى أبو عمير بن انس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ركباناً جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يُفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم) (5) .
ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، لما روى أبو الحويرث رضي الله عنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر) (6) ، ولأن السنة إخراج الفطرة قبل صلاة الفطر ففي تأخير الصلاة توسيع لوقتها، أما الأضحية فلا تجوز إلا بعد الصلاة ففي تعجيل صلاة عيد الأضحى مبادرة إلى الأضحية.
كيفيتها: هي ركعتان عاديتان يقرأ في كل واحدة الفاتحة وسورة ويجهر بالقراءة، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال: (صلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان والفطر والأضحى ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم) (7) .
ويشترط لصحتها ما يشترط لصلاة الجمعة غير الخطبة. [ص:222]
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 16/111.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب الإيمان باب 2/8.
(3) مسلم: ج-2/ كتاب صلاة العيدين باب 1/12.
(4) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 53/565.
(5) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 245/1134.
(6) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 255/1157.
(7) البيهقي: ج-3 /ص 282.
(8) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 73/1064.

(1/220)


سننها:
-
1ً- يسن أن يقرأ فيها بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتالك حديث الغاشية) لحديث النعمان بن بشير برواية مسلم.
-
2ً- أن يكبر في الركعة الأولى ست تكبيرات عدا تكبيرة الإحرام، وموضع التكبير بعد الاستفتاح وقبل الاستعاذة والقراءة في الركعتين، وإن نسي التكبير بعد الاستفتاح وقبل الاستعاذة والقراءة في الركعتين، وإن نسي التكبير بعد الاستفتاح حتى شرع في القراءة لم يعد إليه، لأنه سنة فلا يعود إليها بعد شروعه في القراءة كالاستفتاح ومن سُبق بالتكبير أو ببعضه لم يقضه لأنه سنة فات محلها. وإن أدرك الإمام في التشهد قام إذا سلم الإمام فقضى ركعتين يكبر فيهما، وإن أدركه في الخطبة استمع ثم قضى الصلاة إن أحب. وفي صفة القضاء ثلاث روايات: إحداهن: يقضيها على صفتها لما روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان إذا فاته العيد يأمر مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية، فجمع أهله وبنيه، وصلى كصلاة المصر وتكبيرهم (1) ، ولأن قضاء صلاةٍ فكان على صفتها كغيرها.
الثانية: يصليها أربعاً بسلام واحد إن أحب أو بسلامين، لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (من فاته العيد فليصلِّ أربعاً) (2) ، ولأنها صلاة عيد فإذا فاتت صليت أربعاً كالجمعة.
والثالثة: يخير بين صلاة ركعتين وأربع، ولأنه تطوع نهار فكانت الخيرة فيه إليه كالضحى.
ويستحب أن يكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر والأضحى في [ص:223] الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً) (3) واعتد بتكبيرة الإحرام لأنها في حال القيام ولم يعتد بتكبيرة القيام لأنها قبله.
-
3ً- يسن أن يرفع يديه مع كل تكبيرة.
-
4ً- أن يحمد الله ويثني عليه ويصلي علة النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين، وإن أحب قال: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم تسليما.
-
5ً- يسن أن يصليها في المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يفعلونها فيه، ويستحب أن يستخلف على ضعفة الناس من يصلي بهم في المسجد. وإن كان هناك عذراً من مطر أو نحوه صلاها في المسجد، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أنه أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد) (4) .
-
6ً- يسن لها خطبتان كخطبتي الجمعة ولكن بعد الصلاة، لما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة) (5) . ولا يجب استماعهما ولا الإنصات لهما، لما روى عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب) (6) [ص:224]
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صلاة العيدين باب 25 معلقاً.
(2) فتح الباري: ج-2 /ص 475، وذكر أنه أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح.
(3) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 251/1149.
(4) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 257/1160.
(5) البخاري: ج-1/ كتاب صلاة العيدين باب 8/920.
(6) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 253/1155.

(1/222)


سنن الخطبتين:
-1- أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات والثانية بسبع، ويكثر التكبير أثناء الخطبة.
-2- أن يحثهم في خطبة الفطر على إخراج الفطرة، ويبين له ما يخرجونه ووقته وجنسه، وأن يرغبهم في خطبة الأضحى في الأضحية، ويبين له ما يجزئ فيها، ووقت ذبحه، ويحثهم على الإطعام منها، لأن الأضحى وقت هذا النسك فشرع تبيينه.
أركان خطبتي العيدين: هي أركان خطبتي الجمعة.
-1- حمد الله تعالى.
-2- الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة.
-3- قراءة آية من كتاب الله تعالى، ويلزم أن يكون لهذه الآية معنى مستقل، أو أن تكون مشتملة على حكم من الأحكام فلا يكفي أن يقرأ قوله تعالى: (مدهامتان) .
-4- الوصية بتقوى الله تعالى وأقلها أن يقول: اتقوا الله واحذروا مخالفة أمره أو نحو ذلك.
-5- الموالاة بين الخطبتين وبين الصلاة وبينهما.
-6- الجهر بهما بحيث يسمع العدد المعتبر.
-7- كونهما بالعربية مع القدرة.
- ولا يسن لصلاة العيدين أذان ولا إقامة، لما روى عطاء قال: أخبرني جابر (أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج. ولا إقامة [ص:225] ولا نداء ... ) (1) ، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة) (2) .
__________
(1) مسلم: ج-2/ كتاب صلاة العيدين /5.
(2) مسلم: ج-2/ كتاب صلاة العيدين /7.

(1/224)


ما يسن يوم العيد:
-
1ً- أن يأكل في يوم الفطر قبل الصلاة وأن يمسك في يوم الأضحى حتى يصلي، لحديث
بريدة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) (1) .
-
2ً- أن يفطر على تمرات، وأن يكون عددها وتراً، لما روى أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) وفي لفظ: (يأكلهن وتراً) (2) .
-
3ً- الغسل لصلاة العيد أي لمن يريد حضورها، وأول وقته من الفجر ويستمر إلى صلاة العيد، وقال ابن عقيل: المنصوص عن الإمام أحمد أنه يصبح قبل الفجر.
-
4ً- التطيب والتنظف والسواك، لما روي عن ابن السباق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في يوم جمعة: (يا معشر المسلمين هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمسح منه وعليكم بالسواك) (3) فعلل ذلك بأنه يوم عيد، ولأن هذا يوم مشروع فيه الاجتماع للصلاة فأشبه الجمعة.
-
5ً- لبس أحسن الثياب، لما روي عن جابر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيد والجمعة) (4) ، إلا أن المعتكف يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثر العبادة. [ص:226]
-
6ً- يستحب أن يبكر إليها المأموم ماشياً مظهراً للتكبير، لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (من السُّنة أن تخرج إلى العيد ماشياً، وأن تأكل شيئاً قبل أن تخرج) (5) .
-
7ً- أن يغدو من طريق ويرجع من غيره، لحديث جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد، خالف الطريق) (6) .
-
8ً- أن لا يتنفل قبل الصلاة ولا يعدها في موضع الصلاة ولا في المسجد ولا في المصلّى إماماً كان أو مأموماً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فِطر فصلى ركعتين. لم يصل قبلها ولا بعدها) (7) . ولا بأس أن يصلي بعد رجوعه، لما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين) (8) .
-
9ً- يسن التكبير المطلق (وهو الذي لم يقيد بصلاة) في ليلتي العيدين للرجال والنساء (إلا أن النساء لا تجهر به) في البيوت والأسواق والمساجد وغير ذلك. والتكبير في ليلة عيد الفطر آكد بدليل قوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) (9) . وعن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق.
ويبدأ وقته من غروب شمس ليلة عيد الفطر ومن أول ذي الحجة في عيد الأضحى إلى فراغ الإمام من الخطبتين. [ص:227]
-
10ً- يسن التكبير المقيد (أي عقب الصلوات المفروضة) في عيد الأضحى، ويبدأ وقته من صلاة فجر يوم عرفة ويمتد إلى عصر آخر أيام التشريق لغير الحاج، أما الحاج المحرم فمن صلاة ظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق. والأدلة على ذلك أنه قيل لأحمد رضي الله عنه بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضوان الله عليهم، وما روي عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول: على مكانكم ويقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق) (10) .
صفة التكبير المشروع الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لما ورد في حديث جابر رضي الله عنه، ولأنه تكبير خارج الصلاة فكان شفعاً كتكبير الأذان.
موضعه عقب الصلوات المكتوبة أداءً وقضاءً لفائتة عام هذا العيد، ومن فاتته صلاة في أيام التكبير فقضاها في غير أيام التكبير لم يكبر، لأن التكبير مقيد بوقت.
ولا يشرع التكبير عقب النوافل، لأنه لا أذان لها فلا يكبر بعدها كصلاة الجنازة. وإن سُبق الرجل ببعض الفريضة كبّر إذا سلم.
شروط تكبير المقيد:
-
1ً- أن يصلي في جماعة، لأنه مخصوص بوقت محض في جماعة كالخطبة. والمسافر كالمقيم في التكبير والمرأة كالرجل. قال البخاري: (وكان النساء يكبرن [ص:228] خلف أبان بن عثمان، وعمر ن عبد العزيز، ليال التشريق ممع الرجال في المسجد) (11) ، ويخفض أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال.
-
2ً- أن يكبر المأموم مستقبلاً القبلة، أما الإمام فيس له أن يكبر مستقبلاً الناس.
-
3ً- أن يكون التكبير عقب الصلاة مباشرة وقبل أذكار الصلاة، فإن نسي التكبير استقبل القبلة وكبر ما لم يطل الفصل أو يخج من المسجد أو يحدث، ولو لم يكبر الإمام.
__________
(1) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 390/542
(2) البخاري: ج-1/ كتاب العيدين باب 4/910
(3) الموطأ (شرح الزرقاني) : كتاب الطهارة باب 17 /ص 46.
(4) البيهقي: ج-3 /ص 247.
(5) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 382/530.
(6) البخاري: ج-1/ كتاب العيدين باب 24/943.
(7) مسلم: ج-1/ كتاب العيدين باب 2/13.
(8) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 160/1293.
(9) البقرة: 185.
(10) الدارقطني: ج-2 /ص 50.
(11) البخاري: ج-1/ كتاب العيدين باب 12.

(1/225)


-4ً- صلاة الكسوف:
تعريف:
الكسوف ذهاب ضوء أحد النيِّريْن (الشمس والقمر) أو بعضهما. وقيل الكسوف للشمس والخسوف للقمر، وقيل الكسوف تغيرهما والخسوف تغيبهما.
حكمها: سنة مؤكدة للمقيم والمسافر.
دليلها: عن قيس قال: سمعت أبا مسعود يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموها قوموا فصلوا) (1) .
وقتها: يبدأ قتها من حين بدء الكسوف إلى حين التجلي، فإن فاتت لم تقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا، حتى يُكشف ما بكم) (2) . ولأن القصد عودة النور وقد عاد كاملاً. وإن انجلت وهو في الصلاة أتمها خفيفة، وإن سلم قبل انجلائها لم يصل أخرى. ويشتغل بالذكر والدعاء، وإن استترت بغيم صلى لأن القصد بقاء [ص:229] الكسوف، ويعتبر بحكم التجلي إن غابت كاسفة كانجلائها، لأنه ذهب وقت الانتفاع بنورها فلا يصلي. وكذلك القمر إن غاب ليلاً خاسفاً فلا يصلي (وقال القاضي: يصلي لأن وقت سلطانه باق) .
وإذا اجتمع الكسوف مع الجنازة بُدئ بالجنازة لأنه يخشى عليها، وإن اجتمع مع المكتوبة في آخر وقتها بُدئ المكتوبة لأنها آكد، أما إن كان في أول وقتها بُدئ بصلاة الكسوف لأنه يخشى فواتها، وإن اجتمع مع الوتر وخيف فواتها بدئ بالكسوف لأنه آكد.
أقلها: ركعان عاديتان كصلاة النفل، وتصلى فردى وجماعة.
وأقل الكمال: ركعتان، في كلٍ قيامان وركوعان وسجدتان، ويطيل القراءة والركوع والسجود، وتكون الإطالة في القيام الأول أكثر من الثاني، وفي الركوع الأول أكثر من الثاني. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبعث منادياً الصلاة جامعة. فاجتمعوا. وتقدَّم فكبر وصلّى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات) (3) . وحكم الركوع الثاني والقيام الثاني في كل ركعة سنة لذا من أدرك الإمام فيهما لا يعتبر مدركاً لهذه الركعة كما لا تبطل الصلاة بتركهما.
وإن صلى في كل ركعة ثلاثة ركوعات على نحو ما ذكرنا جاز، لما روت عائشة رضي الله عنها (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات) (4) ، وإن جعل في كل ركعة أربعة ركوعات جاز أيضاً، لأنه يروى كذلك عن علي وابن عباس رضوان الله عليهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. والمختار الوجه الأول لأنه أصح وأشهر.
__________
(1) البخاري: ج-1/ كتاب الكسوف باب 1/994.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب الكسوف باب 1/994.
(3) مسلم: ج-2/ كتاب الكسوف باب 1/4.
(4) مسلم: ج-1/ كتاب الكسوف باب 1/7.

(1/228)


سننها وكيفيتها:
-
1ً- يسن أن تصلى جماعة، وينادى لها الصلاة جامعة بلا أذان ولا إقامة. [ص:230]
-
2ً- أن تصلى في المسجد، لفعلها فيه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
-
3ً- أن يقرأ فيه الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (البقرة) أو نحوها، ثم يركع فيسبح نحواً من مائة آية، ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة سورة (آل عمران) أو نحوها، ثم يركع فيسبح نحواً من سبعين آية، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين يسبح فيهما نحواً من الركوع، ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة (النساء) ، ثم يركع ويسبح نحواً من خمسين آية، ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة سورة (المائدة) ، ثم يركع فيسبح نحواً من أربعين آية، ثم يرفع، ثم يسجد نحواً من ركوعه ويتشهد ويسلم وذلك ليقارب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة رضي الله عنه زوجه صلى الله عليه وسلم قالت: (خَسَفَت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد. فقام وكبَّر وصفّ الناس وراءه. فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة. ثم كبر فرفع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد. ثم قام فاقترأ قراءة طويلة. هي أدنى من القراءة الأولى. ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول. ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك. حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات. وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ... ) (1) .
-
4ً- يسن أن يجهر فيها بالقراءة ليلاً صلاها أو نهاراً. عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته) (2) .
-
5ً- يسن أن يخطب الإمام بعد صلاتها خطبتان. وقال القاضي: لم يذكر لها الإمام أحمد رضي الله عنه خطبة ولم يؤثر ذلك من أحد من أصحابنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصلاة دون الخطبة. [ص:231]
__________
(1) مسلم: ج-2/ كتاب الكسوف باب 1/3.
(2) مسلم: ج-2/ الكسوف باب 1/5.

(1/229)


الصلاة لغير الكسوف:
لا يُصلى لغير الكسوف من الآيات لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه، إلا أن الإمام أحمد رضي الله عنه قال: يصلي للزلزلة الدائمة ركعتين كركعتي الكسوف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفاً. وأما الرجفة فلا يصلي لوقوعها لأنها لا تبقى مدة تتسع للصلاة.
-
5ً- صلاة الاستسقاء:
تعريف:
الاستسقاء لغة: طلب السقيا من الله أو من الناس.
شرعاً: الدعاء بطلب العباد السقيا من الله تعالى عند حاجتهم إلى الماء كإجداب أرضٍ أو قحطِ مطرٍ أو غور ماء عيون أو أنهار أو وجود الماء مع عدم كفايته.
وقتها: هو وقت صلاة العيد.
ما يسن قبلها:
-
1ً- يسن للإمام أن يعظ الناس ويأمرهم بتقوى الله والخروج عن المظالم والتوبة عن المعاصي وتحليل بعضهم بعضاً والصوم والصدقة وترك التشاحن لن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات. قال الله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) (1) . [ص:232]
-
2ً- أن يعد الإمامُ يوماً يخرجون فيه (ولا يشترط أن يكون اليوم الرابع للصيام) ، ويأمرهم أن يخرجوا على الصفة التي خرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعين خشعاً متضرعين متذللين، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج للاستسقاء متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد) (2) .
-
3ً- يسن لحاضرها التنظيف وإزالة الرائحة الكريهة لئلا يؤذي الناس بها. ولا يسن لبس ثياب الزينة ولا التطيب لأن هذا ينافي الاستكانة والخضوع.
-
4ً- يسن أن يستصحب الإمام بالخروج أهل الدين والصلاح والشيوخ والصبيان لأنه أسرع للإجابة.
-
5ً- أن يستسقي الإمام بمن ظهر صلاحه، لأن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستسقى معاوية والضحاك رضي الله عنهما بيزيد بن أسود الجرشي، وروي أن معاوية رضي الله عنه أمر يزيد بن الأسود فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية رضي الله عنه: "اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا. اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ورفع الناس أيديهم، فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة في القرب كأنها ترس، وهب لها ريح، فسقوا حتى كاد الناس لا يبلغوا منازلهم".
- ولا يستحب إخراج البهائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجها، وكذلك لا يستحب إخراج الكفار ولكنه مباح، فإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون رزقهم، لكن يفردون عن المسلمين بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم. [ص:233]
__________
(1) الأعراف: 69.
(2) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 359/558.

(1/231)


كيفية الصلاة:
الاستسقاء على ثلاثة أضرب:
الأول: أن يصلي ركعتي كركعتي العيد وقت الضحى، وأن يستفتح الركعة الأولى بسبع تكبيرات والركعة الثانية بخمس تكبيرات كركعتي العيد تماماً. ويسن أن يقرأ فيهما بـ (سبح اسم ربك الأعلى) في الأولى و (هل أتاك حديث الغاشية) في الركعة الثانية، أو أن يقرأ آيات الاستغفار من سورة نوح في الركعة الأولى وما تيسر في الركعة الثانية. ثم يسن أن يخطب الإمام بعد الصلاة خطبة.
والثاني: أن يستسقي الإمام يوم الجمعة على المنبر، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعةٍ. من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب. فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادعُ الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه. ثم قال: اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا ... ) (1) .
والثالث: أن يدعو عقب الصلوات. ويستحب أن يقف حتى نزول أول المطر ويخرج ليصيبها البلل، لما روى أنس رضي الله عنه في حديثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته) (2) .
والسنة أن يخطب الإمام خطبة واحدة، ولكن اختلفت الروايات في وقت الخطبة هل تكون قبل الصلاة أو بعدها. قيل: أنه يخطب وقت الصلاة، لما روى عبّاد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي. فجعل إلى الناس ظهره. يدعو الله واستقبل القبلة وحوَّل رداءه. ثم صلى ركعتين) (3) . وعن الإمام أحمد: أنه مخير في الخطبة قبل [ص:234] الصلاة وبعدها لأن الوجهين مرويان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقبل عنه أيضاً: يخطب بعد الصلاة، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فصلى ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا فدعا الله، وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه) (4) وهذا صريح، ولأن صلاتها كصلاة العيد فخطبتها بعد الصلاة.
__________
(1) مسلم: ج-2/ كتاب صلاة الاستسقاء باب 2/8.
(2) البخاري: ج-1/ كتاب الاستسقاء باب 23/986.
(3) مسلم: ج-2/ الاستسقاء /4.
(4) البيهقي: ج-3 /ص 347.

(1/233)


سنن الخطبة:
-1- أن يستفتحها بتسع تكبيرات كخطبة العيد، ويكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار مثل قوله تعالى: (استغفرو ربكم إنه كان غفاراً) (1) ولقوله: (وأن استغفروا ربكم ثم توبو إليه) (2) .
-2- أن يكثر فيها من الدعاء والتضرع، ويدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يحظر لهم فحلٍ، فصعد المنبر فحمد الله ثم قال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً، طبقاً، مربعاً، غدقاً، عاجلاً غير رائث. ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا: قد أحيينا) (3) . وإذا شاء قال: "اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، وحياً (4) ربيعاً، وجداً (5) طبقاً (6) ، غدقاً (7) مغدقاً، مونقاً (8) ، هنيئاً، مريئاً، مَريعاً (9) ، مُرْبعاً (10) ، مرتعاً (11) ، [ص:235] سابلاً (12) ، مسبلاً (13) ، مجللاً، ديماُ، دروراً، نافعاً، غير ضار، عاجلاً غير رائث، اللهم تحي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر منها والباد، اللهم أنزل في أرضنا زينتها، وأنزل في أرضنا سكنها (14) ، اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهوراً، فأحي به بلدة ميتة، واسقه مما خلقت أنعاماً وأناسي كثيراً". أو يدعو بهذا الدعاء: "اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، مريئاً، غدقاً، مجللاً، طبقاُ، عاماً، سحاً، دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ملا نشوه إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من العذاب ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً".
-3- يسن أن يرفع يديه بالدعاء ظهورهما إلى السماء وبطونهما جهة الأرض، لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإن يرفع حتى يرى بياض إبطيه) (15) .
-4- يسن للإمام أن يستقبل القبلة أثناء الخطبة، ويدعو الله في استقباله سراً فيقول: "اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا"، ثم يحول رداءه فيجعل اليمين يساراً واليسار يميناً تفاؤلاً أن يحول الله الجدب خصباً، ولا يجعل أعلاه أسفله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله. روى عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة ثم حول رداءه) (16) . وفي رواية عند أبي داود: (وحول [ص:236] رداءه، فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله عز وجل) (17) .
-5- ويسن للمأمومين أن يؤمنوا على دعاء الإمام.
فإن سقوا قبل الصلاة صلّوا وشروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله، فإن كثر المطر بحيث يضرهم أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها استحب أن يدعو الإمام الله تعالى أن يخففه، لما ورد في حديث أنس رضي الله عنه قال: ( ... ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائماً، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السُّبُل، فادعُ الله يمسكها عنا، قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه. ثم قال: اللهم حولنا ولا علينا. اللهم على الآكام والظّراب، ويطون الأودية، ومنابت الشجر) (18) ثم يقول: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (19) . [ص:237]
__________
(1) نوح: 10.
(2) هود: 52.
(3) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 154/127.
(4) الحيا: الذي يحيي به الأرض.
(5) الجدا: المطر العام.
(6) الطبق: الذي يطبق الأرض.
(7) الغدق: الكثير.
(8) المونق: المعجب.
(9) المريع: ذو المراعة والخصب.
(10) المُربع: المقيم من قولك ربعت بالمكان إذا أقمت به.
(11) المرتع: من قولك رتعت الإبل إذا رعت.
(12) السابل: المطر.
(13) المسبل: الماطر.
(14) السكن: القوة لأن الأرض تسكن به.
(15) البخاري: ج-1/ كتاب الاستسقاء باب 21/984.
(16) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 259/1166.
(17) أبو داود: ج-1/ الصلاة باب 258/1163.
(18) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 2/8.
(19) البقرة: 286.

(1/234)


الفصل الرابع

(1/237)


النوافل ذات السبب
-
1ً- تحية المسجد: ودليلها ما روى أبو قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس) (1) . وسن صلاتها سواءً قصد الجلوس في المسجد أم لا باستثناء ما يلي:
-1- طيب دخل للخطبة.
-2- خادم المسجد.
-3- الداخل لصلاة عيد.
-4- من دخل ووجد الإمام يصلي المكتوبة فعليه الاقتداء فوراً.
-5- الداخل للمسجد الحرام، لأنَّ تحيته الطواف.
وتسقط صلاة تحية المسجد بالجلوس إن طال جلوسه عرفاً.
__________
(1) مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 11/69.

(1/237)


-2- صلاة الاستخارة: عن جابر رضي الله عنه، قال: - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: (إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم [ص:238] بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقْدُر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به. قال: ويسمي حاجته) (1) .
-
3ً- صلاة التوبة: عن علي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي بكر وصدق أبي بكر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله إلى آخر الآية) (2) .
-
4ً- صلاة الحاجة: عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له إلى الله حاجة، أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء، ثم ليصلِّ ركعتين، ثم ليُثْنِ على الله، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً إلى غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها، يا أرحم الراحمين (3) .
__________
(1) البخاري: ج-1/ التطوع باب 1/1109.
(2) الترمذي: ج-5/ كتاب التفسير باب 4/3006.
(3) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 348/479.

(1/237)


-5ً- صلاة التسابيح: لم يرَ الإمام أحمد استحباب صلاة التسابيح لكن إن صلاها المكلف فلا بأس.
-
6ً- سجود التلاوة:
دليل مشروعيته: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضاً موضعاً لمكان جبهته (1) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله [ص:239] صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار) (2) .
وقد أجمعت الأمة على أنه مشروع عند قراءة مواضع مخصوصة من القرآن.
حكمه:
-1- هو سنة للقارئ والمستمع (ولا يسن للسامع من غير قصد) .
-2- وهو واجب على المأموم إذا سجد إمامه في الصلاة الجهرية، (يكره للإمام أن يقرأ آية سجدة في الصلاة السرية وأن يسجد لها، وأن يسجد لها، وإذا سجد خُيِّر المأموم بين الإِتباع والترك) .
شروط السجود:
-
1ً- أن لا يطول الفصل عرفاً بينه وبين سببه، فإن كان القارئ أو المستمع محدثاً ولا يقدر على استعمال الماء تيمم وسجد، أما إذا كان قادراً على استعمال الماء فإن السجود يسقط عنه لأنه لو توضأ طال الفصل.
-
2ً- ويشترط فيه ما يشترط لصحة الصلاة من الطهارة واجتناب النجاسة واستقبال القبلة والنية غير ذلك.
-
3ً- ويشترط للمستمع إضافة إلى ذلك شرطان:
أ- أن يصلح القارئ لإمامه السامع ولو في صلاة نفل، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن غلاماً قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة، فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد فلما لم يسجد. قال: يا رسول الله أليس في هذه السجدة [ص:240] سجود؟ قال: بلى. ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا) (3) . لذا لا يسجد المستمع إذا سمع آية السجدة من إمرأة أو خنثى أو من غير آدمي كالآلة الحاكية والببغاء، ولكن يسن للمستمع أن يسجد إن كان القاريء أمياً أو مقعداً أو صبياً مميزاً لأنه يصح للإمامة في صلاة النافلة. ولا يسجد المستمع أمام القارئ ولا عن يساره إذا كان يمينه خالياً.
ب- أن يسجد القارئ فإن لم يسجد فلا يسن للمستمع أن يسجد للحديث المتقدم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه.
أركانه:
في الصلاة: سجدة والرفع منها.
وفي خارج الصلاة: تزاد التسليمة.
كيفيته:
في الصلاة وخارجها سجدة ما بين تكبيرتين. وإذا كانت السجدة آخر السورة وهو في الصلاة سجد ثم قام فقرأ شيئاً ثم ركع، وإن أحب قام فقرأ شيئاً ثم ركع، وإن أحب قام ثم ركع من غير قراءة، وللمكلف أن يومئ في السجود على الراحلة كصلاة السفر ويشترط له ما يشترط الناقلة.
واجباته:
-1- تكبيرتان: تكبير السجود وتكبير للرفع منه.
-2- التسبيح في السجود كتسبيحات سجود الصلاة.
مندوباته:
أن يدعو في السجود بما روته عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل: (سجد وجهي للذي خلقه وشقَّ [ص:241] سمعه وبصره بحوله وقوته) (4) . وروى الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة، فسجدتُ فسجدتِ الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجراً. وضَعْ عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود. قال ان عباس: فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد قال: فقال ابن عباس: فسمعته وهو يقول مثلما أخبره الرجل عن قول الشجرة) (5) . ومهما قال من ذلك فحسن.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 20/103.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب الإيمان باب 35/133.
(3) فتح الباري: 2/ كتاب 17 باب 8/1075، وروى البيهقي نحوه: 2 /ص 324.
(4) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 407/580.
(5) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 407/579.

(1/238)


ما يقوم مقام سجدة التلاوة:
يقوم مقامها أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أربع مرات.
مواضع السجدات في القرآن:
أربعة عشر: آخر الأعراف، في الرعد عند قوله تعالى: (بالغدو والأصال) ، النحل عند قوله تعالى: (ويفعلون ما يؤمرون) ، وفي سبحان الذي أسرى عند قوله تعالى: (يزيدهم خشوعاً) ، وفي مريم: (خروا سجداً وبكياً) ، وفي الحج: (يفعل ما يشاء) و (لعلكم تفلحون) ، الفرقان: (وزادهم نفوراً) ، النمل: (العرش العظيم) ، وفي الم تنزيل عند قوله: (وهم لا يستكبرون) ، وفي حم السجدة: (وهم لا يسأمون) ، وفي آخر النجم، وفي الانشقاق عند (لا يسجدون) ، وآخر أقرأ باسم ربك.
مكروهاته:
-1- يكره السجود في الأوقات التي تكره فيها النافلة. [ص:242]
-2- يكره اختصار السجود، وهو أن يجمع آيات السجدات فيقرأها في ركعة ويسجد لها، وقيل يكره أن يحذف أيات السجدات في قراءته لأنه محدث، وفيه إخلال بالترتيب.
-
7ً- سجود الشكر:
سببه: تجدد النعم أو اندفاع النقم.
حكمه: مستحب عند تجدد النعم، لما روى أبو بكر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه إذا جاءه أمر سرور، أو بشر به خرَّ ساجداً شاكراً لله) (1) .
وصفته وشروطه كصفة سجود التلاوة وشروطه. ولا يسجد للشكر في الصلاة لأنِّ سببه ليس منها، فإن فعل بطلت.
__________
(1) أبو داود: ج-3/ كتاب الجهاد باب 174/2774.

(1/241)


-8ًسجود السهو:
شرع سجود السهو جبراً للخلل الواقع في الصلاة.
حكمه: يختلف حكمه باختلاف سببه بالنسبة للإمام والمنفرد.
-
1ً- واجب:
أ- على الإمام والمنفرد: إذا كان لما يبطل عمده الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به، ولأنه شرع لجبر واجب فكان واجباً كواجبات الحج.
ب- على المأموم: إذا سجد إمامه على الإطلاق سواءً كان السجود واجباً أو سنة أو مباحاً.
-
2ً- سنة للإمام والمنفرد لزيارة ذكر مشروع في غير محله كالقراءة في الركوع مثلاً (وهذا عمده لا يبطل الصلاة) لحديث عبد الله رضي الله عنه، عن رسول [ص:243] الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما إنما أنا بشر مثلكم. أنسى كما تنسون. فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين. وهو جالس) (1) .
-
3ً- مباح لترك سنة قولية أو فعلية.
كيفيته:
هو سجدتان كسجدتي الصلاة مع توفر شروط الصحة، فإن كان السجود قبلياً كبَّر بعد فراغه من التشهد وسجد سجدتين ثم سلَّم، وإن كان بعدياً كبَّر للسجود والرفع منه وتشهَّد وسلَّم، لما روى عمران بن حصين رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين، ثم تشهَّد، ثمَّ سلَّم) (2) .
موضعه:
-
1ً- بعد التشهد وقبل السلام: في حال كون السجود واجباً، فمن تركه عمداً بطلت صلاته لأنَّه ترك واجباً فيها عمداً. وكذلك في حال كون السجود مسنوناً، كمن قرأ في الركوع، أو مباحاً كمن اقتصر على مرة في التسبيح.
-
2ً- بعد السلام:
أ- إن ترك السجود الواجب قبل السلام سهواً، لأنه فاته واجب فيقضيه. هذا إن كان تذكره قبل طول الفصل وإن كان تكلم، أما إن طال الفصل أو خرج من المسجد فيسقط عنه السجود، وعن الإمام أحمد أنَّه يعيد الصلاة.
ب- إذا سلم من نقصان في صلاته لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيتَ يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين. فقال: الناس: نعم. [ص:244] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين، ثم سلَّم، ثم كبَّر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع) (3) .
فمن ترك السجود المشروع بعد السلام عمداً أو سهواً لم تبطل صلاته، لأنه ترك واجباً ليس منها فلم تبطل بتركه.
__________
(1) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 19/94.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 202/1039.
(3) البخاري: ج-1/ السهو باب 4/1170.

(1/242)


تعداده:
جود السهو لا يتعدد وإنما أُخر لآخر الصلاة ليجع السهو كله، للحديث المتقدم: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) . وإن كان أحد السجودين قبل السلام والآخر بعده يجزئه سجود واحد، ويسجد قبل السلام لأنه أسبق وآكد.
أسبابه:
تنحصر أسبابه في ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الزيادة في الصلاة. والزيادة فيها إما أن تكون زيادة في الأقوال أو زيادة في الأفعال.
القسم الثاني: النقص في الصلاة:
والنقص فيها إما أن يكون:
-1- ترك ركن.
-2- ترك واجب.
-3- ترك سنة. [ص:245]
القسم الثالث: الشك في الصلاة:
والشك فيها إما:
-1- في عدد الركعات.
-2- في ترك ركن من أركانها.
-3- فيما يوجب سجود السهو.
وتفصيل ذلك كما يلي:
القسم الأول: الزيادة في الصلاة:
أولاً: الزيادة في الأقوال:
أ- زيادة ذكر مشروع في غير محله كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس والتشهد في القيام، والصلاة على النبي في التشهد الأول، فهذا لا يبطل الصلاة ولا يجب له سجود سهو لأن عمده غير مبطل، إنما يسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا نسي أحد فليسجد سجدتين) .
ب- التسليم في الصلاة قبل إتمامها:
-1- فإذا كان عمداً بطلت الصلاة لأنه تكلم فيها والكلام مبطل للصلاة.
-2- وإن كان سهواً:
(
1ً) - طال الفصل: بطلت أيضاً لتعذر بناء الباقي عليها.
(
2ً) - قصر الفصل: أتم صلاته وسجد بعد السلام، والدليل على ذلك ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي (1) ، إما الظهر وإما العصر. فسلم في ركعتين. ثم أتى جِذْعَاً في قبلة المسجد فاستند إليها مُغْضَباً. وفي القوم أبو بكر وعمر. فهابا أن يتكلما. وخرج سرعان الناس. قُصِرَت الصلاة. فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقُصِرَت الصلاة أم [ص:246] نسيتَ؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يميناً وشمالاً. فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق لم صلي إلا ركعتين فصلى ركعتين وسلَّم. ثم كبَّر ثم سجد. ثم كبَّر فرفع ثم كبَّر وسجد ثم كبَّر ورفع فإن كان قيامه. قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلَّم) (2) .
(
3ً) - وأما إن انتقض وضوءه أو دخل في صلاة أخرى أو تكلم في غير شأن الصلاة كقوله اسقني ماءً فسدت صلاته، لحديث: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس..) (3) .
جـ - الكلام في صلب الصلاة:
-1- يبطل الصلاة:
(
1ً) - إن تكلم عمداً بحرفين فصاعداً، لما روى زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: وقوموا لله قانتين. أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) (4) . أما إن كان ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ففيه روايتان: الأولى: يبطلها لأنه من غير جنس الصلاة فأشبه العمل الكثير، والثانية: لا يبطلها.
(
2ً) - أن شمت عاطساً أو رد سلاماً أو سلم على إنسان لأنَّه من كلام الآدميين.
(
3ً) - القهقهة تبطل الصلاة لكن لكن لا تنقض الوضوء، لحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الضحك ينقض الصلا ولا ينقض الوضوء) (5) .
-2- لا يبطل الصلاة:
(
1ً) - إن غلبه البكاء فنشج بما انتظم حروفاً - لا تبطل صلاته، لأن عمر رضي الله عنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف. [ص:247]
(
2ً) - إن أخطأ في القراءة وأتى بكلمة من غيرها لا تبطل صلاته، لأنه لا يمكن التحرز منه.
(
3ً) - وإن نام يسيراً فتكلم لا تفسد صلاته لأنه عن غلبة.
__________
(1) العشيّ: قال الأزهري: العشي عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها.
(2) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 19/97.
(3) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 7/33.
(4) مسلم: ج-1/ المساجد باب 7/35.
(5) الدارقطني: ج-1 /173.

(1/244)


ثانياً: الزيادة في الأفعال:
أ- الزيادة من جنس الصلاة.
ب- الزيادة من غير جنس الصلاة.
جـ- الأكل والشرب.
أ- الزيادة من نس الصلاة: كزيادة ركعة أو ركوع أو سجود:
-
1ً- عمداً: يبطل الصلاة.
-
2ً- سهواً: لا يبطل الصلاة ويسجد للسهو قبل السلام، لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً. فلما انفتل توشوش القوم بينهم قال: ما شأنكم؟ قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة؟ قال: لا. قالوا: فإنك قد صليت خمساً. فانفتل ثم سجد سجدتين. ثم سلَّم، ثم قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون. وزاد ابن نُمير في حديثه: فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) (1) . وفي رواية أخرى عن عبد الله: (إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين) (2) . وهناك حالتان:
-1 - إذا قام إلى الركعة الزائدة فلم يذكر حتى سلم سجد للحال، إن ذكر قبل السلام سجد ثم سلَّم.
-2 - وإذا ذكر في الركعة جلس على أي حال كان، فإن كان قيامه فليجلس قبل [ص:248] التشهد تشهَّد ثم سجد ثم سلَّم، وإن كان بعده سجد ثم سلَّم، وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد وسلم.
واجب المصلين تجاه سهو الإمام في الزيادة:
إذا سها الإمام فزاد أو نقص فعلى المأمومين تنبيهه، لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال ابراهيم: زاد أو نقص - فلما سلَّم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا. قال: فثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلَّم. ثم أقبل علينا بوجهه فقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به. ولكن إنما أنا بشر أنس كما تنسون. فإذا نسيت فذكروني. وإذا شكَّ أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب. فليُتم عليه. ثم ليسجد سجدتين) (3) ولما في حديث سهل بن سعد الساعدي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ مننابه شيء في صلاته فليسبح. فإنه إذا سبَّح التفتُّ إليه. وإنما التصفيح للنساء) (4) . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) (5) . وإذا سبَّح له اثنان لزمه الرجوع إليهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأمر بتذكيره ليرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمداً، وليس للمأمومين اتباعه لبطلان صلاته، فإن اتبعوه بطلت صلاتهم، إلا أن يكونوا جاهلين فلا تبطل، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة، وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم. أما إن سبح له واحد فلا يرجع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع لقول ذي اليدين وحده.
وإن نسي الإمام التشهد الأول فسبحوا بعد انتصابه قائماً فلا يرجع ويتابعونه في القيام، وإن رجع قبل شروعه في القراءة لم يتابعوه لأنه خطأ. أما إن سبحوا قيل [ص:249] قيامه لزمه الرجوع، فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه لأنه ترك واجباً تعين عليهم فلا يجوز لهم اتباعه في تركه. وإن ذكر التشهد قبل انتصابه فرجع إليه بعد قيام المأمومين وشروعهم في القراءة لزمهم الرجوع لأنه رجع إلى واجب فلزمهم متابعته ولا عبرة بما فعلوه قبله.
__________
(1) مسلم: ج-1 كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 19/92.
(2) مسلم: ج-1 كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 19/96.
(3) مسلم: ج-1/ المساجد باب 19/89.
(4) مسلم: ج-1/ الصلاة باب 22/102.
(5) مسلم: ج-1/ الصلاة باب 22/106.

(1/247)


ب- الزيادة من غير جنس الصلاة: كالمشي والحك سواءً كان عمداً أو سهواً مبطل للصلاة إجماعاً إن كثر متوالياً ولا يشرع له السجود. أما إن قلَّ فلا يبطلها، لما روى أبو قتادة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها وإذا جلس وضعها) (1) وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد يصلي والباب عليه مغلق، فجئت فاستفتحتُ. قال أحمد: فمشى ففتح لي، ثم رجع إلى مصلاه - وذكر أن الباب كان في القبلة) (2) . والفعل اليسير ما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه، والفعل الكثير ما زاد على ذلك مما يُعد كثيراً في العرف فيبطل الصلاة إلا إن فعله متفرقاً.
__________
(1) مسلم: ج-1 /كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 9/41.
(2) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 169/922.

(1/249)


جـ- الأكل والشرب:
-
1ً- عمداً يبطل الصلاة، أما سهواً أو جهلاً فلا يبطلها إن كان الأكل والشرب يسيرين، ومن ترك في فمه طعاماً يذوب كالسكر فابتلع ما يذوب منه فهو أكل يبطل الصلاة.
-
2ً- إن بقي في فم المصلي أو بين أسنانه يسير من بقايا الطعام وجرى به الريق وابتلعه المصلي فلا تبطل صلاته لأنه يمكن الترحز منه.
-
3ً- وإن ترك في فمه لقمة علكة لم يبتلعها فلا تبطل الصلاة ولكن تكره لزوال الخشوع، وإن لاكها فهو كالعمل إن كثر أبطل وإلا فلا تبطل. [ص:250]
القسم الثاني: النقص في الصلاة: إما أن يكون ترك ركن أو ترك واجب أو ترك سنة.
أولاً- ترك ركن: كركوع أو سجود.
-
1ً- عمداً: يبطل الصلاة.
-
2ً- سهواً:
أ- إن لم يتذكر المصلي ترك ركن إلا بعد السلام وطال الفصل بطلت الصلاة لتعذر البناء مع طول الفصل، وإن قصر الفصل أتى بركعة كاملة وسجد للسهو.
ب- إن تذكر الركن المتروك قبل شروعه في قراءة الركعة الثانية عاد وأتى بما تركه ثم بنى على صلاته وسجد للسهو، فإن لم يعد إلى فعل ما تركه فسدت صلاته لأنه ترك الواجب عمداً إلا أن كان جاهلاً فلا تبطل صلاته.
جـ- إن تذكر الركن المتروك بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى بطلت الركعة التي ترك ركنها وحدها وجعل الأخرى مكانها وأتم صلاته وسجد قبل السلام.
ثانياً: ترك الواجب:
-
1ً- عمداً يبطل الصلاة.
-
2ً- سهواً: يسجد للسهو قبل السلام، لما روى عبد الله ابن بحينة قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات ثم قال فلم يجلس. فقام الناس معه فلما قضى الصلاة ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلَّم) (1) ، ويقاس عليه سائر الواجبات. إن ذكر التشهد قبل انتصابه قائماً رجع فأتى به، أما إن ذكره بعد انتصابه قائماً وبعد شروعه في القراءة فلا يرجع [ص:251] إليه لأنه تلبس بركن مقصود فلا يرجع إلى واجب، لحديث المغيرة بن شعبر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام الإمام في الركعتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فلا يجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو) (2) ، وإن رجع بعد أن استوى قائماً وقيل شروعه بالقراءة كره ذلك ولم تفسد صلاته. ولا يرجع إلى غير التشهد من الواجبات لأنه لو رجع للركوع لأجل تسبيحه لزاد ركوعاً في صلاته وأتى بالتسبيح في ركوع غير مشروع.
ثالثاً: ترك السنة:
لا تبطل الصلاة بترك السنة عمداً أو سهواً ولا سجود عليه لأنه شرع للجبر فإذا لم يكن الأصل واجباً فجبره أولى (أي جبره بسجود السهو أولى أن لا يكون واجباً) . ولكنه يباح سواء كان المتروك سنة قولية أو فعلية على المعتمد من المذهب، لقوله عليه السلام: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) .
القسم الثالث: الشك في الصلاة: والشك فيها إما أن يكون في عدد الركعات، أو في ترك ركن من أركانها، أو فيما يوجب سجود السهو.
أولاً: الشك في عدد الركعات: إذا شكَّ المصلي في عدد الركعات هل صلَّى ركعتين أو ثلاثاً بنى على اليقين وهو اثنتين، سواء كان إماماً أو منفرداً، وأتى بما بقي وسجد قبل السلام، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلَّى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبين على ما استيقن. ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً، شفعن له صلاته. وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان) (3) .
ثانياً: الشك في ترك ركن من أركان الصلاة: حكمه حكم تركه لأنَّ الأصل عدمه.
ثالثاً: الشك فيما يوجب سجود السهو: من زيادة أو ترك واجب كتسبيح الركوع فهذا لا يوجب سجود السهو، إلا إذا شكَّ في الزيادة وقت فعله لأنه شك في سبب وجود السجود والأصل عدمه، فإن شكَّ في أثناء الركعة الأخيرة أهي رابعة أم خامسة سجد لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها وذلك بضضعف النية. وإنما يؤثر الشك إذا وجد في الصلاة، فإن شكَّ بعد السلام لم يلتفت إليه لأن الظاهر الإتيان بها على الوجه المشروع. وهكذا الشك في سائر العبادات بعد فراغه منها.
سجود المؤتم:
ليس على امؤتم سجود سهو وإنما يسجد مع إمامه إذا سها، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على من خلف الإمام سهو فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه سهو وإن سها من خلف الإمام فليس عليه سهو والإمام كافيه) (4) ، ولأن المأموم تابع للإمامه فيلزمه متابعة في السجود وتركه.
ويسجد المسبوق معع إمامه، فإن كان السجود بعد السلام فلا يقوم المسبوق حتى يشهده معه (وعن الإمام أحمد لا سجود عليه هنا والقول الأول هو المعتمد في المذهب) ، وإذا كان المؤتم قد قام لإتمام صلاته، ولم يعلم أن الإمام عليه سجود سهو، وسجد الإمام، رجع فسجد معه، إن لم يكن قد استتم قائماً، وإن كان استتم قائماً مضى ثم سجد في آخر صلاته قبل سلامه لأنه قام عن واجب فأشبه تارك التشهد الأول. أمَّا إن سجد مع الإمام ففيه روايتان: إحداهما: يعيد السجود لأنَّ محله آخر الصلاة، وإنما سجد مع إمامه تبعاً فلم يسقط المشروع في محله كالتشهد. والثانية: لا يعيد السجود لأنه قد سجد وانجبرت صلاته. [ص:253]
ولو ترك الإمام السجود لسهو نفسه، أو كان لا يسجد لاختلاف المذهب ففي سجود المؤتم روايتان: إحداهما: يسجد لأنَّ صلاته نقصت بسهو إمامه ولم يجبرها فلزمه جبرها وهو المذهب، والثاني: لا يسجد لأنه إنما يسجد تبعاً فإذا لم يوجد المتبوع لم يجب التبع. [ص:254]
__________
(1) مسلم: ج-1 /كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 19/85.
(2) أبو داود: ج-1 /كتاب الصلاة باب 201/1036.
(3) مسلم: ج-1 /كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 19/88.
(4) الدارقطني: ج-1/ ص 377.

(1/249)