مطالب
أولي النهى في شرح غاية المنتهى [بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]
(الْفَوَاتُ) : مَصْدَرُ فَاتَهُ يَفُوتُهُ فَوَاتًا وَفَوْتًا، وَهُوَ:
(السَّبَقُ) الَّذِي لَا يُدْرَكُ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ السَّبْقِ.
(وَالْإِحْصَارُ) مَصْدَرُ أَحْصَرَهُ، أَيْ: حَبَسَهُ، فَهُوَ:
(الْحَبْسُ) أَيْ: الْمَنْعُ (فَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ
النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ) فِي وَقْفَةٍ (لِعُذْرٍ مِنْ حَصْرٍ
أَوْ غَيْرِهِ) أَوَّلًا لِعُذْرٍ (فَاتَهُ الْحَجُّ) ذَلِكَ الْعَامَ،
لِقَوْلِ جَابِرٍ: «لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ
لَيْلَةِ جَمْعٍ» ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَقُلْت لَهُ: أَوَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ؟ قَالَ:
نَعَمْ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِحَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ جَاءَ
قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»
فَمَفْهُومُ فَوْتِ الْحَجِّ بِخُرُوجِ لَيْلَةِ جَمْعٍ (وَانْقَلَبَ
إحْرَامُهُ) بِالْحَجِّ (عُمْرَةً) نَصًّا فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ
أَوْ يُقَصِّرُ، لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أَيُّوبَ لَمَّا فَاتَهُ
الْحَجُّ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْت، فَإِنْ
أَدْرَكْت الْحَجَّ قَابِلًا
(2/451)
فَحُجَّ، وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ
الْهَدْيِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ
إلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ، فَمَعَهُ أَوْلَى (إنْ لَمْ
يَخْتَرْ بَقَاءَهُ) عَلَى إحْرَامِهِ (لِيَحُجَّ مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ)
بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ، فَلَهُ اسْتِدَامَةُ
الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَشَقَّةِ عَلَى نَفْسِهِ
(فَيَتَحَلَّلُ بِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ
غَيْرَهُ، لِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لَا يَلْزَمُهُ أَفْعَالُهَا،
وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمْرَةٍ إذَا لَزِمَهُ
الْمُضِيُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ: التَّحَلُّلَ
(وَلَا تُجْزِئُ) هَذِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي انْقَلَبَ إحْرَامُهُ
إلَيْهَا (عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا
لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهَذِهِ لَمْ يَنْوِهَا وَ (لِوُجُوبِهَا)
عَلَيْهِ (كَمَنْذُورَةٍ) فَلَمْ تُجْزِئْهُ (وَتَسْقُطُ عَنْهُ تَوَابِعُ
وُقُوفٍ مِنْ نَحْوِ مَبِيتٍ) بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى (وَرَمْيِ) جِمَارٍ،
لِفَوَاتِ مَتْبُوعِهَا كَمَنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ لَمْ
يَلْزَمْهُ بِغَيْرِهَا.
(وَعَلَى مَنْ) فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَ (لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ فَوْتٍ)
كَمَا لَوْ قَدِمَ مَكَّةَ آخِرَ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ
الْوُصُولُ لِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مَعَ تَحَقُّقِ
الْفَوَاتِ. (بِنَحْوِ عُمْرَةٍ) وَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ نَفْلٍ، وَهَذَا
مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى
الْمُحْصَرِ، وَلَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ، لَكِنْ عِبَارَاتُهُمْ لَا
تُسَاعِدُهُ (وَ) عَلَى مَنْ (لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلُ إحْرَامِهِ) بِأَنْ
(2/452)
لَمْ يَقُلْ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ:
وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي (قَضَاءُ) حَجٍّ
فَاتَهُ (حَتَّى النَّفَلُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ
وَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ»
وَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُ
بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَيَصِيرُ كَالْمَنْذُورِ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ
مَرَّةٌ» ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَهَذَا
إنَّمَا وَجَبَ بِإِيجَابِهِ لَهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَالْمَنْذُورِ،
وَأَمَّا الْمُحْصَرُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ
مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ (وَ) عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلًا (هَدْيُ)
شَاةٍ أَوْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعِ بَقَرَةٍ (أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ:
الْهَدْيِ، مِنْ إطْعَامٍ عَلَى مَا يَأْتِي (مِنْ وَقْتِ الْفَوَاتِ)
سَوَاءٌ سَاقَهُ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ (يُؤَخِّرُهُ لِلْقَضَاءِ)
يَذْبَحُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ
فَلَزِمَهُ هَدْيٌ كَالْمُحْصَرِ (فَإِنْ عُدِمَ) أَيْ: الْهَدْيُ (زَمَنَ
وُجُوبِهِ) وَهُوَ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ عَامِ الْفَوَاتِ
(صَامَ كَمُتَمَتِّعٍ) عَشَرَةَ أَيَّامٍ (ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ
وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ) أَيْ: فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ الْقَضَاءُ، لِمَا
رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَجَّ مِنْ الشَّامِ،
فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا حَبَسَك؟ قَالَ:
حَسِبْت أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى
الْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَإِنْ كَانَ مَعَك هَدِيَّةٌ
فَانْحَرْهَا، ثُمَّ إذَا كَانَ قَابِلٌ فَاحْجُجْ، فَإِنْ وَجَدْت سِعَةً
فَأَهْدِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ
وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْت إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (وَظَاهِرُ
كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (أَنَّ زَمَنَ الْوُجُوبِ) أَيْ: وُجُوبِ
الْهَدْيِ عَلَى مَنْ عَدِمَهُ (وَقْتَ الْفَوَاتِ) وَهُوَ طُلُوعُ فَجْرِ
يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ عَامِ الْفَوَاتِ (وَالْأَثَرُ) الْمَذْكُورُ آنِفًا
(بِخِلَافِهِ) فَلْيُحْفَظْ.
(وَلَا يُهْدِي قِنٌّ) فَاتَهُ
(2/453)
الْحَجُّ (وَلَوْ أَذِنَ) لَهُ (سَيِّدُهُ)
لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَلَوْ مَلَكَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ (فَيَصُومُ)
الْقِنُّ الصَّوْمَ الْمَذْكُورَ بَدَلَ الْهَدْيِ، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا
كُلُّ دَمٍ لَزِمَ الْقِنَّ فِي الْإِحْرَامِ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ أَوْ
غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ إلَّا الصِّيَامُ.
(وَيَجِبُ قَضَاءٌ عَلَى صِفَةِ أَدَاءً، فَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ
قَارِنًا، قَضَى قَارِنًا) أَيْ: لَزِمَهُ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِثْلُ
مَا أَهَلَّ بِهِ أَوَّلًا (وَهُوَ) أَيْ: وُجُوبُ قَضَائِهِ عَلَى صِفَةِ
الْأَدَاءِ: (خِلَافُ قَوْلِهِمْ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَإِذَا قَضَى
مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) فَإِذَا فَاتَهُ النُّسُكُ الْمَفْضُولُ
جَازَ قَضَاؤُهُ عَلَى صِفَتِهِ، وَجَازَ قَضَاؤُهُ بِنُسُكٍ أَفْضَلَ
مِنْهُ لَا عَكْسَهُ، فَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا قَضَى قَارِنًا،
وَجَازَ مُفْرَدًا وَمُتَمَتِّعًا، وَإِنْ فَاتَهُ أَوْ فَسَدَ النُّسُكُ
الْفَاضِلُ لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِالنُّسُكِ الْمَفْضُولِ،
فَالْأَفْضَلُ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ، فَمَنْ
فَاتَهُ الْحَجُّ مُتَمَتِّعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مُتَمَتِّعًا،
وَلَمْ يَجُزْ مُفْرِدًا وَلَا قَارِنًا، مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مُفْرِدًا
جَازَ الْقَضَاءُ مُتَمَتِّعًا مُفْرِدًا، وَلَا يَجُوزُ قَارِنًا، وَمَنْ
فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا جَازَ الْقَضَاءُ قَارِنًا وَمُتَمَتِّعًا،
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالنُّسُكِ الْفَاضِلِ عَنْ
الْمَفْضُولِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَلَوْ خَالَفَ وَأَتَى بِالنُّسُكِ
الْمَفْضُولِ قَضَاءً عَنْ الْفَاضِلِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ ذَلِكَ
النُّسُكِ، لَكِنْ لَمْ يَزَلْ الْقَضَاءُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ
بِمِثْلِ نُسُكِهِ الْفَائِتِ أَوْ نُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْهُمَا.
(2/454)
(وَمَنْ مُنِعَ الْبَيْتَ ظُلْمًا) كَأَنْ
يُحْبَسَ بِغَيْرِ حَقٍّ. أَوْ تَأْخُذُهُ اللُّصُوصُ.
(وَلَوْ) كَانَ مَنْعُهُ (بَعْدَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (وَلَمْ يَرْمِ
وَ) لَمْ (يَحْلِقْ) . إذْ لَوْ كَانَ رَمَى وَحَلَقَ لِتَحَلُّلِ
التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. (أَوْ) كَانَ مَنْعُهُ (فِي) إحْرَامِ (عُمْرَةٍ)
وَأَرَادَ التَّحَلُّلَ (ذَبَحَ هَدْيًا حَيْثُ أُحْصِرَ) حَلَالًا كَانَ
أَوْ حَرَامًا، «لِذَبْحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَصْحَابِهِ حِينَ حُصِرُوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ» ، وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ
وَتَقَدَّمَ. وَيَكُونُ ذَبْحُهُ هُنَاكَ (بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ
وُجُوبًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ حُصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ أَنْ
يَنْحَرُوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يَحِلُّوا» (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ) أَيْ:
الْهَدْيَ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِالنِّيَّةِ) أَيْ: نِيَّةِ
التَّحَلُّلِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ (وَحَلَّ) نَصًّا.
(وَيَتَّجِهُ: صِحَّةَ تَتْمِيمِ مَا بَقِيَ) عَلَى مُحْصَرٍ (مِنْ
أَرْكَانِ حَجِّهِ) فَيَفْعَلُ ذَلِكَ (بِإِحْرَامٍ ثَانٍ إذَا زَالَ
حَصْرُهُ) وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا إطْعَامَ فِي ذَلِكَ) أَيْ: الْإِحْصَارِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ
(وَلَا مَدْخَلَ لِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ) أَيْ: فَلَا يَجِبُ إذْ
التَّحَلُّلُ يَحْصُلُ بِدُونِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، قُدِّمَ
فِي الْمُحَرَّرِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ
الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوُقُوفِ كَالرَّمْيِ
وَالطَّوَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
(2/455)
(خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ
الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِوُجُوبِ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ
تَبَعًا لِمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ
مَرْجُوحٌ (وَعِنْدَ بَعْضٍ) مِنْهُمْ الْآجُرِّيُّ (إنْ عَجَزَ عَنْ
صَوْمٍ لِعُذْرٍ حَلَّ، ثُمَّ صَامَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ زَوَالِ
الْعُذْرِ، قَالَ الْآجُرِّيُّ: إنَّ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَدَّمَ
طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ، وَأُحِبُّ أَنْ لَا
يَحِلَّ حَتَّى يَصُومَ فَإِنْ صَعُبَ عَلَيْهِ حَلَّ، ثُمَّ صَامَ،
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
(وَمَنْ) كَانَ مُحْصَرًا فَ (نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَبْحٍ) لِهَدْيٍ
وَجَدَهُ (أَوْ صَوْمٍ) عِنْدَ عَدَمِهِ (لَمْ يَحِلَّ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ،
وَهُوَ الذَّبْحُ أَوْ الصَّوْمُ بِالنِّيَّةِ، وَاعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ
فِي الْمُحْصَرِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ مَنْ أَتَى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ
أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، فَحَلَّ بِإِكْمَالِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى
نِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ
الْعِبَادَةِ قَبْلَ إكْمَالِهَا فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ (وَلَزِمَهُ
دَمٌ لِكُلِّ مَحْظُورٍ) فَعَلَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ (وَ) لَزِمَ مِنْ
تَحَلُّلٍ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالصَّوْمِ (دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ بِالنِّيَّةِ)
صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ هُنَا: إنَّهُ
الْمَذْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَزِمَهُ دَمٌ خِلَافًا
لِلْمُوَفَّقِ وَيَأْتِي، وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى
فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ
فِي غَيْرِ الْمُحْصَرِ لِإِلْغَاءِ رَفْضِهِ، وَلُزُومِ أَفْعَالِ
الْحَجِّ، وَهَذَا فِي الْمُحْصَرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ تَتْمِيمِ أَفْعَالِ
الْحَجِّ، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ هَدْيٍ أَوْ
صَوْمٍ، لَزِمَهُ دَمٌ. (وَفِي الْمُغْنِي، والشَّرْحِ لَا) : يَلْزَمُهُ
دَمٌ، (لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ) أَيْ: رَفْضِ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ
مُجَرَّدُ نِيَّةٍ، فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا، وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ
عَلَى خِلَافِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا.
(وَلَا قَضَاءَ عَلَى مُحْصَرٍ تَحَلَّلَ قَبْلَ فَوْتِ حَجٍّ) جَزَمَ بِهِ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي
الْإِقْنَاعِ بِقَبْلِ فَوْتِ الْحَجِّ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ
الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ.
(وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ الْمُحْصَرِ فِي عَدَمِ
(2/456)
وُجُوبِ الْقَضَاءِ (مَنْ جُنَّ أَوْ
أُغْمِيَ عَلَيْهِ) قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ
لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ (لَكِنْ
مَنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُ الْحَجِّ ذَلِكَ الْعَامَ لَزِمَهُ) فِعْلُهُ
(وَإِلَّا) . يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ الْعَامَ (فَلَا) يَلْزَمُهُ
فِعْلُهُ (فَلَوْ أُحْصِرَ فِي) حَجٍّ (فَاسِدٍ) فَلَهُ التَّحَلُّلُ
مِنْهُ بِذَبْحِ هَدْيٍ إنْ وَجَدَهُ أَوْ صَوْمٍ إنْ عَدِمَهُ
كَالصَّحِيحِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ (وَتَحَلَّلَ، ثُمَّ) زَالَ الْحَصْرُ
وَفِي الْوَقْتِ سِعَةٌ، وَ (أَمْكَنَهُ) الْقَضَاءُ (فَلَهُ الْقَضَاءُ
فِي عَامِهِ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ
وَاجِبٌ فَوْرًا، فَمَتَى أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ لَزِمَهُ، قَالَ
الْمُوَفَّقُ وَجَمَاعَةٌ: وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ
الَّذِي أُفْسِدَ الْحَجُّ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(وَمَنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ) دُونَ الْحَرَمِ (فِي حَجٍّ، تَحَلَّلَ
بِعُمْرَةٍ مَجَّانًا) أَيْ: وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ دَمٌ، لِأَنَّ قَلْبَ
الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مُبَاحٌ بِلَا حَصْرٍ. فَمَعَهُ أَوْلَى، فَإِنْ
كَانَ قَدْ طَافَ، وَسَعَى لِلْقُدُومِ، ثُمَّ أُحْصِرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ
فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ آخَرَيْنِ، لِأَنَّ
الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَقْصِدْهُمَا لِلْعُمْرَةِ.
(وَإِنْ أَمْكَنَ الْمُحْصَرُ وُصُولًا) إلَى الْحَرَمِ (مِنْ طَرِيقٍ
أُخْرَى) غَيْرِ الَّتِي أُحْصِرَ فِيهَا لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّحَلُّلُ
لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَرَمِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ، و
(لَزِمَهُ) سُلُوكُهَا لِيُتِمَّ نُسُكَهُ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ
الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَلَوْ بَعُدَتْ) تِلْكَ الطَّرِيقُ
(أَوْ خَشِيَ الْفَوَاتَ) ، أَيْ: فَوَاتَ الْحَجِّ.
(وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ
بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ) لِأَنَّهُ لَا
يَسْتَفِيدُ بِالْإِحْلَالِ الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ خَيْرٍ
مِنْهَا، وَلَا التَّخَلُّصُ مِنْ أَذًى بِهِ بِخِلَافِ حَصْرِ الْعَدُوِّ،
«وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ عَلَى
ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ،
(2/457)
وَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا
شَاكِيَةٌ. قَالَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي»
فَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ لَمَا احْتَاجَتْ إلَى
شَرْطٍ، وَحَدِيثِ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ، فَقَدْ حَلَّ» ، مَتْرُوكُ
الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ بِمُجَرَّدِهِ حَلَالًا، فَإِنْ
حَمَلُوهُ عَلَى إبَاحَةِ التَّحَلُّلِ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا إذَا
اشْتَرَطَهُ، عَلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ كَلَامًا لِابْنِ عَبَّاسٍ
يَرْوِيهِ، وَمَذْهَبُهُ بِخِلَافِهِ.
(وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْبَيْتِ، (تَحَلَّلَ
بِعُمْرَةٍ) نَصًّا كَغَيْرِهِ (وَلَا يَنْحَرُ) مَنْ مَرِضَ أَوْ ذَهَبَتْ
نَفَقَتُهُ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ (هَدْيًا إلَّا بِالْحَرَمِ) فَلَيْسَ
كَالْمُحْصَرِ مِنْ عَدُوٍّ نَصًّا، فَيَبْعَثُ مَا مَعَهُ مِنْ الْهَدْيِ،
فَيُذْبَحُ بِالْحَرَمِ، وَصَغِيرٍ كَبَالِغٍ فِيمَا سَبَقَ، لَكِنْ لَا
يَقْضِي حَيْثُ وَجَبَ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَبَعْدَ حَجَّةِ
الْإِسْلَامِ، وَفَاسِدُ حَجٍّ فِي ذَلِكَ كَصَحِيحِهِ.
(وَيُبَاحُ) لِمُحْرِمٍ (تَحَلُّلٌ) مِنْ إحْرَامٍ (لِحَاجَةٍ) إلَى
(قِتَالِ عَدُوٍّ أَوْ إلَى بَذْلِ مَالٍ) كَثِيرٍ مُطْلَقًا وَمَسِيرِ
كَافِرٍ وَيَجُوزُ قِتَالٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ
الِانْصِرَافُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ أَوْلَى صَوْنًا لِدِمَاءِ
الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: مَتَى كَانَتْ يَسِيرَةً وَجَبَ
الْبَذْلُ، وَلَوْ لِكَافِرٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ
إلَى خِلَافِهِ. (وَنُدِبَ قِتَالُ كَافِرٍ) إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ
الظَّفَرُ بِهِ، وَلَا يَجِبُ إلَّا إذَا بَدَأَنَا بِالْقِتَالِ، أَوْ
وَقَعَ النَّفِيرُ مِمَّنْ لَهُ الِاسْتِنْفَارُ فَيَتَعَيَّنُ إذْ ذَاكَ
لِمَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ
(وَمَنْ قَاتَلَ) مِنْ الْحُجَّاجِ (قَبْلَ تَحَلُّلٍ) أَوَّلٍ (وَلَبِسَ
مَا تَجِبُ فِيهِ فِدْيَةٌ لِحَاجَةٍ) إلَيْهِ (جَازَ) لَهُ اللِّبْسُ
(وَفَدَى) كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَغْطِيَتِهِ.
وَإِنْ أَذِنَ الْعَدُوُّ لِلْحَاجِّ فِي الْعُبُورِ فَلَمْ يَثِقُوا
بِهِمْ، فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ وَالتَّحَلُّلُ، وَإِنْ وَثِقُوا بِهِمْ،
لَزِمَهُمْ الْمُضِيُّ عَلَى الْإِحْرَامِ لِإِتْمَامِ النُّسُكِ، إذْ لَا
عُذْرَ لَهُمْ إذَنْ.
(2/458)
(وَمَنْ حُصِرَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ
وَقَدْ رَمَى) الْجِمَارَ (وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ، لَمْ يَجُزْ تَحَلُّلُهُ
لِنَحْوِ جِمَاعٍ) وَدَوَاعِيهِ وَعَقْدِ نِكَاحٍ (حَتَّى يَطُوفَ)
لِلْإِفَاضَةِ، وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى، وَكَذَا لَوْ حُصِرَ عَنْ
السَّعْيِ فَقَطْ، لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامٍ
تَامٍّ يُحَرِّمُ جَمِيعَ الْمَحْظُورَاتِ، وَهَذَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ
خَاصَّةً، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَمَتَى زَالَ الْحَصْرُ أَتَى
بِالطَّوَافِ وَسَعَى.
(وَمَنْ حُصِرَ عَنْ) فِعْلٍ (وَاجِبٍ لَمْ يَتَحَلَّلْ) لِعَدَمِ
وُرُودِهِ (وَعَلَيْهِ) لِتَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ (دَمٌ) كَمَا لَوْ
تَرَكَهُ اخْتِيَارًا، وَحَجُّهُ صَحِيحٌ لِتَمَامِ أَرْكَانِهِ.
(وَيَتَّجِهُ: وَيَرْجِعُ) الْمُحْصَرُ (بِهِ) أَيْ: بِالدَّمِ (عَلَى مَنْ
حَصَرَهُ) لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ
حَبَسْتنِي أَوْ) قَالَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: (إنْ مَرِضْت فَلِي
أَنْ أَحِلَّ، خُيِّرَ بِ) مُجَرَّدِ (وُجُودِ شَرْطِهِ) وَهُوَ الْحَبْسُ
أَوْ الْمَرَضُ (بَيْنَ تَحَلُّلٍ مَجَّانًا وَ) بَيْنَ (بَقَاءٍ عَلَى
إحْرَامِهِ) حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ وَيُتِمَّ نُسُكَهُ (وَإِنْ قَالَ:
إنْ مَرِضْت مَثَلًا فَأَنَا حَلَالٌ، حَلَّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ) أَيْ:
الْمَرَضِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ، لِخَبَرِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ
الزُّبَيْرِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنَّ
لَك عَلَى رَبِّك مَا اشْتَرَطْت» وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِي
الْعِبَادَاتِ، بِدَلِيلِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي صُمْت شَهْرًا،
لَكِنْ. إنْ تَحَلَّلَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ،
فَوُجُوبُهَا بَاقٍ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ.
[فَرْعٌ وَقَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ]
(فَرْعٌ: لَوْ وَقَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَوْ) وَقَفُوا (إلَّا يَسِيرًا
فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) بِأَنْ وَقَفُوا الثَّامِنَ أَوْ الْعَاشِرَ
(خَطَأً أَجْزَأَهُمْ) نَصًّا، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَابِرِ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
(2/459)
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يُعَرِّفُ النَّاسُ فِيهِ»
وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ،
وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ.
وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قِيلَ بِالْقَضَاءِ،
وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَخْطَئُوا فِي الْعَدَدِ أَوْ الرُّؤْيَةِ، أَوْ
الِاجْتِهَادِ فِي الْغَيْمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ
كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ (وَيُجْزِئُ وُقُوفُ الْعَاشِرِ) مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ إنْ كَانَ الْخَطَأُ لِأَجْلِ إغْمَاءِ الشَّهْرِ لَا إنْ كَانَ
لِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْعَدَدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ (إجْمَاعًا)
لِأَنَّ الْهِلَالَ لَمَّا يَرَهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُوهُ، قَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ ظَاهِرًا
وَبَاطِنًا، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَا
يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ
السَّلَفُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ.
وَقَالَ: (وَلَوْ رَآهُ) أَيْ: الْهِلَالَ (طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، وَرُدَّتْ
شَهَادَتُهُمْ، لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ، بَلْ الْوُقُوفُ مَعَ
الْجُمْهُورِ) وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَاتَهُ الْحَجُّ، قَالَهُ
الْأَصْحَابُ، وَفِي الِانْتِصَارِ وَإِنْ أَخْطَأَ عَدَدٌ يَسِيرٌ، وَفِي
الْكَافِي وَالْمُجَرَّدِ: وَإِنْ أَخْطَأَ نَفَرٌ مِنْهُمْ، قَالَ ابْنُ
قُتَيْبَةَ: يُقَالُ: إنَّ النَّفَرَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى
الْعَشَرَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ وَقَفَ النَّاسُ،
أَوْ إلَّا يَسِيرًا، الثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ خَطَأً أَجْزَأَهُمْ
(وَاخْتَارَ فِي الْفُرُوعِ) أَنَّهُ (يَقِفُ مَنْ رَآهُ) أَيْ:
الْهِلَالَ، يَقِينًا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ (فِي) الْيَوْمِ (التَّاسِعِ)
حَسْبَمَا (عِنْدَهُ) مِنْ الْيَقِينِ (وَ) يَقِفُ (مَعَ الْجُمْهُورِ)
أَيْضًا لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى الِابْتِدَاعِ (وَهُوَ) اخْتِيَارٌ
(حَسَنٌ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَبُلُوغِ مَقْصُودِهِ
بِنَفْيِ الشَّكِّ وَالِاحْتِيَاطِ.
(2/460)
|