كشاف
القناع عن متن الإقناع [بَابُ الْقِسْمَةِ]
(بَابُ الْقِسْمَةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ اسْمُ مَصْدَرِ قَسَمَ يَقْسِمُ
قَسْمًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْقَسْمُ مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ
فَانْقَسَمَ وَقَاسَمَهُ الْمَالَ وَتَقَاسَمَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ (وَهِيَ
تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ عَنْ بَعْضٍ وَإِفْرَازُ مَا عَنْهَا)
وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهَا وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَنَبِّئْهُمْ
أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: 28]
{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(6/370)
«الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقَسَّمْ»
وَكَانَ يُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ
إلَى ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ
التَّصَرُّفِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ وَيَتَخَلَّصُ مِنْ سُوءِ
الْمُشَارَكَةِ وَكَثْرَةِ الْأَيْدِي.
[الْقِسْمَةُ نَوْعَانِ]
[النَّوْع الْأَوَّل قِسْمَةُ تَرَاضٍ]
(وَهِيَ) أَيْ الْقِسْمَةُ (نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ تَرَاضٍ لَا
تَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ وَهِيَ مَا فِيهَا ضَرَرٌ
وَرَدُّ عِوَضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) عَلَى الْآخَرِ (كَالدُّورِ الصِّغَارِ
وَالْحَمَّامِ وَالطَّاحُونِ الصَّغِيرَيْنِ وَالْعَضَائِدِ الْمُلَاصِقَةِ
أَيْ الْمُتَّصِلَةِ صَفًّا وَاحِدًا وَهِيَ) أَيْ الْعَضَائِدُ
(الدَّكَاكِينُ اللِّطَافُ الضَّيِّقَةُ) .
وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَاحِدَتُهَا عِضَادَةٌ وَهِيَ مَا يُصْنَعُ
لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهِ مِنْ السَّوَاقِي ذَوَاتِ الْكَتِفَيْنِ،
وَمِنْهُ عِضَادَتَا الْبَابِ وَهُمَا جَنْبَاهُ مِنْ جَنْبَيْهِ، (فَإِنْ
طَلَبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي
بَعْضٍ) أَيْ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَهَا فِي مُقَابَلَةِ بَعْضٍ (لَمْ
يُجْبَرْ الْآخَرُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ وَيَقْصِدُ
بِالسَّكَنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا طَرِيقٌ مُفْرَدٌ) وَكُلُّ عَيْنٍ
مِنْهَا تَخْتَصُّ بِاسْمٍ وَصُورَةٍ وَلَوْ بِيعَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ
تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِمَالِكِ الَّتِي تُجَاهَهَا (فَيَجْرِي) ذَلِكَ
مَجْرَى الدُّورِ الْمُتَجَاوِرَةِ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ
مُفْرَدَةً، وَكَذَا الشَّجَرُ الْمُفْرَدُ وَالْأَرْضُ الَّتِي
بِبَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ أَوْ نَحْوُهُ أَيْ وَنَحْوُ مَا ذَكَرَ
فَتُعْتَبَرُ كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهَا (وَ) حَيْثُ (لَا
يُمْكِنُ قِسْمَةٌ بِالْأَجْزَاءِ وَالتَّعْدِيلِ) لَا يُقْسَمُ بِغَيْرِ
رِضَا الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ (فَإِنْ قَسَمُوهُ أَعْيَانًا بِرِضَاهُمْ
بِالْقِيمَةِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ) لَا يَعْدُوهُمْ.
(وَحُكْمُهَا) أَيْ قِسْمَةُ التَّرَاضِي (كَبَيْعٍ) لِأَنَّ صَاحِبَ
الزَّائِدِ بَذَلَ الْمَالَ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ حَقِّ
شَرِيكِهِ وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ.
(قَالَ الْمَجْدُ: الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي فِيمَا فِيهِ رَدٌّ أَنَّهُ
بَيْعٌ فِيمَا يُقَابِلُ الرَّدِّ) أَيْ الْعِوَضِ الَّذِي رُدَّ مِنْ
أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَإِفْرَازٌ فِي الْبَاقِي انْتَهَى)
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ
وَالْمُوَفَّقُ فِي الْكَافِي: الْبَيْعُ مَا فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَدُّ عِوَضٍ فَهِيَ إفْرَازُ النَّصِيبَيْنِ
وَتَمْيِيزُ الْحِصَصِ وَلَيْسَتْ بَيْعًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ (فَلَا يَجُوزُ فِيهَا) أَيْ قِسْمَةِ التَّرَاضِي (مَا لَا
يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ) لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِهِ.
(وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ) مِنْهُمَا لِحَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ
مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ، قَالَ الثَّوْرِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَهُ
طَرِيقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلِأَنَّهُ إتْلَافٌ وَسَفَهٌ
يَسْتَحِقُّ بِهِ الْحَجْرَ أَشْبَهَ هَدْمَ الْبِنَاءِ، وَعُلِمَ مِنْ
قَوْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ بِالْأَجْزَاءِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ
لَوْ أَمْكَنَ قَسْمُهُ بِالْأَجْزَاءِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الْبِئْرُ
وَاسِعَةً يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ نِصْفُهَا لِوَاحِدٍ وَنِصْفُهَا
لِلْآخَرِ وَيُجْعَلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فِي أَعْلَاهَا، أَوْ يَكُونَ
الْبِنَاءُ كَبِيرًا يُمْكِن أَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
(6/371)
نِصْفَهُ أَوْ أَمْكَنَ الْقَسْمُ
بِالتَّعْدِيلِ كَأَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْأَرْضِ بِئْرٌ
يُسَاوِي مِائَةً وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهَا بِئْرٌ يُسَاوِي
مِائَةً فَهُوَ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ.
(فَلَوْ) كَانَ لَهُمَا دَارٌ لَهَا عُلْوٌ وَسُفْلٌ وَ (قَالَ أَحَدُهُمَا
أَنَا آخِذُ الْأَدْنَى وَيَبْقَى لِي فِي الْأَعْلَى تَتِمَّةُ حِصَّتِي
فَلَا إجْبَارَ) لِلشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ
لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَلَا إجْبَارَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ، (وَمَنْ دَعَا
شَرِيكَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الدُّورِ الصِّغَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا
تَقَدَّمَ إلَى الْبَيْعِ أُجْبِرَ (أَوْ) دَعَا شَرِيكَهُ (فِي شَرِكَةِ
عَبْدٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ) كَكِتَابٍ (إلَى الْبَيْعِ
أُجْبِرَ) إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ لِيَتَخَلَّصَ الطَّالِبُ مِنْ
ضَرَرِ الشَّرِكَةِ (فَإِنْ أَبَى) الْمُمْتَنِعُ الْبَيْعَ (بِيعَ) أَيْ
بَاعَهُ الْحَاكِمُ (عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، كَمَا بِيعَ
الرَّهْنُ إذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ (وَقَسْمُ الثَّمَنِ) بَيْنَهُمَا
بِحَسَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ (نَصًّا، قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ
مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ) - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
(وَكَذَا لَوْ طَلَبَ) أَحَدُهُمَا (الْإِجَارَةَ وَلَوْ فِي وَقْفٍ)
فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ فَإِنْ أَصَرَّ أَجَّرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِمَا
وَقَسَّمَ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا بِحَسْبِ الْمِلْكِ أَوْ
الِاسْتِحْقَاقِ، (وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ
نَقْصُ قِيمَةِ الْمَقْسُومِ بِهَا) لِأَنَّ نَقْصَ قِيمَتِهِ ضَرَرٌ
وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا وَسَوَاءٌ انْتَفَعُوا بِهِ مَقْسُومًا أَوْ لَا،
وَلَا يُعْتَبَرُ الضَّرَرُ (بِكَوْنِهِمَا لَا يَنْتَفِعَانِ بِهِ
مَقْسُومًا) خِلَافًا لِظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ
وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَهُوَ رِوَايَةٌ (وَتَقَدَّمَ
بَعْضُ ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهَا) أَيْ الْقِسْمَةِ
(أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَحْدَهُ كَرَبِّ الثُّلُثِ مَعَ رَبِّ
الثُّلُثَيْنِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ لَمْ يُجْبَرْ
الْمُمْتَنِعُ) وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُتَضَرِّرُ لِأَنَّ فِيهِ
إضَاعَةَ مَالٍ، وَلِأَنَّهَا قِسْمَةٌ يُضَرُّ بِهَا صَاحِبُهُ فَلَا
يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ اسْتَضَرَّا مَعًا (وَمَا تَلَاصَقَ مِنْ
دُورٍ وَعَضَائِدَ وَنَحْوِهَا) كَأَقْرِحَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا
مَاءَ بِهَا وَلَا شَجَرَ كَمُتَفَرِّقٍ (يُعْتَبَرُ الضَّرَرُ فِي عَيْنٍ
وَحْدَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَيْنُ بَهَائِمَ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ نَحْوِهَا)
كَأَوَانِي فَإِنْ كَانَتْ (مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) وَفِي الْمُغْنِي مِنْ
نَوْعٍ (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا أَعْيَانًا) وَأَمْكَنَ أَنْ
تُعْدَلَ (بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ إنْ تَسَاوَتْ الْقِيمَةُ)
لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنْ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ
سِتَّةَ أَعْبُدٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ
أَرْبَعَةً وَهَذِهِ قِسْمَةٌ لَهُمْ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنٌ أَمْكَنَ
قِسْمَتُهَا وَلَا ضَرَرَ وَلَا رَدَّ عِوَضٍ فَأُجْبَرَ الْمُمْتَنِعُ
كَمَا لَوْ كَانَتْ أَرْضًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَسَاوَ
الْقِيمَةُ (فَلَا) إجْبَارَ (كَاخْتِلَافِ أَجْنَاسٍ) بِأَنْ كَانَ بَعْضُ
الْبَهَائِمِ ضَأْنًا وَبَعْضُهَا بَقَرًا (وَالْآجُرُّ) وَهُوَ اللَّبِنُ
الْمَشْوِيُّ (وَاللَّبِنُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ تَحْتُ وَهُوَ غَيْرُ
الْمَشْوِيِّ (الْمُتَسَاوِي الْقَوَالِبِ
(6/372)
مِنْ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ) لِلتَّسَاوِي
فِي الْقَدْرِ (وَالْمُتَفَاوِتُ) الْقَوَالِبِ (مِنْ قِسْمَةِ
التَّعْدِيلِ) بِالْقِيمَةِ.
(فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ أَوْ عَرْصَةُ حَائِطٍ وَهِيَ
مَوْضِعُهُ بَعْدَ اسْتِهْدَامِهِ) أَيْ الْحَائِطِ (فَطَلَب أَحَدُهُمَا
قِسْمَتَهُ) أَيْ الْحَائِطِ أَوْ عَرْصَتِهِ (وَلَوْ طُولًا فِي كَمَالِ
الْعَرْضِ) لَمْ يُجْبَرْ مُمْتَنِعٌ (أَوْ) طَلَبَ قِسْمَةَ (الْعَرْصَةِ
عَرْضًا وَلَوْ وَسَعَتْ حَائِطَيْنِ لَمْ يُجْبَرْ مُمْتَنِعٌ) قَالَ فِي
شَرْحِ الْمُحَرَّرِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ مَبْنِيًّا لَمْ
تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ عَرَضًا فِي تَمَامِ طُولِهِ بِدُونِ نَقْضِهِ
لِيَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ، وَلَا طُولًا فِي تَمَامِ الْعَرْضِ لِأَنَّ كُلَّ
قِطْعَةٍ مِنْ الْحَائِطِ يُنْتَفَعُ بِهَا عَلَى حِدَتِهَا، وَالنَّفْعُ
فِيهَا مُخْتَلِفٌ فَلَا يَجُوزُ إجْبَارُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى تَرْكِ
انْتِفَاعِهِ بِمَكَانٍ مِنْهُ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ كَانَا دَارَيْنِ أَوْ
عِضَادَتَيْنِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ
فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجَمِيعِ مِنْهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ
كَانَ الْحَائِطُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ فَهُوَ كَالْعَرْصَةِ الضَّيِّقَةِ،
وَالْعَرْصَةُ الضَّيِّقَةُ لَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ فِي قِسْمَتِهَا
فَكَذَلِكَ هَذِهِ.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارٌ لَهَا عُلْوٌ وَسُفْلٌ فَطَلَب
أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا، لِأَحَدِهِمَا الْعُلْوُ وَلِلْآخَرِ السُّفْلُ)
فَلَا إجْبَارَ، (أَوْ طَلَبَ) أَحَدُهُمَا (قِسْمَةَ السُّفْلِ دُون
الْعُلْوِ أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ طَلَب قِسْمَةَ الْعُلْوِ دُون السُّفْلِ
بِلَا إجْبَارٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْكَنٌ مُنْفَرِدٌ
وَلِأَنَّ فِي إحْدَى الصُّوَرِ قَدْ يَحْصُلُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عُلْوُ
سُفْلِ الْآخَرِ فَيَتَضَرَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَفِي أَحَدِهِمَا لَا
يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ، (أَوْ) طَلَبَ أَحَدُهُمَا (قِسْمَةَ كُلِّ
وَاحِدٍ) مِنْ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ (عَلَى حِدَةٍ فَلَا إجْبَارَ) لِمَا
فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، (وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُمَا) أَيْ
الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ (مَعًا وَلَا ضَرَرَ) وَلَا رَدَّ عِوَضٍ (وَجَبَ)
وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ (وَعَدَلَ بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَ
(لَا) يَحْصُلُ (ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْ عُلْوٍ) وَلَا عَكْسُهُ (وَلَا
ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ) إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ (وَإِنْ
تَرَاضَيَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (عَلَى قَسْمِ الْمَنَافِعِ كَدَارٍ
مَنْفَعَتُهَا لَهُمَا مِثْلَ دَارِ وَقْفٍ عَلَيْهِمَا أَوْ
مُسْتَأْجَرَةٍ) لَهُمَا أَوْ لِمُوَرِّثِهِمَا (أَوْ مِلْكٍ لَهُمَا
فَاقْتَسَمَاهَا مُهَايَأَةً بِزَمَانٍ بِأَنْ تُجْعَلَ الدَّارُ فِي يَدِ
أَحَدِهِمَا شَهْرًا أَوْ عَامًا وَنَحْوَهُ) بِحَسَبِ مَا يَتَرَاضَيَانِ
عَلَيْهِ (وَفِي يَدِ الْآخَرِ مِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ تِلْكَ الْمُدَّةِ
الَّتِي كَانَتْ فِيهَا بِيَدِ الْأَوَّلِ (أَوْ) اقْتَسَمَاهَا
مُهَايَأَةً (بِمَكَانٍ كَسُكْنَى هَذَا فِي بَيْتٍ وَ) سُكْنَى (الْآخَرِ
فِي بَيْتٍ وَنَحْوِهِ جَازَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ) .
وَالْحَقُّ لَهُمَا فِيهَا فَجَازَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ (فَإِنْ
اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا تَطْوِيلَ الدَّوْرِ
الَّذِي يَأْخُذُ فِيهِ نَصِيبَهُ وَطَلَبَ) الشَّرِيكُ (الْآخَرُ
تَقْصِيرَهُ وَجَبَتْ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ التَّقْصِيرَ لِأَنَّهُ
أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا تَهَايَآ) عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ
(اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ
(6/373)
(بِنَفَقَتِهِ وَكَسْبِهِ فِي مُدَّتِهِ)
لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الْقِسْمَةِ (لَكِنْ لَا يَدْخُلُ) فِي
الْمُهَايَأَةِ (الْكَسْبُ النَّادِرُ فِي وَجْهٍ كَاللُّقَطَةِ
وَالْهِبَةِ وَالرِّكَازِ) إذَا وَجَدَهُ الْعَبْدُ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ
مَنْ هُوَ فِي نَوْبَتِهِ وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى مَا جَزَمَ بِهِ هُوَ
وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُمَا فِي آخَرِ اللُّقَطَةِ فِي
الْمُبَعَّضِ إذَا وَجَدَهَا.
(وَإِنْ تَهَايَآ فِي الْحَيَوَانِ اللَّبُونِ لِيَحْلِبَ هَذَا يَوْمًا
وَهَذَا يَوْمًا) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) تَهَايَآ (فِي الشَّجَرَةِ
الْمُثْمِرَةِ لِتَكُونَ الثَّمَرَةُ لِهَذَا عَامًا وَلِهَذَا عَامًا لَمْ
يَصِحَّ) ذَلِكَ (لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ الظَّاهِرِ لَكِنْ
طَرِيقُهُ أَنْ يُبِيحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ لِصَاحِبِهِ فِي
الْمُدَّةِ) الَّتِي تَكُونُ بِيَدِهِ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمِنْحَةِ
وَالْإِبَاحَةِ لَا الْقِسْمَةِ (وَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ) أَيْ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (جَائِزًا
لَا لَازِمًا) سَوَاءٌ عَيَّنَا مُدَّةً أَوْ لَمْ يُعَيِّنَاهَا
كَالْعَارِيَّةِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ (فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ
اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَهُ) أَيْ
بَعْدَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ (غَرِمَ مَا لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ) أَيْ
أَعْطَى شَرِيكَهُ نَصِيبَهُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِزَمَنِ
انْفِرَادِهِ بِالِانْتِفَاعِ.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ لَهُمَا فَطَلَبَ
أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا دُونَ الزَّرْعِ قُسِّمَتْ كَالْخَالِيَةِ) مِنْ
الزَّرْعِ، وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِأَنَّ الزَّرْعَ فِي الْأَرْضِ
كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ قِسْمَةَ الدَّارِ، فَكَذَا
الزَّرْعُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الزَّرْعِ بَذْرًا أَوْ قَصِيلًا
أَوْ مُشْتَدًّا (وَإِنْ طَلَب قِسْمَةَ الزَّرْعِ دُونَهَا) أَيْ
الْأَرْضِ (أَوْ) طَلَبَ (قِسْمَتَهُمَا مَعًا فَلَا إجْبَارَ)
لِلْمُمْتَنِعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ لِلنَّقْلِ
عَنْهَا، وَتَعْدِيلُ الزَّرْعِ بِالسِّهَامِ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ
الزَّرْعَ يَكُونُ فِيهِ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ فَإِنْ جَعَلَ الْكَثِيرَ مِنْ
الرَّدِيءِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلِيلِ مِنْ الْجَيِّدِ كَانَ صَاحِبُ
الرَّدِيءِ مُنْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ مِنْهَا،
لِأَنَّ الزَّرْعَ يَجِبُ بَقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ إلَى حَصَادِهِ (وَإِنْ
تَرَاضَيَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قِسْمَةِ الزَّرْعِ (وَالزَّرْعُ قَصِيلٌ
أَوْ) الزَّرْعُ (قُطْنٌ جَازَ) كَبَيْعِهِ، وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا
وَالْجَوَازَ التَّفَاضُلُ إذَنْ (وَإِنْ كَانَ) الزَّرْعُ (بَذْرًا أَوْ
سُنْبُلًا مُشْتَدَّ الْحَبِّ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ
الْبَذْرَ مَجْهُولٌ وَأَمَّا السُّنْبُلُ فَلِأَنَّهُ بَيْعُ بَعْضِهِ
بِبَعْضٍ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّسَاوِي.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ أَوْ قَنَاةٌ أَوْ عَيْنٌ نَبَعَ
مَاؤُهَا فَالنَّفَقَةُ لِحَاجَةٍ بِقَدْرِ حَقِّهِمَا) أَيْ حَقِّ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمَاءِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ (وَالْمَاءُ
بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرْطَاهُ عِنْدَ اسْتِخْرَاجِهِ) أَيْ الْمَاءِ
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عَلَى
شُرُوطِهِمْ» (وَإِنْ رَضِيَا بِقَسْمِهِ) أَيْ الْمَاءِ (مُهَايَأَةً
بِالزَّمَانِ) كَيَوْمٍ لِهَذَا وَيَوْمٍ لِهَذَا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ
لَهُمَا وَكَالْأَعْيَانِ (أَوْ) تَرَاضَيَا عَلَى قَسْمِهِ (بِمِيزَانٍ
بِأَنْ يُنْصَبَ حَجَرٌ مُسْتَوٍ أَوْ) يَنْصِبَ (خَشَبَةٌ فِي مَصْدَرِ
الْمَاءِ فِيهِ) أَيْ الْحَجَرِ أَوْ الْخَشَبَةِ (ثَقْبَانِ عَلَى قَدْرِ
حَقَّيْهِمَا جَازَ)
(6/374)
لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى التَّسْوِيَةِ
بَيْنَهُمَا فَجَازَ قَسْمُ الْأَرْضِ بِالتَّعْدِيلِ (وَإِنْ أَرَادَ
أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَ بِنَصِيبِهِ أَرْضًا لَا شِرْبَ) بِكَسْرِ
الشِّينِ وَهُوَ النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ (لَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ لَمْ
يَمْنَعْ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَهُوَ يَنْصَرِفُ عَلَى حَسَبِ
اخْتِيَارِهِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا (وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ
إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْمَاءَ لَا
يُمْلَكُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ
حَاجَتِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَلَا
يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ.
[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ قِسْمَةُ إجْبَارٍ]
ٍ) لِأَنَّهُ يَلِي النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَهُوَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي
(وَهِيَ) أَيْ قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ (مَا لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَيْهِمَا)
أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (وَلَا عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَا رَدَّ عِوَضٍ كَأَرْضٍ
وَاسِعَةٍ وَقَرِيبَةٍ وَبُسْتَانٍ وَدَارٍ كَبِيرَةٍ وَدُكَّانٍ وَاسِعٍ
وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةَ الْأَجْزَاءِ أَوْ لَا إذَا
أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا بِتَعْدِيلِ السِّهَامِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يُجْعَلُ
مَعَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكَ) أَيْ تَعْدِيلَ السِّهَامِ (إلَّا
بِجَعْلِ شَيْءٍ مَعَهَا فَلَا إجْبَارَ) لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَا
يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ امْتَنَعَ مِنْهَا كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ.
(وَلَهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (قَسْمُ أَرْضِ بُسْتَانٍ دُونَ شَجَرِهِ
وَعَكْسُهُ) بِأَنْ يَقْتَسِمَا الشَّجَرَ دُونَ الْأَرْضِ.
(وَ) قَسْمُ (الْجَمِيعِ فَإِنْ قَسَّمَا الْجَمِيعَ) أَيْ الْأَرْضَ
وَالشَّجَرَ (أَوْ) قَسَّمَا (الْأَرْضَ) وَحْدَهَا (فَقِسْمَةُ إجْبَارٍ)
حَيْثُ أَمْكَنَتْ قِسْمَتُهَا بِالتَّعْدِيلِ مِنْ غَيْرِ رَدِّ عِوَضٍ
(وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ تَبَعًا) لِلْأَرْضِ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ قَسَمَا)
أَيْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا (الشَّجَرَ وَحْدَهُ فَلَا إجْبَارَ) لِمَنْ
امْتَنَعَ مِنْهُمَا (وَمِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ قِسْمَةُ مَكِيلٍ
وَمَوْزُونٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَدُهْنٍ) مِنْ زَيْتٍ وَشَيْرَجٍ
وَغَيْرِهِمَا (وَلَبَنٍ وَدِبْسٍ وَخَلٍّ وَتَمْرٍ وَعِنَبٍ
وَنَحْوِهِمَا) كَسَائِرِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ الْمَكِيلَةِ.
(وَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمَذْكُورَاتِ
فِي هَذَا النَّوْعِ (وَأَبَى) الشَّرِيكُ (الْآخَرُ أُجْبِرَ)
الْمُمْتَنِعُ (وَلَوْ كَانَ وَلِيًّا عَلَى صَاحِبِ الْحِصَّةِ) لِأَنَّهُ
يَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالشَّرِكَةِ، وَحُصُولَ
النَّفْعِ لِلشَّرِيكَيْنِ، لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا
تَمَيَّزَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ
وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إحْدَاثِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَذَلِكَ لَا
يُمْكِنُ مَعَ الِاشْتِرَاكِ.
وَيُشْتَرَطُ لِلْإِجْبَارِ أَيْضًا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ
أَنَّهُ مَلَكَهُمْ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ فِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا
حُكْمًا عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا
يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِخَصْمِهِ بِخِلَافِ حَالَةِ الرِّضَا فَإِنَّهُ
لَا يَحْكُمُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَيَشْتَرِطُ أَيْضًا أَنْ يَثْبُتَ
عِنْدَهُ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، وَإِمْكَانُ تَعْدِيلِ
(6/375)
السِّهَامِ فِي الْعَيْنِ الْمَقْسُومَةِ
مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يُجْعَلُ فِيهَا (وَيُقَسِّمُ حَاكِمٌ مَعَ غَيْبَةِ
وَلِيٍّ وَكَذَا) يُقَسِّمُ حَاكِمٌ.
(وَعَلَى غَائِبٍ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ) لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَى
الْغَائِبِ فَجَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (فَإِنْ كَانَ
الْمُشْتَرَكُ مِثْلِيًّا وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ، وَغَابَ
الشَّرِيكُ أَوْ امْتَنَعَ) مِنْ قِسْمَتِهِ (جَازَ لِ) لِشَرِيكِ
(الْآخَرِ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) وَجَزَمَ
الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَاهُ فِي الْوَدِيعَةِ تَبَعًا لِلْمُقْنِعِ، قَالَ
فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ
الْمُحَقِّقِينَ (لَا عِنْدَ الْقَاضِي) وَالنَّاظِمِ وَهُوَ مُقْتَضَى
قَوْلِ الْمُصَنِّفِ آنِفًا، وَمِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ قِسْمَةُ
مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إذْ الْقَوْلُ بِإِجْبَارٍ يَمْنَعُ الْأَخْذَ
بِنَفْسِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْقَاضِي أَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَفٌ فِي
كَوْنِهَا بَيْعًا (وَإِذْنُ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) وَيُزِيلُ
الِاخْتِلَافَ (وَقَالَ الشَّيْخُ فِي) جَوَابِ سُؤَالٍ عَنْ (قَرْيَةٍ
مُشَاعَةٍ قَسَّمَهَا فَلَّاحُوهَا هَلْ يَصِحُّ؟ فَقَالَ: إذَا
تَهَايَئُوا وَزَرَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ فَالزَّرْعُ لَهُ) أَيْ
لِلزَّارِعِ (وَلِرَبِّ الْأَرْضِ نَصِيبُهُ) أَيْ الْقِسْطُ الْمُعْتَادُ
لَهُ نَظِيرَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ (إلَّا أَنَّ مَنْ تَرَكَ نَصِيبَ
مَالِكِهِ) يَعْنِي مِنْ نَصِيبٍ هُوَ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ (فَلَهُ
أُجْرَةُ الْفَضْلَةِ) أَيْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا (أَوْ مُقَاسَمَتُهَا) أَيْ
أَخْذُ قِسْمَةِ الْفَضْلَةِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي ذَلِكَ
الْمَوْضِعِ.
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّ مَنْ زَرَعَ أَرْضَ
غَيْرِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُقَاسَمَتُهُ فِي الزَّرْعِ
إذَا كَانَ ذَلِكَ عَادَةَ أُولَئِكَ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ
لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَقَطْ وَمُقْتَضَى
كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ قِسْمَةِ أَرْضٍ مِنْ الْفَلَّاحِينَ لِعَدَمِ
مِلْكِهِمْ لَهَا لَكِنَّ الزَّرْعَ لِزَارِعِهِ عَلَى مَا سَبَقَ
تَفْصِيلُهُ (وَهِيَ) أَيْ قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ (إفْرَازُ حَقِّ)
أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ
التَّمْلِيكِ وَلَا تَجِبُ فِيهَا شُفْعَةٌ وَيَدْخُلُهَا الْإِجْبَارُ
وَالْإِفْرَازُ مَصْدَرُ أَفْرَزْتُ الشَّيْءَ، يُقَال: فَرَزْتُهُ
وَأَفْرَزْتُهُ إذَا عَزَلْتُهُ (لَا بَيْعٌ) .
أَيْ وَلَيْسَتْ قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ بَيْعًا لِأَنَّهَا تُخَالِفُهُ فِي
الْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ فَلَمْ تَكُنْ بَيْعًا كَسَائِرِ الْعُقُودِ
(فَيَصِحُّ قَسْمُ وَقْفٍ بِلَا رَدٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا) عَلَى الْآخَرِ
(إذَا كَانَ) الْوَقْفُ (عَلَى جِهَتَيْنِ فَأَكْثَرَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ
التَّمْيِيزُ (فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُقَسَّمُ
عَيْنُهُ قِسْمَةً لَازِمَةً اتِّفَاقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الطَّبَقَةِ
الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ) وَمَا بَعْدَهَا.
(وَلَكِنْ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ) فِيهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ
بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ) قَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا وَجْهُ ظَاهِرِ كَلَامِ
الْأَصْحَابِ لَا فَرْقَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ.
وَفِي الْمُبْهِجِ لُزُومُهَا إذَا اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ
تَهَيَّئُوا (وَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ) إذَا تَقَاسَمُوا نَفْعَهُ
بِالْمُهَايَأَةِ (مُدَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (عَلَيْهِ)
لِأَنَّهُمْ أَرْفَقُ بِهِمْ مَعَ حُصُولِ التَّسَاوِي.
(6/376)
قُلْت فَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ فِي
نَوْبَةِ أَحَدِهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا يَسْتَوْفِيهِ
مِنْ الْمَنَافِعِ فِي نَظِيرِ مَا يَسْتَوْفِيهِ شَرِيكُهُ فَهُوَ فِي
مَعْنَى الْإِجَارَةِ لَا الْعَارِيَّةِ (وَإِنْ نَقَصَ الْحَادِثُ عَنْ
الْعَادَةِ) لِعَجْزٍ فِي الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ (فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ)
لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَرْجِعُ
عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِمَّا اسْتَوْفَاهُ زَائِدًا عَنْهُ
(وَتَجُوزُ قِسْمَةُ مَا بَعْضُهُ وَقْفٌ وَبَعْضُهُ طِلْقٌ) بِكَسْرِ
الطَّاءِ أَيْ حَلَالٌ، وَسُمِّيَ الْمَمْلُوكُ طِلْقًا لِأَنَّ جَمِيعَ
التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ حَلَالٌ وَالْمَوْقُوفُ لَيْسَ كَذَلِكَ (بِلَا
رَدِّ عِوَضٍ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ) عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّ
الْغَرَضَ التَّمْيِيزُ.
(وَ) تَجُوزُ الْقِسْمَةُ (بِرَدِّ عِوَضٍ مِنْ مُسْتَحِقِّ الْوَقْفِ)
لِأَنَّهُ يَشْتَرِي بَعْضَ الطِّلْقِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِنَّ بَيْعَ
الْوَقْفِ غَيْرُ جَائِزٍ (وَ) تَجُوزُ قِسْمَةُ (الدَّيْنِ فِي ذِمَمِ
الْغُرَمَاءِ) حَيْثُ قُلْنَا: إنَّهَا إفْرَازٌ لَا بَيْعٌ تَبِعَ فِيهِ
الْإِنْصَافُ هُنَا (وَتَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
(وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا) إنْ كَانَتْ مِمَّا يُخْرَصُ
كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ (وَلَوْ) كَانَتْ الثِّمَارُ (عَلَى شَجَرٍ قَبْلَ
بُدُوِّ صَلَاحِهِ) أَيْ الثَّمَرِ وَلَوْ (بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَ)
تَجُوزُ (قِسْمَةُ لَحْمِ هَدْيٍ وَأَضَاحِيٍّ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ
الذَّبَائِحِ.
(وَ) قِسْمَةُ (مَرْهُونٍ فَلَوْ رَهَنَ) شَرِيكٌ (سَهْمَهُ مُشَاعًا ثُمَّ
قَاسَمَ شَرِيكَهُ صَحَّ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ (وَاخْتَصَّ
قَسْمُهُ بِالرَّهْنِ، وَتَجُوزُ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَزْنًا وَ)
قِسْمَةُ (مَا يُوزَنُ كَيْلًا وَتَفَرُّقُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ
فِيهِمَا) لِأَنَّ التَّفَرُّقَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ
وَهَذَا إفْرَازٌ (وَلَا خِيَارَ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِسْمَةِ (وَلَا
شُفْعَةَ وَلَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ إذَا قَاسَمَ) لِأَنَّ
ذَلِكَ لَيْسَ بِبَيْعٍ (وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَاشِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ
فَاقْتَسَمَاهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَاسْتَدَامَا خُلْطَةَ
الْأَوْصَافِ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ) لِأَنَّ أَحَدَهُمْ لَمْ
يَنْفَرِدْ عَنْ الْآخَرِ وَلَا بَيْع (وَإِنْ ظَهَرَ فِي الْقِسْمَةِ
غَبْنٌ فَاحِشٌ لَمْ تَصِحَّ) الْقِسْمَةُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ
الْإِفْرَازِ (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ يَشْرَبُ بَعْضُهَا سَحًّا
وَ) يَشْرَبُ (بَعْضُهَا بَعْلًا أَوْ فِي بَعْضِهَا شَجَرٌ وَفِي
بَعْضِهَا نَخْلٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ
وَطَلَبَ الْآخَرُ قِسْمَتَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ قُدِّمَ مِنْ
طَلَبَ قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ إنْ أَمْكَنَ التَّسْوِيَةُ فِي
جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى التَّعْدِيلِ لِأَنَّ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الْجَمِيعِ وَلِأَنَّ الْحَامِلَ
عَلَى الْقِسْمَةِ زَوَالُ الشَّرِكَةِ.
وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا ذَكَرَ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) أَيْ يُسَوِّي فِي
جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ (وَأَمْكَنَ التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ عُدِلَتْ)
بِالْقِيمَةِ لِتَعَيُّنِهِ إذَنْ (وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ) مِنْ
الْقِسْمَةِ لِإِمْكَانِهَا بِلَا ضَرَرٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ
يُمْكِنْ التَّعْدِيلُ أَيْضًا بِالْقِيمَةِ (فَلَا) إجْبَارَ لِمَنْ
امْتَنَعَ مِنْهُمَا.
(6/377)
[فَصْلٌ وَيَجُوز لِلشُّرَكَاءِ أَنْ
يَتَقَاسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ]
(فَصْلٌ وَيَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَتَقَاسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ)
وَأَنْ يَتَقَاسَمُوا (بِقَاسِمٍ يَنْصِبُونَهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ
لَا يَعْدُوهُمْ (أَوْ يَسْأَلُوا الْحَاكِمَ نَصْبَهُ) أَيْ الْقَاسِمِ
لِيَقْسِمَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ طَلَبَهُ حَقٌّ لَهُمْ فَجَازَ أَنْ
يَسْأَلُوهُ الْحَاكِمَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ (وَأُجْرَتُهُ) أَيْ
الْقَاسِمِ وَتُسَمَّى الْقُسَامَةَ بِضَمِّ الْقَافِ (مُبَاحَةٌ)
لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ
أَهْلِ الْقُرْبَةِ.
قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ الْقَاسِمَ
(كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ الشُّرَكَاءِ (بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ
لِيَقْسِمَ نَصِيبَهُ جَازَ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ (وَإِنْ
اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ الشُّرَكَاءُ (جَمِيعًا إجَارَةً وَاحِدَةً بِأُجْرَةٍ
وَاحِدَةٍ لَزِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ
الْمَقْسُومِ) كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ (مَا لَمْ
يَكُنْ شَرْطٌ) فَيُتْبَعُ عَلَى مَا فِي الْكَافِي.
وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَهِيَ بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ وَلَوْ شَرَطَ
خِلَافَهُ (وَ) الْأُجْرَةُ عَلَى الْجَمِيعِ (وَسَوَاءٌ طَلَبُوا
الْقِسْمَةَ) أَوْ طَلَبَهَا (أَحَدُهُمْ وَأُجْرَةُ شَاهِدٍ يَخْرُجُ
لِقَسْمِ الْبِلَادِ وَوَكِيلٍ وَأَمِينٍ لِلْحِفْظِ) أَيْ حِفْظِ
الزَّرْعِ الَّذِي يُؤْخَذُ خَرَاجَهُ مِنْهُ (عَلَى مَالِكٍ وَفَلَّاحٍ
قَالَهُ الشَّيْخُ) يَعْنِي بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ كَأُجْرَةِ لِلْقَاسِمِ
(وَقَالَ) الشَّيْخُ (إذَا مَانَهُمْ الْفَلَّاحُ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ)
لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ (أَوْ) بِقَدْرِ مَا (يَسْتَحِقُّهُ لِلضَّيْفِ
حَلَّ لَهُمْ وَقَالَ: وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ إلَّا
قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالزِّيَادَةُ يَأْخُذُهَا
الْمُقَطِّعُ، فَالْمُقَطِّعُ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ الْفَلَّاحِينَ فَإِذَا
أَعْطَى الْوَكِيلُ الْمُقَطِّعَ مِنْ الضَّرِيبَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى
أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ إلَّا أُجْرَةَ عَمَلِهِ
جَازَ ذَلِكَ) .
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ كَيْفَ وَلَهُ مَدْخَلٌ فِي ظُلْمِهِمْ؟ قَالَ -
تَعَالَى -: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ
النَّارُ} [هود: 113] (وَيُشْتَرَط أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ) الَّذِي
يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ (مُسْلِمًا عَدْلًا) لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي
الْقِسْمَةِ (عَارِفًا بِالْقِسْمَةِ) لِيَحْصُلَ مِنْهُ الْمَقْصُودُ
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ يَكُنْ تَعْيِينُهُ لِلسِّهَامِ
مَقْبُولًا.
(قَالَ) الشَّيْخُ (الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) كَالشَّارِحِ
وَالزَّرْكَشِيِّ: (وَعَارِفًا بِالْحِسَابِ) لِأَنَّهُ كَالْخَطِّ
لِلْكَاتِبِ.
وَفِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ أَسْقَطَتْ
عَدَالَتُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِمْ لَمْ يُشْتَرَطْ إلَّا أَنَّهُ
إنْ كَانَ عَدْلًا كَانَ كَقَاسِمِ الْحَاكِمِ فِي لُزُومِ قِسْمَتِهِ
بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ تَلْزَمْ قِسْمَتُهُ إلَّا
بِتَرَاضِيهِمَا (فَإِنْ
(6/378)
كَانَ) الْقَاسِمُ (كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا
أَوْ جَاهِلًا بِالْقِسْمَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ بِهَا)
كَمَا لَوْ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ.
(وَيَعْدِلُ) الْقَاسِمُ (السِّهَامَ بِالْأَجْزَاءِ إنْ تَسَاوَتْ)
كَالْمَائِعَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ إنْ لَمْ
تَخْتَلِفْ وَكَالْأَرْضِ الْمُتَسَاوِيَةِ جَوْدَةً أَوْ رَدَاءَةً (وَ)
يَعْدِلُ السِّهَامَ (بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ) فَيَجْعَلُ السَّهْمَ
الرَّدِيءَ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ الْجَيِّدِ بِحَيْثُ إذَا قُوِّمَا
كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ التَّعْدِيلُ
بِالْأَجْزَاءِ لَمْ يَبْقَ إلَّا التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ ضَرُورَةَ
أَنَّ قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِهِمَا.
(وَ) تَعْدِلُ السِّهَامُ (بِالرَّدِّ إنْ اقْتَضَتْهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ
بِعَدِيلِ السِّهَامِ بِالْأَجْزَاءِ وَلَا بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهَا
تَعْدِلُ بِالرَّدِّ بِأَنْ يَجْعَلَ مَعَ الرَّدِيءِ أَوْ الْقَلِيلِ
دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ الْجَيِّدَ أَوْ الْأَكْثَرَ
(فَإِذَا تَمَّتْ) الْقِسْمَةُ بِأَنْ عَدَلَتْ السِّهَامُ بِوَاحِدٍ
مِمَّا سَبَقَ.
(وَأَخْرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَزِمَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الْقَاسِمَ
كَالْحَاكِمِ وَقُرْعَتُهُ كَالْحَاكِمِ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ
مُجْتَهِدٌ فِي تَعْدِيلِ السِّهَامِ كَاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي طَلَبِ
الْحَقِّ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَ قُرْعَتُهُ (وَلَوْ كَانَ فِيهَا) أَيْ
الْقِسْمَةِ (ضَرَرٌ أَوْ رَدُّ) عِوَضٍ وَسَوَاءٌ (تَقَاسَمُوا
بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ بِقَاسِمٍ لِأَنَّهَا كَالْحُكْمِ مِنْ الْحَاكِمِ)
فَلَا تُنْقَضُ (وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمْ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ
الْقُرْعَةِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمْ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ.
وَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لَزِمَتْ بِرِضَاهُمَا
وَتَفَرُّقِهِمَا قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَلْزَمَ
فِيمَا فِيهِ رَدٌّ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ حَتَّى يَرْضَيَا بِذَلِكَ
لِأَنَّ مَا فِيهِ رَدٌّ بَيْعٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ صَاحِبَ الرَّدِّ بَذَلَ
عِوَضًا لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ
وَالْبَيْعُ لَا يَلْزَمُ بِالْقُرْعَةِ انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخِيَارِ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ
فِي الْقِسْمَةِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ وَهِيَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي
(وَتَعْدِيلُ السِّهَامِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا
أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُتَسَاوِيَةً وَقِيمَةُ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ
مُتَسَاوِيَةً كَأَرْضٍ بَيْنَ سِتَّةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمْ سُدُسُهَا
فَتُعَدَّلُ) الْأَرْضُ (بِالْمَسَّاحَةِ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةً
ثُمَّ يَقْرَعُ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ (الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ السِّهَامُ
مُتَّفِقَةً) بِأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ بَيْنَ سِتَّةٍ سَوِيَّةً.
(وَ) تَكُونَ (الْقِيمَةُ مُخْتَلِفَةً) لِاخْتِلَافِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ
جَوْدَةً وَرَدَاءَةً (فَتَعْدِلُ الْأَرْضُ بِالْقِيمَةِ وَتُجْعَلُ
سِتَّةَ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةً بِالْقِيمَةِ) لِتَعَذُّرِ التَّعْدِيلِ
بِالْأَجْزَاءِ ثُمَّ يَقْرَعُ (الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ
مُتَسَاوِيَةً وَالسِّهَامُ مُخْتَلِفَةً كَأَرْضٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ
لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ، وَلِلثَّانِي الثُّلُثُ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ
وَأَجْزَاؤُهَا مُتَسَاوِيَةُ الْقِيَمِ فَتُجْعَلُ) الْأَرْضُ (سِتَّةَ
أَسْهُمٍ) مُتَسَاوِيَةً لِأَنَّهَا الْمَخْرَجُ الْجَامِعُ لِتِلْكَ
الْكُسُورِ.
(الرَّابِعُ: إذَا اخْتَلَفَتْ السِّهَامُ وَالْقِيمَةُ) كَأَرْضٍ
مُخْتَلِفَةِ الْقِيَمِ لِثَلَاثَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (فَتَعْدِلُ
السِّهَامُ بِالْقِيمَةِ وَتُجْعَلُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةَ
الْقِيمَةِ ثُمَّ يَقْرَعُ وَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مِنْ
غَيْرِ قُرْعَةٍ لَزِمَتْ الْقِسْمَةُ بِرِضَاهُمَا وَتَفَرُّقِهِمَا) مِنْ
الْمَجْلِسِ
(6/379)
بِأَبْدَانِهِمَا كَتَفْرِيقِ
مُتَبَايِعَيْنِ.
(فَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْقِسْمَةِ (تَقْوِيمٌ لَمْ يَجُزْ) أَنْ
يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا (أَقَلُّ مِنْ قَاسِمَيْنِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ
بِالْقُرْعَةِ) فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهَا أَقُلُّ مِنْ اثْنَيْنِ كَسَائِرِ
الشَّهَادَاتِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَقْوِيمٌ
(أَجْزَأَ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ يَنْفُذُ مَا يَجْتَهِدُ فِيهِ أَشْبَهَ
الْقَائِفَ وَالْحَاكِمَ (وَإِذَا سَأَلُوا) أَيْ الشُّرَكَاءُ (الْحَاكِمَ
قِسْمَةَ عَقَارٍ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَهُمْ لَمْ يَجِبْ
عَلَيْهِ قِسْمَةٌ) بَيْنَهُمْ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهِ
(بَلْ يَجُوزُ) لَهُ قِسْمَةٌ بِإِقْرَارِهِمْ وَتَرَاضِيهِمْ لِأَنَّ
الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا الْمِلْكُ وَلَا
مُنَازِعَ لَهُمْ فِي الظَّاهِرِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا بِإِقْرَارِهِمَا لَا عَلَى
غَيْرِهِمَا (فَإِنْ قَسَمَهُ) الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ (ذَكَرَ فِي كِتَابِ
الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ بِمِلْكِهِ لَا عَنْ
بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُمْ بِمِلْكِهِمْ) لِئَلَّا يَتَوَهَّم الْحَاكِمُ
بَعْدَهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ فَيُؤَدِّي
ذَلِكَ إلَى ضَرَرِ مَنْ يَدَّعِي فِي الْعَيْنِ حَقًّا (وَحِينَئِذٍ إنْ
لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَّى
يَثْبُتَ عِنْدَهُ مِلْكُهُمْ كَمَا سَبَقَ وَكَيْفَمَا أَقْرَعُوا جَازَ)
إنْ شَاءُوا رِقَاعًا أَوْ بِالْخَوَاتِيمِ أَوْ الْحَصَا أَوْ غَيْرِهِ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ.
(وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَ كُلِّ شَرِيكٍ فِي رُقْعَةٍ) لِأَنَّهُ
طَرِيقٌ إلَى التَّمْيِيزِ (ثُمَّ تُدْرَجُ) الرِّقَاعُ (فِي بَنَادِقَ)
كُلُّ رُقْعَةٍ فِي بُنْدُقَةٍ مِنْ (شَمْعٍ أَوْ طِينٍ مُتَسَاوِيَةٍ
قَدْرًا وَوَزْنًا) حَتَّى لَا يُعْلَمَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (ثُمَّ
تُطْرَحُ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ) أَيْ الْكِتَابَ
وَالْأَدْرَاجَ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ (وَيُقَال لَهُ: أَخْرِجْ
بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ) لِيُعْلَم مِنْ هُوَ لَهُ (فَمَنْ
خَرَجَ اسْمُهُ كَانَ) ذَلِكَ السَّهْمُ (لَهُ) لِأَنَّ اسْمَهُ خَرَجَ
عَلَيْهِ وَتَمَيَّزَ سَهْمُهُ بِهِ (ثُمَّ) يَفْعَلُ (بِالثَّانِي
كَذَلِكَ) .
أَيْ كَمَا فَعَلَ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْإِخْرَاجِ
لِمُسَاوَاتِهِ لِلْأَوَّلِ (وَالسَّهْمُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ إنْ
كَانُوا ثَلَاثَةً وَاسْتَوَتْ سِهَامُهُمْ) لِتَعَيُّنِ السَّهْمِ
الْبَاقِي لِلثَّالِثِ لِزَوَالِ الْإِبْهَامِ (وَإِنْ كَتَبَ سَهْمَ كُلِّ
اسْمٍ فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ أُخْرِجَ) مَنْ طُرِحَتْ فِي حِجْرِهِ بَعْدَ
إدْرَاجِهَا كَمَا سَبَقَ (بُنْدُقَةً لِفُلَانٍ جَازَ) لِحُصُولِ
الْغَرَضِ بِهِ (وَإِنْ كَانَتْ السِّهَامُ الثَّلَاثَةُ مُخْتَلِفَةً
كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ جَزَّأَ) الْقَاسِمُ (الْمَقْسُومَ سِتَّةَ
أَجْزَاءٍ) كَمَا سَبَقَ (وَأَخْرَجَ الْأَسْمَاءَ عَلَى السِّهَامِ لَا
غَيْرُ) أَيْ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَمَا يَأْتِي تَعْلِيلُهُ (فَيَكْتُبُ
لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةَ رِقَاعٍ وَ) يَكْتُبُ (لِرَبِّ الثُّلُثِ
رُقْعَتَيْنِ وَ) يَكْتُبُ (لِرَبِّ السُّدُسِ رُقْعَةً وَيُخْرِجُ
رُقْعَةً عَلَى أَوَّلِ سَهْمٍ فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ اسْمُ رَبِّ
النِّصْفِ أَخَذَ مَعَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ) اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ مَنْ
خَرَجَتْ لَهُ الرُّقْعَةُ.
(وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَ) أَخَذَ (الثَّانِي
الَّذِي يَلِيهِ) وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَهُ فَقَطْ
(ثُمَّ يَقْرَعُ بَيْن
(6/380)
الْأَخِيرَيْنِ كَذَلِكَ وَالْبَاقِي
لِلثَّالِثِ) فَإِنْ خَرَجَتْ الرُّقْعَةُ الثَّانِيَةُ لِصَاحِبِ
الثُّلُثِ وَكَانَتْ الرُّقْعَةُ الْأُولَى لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَخَذَ
صَاحِبُ الثُّلُثِ السَّهْمَ الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَكَانَ الْبَاقِي
لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَإِنْ خَرَجَتْ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَ السَّهْمَ
الرَّابِعَ وَكَانَ السَّهْمُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ.
وَإِنَّمَا لَزِمَ إخْرَاجُ الْأَسْمَاءِ عَلَى السِّهَامِ فِي مِثْلِ
هَذِهِ الصُّورَةِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ صَاحِبُ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ
بِأَخْذِ نَصِيبِهِ مُتَفَرِّقًا (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارَانِ
مُتَجَاوِرَتَانِ أَوْ مُتَبَاعِدَتَانِ أَوْ) كَانَ بَيْنَهُمَا (خَانَانِ
أَوْ) كَانَ بَيْنَهُمَا (أَكْثَرُ) مِنْ دَارَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ
خَانَيْنِ (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَهُ فِي إحْدَى
الدَّارَيْنِ أَوْ إحْدَى الْخَانَيْنِ أَوْ) فِي إحْدَى (الْخَانَيْنِ
وَيَجْعَلَ الْبَاقِي نَصِيبًا لِلْآخَرِ أَوْ) طَلَبَ أَنْ (يَجْعَلَ
كُلَّ دَارٍ) أَوْ خَانٍ (سَهْمًا) وَامْتَنَعَ الْآخَرُ (لَمْ يُجْبَرْ
الْمُمْتَنِعُ) مِنْهَا سَوَاءٌ (تَسَاوَتْ) أَيْ الْقِيمَةُ (أَوْ
اخْتَلَفَتْ) لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ مِنْهُمَا مُفْرَدَةٌ بِأَحْكَامِهَا
وَحُدُودِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ أَيْضًا.
[فَصْلٌ وَمِنْ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ حَيْفًا فِيمَا تَقَاسَمُوهُ]
ُ) أَيْ الشُّرَكَاءُ (بِأَنْفُسِهِمْ) مِنْ غَيْرِ قَاسِمٍ (وَأَشْهَدُوا
عَلَى رِضَاهُمْ بِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) فِي
دَعْوَى الْغَلَطِ أَوْ الْحَيْفِ (لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ
بِهِ بَيِّنَةً) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ
وَلَا يُحَلَّفُ غَرِيمُهُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْقِسْمَةِ عَلَى
الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي صَدَرَتْ وَرِضَاهُ بِالزِّيَادَةِ فِي نَصِيبِ
شَرِيكِهِ يَلْزَمُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِي الْغَلَطَ
مُسْتَرْسِلًا) لَا يُحْسِنُ الْمُشَاحَةَ فِيمَا يُقَالُ لَهُ (فَيُغْبَنُ
بِمَا لَا يُسَامِحُ بِهِ عَادَةً) فَيَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيُطَالِبُ
بِالْبَيَانِ.
وَإِذَا ثَبَتَ غَبْنُهُ فَلَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا
تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ (أَوْ كَانَ) ادَّعَى غَلَطًا أَوْ حَيْفًا
(فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمُ الْحَاكِم قُبِلَ قَوْلُ الْمُنْكِرِ) لِلْغَلَطِ
أَوْ الْحَيْفِ (مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ (إلَّا
أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ) بِمَا ادَّعَاهُ (فَتَنْقُضُ
الْقِسْمَةَ) لِأَنَّ سُكُوتَهُ حَالَ قَسْمِ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ
لِاعْتِمَادِهِ عَلَى الظَّاهِرِ فَلَا يَمْنَعُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ
كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ عَشْرَةٌ فَوَفَّاهَا لَهُ
ثَمَانِيَةً غَلَطًا ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهَا ثَمَانِيَةٌ فَإِنَّ لَهُ
الرُّجُوعَ بِبَاقِي حَقِّهِ (وَتُعَادُ) الْقِسْمَةُ عَلَى وَجْهِ
الْحَقِّ لِيَصِل كُلٌّ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ.
(وَإِنْ كَانَ) ادَّعَى الْغَلَطَ
(6/381)
أَوْ الْحَيْفَ (فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمٌ
نَصَّبُوهُ وَكَانَ فِيمَا شَرَطْنَا فِيهِ الرِّضَا) لِضَرَرٍ فِيهِ أَوْ
رَدِّ عِوَضٍ وَكَانُوا قَدْ تَرَاضُوا بِالْقِسْمَةِ (بَعْدَ الْقُرْعَةِ
لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ) لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْقِسْمَةِ عَلَى الصُّورَة
الَّتِي وَقَعَتْ رِضًا بِالزِّيَادَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَلْزَمُهُ
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقِسْمَةِ الرِّضَا أَوْ
اشْتَرَطَ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْقُرْعَةِ (فَهُوَ) أَيْ الْقَاسِمُ
الَّذِي رَضِيَاهُ (كَقَاسِمِ الْحَاكِمِ) فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُ
الْمُنْكِرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ
فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا (وَإِذَا تَقَاسَمُوا) بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ
بِقَاسِمٍ نَصَّبُوهُ أَوْ الْحَاكِمُ (ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ حِصَّةِ
أَحَدِهِمَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ) أَيْ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهُ لِغَيْرِهِمَا
(بَطَلَتْ) الْقِسْمَةُ لِفَوَاتِ التَّعْدِيلِ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ) الْعَيْنُ (مِنْ الْحِصَّتَيْنِ عَلَى
السَّوَاءِ) بِأَنْ اقْتَسَمَا أَرْضًا فَاسْتَحَقَّ مِنْ حِصَّتِهِمَا
مَعًا قِطْعَةً مُعَيَّنَةً عَلَى السَّوَاءِ فِي الْحِصَّتَيْنِ (لَمْ
تَبْطُلْ) الْقِسْمَةُ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ
إفْرَازُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ أُفْرِزَ كَمَا لَوْ كَانَ
الْمَقْسُومُ عَيْنَيْنِ فَاسْتَحَقَّ إحْدَاهُمَا (وَإِنْ كَانَ)
الْمُسْتَحَقُّ (فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ) مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ
(أَوْ) كَانَ (ضَرَرُهُ) فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا (أَكْثَرَ) مِنْ ضَرَرِهِ
فِي نَصِيبِ الْآخَرِ (كَسَدِّ طَرِيقِهِ أَوْ) سَدِّ (مَجْرَى مَائِهِ
أَوْ) سَدِّ مَحِلِّ (طَرِيقِهِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ بَطَلَتْ
الْقِسْمَةُ لِفَوَاتِ التَّعْدِيلِ.
(أَوْ كَانَ) الْمُسْتَحَقُّ (شَائِعًا فِيهِمَا) بَطَلَتْ لِأَنَّ ثَمَّ
شَرِيكًا لَمْ يُرْضَ وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ وَسَوَاءُ
كَانَتْ قِسْمَةُ تَرَاضٍ أَوْ إجْبَارٍ (أَوْ) كَانَ شَائِعًا (فِي
أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ نَصِيبَيْ الشَّرِيكَيْنِ (بَطَلَتْ) الْقِسْمَةُ
لِفَوَاتِ التَّعْدِيلِ (وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ
الشَّرِيكَيْنِ (أَنَّ هَذَا) الشَّيْءَ الْمَقْسُومَ (مِنْ سَهْمِي
تَحَالَفَا) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى نَفْيِ مَا
ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (وَنُقِضَتْ) الْقِسْمَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ
الْمُدَّعَى بِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُمَا وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا
عَلَى الْآخَرِ.
(وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارَيْنِ وَنَحْوِهِمَا) كَمَعْصَرَتَيْنِ أَوْ
بُسْتَانَيْنِ (قِسْمَةَ تَرَاضٍ فَبَنَى أَحَدُهُمَا) فِي نَصِيبِهِ (أَوْ
غَرَسَ فِي نَصِيبِهِ ثُمَّ خَرَجَ) نَصِيبُهُ (مُسْتَحَقًّا وَنُقِضَ
بِنَاؤُهُ وَقُلِعَ غَرْسُهُ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ)
لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ
بَاعَهُ الدَّارَ فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً
وَقَلَعَ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ
فَإِذَا بَاعَهُ نِصْفَهَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ
وَكَذَا كُلُّ قِسْمَةٍ جَارِيَةٍ مَجْرَى الْبَيْعِ.
(وَلَا يَرْجِعُ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (بِهِ) أَيْ
بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا خَرَجَ نَصِيبُهُ مُسْتَحَقًّا وَقَلَعَ
غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ (فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ) لِأَنَّ شَرِيكَهُ لَمْ
يَغُرَّهُ وَلَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا
أَفْرَزَ حَقَّهُ مِنْ حَقِّهِ فَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ مِمَّا
(6/382)
غَرِمَهُ شَيْئًا (وَإِنْ خَرَجَ فِي
نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَيْبٌ فَلَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ جَاهِلًا)
بِهِ أَيْ الْعَيْبِ (وَلَهُ الْإِمْسَاكُ مَعَ الْأَرْشِ) لِلْعَيْبِ
لِأَنَّ ظُهُورَ الْعَيْبِ فِي نَصِيبِهِ نَقْصٌ فَخُيِّرَ بَيْنَ
الْأَرْشِ وَالْفَسْخِ كَالْمُشْتَرِي.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إنْ قَضَى)
الدَّيْنَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالَهَا لِلْوَرَثَةِ وَكَبَيْعِ
الْعَبْدِ الْجَانِي (وَيَصِحُّ الْعِتْقُ) أَيْ عِتْقُ الْوَرَثَةِ
لِعَبْدٍ مِنْ التَّرِكَةِ مَعَ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ كَعِتْقِ
الْعَبْدِ الْجَانِي وَلَا يَنْقَضِي بِالْعِتْقِ وَلَوْ أُعْسِرَ
الْوَرَثَةُ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ وَأَوْلَى (وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ
لَا يَنْفُذُ) الْعِتْقُ (إلَّا مَعَ يَسَارِ الْوَرَثَةِ) لِمَا فِيهِ
مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْغَرِيمِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ
التَّرِكَةَ مَعَ اسْتِغْرَاقِهَا بِالدَّيْنِ مُلْتَزِمًا لِضَمَانِهِ
ثُمَّ عَجَزَ عَنْ وَفَائِهِ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ انْتَهَى قُلْت:
وَمَفْهُومُهُ إنْ امْتَنَعَ مَعَ الْقُدْرَةِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَلَمْ
يُفْسَخْ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْجَانِي وَالنِّصَابِ
الزَّكَوِيِّ.
(وَلَا يَمْنَعُ دَيْنُ الْمَيِّتِ انْتِقَالَ تَرِكَتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ)
فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَيْهِمْ وَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْوَفَاءِ مِنْ
التَّرِكَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ (بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ مِنْ
ثُلُثِهَا) أَيْ التَّرِكَةِ (مِنْ مُعَيَّنٍ مُوصًى بِهِ) لِنَحْوِ
الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ
بِخِلَافِ الْمُوصَى بِهِ لِنَحْوِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ
إلَى حِينِ قَبُولِهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ (وَالنَّمَاءُ) فِي
التَّرِكَةِ كَأَنْ أَثْمَرَتْ النَّخْلُ أَوْ اكْتَسَبَ الْعَبِيدُ أَوْ
نَتَجَتْ الْمَاشِيَةُ (لَهُمْ) أَيْ لِلْوَرَثَةِ يَنْفَرِدُونَ بِهِ
وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمْ
كَكَسْبِ الْجَانِي وَ (لَا إنْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِهَا) أَيْ
التَّرِكَةِ (كَتَعَلُّقِ) أَرْشِ (جِنَايَةٍ) بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ
الْجَانِي (لَا) كَتَعَلُّقِ (رَهْنِ) وَدَيْنِ غُرَمَاءَ بِمَالِ
مُفْلِسٍ.
(وَتَصِحُّ قِسْمَتُهَا) أَيْ التَّرِكَةِ مَعَ الدَّيْنِ قَبْلَ قَضَائِهِ
كَبَيْعِهَا وَأَوْلَى.
(وَظُهُورُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا يُبْطِلُهَا) كَمَا أَنَّ
الْعِلْمَ بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْهَا وَأَوْلَى (لَكِنْ إنْ امْتَنَعُوا)
أَيْ الْوَرَثَةُ (مِنْ وَفَائِهِ) أَيْ الدَّيْنِ (بِيعَتْ) التَّرِكَةُ
(فِيهِ) أَيْ فِي الدَّيْنِ لَتَقَدُّمِهِ عَلَى الْإِرْثِ (وَبَطَلَتْ
الْقِسْمَةُ) لِمَا سَبَقَ.
(فَإِنْ وَفَّى أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ (دُونَ الْآخَرِ
صَحَّ) أَيْ اسْتَقَرَّ لَهُ الْمِلْكُ (فِي نَصِيبِهِ وَبِيعَ نَصِيبُ
الْآخَرِ) فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الدَّيْنِ.
(وَإِنْ اقْتَسَمُوا دَارًا) فِيهَا بُيُوتٌ (ذَاتُ أَسْطِحَةٍ يَجْرِي
عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لِمَنْ صَارَتْ لَهُ مَنْعُ
جَرَيَانِ الْمَاءِ) لَتَقَدُّمِ الِاسْتِحْقَاقِ (إلَّا أَنْ يَكُونُوا
تَشَارَطُوا عَلَى مَنْعِهِ) فَيُوَفَّى بِهِ لِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ
عَلَى شُرُوطِهِمْ» .
(وَإِنْ اقْتَسَمَا دَارًا فَحَصَلَتْ الطَّرِيق فِي حِصَّةِ أَحَدِهِمَا
بِلَا مَنْفَذٍ لِلْآخَرِ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الدَّاخِلَ
الَّذِي لَا مَنْفَذَ لَهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ
(6/383)
السُّلُوكُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ فَلَا تَعْدِيل لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي
جَمِيعِ الْحُقُوقِ.
(وَإِنْ كَانَ لَهَا) أَيْ الدَّارِ الَّتِي قُسِمَتْ (ظُلَّةٌ) قَالَ فِي
الْقَامُوسِ شَيْءٌ كَالصُّفَّةِ يُسْتَتَرُ بِهِ مِنْ الْحَرِّ
وَالْبَرْدِ (فَوَقَعَتْ) الظُّلَّةُ (فِي حِصَّةِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ)
أَيْ الظُّلَّةُ (لَهُ) أَيْ لِمَنْ وَقَعَتْ فِي حِصَّتِهِ (بِمُطْلَقِ
الْعَقْدِ) وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ اقْتَضَتْ
ذَلِكَ وَلَيْسَتْ كَالطَّرِيقِ.
(وَوَلِيُّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ (فِي
قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ بِمَنْزِلَتِهِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَكَذَا)
هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ (أَيْ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي إذْ رَآهَا
مَصْلَحَةً) كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى انْتَهَى. |