كشاف القناع عن متن الإقناع

 [بَابٌ الرِّبَا وَالصَّرْفُ وَتَحْرِيمُ الْحِيَلِ]
(الرِّبَا) مَقْصُورٌ، يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ وَهُوَ لُغَةً، الزِّيَادَةُ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [فصلت: 39] (1) " أَيْ عَلَتْ وَارْتَفَعَتْ وَقَالَ تَعَالَى {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] أَيْ أَكْثَرَ عَدَدًا وَهُوَ (مُحَرَّمُ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] (3) (وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ) لِعَدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ فِي السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ إبَاحَةُ رَبَا الْفَضْلِ لِحَدِيثِ «لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهُ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسَيْنِ.
(وَهُوَ) شَرْعًا (تَفَاضُلٌ فِي أَشْيَاءَ) كَمَكِيلٍ بِجِنْسِهِ، أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ (وَنَسْءٌ فِي أَشْيَاءَ) كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ (مُخْتَصٌّ بِأَشْيَاءَ) وَهُوَ الْمَكِيلَاتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا، أَيْ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا (وَهُوَ) أَيْ الرِّبَا (نَوْعَانِ) .
أَحَدُهُمَا (رِبَا الْفَضْلِ وَ) الثَّانِي (رِبَا النَّسِيئَةِ فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ) أَيْ الزِّيَادَةِ (فَيَحْرُمُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ) بِيعَ بِجِنْسِهِ.
(وَ) فِي كُلِّ (مَوْزُونٍ بِيعَ بِجِنْسِهِ) لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بَيْدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا نَحْوُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ.
وَالْأَشْهَرُ عَنْ إمَامِنَا وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ، كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ وَفِي الْأَعْيَانِ الْبَاقِيَةِ: كَوْنُهَا مَكِيلَاتِ جِنْسٍ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ (وَلَوْ)

(3/251)


كَانَ (يَسِيرًا لَا يَتَأَتَّى كَيْلُهُ، كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ، أَوْ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ.
(وَلَا) يَتَأَتَّى (وَزْنُهُ، كَمَا دُونَ الْأُرْزَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَنَحْوِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ (مَطْعُومًا كَانَ) الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ (أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ) كَالْحُبُوبِ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَدُخْنٍ وَأُرْزٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَّا وَغَيْرِهِمَا كَحَبِّ الْفُجْلِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَكَالْأُشْنَانِ وَالنُّورَةِ وَكَالْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ (فَتَكُونُ الْعِلَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ: كَوْنَهُمَا مُوزِنَيْ جِنْسٍ) فَتَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَوْزُونَيْ جِنْسٍ مِمَّا تَقَدَّمَ.
(وَيَجُوزُ إسْلَامُهُمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (فِي الْمَوْزُونِ مِنْ غَيْرِهِمَا) كَالْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَّانِ وَنَحْوِهَا لِلْحَاجَةِ قَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ الْمَنْعُ، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمَشَقَّةِ (سِوَى مَاءٍ فَإِنَّهُ لَا رِبًا فِيهِ بِحَالٍ وَلَوْ قِيلَ هُوَ مَكِيلٌ لِعَدَمِ تَمَوُّلِهِ عَادَةً) لِإِبَاحَتِهِ فِي الْأَصْلِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ هِيَ الْمَالِيَّةَ.

(وَلَا يَجْرِي) الرِّبَا (فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، كَالْمَعْدُودَاتِ مِنْ التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ وَنَحْوِهَا) فَيَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةٍ وَخِيَارَةٍ وَبِطِّيخَةٍ بِمِثْلِهَا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا، لَكِنْ نَقَلَ مُهَنَّا أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَقَالَ لَا يَصْلُحُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ.

(وَلَا) يَجْرِي الرِّبَا أَيْضًا (فِيمَا لَا يُوزَنُ) عُرْفًا (لِصِنَاعَتِهِ) وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَزْنَ، غَيْرَ الْمَعْمُولِ مِنْ النَّقْدَيْنِ، (كَالْمَعْمُولِ مِنْ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ) ، كَالْخَوَاتِمِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ.
(وَ) كَ (اللُّجُمِ وَالْأَسْطَالِ وَالْإِبَرِ وَالسَّكَاكِينِ وَالثِّيَابِ وَالْأَكْسِيَةِ مِنْ حَرِيرٍ وَقُطْنٍ وَغَيْرِهِمَا) كَصُوفٍ وَشَعْرٍ وَوَبَرٍ (فَيَجُوزُ بَيْعُ سِكِّينٍ بِسِكِّينَتَيْنِ وَ) بَيْعُ (إبْرَةٍ بِإِبْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِ وَكَذَا) يَجُوزُ بَيْعُ (فَلْسٍ بِفَلْسَيْنِ عَدَدًا، وَلَوْ نَافِقَةً) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ " لَا بَأْسَ بِالْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ يَدًا بِيَدِ " وَأَخْرَجَ عَنْ حَمَّادٍ مِثْلَهُ وَنَصَّ أَحْمَدُ: لَا يُبَاعُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ، وَلَا سِكِّينٌ بِسِكِّينَتَيْنِ.

(وَجَيِّدُ الرِّبَوِيِّ وَرَدِيئُهُ) سَوَاءٌ (وَتِبْرُهُ وَمَضْرُوبُهُ) سَوَاءٌ (وَصَحِيحُهُ وَمَكْسُورُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مُتَمَاثِلًا) يَدًا بِيَدٍ (وَتَحْرِيمُهُ مُتَفَاضِلًا) أَوْ مَعَ تَأْخِيرِ الْقَبْضِ سَوَاءٌ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقِيمَةِ، بَلْ فِي مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَصْنُوعٍ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ لَمْ تَخْرُجْ الصِّنَاعَةُ عَنْ الْوَزْنِ بِجِنْسِهِ (إلَّا بِمِثْلِهِ وَزْنًا) سَوَاءٌ مَاثَلَهُ فِي الصِّنَاعَةِ أَوْ لَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(وَجَوَّزَ الشَّيْخُ بَيْعَ مَصْنُوعٍ مُبَاحِ) الِاسْتِعْمَالِ

(3/252)


(كَخَاتَمٍ وَنَحْوِهِ بِيعَ بِجِنْسِهِ بِقِيمَتِهِ حَالًّا، جَعْلًا لِلزَّائِدِ) عَنْ وَزْنِ الْخَاتَمِ (فِي مُقَابَلَةِ الصَّنْعَةِ) فَهُوَ كَالْأُجْرَةِ.
(وَكَذَا جَوَّزَهُ) أَيْ بَيْعَ خَاتَمٍ بِجِنْسِهِ بِقِيمَتِهِ (نَسَاءً مَا لَمْ يَقْصِدْ كَوْنَهَا ثَمَنًا) فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلنَّسَإِ وَقَالَ الشَّيْخُ (وَمَا خَرَجَ عَنْ الْقُوتِ بِالصَّنْعَةِ كَنَسَإٍ) كَكَلَإٍ (فَلَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْقُوتِ (فَجِنْسٌ بِنَفْسِهِ فَيُبَاحُ خُبْزٌ بِهَرِيسَةٍ) عَلَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ وَالْمَذْهَبُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ.
(وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَإِنْ قَالَ لِلصَّائِغِ: صُغْ لِي خَاتَمًا وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَأُعْطِيكَ مِثْلَ زِنَتِهِ، وَأُجْرَتُكَ دِرْهَمَانِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلصَّائِغِ أَخْذُ الدِّرْهَمَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ فِضَّةِ الْخَاتَمِ، وَالْآخَرُ أُجْرَةٌ لَهُ) ، فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى.

(وَجَهْلُ التَّسَاوِي حَالَةَ الْعَقْدِ) عَلَى مَكِيلٍ بِجِنْسِهِ أَوْ عَلَى مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ (كَعِلْمِ التَّفَاضُلِ) فِي مَنْعِ الصِّحَّةِ إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ (فَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ الرِّبَوِيِّ (بِبَعْضٍ) مِنْ جِنْسِهِ (جِزَافًا) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ كَانَ) الْجُزَافُ (مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ) كَمُدِّ بُرٍّ جِزَافًا (حَرُمَ) الْبَيْعُ (وَلَمْ يَصِحَّ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي (كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ) مُكَايَلَةً صَاعٌ بِصَاعٍ (وَهُمَا) أَيْ الصُّبْرَتَانِ (مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (يَجْهَلَانِ كَيْلَهُمَا) أَيْ كَيْلَ الصُّبْرَتَيْنِ وَهَذَا مِثَالٌ لِلْأُولَى (أَوْ) يَجْهَلَانِ (كَيْلَ إحْدَاهُمَا) أَيْ إحْدَى الصُّبْرَتَيْنِ، وَيَعْلَمَانِ كَيْلَ الْأُخْرَى وَهَذَا مِثَالُ الثَّانِيَةِ.
(وَإِنْ عَلِمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (كَيْلَهُمَا) أَيْ كَيْلَ الصُّبْرَتَيْنِ (وَ) عَلِمَا (تَسَاوِيَهُمَا) فِي الْكَيْلِ (صَحَّ) الْبَيْعُ لِلْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي.
(وَإِنْ قَالَ) الْبَائِعُ (بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ الصُّبْرَةِ مُكَايَلَةً صَاعًا بِصَاعٍ أَوْ) قَالَ (مِثْلًا بِمِثْلٍ فَكِيلَتَا، فَبَانَ تَسَاوِيهِمَا) فِي الْكَيْلِ (صَحَّ) الْبَيْعُ.
(وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا بِأَنْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بَطَلَ الْبَيْعُ، لِلتَّفَاضُلِ (وَإِنْ كَانَتَا) أَيْ الصُّبْرَتَانِ (مِنْ جِنْسَيْنِ) كَمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا شَعِيرًا وَالْأُخْرَى بَاقِلَّا (فَقَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِهَذِهِ) الصُّبْرَةِ (مِثْلًا بِمِثْلٍ فَكِيلَتَا فَكَانَتَا سَوَاءً صَحَّ الْبَيْعُ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِنْ تَفَاضَلَتَا) أَيْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (فَرَضِيَ صَاحِبُ الزِّيَادَةِ بِدَفْعِهَا إلَى الْآخِرِ مَجَّانًا، أَوْ رَضِيَ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِهَا مَعَ نَقْصِهَا، أَقَرَّا الْعَقْدَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَجَازَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَالْجِنْسُ مُخْتَلِفٌ فَلَمْ يَضُرَّ التَّفَاضُلُ (وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ) الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.

(وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ) كَالْحُبُوبِ وَالْمَائِعَاتِ (بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا وَلَا) يُبَاعُ (مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ) بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ

(3/253)


(كَيْلًا إلَّا إذَا عُلِمَ تَسَاوِيهِمَا فِي مِعْيَارِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (الشَّرْعِيِّ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «الْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدَّيْنِ بِمُدَّيْنِ، فَمَنْ زَادَ أَوْ أَزْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» فَاعْتَبَرَ الشَّارِعُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَوْزُونَاتِ بِالْوَزْنِ وَفِي الْمَكِيلَاتِ بِالْكَيْلِ فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ الْمَشْرُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ، إذْ الْمُسَاوَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ: هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي مِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ.

(فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَجِزَافًا مُتَفَاضِلًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» (كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَ) كَ (تَمْرٍ بِزَبِيبٍ وَ) كَ (حِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ وَ) كَ (أُشْنَانٍ بِمِلْحٍ وَ) كَ (جِصٍّ بِنَوْرَةٍ وَنَحْوِهِ) كَحَدِيدٍ بِنُحَاسٍ، وَخَزٍّ بِكَتَّانٍ.
(وَالْجِنْسُ: مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا) أَيْ الْجِنْسُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْوَاعِهَا (وَالنَّوْعُ: هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْخَاصِهَا) وَقَدْ يَكُونُ النَّوْعُ جِنْسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَحْتَهُ وَالْجِنْسُ نَوْعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ وَالْمُرَادُ هُنَا: الْجِنْسُ الْأَخَصُّ وَالنَّوْعُ الْأَخَصُّ فَكُلُّ نَوْعَيْنِ اجْتَمَعَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ فَهُوَ جِنْسٌ ثُمَّ مَثَّلَهُ فَقَالَ (كَذَهَبٍ) وَأَنْوَاعِهِ الْمَغْرِبِيِّ وَالدَّكْرُورِيِّ.
(وَفِضَّةٍ) وَأَنْوَاعُهَا: الرِّيَالُ وَالْبَنَادِقَةُ وَنَحْوُهَا (وَبَزٍّ) وَأَنْوَاعُهُ: الْبُحَيْرِيُّ وَالصَّعِيدِيُّ (وَشَعِيرٍ) كَذَلِكَ (وَتَمْرٍ) وَأَنْوَاعِهِ: الْبَرْنِيِّ وَالْمَقْلِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ وَغَيْرِهَا (وَمِلْحٍ) وَأَنْوَاعِهِ الْمَنْزَلَاوِيِّ وَالدِّمْيَاطِيِّ.
(فَكُلُّ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرُ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهُمَا، كَدُهْنِ وَرْدٍ وَ) دُهْنِ (بَنَفْسَجٍ) ، وَدُهْنِ (زَنْبَقٍ، وَ) دُهْنِ (يَاسَمِينٍ) وَنَحْوِهَا كَدُهْنِ بَانٍ (إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ دُهْنٍ وَاحِدٍ) كَالشَّيْرَجِ فَهِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ أَصْلِهَا وَإِنَّمَا طُيِّبَتْ بِهَذِهِ الرَّيَاحِينِ فَنُسِبَتْ إلَيْهَا فَلَمْ تَصِرْ أَجْنَاسًا (وَقَدْ يَكُونُ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنْسَيْنِ، كَالتَّمْرِ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّوَى وَغَيْرِهِ وَهُمَا) أَيْ النَّوَى وَمَا عَلَيْهِ (جِنْسَانِ) بَعْدَ النَّزْعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا.
(وَ) كَ (اللَّبَنِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَخِيضِ وَعَلَى الزُّبْدِ، وَهُمَا) أَيْ الْمَخِيضِ وَالزُّبْدِ (جِنْسَانِ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَمَا دَامَا) أَيْ التَّمْرُ وَالنَّوَى أَوْ الْمَخِيضُ وَالزُّبْدُ (مُتَّصِلَيْنِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ) لِاتِّحَادِ الِاسْمِ

(3/254)


(وَإِذَا مُيِّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ صَارَا جِنْسَيْنِ) وَلَوْ خُلِطَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ، كَأَدِقَّةٍ وَأَخْبَازٍ وَأَدْهَانٍ وَخُلُولٍ) لِأَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ أَصْلَهُ فَلَمَّا كَانَتْ أُصُولُ هَذِهِ أَجْنَاسًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ أَجْنَاسًا إلْحَاقًا لِلْفُرُوعِ بِأُصُولِهَا فَعَلَى هَذَا دَقِيقُ الْحِنْطَةِ جِنْسٌ وَخُبْزُهَا جِنْسٌ وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ جِنْسٌ وَخُبْزُهُ جِنْسٌ وَدُهُنُ السِّمْسِمِ جِنْسٌ وَدُهُنُ الزَّيْتُونِ جِنْسٌ وَخَلُّ التَّمْرِ جِنْسٌ وَخَلُّ الْعِنَبِ جِنْسٌ وَهَكَذَا فَعَسَلُ النَّحْلِ، وَعَسَلُ الْقَصَبِ: جِنْسَانِ (وَاللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ) لِأَنَّهَا فُرُوعٌ، هِيَ أُصُولُ أَجْنَاسٍ، فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَالْأَخْبَازِ.
(وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ) أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ (فَضَأْنٌ وَمَعِزٌ نَوْعَا جِنْسٍ) لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَا الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَخَاتِيُّ وَالْعِرَابُ (وَسَمِينُ ظَهْرٍ وَ) سَمِينُ (جَنْبٍ، وَلَحْمٌ أَحْمَرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ) يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ اللَّحْمِ.
(وَالشَّحْمِ، وَالْأَلْيَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ، يُقَالُ: هُوَ لِكُلِّ ذِي كَرِشٍ إلَّا الْفَرَسَ فَلَا طِحَالَ لَهُ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (وَالرِّئَةُ وَالرُّءُوسُ وَالْأَكَارِعُ وَالدِّمَاغُ وَالْكَرِشُ وَالْمِعَى وَالْقَلْبُ وَالْجُلُودُ وَالْأَصْوَافُ وَالْعِظَامُ وَنَحْوُهَا أَجْنَاسٌ) لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (فَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ أَجْنَاسِهَا) وَلَوْ شَحْمًا بِلَحْمٍ، لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَالنَّقْدَيْنِ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعُ جِنْسٍ مِنْهَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) لِمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ رَأْسِ الضَّأْنِ بِرِطْلَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْبَقَرِ كَاللَّحْمِ.

(وَ) يَحْرُمُ (بَيْعُ خَلِّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ وَلَوْ مُتَمَاثِلًا) لِانْفِرَادِ خَلِّ الزَّبِيبِ بِالْمَاءِ (وَيَجُوزُ بَيْعِ دِبْسٍ بِ) دِبْسٍ (مِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا) لَا مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ.

(وَيَصِحُّ بَيْعُ لَحْمٍ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ إذَا نُزِعَ عَظْمُهُ) ، وَتَسَاوَيَا وَزْنًا يَدًا بِيَدٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ جَازَ التَّفَاضُلُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ) لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ وَلِأَنَّهُ مَالٌ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِمَا فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ جَهَالَةِ الْمِقْدَارِ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ (وَيَصِحُّ) بَيْعُ لَحْمٍ (بِ) حَيَوَانٍ (غَيْرِ جِنْسِهِ) لِأَنَّهُ مَالٌ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِغَيْرِ أَصْلِهِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ فَجَازَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ لَكِنْ يَحْرُمُ بَيْعُهُ نَسِيئَةً عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (كَبَعِيرٍ مَأْكُولٍ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ كَحِمَارٍ وَبَغْلٍ.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ، وَلَا) بَيْعُ حَبٍّ (بِسَوِيقِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ

(3/255)


مِنْهُمَا مَكِيلٌ.
وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَكِيلِ بِجِنْسِهِ التَّسَاوِي، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا، لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ تَنْتَشِرُ بِالطَّحْنِ، وَالنَّارُ أَخَذَتْ مِنْ السَّوِيقِ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (دَقِيقِ حَبٍّ) كَبُرٍّ (بِسَوِيقِهِ) لِأَنَّ النَّارَ قَدْ أَخَذَتْ مِنْ السَّوِيقِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِالنِّيئَةِ.

(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (خُبْزٍ وَزَلَابِيَةٍ وَهَرِيسَةٍ وَفَالَوْذَجَ وَنَشَا وَنَحْوِهَا) كَسَنْبُوسَكَ وَحَرِيرَةٍ (بِحَبِّهِ) لِأَنَّ فِيهَا مَاءً فَلَا يَتَأَتَّى الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ.

(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ خُبْزٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (بِدَقِيقِهِ) أَوْ سَوِيقِهِ (كَيْلًا وَلَا وَزْنًا) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ (وَلَا يَصِحُّ) بَيْعُ (نِيئِهِ بِمَطْبُوخِهِ كَخُبْزٍ بِعَجِينٍ وَحِنْطَةٍ مَقْلِيَّةٍ بِنِيئَةٍ) ، لِأَخْذِ النَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَتَفُوتُ الْمُمَاثَلَةُ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (أَصْلِهِ) أَيْ أَصْلٍ رِبَوِيٍّ (بِعَصِيرِهِ كَزَيْتُونٍ بِزَيْتِهِ وَنَحْوِهِ) كَسِمْسِمٍ بِشَيْرَجِهِ وَحَبِّ كَتَّانٍ بِزَيْتِهِ.
(وَلَا) بَيْعُ (خَالِصِهِ) بِمَشُوبِهِ (أَوْ مَشُوبِهِ بِمَشُوبِهِ كَحِنْطَةٍ) خَالِصَةٍ أَوْ فِيهَا شَعِيرٌ (بِحِنْطَةٍ فِيهَا شَعِيرٌ يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ أَوْ فِيهَا زُوَانٌ أَوْ تُرَابٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ) لِانْتِفَاءِ التَّسَاوِي (إلَّا الْيَسِيرَ) أَيْ إذَا كَانَ الشَّعِيرُ وَنَحْوُهُ يَسِيرًا لَا يُقْصَدْ تَحْصِيلُهُ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالتَّمَاثُلِ.

(فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ عَسَلٍ) خَالِصٍ عَنْ شَمْعِهِ أَوْ فِيهِ شَمْعُهُ (بِعَسَلٍ فِيهِ شَمْعُهُ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّمَاثُلِ (وَلَا) بَيْعُ (لَبَنٍ بِكِشْكٍ) لِأَنَّ اللَّبَنَ فِيهِ مَقْصُودٌ، فَهُوَ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ، وَمَعَ أَحَدِهِمَا غَيْرُهُ (وَلَا) بَيْعُ (حَبٍّ جَيِّدٍ بِمُسَوَّسٍ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّمَاثُلِ (بَلْ) يَصِحُّ بَيْعُ الْحَبِّ الْجَيِّدِ (بِخَفِيفٍ وَعَتِيقٍ) مِنْ جِنْسِهِ إذَا تَسَاوَيَا كَيْلًا لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي مِعْيَارِهِمَا الشَّرْعِيِّ، فَلَا يُؤَثِّرُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْقِيمَةِ.

(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (رَطْبِهِ) أَيْ رَطْبِ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ (بِيَابِسِهِ كَ) بَيْعِ (الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ أَوْ الرَّطْبَةِ بِالْيَابِسَةِ) لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ؟ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد فَعَلَّلَ بِالنُّقْصَانِ إذَا يَبِسَ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كُلِّ رَطْبٍ بِيعَ بِيَابِسِهِ (إلَّا) فِي (الْعَرَايَا وَيَأْتِي) قَرِيبًا فَيَصِحُّ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِيهَا بِشُرُوطِهِ لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ كَيْلًا إذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ) فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النُّعُومَةِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي وَإِنْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الدَّقِيقَيْنِ صَحَّ كَيْفَ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ يَدًا بِيَدٍ.

(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (مَطْبُوخِهِ) أَيْ مَطْبُوخِ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ (بِمَطْبُوخِهِ) كَخُبْزٍ إذَا اسْتَوَيَا، وَكَسَمْنٍ بِسَمْنٍ وَلَا تَمْنَعُ زِيَادَةُ أَخْذِ النَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكْثُرْ أَخْذُ النَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا

(3/256)


لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّسَاوِي فَإِنْ كَثُرَ مَنَعَ الصِّحَّةَ لِعَدَمِ التَّسَاوِي.
(وَمَا فِيهِ مِنْ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ لَا يَضُرُّ) أَيْ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ (كَالْمِلْحِ فِي الشَّيْرَجَ) فَلَا يَصِيرُ كَبَيْعِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، لِعَدَمِ قَصْدِ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ فَإِنْ يَبِسَ الْخُبْزُ وَدُقَّ وَصَارَ فُتَيْتًا بِيعَ بِمِثْلِهِ فِي الْيُبُوسَةِ وَالدِّقَّةِ (كَيْلًا) لِأَنَّهُ بِالدَّقِّ انْتَقَلَ مِنْ الْوَزْنِ إلَى الْكَيْلِ.
(فَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَطْبُوخِ (مِنْ غَيْرِهِ مِنْ فُرُوعِ الْحِنْطَةِ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ كَالْهَرِيسَةِ وَالْحَرِيرَةِ وَالْفَالُوذَجِ وَخُبْزِ الْأَبَازِيرِ فَلَا يَجُوزُ) أَيْ الْخُبْزُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْأَبَازِيرُ الْمَقْصُودَةُ لَا الْيَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُقْصَدُ كَمَا تَقَدَّمَ وَالخشكتانك (1) وَالسَّنْبُوسَكُ وَنَحْوُهُ كَالْكَعْكِ، (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ) كَبَيْعِ هَرِيسَةٍ بِهَرِيسَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ وَيَأْتِي (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا بَيْعُ (نَوْعٍ مِنْهُ بِنَوْعٍ آخَرَ) كَبَيْعِ خُبْزٍ بِهَرِيسَةٍ أَوْ هَرِيسَةٍ بِحَرِيرَةٍ أَوْ سَنْبُوسَكَةٍ بخشكتانكة لِمَا تَقَدَّمَ.

(وَيَجُوزُ بَيْعِ الرُّطَبِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا (وَ) بَيْعُ (الْعِنَبِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا.
(وَ) بَيْعُ (اللِّبَإِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا وَاللِّبَأُ بِوَزْنِ عِنَبٍ مَهْمُوزًا أَوَّلُ اللَّبَنِ فِي النِّتَاجِ ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.
(وَ) بَيْعُ (الْأَقِطِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا.
(وَ) بَيْعُ (الْجُبْنِ) بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا.
(وَ) بَيْعُ (السَّمْنِ وَنَحْوِهِ بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَالتَّسَاوِي بَيْنَ الْأَقِطِ وَالْأَقِطِ) بِالْكَيْلِ (وَبَيْنَ الرُّطَبِ وَالرُّطَبِ بِالْكَيْلِ) لِأَنَّهُ مِعْيَارُهُمَا الشَّرْعِيُّ.
(وَ) التَّسَاوِي بَيْنَ الْجُبْنِ وَالْجُبْنِ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَالزُّبْدُ وَالسَّمْنُ، فَهِيَ مَوْزُونَةٌ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهَا قُلْتُ وَمِثْلُهُ الْعَجْوَةُ إذَا تَجَبَّلَتْ فَتَصِيرُ مِنْ الْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَيْلُهَا.

وَيَصِحُّ بَيْعُ خُبْزِ حَبٍّ كَبُرٍّ بِخُبْزِهِ إذَا تَسَاوَيَا.
(وَ) بَيْعُ (نَشَائِهِ بِنَشَائِهِ إذَا اسْتَوَيَا فِي النَّشَّافِ أَوْ الرُّطُوبَةِ وَزْنًا مُتَسَاوِيًا) فَإِنْ اخْتَلَفَا لَمْ يَصِحَّ التَّفَاضُلُ (وَفِي الْمُبْهِجِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ فَطِيرٍ بِخَمِيرٍ) وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي النَّشَّافِ أَوْ الرُّطُوبَةِ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَيَصِحُّ بَيْعُ عَصِيرِ جِنْسٍ بِعَصِيرِهِ كَعَصِيرِ عِنَبٍ بِعَصِيرِ عِنَبٍ وَلَوْ مَطْبُوخَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَطْبُوخًا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (رَطْبِهِ بِرَطْبِهِ) بِسُكُونِ الطَّاءِ أَيْ رَطْبِ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ بِرَطْبِهِ مِنْ عِنَبٍ وَرُطَبٍ وَنَحْوهِمَا، كَمِشْمِشٍ وَتُوتٍ بِيعَ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ زُبْدٍ بِسَمْنٍ) لِأَنَّهُ كَبَيْعِ مَشُوبٍ بِخَالِصٍ لِفَوَاتِ التَّسَاوِي (وَيَجُوزَانِ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ (بِمَخِيضٍ) يَدًا بِيَدٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
وَ (لَا) يَجُوزُ بَيْعُ سَمْنٍ أَوْ زُبْدٍ (بِلَبَنٍ) لِأَنَّهُ

(3/257)


أَصْلَهُمَا وَلَا يُبَاعُ فَرْعٌ بِأَصْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) لَا بَيْعُ السَّمْنِ أَوْ الزُّبْدِ بِ (فُرُوعِهِ) أَيْ فُرُوعِ اللَّبَنِ (كَاللِّبَإِ وَنَحْوهِمَا) مِنْ جُبْنٍ أَوْ أَقِطٍ وَنَحْوِهِ (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ لَبَنٍ بِمَخِيضٍ) لِأَنَّ الْمَخِيضَ فَرْعُ اللَّبَنِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أَصْلٍ بِفَرْعِهِ (أَوْ جَامِدٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ جَامِدٍ، لِعَدَمِ طَرِيقِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي (أَوْ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنٍ (بِمَصْلٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ أَقِطٍ) لِأَنَّهُ بَيْعُ أَصْلٍ بِفَرْعِهِ.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ) لِقَوْلِ أَنَسٍ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْفَسَادَ (وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ (بَيْعُ الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ) بِحَبٍّ مِنْ جِنْسِهِ.
لِأَنَّ الْحَبَّ إذَا بِيَعَ بِجِنْسِهِ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهُ بِالْكَيْلِ، وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ وَالْمُحَاقَلَةُ: مِنْ الْحَقْلِ، وَهُوَ الزَّرْعُ إذَا تَشَعَّبَ قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ سُوقُهُ (وَيَصِحُّ) بَيْعُ الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ مَكِيلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ الْبَيْعُ كَيْفَ شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ يَدًا بِيَدٍ.

(وَلَا) تَصِحُّ (الْمُزَابَنَةُ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهِيَ) أَيْ الْمُزَابَنَةُ (بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ) وَالزَّبْنُ لُغَةً الدَّفْعُ الشَّدِيدُ وَمِنْهُ وُصِفَتْ الْحَرْبُ بِالزَّبُونِ، لِشِدَّةِ الدَّفْعِ فِيهَا وَسُمِّيَ الشُّرَطِيُّ زَبَنِيًّا، لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّاسَ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ، (إلَّا فِي الْعَرَايَا الَّتِي رُخِّصَ فِيهَا) أَيْ رَخَّصَ فِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَهِيَ) أَيْ الْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا فَيَجْعَلُ ثَمَرَتَهَا طَعَامًا، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا أَفْرَدَ عَنْ جُمْلَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لِلْهِبَةِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْأَكْلِ وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا مُعْرَيَةٌ مِنْ الْبَيْعِ الْمُحَرِّمِ أَيْ مُخْرَجَةٌ مِنْهُ (بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي بَيْعِهِ عَلَى أُصُولِهِ لِلْأَخْذِ شَيْئًا فَشَيْئًا لِحَاجَةِ التَّفَكُّهِ رُوِيَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ قَالَ «قُلْتُ لِزَيْدٍ: مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَ بِهِ رُطَبًا، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَتَبَايَعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهُ رُطَبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(خَرْصًا بِمَآلِهِ) أَيْ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ الرُّطَبُ (يَابِسًا) لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ الْخَرْصَ مَقَامَ الْكَيْلِ وَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ كَمَا لَا يُعْدَلُ عَنْ الْكَيْلِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ

(3/258)


(بِمِثْلِهِ مِنْ التَّمْرِ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِخَرْصِهَا رَطْبًا، وَلَا بِزِيَادَةٍ عَنْ خَرْصِهَا أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ (كَيْلًا) أَيْ يَكُونُ التَّمْرُ الْمُشْتَرَى بِهِ كَيْلًا (مَعْلُومًا لَا جِزَافًا) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ سَقَطَ فِي أَحَدِهِمَا وَأُقِيمَ الْخَرْصَ مَقَامَهُ لِلْحَاجَةِ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ شَكَّ دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ أَحَدُ رُوَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِيهَا (لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى أَكْلِ الرُّطَبِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَالزَّكَاةِ لِلْمَسَاكِينِ (وَلَا نَقْدَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُشْتَرِي لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ.
(فَيَصِحُّ) بَيْعُ الْعَرَايَا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ (وَلَوْ كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ) أَيْ الرُّطَبِ الَّذِي عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ (غَيْرَ مَوْهُوبٍ لِبَائِعِهِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مَوْهُوبَةً لِبَائِعِهَا خِلَافًا لِلْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ (فَإِنْ كَانَ) الرُّطَبُ فِي الْعَرِيَّةِ.
وَفِي نُسَخٍ: فَإِنْ كَانَتْ أَيْ الْعَرِيَّةُ (خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْجَمِيعِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ فِي الْعَرَايَا (حُلُولٌ وَقَبْضٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي مَجْلِسِ بَيْعِهَا فَ) الْقَبْضُ فِي (نَخْلٍ بِتَخْلِيَتِهِ) أَيْ تَخْلِيَةِ الْبَائِعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهُ (وَ) الْقَبْضُ (فِي تَمْرٍ بِكَيْلِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) مَا عَلَيْهِ (ثُمَّ مَشَيَا مَعًا إلَى الْآخَرِ فَتَسَلَّمَهُ، صَحَّ) الْبَيْعُ، لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
(وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ عَارِيَّةً مِنْ رَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ فِيهَا) أَيْ فِي مُعْرَيَةٍ (أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ) الْبَيْعُ حَيْثُ كَانَ مَا أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ (فَلَا يَنْفُذُ) الْبَيْعُ (فِي حَقِّ الْبَائِعِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ) بَلْ يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي.
(وَإِنْ اشْتَرَى) إنْسَانٌ (عَرِيَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَفِيهِمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ) الْبَيْعُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ لِغَنِيٍّ) مَعَهُ نَقْدٌ يَشْتَرِي بِهِ لِمَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ بَاعَهَا) أَيْ الْعَرِيَّةَ (لِوَاهِبِهَا تَحَرُّزًا مِنْ دُخُولِ صَاحِبِ الْعَرِيَّةِ، أَوْ) مِنْ دُخُولِ (غَيْرِهِ لَا لِحَاجَةِ الْأَكْلِ) لَمْ يَجُزْ لِمَا سَبَقَ (أَوْ اشْتَرَاهَا) أَيْ الْعَرِيَّةَ (بِ) مِثْلِ (خَرْصِهَا رُطَبًا لَمْ يَجُزْ) لِمَا سَبَقَ (وَلَوْ احْتَاجَ) إنْسَانٌ (إلَى أَكْلِ التَّمْرِ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ إلَّا الرُّطَبُ لَمْ يَبِعْهُ بِهِ) أَيْ التَّمْرِ (فَلَا تُعْتَبَرُ حَاجَةُ الْبَائِعِ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا يُقَاسَ عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ: بِجَوَازِهِ وَهُوَ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ لِحَاجَةِ

(3/259)


التَّفَكُّهِ فَلِحَاجَةِ الِاقْتِيَاتِ أَوْلَى وَالْقِيَاسُ عَلَى الرُّخْصَةِ جَائِزٌ إذَا فُهِمَتْ الْعِلَّةُ.
(وَلَا يُبَاعُ الرُّطَبُ الَّذِي عَلَى الْأَرْضِ بِتَمْرٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ (وَلَا تَصِحُّ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ) اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَغَيْرُهَا لَا يُسَاوِيهَا فِي الْحَاجَةِ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعٍ وَسَهْلٍ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ» .

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَهُمَا) أَيْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمِثْلِهِمَا) أَيْ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ الدِّرْهَمَانِ وَالْمُدَّانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ (أَوْ بِمُدَّيْنِ) مِنْ عَجْوَةٍ (أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ الدِّرْهَمَانِ وَالْمُدَّانِ مِنْ نَوْعٍ وَلِمَا رَوَى فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ مَا بَيْنَهُمَا قَالَ فَرَدَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» وَلِلْأَصْحَابِ فِي تَوْجِيهِ الْبُطْلَانِ مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَأْخَذُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِقِسْطِهِ مِنْهُ وَهَذَا يُؤَدِّي هُنَا إمَّا إلَى الْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، أَوْ إلَى الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي وَكِلَاهُمَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَمُدًّا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِمُدَّيْنِ يُسَاوَيَانِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَانَ الدِّرْهَمُ فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثَيْ مُدٍّ وَيَبْقَى مُدٌّ فِي مُقَابَلَةِ مُدٍّ وَثُلُثٍ وَذَلِكَ رِبًا فَلَوْ فُرِضَ التَّسَاوِي كَمُدٍّ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ يُسَاوِي دِرْهَمًا وَدِرْهَمٍ، لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ الْمُسَاوَاةُ وَالْجَهْلُ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ.
وَضَعَّفَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ ابْنُ رَجَبٍ، قَالَ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ هُوَ قِسْمَةُ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَةِ الْمُثَمَّنِ، لَا أَجْزَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى قِيمَةِ الْآخَرِ وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي سَدُّ ذَرِيعَةِ الرِّبَا لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى الرِّبَا الصَّرِيحِ كَبَيْعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ بِمِائَتَيْنِ، جَعْلًا لِلْمِائَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْكِيسِ، وَقَدْ لَا يُسَاوِي دِرْهَمًا وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إيمَاءٌ إلَى هَذَا الْمَأْخَذِ.

(وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى آخَرَ (دِرْهَمًا وَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِ هَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِهِ الْآخَرِ فُلُوسًا، أَوْ حَاجَةً) كَخُبْزٍ وَنَحْوِهِ جَازَ (أَوْ) دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمًا وَقَالَ

(3/260)


(أَعْطِنِي بِالدِّرْهَمِ نِصْفًا وَفُلُوسًا وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ دَفَعَ دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ أَعْطِنِي بِأَحَدِهِمَا لَحْمًا وَبِالْآخَرِ نِصْفَيْنِ فَفَعَلَ (جَازَ) وَصَحَّ (كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ فُلُوسًا وَبِالْآخَرِ نِصْفَيْنِ) وَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِوُجُودِ التَّسَاوِي وَلِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ، أَحَدُهُمَا صَرْفُ نِصْفِ الدِّرْهَمِ أَوْ صَرْفُ الدِّرْهَمِ بِنِصْفَيْنِ وَالْآخَرُ: بَيْعُ الْفُلُوسِ أَوْ الْحَاجَةِ بِالنِّصْفِ أَوْ الدِّرْهَمِ الْآخَرِ فَلَيْسَ مِنْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ.

(وَإِنْ بَاعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ) بِنَوْعٍ مِنْهُ أَوْ نَوْعَيْنِ جَازَ، كَتَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمِيٍّ بِبَرْنِيِّ، أَوْ بِبَرْنِيِّ وَصَيْحَانِيٍّ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ (أَوْ) بَاعَ (نَوْعًا بِنَوْعٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (أَوْ) بَاعَ نَوْعًا بِ (نَوْعَيْنِ) مِنْ جِنْسٍ (كَدِينَارِ قُرَاضَةٍ وَهِيَ قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) بِدِينَارٍ (صَحِيحٍ أَوْ) بَاعَ (قُرَاضَةً وَصَحِيحًا بِصَحِيحَيْنِ أَوْ بِقُرَاضَتَيْنِ، أَوْ حِنْطَةً حَمْرَاءَ وَسَمْرَاءَ بِبَيْضَاءَ أَوْ تَمْرًا بَرْنِيًّا وَمَعْقِلِيًّا بِإِبْرَاهِيمِيٍّ وَنَحْوِهِ صَحَّ) الْبَيْعُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا، لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ الْمِثْلِيَّةَ فِي ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ عِنْدَهَا وَهِيَ فِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا وَفِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَالْجَوْدَةُ سَاقِطَةٌ هُنَا أَشْبَهَ مَا لَوْ اتَّفَقَ النَّوْعُ.

(وَمَا لَا يُقْصَدُ عَادَةً وَلَا يُبَاعُ مُفْرَدًا كَذَهَبٍ مُمَوَّهٍ بِهِ سَقْفُ دَارٍ) كَالْمَعْدُومِ (فَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّارِ الْمُمَوَّهِ سَقْفُهَا بِذَهَبٍ، بِذَهَبٍ وَبِدَارٍ مِثْلِهَا) سَقْفُهَا مُمَوَّهٌ بِذَهَبٍ لِأَنَّ الذَّهَبَ فِي السَّقْفِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَا مُقَابَلٌ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ (وَكَذَا مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ لِكَوْنِهِ يَسِيرًا، كَالْمِلْحِ فِيمَا يُعْمَلُ فِيهِ) كَخُبْزٍ وَجُبْنٍ (وَكَحَبَّاتِ الشَّعِيرِ فِي الْحِنْطَةِ) .
(وَلَوْ) كَانَ (فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ رَغِيفٍ بِرَغِيفٍ مِثْلِهِ وَرِطْلٍ مِنْ جُبْنٍ بِرِطْلٍ مِنْ جُبْنٍ.
(وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَقْصُودِ كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لِمُصْلِحَةِ الْمَقْصُودِ كَالْمَاءِ فِي خَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَدِبْسِ التَّمْرِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْخَلِّ وَالدِّبْسِ (بِمِثْلِهِ) فَيَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ التَّمْرِ بِخَلِّ التَّمْرِ، وَخَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ وَدِبْسِ التَّمْر بِدِبْسِ التَّمْرِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا أَثَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَ (لَا) يَجُوزُ (بَيْعُهُ) أَيْ خَلِّ الزَّبِيبِ (بِخَلِّ الْعِنَبِ لِأَنَّهُ كَبَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَقْصُودِ كَثِيرًا وَلَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ) أَيْ مَصْلَحَةِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ (كَاللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ) إذَا بِيعَ (بِمِثْلِهِ، وَالْأَثْمَانُ الْمَغْشُوشَةُ) إذَا بِيعَتْ (بِغَيْرِهَا) أَيْ بِأَثْمَانٍ خَالِصَةٍ مِنْ جِنْسِهَا (لَمْ يَجُزْ) لِلْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ.
(وَإِنْ بَاعَ دِينَارًا) أَوْ دِرْهَمًا (مَغْشُوشًا بِمِثْلِهِ) أَيْ بِدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ مَغْشُوشٍ، وَالْغِشُّ فِيهِمَا، أَيْ فِي

(3/261)


الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، مُتَفَاوِتٌ أَوْ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّسَاوِي كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ وَإِنَّ عُلِمَ التَّسَاوِي فِي الذَّهَبِ الَّذِي فِي الدِّينَارِ.
(وَ) عُلِمَ تَسَاوِي (الْغِشِّ الَّذِي فِيهِمَا جَازَ) بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (لِتَمَاثُلِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ) وَهُوَ الذَّهَبُ (وَ) لِتَمَاثُلِهِمْ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْغِشِّ وَلَيْسَتْ مِنْ مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ لِكَوْنِ الْغِشِّ غَيْرَ مَقْصُودٍ، فَكَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْمِلْحِ فِي الْخُبْزِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا يَعْنِي مَا لَا يُقْصَدُ عَادَةً: ثَوْبٌ طِرَازُهُ ذَهَبٌ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ بِجِنْسِهِ) أَيْ بِثَوْبٍ طِرَازُهُ ذَهَبٌ.
(وَلَا) يُمْنَعُ (بَيْعُ نَخْلَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ أَوْ) تَمْرٌ (بِمِثْلِهَا) أَيْ نَخْلَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ (أَوْ) بَيْعُ نَخْلَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ (بِرُطَبٍ) أَوْ تَمْرٍ وَيَأْتِي بَيْعُ الْعَبْدِ ذِي الْمَالِ آخِرَ بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمَا) أَيْ بِتَمْرٍ (نَوَاهُ فِيهِ) ، لِاشْتِمَالِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ.
(وَكَذَا إنْ نَزَعَ النَّوَى) مِنْ التَّمْرِ (ثُمَّ بَاعَ النَّوَى وَالتَّمْرَ الْمَنْزُوعَ نَوَاهُ بِنَوَى وَتَمْرٍ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ قَدْ زَالَتْ، فَصَارَ كَمَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ.
(وَإِنْ بَاعَ) تَمْرًا (مَنْزُوعَ النَّوَى بِ) تَمْرٍ (مَنْزُوعِ النَّوَى جَازَ) الْبَيْعُ لِلتَّسَاوِي، كَمَا لَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَاهُ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ نَوَى بِتَمْرٍ فِيهِ نَوًى مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا) لِأَنَّ النَّوَى فِي التَّمْرِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا مُوِّهَ سَقْفُهَا بِذَهَبٍ، بِذَهَبٍ.

(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (لَبَنٍ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ وَبَيْعُ صُوفٍ بِنَعْجَةٍ عَلَيْهَا صُوفٌ حَيَّةً كَانَتْ النَّعْجَةُ أَوْ مُذَكَّاةً) لِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الشَّاةِ وَالصُّوفَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ.

(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (دِرْهَمٍ فِيهِ نُحَاسٌ بِنُحَاسٍ) لِأَنَّ النُّحَاسَ فِي الدِّرْهَمِ غَيْرُ مَقْصُودٍ (أَوْ) أَيْ وَيَصِحُّ بَيْعُ دِرْهَمٍ فِيهِ نُحَاسٌ (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِدِرْهَمٍ فِيهِ نُحَاسٌ (مُتَسَاوِيًا) أَيْ إذَا تَسَاوَى مَا فِيهِمَا مِنْ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ لِكَوْنِ النُّحَاسِ فِيهِمَا غَيْرَ مَقْصُودٍ.

(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (ذَاتِ لَبَنٍ) بِذَاتِ لَبَنٍ (أَوْ صُوفٍ بِمِثْلِهَا) لِأَنَّ الصُّوفَ وَاللَّبَنَ بِهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ أَشْبَهَ الْمِلْحَ فِي الْخُبْزِ أَوْ الشَّيْرَجَ وَيَصِحُّ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنٍ وَصَاغَةٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ.
(وَمَرْجِعُ الْكَيْلِ: عُرْفُ الْمَدِينَةِ) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَرْجِعُ (الْوَزْنِ: عُرْفُ مَكَّةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِمَا رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ وَالْمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ» وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى تَبْيِينِ الْأَحْكَامِ فَمَا كَانَ مِكْيَالًا بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ بِتَفَاضُلِ الْكَيْلِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَكَذَا الْمَوْزُونُ.
(وَمَا لَا عُرْفَ لَهُ بِهِمَا) ،

(3/262)


أَيْ بِمَكَّةِ وَالْمَدِينَةِ (اُعْتُبِرَ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ) لِأَنَّ مَا لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْبِلَادُ) الَّتِي هِيَ مَوَاضِعُهُ (اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ) مِنْهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) غَالِبٌ (رُدَّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ) لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُرَدُّ إلَى أَشْبَهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِهَا.
وَقَوْلُهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ) إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ (رَجَعَ إلَى عُرْفِ بَلَدِهِ) مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِي أَنَّ مَا لَا عُرْفَ لَهُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ رَدَّهُ إلَى ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ بِبَلَدِهِ (وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ مَكِيلَانِ) وَكَذَا الْأَقِطُ.
(وَكَذَا الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ وَالْأَبَازِيرُ وَالْأُشْنَانُ، وَ) كَذَا (الْجِصُّ وَالنُّورَةُ) وَيَأْتِي فِي السَّلَمِ أَنَّهُ يُسْلَمُ فِيهِمَا وَزْنًا (وَنَحْوِهِمَا) أَيْ نَحْوِ الْجِصِّ وَالنُّورَةِ (وَكَذَا التَّمْرُ وَالرُّطَبُ وَالْبُسْرُ) وَبَاقِي تَمْرِ النَّخْلِ.
(وَسَائِرُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الثِّمَارِ مِثْلُ الزَّبِيبِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَاللَّوْزِ وَالْبُطْمِ وَالْعُنَّابِ وَالْمِشْمِشِ وَالزَّيْتُونِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمَائِعِ كُلِّهِ) مِنْ لَبَنٍ وَخَلٍّ وَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ الْعَسَلَ مَوْزُونًا (وَيَجُوزُ التَّعَامُلُ بِكَيْلٍ لَمْ يُعْهَدْ) أَيْ لَمْ يُتَعَارَفْ.
(وَمِنْ الْمَوْزُونِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالرَّصَاصُ وَالزِّئْبَقُ وَالْكَتَّانُ وَالْقُطْنُ وَالْحَرِيرُ وَالْقَزُّ وَالشَّعْرُ وَالْوَبَرُ) ، وَالصُّوفُ (وَالْغَزْلُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالزُّجَاجُ وَالطِّينُ الْأَرْمَنِيُّ الَّذِي يُؤْكَلُ دَوَاءً، وَاللَّحْم وَالشَّحْمُ وَالشَّمْعُ وَالزَّعْفَرَانُ وَالْعُصْفُرُ وَالْوَرْسُ وَالْخُبْزُ) إلَّا إذَا يَبِسَ وَدُقَّ وَصَارَ فُتَيْتًا فَهُوَ مَكِيلٌ وَتَقَدَّمَ.
(وَالْجُبْنُ وَالْعِنَبُ وَالزُّبْدُ وَنَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ مَا ذَكَرَ قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: يُبَاحُ السَّمْنُ بِالْوَزْنِ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُبَاعَ بِالْكَيْلِ، (وَغَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، وَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ وَالرُّمَّانِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، وَسَائِرِ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ، وَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهِ) كَالْإِجَّاصِ وَكُلِّ فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي.

[فَصْلٌ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ]
(فَصْلٌ وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ) مِنْ النَّسَاءِ بِالْمَدِّ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ، يُقَالُ: نَسَأْتُ الشَّيْءَ وَأَنْسَأْتُهُ أَخَّرْتُهُ وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَعْنَاهُ الْخَاصِّ هُنَا فَقَالَ (فَكُلُّ شَيْئَيْنِ) مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ (لَيْسَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا)

(3/263)


ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً (وَعِلَّةُ رَبَا الْفَضْلِ) وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ كَمَا تَقَدَّمَ (فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ) مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (بِأَنْ بَاعَ مُدَّ بُرٍّ بِجِنْسِهِ) أَيْ بِبُرٍّ (أَوْ) بَاعَ مُدَّ بُرٍّ (بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ) كَبَاقِلَّا وَعَدَسٍ وَأُرْزٍ وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ بِأَنْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ (بِجِنْسِهِ) أَيْ بِحَدِيدٍ (أَوْ) بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ (بِنُحَاسٍ وَنَحْوِهِ) كَرَصَاصٍ وَقُطْن وَكَتَّانٍ.
(وَلَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَمَعْنَاهَا عَلَى اخْتِلَافِ لُغَاتِهَا: خُذْ وَهَاتْ فِي الْحَالِ، يَدًا بِيَدٍ (فَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ (الْحُلُولُ وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ) لِمَا ذَكَرَ.
ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ اُعْتُبِرَ التَّمَاثُلُ وَإِلَّا جَازَ التَّفَاضُلُ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ تَفَرَّقَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (بَطَلَ الْعَقْدُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ.
(وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمَبِيعَيْنِ (نَقْدًا فَلَا) يَحْرُمُ النَّسَاءُ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقَدُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مَوْزُونًا كَبَيْعِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ نَحْوِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَرْخَصُ فِي السَّلَمِ.
وَالْأَصْلُ فِي رَأْسِ مَالِهِ: النَّقْدَانِ فَلَوْ حُرِّمَ النَّسَاءُ فِيهِ لَانْسَدَّ بَابُ السَّلَمِ فِي الْمَوْزُونَاتِ غَالِبًا (وَلَوْ فِي صَرْفِ فُلُوسٍ نَافِقَةٍ بِهِ) أَيْ بِنَقْدٍ فَيَجُوزُ النَّسَاءُ (وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ) كَابْنِ عَقِيلٍ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ رِوَايَةً قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ قُلْنَا هِيَ عَرْضٌ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا (خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْقِيحِ) مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ فِي صَرْفِ نَقْدٍ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ قَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَذَكَرَ فِي الْإِنْصَافِ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ اهـ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعِلَّةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَبِيعَيْنِ.
(كَمَا لَوْ بَاعَ مَكِيلًا بِمَوْزُونٍ جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَ) جَازَ (النَّسَاءُ) أَيْ التَّأْجِيلُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي أَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ أَشْبَهَ الثِّيَابَ بِالْحَيَوَانِ (وَمَا كَانَ مِمَّا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا بِمَوْزُونٍ، كَثِيَابٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا) لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ «أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ، أَيْ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ

(3/264)


وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ وَإِذَا جَازَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَفِي الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ كَالِئٍ بِكَالِئٍ) بِالْهَمْزَةِ فِيهِمَا، وَبَعْضُ الرُّوَاةِ يَتْرُكُهُ تَخْفِيفًا (وَهُوَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) مُطْلَقًا لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ إلَّا أَنَّ الْأَثْرَمَ رَوَى أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ: أَيَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ؟ قَالَ لَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (صُوَرٌ مِنْهَا بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ حَالًا مِنْ عُرُوضٍ وَأَثْمَانٍ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ لِمَنْ هُوَ) أَيْ الدَّيْنُ (عَلَيْهِ أَوْ) بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا (وَمِنْهَا جَعْلُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ دَيْنًا) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ، فَيَقُولُ: جَعَلْتُ مَا فِي ذِمَّتِكَ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ عَلَى كَذَا.
(وَمِنْهَا لَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) أَيْ جِنْسِ دَيْنِهِ (كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَصَارَفَا) هُمَا (وَلَمْ يُحْضِرَا شَيْئًا) أَيْ أَحَدَهُمَا أَوْ هُمَا (فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ) لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ (فَإِنْ أَحْضَرَ أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الدَّيْنَيْنِ (أَوْ كَانَ) أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَيْنًا وَالْآخَرُ (عِنْدَهُ أَمَانَةً) ، أَوْ غَصْبٌ وَنَحْوُهُ (جَازَ) التَّصَارُفُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، بَلْ بِعَيْنٍ (وَتَصَارَفَا عَلَى مَا يَرْضَيَانِ بِهِ مِنْ السِّعْرِ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَيَجُوزُ مَا تَرَاضَيَا بِهِ لَكِنْ يَأْتِي فِي الْبَابِ: إذَا عَوَّضَهُ نَقْدًا عَنْ نَقْدٍ آخَرَ بِذِمَّتِهِ أَنَّهُ؛ يَكُونُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ (وَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمَدِينَيْنِ عَلَى سِعْرٍ لَا يُرِيدُهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَنْ تَرَاضٍ (فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى سِعْرٍ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مَا عَلَيْهِ) مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْوَاجِبُ.
(وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دِينَارٌ فَقَضَاهُ دَرَاهِمَ) مُتَفَرِّقَةً (شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَإِنْ كَانَ يُعْطِيهِ كُلَّ) نُقْدَةٍ مِنْ دِرْهَمٍ فَأَكْثَرَ (بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّينَارِ) بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الدِّرْهَمُ عَنْ عُشْرِ دِينَارٍ مَثَلًا، وَهَذَانِ الدِّرْهَمَانِ عَنْ خُمُسِهِ (صَحَّ) الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِعَيْنٍ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) بِأَنْ أَعْطَاهُ وَسَكَتَ (ثُمَّ تَحَاسَبَا بَعْدَ) إعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ (فَصَارَفَهُ بِهَا وَقْتَ الْمُحَاسَبَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ صَارَفَهُ عَمَّا) اسْتَقَرَّ لَهُ (فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ كَانَ) مَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ (مُؤَجَّلًا بِعَيْنٍ) مَقْبُوضَةٍ بِالْمَجْلِسِ (صَحَّ) الصَّرْفُ وَيَأْتِي ذَلِكَ مُفَصَّلًا.

(3/265)


[فَصْلٌ فِي الْمُصَارَفَةِ وَهِيَ بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدٍ]
(فَصْلٌ فِي الْمُصَارَفَةِ وَهِيَ بَيْعُ نَقْدٍ بِنَقْدٍ) اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصَرِيفِهِمَا وَهُوَ تَصْوِيتُهُمَا فِي الْمِيزَانِ وَقِيلَ: لِانْصِرَافِهِمَا أَيْ الْمُتَصَارِفَيْنِ عَنْ مُقْتَضَى الْبِيَاعَاتِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَحْوِهِ (وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الصَّرْفِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» (فَإِنْ طَالَ الْمَجْلِسُ) قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ (أَوْ) تَصَارَفَا ثُمَّ (تَمَاشَيَا مُصْطَحِبَيْنِ إلَى مَنْزِلِ أَحَدِهِمَا) فَتَقَابَضَا (أَوْ) تَمَاشَيَا (إلَى الصَّرَّافِ فَتَقَابَضَا عِنْدَهُ جَازَ) أَيْ صَحَّ الصَّرْفُ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ هُنَا كَمَجْلِسِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ بِتَخَابُرٍ فِيهِ وَقِيَاسُهُ سَلَمُ وَبَيْعُ نَحْوَ مُدِّ بُرٍّ بِمِثْلِهِ أَوْ بِشَعِيرٍ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ دُونَ الشَّرْطِ، كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.

(وَيَجُوزُ) الصَّرْفُ (فِي الذِّمَمِ بِالصِّفَةِ) كَصَارَفْتُكَ دِينَارًا بِعَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَصِفُ ذَلِكَ إنْ تَعَدَّدَتْ النُّقُودُ وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ لِوَصْفِهِ وَيَنْصَرِفُ لِنَقْدِ الْبَلَدِ وَيَكْفِي الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً (لِأَنَّ الْمَجْلِسَ كَحَالَةِ الْعَقْدِ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» (فَمَتَى افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَطَلَ الْعَقْدُ لِمَا سَبَقَ (أَوْ افْتَرَقَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (عَنْ مَجْلِسِ) عَقْدِ (السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ) الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (رَأْسُ مَالِهِ) أَيْ السَّلَمِ (بَطَلَ الْعَقْدُ) لِمَا يَأْتِي فِي السَّلَمِ.

(وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (ثُمَّ افْتَرَقَا كَفُرْقَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ) قَبْلَ تَقَابُضِ الْبَاقِي (بَطَلَ) الْعَقْدُ (فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ فَقَطْ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ.

(وَلَوْ وَكَّلَ الْمُتَصَارِفَانِ) مَنْ يَقْبِضُ لَهُمَا (أَوْ) وَكَّلَ (أَحَدُهُمَا مَنْ يَقْبِضُ لَهُ فَتَقَابَضَ الْوَكِيلَانِ) أَوْ تَقَابَضَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ وَوَكِيلُ الْآخَرِ (قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُوَكِّلَيْنِ) أَوْ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْمُوَكِّلِ وَالْعَاقِدِ الثَّانِي الَّذِي لَمْ يُوَكِّلْ (جَازَ) الْعَقْدُ، أَيْ صَحَّ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ كَقَبْضِ مُوَكِّلِهِ.
(وَإِنْ تَفَرَّقَا) أَيْ الْمُوَكِّلَانِ أَوْ الْمُوَكِّلُ وَالْعَاقِدُ الثَّانِي (قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الصَّرْفُ، افْتَرَقَ الْوَكِيلَانِ أَوْ لَا) لِتَعَلُّقِ الْقَبْضِ بِالْعَقْدِ وَلَوْ تَفَرَّقَ الْوَكِيلَانِ ثُمَّ عَادَا

(3/266)


بِالْمَجْلِسِ وَمُوَكِّلَاهُمَا بَاقِيَانِ لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَى التَّقَابُضِ صَحَّ الْعَقْدُ لِمَا تَقَدَّمَ.

(وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ، أَوْ) كَانَ عَلَيْهِ (دَرَاهِمُ فَوَكَّلَ غَرِيمَهُ فِي بَيْعِ دَارِهِ) أَوْ نَحْوِهَا (وَ) فِي (اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا فَبَاعَهَا بِغَيْرِ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَبِّ الدَّارِ (لَمْ يَجُزْ) لِلْوَكِيلِ (أَنْ يَأْخُذَ) مِنْهَا أَيْ مِنْ ثَمَنِ الدَّارِ (قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَدِينَ (لَمْ يَأْذَنْ لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (فِي مُصَارَفَةِ نَفْسِهِ) فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَازَ فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُصَارَفَةِ.

(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَصَارِفَيْنِ قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ) الْعَقْدُ لِعَدَمِ تَمَامِهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُنَا كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ (لَا) إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّقَابُضِ (وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ) فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ وَنَفَذَ.

(وَإِنْ تَصَارَفَا عَلَى عَيْنَيْنِ) أَيْ مُعَيَّنَيْنِ (مِنْ جِنْسَيْنِ) كَهَذَا الدِّينَارِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ (وَلَوْ بِوَزْنٍ مُتَقَدِّمٍ) عَلَى الْعَقْدِ (أَوْ) بِ (إخْبَارِ صَاحِبِهِ) بِأَنَّ وَزْنَ نَقْدِهِ كَذَا (فَظَهَرَ غَصْبٌ) أَيْ أَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ مَغْصُوبٌ بَطَلَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ.

(أَوْ) ظَهَرَ (عَيْبٌ فِي جَمِيعِهِ) أَيْ جَمِيعِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ.
(وَلَوْ) كَانَ الْعَيْبُ (يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالنُّحَاسِ فِي الدَّرَاهِمِ وَ) كَ (الْمَسِّ) وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ النُّحَاسِ (فِي الذَّهَبِ بَطَلَ الْعَقْدُ) لِأَنَّهُ بَاعَهُ غَيْرَ مَا سَمَّى لَهُ فَلَمْ يَصِحَّ كَبِعْتُكَ هَذَا الْبَغْلَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فَرَسٌ.

(وَإِنْ ظَهَرَ) الْغَصْبُ أَوْ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ (فِي بَعْضِهِ) بِأَنْ صَارَفَهُ دِينَارَيْنِ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَوَجَدَ أَحَدَ الدِّينَارَيْنِ مَغْصُوبًا أَوْ بِهِ مَسٌّ (بَطَلَ) الْعَقْدُ (فِيهِ فَقَطْ) بِمَا يُقَابِلهُ وَصَحَّ فِي السَّلَمِ بِمَا يُقَابِلُهُ.
(وَإِنْ كَانَ) الْعَيْبُ (مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ جِنْسِ الْمَعِيبِ (كَالسَّوَادِ فِي الْفِضَّةِ وَالْخُشُونَةِ) فِيهَا (وَكَوْنِهَا تَتَفَطَّرُ) أَيْ تَتَشَقَّقُ (عِنْدَ الضَّرْبِ أَوْ أَنَّ سَكَّتَهَا مُخَالِفَةٌ لِسِكَّةِ السُّلْطَانِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ) لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ، سَوَاءٌ ظَهَرَ الْعَيْبُ (قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ) .

(وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ الْمَعِيبُ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ (فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ) الْعَقْدُ وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَلُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ فَإِذَا أَخَذَ غَيْرَهُ أَخَذَ مَا لَمْ يَشْتَرِهِ.
(وَإِنْ أَمْسَكَهُ) أَيْ الْمَعِيبَ (فَلَهُ أَرْشُهُ فِي الْمَجْلِسِ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِ السَّلَمِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ (وَكَذَا) يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَرْضِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (أَنْ جَعَلَاهُ) أَيْ الْأَرْشَ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ) أَيْ النَّقْدَيْنِ كَبُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ فِيهِ إذَا بِيعَ بِنَقْدٍ.
(وَكَذَا سَائِرُ أَمْوَالِ الرِّبَا إنْ بِيعَتْ بِغَيْرِ جِنْسِهَا) أَيْ (مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (فَلَوْ بَاعَ بُرًّا بِشَعِيرٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا

(3/267)


فَأَخَذَ أَرْشَهُ دِرْهَمًا وَنَحْوَهُ) مِمَّا لَيْسَ بِمَكِيلٍ (جَازَ وَلَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ) مِنْ الْمَجْلِسِ لِمَا تَقَدَّمَ.

(وَإِنْ تَصَارَفَا فِي الذِّمَّةِ عَلَى جِنْسَيْنِ) كَدِينَارٍ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَتَقَابَضَا ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ فِي أَحَدِهِمَا (وَالْعَيْبُ مِنْ جِنْسِهِ) فَإِنْ (وُجِدَ) أَيْ عُلِمَ الْعَيْبُ (فِيهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَلَهُ أَخْذُ بَدَلِهِ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ سَلِيمًا لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مُطْلَقٍ وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ (أَوْ) أَخَذَ (أَرْشَهُ) أَيْ الْعَيْبِ (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) مِنْ غَيْرِ جِنْسِ السَّلِيمِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ وُجِدَ) أَيْ عُلِمَ (بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَبْطُلْ) الْعَقْدُ (أَيْضًا) كَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً (وَلَهُ إمْسَاكُهُ مَعَ أَرْشِ) عَيْبِهِ (وَ) لَهُ (رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ) لِأَنَّ قَبْضَ بَدَلِهِ يَقُومُ مَقَامَهُ.

(فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَخْذِ بَدَلِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ بَطَلَ) الْعَقْدُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا غَائِبًا مِنْهَا بِنَاجِزٍ» .

(فَلَوْ ظَهَرَ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ (مَعِيبًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ وُجِدَ جَمِيعُهُ) مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَأَخْذُ بَدَلِهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ إمْسَاكُهُ مَعَ أَرْشِهِ.
(وَإنْ كَانَ) الْعَيْبُ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) كَالنُّحَاسِ فِي الْفِضَّةِ وَالْمَسِّ فِي الذَّهَبِ (فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَلَهُ رَدُّهُ) أَيْ الْمَعِيبِ (قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَأَخْذُ بَدَلِهِ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ (وَ) إنْ عُلِمَ الْعَيْبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ (يَفْسُدُ الْعَقْدُ) لِأَنَّ قَبْضَهُ كَلَا قَبْضٍ، وَقَدْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ.

(وَإِنْ عُيِّنَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي الصَّرْفِ (دُونَ) الْعِوَضِ (الْآخَرِ) كَصَارَفْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، كَذَا أَوْ هَذِهِ الْفِضَّةَ بِدِينَارٍ مِصْرِيٍّ (فَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ (حُكْمُ نَفْسِهِ) إذَا ظَهَرَ مَعِيبًا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ.
(وَكَذَا الْحُكْمُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ (إذَا كَانَتْ الْمُصَارَفَةُ) عَلَى شَيْئَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ لَا أَرْشَ (أَوْ) كَانَ (مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) كَبُرٍّ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ بِبُرٍّ كَذَلِكَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ أَرْشٍ) مُطْلَقًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّفَاضُلِ، أَوْ إلَى مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ.

وَإِنْ تَلَفَ الْعِوَضُ فِي الصَّرْفِ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ عُلِمَ عَيْبُهُ فُسِخَ الْعَقْدُ وَيُرَدُّ الْمَوْجُودُ وَتَبْقَى قِيمَةُ الْمَعِيبِ فِي ذِمَّةِ مَنْ تَلَفَ فِي يَدِهِ فَيَرُدُّ مِثْلَهَا أَوْ عِوَضَهَا إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّرْفُ لِجِنْسِهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَرْشِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ وَالْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ.

(وَمَتَى صَارَفَهُ) ثُمَّ أَرَادَ الشِّرَاءَ مِنْهُ (كَانَ لَهُ الشِّرَاءُ) مِنْهُ (مِنْ جِنْسِ مَا أَخَذَ مِنْهُ بِلَا مُوَاطَأَةٍ) بَيْنهمَا عَلَى ذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ:

(3/268)


أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ لَا وَاَللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذَ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَفْعَلْ بِعْ التَّمْرَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا لَبَيَّنَهُ لَهُ.

(وَلَوْ اشْتَرَى فِضَّةً بِدِينَارٍ وَنِصْفِ) دِينَارٍ (وَدَفَعَ) الْمُشْتَرِي (إلَى الْبَائِعِ دِينَارَيْنِ لِيَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَدْفُوعِ لَهُ وَهُوَ الدِّينَارَانِ (فَأَخَذَهُ) أَيْ فَأَخَذَ الْبَائِعُ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ الدِّينَارَيْنِ.
(وَلَوْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ صَحَّ) الصَّرْفُ لِحُصُولِ التَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَاَلَّذِي تَأَخَّرَ إنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُ حَقِّهِ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ (وَالزَّائِدُ) مِنْ الدِّينَارَيْنِ (أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْبَائِعِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِضَمَانِهِ.

(وَلَوْ صَارَفَهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهُ دِينَارًا) لِيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهُ (صَحَّ) الصَّرْفُ لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَلَوْ تَأَخَّرَ التَّمْيِيزُ حَتَّى تَفَرَّقَا.
(وَيَكُونُ نِصْفُهُ لَهُ وَالْبَاقِي) مِنْ الدِّينَارِ (أَمَانَةً فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ قَابِضِ الدِّينَارِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَتَفَرَّقَانِ) أَيْ لَهُمَا أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ تَمْيِيزِ النِّصْفِ (ثُمَّ إنْ صَارَفَهُ) أَيْ صَارَفَ قَابِضُ الدِّينَارِ صَاحِبَهُ (بَعْدَ ذَلِكَ بِالْبَاقِي لَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدِّينَارِ جَازَ (أَوْ اشْتَرَى بِهِ) أَيْ بِالْبَاقِي مِنْ الدِّينَارِ (مِنْهُ شَيْئًا) جَازَ (أَوْ جَعَلَهُ) أَيْ الْبَاقِيَ (سَلَمًا فِي شَيْءٍ) جَازَ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَلَيْسَ دَيْنًا (أَوْ وَهَبَهُ) أَيْ وَهَبَ دَافِعُ الدِّينَارِ قَابَضَهُ (إيَّاهُ) أَيْ الْبَاقِي مِنْهُ (جَازَ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ (وَلَوْ اقْتَرَضَ) آخِذُ الدِّينَارِ (الْخَمْسَةَ) الدَّرَاهِمَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَابِضِهَا.
(وَصَارَفَهُ بِهَا عَنْ) النِّصْفِ (الْبَاقِي) صَحَّ بِلَا حِيلَةٍ (أَوْ صَارَفَهُ دِينَارًا بِعَشْرَةٍ فَأَعْطَاهُ الْخَمْسَةَ، ثُمَّ اقْتَرَضَهَا مِنْهُ وَدَفَعَهَا عَنْ الْبَاقِي) مِنْ الْعَشَرَةِ بِذِمَّتِهِ (صَحَّ) ذَلِكَ (بِلَا حِيلَةٍ) أَيْ مُوَاطَأَةٍ فَإِنْ كَانَ حِيلَةً لَمْ يَصِحَّ لِمَا يَأْتِي.

(وَمَنْ عَلَيْهِ دِينَارٌ فَقَضَاهُ دَرَاهِمَ مُتَفَرِّقَةً كُلُّ نَقْدَةٍ بِحِسَابِهَا مِنْ الدِّينَارِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: هَذَا الدِّرْهَمُ عَنْ عُشْرِ دِينَارٍ وَهَذَانِ الدِّرْهَمَانِ عَنْ خُمُسهِ مَثَلًا وَهَكَذَا (صَحَّ) ذَلِكَ (وَإِلَّا فَلَا) .

وَإِنْ أَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ مَعَ السُّكُوتِ ثُمَّ حَاسَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَارَفَهُ بِهَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا.

(وَيَصِحُّ اقْتِضَاءُ نَقْدٍ) مِنْ نَقَدٍ (آخَرَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا نَبِيعُ الْأَبْعِرَةَ بِالْبَقِيعِ بِالدَّنَانِيرِ وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّرَاهِمَ وَبِالدَّرَاهِمِ وَنَأْخُذُ عَنْهَا الدَّنَانِيرَ فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذُوهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (إنْ أُحْضِرَ

(3/269)


أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ (أَوْ كَانَ) أَحَدُ النَّقْدَيْنِ (أَمَانَةً) أَوْ غَصْبًا (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُقْتَضِي.
(وَ) النَّقْدُ (الْآخَرُ فِي الذِّمَّةِ) وَهُوَ (مُسْتَقِرٌّ) كَثَمَنٍ وَقَرْضٍ وَأُجْرَةٍ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا، بِخِلَافِ دَيْنٍ كِتَابَةٍ وَجُعْلٍ قَبْلَ عَمَلٍ، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ (بِسِعْرِ يَوْمِهِ) أَيْ يَوْمِ الِاقْتِضَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا، بِخِلَافِ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ هَذَا.

(وَلَا يُشْتَرَطُ حُلُولُهُ) أَيْ حُلُولُ مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَقَضَاهُ عَنْهُ بِسِعْرِ يَوْمِ الْقَضَاءِ جَازَ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَعْجِيلِ مَا فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
(وَإِنْ كَانَ) كُلٌّ مِنْ النَّقْدَيْنِ (فِي ذِمَّتَيْهِمَا فَاصْطُرِفَا) مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ أَحَدِهِمَا (لَمْ يَصِحَّ) الصَّرْفُ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ) فِي مَوَاضِعَ.

(وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ فَوَفَّاهُ عَشْرَةَ) دَنَانِيرَ (نَقْدًا فَوَجَدَهَا أَحَدَ عَشَرَ) دِينَارًا (وَزْنًا كَانَ الدِّينَارُ الزَّائِدُ فِي يَدِ الْقَابِضِ مُشَاعًا مَضْمُونًا لِمَالِكِهِ) الْمُقْبِضِ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ عِوَضُ مَالِهِ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.

(وَإِنْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَدِيعَةً فَصَارَفَهُ) أَيْ صَارَفَ رَبُّ الدِّينَارِ الْوَدِيعَ (بِهِ) أَيْ بِالدِّينَارِ (وَهُوَ) أَيْ الدِّينَارُ (مَعْلُومٌ بَقَاؤُهُ أَوْ مَظْنُونٌ) بَقَاؤُهُ (صَحَّ الصَّرْفُ) لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ.
(وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهُ) أَيْ الدِّينَارِ (لَمْ يَصِحَّ) الصَّرْفُ لِلْغَرَرِ (وَإِنْ شَكَّ فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ الدِّينَارِ (صَحَّ) الصَّرْفُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (فَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهُ) أَيْ الدِّينَارِ (حِينَ الْعَقْدِ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا) لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.

وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِينَارٍ لَزِمَهُ شِقٌّ ثُمَّ إنْ اشْتَرَى آخَرَ بِنِصْفٍ آخَرَ لَزِمَهُ شِقٌّ أَيْضًا وَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُ عَنْهُمَا صَحِيحًا لَكِنْ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي أَبْطَلَهُ وَقِيلَ: لُزُومُ الْأَوَّلِ يُبْطِلُهُمَا.

(وَالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ فِي جَمِيعِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَبَيْعٍ وَصُلْحٍ بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَى الْبَيْعِ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَالَحَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ.
(وَ) كَ (أُجْرَةٍ وَصَدَاقٍ وَعِوَضِ عِتْقٍ وَخُلْعٍ وَمَا صُولِحَ بِهِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَتَعَيَّنَتْ بِالتَّعْيِينِ كَالْعِوَضِ الْآخَرِ (فَ) عَلَى هَذَا (لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي) وَنَحْوِهِ (إبْدَالُهَا) أَيْ إبْدَالُ الدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ.

(وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ) أَيْ الْبَيْعُ وَمَا بِمَعْنَاهُ بِظُهُورِ (كَوْنِهَا مَغْصُوبَةً) كَمَا لَوْ ظَهَرَ الْبَيْعُ مَغْصُوبًا.

(وَيَمْلِكُهَا) أَيْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمُعَيَّنَةَ بِالْعَقْدِ (بَائِعٌ) وَنَحْوُهُ (بِمُجَرَّدِ) الْعَقْدِ مَعَ (التَّعْيِينِ) لَهَا (فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ الْبَائِعِ وَنَحْوِهِ (فِيهَا) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ (قَبْلَ قَبْضِهَا)

(3/270)


إنْ لَمْ تَحْتَجْ إلَى وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ) الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ الْمُعَيَّنَةُ (قَبْلَ قَبْضِهَا فَ) هِيَ (مِنْ ضَمَانِهِ) أَيْ الْبَائِعِ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ تَحْتَجْ لِوَزْنٍ أَوْ عَدٍّ كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ.

(وَإِنْ وَجَدَهَا الْبَائِعُ) أَيْ الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ الْمُعَيَّنَةَ (مَعِيبَةً مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا) بِأَنْ وَجَدَ فِي الدَّرَاهِمِ نُحَاسًا أَوْ الدَّنَانِيرِ مَسًّا (بَطَلَ الْعَقْدُ) أَيْ الْبَيْعُ وَمَا بِمَعْنَاهُ، لِأَنَّهُ بَاعَهُ غَيْرَ مَا سَمَّى لَهُ (فَإِنْ كَانَ) الْعَيْبُ (فِي بَعْضِهَا) فَقَدْ (بَطَلَ) الْعَقْدُ (فِيهِ) أَيْ الْمَعِيبِ (فَقَطْ) وَصَحَّ فِي السَّلَمِ بِقِسْطِهِ.

(وَ) إنْ ظَهَرَ فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ عَيْبٌ مِنْ جِنْسِهَا خُيِّرَ الْبَائِعُ وَنَحْوُهُ بَيْنَ فَسْخٍ فَيَرُدُّهَا وَلَا يُطَالِبُ بِبَدَلِهَا (وَإِمْسَاكٍ بِلَا أَرْشٍ إنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى) عِوَضَيْنِ مِنْ (جِنْسٍ) وَاحِدٍ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى عَدَمِ التَّمَاثُلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْعِوَضَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ، (فَلَهُ أَخْذُ أَرْشٍ فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ التَّمَاثُلَ فِي الْجِنْسَيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَ) لَهُ أَخْذُ أَرْشٍ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (إنْ جَعَلَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ) أَيْ النَّقْدِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بَيْعِ نَقْدٍ بِنَقْدٍ مَعَ تَأْخِيرِ التَّقَابُضِ (كَمَا تَقَدَّمَ) تَفْصِيلُهُ " تَنْبِيهٌ " هُوَ لُغَةً الْإِيقَاظُ وَاصْطِلَاحًا عِنْوَانُ بَحْثٍ يُفْهَمُ مِمَّا قَبْلَهُ (يَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِالْإِشَارَةِ) سَوَاءٌ ضُمَّ إلَيْهِمَا الِاسْمُ أَوْ لَا (كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِهَذِهِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِهَذَا) مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْعِوَضَيْنِ قُلْتُ وَيَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِالِاسْمِ، كَبِعْتُكَ عَبْدِي سَالِمًا أَوْ دَارِي بِمَوْضِعِ كَذَا وَهُمَا يَعْلَمَانِهِمَا أَوْ بِمَا فِي يَدِي أَوْ كِيسِي مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، وَيَعْلَمَانِ ذَلِكَ.

(وَيَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَ) يَحْرُمُ الرِّبَا (بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أَمَانٌ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ.

(مَا لَمْ يَكُنْ) الرِّبَا بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ إنْسَانٍ (وَبَيْنَ رَقِيقِهِ وَلَوْ) كَانَ رَقِيقُهُ (مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلسَّيِّدِ.
(وَ) لَوْ كَانَ الرَّقِيقُ (مُكَاتَبًا) فَلَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ رِبًا (فِي مَالِ الْكِتَابَةِ) فَقَطْ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(وَتَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِ) نَقْدٍ (مَغْشُوشٍ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يُعْرَفْ) أَيُّ الْغِشُّ لِعَدَمِ الْغَرَرِ (وَكَذَا) تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِنَقْدٍ مَغْشُوشٍ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَكَذَا يَجُوزُ ضَرْبُهُ) أَيْ النَّقْدُ الْمَغْشُوشُ نَقَلَ صَالِحٌ عَنْ الْإِمَامِ فِي دَرَاهِمَ يُقَالُ لَهَا: الْمَسْبِيَّة عَامَّتُهَا نُحَاسٌ إلَّا شَيْئًا فِيهَا فِضَّةٌ فَقَالَ (إذَا كَانَ شَيْئًا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ كَالْفُلُوسِ) وَاصْطَلَحُوا عَلَيْهَا فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا بَأْسٌ (وَلِأَنَّهُ لَا تَغْرِيرَ فِيهِ) وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُسْتَفِيضٌ فِي

(3/271)


سَائِرِ الْأَعْصَارِ، جَارٍ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

(لَكِنْ يُكْرَهُ) ضَرْبُ النَّقْدِ الْمَغْشُوشِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَامَلُ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ (فَإِنْ اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ زُيُوفٌ) أَيْ نُحَاسٌ (فَإِنَّهُ يَسْبِكُهَا وَلَا يَبِيعَهَا وَلَا يُخْرِجُهَا فِي مُعَامَلَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ فَإِنَّ قَابِضَهَا رُبَّمَا خَلَطَهَا بِدَرَاهِمَ جَيِّدَةٍ وَأَخْرَجَهَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ حَالَهَا فَيَكُونُ) ذَلِكَ (تَغْرِيرًا بِالْمُسْلِمَيْنِ) وَإِدْخَالًا لِلْغَرَرِ عَلَيْهِمْ قَالَ أَحْمَدُ إنِّي أَخَافُ أَنْ يَغُرَّ بِهَا مُسْلِمًا وَقَالَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَغُرَّ بِهَا الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَقُولُ: أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالْمُسْلِمِينَ.
(وَكَانَ) عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (يَكْسِرُ الزُّيُوفَ وَهُوَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي) بَابِ (زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا كَلَامُ الشَّيْخِ فِي الْكِيمْيَاءِ) وَأَنَّهَا غِشٌّ فَتَحْرُمُ مُطْلَقًا، (وَقَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكُتُبِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ صِنَاعَتِهَا وَيَجُوزُ إتْلَافُهَا انْتَهَى) دَفْعًا لِضَرَرِهَا.

(وَيَحْرُمُ قَطْعُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ) وَنَحْوهِمَا مِنْ السِّكَّةِ الْجَائِزَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (وَكَسْرُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدِّينَارِ وَنَحْوِهِمَا.
(وَلَوْ) كَانَ كَسْرُهُ (لِصِيَاغَةٍ وَإِعْطَاءِ سَائِلٍ) لِعُمُومِ " نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَسْرِ السِّكَّةِ الْجَائِزَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ " وَلِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا لِلْمُعَامَلَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ رَدِيئًا) ، أَوْ يُخْتَلَفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا هَلْ هُوَ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ فَيَجُوزُ كَسْرُهُ اسْتِظْهَارًا لِحَالِهِ.

(وَتُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَالْحِيَاصَةِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَنَثْرُهَا) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (عَلَى الرَّاكِبِ) وَيَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ: يُكْرَهُ نِثَارُهُ وَالْتِقَاطُهُ (وَأَوَّلُ مَا ضُرِبَتْ الدَّرَاهِمُ) ضَرْبَ الْإِسْلَامِ (عَلَى عَهْدِ الْحَجَّاجِ) الثَّقَفِيِّ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَ) تُرَابِ (الْمَعْدِنِ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ) فَتُرَابُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَصِيَاغَتِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِذَهَبٍ لِلْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي وَيَجُوزُ بِفِضَّةٍ وَتُرَابُ مَعْدِنٍ لِلْفِضَّةِ وَصِيَاغَتُهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِفِضَّةٍ كَذَلِكَ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِذَهَبٍ لَا يُؤَثِّرُ اسْتِتَارُ الْمَقْصُودِ بِالتُّرَابِ فِي الْمَعْدِنِ لِأَنَّهُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَهُوَ كَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ وَتُرَابُ الصَّاغَةِ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ (وَالْحِيَلُ الَّتِي تُحَرِّمُ حَلَالًا أَوْ تُحَلِّلُ حَرَامًا) أَيْ الَّتِي يُتَوَسَّلُ بِهَا إلَى ذَلِكَ (كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ لَا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ فَجَعَلَهُ قِمَارًا مَعَ إدْخَالِ الْفَرَسِ الثَّالِثِ لِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ مَعْنَى الْقِمَارِ وَهُوَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ

(3/272)


الْمُتَسَابِقِينَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ آخِذًا وَمَأْخُوذًا مِنْهُ وَإِنَّمَا دَخَلَ صُورَةً، تَحَيُّلًا عَلَى إبَاحَةِ الْمُحَرَّمِ وَسَائِرُ الْحِيَلِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ الْمُحَرَّمَاتِ لِمَفْسَدَتِهَا وَالضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْهَا وَلَا يَزُولُ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ مَعْنَاهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ خَيْبَرَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ «بِعْ الْجَمْعَ - أَيْ التَّمْرَ الرَّدِيءَ - بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ أَشْتَرِ بِهَا جَيِّدًا» فَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبِيعُونَ الصَّاعَيْنِ مِنْ الرَّدِيءِ بِالصَّاعِ مِنْ الْجَيِّدِ فَعَلَّمَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِيلَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ الرِّبَا لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا بِالذَّاتِ تَحْصِيلُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ دُونَ الزِّيَادَةِ فَإِنْ قُصِدَتْ حُرِّمَتْ الْحِيلَةُ جَمْعًا بَيْنَ الْإِخْبَارِ فَعُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا قُصِدَ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ حَرَامًا جَازَ وَإِلَّا حَرُمَ.
(وَهِيَ) أَيْ الْحِيلَةُ (أَنْ يُظْهِرَ عَقْدًا) ظَاهِرُهُ الْإِبَاحَةُ (يُرِيدُ بِهِ مُحَرَّمًا مُخَادَعَةً، وَتَوَصُّلًا إلَى فِعْلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) تَعَالَى مِنْ الرِّبَا وَنَحْوِهِ (أَوْ) إلَى (إسْقَاطِ وَاجِبٍ) لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ، كَهِبَةِ مَالِهِ قُرْبَ الْحَوْلِ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ أَوْ لِإِسْقَاطِ نَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ (أَوْ) إلَى (دَفْعِ حَقٍّ) عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ دَيْنٍ (فَمِنْهَا) أَيْ الْحِيَلِ:
(لَوْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا وَبَاعَهُ سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ اشْتَرَى) الْمُقْرِضُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُقْتَرِضِ (سِلْعَةً بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا تَوَسُّلًا إلَى أَخْذِ عِوَضٍ عَنْ الْقَرْضِ، وَمِنْهَا) أَيْ الْحِيَلِ (أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضَ الْبُسْتَانِ بِأَمْثَالِ أُجْرَتِهَا ثُمَّ يُسَاقِيهِ عَلَى ثَمَرِ شَجَرِهِ بِجُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ لِلْمَالِكِ) أَوْ لِجِهَةِ الْوَقْفِ (وَالْبَاقِي) مِنْ الثَّمَرِ (لِلْعَامِلِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَالِكُ شَيْئًا) وَلَا النَّاظِرُ مِنْهُ شَيْئًا.
(وَلَا يُرِيدَانِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ) مَا (بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا) أَوْ بُدُوِّ صَلَاحِهَا (بِمَا سَمَّيَاهُ أُجْرَةً وَالْعَامِلُ لَا يَقْصِدُ سِوَى ذَلِكَ وَرُبَّمَا لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَرْضِ الَّتِي سَمَّى الْأُجْرَةَ فِي مُقَابِلَتِهَا) بَلْ قَدْ تَكُونُ الْأَرْضُ لَا تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي (كِتَابِهِ) إعْلَامُ الْمُوَقَّعِينَ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا كَثِيرَةً جِدًّا يَطُولُ ذِكْرُهَا (فَلْتُعَاوَدْ) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.