مطالب
أولي النهى في شرح غاية المنتهى [بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ
بِالشُّرُوطِ]
ِ قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ هُوَ
إيقَاعٌ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بِهِ عِنْدَ
الشَّرْطِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ التَّعْلِيقَ
يَصِيرُ إيقَاعًا فِي ثَانِي الْحَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ
مُتَهَيِّئٌ لَأَنْ يَصِيرَ إيقَاعًا (وَهُوَ) أَيْ: التَّعْلِيقُ طَلَاقًا
كَأَنَّ الْمُعَلَّقَ أَوْ غَيْرَهُ (تَرْتِيبُ شَيْءٍ غَيْرِ حَاصِلٍ) فِي
الْحَالِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِهِ (عَلَى شَيْءٍ
حَاصِلٍ) أَيْ: مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ كَإِنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ
طَالِقٌ وَكَانَتْ كَذَلِكَ (أَوْ) عَلَى شَيْءٍ (غَيْرِ حَاصِلٍ) كَإِنْ
دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (بِإِنْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ
وَسُكُونِ النُّونِ، وَهِيَ أُمُّ أَدَوَاتِ الشُّرُوطِ (أَوْ إحْدَى
أَخَوَاتِهَا) مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ الْجَازِمَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوِ
إنْ قَامَ زَيْدٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ، وَكَذَا مَتَى
وَمَهْمَا وَإِذَا وَلَوْ، وَلَا يَكُونُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَاضِيًا،
وَلِذَلِكَ إذَا دَخَلَتْ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ قَلَبَتْهُ مُسْتَقْبَلًا.
(وَيَصِحُّ) تَعْلِيقٌ (مَعَ تَقَدُّمِ شَرْطٍ) كَإِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ
طَالِقٌ أَوْ خَلِيَّةٌ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ (وَ) يَصِحُّ تَعْلِيقٌ مَعَ
(تَأَخُّرِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ (بِصَرِيحٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ جَلَسْتِ
(وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِكِنَايَةِ) كَأَنْتِ مُسَرَّحَةٌ إنْ دَخَلْتِ
الدَّارَ (مَعَ قَصْدِ) الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ.
(وَيَتَّجِهُ: أَوْ) مَعَ (قَرِينَةٍ) مِنْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا يَضُرُّ) أَيْ: لَا يَقْطَعُ التَّعْلِيقَ (فَصْلٌ بَيْنَ شَرْطٍ
وَ) بَيْنَ (جَوَابِهِ بِكَلَامٍ
(5/398)
مُنْتَظِمٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ
إنْ قُمْتِ) أَوْ إنْ قُمْتِ يَا زَانِيَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ
مُتَّصِلٌ حُكْمًا.
(وَيَقْطَعُهُ) أَيْ: التَّعْلِيقَ (نَحْوُ سُكُوتٍ) بَيْنَ شَرْطٍ
وَجَوَابِهِ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ كَلَامٌ فِيهِ (وَ) يَقْطَعُهُ
(تَسْبِيحٌ) أَوْ تَهْلِيلٌ أَوْ تَحْمِيدٌ أَوْ تَكْبِيرٌ وَكُلُّ مَا لَا
يَكُونُ الْكَلَامُ مَعَهُ مُنْتَظِمًا، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ مُنْجَزًا
(وَ) لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ مَرِيضَةً رَفْعًا
وَنَصْبًا وَجَرًّا وَوَقْفًا) بِرَفْعِ مَرِيضَةٍ وَنَصْبِهِ وَجَرِّهِ
وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ (يَقَعُ) الطَّلَاقُ عَلَيْهَا (بِمَرَضِهَا)
لَوَصَفَهَا بِالْمَرَضِ حِينَ الْوُقُوعِ، أَشْبَهَ الشَّرْطَ،
فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مَرِضْتِ.
(وَمَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَأَيٌّ) بِالتَّنْوِينِ (الْمُضَافَةُ إلَى
الشَّخْصِ يَقْتَضِيَانِ عُمُومَ ضَمِيرِهِمَا) لِأَنَّهُمَا مِنْ صِيَغِ
الْعُمُومِ (فَاعِلًا) كَانَ ضَمِيرُهُمَا كَمَنْ قَامَتْ مِنْكُنَّ، أَوْ
أَيَّتُكُنَّ قَامَتْ فَهِيَ طَالِقٌ (أَوْ مَفْعُولًا) كَمَنْ أَقَمْتهَا،
أَوْ أَيَّتَكُنَّ أَقَمْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَيَعُمُّ مَنْ قَامَتْ
مِنْهُنَّ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَمَنْ أَقَامَهَا فِي الَآخَرِينَ كَمَا
يَقْتَضِي أَيُّ: الْمُضَافَةُ إلَى الْوَقْتِ عُمُومَهُ، كَقَوْلِهِ
أَيُّ: وَقْتٍ قُمْتِ أَوْ أَقَمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ
كُلَّ الْأَوْقَاتِ.
(وَلَا يَصِحُّ) تَعْلِيقُ طَلَاقٍ (إلَّا مِنْ زَوْجٍ) وَلَوْ مُمَيِّزًا
يَعْقِلُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ كَالْمُنَجَّزِ (أَوْ وَكِيلِهِ) فِيهِ،
لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ (فَ) مَنْ قَالَ (إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً)
فَهِيَ طَالِقٌ، لَمْ يَقَعْ إنْ تَزَوَّجَ (أَوْ عَيَّنَ، وَلَوْ
عَتِيقَتَهُ) بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ أَوْ عَتِيقَتِي
(فَهِيَ طَالِقٌ؛ لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (بِتَزَوُّجِهَا) فِي قَوْلِ
أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا
طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ مِنْ
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. قَالَ
التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي الْبَابِ
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَزَادَ (وَإِنْ
عَيَّنَهَا)
وَعَنْ الْمُسْتَوْرِدِ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ؛
وَلَا عِتْقَ
(5/399)
قَبْلَ مِلْكٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ نَجَزَ الطَّلَاقُ إذَنْ
لَمْ يَقَعْ (وَ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ (إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛
وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (أَجْنَبِيَّةٌ) أَيْ: غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ
(فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَامَتْ) وَهِيَ زَوْجَةٌ (لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ
الْمُعَلَّقُ قَالَ فِي " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ
(كَحَلِفِهِ) بِطَلَاقٍ (لَا فَعَلْتُ كَذَا) مِنْ قِيَامٍ أَوْ دُخُولِ
دَارٍ وَنَحْوِهِ (يَعْنِي بَانَتْ مِنْهُ) تِلْكَ الزَّوْجَةُ أَوْ
مَاتَتْ (ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى) فَأَكْثَرَ (وَفَعَلَ) ذَلِكَ
الْفِعْلَ الَّذِي حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ
(وَيَقَعُ مَا عَلَّقَ زَوْجٌ) مِنْ طَلَاقٍ (بِوُجُودِ شَرْطٍ) مُعَلَّقٍ
عَلَيْهِ (لَا قَبْلَهُ) أَيْ: وُجُودِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ
إزَالَةُ مِلْكٍ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ؛ أَشْبَهَ
الْعِتْقَ (وَلَوْ قَالَ) مُعَلِّقٌ (عَجَّلْتُهُ) أَيْ الطَّلَاقَ
الْمُعَلَّقَ لَمْ يَتَعَجَّلْ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ، فَلَيْسَ
لَهُ تَغْيِيرُهُ (مَا لَمْ يُرِدْ تَعْجِيلَ طَلَاقٍ غَيْرَهُ. فَيَقَعُ
وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ) الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَلْحَقُهَا
(وَقَعَ أَيْضًا، وَإِنْ قَالَ) زَوْجٌ عَلَّقَهُ (سَبَقَ لِسَانِي
بِالشَّرْطِ، وَلَمْ أُرِدْهُ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (حَالًا) أَيْ: وَقْتَ
إيقَاعِهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِالْأَغْلَظِ عَلَيْهِ بِلَا
تُهْمَةٍ (وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ إنْ: أَرَدْتُ "
قُمْتِ " دِينَ فَقَطْ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ
مِنْهُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
(وَلَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ عَلَّقَ زَوْجٌ طَلَاقًا بِهِ إلَّا إنْ مَاتَ
أَحَدُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (قَبْلَ وُجُودِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ؛
لِأَنَّهُ زَوَالُ مِلْكٍ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ،
أَشْبَهَ الْعِتْقَ، وَلَيْسَ لِمُعَلِّقٍ طَلَاقًا بِشَرْطِ إبْطَالِ
ذَلِكَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ إبْطَالَهُ رَفْعٌ لَهُ وَمَا وَقَعَ لَا
يَرْتَفِعُ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ؛ طَلُقَتْ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ
(أَوْ) إلَّا بِأَنْ (اسْتَحَالَ وُجُودُ) أَيْ: الشَّرْطِ كَأَنْ قَالَ:
أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَتَلْتُ زَيْدًا، فَمَاتَ (فَيَبْطُلُ) الشَّرْطُ،
وَلَا يَحْنَثُ (وَتَسْقُطُ الْيَمِينُ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ.
(5/400)
فَصْلٌ (وَأَدَوَاتُ الشَّرْطِ) أَيْ:
الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُؤَدَّى بِهَا مَعْنَى الشَّرْطِ أَسْمَاءً كَانَتْ
أَوْ حُرُوفًا (الْمُسْتَعْمَلَةُ غَالِبًا فِي نَحْوِ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ)
بِفَتْحِ الْعَيْنِ (سِتٌّ) وَهِيَ (إنْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ
النُّونِ (وَإِذَا وَمَتَى وَمَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَأَيُّ) بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَكُلَّمَا) وَأَمَّا مَهْمَا وَمَا
وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا وَلَوْ وَنَحْوُهَا فَلَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهَا
فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (وَهِيَ) أَيْ: كُلَّمَا (وَحْدَهَا
لِلتَّكْرَارِ) بِخِلَافِ مَتَى؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَوْقَاتَ
فَهِيَ بِمَعْنَى كُلِّ وَقْتٍ، فَمَعْنَى كُلَّمَا قُمْتَ قُمْتُ، كُلَّ
وَقْتٍ تَقُومُ فِيهِ أَقُومُ فِيهِ، وَأَمَّا مَتَى فَهِيَ اسْمُ زَمَانٍ
بِمَعْنَى أَيِّ وَقْتٍ، وَبِمَعْنَى إذَا فَلَا تَقْتَضِي مَا
يَقْتَضِيَانِهِ، وَاسْتِعْمَالُهَا لِلتَّكْرَارِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ
لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِهِ كَإِذَا أَوْ أَيِّ وَقْتٍ
(وَكُلُّهَا) أَيْ: أَدَوَاتُ الشَّرْطِ السِّتِّ (وَمَهْمَا) وَحَيْثُمَا
(بِلَا لَمْ وَيَتَّجِهُ أَوْ بِلَا نَافٍ غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ لَمْ،
كَلَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ بِلَا نِيَّةِ فَوْرٍ أَوْ قَرِينَةِ) أَيْ:
الْفَوْرِ (لِلتَّرَاخِي) لِأَنَّهَا تَمَحَّضَ الْوَقْتَ
لِلِاسْتِقْبَالِ: فَفِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْهُ وُجِدَ فَقَدْ حَصَلَ
الْجَزَاءُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَدَوَاتِ إذَا
تَجَرَّدَتْ عَنْ لَمْ وَعَنْ نِيَّةِ الْفَوْرِيَّةِ وَقَرِينَةِ
الْفَوْرِ، تَكُونُ لِلتَّرَاخِي (فَ) قَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ
طَالِقٌ إنْ قُمْت، وَنِيَّتُهُ) أَيْ: قَائِلِ ذَلِكَ (فَوْرًا) أَوْ
كَانَتْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ (فَقَامَتْ)
طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ وَإِلَّا تَقُمْ فِي الْحَالِ، بَلْ قَامَتْ
(بَعْدَ تَرَاخٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ وَ) وَكُلُّ الْأَدَوَاتِ (مَعَ لَمْ
لِلْفَوْرِ) إلَّا مَعَ نِيَّةِ تَرَاخٍ أَوْ قَرِينَةٍ (إلَّا إنْ) فَهِيَ
لِلتَّرَاخِي، وَلَوْ اقْتَرَنَتْ بِلَمْ (مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ فَوْرٍ أَوْ
قَرِينَتِهِ) أَمَّا مَعَ نِيَّةٍ لِلْفَوْرِ أَوْ قَرِينَتِهِ، فَهِيَ
لَهُ (فَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ) قُمْتِ (أَوْ إذَا) قُمْتِ
(5/401)
(أَوْ مَتَى) قُمْتِ (أَوْ مَهْمَا) قُمْتِ
(أَوْ مَنْ) قَامَتْ مِنْكُنَّ (أَوْ أَيَّتُكُنَّ قَامَتْ فَطَالِقٌ؛
وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِقِيَامِ الزَّوْجَةِ) أَيْ: عَقِبَهُ، وَإِنْ بَعُدَ
الْقِيَامُ عَنْ زَمَنِ التَّعْلِيقِ إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةَ فَوْرٍ أَوْ
قَرِينَتَهُ.
(وَلَا يَقَعُ) غَيْرَ طَلْقَةٍ (بِتَكَرُّرِهِ) أَيْ: الْقِيَامِ
لِانْحِلَالِ التَّعْلِيقِ بِالْأُولَى (إلَّا مَعَ كُلَّمَا) فَيَقَعُ
بِتَكَرُّرِهِ؛ لِمَا سَبَقَ (وَلَوْ قُمْنَ) أَيْ نِسَاؤُهُ الْأَرْبَعُ
(أَوْ أَقَامَ الْأَرْبَعُ فِي) قَوْلِهِ (أَيَّتُكُنَّ) قَامَتْ فَطَالِقٌ
(أَوْ) فِي قَوْلِهِ (مَنْ قَامَتْ) مِنْكُنَّ فَطَالِقٌ (أَوْ) فِي
قَوْلِهِ (مَنْ أَقَمْتُهَا مِنْكُنَّ) فَطَالِقٌ، أَوْ فِي قَوْلِهِ
أَيَّتُكُنَّ أَقَمْتُهَا فَطَالِقٌ (طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ) لِتَعْلِيقِهِ
الطَّلَاقَ عَلَى فِعْلِ الْقِيَامِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَعَلَى فِعْلِ
الْإِقَامَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي
كُلٍّ مِنْهُنَّ، وَكَذَا عِتْقٌ (وَعَلَى قِيَاسِهِ) لَوْ قَالَ أَيُّ
عَبِيدِي ضَرَبَكَ، أَوْ (مَنْ ضَرَبَكَ) مِنْ عَبِيدِي (فَ) هُوَ حُرٌّ
فَضَرَبُوهُ كُلُّهُمْ، عَتَقُوا (أَوْ) قَالَ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته،
أَوْ مَنْ ضَرَبْته مِنْهُمْ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَهُمْ كُلَّهُمْ
عَتَقُوا (وَ) إنْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ (أَيَّتُكُنَّ لَمْ
أَطَأْ الْيَوْمَ فَضَرَّاتُهَا طَوَالِقُ وَلَمْ يَطَأْ) وَاحِدَةً
مِنْهُنَّ فِي يَوْمِهِ (طُلِّقْنَ) كُلُّهُنَّ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا)
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَهَا ثَلَاثُ ضَرَائِرَ، وَلَمْ
يُوطَأْنَ، فَيَنَالُهَا مِنْهُنَّ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ (وَإِنْ وَطِئَ) فِي
يَوْمِهِ (وَاحِدَةً) مِنْهُنَّ فَقَطْ (فَثَلَاثٌ) تَقَعُ بِهَا (بِعَدَمِ
وَطْءِ ضَرَّاتِهَا) يُصِيبُهَا بِكُلِّ ضَرَّةٍ لَمْ يَطَأْهَا طَلْقَةٌ
(وَهُنَّ) أَيْ ضَرَائِرُهَا يُطَلَّقْنَ (ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ) لِأَنَّ
لِكُلٍّ مِنْهُنَّ ضَرَّتَيْنِ لَمْ تُوطَآ (وَإِنْ وَطِئَ) فِي يَوْمِهِ
(ثِنْتَيْنِ) مِنْهُنَّ فَقَطْ (فَثِنْتَانِ ثِنْتَانِ) تَقَعَانِ
بِالْمَوْطُوءَتَيْنِ لِعَدَمِ وَطْءِ ضَرَّتَيْهِمَا (وَهُمَا) أَيْ:
اللَّتَانِ لَمْ تُوطَآ تَطْلُقَانِ (وَاحِدَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ لِكُلٍّ
مِنْهُمَا ضَرَّةً لَمْ تُوطَأْ (وَإِنْ وَطِئَ) مِنْهُنَّ فِي يَوْمِهِ
(ثَلَاثًا؛ وَقَعَ بِالْمَوْطُوآتِ فَقَطْ وَاحِدَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ
لَهُنَّ ضَرَّةً لَمْ تُوطَأْ وَلَمْ يَقَعْ بِاَلَّتِي لَمْ تُوطَأْ
شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ضَرَّةٌ لَمْ تُوطَأْ (وَإِنْ وَطِئَ
الْأَرْبَعَ) فِي يَوْمِهِ؛ فَقَدْ (بَرَّ فِي الْجَمِيعِ) فَلَا تَطْلُقُ
وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ (وَإِنْ أَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ لَمْ
أَطَأْهَا فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، (وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِزَمَنٍ لَا
بِلَفْظٍ وَلَا بِنِيَّتِهِ) تَقَيَّدَ وَقْتُ الطَّلَاقِ (بِالْعُمْرِ)
أَيْ:
(5/402)
عُمْرِهِ وَعُمْرِهِنَّ، فَأَيَّتُهُنَّ
مَاتَتْ؛ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ ضَرَائِرِهَا طَلْقَةً طَلْقَةً،
لِلْيَأْسِ مِنْ وَطْئِهَا، وَإِذَا مَاتَتْ أُخْرَى فَكَذَلِكَ تَطْلُقُ
الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً، لِمَا سَبَقَ وَإِذَا مَاتَتْ أُخْرَى
فَكَذَلِكَ تَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً؛ لِمَا سَبَقَ،
وَإِنْ مَاتَتْ ثَالِثَةٌ طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا، وَإِنْ مَاتَ
هُوَ طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ
حَيَاتِهِ لِلْيَأْسِ مِنْ وَطْئِهِنَّ.
(وَيَتَّجِهُ: ضَعْفُ هَذَا) أَيْ: قَوْلِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ تَقَيَّدَ
بِالْعُمْرِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ إذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ
وَطْؤُهُنَّ فِيهِ) أَيْ: الزَّمَنِ (وَلَمْ يَطَأْ طَلُقْنَ) كُلُّهُنَّ
(إذَا أَيُّ: اقْتَرَنَتْ بِلَمْ) وَحَيْثُ اقْتَرَنَتْ بِلَمْ (فَتَكُونُ
لِلْفَوْرِ كَمَا يَأْتِي) قَرِيبًا (فِي) قَوْلِهِ (أَيَّتُكُنَّ لَمْ
أُطَلِّقْهَا) فَهِيَ طَالِقٌ، فَمَضَى إيقَاعُهُ فِيهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ،
طَلُقَتْ أَوْ طَلُقْنَ، وَقَدْ يُقَالُ إنْ ضَعُفَ هَذَا بِالْقِيَاسِ
عَلَى مَا يَأْتِي مَعَ التَّقَيُّدِ بِزَمَانٍ، فَإِنْ نَوَى وَقْتًا،
أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ تَعَلَّقَ بِهِ؛ فَتَطْلُقُ أَوْ
يَطْلُقْنَ بِفَوَاتِهِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَلَا
يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَيًّا مَعَ لَمْ
لِلْفَوْرِ - وَهَذَا مِنْهُ - فَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهَا
لِلْفَوْرِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى التَّرَاخِي وَالْقَرِينَةُ هُنَا
مَوْجُودَةٌ.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي "
الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " "
وَالْإِقْنَاعِ ".
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً) أَوْ
تُفَّاحَةً وَنَحْوَهَا (فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ
رُمَّانَةٍ) أَوْ نِصْفَ تُفَّاحَةٍ، وَنَحْوَهَا (فَأَنْتِ طَالِقٌ،
فَأَكَلَتْ وَلَا نِيَّةَ رُمَّانَةً أَيْ: جَمِيعَ حَبِّهَا) دُونَ
قِشْرِهَا وَنَحْوِهِ، لِلْعُرْفِ (فَثَلَاثٌ) ؛ لِوُجُودِ صِفَةِ
النِّصْفِ مَرَّتَيْنِ، وَوُجُودِ صِفَةِ الْكَامِلِ مَرَّةً، فَتَطْلُقُ
بِكُلِّ صِفَةٍ طَلْقَةً؛ لِأَنَّ
(5/403)
كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ (وَلَوْ
كَانَ بَدَلُ كُلَّمَا أَدَاةً غَيْرَهَا) مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ كَإِنْ
أَوْ إذَا أَوْ مَتَى أَوْ مَهْمَا وَأَكَلَتْ رُمَّانَةً (فَثِنْتَانِ)
بِصِفَةِ النِّصْفِ مَرَّةً؛ وَبِصِفَةِ الْجَمِيعِ مَرَّةً، وَلَا
تَطْلُقُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَدَوَاتِ لَا تَقْتَضِي
التَّكْرَارَ، فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ نِصْفًا
مُنْفَرِدًا عَنْ الرُّمَّانَةِ الْمَشْرُوطَةِ، وَكَانَتْ مَعَ الْكَلَامِ
قَرِينَةٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَأْكُلَ مَا نَوَى
تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِهِ؛ فَإِنْ أَكَلَتْ رُمَّانَةً طَلُقَتْ
وَاحِدَةً؛ وَإِنْ أَكَلَتْ نِصْفًا آخَرَ طَلُقَتْ أُخْرَى، فَإِنْ
أَكَلَتْ نِصْفًا آخَرَ طَلُقَتْ ثَالِثَةً إنْ كَانَتْ الْأَدَاةُ
كُلَّمَا فَقَطْ (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى صِفَاتٍ،
فَاجْتَمَعْنَ) أَيْ: الصِّفَاتُ (فِي عَيْنٍ) وَاحِدَةٍ (كَ) قَوْلِهِ
(إنْ رَأَيْتِ رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ أَسْوَدَ
فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَإِنْ رَأَيْتِ فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْ
رَجُلًا أَسْوَدَ فَقِيهًا؛ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ
مُعَلَّقٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَقَدْ وُجِدَتْ؛ أَشْبَهَ
مَا لَوْ وُجِدَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَعْيَانٍ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهَا (لَا) تَطْلُقُ (إنْ كَرَّرَ
رَجُلًا فِي الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ) كَقَوْلِهِ إنْ رَأَيْتِ رَجُلًا
فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَإِنْ رَأَيْتِ رَجُلًا أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ،
وَإِنْ رَأَيْتِ رَجُلًا فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْ رَجُلًا
وَاحِدًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ رَجُلًا فِي كُلِّ
مَرَّةٍ دَلِيلُ اشْتِرَاطِهِ التَّعْدَادَ؛ وَهَذَا الِاتِّجَاهُ
الْقَوَاعِدُ لَا تَأْبَاهُ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ) طَالِقٌ
(أَوْ) قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ (فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ
وَلَا قَرِينَةَ فَوْرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْقَائِلِ
وَالْمَقُولِ لَهَا (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إذَا بَقِيَ مِنْ حَيَاةِ
الْمَيِّتِ) مِنْهُمَا (مَا لَا يَتَّسِعُ لِإِيقَاعِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ؛
لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى تَرْكِ طَلَاقِهَا، فَإِذَا مَاتَ أَوْ مَاتَتْ؛
فَقَدْ وُجِدَ التَّرْكُ، وَلَمْ يَقَعْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إنْ وَلَوْ
مَعَ لَمْ لِلتَّرَاخِي، فَكَانَ لَهُ تَأْخِيرُهُ مَا دَامَ وَقْتُ
الْإِمْكَانِ، فَإِذَا ضَاقَ عَنْ الْفِعْلِ تَعَيَّنَ مَا لَمْ يَنْوِ
وَقْتًا أَوْ تَقُومُ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ؛ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ،
فَتَطْلُقُ بِفَوَاتِهِ.
(5/404)
(وَيَتَّجِهُ: أَنَّهُ لَا) يَقَعُ
الطَّلَاقُ (بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الضَّرَّةِ؛ خِلَافًا لِظَاهِرِهِمَا)
أَيْ: " الْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى " كَذَا قَالَ وَعِبَارَةُ "
الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْ عَمْرَةَ فَحَفْصَةُ
طَالِقٌ، فَأَيُّ الثَّلَاثَةِ مَاتَ أَوَّلًا، وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ
مَوْتِهِ، وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " وَإِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ
أَوْ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمْ وَقَعَ،
وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ
أُطَلِّقْكِ يَا عَمْرَةُ فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، فَأَيُّ الثَّلَاثَةِ مَاتَ
أَوَّلًا؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ مَوْتِهِ، لِأَنَّ تَطْلِيقَهُ
لِحَفْصَةَ عَلَى وَجْهٍ تَنْحَلُّ بِهِ يَمِينُهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي
حَيَاتِهِمْ جَمِيعًا، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَعْتِقْ عَبْدِي،
أَوْ إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ
بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَوَّلِهِمْ مَوْتًا، فَأَمَّا إنْ عَيَّنَ
وَقْتًا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّتِهِ تَعَيَّنَ؛ وَتَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ
ثَلَاثًا، فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
الزَّمَانَ الْمَحْلُوفَ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ فِيهِ تَعَيَّنَ
بِنِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَصَارَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فِي لَفْظِهِ
فَإِنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ، لِحَدِيثِ، «وَإِنَّمَا
لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» .
(وَلَا يَرِثُ) زَوْجٌ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَ مَا عَلَّقَهُ طَلَاقًا
(بَائِنًا كَمَا لَوْ أَبَانَهَا عِنْدَ مَوْتِهَا لِانْقِطَاعِ
زَوْجِيَّتِهِ وَتَرِثُهُ) هِيَ نَصًّا إنْ مَاتَ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا
عِنْدَ مَوْتِهِ بِلَا سُؤَالِهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِقَصْدِ
حِرْمَانِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ
ثَلَاثًا نَصًّا.
(وَإِنْ نَوَى) بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَنَحْوَهُ (وَقْتًا)
مُعَيَّنًا؛ تَعَلَّقَ بِهِ (أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ؛ تَعَلَّقَ
بِهِ) فَإِنْ كَانَ لَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ
فِي الْأُولَى أَوْ مَضَى مَا يُمْكِنُ إيقَاعُ طَلَاقٍ فِيهِ فِي
الثَّانِيَةِ؛ وَلَمْ يَفْعَلْ، طَلَّقَتْهُ وَمَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ
شَيْئًا، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ وَقْتًا بِلَفْظِهِ وَلَا نِيَّتِهِ،
فَعَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ بِالنِّيَّةِ إلَى
الزَّمَانِ كُلِّهِ؛ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ دُونَ آخَرَ.
قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ السَّاعَةِ:
(5/405)
{قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}
[سبأ: 3] (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (مَتَى لَمْ) أُطَلِّقْكِ (فَأَنْتِ
طَالِقٌ، أَوْ) إذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَيُّ وَقْتٍ
لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ (أَيَّتُكُنَّ
لَمْ) أُطَلِّقْهَا فَهِيَ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهُنَّ (مَنْ لَمْ
أُطَلِّقْهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ) أَيْ:
الطَّلَاقِ (فِيهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يُطَلِّقْهَا (طَلُقَتْ
أَوْ طُلِّقْنَ) لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ الْفَوْرِيَّةَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ
وَلَا قَرِينَةَ تَرَاخٍ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (كُلَّمَا لَمْ
أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى مَا) أَيْ: زَمَنٌ (يُمْكِنُ
إيقَاعُ ثَلَاثِ) طَلْقَاتٍ (مُرَتَّبَةٍ) أَيْ: وَاحِدَةً بَعْدَ
وَاحِدَةٍ (فِيهِ) أَيْ: الزَّمَنِ الْمَاضِي (وَلَمْ يُطَلِّقْهَا؛
طَلُقَتْ ثَلَاثًا) لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ، وَمَعَ لَمْ
الْفَوْرِيَّةِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {كُلَّ مَا جَاءَ
أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [المؤمنون: 44] فَتَقْتَضِي تَكْرَارَ
الطَّلَاقِ بِتَكْرَارِ الصِّفَةِ، وَهِيَ عَدَمُ طَلَاقِهِ لَهَا إنْ
دَخَلَ بِهَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِهَا (بَانَتْ بِالطَّلْقَةِ
الْأُولَى) فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا
يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ.
(وَيَتَّجِهُ: وَلَا يُتَصَوَّرُ) بَعْدَ ذَلِكَ (أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ:
مَنْ بَانَتْ مِنْهُ بِهَذِهِ الْأَدَاةِ (بِعَقْدِ نِكَاحٍ) أَصْلًا (إنْ
قُلْنَا هُنَا) أَيْ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (بِعَوْدِ الصِّفَةِ) كَمَا
هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(5/406)
[فَصْلٌ قَالَ عَامِّيٌّ غَيْرُ نَحْوِيٍّ
لِزَوْجَتِهِ أَنْ قُمْتِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ
فَأَنْتِ طَالِقٌ]
فَصْلٌ (وَإِنْ قَالَ عَامِّيٌّ) أَيْ: غَيْرُ نَحْوِيٍّ لِزَوْجَتِهِ
(أَنْ قُمْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ) وَسُكُونِ النُّونِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ
(فَ) هُوَ (شَرْطٌ) أَيْ: تَعْلِيقٌ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَقُومَ
(كَنِيَّتِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ (مِنْ) نَحْوِيٍّ (عَارِفٍ أَنَّ مَعْنَاهُ
التَّعْلِيلُ) لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُرِيدُ إلَّا الشَّرْطَ وَلَا
يَعْرِفُ أَنَّ مَعْنَاهَا التَّعْلِيلُ وَلَا يُرِيدُهُ؛ فَلَا يَثْبُتُ
لَهُ حُكْمُ مَا لَا يَعْرِفُهُ وَلَا يُرِيدُهُ كَمَا لَوْ نَطَقَ
بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَعْجَمِيٌّ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ (فَإِنْ لَمْ
يَنْوِ) عَارِفٌ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ (الشَّرْطَ) طَلُقَتْ فِي
الْحَالِ إنْ كَانَ الْقِيَامُ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْمَفْتُوحَةَ فِي
اللُّغَةِ إنَّمَا هِيَ لِلتَّعْلِيلِ فَمَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّك
قُمْت أَوْ لِقِيَامِك، قَالَ تَعَالَى {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ
وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} [الممتحنة: 1] وَقَالَ
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: 17] وَقَالَ {وَتَخِرُّ
الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم:
91] (أَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إذْ قُمْت:) طَلُقَتْ فِي
الْحَالِ؛ لِأَنَّ إذْ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ
(وَإِنْ قُمْتِ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (وَلَوْ قُمْتِ؛ طَلُقَتْ فِي
الْحَالِ، لَكِنْ) تَطْلُقُ (إنْ كَانَتْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ) لِأَنَّهُ
إنَّمَا طَلَّقَهَا لِعِلَّةٍ فَلَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِدُونِهَا.
هَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَمَنْ تَابَعَهُ جَزَمَ بِهِ فِي "
الْإِقْنَاعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَظَاهِرُ الْمُنْتَهَى أَنَّهُ يَقَعُ
وُجِدَتْ الْعِلَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ
الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ (وَلِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَقِيلٍ فِي
فُنُونِهِ " فِيمَنْ قِيلَ لَهُ: زَنَتْ امْرَأَتُكَ فَقَالَ: هِيَ
طَالِقٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَزْنِ؛ لَمْ تَطْلُقْ، وَجُعِلَ
السَّبَبُ) الَّذِي لِأَجْلِهِ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ (كَالشَّرْطِ
اللَّفْظِيِّ وَأَوْلَى) وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لَا
يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّعْلِيلِ بِلَفْظِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ
أَنْ يُطَلِّقَهَا لِعِلَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي اللَّفْظِ أَوْ غَيْرِ
مَذْكُورَةٍ فَإِذَا تَبَيَّنَ انْتِفَاؤُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ قَالَ
فِي " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ " وَهَذَا الَّذِي لَا يَلِيقُ
بِالْمَذْهَبِ غَيْرُهُ، وَلَا تَقْتَضِي قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ غَيْرَهُ،
فَإِذَا قِيلَ لَهُ امْرَأَتُكَ قَدْ شَرِبَتْ مَعَ فُلَانٍ وَبَاتَتْ
عِنْدَهُ، فَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنَّهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ
عَلِمَ أَنَّهَا
(5/407)
كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِهَا
قَائِمَةً تُصَلِّي، فَإِنَّ هَذَا الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ قَطْعًا.
قَالَ: وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ
أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ، مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَالْقَفَّالُ
وَغَيْرُهُمَا (الرَّجُلُ يَمُرُّ عَلَى الْمُكَّاسِ بِرَقِيقٍ لَهُ
يُطَالِبُهُ بِمَكْسِهِمْ، فَيَقُولُ هُمْ أَحْرَارٌ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ
ظُلْمِهِ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي عِتْقِهِمْ) أَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ،
وَبِهَذَا أَفْتَيْنَا تُجَّارَ الْيَمَنِ لَمَّا مَرُّوا عَلَى
الْمَكَّاسِينَ، فَقَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ. قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ
الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِشَرْطٍ؛
فَظَنَّ أَنْ الشَّرْطَ قَدْ وَقَعَ، فَقَالَ اذْهَبِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ،
وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَبَانَ
الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ
شَيْخُنَا.
قَالَ فِي " حَاشِيَةِ الْإِقْنَاعِ ": يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي
الْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَدَّى إلَيْهِ مَالًا، وَقَالَ لَهُ:
اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ يَظُنُّ الْبَرَاءَةَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَهَا؛
لَمْ يَبْرَأْ بِذَلِكَ.
(وَ) إنْ قَالَ (إنْ) قُمْت وَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (لَوْ قُمْت
وَأَنْتِ طَالِقٌ: طَلُقَتْ حَالًا لِأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ جَوَابًا)
لِلشَّرْطِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ،
وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُهُ)
أَيْ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي وَأَنْتِ طَالِقٌ الْجَزَاءَ؛ دِينَ، وَقُبِلَ
حُكْمًا (أَوْ) قَالَ (أَرَدْتُ بِأَنْ أَوْ لَوْ قُمْتِ وَأَنْتِ طَالِقٌ
أَنَّ قِيَامَهَا وَطَلَاقَهَا شَرْطَانِ لِشَيْءٍ آخَرَ) كَعِتْقِ
عَبْدِهِ أَوْ طَلَاقِ ضَرَّتِهَا أَوْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرٍ (ثُمَّ
أَمْسَكْتُ دِينَ وَقُبِلَ مِنْهُ حُكْمًا) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ
لَفْظُهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِالْجَزَاءِ
فَقَالَ إنْ قُمْتِ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَعَبْدِي حُرٌّ؛ لَمْ يَعْتِقْ
عَبْدُهُ حَتَّى تَقُومَ وَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ هُنَا لِلْحَالِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
[المائدة: 95] {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]
وَكَذَا إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ طَالِقًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ دَخَلَتْ
وَهِيَ طَالِقٌ؛ طَلُقَتْ أُخْرَى، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا
(5/408)
إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ مَرِيضَةً أَوْ
صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً وَنَحْوَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ
حَتَّى تَدْخُلَهَا كَذَلِكَ (وَ) قَوْلُهُ (أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ قُمْتِ)
كَقَوْلِهِ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَقُومَ؛
لِأَنَّ لَوْ تُسْتَعْمَلُ شَرْطِيَّةً كَإِنْ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ
(إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَإِنْ دَخَلَتْ ضَرَّتُكِ فَ)
مَتَى (دَخَلَتْ الْأُولَى طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ، دَخَلَتْ
ضَرَّتُهَا أَوْ لَا وَ (لَا) تَطْلُقُ (الْأُخْرَى) بِدُخُولِهَا
الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ طَلَاقَهَا (بِدُخُولِهَا، فَإِنْ
أَرَادَ جَعَلَ الثَّانِيَ) أَيْ: قَوْلَهُ وَإِنْ دَخَلَتْ ضَرَّتُكِ
(شَرْطًا لِطَلَاقِهَا) أَيْ الْأُولَى (أَيْضًا) أَيْ: بِأَنْ أَرَادَ
وَإِنْ دَخَلَتْ ضَرَّتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ الْأُولَى
وَالْأُخْرَى (طَلُقَتْ) الْأُولَى (ثِنْتَيْنِ) طَلْقَةً بِدُخُولِهَا
وَطَلْقَةً بِدُخُولِ ضَرَّتِهَا (وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ دُخُولَ
الثَّانِيَةِ شَرْطٌ لِطَلَاقِهَا) أَيْ: الثَّانِيَةِ بِأَنْ أَرَادَ إنْ
دَخَلَتْ ضَرَّتُكِ فَهِيَ طَالِقٌ (فَ) الْأَمْرُ (عَلَى مَا أَرَادَ)
فَأَيُّهُمَا دَخَلَتْ طَلُقَتْ (وَإِنْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ
وَإِنْ دَخَلَتْ هَذِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ) مَقُولٌ لَهَا
ذَلِكَ (إلَّا بِدُخُولِهِمَا) لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَهُمَا شَرْطًا
لِطَلَاقِهَا (وَ) لَوْ أَلْحَقَ شَرْطًا بِشَرْطٍ، فَقَالَ.
(إنْ قُمْتِ فَقَعَدْتِ فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ إنْ قُمْتِ ثُمَّ
قَعَدْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ؛
لِاقْتِضَاءِ الْفَاءِ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ (أَوْ قَالَ إنْ قُمْت مَتَى
قَعَدْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ،
فَيَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ، كَمَا
فِي نَظَائِرِهِ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ؛ أَيْ: إنْ
قُمْتِ فَمَتَى قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (إنْ قَعَدْتِ إذَا
قُمْتِ؛ أَوْ) قَالَ إنْ قَعَدْتِ (مَتَى قُمْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ
إنْ قَعَدْتِ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ
ثُمَّ تَقْعُدَ) لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ
عَلَى الشَّرْطِ (وَإِنْ عُكِسَ ذَلِكَ) فَقَالَ إنْ قَعَدْتِ فَقُمْتِ؛
أَوْ إنْ قَعَدْتِ ثُمَّ قُمْتِ، أَوْ إنْ قَعَدْتِ فَمَتَى قُمْتِ؛ أَوْ
إنْ قُمْتِ إذَا قَعَدْتِ (لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقْعُدَ ثُمَّ تَقُومَ)
لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُعُودَ شَرْطًا لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى
الْقِيَامِ؛ وَالشَّرْطُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَشْرُوطَ (وَكَذَا
أَنْتِ طَالِقٌ إنْ
(5/409)
أَكَلْتِ إذَا لَبِسْتِ، أَوْ أَنْتِ
طَالِقٌ إنْ أَكَلْتِ إنْ لَبِسْتِ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ أَكَلْتِ
مَتَى لَبِسْتِ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَلْبَسَ ثُمَّ تَأْكُلَ؛
وَيُسَمَّى) عِنْدَ النُّحَاةِ (اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ)
وَيَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْمُتَقَدِّمِ وَتَقْدِيمَ الْمُتَأَخِّرِ كَمَا
مَرَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّانِيَ فِي اللَّفْظِ شَرْطًا لِلَّذِي
قَبْلَهُ، وَالشَّرْطُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْرُوطَ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ
لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] .
(وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت وَقَعَدْت، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ
(لَا قُمْت وَقَعَدْت؛ تَطْلُق بِوُجُودِهِمَا) أَيْ: الْقِيَامِ
وَالْقُعُودِ (وَلَا تَرْتِيبَ) أَيْ: سَوَاءٌ سَبَقَ الْقِيَامُ أَوْ
الْقُعُودُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي
تَرْتِيبًا، وَلَا تَطْلُق بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ الْوَاوَ
لِلْجَمْعِ؛ فَلَا تَطْلُق قَبْلَ وُجُودِهِمَا.
قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا التَّغْلِبِيُّ: مَا لَمْ يُرِدْ الدُّعَاءَ
عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ لَا قُمْت وَنَحْوَهُ؛ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي
الْحَالِ.
(وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ (لَوْ أَرَادَهُ) أَيْ: التَّرْتِيبَ
بِقَوْلِهِ لَا قُمْتِ وَقَعَدْتِ (قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) ؛
لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت أَوْ قَعَدْت؛ تَطْلُق بِوُجُودِ
أَحَدِهِمَا، لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ (أَوْ) قَالَ إنْ قُمْتِ
أَوْ قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (لَا قُمْتِ
وَلَا قَعَدْتِ، تَطْلُق بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ
تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ
لَا قُمْتِ وَلَا قَعَدْتِ بِمَنْزِلَةِ إنْ قُمْتِ وَإِنْ قَعَدْتِ.
(وَ) إنْ قَالَ (إنْ أَعْطَيْتُكِ إنْ وَعَدْتُكِ إنْ سَأَلْتنِي فَأَنْتِ
طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَسْأَلَهُ ثُمَّ يَعِدَهَا ثُمَّ
يُعْطِيَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْلِهِ الثَّانِيَ شَرْطًا فِي
الَّذِي قَبْلَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ سَأَلْتنِي فَوَعَدْتُكِ
فَأَعْطَيْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ
إذَا
(5/410)
أَوْ إنْ.
(وَ) إنْ قَالَ (كُلَّمَا أَجْنَبْتُ) مِنْك جَنَابَةً (فَإِنْ اغْتَسَلْتُ
مِنْ حَمَّامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَجْنَبَ) مِنْهَا (ثَلَاثًا) مِنْ
الْمَرَّاتِ (وَاغْتَسَلَ مَرَّةً فِيهِ) أَيْ: الْحَمَّامِ (فَطَلْقَةً)
وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى أَمْرَيْنِ
وَمَجْمُوعُهُمَا لَمْ يُوجَدْ سِوَى مَرَّةً (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ
(ثَلَاثًا مَعَ فِعْلٍ لَمْ يَتَرَدَّدْ مَعَ كُلِّ جَنَابَةٍ كَمَوْتِ
زَيْدٍ وَقُدُومِهِ) وَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ (كَ) قَوْلِهِ
(كُلَّمَا أَجْنَبْتُ وَقَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَأَجْنَبَ
ثَلَاثًا وَقَدِمَ زَيْدٌ (طَلُقَتْ ثَلَاثًا) ؛ وَكَذَا نَظَائِرُهُ؛
لِقَرِينَةِ الْحَالِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ تَكْرَارِ
الثَّانِي.
(فَرْعٌ لَوْ أَسْقَطَ) مُعَلِّقٌ (الْفَاءَ مِنْ جُزْءٍ مُتَأَخِّرٍ)
فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ (فَ) هُوَ (كَبَقَائِهَا)
فَلَا تَطْلُق حَتَّى تَدْخُلَهَا؛ لِإِتْيَانِهِ بِحَرْفِ الشَّرْطِ،
فَدَلَّ عَلَى إرَادَةِ التَّعْلِيقِ وَتَقْدِيرِ الْفَاءِ كَقَوْلِهِ:
مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَذْفُ الْفَاءِ عَلَى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ
وَالتَّأْخِيرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ؛
وَمَهْمَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَصَوْنِهِ عَنْ
الْفَسَادِ؛ وَجَبَ (فَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَهُ حَالًا؛ وَقَعَ) لِأَنَّهُ
أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَغْلَظِ.
[فَصْلٌ فِي تَعْلِيق الطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ]
فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَيْ: الطَّلَاقِ (بِالْحَيْضِ) وَالطُّهْرِ (إذَا
قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَعَ) الطَّلَاقُ
(بِأَوَّلِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ (حِينَ تَرَى الدَّمَ إنْ تَبَيَّنَ) كَوْنُ
الدَّمِ (حَيْضًا، بِأَنْ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَوْ مِنْ
مُبْتَدَأَةٍ) تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ؛ لِأَنَّ
(5/411)
الصِّفَةَ وُجِدَتْ بِدَلِيلٍ مِنْهَا مِنْ
الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، (وَإِلَّا) يَتَبَيَّنْ كَوْنُهُ حَيْضًا بِأَنْ
نَقَصَ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَاتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى مَضَى
أَقَلُّ الطُّهْرِ، وَلَمْ يَعُدْ، أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ سِنَّهَا دُونَ
تِسْعِ سِنِينَ (لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُوجَدْ، وَكَذَا
لَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ آيِسَةٌ (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِ)
يمَا إذَا قَالَ (إذَا حِضْتِ حَيْضَةً) فَأَنْتِ طَالِقٌ (بِانْقِطَاعِهِ)
أَيْ: دَمِ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بَعْدَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ
عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْحَيْضِ، وَهِيَ
الْحَيْضَةُ الْكَامِلَةُ مِنْ الْمُعْتَادَةِ، وَالْمُتَكَرِّرَةِ
ثَلَاثًا مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ وَبِانْقِطَاعِ مَا يَصْلُحُ حَيْضًا مِنْ
الْمُسْتَحَاضَةِ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ سُنِّيًّا (وَلَا
يُحْتَسَبُ بِحَيْضَةٍ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (فِيهَا) بَلْ يُعْتَبَرُ
ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ، فَإِنْ
كَانَتْ حَائِضًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ؛
لِأَنَّهَا هِيَ الْحَيْضَةُ الْكَامِلَةُ، (وَ) إنْ قَالَ (كُلَّمَا
حِضْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ إذَا شَرَعَتْ فِي الْحَيْضَةِ
الثَّانِيَةِ، وَكَذَا تَطْلُق الثَّالِثَةُ إذَا شَرَعَتْ فِيهَا
وَيُحْسَبَانِ مِنْ عِدَّتِهَا (أَوْ زَادَ حَيْضَةً) بِأَنْ قَالَ
كُلَّمَا حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ
حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ طَلُقَتْ، ثُمَّ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الثَّانِيَةِ
طَلُقَتْ أُخْرَى، ثُمَّ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الثَّالِثَةِ فَكَذَلِكَ،
وَتُحْسَبُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْ عِدَّتِهَا (فَتَفْرُغُ
عِدَّتُهَا بِآخِرِ حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ) (لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ إذَا
طَلُقَتْ بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا يَأْتِي)
(وَطَلَاقُهُ) أَيْ: الْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا حِضْتِ فَأَنْتِ
طَالِقٌ (فِي حَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ) وَثَالِثَةٍ (غَيْرُ بِدْعِيٍّ)
لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُحْسَبُ
مِنْهَا، بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى؛ إذْ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ
كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا حِضْتِ
حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَكُلُّ طَلَاقِهِ غَيْرُ بِدْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ
إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) : أَنَّ طَلَاقَ قَائِلِ ذَلِكَ يَكُونُ غَيْرَ بِدْعِيٍّ
(مَا لَمْ يُرَاجِعْهَا) بَعْدَ الْحَيْضَةِ الْأُولَى، أَمَّا إذَا
رَاجَعَهَا بَعْدَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي
الْحَيْضِ فَطَلَاقُهُ لَهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ تَنْزِيلًا
لِلْمُرَاجَعَةِ مَنْزِلَةَ إلْغَاءِ التَّعْلِيقِ، فَصَارَتْ فِي
الْحُكْمِ كَالْمُطَلَّقَةِ
(5/412)
فِي الْحَيْضِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ
مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إذَا حِضْتِ نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ،
فَإِذَا مَضَتْ حَيْضَةٌ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ لِنِصْفِهَا) أَيْ عِنْدَ
نِصْفِ حَيْضَتِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالنِّصْفِ؛ وَلَا يُعْرَفُ
إلَّا بِوُجُودِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ قَدْ تَطُولُ
وَقَدْ تَقْصُرُ، وَيُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا بِمُضِيِّ
نِصْفِ عَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حَيْضَهَا عَلَى السَّوَاءِ،
وَالْأَحْكَامُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَادَةِ (أَوْ حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ)
بِلَيَالِيِهَا (وَنِصْفًا) مِنْ يَوْمٍ بِلَيْلَةٍ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ؛
لِأَنَّهُ نِصْفُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مُضِيُّ نِصْفِ
الْحَيْضَةِ إلَّا بِهِ قَالَ فِي " الْكَافِي " بِمَعْنَى - وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ - أَنَّهُ مَا دَامَ حَيْضُهَا بَاقِيًا لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ
طَلَاقِهَا حَتَّى يَمْضِيَ نِصْفُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ
ذَلِكَ لَا يُتَيَقَّنُ بِهِ مُضِيُّ نِصْفِ الْحَيْضَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ
نِصْفُهَا إلَّا بِكَمَالِهَا.
(وَمَتَى ادَّعَتْ) مَنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِحَيْضِهَا (حَيْضًا
وَأَنْكَرَ) زَوْجُهَا حَيْضَهَا (فَقَوْلُهَا فِيهِ بِلَا يَمِينٍ) هَذَا
الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ " الْمُوَفَّقُ "
وَ " الشَّارِحُ " وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ
بِهِ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمُذْهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ "
الْخُلَاصَةِ " وَ " الْعُمْدَةِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَالْوَجِيزِ "
وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ عَلَى نَفْسِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] قِيلَ هُوَ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ،
وَلَوْلَا قَبُولُ قَوْلِهَا فِيهِ لَمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا كَتْمُهُ؛
(5/413)
إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَ عَدَمِ
الْقَبُولِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة:
283] لَمَّا حَرَّمَ كِتْمَانَهَا دَلَّ عَلَى قَبُولِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا
يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ
الْإِقْنَاعِ؛ لِقَوْلِهِ فَإِنْ قَالَتْ قَدْ حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا قُبِلَ
قَوْلُهَا فِي نَفْسِهَا مَعَ يَمِينِهَا انْتَهَى.
وَحَيْثُ قُبِلَ قَوْلُهَا فِي الْحَيْضِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ
عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ (كَ) قَوْلِهِ (إنْ أَضْمَرْتِ
بُغْضِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَادَّعَتْهُ) أَيْ: إضْمَارَ بُغْضِهِ؛
فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا،
وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَ (لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَى زَوْجٍ (فِي
وِلَادَةٍ) عُلِّقَ طَلَاقُهَا عَلَيْهَا وَأَنْكَرَهَا، لِأَنَّهُ قَدْ
يُعْرَفُ مِنْ غَيْرِهَا (إنْ لَمْ تُقِرَّ بِالْحَمْلِ أَوْ تَشْهَدْ
النِّسَاءُ) فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ شَهِدَتْ النِّسَاءُ بِهِ رَجَّحَ
قَوْلُهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَيْهِ (فِي قِيَامٍ وَنَحْوِهِ)
كَقُدُومِ زَيْدٍ وَكَلَامِهِ وَدُخُولِ دَارٍ وَنَظَائِرِهَا، فَإِذَا
عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ
فَادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَهَا، فَقَوْلُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ
الزَّوْجِيَّةِ (وَلَوْ) أَقَرَّ زَوْجٌ بِهِ وَأَنْكَرَتْهُ، أَيْ بِمَا
عَلَّقَ عَلَيْهِ طَلَاقَهَا (طَلُقَتْ وَلَوْ أَنْكَرَتْهُ) الزَّوْجَةُ
مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُهَا، (وَ)
قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ حَائِضٌ) عِنْدَ
التَّعْلِيقِ (فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ) طَلُقَتْ نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أَيْ:
يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ، وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ
فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَصِحَّةِ
الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَائِضًا، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ
طَاهِرًا، إذْ لَا وَاسِطَةَ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا تَطْلُق بِمُجَرَّدِهِ أَيْ: انْقِطَاعِ الدَّمِ
(وَلَوْ) حَصَلَ الِانْقِطَاعُ (فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ) لِمَا تَقَدَّمَ
مِنْ أَنَّ النَّقَاءَ الْمُتَخَلِّلَ زَمَنَ الْحَيْضِ طُهْرٌ وَمَحَلُّ
ذَلِكَ (حَيْثُ لَا نِيَّةَ) مِنْهُ فَإِنْ كَانَ نَوَى فِي تَعْلِيقِهِ
ذَلِكَ طُهْرَهَا مِنْ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ، عُمِلَ بِهَا، لِحَدِيثٍ
«وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(5/414)
(وَإِلَّا) تَكُنْ حَائِضًا حِينَ
التَّعْلِيقِ (فَإِذَا طَهُرَتْ) أَيْ: انْقَطَعَ دَمُهَا (مِنْ حَيْضَةٍ
مُسْتَقِلَّةٍ) طَلُقَتْ، لِأَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ تَقْتَضِي فِعْلًا
مُسْتَقْبَلًا؛ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا ذَلِكَ،
فَتَعَلَّقَتْ الصِّفَةُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ حَصَلَ النَّقَاءُ فِي
أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِنَّهَا تَطْلُق حَيْثُ لَا
نِيَّةَ كَمَا أَسْلَفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاتِّجَاهِ (وَ) إنْ قَالَ
لَهَا (إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ وَضَرَّتُكِ طَالِقَتَانِ، فَقَالَتْ حِضْتُ،
وَكَذَّبَهَا؛ طَلُقَتْ وَحْدَهَا) أَيْ: دُونَ ضَرَّتِهَا. لِأَنَّ
قَوْلَهَا مَقْبُولٌ عَلَى نَفْسِهِمَا دُونَ ضَرَّتِهَا، فَإِنْ قَامَتْ
بِحَيْضَةٍ بَيِّنَةٌ طَلُقَتَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِحَيْضِهَا طَلُقَتَا
أَيْضًا، وَلَوْ كَذَّبَتْهَا (وَ) إنْ قَالَ لَهُمَا (إنْ حِضْتُمَا
فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ وَادَّعَتَاهُ) أَيْ: ادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا
أَنَّهَا حَاضَتْ (فَصَدَّقَهُمَا، طَلُقَتَا) لِإِقْرَارِهِ بِوُقُوعِ
الطَّلَاقِ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ أَكْذَبَهُمَا، لَمْ تَطْلُقَا) أَيْ:
لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ طَلَاقَ كُلٍّ مِنْهُمَا
مُعَلَّقٌ بِحَيْضَتِهَا وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا، وَإِقْرَارَ كُلٍّ مِنْهُمَا
عَلَى ضَرَّتِهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ (وَإِنْ أَكْذَبَ إحْدَاهُمَا، طَلُقَتْ
وَحْدَهَا) لِأَنَّ قَوْلَهَا فِي حَقِّهَا مَقْبُولٌ وَالزَّوْجُ صَدَّقَ
ضَرَّتَهَا فَقَدْ وُجِدَ الْحَيْضُ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا؛
وَلَمْ تَطْلُقْ الْمُصَدَّقَةُ، لِأَنَّ قَوْلَ ضَرَّتِهَا غَيْرُ
مَقْبُولٍ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ.
(وَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعٍ) أَيْ: قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ إنْ
حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَ طَوَالِقُ (فَقَدْ عَلَّقَ طَلَاقَ) كُلِّ (وَاحِدَةٍ
مِنْهُنَّ عَلَى حَيْضِ الْأَرْبَعِ؛ فَإِذَا ادَّعَيْنَهُ) أَيْ: ادَّعَى
الْأَرْبَعُ الْحَيْضَ وَصَدَّقَهُنَّ، (طَلُقْنَ كُلُّهُنَّ) لِوُجُودِهَا
أَيْ: الصِّفَةِ وَهِيَ حَيْضُ الْأَرْبَعِ حَيْثُ صَدَّقَهُنَّ عَلَيْهِ
(فَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا) مِنْهُنَّ (طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ) وَحْدَهَا،
لِقَبُولِ قَوْلِهَا فِي حَيْضِهَا، وَقَدْ صَدَّقَ الزَّوْجُ
صَوَاحِبَهَا، فَقَدْ وُجِدَ حَيْضُ الْأَرْبَعِ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ
الْمُصَدَّقَاتِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُكَذَّبَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ
عَلَيْهِنَّ (وَإِنْ صَدَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ
قَوْلَ الْمُكَذَّبَةِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ غَيْرِهَا (وَإِنْ
قَالَ) لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ (كُلَّمَا حَاضَتْ إحْدَاكُنَّ)
فَضَرَّاتُهَا طَوَالِقُ (أَوْ) قَالَ لَهُنَّ (أَيَّتُكُنَّ حَاضَتْ) أَوْ
مَنْ حَاضَتْ مِنْكُنَّ (فَضَرَّاتُهَا طَوَالِقُ، فَادَّعَيْنَهُ) أَيْ:
ادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ الْحَيْضَ (وَصَدَّقَهُنَّ طَلُقْنَ ثَلَاثًا
ثَلَاثًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَهَا ثَلَاثُ ضَرَائِرَ
فَيَأْتِيهَا مِنْ كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ (وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً)
مِنْهُنَّ، وَكَذَّبَ ثَلَاثًا (لَمْ تَطْلُقْ) الْمُصَدَّقَةُ، لِأَنَّهُ
لَا يُقْبَلُ قَوْلُ ضَرَائِرِهَا عَلَيْهَا (وَطَلُقَ ضَرَّاتُهَا
طَلْقَةً طَلْقَةً) مِنْ ضَرَّتِهِنَّ الْمُصَدَّقَةِ؛ لِثُبُوتِ حَيْضِهَا
بِتَصْدِيقِهَا (وَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ طَلُقَتَا طَلْقَةً
طَلْقَةً)
(5/415)
لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ضَرَّةً
مُصَدَّقَةً (وَ) طَلُقَتْ (الْمُكَذَّبَاتُ ثِنْتَيْنِ) لِأَنَّ لِكُلٍّ
مِنْهُمَا ضَرَّتَيْنِ مُصَدَّقَتَيْنِ (وَ) (مِنْ الْأَرْبَعِ إنْ صَدَّقَ
ثَلَاثًا) طَلُقْنَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
ضَرَّتَيْنِ مُصَدَّقَتَيْنِ (وَ) طَلُقَتْ (الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا)
لِأَنَّ لَهَا ثَلَاثُ ضَرَائِرَ مُصَدَّقَاتٍ (وَ) إنْ قَالَ لَهُمَا (إنْ
حِضْتُمَا حَيْضَةً) فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ (طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ)
مِنْهُمَا (بِشُرُوعِهِمَا فِي الْحَيْضِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ "
الْأَشْهَرُ تَطْلُق بِشُرُوعِهِمَا انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي
وَغَيْرِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي
الْمُنْتَهَى " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " لِأَنَّ وُجُودَ
حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُحَالٌ فَيَلْغُو قَوْلُهُ: حَيْضَةً؛
وَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ: إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ.
فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ (إذَا قَالَ)
لِزَوْجَتِهِ (إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَبَانَتْ حَامِلًا
زَمَنَ حَلَفَ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (مِنْهُ) أَيْ: زَمَنَ الْحَلِفِ،
لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَتَبَيُّنِ كَوْنِهَا حَامِلًا زَمَنَ حَلَفَ
(بِأَنْ تَلِدَهُ حَيًّا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ حَلِفِهِ
وَيَعِيشَ (أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَمْ يَطَأْ) هَا بَعْدَ
حَلِفِهِ لِأَنَّا بِوَضْعِهَا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَبَيَّنَّا
أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَ الْيَمِينِ، فَ تَطْلُق بِذَلِكَ،
لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَ) إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ (فَوْقَهَا) أَيْ: فَوْقَ
أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ، لَمْ تَطْلُقْ، لِتَبَيُّنِ
أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا حِينَهُ (أَوْ وَطِئَ) مُعَلِّقٌ (بَعْدَ
حَلِفٍ، وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ أَوَّلِ وَطْئِهِ
لَمْ تَطْلُقْ) لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ
الْحَلِفِ، وَلِأَصْلِ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ
(إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
(بِالْعَكْسِ) مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ
أَشْهُرٍ مِنْ حَلِفٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ أَرْبَعِ
سِنِينَ، طَلُقَتْ، لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا؛ وَكَذَا
إنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ بَعْدَ
الْحَلِفِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "
(5/416)
وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ
الْحَمْلِ حِينَهُ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا (لَا) تَطْلُق مَقُولٌ لَهَا ذَلِكَ لَوْ وَطِئَهَا
زَوْجُهَا (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْحَلِفِ (وَأَتَتْ) أَيْ: الْوَلَدَ
(لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْئِهِ الْأَوَّلِ) لِئَلَّا يَزُولَ
يَقِينُ النِّكَاحِ بِشَكِّ الطَّلَاقِ. قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ "؛
وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ.
(وَيَحْرُمُ وَطْءُ) زَوْجَةٍ (بَائِنٍ) قِيلَ لَهَا: إنْ كُنْت حَامِلًا
أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (قَبْلَ اسْتِبْرَاءٍ
فِيهِمَا) أَيْ: صُورَتِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ حَيْثُ كَانَ
الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ الطَّلَاقُ (وَ)
يَحْرُمُ وَطْؤُهَا (قَبْلَ زَوَالِ رِيبَةٍ) كَانْتِفَاخِ بَطْنٍ
وَحَرَكَتِهِ (أَوْ ظُهُورِ حَمْلٍ) فِي صُورَةِ مَا إذَا قَالَ لَهَا:
أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحْمِلَ
مِنْ الْوَطْءِ الصَّادِرِ بَعْدَ الْحَلِفِ، فَيَظْهَرُ أَنَّ الطَّلَاقَ
لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ، كَانَ وَقَعَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى
إبَاحَةِ الْمُحَرَّمِ وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَيَحْرُمُ قَبْلَ زَوَالِ
رِيبَةٍ وَبَعْدَ ظُهُورِ حَمْلٍ.
(وَيَحْصُلُ) اسْتِبْرَاءٌ (بِحَيْضَةٍ مَوْجُودَةٍ أَوْ مُسْتَقْبَلَةٍ
أَوْ مَاضِيَةٍ لَمْ يَطَأْ بَعْدَهَا) أَيْ الْمَاضِيَةِ، لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا وَهُوَ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ؛
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ
حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» .
قَالَ أَحْمَدُ: فَإِنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا أُرِيَتْ النِّسَاءَ مِنْ
أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِنَّ
انْتَظَرَ عَلَيْهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ (وَ) إنْ
قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إذَا حَمَلْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ
الطَّلَاقُ (إلَّا بِ) حَمْلٍ (مُتَجَدِّدٍ) بِخِلَافِ الْحَمْلِ
الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى وُجُودِ أَمْرٍ فِي
زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ فَلَا تَطْلُق قَبْلَهُ.
(5/417)
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ
(وَكَذَا) لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ لَهَا (إذَا دَخَلْتِ
الْحَمَّامَ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَنَحْوِهِ) كَإِنْ دَخَلْتِ الْبُسْتَانَ
فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَهِيَ فِيهِ) أَيْ: فِي الْحَمَّامِ أَوْ الْبُسْتَانِ؛
لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يَطَأْهَا إنْ كَانَ وَطِئَ فِي
طُهْرِ حَلِفِهِ قَبْلَ حَيْضٍ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ
(وَلَا) يَطَأْهَا (أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كُلَّ طُهْرٍ) لِجَوَازِ أَنْ
تَحْمِلَ مِنْهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ
كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ فَ) أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، (وَ) إنْ كُنْت
حَامِلًا (بِأُنْثَى فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ
ذَكَرَيْنِ) فَأَكْثَرَ (فَطَلْقَةً) لِأَنَّهُ جَعَلَ الطَّلْقَةَ مَعَ
وَصْفِ حَمْلِهَا بِالذُّكُورَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ مَعَ وَصْفِهِ
بِالْأُنُوثَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ الْأُنُوثَةُ، فَلَمْ تَطْلُقْ أَكْثَرَ
مِنْ طَلْقَةٍ (وَ) إنْ وَلَدَتْ (أُنْثَى) فَأَكْثَرَ (مَعَ ذَكَرٍ
فَأَكْثَرَ فَثَلَاثَ) طَلْقَاتٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْأُنْثَى فَأَكْثَرَ
وَوَاحِدَةٌ بِالذَّكَرِ فَأَكْثَرَ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ التَّعْلِيقَيْنِ.
(وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ وَلَدَتْ مَقُولٌ لَهَا ذَلِكَ (خُنْثَى مُنْفَرِدًا)
عَنْ غَيْرِهِ؛ فَحُكْمُهُ (كَ) حُكْمِ (ذَكَرٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ،
وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَإِنْ قَالَ) لَهَا (إنْ كَانَ حَمْلُكِ) ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ
طَلْقَةً وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ،
فَوَلَدَتْهُمَا، لَمْ تَطْلُقْ (أَوْ) قَالَ لَهَا إنْ كَانَ (مَا فِي
بَطْنِك) ذَكَرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى
فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ (فَوَلَدَتْهُمَا) أَيْ: الذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى (لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الذَّكَرَ أَوْ الْأُنْثَى
خَبَرًا عَنْ الْحَمْلِ أَوْ مَا فِي الْبَطْنِ، فَيَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي
أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَمَحَّضْ الْحَمْلُ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى، فَلَمْ
يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ (وَلَوْ أَسْقَطَ مَا)
(5/418)
فِي الْمِثَالِ الْأَخِيرِ بِأَنْ قَالَ
إنْ كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ
فِي بَطْنِك أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا
وَأُنْثَى (طَلُقَتْ ثَلَاثًا) وَاحِدَةً بِالذَّكَرِ، وَاثْنَتَيْنِ
بِالْأُنْثَى.
(وَمَا عُلِّقَ) مِنْ طَلْقَةٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِمَا (عَلَى وِلَادَةٍ
يَقَعُ بِإِلْقَاءِ مَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ) وَهُوَ مَا
تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ بَعْضِ إنْسَانٍ وَلَوْ خَفِيًّا، لِأَنَّهَا
وَلَدَتْ مَا يُسَمَّى وَلَدًا؛ لَا إلْقَاءِ عَلَقَةٍ وَمُضْغَةٍ؛
لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى وَلَدًا، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مَبْدَأَ
خَلْقِ إنْسَانٍ؛ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا
(إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً وَ) إنْ وَلَدْت
(أُنْثَى فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثِنْتَيْنِ) فَوَلَدَتْهُمَا (فَثَلَاثٌ
بِمَعِيَّةٍ) أَيْ: بِوِلَادَتِهَا لَهُمَا مَعًا بِحَيْثُ لَا يَسْبِقُ
أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، طَلْقَةٌ بِالذَّكَرِ وَاثْنَتَانِ بِالْأُنْثَى،
وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إذَنْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ
عَقِبَ الْوِلَادَةِ (وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْوَلَدَيْنِ
الْآخَرَ (بِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَعَ مَا عَلَّقَ بِهِ) أَيْ:
السَّابِقِ فَإِنْ سَبَقَ الذَّكَرُ فَطَلْقَةٌ، وَإِنْ سَبَقَتْ
الْأُنْثَى فَطَلْقَتَانِ (وَبَانَتْ بِ) الْوَلَدِ (الثَّانِي) مِنْهُمَا؛
لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهِ (وَلَمْ تَطْلُقْ بِهِ) أَيْ: الثَّانِي؛
لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ، فَلَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ كَإِنْ مِتَّ
فَأَنْتِ طَالِقٌ (مَا لَمْ يَكُنْ أَرْجَعَهَا) قَبْلَ الثَّانِي (وَكَ)
قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك) لِوُجُودِ تَعْقِيبِ
الْوُقُوعِ الصِّفَةَ، (وَ) إنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (بِسِتَّةِ
أَشْهُرٍ فَ) أَكْثَرَ (وَيَتَّجِهُ أَوْ) سَبَقَهُ (بِأَقَلَّ) مِنْ
سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (حَيْثُ وَطِئَ بَيْنَهُمَا) أَيْ:
الْوَضْعَيْنِ (فَثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ تَقَعُ؛ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ
بِالْوَطْءِ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ الثَّانِي مِنْ حَمْلٍ مُسْتَأْنَفٍ؛
إذْ لَا يُمْكِنُ ادِّعَاءُ أَنْ تَحْمِلَ بِوَلَدٍ بَعْدَ وَلَدٍ. قَالَهُ
فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ فِي الْحَامِلِ لَا تَحِيضُ.
(5/419)
(وَمَتَى أَشْكَلَ سَابِقٌ) مِنْ
وَلَدَيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، فَلَمْ يَدْرِ أَسَبَقَ
الذَّكَرُ، فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ وَتَبِينُ بِالْأُنْثَى، أَوْ
سَبَقَتْ اثْنَتَيْنِ فَتَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ وَتَبِينُ بِالذَّكَرِ.
(فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ (بِيَقِينٍ، وَيَلْغُو مَا زَادَ) لِلشَّكِّ فِي
الثَّانِيَةِ، وَالْوَرَعُ أَنْ يَلْتَزِمَهُمَا لِاحْتِمَالِ سَبْقِ
الْأُنْثَى، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى فَقِيَاسُهُ يَقَعُ، وَيَلْغُو مَا
زَادَ لِلشَّكِّ فِيهِ، وَالْوَرَعُ الْتِزَامُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ
مَنْ تَلِدُهُ) مِنْهُمَا (حَيًّا أَوْ مَيِّتًا) لِأَنَّ الشَّرْطَ
وِلَادَةٌ، وَقَدْ وُجِدَتْ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ
وَتَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ كَانَ
أَوَّلُ مَا تَلِدِينَ ذَكَرًا فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً) وَاحِدَةً
(وَ) إنْ كَانَ (أُنْثَى فَ) أَنْتِ طَالِقٌ (بِهِ ثِنْتَيْنِ؛ فَلَا)
يَقَعُ عَلَيْهِ (شَيْءٌ بِمَعِيَّةٍ) أَيْ: بِوِلَادَتِهَا لَهُمَا مَعًا،
لِأَنَّهُ لَا أَوَّلَ فِيهِمَا، فَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ (وَ) إنْ قَالَ
لَهَا (إنْ وَلَدْتِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ حَيَّيْنِ أَوْ
مَيِّتِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا حِنْثَ بِ) وِلَادَةِ (ذَكَرٍ
وَأُنْثَى أَحَدُهُمَا فَقَطْ حَيٌّ) لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُوجَدْ (وَ)
إنْ قَالَ لَهَا (كُلَّمَا وَلَدْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ زَادَ
وَلَدًا) فَقَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَوَلَدَتْ
ثَلَاثَةَ) أَوْلَادٍ (مَعًا) لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا غَيْرَهُ
(فَثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ، لِتَعَدُّدِ الْوِلَادَةِ، بِتَعَدُّدِ
الْأَوْلَادِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَوْلُودٌ، فَيَقَعُ بِكُلِّ
وِلَادَةٍ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ.
(وَ) إنْ وَلَدْت ثَلَاثَةً (مُتَعَاقِبِينَ) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ
(طَلُقَتْ بِأَوَّلٍ) طَلْقَةً (وَبِثَانٍ) طَلْقَةً (وَبَانَتْ بِثَالِثٍ)
وَلَمْ تَطْلُقْ بِهِ (لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهِ) أَيْ: بِوَصْفِهِ،
وَإِنَّمَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي، لِأَنَّهُ لَيْسَ
تَمَامَ حَمْلِهَا، وَالْعِدَّةُ إنَّمَا تَتِمُّ بِوَضْعِ جَمِيعِ
الْحَمْلِ (وَإِنْ وَلَدَتْ اثْنَيْنِ) مُتَعَاقِبَيْنِ (وَ) كَانَ (زَادَ:
لِلسُّنَّةِ) بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ
(فَطَلْقَةٌ بِطُهْرٍ مِنْ نِفَاسِهَا ثُمَّ) طَلْقَةٌ (أُخْرَى بَعْدَ
طُهْرٍ مِنْ حَيْضَةٍ) مُسْتَقْبَلَةٍ لِأَنَّ هَذَا هُوَ طَلَاقُ
السَّنَةِ كَمَا سَبَقَ.
(5/420)
[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ
بِالطَّلَاقِ]
فَصْلٌ (فِي تَعْلِيقِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِالطَّلَاقِ إذَا قَالَ)
لِزَوْجَتِهِ (إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَوْقَعَهُ) أَيْ:
الطَّلَاقَ عَلَيْهَا (بَائِنًا) بِأَنْ كَانَ عَلَى عِوَضٍ، أَوْ كَانَتْ
غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا (لَمْ يَقَعْ مَا عُلِّقَ) مِنْ طَلَاقِهِ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ عِصْمَةً (كَ) مَا لَا يَقَعُ طَلَاقٌ (مُعَلَّقٌ
عَلَى خُلْعٍ) لِوُجُوبِ تَعَقُّبِ الصِّفَةِ الْمَوْصُوفَ، وَالْبَائِنُ
لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ (وَإِنْ أَوْقَعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ هُوَ أَوْ
وَكِيلُهُ فِيهِ (رَجْعِيًّا) وَقَعَ ثِنْتَانِ طَلْقَةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ
وَالْأُخْرَى بِالصِّفَةِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ تَطْلِيقَهَا شَرْطًا
لِطَلَاقِهِ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ (عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ
(بِقِيَامِهَا ثُمَّ بِوُقُوعِ طَلَاقِهَا) بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ قُمْتِ
فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ
طَالِقٌ (فَقَامَتْ) رَجْعِيَّةً (وَقَعَ ثِنْتَانِ) طَلْقَةٌ
بِقِيَامِهَا، وَطَلْقَةٌ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا بِوُجُودِ
الصِّفَةِ، وَهِيَ قِيَامُهَا (وَإِنْ عَلَّقَهُ بِقِيَامِهَا ثُمَّ
بِطَلَاقِهِ لَهَا) بِأَنْ قَالَ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ
لَهَا إنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَامَتْ فَوَاحِدَةٌ
بِقِيَامِهَا، وَلَا تَطْلُق بِتَعْلِيقِهِ عَلَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ
لَمْ يُطَلِّقْهَا (أَوْ) عَلَّقَهُ بِقِيَامِهَا ثُمَّ (بِإِيقَاعِهِ
مِنْهُ لَهَا) بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ
قَالَ لَهَا إنْ أَوْقَعْتُ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَقَامَتْ؛
فَوَاحِدَةٌ) بِقِيَامِهَا، وَلَا تَطْلُق بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ
وَالْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ
عَلَيْهَا طَلَاقًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ:
الطَّلَاقَ (بِقِيَامِهَا، ثُمَّ) إنْ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ
طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَقَامَتْ،
فَثِنْتَانِ) وَاحِدَةٌ بِقِيَامِهَا، وَأُخْرَى بِتَطْلِيقِهَا الْحَاصِلِ
بِالْقِيَامِ، لِأَنَّ طَلَاقَهَا بِوُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ لَهَا
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ)
لَهَا (إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ تَجَوَّزَا)
أَيْ: طَلَاقَهَا
(5/421)
(رَجْعِيًّا) بِأَنْ كَانَتْ مَدْخُولًا
بِهَا، وَطَلَّقَهَا دُونَ مَا يَمْلِكُ بِلَا عِوَضٍ (فَثَلَاثٌ)
وَاحِدَةٌ بِالْمُنَجَّزِ، وَاثْنَتَانِ بِالتَّعْلِيقِ وَالْوُقُوعِ
(فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت) بِقَوْلِي إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (إنْ
طَلَّقْتُكِ) طَلْقَةً بِمَا أَوْقَعْتَهُ عَلَيْكِ (وَلَمْ أُرِدْ عَقْدَ
صِفَةٍ، دِينَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ
كَلَامَهُ يَحْتَمِلُهُ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّهُ
خِلَافَ الظَّاهِرِ (وَ) إنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا (كُلَّمَا
طَلَّقْتُكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا كُلَّمَا (أَوْقَعْتُ
عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ) لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ،
فَثِنْتَانِ) طَلْقَةٌ بِالْخِطَابِ، وَأُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ، لِأَنَّ
الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى تَطْلِيقِهَا، وَلَمْ تَطْلُقْ أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّطْلِيقَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً (وَ)
إنْ قَالَ لَهَا (كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ
وَقَعَ) عَلَيْهَا طَلَاقُهُ (بِمُبَاشَرَةٍ) بِأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ
طَالِقٌ (أَوْ سَبَبٍ) بِأَنْ كَانَ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ
فَوُجِدَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّعْلِيقِ بَعْدَ مَا قَالَ لَهَا
ذَلِكَ أَوْ قَبْلَهُ (فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ طَلْقَةٌ وَقَعَتْ
عَلَيْهَا فَتَطْلُق بِهَا الثَّالِثَةُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ وَقَعَتْ)
الطَّلْقَةُ (الْأُولَى وَ) الطَّلْقَةُ (الثَّانِيَةُ رَجْعَتَيْنِ)
لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ بَائِنًا لَمْ يَلْحَقْهَا مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (الثَّلَاثَ بِتَطْلِيقٍ يَمْلِكُ فِيهِ
الرَّجْعَةَ) كَمَا لَوْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُكِ طَلَاقًا أَمْلِكُ فِيهِ
رَجْعَتَك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (ثُمَّ طَلَّقَ وَاحِدَةً) أَوْ
اثْنَتَيْنِ، وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا (وَقَعَ الثَّلَاثُ) لِأَنَّ
امْتِنَاعَ الرَّجْعَةِ هُنَا، لِعَجْزِهِ عَنْهَا؛ لَا لِعَدَمِ مِلْكِهَا
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (كُلَّمَا) وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ
طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا (أَوْ إنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقٌ قَبْلَهُ
ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ مَا تَجُرُّهُ،
وَوَقَعَ تَتِمَّةُ الثَّلَاثِ مِمَّا عَلَّقَهُ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ)
فَإِنَّهُ قَالَ تَطْلُق بِالطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَيَلْغُو
الْمُعَلَّقُ، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي زَمَانٍ مَاضٍ (وَيَلْغُو قَوْلُهُ
قَبْلَهُ) لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ يَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ
بِهَا، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهَا بِالشَّرْطِ قَبْلَهُ، فَتَلْغُوا
صِفَتُهَا بِالْقَبْلِيَّةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا وَقَعَ عَلَيْكِ
طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (خِلَافًا) لِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ
سُرَيْجٍ
(5/422)
الشَّافِعِيِّ (وَجَمَاعَةٍ) مِنْ
الشَّافِعِيَّةِ (قَالُوا لَا تَطْلُق أَبَدًا وَتُسَمَّى) هَذِهِ
الْمَسْأَلَةُ (السُّرَيْجِيَّةَ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِهَا،
وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَحُجَّتُهُ أَنَّ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ تَقْتَضِي
وُقُوعَ ثَلَاثٍ قَبْلَهَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُقُوعَهَا فَإِثْبَاتُهَا
يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهَا، فَلَا تَثْبُتُ، وَلِأَنَّ إيقَاعَهَا يُفْضِي
إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ يَقَعُ قَبْلَهَا ثَلَاثٌ،
فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا، وَمَا أَدَّى إلَى الدَّوْرِ وَجَبَ قَطْعُهُ
مِنْ أَصْلِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ
الشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ النَّصِّ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ
أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَفَّالُ شَيْخُ
الْمَرَاوِزَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَكَيْفَ تَسُوغُ الْفَتْوَى
بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامَ الْأَكْثَرِ يَعْنِي مِنْ
الشَّافِعِيَّةِ (وَيَقَعُ بِمَنْ) أَيْ: بِزَوْجَةٍ (لَمْ يَدْخُلْ بِهَا)
وَقَالَ لَهَا ذَلِكَ، الطَّلْقَةُ (الْمُنَجَّزَةُ فَقَطْ) لِأَنَّهَا
تَبِينُ بِهَا، وَلَا يَلْحَقُهَا شَيْءٌ مِنْ الْمُعَلَّقِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ وَطِئْتُكِ وَطْئًا مُبَاحًا) فَأَنْتِ
طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ ظَاهَرْت مِنْكِ)
فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلُ ثَلَاثًا (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ رَاجَعْتُكِ
فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ وُجِدَ شَيْءٌ، مِمَّا عَلَّقَ
عَلَيْهِ) الطَّلَاقَ (وَقَعَ الثَّلَاثُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي
السُّرَيْجِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ لَهَا (إذَا بِنْتِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ
قَبْلَهُ ثَلَاثًا (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ انْفَسَخَ نِكَاحُكِ فَأَنْتِ
طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَبَانَتْ بِنَحْوِ خُلْعٍ) كَفَسْخٍ لِمُقْتَضٍ
(لَمْ يَقَعْ مُعَلَّقٌ) لِأَنَّهَا إذَا بَانَتْ لَمْ يَبْقَ لِلطَّلَاقِ
مَحَلٌّ يَقَعُ فِيهِ.
(وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ فِيهِ وَكَذَا) لَا يَقَعُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ فِي
قَوْلِهِ لَهَا: إنْ (أَبَنْتُكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا
(أَوْ) قَوْلِهِ لَهَا إنْ (فَسَخْتُ نِكَاحَكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ
ثَلَاثًا (أَوْ) قَوْلِهِ إنْ (لَاعَنْتُكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ
ثَلَاثًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " بَلْ تَبِينُ
(بِالْإِبَانَةِ وَالْفَسْخِ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ " الْإِقْنَاعِ "
وَالْمُنْتَهَى " وَعِبَارَةُ " الْإِقْنَاعِ " إنْ أَبَنْتُكِ أَوْ
فَسَخْتُ نِكَاحَكِ أَوْ رَاجَعْتُكِ أَوْ إنْ ظَاهَرْتُ أَوْ آلَيْتُ
مِنْكِ أَوْ
(5/423)
لَا أَعْتِقُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ
ثَلَاثًا، فَفَعَلَ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " إنْ
أَبَنْتُكِ أَوْ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ، أَوْ رَاجَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ
ثَلَاثًا، ثُمَّ وُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا عَلَّقَ عَلَيْهِ؛ وَقَعَ
الثَّلَاثُ، وَلَغَا قَوْلُهُ قَبْلَهُ انْتَهَى؛ وَمَا قَالَهُ
الْمُصَنِّفُ هُوَ الْأَصَحُّ.
(وَ) إنْ قَالَ لِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ (كُلَّمَا طَلَّقْت ضَرَّتَكِ
فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ لِلضَّرَّةِ، ثُمَّ طَلَّقَ
الْأُولَى) فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (طَلُقَتْ الضَّرَّةُ طَلْقَةً)
بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ ضَرَّتَهَا (وَ) طَلُقَتْ الْأُولَى
(ثِنْتَيْنِ) طَلْقَةً بِالْمُبَاشَرَةِ وَطَلْقَةً بِوُجُودِ الصِّفَةِ؛
لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالضَّرَّةِ تَطْلِيقٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا
طَلَاقًا بِتَعْلِيقِهِ طَلَاقًا ثَانِيًا مَعَ وُجُودِ صِفَتِهِ،
وَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ (وَإِنْ
طَلَّقَ الضَّرَّةَ) الْمَقُولَ لَهَا ذَلِكَ ثَانِيًا (فَقَطْ) أَيْ:
وَلَمْ يُطَلِّقْ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ (طَلُقَتَا)
أَيْ: الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ (طَلْقَةً طَلْقَةً) الْأُولَى بِالصِّفَةِ
وَالثَّانِيَةُ بِالتَّنْجِيزِ، وَلَا يَقَعُ بِالتَّعْلِيقِ أُخْرَى،
لِأَنَّ طَلَاقَ الْأُولَى وَقَعَ بِالتَّعْلِيقِ السَّابِقِ عَلَى
تَعْلِيقِ طَلَاقِ الثَّانِيَةِ، فَلَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِ
الثَّانِيَةِ طَلَاقُهَا (وَمِثْلُ ذَلِكَ) لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ
زَوْجَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ مَثَلًا إنْ طَلَّقْتُ حَفْصَةَ
فَعَمْرَةُ طَالِقٌ (أَوْ كُلَّمَا طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ،
ثُمَّ قَالَ) إنْ طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ (أَوْ كُلَّمَا
طَلَّقْتُ حَفْصَةَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، فَحَفْصَةُ) هُنَا (كَالضَّرَّةِ
فِيمَا قَبْلُ) فَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ؛ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَحَفْصَةُ
طَلْقَةً، وَإِنْ طَلَّقَ حَفْصَةَ فَقَطْ طَلُقَتَا طَلْقَةً طَلْقَةً؛
لِمَا تَقَدَّمَ (وَعَكْسُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَمْرَةَ إنْ طَلَّقْتُكِ
فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، ثُمَّ) قَوْلُهُ (لِحَفْصَةَ إنْ طَلَّقْتُكِ
فَعَمْرَةُ طَالِقٌ فَحَفْصَةُ هُنَا كَعَمْرَةَ هُنَاكَ) أَيْ: فِي
الَّتِي قَبْلَهَا، فَإِنْ قَالَ لِحَفْصَةَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ
طَلْقَتَيْنِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالصِّفَةِ، وَطَلُقَتْ عَمْرَةُ
وَاحِدَةً، وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ ابْتِدَاءً؛ لَمْ يَقَعْ لِكُلٍّ
مِنْهُمَا إلَّا طَلْقَةٌ طَلْقَةُ عَمْرَةَ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَحَفْصَةَ
بِالصِّفَةِ.
(وَ) إنْ قَالَ (لِأَرْبَعِ) زَوْجَاتِهِ (أَيَّتُكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا
طَلَاقِي فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ ثُمَّ أَوْقَعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ
(عَلَى إحْدَاهُنَّ) أَيْ: الْأَرْبَعِ (طُلِّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)
لِأَنَّهُ
(5/424)
إذَا وَقَعَ عَلَى إحْدَاهُنَّ طَلْقَةٌ؛
طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ صَوَاحِبِهَا طَلْقَةٌ؛ بِوُقُوعِهِ
عَلَيْهَا، وَصَارَ إذَا وَقَعَ بِوَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ يَقَعُ بِكُلِّ
وَاحِدَةٍ مِنْ صَوَاحِبِهَا طَلْقَةٌ، وَقَدْ وَقَعَ عَلَى جَمِيعِهِنَّ؛
فَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا (وَ) إنْ قَالَ لِنِسَائِهِ
الْأَرْبَعِ (كُلَّمَا طَلَّقْتُ وَاحِدَةً) مِنْكُنَّ (فَعَبْدٌ) مِنْ
عَبِيدِي (حُرٌّ، وَ) كُلَّمَا طَلَّقْتُ (ثِنْتَيْنِ فَاثْنَانِ) مِنْ
عَبِيدِي حُرَّانِ، (وَ) كُلَّمَا طَلَّقْتُ (ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ) مِنْ
عَبِيدِي أَحْرَارٌ، (وَ) كُلَّمَا طَلَّقْتُ (أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ)
مِنْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ (ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ، وَلَوْ مَعًا) بِأَنْ قَالَ:
أَنْتُنَّ طَالِقٌ (عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا حَيْثُ لَا نِيَّةَ)
فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِيَّةٌ فَيُؤَاخَذُ بِمَا نَوَى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ
مُقَدَّمَةٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ فِي الزَّوْجَاتِ أَرْبَعُ صِفَاتٍ
هُنَّ أَرْبَعٌ فَيَعْتِقُ أَرْبَعَةٌ، وَهُنَّ أَرْبَعَةٌ آحَادُ،
فَيَعْتِقُ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا، وَهُنَّ اثْنَتَانِ وَاثْنَتَانِ
فَيَعْتِقُ أَرْبَعَةٌ كَذَلِكَ، وَفِيهِنَّ ثَلَاثٌ فَيَعْتِقُ بِهِنَّ
ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ شِئْت قُلْت يَعْتِقُ (بِالْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ،
وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّ فِيهَا صِفَتَيْنِ هِيَ وَاحِدَةٌ
وَهِيَ مَعَ الْأُولَى اثْنَانِ (وَ) يَعْتِقُ (بِالثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ)
لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَعَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ (وَ)
يَعْتِقُ (بِالرَّابِعَةِ سَبْعَةٌ) لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَ صِفَاتٍ هِيَ
وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَعَ الثَّانِيَةِ اثْنَتَانِ، وَهِيَ مَعَ الثَّلَاثِ
الَّتِي قَبْلَهَا أَرْبَعٌ (كَذَا قِيلَ) فِي بَيَانِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ قَالَ فِي " الْمُغْنِي " بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَا
ذَكَرْنَا: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ لَا
يَعْتَبِرُ صِفَةَ طَلَاقِ الْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِ الْأُولَى، وَلَا
صِفَةَ التَّثْنِيَةِ فِي غَيْرِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَلَفْظَةُ
كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَيَجِبُ تَكْرَارُ؛ الطَّلَاقِ
بِتَكْرَارِ الصِّفَةِ (وَإِنْ أَتَى بَدَلَ) قَوْلِهِ: (كُلَّمَا إنْ)
كَمَتَى وَإِذَا وَحَيْثُمَا، كَقَوْلِهِ: إنْ طَلَّقَهُنَّ وَاحِدَةً
فَعَبْدِي حُرٌّ، وَاثْنَتَيْنِ فَاثْنَانِ، وَثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ،
وَأَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ، ثُمَّ طَلُقَتْ وَلَوْ مَعًا (عَتَقَ عَشَرَةُ)
أَعْبُدٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، (وَ) إنْ
قَالَ: (إنْ دَخَلَ الدَّارَ رَجُلٌ) فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَإِنْ
دَخَلَهَا طَوِيلٌ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ وَإِنْ دَخَلَ أَسْوَدُ
فَثَلَاثَةٌ مِنْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ (وَإِنْ دَخَلَ فَقِيهٌ فَأَرْبَعَةٌ)
أَحْرَارٌ (فَدَخَلَهَا رَجُلٌ فَقِيهٌ طَوِيلٌ أَسْوَدُ؛ عَتَقَ عَشَرَةٌ)
مِنْ عَبِيدِهِ، وَاحِدٌ بِصِفَةِ كَوْنِ الدَّاخِلِ رَجُلًا، وَاثْنَانِ
بِصِفَةِ كَوْنِهِ طَوِيلًا، وَثَلَاثَةٌ بِصِفَةِ كَوْنِهِ أَسْوَدَ،
وَأَرْبَعَةٌ بِصِفَةِ كَوْنِهِ فَقِيهًا.
(5/425)
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَتَاكِ
طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهَا: إذَا أَتَاك كِتَابِي
فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَاهَا كَامِلًا، وَلَمْ يَنْمَحِ مِنْهُ ذِكْرُ
الطَّلَاقِ، فَثِنْتَانِ) طَلْقَةٌ بِتَعْلِيقِهَا عَلَى الْكِتَابَةِ،
وَطَلْقَةٌ بِتَعْلِيقِهَا عَلَى إتْيَانِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ
أَتَاهَا بِكِتَابِهِ إلَيْهَا (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ) بِقَوْلِي إنْ
أَتَاكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَنَّكِ طَالِقٌ بِ) التَّعْلِيقِ
(الْأَوَّلِ، دِينَ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَكَلَامُهُ
يَحْتَمِلُهُ (وَقُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِظُهُورِهِ (وَإِنْ أَتَاهَا
بَعْضُ الْكِتَابِ وَفِيهِ الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَنْمَحِ ذِكْرُهُ لَمْ
تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِهَا كِتَابُهُ، بَلْ بَعْضُهُ.
(وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهَا لَا تَطْلُق (لِمَجِيءِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا
لِمَجِيءِ الطَّلَاقِ فَ) إنَّهَا (تَطْلُق، لِوُجُودِ الصِّفَةِ) أَيْ
الطَّلَاقِ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِذَلِكَ
الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى مَجِيءِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ
أَتَاهَا طَلَاقُهُ، وَإِنْ انْمَحَى مَا فِيهِ، أَوْ انْمَحَى ذِكْرُ
الطَّلَاقِ، أَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ؛ لَمْ تَطْلُقْ انْتَهَى، وَهُوَ
مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ كَتَبَ) لِامْرَأَتِهِ (إذَا قَرَأْت كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ
فَقُرِئَ عَلَيْهَا؛ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إنْ كَانَتْ أُمِّيَّةً) لَا
تُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِقِرَاءَتِهَا
(وَإِلَّا) تَكُنْ أُمِّيَّةً بِأَنْ كَانَتْ تُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ
(فَلَا) تَطْلُق بِقِرَاءَةِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ
تَقْرَأْهُ، وَالْأَصْلُ فِي اللَّفْظِ كَوْنُهُ لِلْحَقِيقَةِ مَا لَمْ
تَتَعَذَّرْ (وَلَا يَثْبُتُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ) مِثْلَ
كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (وَإِذَا شَهِدَا عِنْدَهَا كَفَى)
وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا
تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا شَاهِدَا عَدْلٍ لَا حَامِلُ
الْكِتَابِ وَحْدَهُ، وَلَا يَكْفِي إنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا خَطَّهُ، كَمَا
لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، بَلْ لَا بُدَّ
مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَشَهَادَتِهِمَا بِمَا فِيهِ.
(فَرْعٌ: مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا فَقَرَأَهُ فِي نَفْسِهِ)
وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ بِهِ (حَنِثَ، لِأَنَّهُ قِرَاءَةٌ عُرْفًا)
إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ الْقِرَاءَةِ؛ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهَا.
(5/426)
[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق
بِالْحَلِفِ]
فَصْلٌ (فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَلِفِ. إذَا قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (إنْ
حَلَفْت بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ عَلَّقَهُ) أَيْ: طَلَاقَهَا
(بِمَا) أَيْ: شَيْءٍ (فِيهِ حَنِثَ عَلَى فِعْلٍ) ، كَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ
الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَأَقُومَنَّ؛ طَلُقَتْ
فِي الْحَالِ (أَوْ) عَلَّقَهُ بِمَا فِيهِ (مَنْعٌ) مِنْ فِعْلٍ، كَإِنْ
قُمْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) عَلَّقَهُ بِمَا
فِيهِ تَصْدِيقُ خَبَرٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ لَقَدْ قُمْتُ، أَوْ إنَّ هَذَا
الْقَوْلَ لَصِدْقٌ وَنَحْوُهُ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ) عَلَّقَهُ
فِيمَا فِيهِ (تَكْذِيبُهُ) أَيْ: الْخَبَرِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ
يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ كَذِبًا (طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) وَهَذَا كُلُّهُ
فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَلِفًا
تَجَوُّزًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِالْحَلِفِ، وَهُوَ
الْحَثُّ أَوْ الْمَنْعُ أَوْ التَّأْكِيدُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ
تَعْلِيقًا، لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى
الْحَقِيقَةِ، حُمِلَ عَلَى مَجَازِهِ لِقَرِينَةِ الِاسْتِحَالَةِ، وَ
(لَا) تَطْلُق مَنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِالْحَلِفِ بِهِ (إنْ عَلَّقَهُ
بِمَشِيئَتِهَا) أَوْ مَشِيئَةِ غَيْرِهَا (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِحَيْضٍ أَوْ
طُهْرٍ أَوْ طُلُوعِ شَمْسٍ أَوْ قُدُومِ حَاجٍّ) وَنَحْوِهِ كَكُسُوفٍ
وَهُبُوبِ رِيحٍ وَنُزُولِ مَطَرٍ قَبْلَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ
مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْحَلِفِ بِهِ (وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ
(إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ لَهَا (إنْ
كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعَادَهُ) لَهَا (مَرَّةً) أُخْرَى
(فَطَلْقَةٌ) لِأَنَّهُ حَلِفٌ أَوْ كَلَامٌ (وَ) إنْ أَعَادَهُ
(مَرَّتَيْنِ فَثِنْتَانِ) (وَ) إنْ أَعَادَهُ (ثَلَاثًا، فَثَلَاثُ)
طَلْقَاتٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ يُوجَدُ فِيهَا شَرْطُ الطَّلَاقِ
وَيَنْعَقِدُ شَرْطُ طَلْقَةٍ أُخْرَى (مَا لَمْ يَقْصِدْ إفْهَامَهَا فِي)
قَوْلِهِ (إنْ حَلَفْتُ) بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَلَا يَقَعُ،
بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَهُ مَنْ عَلَّقَهُ بِالْكَلَامِ بِقَصْدِ
إفْهَامِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامًا.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ".
(5/427)
وَأَخْطَأَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ
فِيهَا كَالْأُولَى ذَكَرَهُ فِي " الْفُنُونِ " (وَتَبِينُ غَيْرُ
مَدْخُولٍ بِهَا) إذَا أَعَادَهُ (بِطَلْقَةٍ) ؛ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا
بَعْدَهَا (وَلَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ الثَّانِيَةُ وَلَا الثَّالِثَةُ
فِي مَسْأَلَةِ كَلَامٍ) فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، لِأَنَّهَا تَبِينُ
بِشُرُوعِهِ فِي كَلَامِهَا، فَلَا يَحْصُلُ جَوَابُ الشَّرْطِ إلَّا
وَهِيَ بَائِنٌ؛ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ، فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ
الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ إلَّا بَعْدَ انْعِقَادِهَا، فَإِنْ
تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، طَلُقَتْ، لِوُجُودِ
الْحِنْثِ بِالْيَمِينِ، الْمُنْعَقِدَةِ فِي النِّكَاحِ السَّابِقِ (وَ)
لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ (إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا
طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ وَقَعَ) بِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ لِمَا
سَبَقَ (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِإِحْدَاهُمَا) أَيْ: الْمَرْأَتَيْنِ
(فَأَعَادَهُ بَعْدَ) أَنْ وَقَعَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ (فَلَا
طَلَاقَ) لِأَنَّ الْحَلِفَ بِطَلَاقِ الْبَائِنِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ
(وَلَوْ نَكَحَ الْبَائِنَ، ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا، طَلُقَتَا أَيْضًا
طَلْقَةً طَلْقَةً) ، فَتَصِيرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَلَّقَةً
طَلْقَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الثَّانِيَةَ مُنْعَقِدَةٌ
فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَأُورِدُ عَلَيْهِ
بِأَنَّ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الْحَلِفِ
بِطَلَاقِهَا مَعَ طَلَاقِ الْأُخْرَى، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَلِفَيْنِ
جُزْءُ عِلَّةٍ لِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا
بُدَّ مِنْ الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا فِي زَمَانٍ يَكُونُ فِيهِ أَهْلًا
لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا، لِأَنَّهُ
جُزْءُ عِلَّةٍ لِطَلَاقِ نَفْسِهَا، وَمِنْ تَمَامِ شَرْطِهِ، فَكَيْفَ
يَقَعُ بِهَذِهِ الَّتِي جَدَّدَ نِكَاحَهَا لِلطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا
حَلَفَ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا وَهِيَ بَائِنٌ، وَأُجِيبُ عَلَيْهِ بِأَنَّ
وُجُودَ الصِّفَةِ كُلِّهَا فِي النِّكَاحِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَيَكْفِي
وُجُودُ آخِرِهَا فِيهِ لِيَقَعَ الطَّلَاقُ عَقِبَهُ (وَ) إنْ أَتَى
(بِكُلَّمَا بَدَلَ إنْ) بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا
فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ وَإِحْدَاهُمَا غَيْرُ مَدْخُولٍ
بِهَا ثُمَّ أَعَادَهُ حَالَ بَيْنُونَتِهَا، ثُمَّ نَكَحَ الْبَائِنَ،
وَأَعَادَهُ؛ طَلُقَتَا (ثَلَاثًا ثَلَاثًا طَلْقَةً عَقِبَ، طَلَاقِهِ
ثَانِيًا، وَطَلْقَتَيْنِ لَمَّا نَكَحَ الْبَائِنَ وَحَلَفَ بِطَلَاقِهَا)
لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأَوَّلَ لَمْ تَنْحَلَّ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ،
لِأَنَّ كُلَّمَا لِلتَّكْرَارِ وَالْيَمِينُ الثَّانِيَةُ، بَاقِيَةٌ،
فَتَكُونُ الْيَمِينُ الثَّالِثَةُ الَّتِي تَكَمَّلَتْ بِحَلِفِهِ عَلَى
الَّتِي جَدَّدَ نِكَاحَهَا شَرْطًا لِلْيَمِينِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ،
فَيَقَعُ بِهَا طَلْقَتَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ
(5/428)
التَّعْلِيقُ بِإِنْ أَوْ نَحْوِهَا.
فَإِنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى تَنْحَلُّ بِالثَّانِيَةِ؛ لِعَدَمِ
اقْتِضَائِهَا التَّكْرَارَ فَتَبْقَى الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ فَقَطْ،
فَإِذَا أَعَادَهَا وُجِدَ شَرْطُ الثَّانِيَةِ، فَانْحَلَّتْ،
وَتَنْعَقِدُ الثَّالِثَةُ.
(وَ) لَوْ قَالَ (لِزَوْجَتَيْهِ حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ إنْ حَلَفْت
بِطَلَاقِكُمَا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ لَمْ تَطْلُقْ
وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ وَحْدَهَا، لَا
بِطَلَاقِهِمَا (وَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا
فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، طَلُقَتْ عَمْرَةُ) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِهِمَا
بَعْدَ تَعْلِيقِهِ، طَلَاقَهُمَا عَلَيْهِ (ثُمَّ إنْ قَالَ) بَعْدَهُ
(إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَعَمْرَةُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ
مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِطَلَاقِهِمَا، بَلْ بِطَلَاقِ
عَمْرَةَ وَحْدَهَا (ثُمَّ إنْ قَالَ) بَعْدَهُ (إنْ حَفَلَتْ
بِطَلَاقِكُمَا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، طَلُقَتْ حَفْصَةُ) وَحْدَهَا؛
لِوُجُودِ شَرْطِ طَلَاقِهَا؛ وَهُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا، عَمْرَةَ
أَوَّلًا وَحَفْصَةَ ثَانِيًا (وَ) إنْ قَالَ (لِمَدْخُولٍ بِهِمَا
كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ إحْدَاكُمَا) فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ (أَوْ)
قَالَ كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ (وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا
طَالِقَتَانِ وَأَعَادَهُ، طَلُقَتَا ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ) لِأَنَّ
ذَلِكَ حَلِفٌ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَحَلِفُهُ بِطَلَاقِ
كُلِّ وَاحِدَةٍ يَقْتَضِي طَلَاقَ الثِّنْتَيْنِ، فَطَلُقَتَا بِحَلِفِهِ
بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَبِحَلِفِهِ بِطَلَاقِ الْأُخْرَى
طَلْقَةً طَلْقَةً (وَإِنْ قَالَ) لَهُمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ إحْدَاكُمَا
أَوْ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا (فَهِيَ) طَالِقٌ (أَوْ) قَالَ (فَضَرَّتُهَا
طَالِقٌ وَأَعَادَهُ، فَطَلْقَةٌ طَلْقَةٌ) بِكُلٍّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ
حَلِفَهُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ إنَّمَا اقْتَضَى طَلَاقَهَا وَحْدَهَا،
وَمَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا إلَّا مَرَّةً؛ فَلَا تَطْلُق إلَّا طَلْقَةً
(وَإِنْ قَالَ) لَهُمَا كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ إحْدَاكُمَا أَوْ
وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا (فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ) وَأَعَادَهُ (فَطَلْقَةٌ)
تَقَعُ (بِإِحْدَاهُمَا) تُعَيَّنُ بِقُرْعَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ:
إحْدَاكُمَا طَالِقٌ (وَ) إنْ قَالَ (لِإِحْدَاهُمَا إنْ حَلَفْتُ
بِطَلَاقِ ضَرَّتِكِ، فَأَنْتِ، طَالِقٌ ثُمَّ قَالَهُ لِلْأُخْرَى) أَيْ:
قَالَ لَهَا مِثْلَ مَا قَالَ لِلْأُولَى (طَلُقَتْ الْأُولَى) لِحَلِفِهِ
بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا (فَإِنْ أَعَادَهُ لِلْأُولَى، طَلُقَتْ الْأُخْرَى)
لِأَنَّ ذَلِكَ حَلِفُ ضَرَّتِهَا، وَكُلَّمَا أَعَادَهُ لِامْرَأَةٍ
طَلُقَتْ الْأُخْرَى إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَتْ
إحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَطَلُقَتْ مَرَّةً، تَطْلُق
الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ بِطَلَاقِهَا، لِكَوْنِهِ بَائِنًا،
وَلَوْ قَالَ:
(5/429)
كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا
فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ يَقَعْ
شَيْءٌ، لِأَنَّ هَذَا حَلِفٌ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ
الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا.
(وَ) لَوْ قَالَ: (إنْ حَلَفْت بِعِتْقِ عَبْدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ
قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكِ فَعَبْدِي حُرٌّ طَلُقَتْ)
زَوْجَتُهُ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ طَلَاقِهَا، وَهُوَ الْحَلِفُ بِعِتْقِ
عَبْدِهِ (ثُمَّ إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ حَلَفْتُ بِعِتْقِكَ
فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، عَتَقَ الْعَبْدُ) لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ؛
وَهُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ) أَيْ:
لِعَبْدِهِ (إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِي فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ
قَالَ لَهَا) أَيْ: لِامْرَأَتِهِ (إنْ حَلَفْتُ بِعِتْقِ عَبْدِي فَأَنْتِ
طَالِقٌ، عَتَقَ الْعَبْدُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْحَلِفُ
بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ.
تَتِمَّةٌ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ حَلَفْت بِعِتْقِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ
ثُمَّ أَعَادَهُ، عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِعِتْقِهِ.
[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْكَلَامِ]
فَصْلٌ (فِي تَعْلِيقِهِ بِالْكَلَامِ، إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ
كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَحَقَّقِي، أَوْ زَجَرَهَا فَقَالَ:
تَنَحَّيْ أَوْ اُسْكُتِي أَوْ مُرِّي) وَنَحْوَهُ اتَّصَلَ ذَلِكَ
أَوَّلًا؛ طَلُقَتْ مَا لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ
طَلَاقَهَا عَلَى كَلَامِهَا، وَكَذَا لَوْ سَمِعَهَا تَذْكُرُهُ بِسُوءٍ،
فَقَالَ " الْكَاذِبُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ حَنِثَ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ
كَلَّمَهَا (أَوْ قَالَ) لَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِالْكَلَامِ (إنْ
قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ) بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ؛
لِأَنَّهُ كَلَامٌ خَارِجٌ عَنْ الْيَمِينِ (مَا لَمْ يَنْوِ) كَلَامًا
(غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ ذَلِكَ الْكَلَامِ، أَوْ تَرَكَ مُحَادَثَتَهَا،
أَوْ الِاجْتِمَاعَ بِهَا، فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ (وَ) إنْ قَالَ: (إنْ
بَدَأْتُكِ بِكَلَامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ إنَّ بَدَأْتُكَ
بِهِ) أَيْ: بِكَلَامٍ (فَعَبْدِي حُرٌّ؛ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) لِأَنَّهَا
كَلَّمَتْهُ أَوَّلًا، فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ لَهَا بَعْدَ ابْتِدَاءٍ
(إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ) بِأَنْ نَوَى
(5/430)
أَنْ لَا يَبْدَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى
(ثُمَّ إنْ بَدَأَتْهُ) بِكَلَامٍ (حَنِثَ) أَيْ: عَتَقَ عَبْدُهَا؛
لِوُجُودِ الصِّفَةِ: (وَإِنْ بَدَأَهَا) بِكَلَامٍ بَعْدَ قَوْلِهَا: إنْ
بَدَأْتُكَ بِكَلَامٍ فَعَبْدِي حُرٌّ (انْحَلَّتْ يَمِينُهَا) لِمَا
سَبَقَ (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: طَلَاقَهَا (بِكَلَامِهَا زَيْدًا) كَأَنْ
قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَكَلَّمَتْهُ) أَيْ:
زَيْدًا (فَلَمْ يَسْمَعْ) زَيْدٌ كَلَامَهَا (لِغَفْلَةِ) زَيْدٍ (أَوْ
شَغْلٍ) عَنْهَا (وَنَحْوِهِ) كَخَفْضِ صَوْتِهَا أَوْ صِيَاحٍ، وَكَانَتْ
مِنْهُ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا سَمِعَهَا؛ حَنِثَ (أَوْ)
كَلَّمَتْهُ (وَهُوَ) أَيْ: زَيْدٌ مَجْنُونٌ أَوْ (سَكْرَانُ) وَهِيَ
مَجْنُونَةٌ (أَوْ سَكْرَى) غَيْرُ مَصْرُوعَيْنِ (أَوْ) كَلَّمَتْهُ
وَهُوَ (أَصَمُّ يَسْمَعُ لَوْلَا الْمَانِعُ) حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا
كَلَّمَتْهُ (أَوْ كَاتَبَتْهُ) أَيْ: زَيْدًا (أَوْ رَاسَلَتْهُ، وَلَمْ
يَنْوِ) مُعَلِّقٌ (مُشَافَهَتَهَا) لَهُ بِالْكَلَامِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ
الْكَلَامَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ صِحَّةِ
اسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ
يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولا} [الشورى: 51] لِأَنَّ الْقَصْدَ بِيَمِينِهِ هِجْرَانُهُ، وَلَا
يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ مُوَاصَلَتِهِ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ، وَلَوْ
حَلَفَ لَتُكَلِّمَنَّ زَيْدًا لَمْ يَبْرَأْ بِكِتَابَتِهِ، وَلَا
مُرَاسَلَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَلَامًا حَقِيقَةً (أَوْ كَلَّمَتْ
غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ زَيْدٍ (وَزَيْدٌ يَسْمَعُ تَقْصِدُهُ) أَيْ:
الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِالْكَلَامِ (حَنِثَ) لِأَنَّهَا قَصَدَتْهُ
وَسَمَّعَتْهُ كَلَامَهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطَبَتْهُ، وَكَذَا لَوْ
سَلَّمَتْ عَلَيْهِ لَا تَسْلِيمَ صَلَاةٍ، إنْ لَمْ تَقْصِدْهُ، أَمَّا
لَوْ أَرْسَلَتْ إنْسَانًا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَوْ
حَدِيثٍ، وَجَاءَ الرَّسُولُ فَسَأَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ؛ لَمْ
يَحْنَثْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْهُ بِإِرْسَالٍ، وَكَذَا (لَا)
يَحْنَثُ (إنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ
أَوْ نَائِمًا) لِأَنَّ التَّكَلُّمَ فِعْلٌ يَتَعَدَّى إلَى الْمُكَلِّمِ؛
فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي حَالٍ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمَاعُ فِيهَا (أَوْ)
كَلَّمَتْهُ (وَهِيَ مَجْنُونَةٌ) فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّهَا لَا قَصْدَ
لَهَا (أَوْ كَلَّمَتْهُ) وَهِيَ (مُكْرَهَةٌ) فَلَا حِنْثَ؛ لِمَا سَبَقَ
(أَوْ أَشَارَتْ لَهُ) أَيْ: زَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَيْسَتْ
كَلَامًا شَرْعًا.
(5/431)
(وَ) مَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ (إنْ
كَلَّمْتُمَا زَيْدًا وَعَمْرًا، فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَكَلَّمَتْ
كُلُّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (وَاحِدًا) بِأَنْ كَلَّمَتْ وَاحِدَةٌ
زَيْدًا، وَالْأُخْرَى عَمْرًا (طَلُقَتَا) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ
أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ؛
لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهُمَا عَلَى كَلَامِهِمَا، وَقَدْ وُجِدَ،
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جُمْلَةِ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّا.
(إذَا وَجَدْنَا جُمْلَةً ذَاتَ عَدَدٍ مُوَزَّعَةً عَلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى
فَهَلْ يَتَوَزَّعُ أَفْرَادُ الْجُمَلِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَى أَفْرَادِ
الْأُخْرَى أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهَا عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَةِ
الْأُخْرَى) ؟ وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ
الْأَمْرَيْنِ، فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، فَمِثَالُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ
الْقَرِينَةُ فِيهِ عَلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ
الْأُخْرَى، فَيُقَابَلُ كُلُّ فَرْدٍ كَامِلٍ بِفَرْدٍ يُقَابِلُهُ، إمَّا
لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ، أَوْ دَلَالَةِ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا
لِاسْتِحَالَةِ مَا سِوَاهُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إنْ
أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَإِذَا
أَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَغِيفًا طَلُقَتْ لِاسْتِحَالَةِ
أَكْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ الرَّغِيفَيْنِ وَ (كَمَا لَوْ قَالَ) لَهُمَا (إنْ
رَكِبْتُمَا دَابَّتَيْكُمَا أَوْ لَبِسْتُمَا ثَوْبَيْكُمَا) فَأَنْتُمَا
طَالِقَتَانِ فَرَكِبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَابَّتَهَا،
وَلَبِسَتْ ثَوْبَهَا؛ طَلُقَتْ، أَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ إنْ رَكِبْتُمَا
دَابَّتَيْكُمَا، أَوْ لَبِسْتُمَا ثَوْبَيْكُمَا، أَوْ تَقَلَّدْتُمَا
بِسَيْفَيْكُمَا، أَوْ دَخَلْتُمَا بِزَوْجَتَيْكُمَا فَأَنْتُمَا
حُرَّانِ، فَمَتَى وُجِدَ كُلُّ وَاحِدٍ رَكِبَ دَابَّتَهُ أَوْ لَبِسَ
ثَوْبَهُ أَوْ تَقَلَّدَ بِسَيْفِهِ أَوْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ؛ تَرَتَّبَ
عَلَيْهِمَا الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَذَا عُرْفِيٌّ، وَفِي
بَعْضِهِ كَالدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ شَرْعِيٌّ، فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ
إلَى تَوْزِيعِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي ": وَمِثَالُ مَا دَلَّتْ
الْقَرِينَةُ فِيهِ عَلَى تَوْزِيعِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ
الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى مَا أَشَارَ
إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لَا إنْ قَالَ) لِزَوْجَتَيْهِ (إنْ
كَلَّمْتُمَا زَيْدًا أَوْ كَلَّمْتُمَا عَمْرًا فَ) أَنْتُمَا
طَالِقَتَانِ، وَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدًا؛ فَلَا تَطْلُقَانِ
(حَتَّى يُكَلِّمَا كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو؛
لِأَنَّهُ عَلَّقَ؛ طَلَاقَهُمَا بِكَلَامِهِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا.
الْقَسَمِ الثَّانِي: أَنْ لَا يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِ
التَّوْزِيعَيْنِ، فَهَلْ يُحْمَلُ التَّوْزِيعُ
(5/432)
عِنْدَ هَذَا الْإِطْلَاقِ عَلَى
الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، وَالْأَشْهَرُ
أَنَّهُ يُوَزَّعُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ عَلَى جَمِيعِ
أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى إذَا أَمْكَنَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي
وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ الظِّهَارِ مِنْ
نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رَجَبٍ فِي
الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَمَسْأَلَةُ
الْمُوَفَّقِ هُنَا مِنْ الْقَاعِدَةِ، قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " لَكِنَّ
الْمَذْهَبَ هُنَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ.
(وَيَتَّجِهُ فِ) يمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ (لَا
ضَرَبْت زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، أَنَّهُ لَا حِنْثَ بِضَرْبِ أَحَدِهِمَا)
أَيْ: زَيْدٍ وَعَمْرٍو؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَطْلُق
بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قُمْتُ وَقَعَدْتُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا
(بِلَا نِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ) أَمَّا إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ ضَرْبِ
أَحَدِهِمَا؛ فَتَطْلُق بِضَرْبِهِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِي
ضَرْبَ أَحَدِهِمَا؛ فَتَطْلُق بِحُصُولِهِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ
يَحْنَثُ) قَائِلُ ذَلِكَ بِضَرْبِ أَحَدِهِمَا (إنْ أَعَادَ الْعَامِلَ)
بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا ضَرَبْتُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا؛ لِأَنَّ
لَا هُنَا بِمَعْنَى إنْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَرَبْتُ
زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) لَوْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا وَمُحَمَّدًا
مَعَ خَالِدٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكَلِّمَهُ) أَيْ: زَيْدًا، (وَ)
يَكُونُ تَكْلِيمُهَا إيَّاهُ فِي حَالِ كَوْنِ (مُحَمَّدٍ) فِيهَا (مَعَ
خَالِدٍ) لِأَنَّهَا حَالٌ مِنْ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَمَتَى أَمْكَنَ
جَعْلُ الْكَلَامِ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْلَى.
(وَيَتَّجِهُ) هَذَا إلَى أَنْ أَتَى بِمُحَمَّدٍ مَرْفُوعًا (وَ) أَمَّا
إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَمُحَمَّدًا إلَى
آخِرِهِ (بِنَصْبِ مُحَمَّدٍ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَكْلِيمِ الثَّلَاثَةِ)
إمَّا جُمْلَةً
(5/433)
أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ،
وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ كَلَّمْتنِي إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ)
فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِهِ، حَنِثَ (أَوْ) قَالَ
لَهَا إنْ كَلَّمْتنِي (حَتَّى يَقْدَمَ) زَيْدٌ (فَ) أَنْتِ (طَالِقٌ،
فَكَلَّمَتْهُ قَبْلَ قُدُومِهِ؛ حَنِثَ) وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ
الْغَايَةَ رَجَعَتْ إلَى الْكَلَامِ لَا إلَى الطَّلَاقِ (فَإِنْ قَالَ
أَرَدْتُ أَنَّ اسْتِدَامَةَ تَكْلِيمِي مِنْ الْآنَ إلَى أَنْ يَقْدَمَ
زَيْدٌ دِينَ، وَقُبِلَ حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، فَعَلَى
هَذَا إنْ قَطَعَتْ الْكَلَامَ؛ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ أَعَادَتْهُ؛
لِعَدَمِ الِاسْتِدَامَةِ، لَكِنْ لَعَلَّ الْمُرَادَ الِاسْتِدَامَةُ
عُرْفًا، لَا حَالَ صَلَاةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ خَالَفْت أَمْرِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَنَهَاهَا
فَخَالَفَتْهُ.، وَلَا نِيَّةَ) لَهُ تُخَالِفُ ظَاهِرَ أَلْفَاظِهِ (لَمْ
يَحْنَثْ، وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَتَهُمَا) أَيْ: الْأَمْرِ
وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ لَا أَمْرَهُ، (وَ) إنْ قَالَ
لَهَا، (إنْ نَهَيْتُك فَخَالَفْتنِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَأَمَرَهَا)
بِشَيْءٍ (وَخَالَفَتْهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ فِي قِيَاسِ) الْمَسْأَلَةِ
(الَّتِي قَبْلَهَا) وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ
وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَمْرَهُ، لَا نَهْيَهُ (إلَّا
بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ) فَيَحْنَثُ بِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ؛
لِأَنَّهَا مُخَالَفَةٌ.
(وَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ نَهَيْتِينِي عَنْ نَفْعِ أُمِّي)
فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَقَالَتْ لَهُ لَا تُعْطِهَا مِنْ مَالِي شَيْئًا؛ لَمْ
يَحْنَثْ لِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُحَرَّمٌ، فَلَا تَتَنَاوَلُهُ
يَمِينُهُ.
[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْإِذْنِ فِي الْخُرُوجِ
وَالْقُرْبَانِ]
فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِذْنِ فِي الْخُرُوجِ وَالْقُرْبَانِ (إذَا
قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ خَرَجْت بِلَا إذْنٍ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ)
إنْ
(5/434)
خَرَجْتِ (إلَّا بِإِذْنِي) فَأَنْتِ
طَالِقٌ (أَوْ) إنْ خَرَجْتِ (حَتَّى آذَنَ لَك فَأَنْتِ طَالِقٌ،
فَخَرَجَتْ وَلَمْ يَأْذَنْ) لَهَا فِي الْخُرُوجِ، طَلُقَتْ، لِوُجُودِ
الصِّفَةِ (أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ ثُمَّ نَهَاهَا) ثُمَّ
خَرَجَتْ، وَلَمْ يَأْذَنْ بَعْدَ نَهْيِهِ؛ طَلُقَتْ لِخُرُوجِهَا بَعْدَ
نَهْيِهَا بِلَا إذْنِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ بِمَنْزِلَةِ خُرُوجٍ
ثَانٍ (أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ وَلَمْ تَعْلَمْ) بِإِذْنِهِ،
فَخَرَجَتْ؛ طَلُقَتْ (أَوْ أَذِنَ) لَهَا (وَعَلِمَتْهُ) (فَخَرَجَتْ
ثُمَّ خَرَجَتْ) ثَانِيًا (بِلَا إذْنِهِ؛ طَلُقَتْ) لِخُرُوجِهَا بِلَا
إذْنِهِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا (إنْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ) أَيْ:
الْخُرُوجِ (كُلَّمَا شَاءَتْ) نَصًّا، لِأَنَّ خُرُوجَهَا بِإِذْنِهِ، مَا
لَمْ يُجَدِّدْ حَلِفًا أَوْ يَنْهَاهَا (أَوْ قَالَ) لَهَا إنْ خَرَجْتِ
(إلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَمَاتَ زَيْدٌ، ثُمَّ
خَرَجَتْ) فَلَا حِنْثَ خِلَافًا لِلْقَاضِي (وَإِنْ) قَالَ لَهَا (إنْ
خَرَجْتِ إلَى غَيْرِ حَمَّامٍ بِلَا إذْنِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَخَرَجَتْ
لَهُ) أَيْ: الْحَمَّامِ (وَلِغَيْرِهِ أَوْ) خَرَجَتْ (لَهُ ثُمَّ بَدَا
لَهَا غَيْرُهُ) كَالْمَسْجِدِ أَوْ دَارَ أَهْلِهَا (طَلُقَتْ) لِأَنَّ
ظَاهِرَ يَمِينِهِ مَنْعُهَا مِنْ غَيْرِ الْحَمَّامِ فَكَيْفَ مَا صَارَتْ
إلَيْهِ حَنِثَ، كَمَا لَوْ خَالَفَتْ لَفْظَهُ (وَمَتَى قَالَ) مَنْ
حَلَفَ لَا تَخْرُجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَخَرَجَتْ (كُنْتُ
أَذِنْتُ) فِي خُرُوجِهَا (وَأَنْكَرَتْهُ) الزَّوْجَةُ (قُبِلَ مِنْهُ
بِبَيِّنَةٍ) لَا بِدُونِهَا؛ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ.
(وَ) لَوْ قَالَ لَهَا (إنْ قَرُبْت) بِضَمِّ الرَّاءِ (دَارَ كَذَا
فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِوُقُوفِهَا تَحْتَ فِنَائِهَا)
أَيْ: الدَّارِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا (وَلُصُوقِهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ
(بِجِدَارِهَا) أَيْ: الدَّارِ إنْ قَالَ لَهَا إنْ قَرِبْتِ دَارَ كَذَا
(بِكَسْرِ رَاءٍ قَرِبَتْ؛ لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (حَتَّى
تَدْخُلَهَا) أَيْ: الدَّارَ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي "
الرَّوْضَةِ " وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ ابْنُ
الْمُقْرِي: سَمِعْت الشَّاشِيَّ يَقُولُ: إذَا قِيلَ: لَا تَقْرَبْ
بِفَتْحِ الرَّاءِ كَانَ مَعْنَاهَا لَا تَتَلَبَّسْ بِالْفِعْلِ، وَإِذَا
كَانَ بِالضَّمِّ فَمَعْنَاهُ لَا تَدْنُ مِنْهُ. انْتَهَى. وَمَاضِي
الْمَفْتُوحِ قَرِبَ بِالْكَسْرِ مِنْ بَابِ عَلِمَ، وَالْمَضْمُومُ قَرُبَ
بِضَمِّهَا مِنْ بَابِ ظَرُفَ.
(5/435)
[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق
بِالْمَشِيئَةِ]
فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَشِيئَةِ أَيْ الْإِرَادَةِ (إذَا قَالَ)
لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ) شِئْت (أَوْ إذَا) شِئْتِ (أَوْ مَتَى)
شِئْتِ (أَوْ أَنَّى) شِئْتِ (أَوْ كَيْفَ) شِئْتِ (أَوْ حَيْثُ) شِئْتِ
(أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْتِ فَشَاءَتْ بِلَفْظٍ مُنَجَّزٍ) لَا مُعَلَّقٍ
وَلَا تَكْفِي مَشِيئَتُهَا بِقَلْبِهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لَا
يُعْلَمُ حَتَّى يُعَبَّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ
بِمَا يَنْطِقُ بِهِ دُونَ مَا فِي الْقَلْبِ، فَإِذَا قَالَتْ شِئْتُ
(وَلَوْ) كَانَتْ (كَارِهَةً) وَقَعَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَعِبَارَتُهُ
فِي " التَّنْقِيحِ " وَ " الْإِنْصَافِ " مُكْرَهَةً، وَهُوَ سَبْقُ
قَلَمٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ مُلْغًى (أَوْ) كَانَتْ مَشِيئَتُهَا
(بَعْدَ تَرَاخٍ أَوْ) بَعْدَ (رُجُوعِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ عَنْ
تَعْلِيقِهِ بِهَا (وَقَعَ) الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عُلِّقَ
عَلَى الْمَشِيئَةِ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالْمُعْتَقِ،
وَالتَّعْلِيقُ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ عَنْهُ لِلُزُومِهِ.
وَ (لَا) يَقَعُ (إنْ قَالَتْ شِئْتُ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ) نَصًّا،
نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ (أَوْ قَالَتْ شِئْتُ إنْ
شِئْتُ أَوْ) قَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتَ إنْ (شَاءَ أَبِي وَلَوْ شَاءَ)
لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَشِيئَةٌ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهَا
تَعْلِيقٌ بِمَشِيئَتِهَا بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ بِمَشِيئَةٍ، لَا يُقَالُ
إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَجَبَ أَنْ يُوجَدَ مَشْرُوطُهُ، لِأَنَّ
الْمَشِيئَةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ،
وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ إذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ فَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجُ
بَعْدَ التَّعْلِيقِ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا، لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ
كَبَقِيَّةِ التَّعَالِيقِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا،
وَإِنْ قَيَّدَ الْمَشِيئَةَ بِوَقْتٍ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ
شِئْتِ الْيَوْمَ أَوْ الشَّهْرَ تَقَيَّدَ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ الْيَوْمَ
قَبْلَ مَشِيئَتِهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ، لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا
أَثَرَ لِمَشِيئَتِهَا بَعْدُ
(وَ) إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ اثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ (أَنْتِ
طَالِقٌ إنْ
(5/436)
شِئْتِ وَشَاءَ أَبُوكِ) لَمْ يَقَعْ
حَتَّى تُوجَدَ مَشِيئَتُهُمَا (أَوْ) قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ
شَاءَ (زَيْدٌ وَعَمْرٌو؛ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَشَاءَا) وَلَوْ شَاءَ
أَحَدُهُمَا فَوْرًا وَالْآخَرُ مُتَرَاخِيًا؛ وَقَعَ لِوُجُودِ
مَشِيئَتَيْهِمَا جَمِيعًا (وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ
زَيْدٌ فَشَاءَ) زَيْدٌ وَلَوْ كَانَ (مُمَيِّزًا يَعْقِلُهَا) أَيْ:
الْمَشِيئَةَ حِينَهَا (أَوْ) كَانَ (سَكْرَانَ أَوْ شَاءَ بِإِشَارَةٍ
مَفْهُومَةٍ مِمَّنْ خَرِسَ أَوْ كَانَ أَخْرَسَ) فَشَاءَ بِإِشَارَةٍ
مَفْهُومَةٍ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِصِحَّتِهِ مِنْ مُمَيِّزٍ يَعْقِلُهُ
وَسَكْرَانَ وَمِنْ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ، وَرَدَّهُ الْمُوَفَّقُ
وَالشَّارِحُ فِي السَّكْرَانِ قَالَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛
لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، ثُمَّ الْفَرْقُ
بَيْنَ إيقَاعِ طَلَاقِهِ وَبَيْنَ الْمَشِيئَةِ أَنَّ إيقَاعَهُ عَلَيْهِ
إذَا صَدَرَ مِنْهُ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا تَكُونَ الْمَعْصِيَةُ
سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَهُنَا إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ
بِغَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ، وَهَذَا مَا
جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَ " إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ "
وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي " التَّصْحِيحِ " وَ (لَا) يَقَعُ
الطَّلَاقُ (إنْ مَاتَ زَيْدٌ أَوْ غَابَ أَوْ جُنَّ قَبْلَهَا) أَيْ:
الْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنْ مَحَلَّ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ (مَا لَمْ يَحْضُرْ)
زَيْدٌ الْغَائِبُ وَيَشَأْ أَوْ مَا لَمْ (يُفِقْ) مِنْ جُنَّ (وَيَشَأْ)
فَأَمَّا إنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَشَاءَ، أَوْ أَفَاقَ مِنْ جُنَّ وَشَاءَ؛
فَلَا رَيْبَ فِي وُقُوعِهِ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (إلَّا أَنْ يَشَاءَ) فُلَانٌ
(فَمَاتَ) فُلَانٌ (أَوْ جُنَّ أَوْ أَبَاهَا) أَيْ الْمَشِيئَةَ، (وَقَعَ)
الطَّلَاقُ (إذَنْ) لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ
لَمْ يُوجَدْ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا يُفِيدُ لَوْ أَفَاقَ) مَنْ
جُنَّ (وَشَاءَ) بَعْدَ إفَاقَتِهِ عَدَمَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ
وَقَعَ مِنْ حِينِ جُنُونِهِ؛ فَلَا يَرْتَفِعُ بِإِفَاقَتِهِ حِينَ
يَفْتَقِرُ إلَى
(5/437)
الْمَشِيئَةِ وَعَدَمِهَا وَهُوَ
مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ خَرِسَ) فُلَانٌ (وَفُهِمَتْ إشَارَتُهُ فَكَنُطْقِهِ)
لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ، وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ لَمْ تَطْلُقْ.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَكَذَا كِتَابَتُهُ (وَإِنْ نَجَّزَ)
طَلْقَةً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلْقَةً إلَّا أَنْ تَشَائِي أَوْ
يَشَاءَ زَيْدٌ ثَلَاثًا (أَوْ عَلَّقَ طَلْقَةً) فَقَالَ: إنْ قُمْتِ
فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً إنْ (تَشَأْ هِيَ؛ أَوْ يَشَأْ زَيْدٌ ثَلَاثًا،
أَوْ) نَجَّزَ أَوْ عَلَّقَ (ثَلَاثًا) بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ
ثَلَاثًا، أَوْ إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا أَنْ تَشَاءَ)
وَاحِدَةً (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَشَاءَ) زَيْدٌ (وَاحِدَةً، فَشَاءَتْ) هِيَ
(أَوْ شَاءَ) زَيْدٌ (ثَلَاثًا فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى، وَقَعَتْ)
الثَّلَاثُ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهَا (كَوَاحِدَةٍ) أَيْ: كَمَا يَقَعُ
طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ شَاءَتْ هِيَ أَوْ زَيْدٌ (فِي) الْمَسْأَلَةِ
(الثَّانِيَةِ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى صِيغَتِهِ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَلَا تُوطَأُ) زَوْجَةٌ مَقُولٌ
لَهَا ذَلِكَ (قَبْلَ. مَشِيئَةٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، لِاحْتِمَالِ
حُصُولِ الْمَشِيئَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ: يَشْعُرَ،
فَيُفْضِيَ إلَى الْوُقُوعِ بِالْمُحَرَّمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ)
لَمْ تَشَأْ هِيَ أَوْ (شَاءَتْ) ثِنْتَيْنِ (أَوْ) لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ
شَيْئًا (أَوْ شَاءَ زَيْدٌ ثِنْتَيْنِ) أَيْ: طَلْقَتَيْنِ فِي
(الْمَسْأَلَتَيْنِ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَشَاءَا) أَيْ: هِيَ وَزَيْدٌ؛
فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَمْ يُوجَدْ
شَرْطُهَا، وَيَقَعُ ثَلَاثٌ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ
(5/438)
شَرْطَ الْوَاحِدَةِ لَمْ يُوجَدْ، وَفِي
شَرْحِ الْمُنْتَهَى " هُنَا غُمُوضٌ (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ
وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ زَيْدٌ؛ وَلَا نِيَّةَ تُخَصِّصُ) الْعِتْقَ
أَوْ الطَّلَاقَ (فَشَاءَهُمَا) زَيْدٌ أَيْ: الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ
(وَقَعَا) لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَإِلَّا) يَشَأْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَشَأْ
شَيْئًا أَوْ شَاءَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ (لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ
الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ
وَلِيَهُمَا التَّعْلِيقُ، فَتَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى مَشِيئَتِهِمَا،
وَلَا يَحْصُلُ بِمَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا (وَيَتَّجِهُ فِي) قَوْلِهِ
لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ وَعَبْدِي حُرٌّ) وَلَوْ لَمْ
يَقُلْ إنْ شِئْتِ يَكُونُ قَوْلُهُ ذَلِكَ (تَنْجِيزًا لِعِتْقِ)
عَبْدِهِ، لَا تَعْلِيقًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يُرِدْ تَعْلِيقَهُ)
فَإِنْ أَرَادَ تَعْلِيقَهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِمَشِيئَتِهَا، وَهُوَ
مُتَّجِهٌ (وَإِنْ حَلَفَ) بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا يَفْعَلُ كَذَا
إنْ شَاءَ زَيْدٌ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ حَتَّى يَشَاءَ) زَيْدٌ (أَنْ
لَا يَفْعَلَهُ) الْحَالِفُ لِتَعْلِيقِ حَلِفِهِ عَلَى ذَلِكَ (وَ) إنْ
حَلَفَ (لَيَفْعَلَنَّهُ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ) زَيْدٌ
(وَلَمْ يَفْعَلْهُ) أَيْ: مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (فِي) ذَلِكَ (الْيَوْمِ؛
حَنِثَ) بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِفَوَاتِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (فَإِنْ) كَانَ شَاءَ زَيْدٌ، وَ (لَمْ يَعْلَمْ)
الْحَالِفُ (مَشِيئَتَهُ) أَيْ: زَيْدٍ (لِغَيْبَتِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ
مَوْتِهِ؛ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) أَيْ: لَمْ تَنْعَقِدْ، لِعَدَمِ
تَحَقُّقِ شَرْطِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
(وَيَتَّجِهُ) انْحِلَالُ الْيَمِينِ بِذَلِكَ إنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ
صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ (لَا) إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ (فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ
إنْ بَانَ مَشِيئَتُهُ) أَيْ: زَيْدٍ بِأَنْ حَضَرَ مِنْ غِيبَتِهِ، أَوْ
أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ، أَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ شَاءَ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ، أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَشِيئَتِهِ
(5/439)
قَبْلَ مَوْتِهِ وَنَحْوِهِ؛ فَلَا
تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) إنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ
غَيْرِهِ عَلَى شَيْءٍ (لَيَفْعَلَنَّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ،
فَفَعَلَ) ذَلِكَ الشَّيْءَ (قَبْلَ مَشِيئَةِ زَيْدٍ، بَرَّ) لِأَنَّهُ
فَعَلَ مَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ (وَالْمَشِيئَةُ أَنْ يَقُولَ) زَيْدٌ
(بِلِسَانِهِ قَدْ شِئْتُ) أَنْ لَا تَفْعَلَ كَذَا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ
بِلِسَانِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
فَعَلَ بِغَيْرِ إذْنِ زَيْدٍ، وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ: قَدْ شِئْتُ أَنْ
نَفْعَلَ، أَوْ قَالَ: مَا شِئْتُ أَنْ لَا تَفْعَلَ؛ لَمْ تَنْحَلَّ،
فَيَحْنَثُ إنْ فَعَلَ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِإِذْنِ زَيْدٍ، فَإِنْ خَفِيَتْ
مَشِيئَتُهُ لَزِمَهُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، وَمَعْنَى
لُزُومِهِ لَهُ أَنَّهُ إنْ فَعَلَهُ لَا حِنْثَ، فَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ
تَرَكَهُ كَفَّرَ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ صِفَةً مِنْ
صِفَاتِهِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (يَا طَالِقُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ
قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ " وَقَالَ إنَّهُ أَوْلَى بِالْوُقُوعِ مِنْ
قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ)
إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ: (عَبْدِي حُرٌّ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ)
قَالَ: (لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ أَوْ قَدَّمَ
الِاسْتِثْنَاءَ) بِأَنْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ
عَبْدِي حُرٌّ، وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ (أَوْ قَالَ) يَا طَالِقُ،
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي، أَوْ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ (إلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ) يَشَأْ (أَوْ مَا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ،
وَقَعَا) أَيْ: الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ نَصًّا، (وَلَزِمَ الْإِقْرَارُ)
لِمَا رَوَى أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إذَا
قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَهِيَ
طَالِقٌ. رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ
قَالَ: " كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -
(5/440)
نَرَى الِاسْتِثْنَاءَ جَائِزًا فِي كُلِّ
شَيْءٍ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
قَالَ قَتَادَةُ قَدْ شَاءَ اللَّهُ الطَّلَاقَ حِينَ أَذِنَ فِيهِ أَنْ
يُطَلِّقَ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَمْ تُعْلَمْ الْمَشِيئَةَ، لَكِنْ
قَدْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ يَسْتَحِيلُ عِلْمُهُ، فَيَكُونُ
كَتَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُسْتَحِيلَاتِ، تَلْغُو وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي
الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ إنْ شَاءَ حَكَمَ فِي مَحَلٍّ، فَلَمْ يَرْتَفِعْ
بِالْمَشِيئَةِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِ: إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَأْكِيدَ الْوُقُوعِ.
وَ (لَا) يَقَعُ عَلَيْهِ (ظِهَارٌ وَحَرَامٌ وَنَذْرٌ وَيَمِينٌ)
بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ
عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَحْوُهُ، إنْ فَعَلْت كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ،
لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ مَتَى قَالَ: لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ
اللَّهُ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ، وَمَتَى
لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ (وَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَوَاللَّهِ
لَا وَاكَلْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ، عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهَا) أَيْ:
الْحَرَامِ وَالْيَمِينِ، (فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ
شَاءَ اللَّهُ) فَلَا يَحْنَثُ بِمُؤَاكَلَتِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
مَرْفُوعًا قَالَ. «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ
فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ
، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَصِحُّ فِي كُلِّ يَمِينٍ تَدْخُلُهَا الْكَفَّارَةُ،
سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ أَوْ
بِالنَّذْرِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَرَامَ ظِهَارٌ، وَمَحَلُّ عَوْدِ
الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِمَا (مَا لَمْ يُرِدْ أَحَدُهُمَا) فَإِنْ أَرَادَ
أَحَدُهُمَا عَادَ إلَيْهِ، فَلَوْ أَرَادَ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى
الْيَمِينِ فَوَاكَلَهَا صَارَ مُظَاهِرًا، عَلَيْهِ كَفَّارَةُ
الظِّهَارِ، وَلَوْ أَرَادَ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْحَرَامِ،
حَنِثَ بِمُؤَاكَلَتِهَا، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (وَ) إنْ قَالَ
لَهَا (إنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ لَهَا
(إنْ لَمْ تَقُومِي فَأَنْتِ طَالِقٌ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ
لِأَمَتِهِ مَثَلًا إنْ قُمْتِ أَوْ لَمْ تَقُومِي فَأَنْتِ (حُرَّةٌ إنْ
شَاءَ اللَّهُ، أَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ) إنْ قُمْتِ إنْ
شَاءَ اللَّهُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَقُومِي إنْ شَاءَ اللَّهُ،
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قُمْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) قَالَ لِأَمَتِهِ
أَنْتِ (حُرَّةٌ إنْ قُمْتِ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) أَنْتِ حُرَّةٌ (إنْ
لَمْ تَقُومِي) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) أَنْتِ حُرَّةٌ (لَتَقُومِينَ)
إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) أَنْتِ حُرَّةٌ، (لَا قُمْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ،
فَإِنْ نَوَى
(5/441)
رَدَّ الْمَشِيئَةِ إلَى الْفِعْلِ، لَمْ
يَقَعْ) الطَّلَاقُ (بِهِ) أَيْ: بِفِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ
بِتَرْكِ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ هُنَا يَمِينٌ؛
إذْ هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى مَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، فَإِذَا
أَضَافَهُ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ،
لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ آنِفًا، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَمْ
يَحْنَثْ» .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: فَلَهُ ثُنْيَاهُ،
فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَتَدْخُلِنَّ الدَّارَ إنْ
شَاءَ اللَّهُ؛ لَمْ تَطْلُقْ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ، لِأَنَّهَا إنْ
دَخَلَتْ فَقَدْ فَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ
عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَهُ
لَوُجِدَ، فَإِنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ
يَكُنْ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَتَدْخُلِنَّ الدَّارَ إنْ
شَاءَ اللَّهُ (وَإِلَّا) يَنْوِ رَدَّ الْمَشِيئَةَ إلَى الْفِعْلِ بِأَنْ
لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، أَوْ نَوَى رَدَّ الْمَشِيئَةِ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ
الْعَتَاقِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ أَوْ الْعَتَاقُ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ
الْفِعْلَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ فَالظَّاهِرُ
رُجُوعُهُ إلَى الدُّخُولِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى
الطَّلَاقِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ.
غَرِيبَةٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُكِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ فَتَزَوَّجَهَا، لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ
أَشْتَرِيكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاشْتَرَاهُ، عَتَقَ، قَالَهُ فِي "
الْمُبْدِعِ ".
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَى زَيْدٍ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ
(لِقِيَامِكِ وَنَحْوِهِ) كَسَوَادِكِ وَبَيَاضِكِ أَوْ سُوءِ خُلُقِكِ
أَوْ سِمَنِكِ وَشِبْهِهِ (يَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ
إيقَاعٌ مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ؛ كَقَوْلِهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ،
أَوْ لِرِضَى اللَّهِ، وَكَذَا لِدُخُولِ الدَّارِ (مَا لَمْ يَقُلْ
أَرَدْت الشَّرْطَ) فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ، دِينَ؛ لِأَنَّهُ
أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا) لِأَنَّ ذَلِكَ
يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (لِقُدُومِ
زَيْدٍ) فَلَا تَطْلُق حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ
لِلتَّأْقِيتِ نَظِيرُهَا قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ
الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ
(لِغَدٍ)
(5/442)
فَلَا تَطْلُق حَتَّى يَأْتِيَ الْغَدُ
(أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (لِحَيْضِكِ) هِيَ طَاهِرٌ (فَ) لَا تَطْلُق (حَتَّى
يَأْتِيَ) وَقْتُ حَيْضِهَا وَتَحِيضُ لِمَا سَبَقَ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا
(إنْ رَضِيَ أَبُوكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبَى) أَبُوهَا أَيْ: قَالَ: لَا
أَرْضَى بِذَلِكَ (ثُمَّ رَضِيَ) بَعْدَ إبَائِهِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ،
لِأَنَّ الشَّرْطَ مُطْلَقٌ، فَهُوَ مُتَرَاخٍ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا
(أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَكِ اللَّهُ
بِالنَّارِ، أَوْ إنْ كُنْتِ تَبْغُضِينَ الْجَنَّةَ أَوْ) إنْ كُنْتِ
تَبْغُضِينَ (الْحَيَاةَ) أَوْ الطَّعَامَ اللَّذِيذَ وَالْعَافِيَةَ
(فَقَالَتْ أُحِبُّ) التَّعْذِيبَ بِالنَّارِ (أَوْ) قَالَتْ (أَبْغُضُ)
الْجَنَّةَ أَوْ الْحَيَاةَ وَنَحْوَهُمَا (لَمْ تَطْلُقْ إنْ قَالَتْ
كَذَبْت) لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَادَةً؛ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْتِ
تَعْتَقِدِينَ أَنَّ الْجَمَلَ يَدْخُلُ فِي خُرْمِ الْإِبْرَةِ فَأَنْتِ
طَالِقٌ فَقَالَتْ أَعْتَقِدُهُ، فَإِنَّ عَاقِلًا لَا يُجَوِّزُهُ فَضْلًا
عَنْ اعْتِقَادِهِ؛ فَإِنْ لَمْ تَقُلْ كَذَبْت، فَقَالَ الْقَاضِي
تَطْلُق، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ
الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي "
الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " وَالْحَاوِي ".
(وَيَتَّجِهُ) تَقْيِيدُ عَدَمِ طَلَاقِهَا (بِمَا لَمْ تَتَّصِلْ) أَيْ:
بِمُدَّةِ عَدَمِ اتِّصَالِهَا (بِأَزْوَاجٍ) أَيْ: بِزَوْجٍ، وَالْمُرَادُ
مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ قِيَاسًا لَهُ عَلَى الْإِرْثِ، فَإِنَّهَا إذَا
طَلُقَتْ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ تَرِثُ مُطَلِّقَهَا، مَا لَمْ
تَتَزَوَّجْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ
مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ (طَالِقٌ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ) زَيْدًا
(أَوْ) إنْ كُنْتِ؟ (تَبْغُضِينَ زَيْدًا، فَأَخْبَرَتْهُ بِهِ؛ طَلُقَتْ،
وَلَوْ كَذَبَتْ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَ) لَوْ قَالَ لَهَا:
(5/443)
(إنْ كَانَ أَبُوكِ يَرْضَى بِمَا
فَعَلْتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ: مَا رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ رَضِيتُ
طَلُقَتْ) لِتَعْلِيقِهِ عَلَى رِضًى مُسْتَقْبَلٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَ
(لَا) تَطْلُق (إنْ قَالَ) لَهَا (إنْ كَانَ أَبُوكِ رَاضِيًا بِهِ) أَيْ
بِمَا فَعَلْتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَ مَا رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ:
رَضِيتُ؛ لِأَنَّهُ مَاضٍ (وَتَعْلِيقُ عِتْقٍ كَطَلَاقٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ
مِنْ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ (وَيَصِحُّ) تَعْلِيقُ الْعِتْقِ
(بِالْمَوْتِ) وَهُوَ التَّدْبِيرُ لِلْخَبَرِ، بِخِلَافِ تَعْلِيقِ
الطَّلَاقِ بِالْمَوْتِ وَتَقَدَّمَ.
[فَرْعٌ قَالَ لزوجته إنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ
طَالِقٌ]
(فَرْعٌ: لَوْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا (أُرِيدُ أَنْ تُطَلِّقَنِي،
فَقَالَ إنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ)
قَالَ لَهَا (إذَا أَرَدْتِ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ)
أَيْ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ ": ظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهَا
(تَطْلُق بِإِرَادَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ وَقِيلَ) أَيْ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ
أَيْضًا أَنَّهَا تَطْلُق (فِي الْحَالِ) إذْ دَلَالَةُ الْحَالِ عَلَى
أَنَّهُ أَرَادَ إيقَاعَهُ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي أَخْبَرَتْهُ بِهَا،
وَنَصَرَ الثَّانِي الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي " إعْلَامِ
الْمُوَقِّعِينَ " (وَمِثْلُهُ) فِي الْحُكْمِ (تَكُونِينَ طَالِقًا إذَا
دَلَّتْ قَرِينَةٌ مِنْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِ) طَلَاقِهَا وَنَحْوِهِ
(عَلَى) الْإِيقَاعِ فِي (الْحَالِ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ) فَيَقَعُ عَلَى
الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
(5/444)
[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ تَعْلِيقِ
الطَّلَاقِ مُتَفَرِّقَةٍ]
ٍ أَيْ: الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعٍ
مُخْتَلِفَةٍ، بِخِلَافِ مَا قِيلَ (إذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ
طَالِقٌ إذَا رَأَيْت الْهِلَالَ، أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (عِنْدَ رَأْسِهِ)
أَيْ: الْهِلَالِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (إذَا رُئِيَ) الْهِلَالُ مِنْهَا
أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (وَقَدْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (أَوْ تَمَّتْ
الْعِدَّةُ) بِتَمَامِ الشَّهْرِ قَبْلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ
رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْعِلْمُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ؛
لِحَدِيثِ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ
فَأَفْطِرُوا» . وَالْمُرَادُ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ وَحُصُولُ الْعِلْمِ،
فَانْصَرَفَ لَفْظُ الْحَالِفِ إلَى عُرْفِ الشَّرْعِ، كَقَوْلِهِ: إذَا
صَلَّيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ
الشَّرْعِيَّةِ لَا الدُّعَاءِ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ نَحْوِ زَيْدٍ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عُرْفٌ يُخَالِفُ اللُّغَةَ، وَلَا تَطْلُق
بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَبْلَ الْغُرُوبِ (وَإِنْ نَوَى الْعِيَانَ)
بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَصْدَرُ عَايَنَ؛ أَيْ: نَوَى مُعَايَنَةَ الْهِلَالِ،
أَيْ: إدْرَاكَهُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ خَاصَّةً مِنْهَا (أَوْ) مِنْ
غَيْرِهَا، أَوْ نَوَى (حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا بِهِ؛ قُبِلَ) مِنْهُ
(حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، فَلَا تَطْلُق حَتَّى تَرَاهُ
فِي الثَّانِيَةِ أَوْ يَرَاهُ فِي الْأُولَى (وَهُوَ هِلَالٌ) أَيْ:
يُسَمَّى بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (إلَى) لَيْلَةٍ (ثَالِثَةٍ)
مِنْ الشَّهْرِ (ثُمَّ يُقْمِرُ) بَعْدَ الثَّالِثَةِ؛ أَيْ يُسَمَّى
قَمَرًا، فَإِنْ لَمْ تَرَ الْهِلَالَ حَتَّى أَقْمَرَ، وَقَدْ نَوَى
حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا (فَلَا تَطْلُق بِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ) ذَلِكَ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ رَأَيْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْهُ)
مُطَاوِعَةً (لَا مُكْرَهَةً، وَلَوْ) كَانَ زَيْدٌ (مَيِّتًا أَوْ فِي
مَاءٍ أَوْ زُجَاجٍ شَفَّافٍ؛ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ بِحَقِيقَةِ
رُؤْيَتِهَا، فَإِنْ كَانَ الزُّجَاجُ غَيْرَ شَفَّافٍ، وَكَانَ فِيهِ؛
لَمْ يَحْنَثْ؛ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا لَهُ لِلْحَائِلِ
(5/445)
إلَّا مَعَ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ)
تَخُصُّ الرُّؤْيَةَ بِحَالٍ، فَإِذَا رَأَتْهُ فَلَا تَطْلُق؛ فِي
غَيْرِهَا (وَلَا تَطْلُق إنْ رَأَتْ خَيَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ
أَوْ جَالَسَتْهُ عَمْيَاءَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَرَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ
نِيَّةُ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ بِهِ فَيَحْنَثُ إنْ جَالَسَتْهُ عَمْيَاءُ
(وَ) إنْ قَالَ (مَنْ بَشَّرَتْنِي أَوْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي
فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَهُ) بِهِ (عَدَدٌ) اثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ
نِسَائِهِ (مَعًا طَلُقَ) ذَلِكَ الْعَدَدُ؛ لِوُقُوعِ لَفْظَةِ مَنْ عَلَى
الْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] (وَ) أَلَّا يُبَشِّرْنَهُ أَوْ
يُخْبِرْنَهُ مَعًا، بَلْ مُرَتَّبًا، فَسَابِقَةٌ صَدَقَتْ تَطْلُق،
لِأَنَّ التَّبْشِيرَ حَصَلَ بِإِخْبَارِهَا خَبَرَ صِدْقٍ تَتَغَيَّرُ
بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ مِنْ سُرُورٍ أَوْ غَمٍّ، وَالْخَبَرُ الْكَاذِبُ
وَمَا بَعْدَ عِلْمِ الْمُخْبِرِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَإِلَّا)
تُصَدَّقُ السَّابِقَةُ (فَأَوَّلُ صَادِقَةٍ) مِنْهُنَّ تَطْلُق؛ لِأَنَّ
السُّرُورَ وَالْغَمَّ حَصَلَ بِخَبَرِهَا.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَذَا) قَوْلُهُ لِزَوْجَاتِهِ
(مَنْ أَنْذَرَتْنِي) مِنْكُنَّ (الْعَدُوَّ) فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَنْذَرَهُ
عَدَدٌ مِنْهُنَّ؛ طَلُقَ ذَلِكَ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَقَعُ عَلَى
الْوَاحِدِ فَمَا زَادَ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}
[الأحزاب: 31] لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْإِنْذَارُ بِالْعَدَدِ مَعًا،
فَطَلُقَ الْعَدَدُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
فَائِدَةٌ: لَوْ قَالَ إنْ ظَنَنْتِ بِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ،
فَظَنَّتْهُ بِهِ، طَلُقَتْ، لَا يُقَالُ: الظَّنُّ لَا يَنْتِجُ
قَطْعِيًّا، فَكَيْفَ تَطْلُق؟ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ حَصَلَ لَك
الظَّنُّ بِكَذَا، إلَى آخِرِهِ لِحُصُولِ قَطْعِيٍّ؛ فَيُورِثُ قَطْعِيًّا
(وَ) إنْ قَالَ (إنْ دَخَلَ دَارِي أَحَدٌ فَأَنْتِ
(5/446)
طَالِقٌ فَدَخَلَهَا) هُوَ، أَيْ:
الْقَائِلُ لَمْ يَحْنَثْ (أَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ إنْ دَخَلَ دَارَكَ
أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَدَخَلَهَا رَبُّهَا) الْمُخَاطَبُ بِهَذَا
الْكَلَامِ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ بِذَلِكَ، عَمَلًا بِقَرِينَةِ
الْحَالِ (وَ) لَوْ قَالَ: إنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي
حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَكَانَا،
أَيْ: الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ (فِي السُّوقِ؛ عَتَقَ الْعَبْدُ) لِوُجُودِ
شَرْطِ عِتْقِهِ (وَلَمْ تَطْلُقْ) الْمَرْأَةُ، لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ
طَلَاقِهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْعَبْدُ عَتَقَ بِاللَّفْظِ فَ (لَمْ
يَبْقَ لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (فِي السُّوقِ عَبْدٌ حَالَ حَلِفِهِ
بِطَلَاقِهَا وَعَكْسُهُ) كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ عَبْدِي فِي السُّوقِ
فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتِي فِي السُّوقِ فَعَبْدِي
حُرٌّ فَكَانَا (بِعَكْسِهِ) أَيْ: فَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ
يَعْتِقْ عَبْدُهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فِيمَا يَظْهَرُ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ بَعْدَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ.
(وَمَنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَفْعَلُهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ مُكْرَهًا)
لَمْ يَحْنَثْ نَصًّا، لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ، (أَوْ
فَعَلَهُ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا لَمْ يَحْنَثْ)
لِأَنَّهُ مُغَطًّى عَلَى عَقْلِهِ (وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ) حَيْثُ
فَعَلَهُ فِي حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ، (وَ) إنْ فَعَلَهُ
(نَاسِيًا) لِحَلِفِهِ (أَوْ جَاهِلًا) أَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ
أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ،
فَدَخَلَهَا جَاهِلًا أَنَّهَا دَارُ زَيْدٍ أَوْ جَاهِلًا الْحِنْثَ إذَا
دَخَلَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَ زَيْدٍ، فَدَفَعَهُ زَيْدٌ
لِآخَرَ لِيَدْفَعَهُ لِمَنْ يَبِيعُهُ فَدَفَعَهُ لِلْحَالِفِ، فَبَاعَهُ
غَيْرُ عَالِمٍ؛ حَنِثَ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ (أَوْ عَقَدَهَا)
أَيْ: الْيَمِينَ (يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ) كَمَنْ حَلَفَ لَا فَعَلْتُ
كَذَا ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ (فَبَانَ بِخِلَافِهِ؛ يَحْنَثُ
فِي) حَلِفِ (طَلَاقٍ وَعِتْقٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ
بِشَرْطٍ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ
كَالْإِتْلَافِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ؛ فَلَا
يَحْنَثُ فِيهَا نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى
فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ»
(وَ) إنْ حَلَفَ عَنْ شَيْءٍ (لَيَفْعَلَنَّهُ) كَلَيَقُومَنَّ (فَتَرَكَهُ
مُكْرَهًا) عَلَى تَرْكِهِ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُضَافُ
إلَيْهِ.
(5/447)
(وَيَتَّجِهُ أَوْ) تَرَكَهُ مُغْمًى
عَلَيْهِ (أَوْ نَائِمًا) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِتَغْطِيَةِ
عَقْلِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا خِلَافًا لَهُ) أَيْ:
لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ "؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ حَلَفَ
لَيَفْعَلَنَّهُ فَتَرَكَهُ مُكْرَهًا (لَمْ يَحْنَثْ) أَوْ نَاسِيًا أَوْ
جَاهِلًا، يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ انْتَهَى.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَحْنَثْ قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ "
وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَهُوَ
الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ يَكْثُرُ فِيهِ النِّسْيَانُ فَيَعْسُرُ
التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
(وَيَتَّجِهُ بَرُّ حَالِفٍ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا) كَلَيَقُومَنَّ مَثَلًا
(وَفَعَلَهُ) أَيْ: فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (حَالَ نَحْوِ جُنُونٍ)
كَنَوْمٍ (وَإِغْمَاءٍ) إذَا الْبَرُّ وَالْحِنْثُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا
يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ يَمْنَعْ بِيَمِينِهِ) أَيْ: الْحَالِفِ (كَزَوْجَتِهِ) وَوَلَدِهِ
وَغُلَامِهِ (وَقَرَابَتِهِ) إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَقَصَدَ يَمِينُهُ
مَنْعَهُ، وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ دَفَعَهُ شَخْصٌ (دَفْعَ إكْرَاهٌ) بِأَنْ
كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي غَفْلَةٍ فَدَفَعَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ
فِيمَا مَنَعَهُ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ،
(5/448)
بِذَلِكَ كَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي
بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِذَلِكَ، وَهُوَ
مُتَّجِهٌ (كَهُوَ) أَيْ: كَالْحَالِفِ (فِي نَحْوِ إكْرَاهٍ) كَجُنُونٍ
(وَجَهْلٍ وَنِسْيَانٍ) فَمَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا لَا
تَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَتْهَا مُكْرَهَةً؛ لَمْ يَحْنَثْ مُطْلَقًا،
وَإِنْ دَخَلَتْهَا جَاهِلَةً بِيَمِينِهِ أَوْ نَاسِيَةً فَعَلَى مَا
سَبَقَ يَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ فَقَطْ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا
يُخَالِفَهُ وَفَعَلَهُ كَرْهًا، لَمْ يَحْنَثْ.
قَالَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي " وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ
لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ قَدِمَتْ زَوْجَتِي بَلَدَ كَذَا
فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا؛ فَهُوَ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ،
يَقَعُ بِقُدُومِهَا كَيْفَ كَانَ، كَمَنْ لَا يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ
(لَا) إنْ حَلَفَ عَلَى (مَنْ لَا يَمْتَنِعُ) بِيَمِينِهِ (كَسُلْطَانٍ
وَأَجْنَبِيٍّ وَحَاجٍّ فَ) إنَّهُ (يَحْنَثُ) حَالِفٌ (مُطْلَقًا) أَيْ:
سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مَكْرُوهًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ
نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، فَحَنِثَ بِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ
عَلَيْهِ.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا
يَفْعَلُهُ، فَخَالَفَهُ؛ حَنِثَ الْحَالِفُ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ،
وَتَوْكِيدُ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمَنْفِيِّ بِلَا قَلِيلٌ، وَمِنْهُ
قَوْله تَعَالَى:
(5/449)
{لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ} [النمل:
18] (لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لَا يَحْنَثُ) الْحَالِفُ
بِمُخَالَفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (إنْ قَصَدَ إكْرَامَهُ لَا
إلْزَامَهُ) وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، أَوْ) حَلَفَ (لَا
يُكَلِّمُهُ، أَوْ) حَلَفَ (لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَوْ) حَلَفَ (لَا
يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ) الْحَالِفُ (بَيْتًا
هُوَ) أَيْ: فُلَانٌ (فِيهِ) وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ)
وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (أَوْ) سَلَّمَ (عَلَى قَوْمٍ هُوَ) أَيْ: فُلَانٌ
(فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ بِهِ (أَوْ قَضَاهُ) فُلَانٌ
(حَقَّهُ فَفَارَقَهُ، أَوْ أَحَالَهُ) فُلَانٌ (بِهِ) أَيْ: بِحَقِّهِ
(فَفَارَقَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ) قَدْ (حَنِثَ) الْحَالِفُ بِذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ قَاصِدًا لِفِعْلِهِ، فَحَنِثَ،
كَمَا لَوْ تَعَمَّدَهُ (إلَّا فِي السَّلَامِ) أَيْ: إلَّا إذَا سَلَّمَ
عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ
يَظُنُّهُ أَجْنَبِيًّا، وَإِلَّا فِي الْكَلَامِ بِأَنْ حَلَفَ لَا
يُكَلِّمُهُ بِكَلِمَةٍ، أَوْ كَلَّمَ قَوْمًا هُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ
يَعْلَمْ بِهِ، فَلَا حِنْثَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِسَلَامِهِ وَلَا
كَلَامِهِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُمْ (وَإِنْ عَلِمَ)
الْحَالِفُ (بِهِ) أَيْ: الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي
الْقَوْمِ (فِي) حَالِ (سَلَامٍ) أَوْ كَلَامٍ (وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ
بِقَلْبِهِ؛ حَنِثَ) لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَالِمًا بِهِ، أَشْبَهَ
مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) السَّلَامَ
أَوْ الْكَلَامَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مِنْهُمْ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى فُلَانَةَ بَيْتًا
(فَدَخَلَتْ) هِيَ (عَلَيْهِ) وَهُوَ فِي بَيْتٍ (فَإِنْ خَرَجَ فِي
الْحَالِ بَرَّ) وَإِلَّا يَخْرُجْ فِي الْحَالِ (حَنِثَ وَيَتَّجِهُ
وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ (الَّتِي قَبْلَهَا) إذْ لَا فَرْقَ
بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا؛
لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ
(5/450)
فِعْلَ الْجَمِيعِ، فَلَمْ يَبَرَّ إلَّا
بِهِ (فَ) لَوْ حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّ الرَّغِيفَ، أَوْ) حَلَفَ
(لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ؛ لَمْ يَبَرَّ حَتَّى يَأْكُلَهُ) أَيْ:
الرَّغِيفَ (كُلَّهُ أَوْ يَدْخُلَهَا) أَيْ: الدَّارَ (بِجُمْلَتِهِ)
فَلَوْ أَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ مِنْهَا؛
لَمْ يَبَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا.
وَلَوْ حَلَفَ مَدِينٌ لَا تَأْخُذُ حَقَّكِ مِنِّي فَأُكْرِهَ الْمَدِينُ
عَلَى دَفْعِهِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا
يَأْخُذُهُ؛ فَأَخَذَهُ؛ حَنِثَ، أَوْ أَخَذَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ
مِنْ الْمَدِينِ الْحَالِفِ قَهْرًا؛ حَنِثَ لِوُجُودِ الْأَخْذِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ اخْتِيَارًا، وَإِنْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْحَقِّ
عَلَى أَخْذِهِ، فَأَخَذَهُ، فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا،
فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا؛ فَلَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا
يُنْسَبُ إلَى الْمُكْرَهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَيَتَّجِهُ. وَلَا
أَثَرَ لِنَحْوِ فَتٍّ سَقَطَ مِنْ الرَّغِيفِ حَتَّى أَكَلَهُ؛ فَلَا
عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْ الْأَكْلِ
عِنْدَ وَضْعِ الطَّعَامِ فِي فَمِهِ يَسِيرٌ جِدًّا فَلَا يَتَرَتَّبُ
عَلَيْهِ حُكْمٌ؛ إذْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ:.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَفْعَلُ شَيْئًا) وَلَا نِيَّةَ، وَلَا سَبَبَ،
وَلَا قَرِينَةَ، فَفَعَلَ بَعْضَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ.
(أَوْ) حَلَفَ عَلَى (مَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ) كَزَوْجَةٍ وَقَرَابَةٍ
مِنْ نَحْوِ وَلَدٍ وَكَذَا غُلَامُهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا (وَقَصَدَ
مَنْعَهُ) مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ (وَلَا نِيَّةَ) تُخَالِفُ ظَاهِرَ لَفْظِهِ
(وَلَا سَبَبَ وَلَا قَرِينَةَ) تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ بَعْضِهِ
(فَفَعَلَ) الْحَالِفُ أَوْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (بَعْضَهُ) كَمَنْ
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا، فَأَكَلَ بَعْضَهُ (لَمْ يَحْنَثْ)
الْحَالِفُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا تَدْخُلُ
بَيْتَ أُخْتِهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى
(5/451)
تَدْخُلَ كُلُّهَا، أَلَا تَرَى أَنْ
عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كُلِّي أَوْ بَعْضِي، لِأَنَّ الْكُلَّ لَا
يَكُونُ بَعْضًا، وَالْبَعْضَ لَا يَكُونُ كُلًّا، وَلِأَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ وَهُوَ
مُعْتَكِفٌ إلَى عَائِشَةَ، فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ،
وَالْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ،
وَالْحَائِضُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ.
(فَمِنْ حَلَفَ عَلَى مُمْسِكٍ مَأْكُولًا) كَرُمَّانَةٍ أَوْ
تُفَّاحَةٍ (لَا آكُلُهُ وَلَا أَمْسِكُهُ، فَأَكَلَ بَعْضًا وَرَمَى
الْبَاقِيَ) أَوْ أَمْسَكَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَأْكُلْهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يُمْسِكْهُ كُلَّهُ، فَإِنْ نَوَى
بِقَوْلِهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ وَنَحْوِهَا لَا
تَفْعَلُ كَذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ فَعَلَ الْبَعْضَ فَيَمِينُهُ
عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُخَصَّصَةٌ، وَكَذَا لَوْ
اقْتَضَى سَبَبُ الْيَمِينِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنْ دَلَّتْ
قَرِينَةٌ تَقْتَضِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْجَمِيعَ أَوْ الْبَعْضَ؛
تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِهِ كَمَا يَأْتِي
(أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ،
أَوْ دَخَلَ طَاقَ بَابِهَا) لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَدْخُلْهَا بِجُمْلَتِهِ، (أَوْ) حَلَفَ عَلَى امْرَأَةٍ (لَا
يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ) أَيْ
غَزْلِهَا، لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ غَزْلِهَا
(أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ
بَعْضَهُ) لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ بَلْ بَعْضَهُ
(أَوْ) حَلَفَ (لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ وَلَا يَهَبُهُ) أَوْ يُؤَجِّرُهُ
وَنَحْوُهُ (فَبَاعَ أَوْ وَهَبَ) أَوْ أَجَّرَهُ وَنَحْوَهُ
(بَعْضَهُ) أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، وَوَهَبَ بَاقِيَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ كُلَّهُ، وَلَا وَهَبَهُ كُلَّهُ (أَوْ)
حَلَفَ (لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ فُلَانٌ شَيْئًا، فَقَامَتْ
بَيِّنَةٌ) عَلَى الْحَالِفِ (بِسَبَبِ الْحَقِّ مِنْ قَرْضٍ أَوْ
نَحْوِهِ) بِأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّ الْحَالِفَ اقْتَرَضَ مِنْهُ أَوْ
ابْتَاعَ أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ (دُونَ أَنْ يَقُولَا) أَيْ:
الشَّاهِدَانِ (وَهُوَ) أَيْ: الدَّيْنُ بَاقٍ (عَلَيْهِ) أَيْ:
الْحَالِفِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِسَبَبِ الْحَقِّ لَا تَفْتَقِرُ
إلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ إنْ كَانَا فَارَقَا
الْحَالِفَ، وَأَمَّا (إنْ كَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (لَمْ
يُفَارِقَاهُ) مِنْ حِينِ تَرَتَّبَ الْحَقُّ عَلَيْهِ إلَى حِينِ
حَلِفِهِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِمَا بَعْدَ أَنْ شَهِدَا بِسَبَبِ
الْحَقِّ،
(5/452)
وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ إلَى الْآنَ، وَهُوَ
مُتَّجِهٌ.
(لَمْ يَحْنَثْ) لِإِمْكَانِ صِدْقِهِ بِدَفْعِ الْحَقِّ فِي صُورَةٍ
إذَا فَارَقَاهُ أَوْ بَرَّآهُ مِنْهُ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا
شَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (وَ) إنْ حَلَفَ
(لَا يَشْرَبُ) مَاءَ هَذَا النَّهْرِ فَشَرِبَ مِنْهُ (حَنِثَ) ؛
لِصَرْفِ يَمِينِهِ إلَى الْبَعْضِ لِاسْتِحَالَةِ شُرْبِ جَمِيعِهِ
(أَوْ حَلَفَ) عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ
ثَوْبًا فِيهِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ غَزْلِهَا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ
لَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ثَوْبًا مِنْ
غَزْلِهَا (وَكَذَا) مَنْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ) أَوْ
اللَّحْمَ (أَوْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ) أَوْ الْعَسَلَ وَنَحْوَهُ
مِنْ كُلِّ مَا عَلَّقَ عَلَى اسْمِ جِنْسٍ (أَوْ) اسْمِ جَمْعٍ كَأَنْ
حَلَفَ أَنْ (لَا يُكَلِّمَ الْمُسْلِمِينَ) أَوْ الْمُشْرِكِينَ (أَوْ
الْمَسَاكِينَ أَوْ الْمُقَاتِلِينَ؛ فَيَحْنَثُ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّ
الْجَمِيعَ مُتَعَذِّرٌ) فَلَا تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَيْهِ، بَلْ
(تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ لِلْبَعْضِ) وَإِنْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنْ
مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ؛ حَنِثَ سَوَاءٌ كَرَعَ
مِنْهُ بِفَمِهِ، أَوْ اغْتَرَفَ مِنْهُ بِيَدَيْهِ، أَوْ بِإِنَاءٍ،
وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ هَذَا الْبِئْرِ فَكَرَعَ مِنْهُ
أَوْ اغْتَرَفَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَكَذَا الْعَيْنُ، وَكَمَا
لَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْتُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَقَطَ مِنْ
تَحْتِهَا وَأَكَلَ، حَنِثَ كَمَا لَوْ أَكَلَ الثَّمَرَةَ وَهِيَ
عَلَيْهَا، بِخِلَافِ أَكْلِ وَرِقِهَا وَأَطْرَافِ أَغْصَانِهَا،
وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ، فَحَلَبَ فِي
شَيْءٍ، وَشَرِبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ شَرِبَ
مِنْهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ
مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ مَائِهِ،
وَإِنْ حَلَفَ لَا شَرِبْت مِنْ الْفُرَاتِ، فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ
يَأْخُذُ مِنْهُ الْفُرَاتُ، فَوَجْهَانِ، قَدَّمَ فِي " الشَّرْحِ "
أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ مَعْنَى الشُّرْبِ مِنْهُ الشُّرْبُ مِنْ
مَائِهِ، فَحَنِثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ مِنْ مَائِهِ.
(5/453)
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ لَبِسْت
ثَوْبًا، أَوْ لَمْ يَقُلْ ثَوْبًا) بَلْ قَالَ إنْ لَبِسْت (فَأَنْتِ
طَالِقٌ، وَنَوَى ثَوْبًا مُعَيَّنًا، قُبِلَ) مِنْهُ (حُكْمًا)
لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَصِدْقُهُ مُمْكِنٌ (سَوَاءٌ كَانَ)
حَلَفَ (بِطَلَاقٍ) أَمْ بِغَيْرِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِمْ إنْ
لَبِسْتِ (صِحَّةُ تَعْيِينِ) نَوْعٍ مِمَّا يُلْبَسُ أَنَّهُ
الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَيُقْبَلُ تَعْيِينُهُ ذَلِكَ (حُكْمًا،
بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ) فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا لَوْ
قَالَ: إنْ دَخَلْتِ دَارًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ
بِدُخُولِ أَيِّ دَارٍ كَانَتْ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا أَنَّهُ
أَرَادَ دَارًا مُعَيَّنَةً، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا
اشْتَرَاهُ) أَيْ: اشْتَرَى الثَّوْبَ زَيْدٌ (أَوْ نَسَجَهُ أَوْ
طَبَخَهُ) أَيْ: طَبَخَ الطَّعَامَ (زَيْدٌ؛ فَلَبِسَ) الْحَالِفُ
(ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ) أَيْ: زَيْدٌ (وَغَيْرُهُ، أَوْ) لَبِسَ
ثَوْبًا (اشْتَرَيَاهُ) أَيْ: زَيْدٌ وَغَيْرُهُ (أَوْ) اشْتَرَاهُ
(زَيْدٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ أَكَلَ) الْحَالِفُ (مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ)
أَيْ: زَيْدٌ وَغَيْرُهُ (حَنِثَ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ
غَزْلِ فُلَانَةَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ
غَيْرِهَا، وَكَذَا (لَوْ حَلَفَ) لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ،
فَدَخَلَ دَارًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ
بِأَنْ نَوَى مَا انْفَرَدَ بِهِ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِمَا شُورِكَ فِيهِ
(وَإِنْ اشْتَرَى غَيْرُ زَيْدٍ شَيْئًا) انْفَرَدَ بِشِرَائِهِ
(فَخَلَطَهُ زَيْدٌ) أَوْ غَيْرُهُ (بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ
(فَأَكَلَ حَالِفٌ) مِنْهُ (أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ غَيْرُ زَيْدٍ،
حَنِثَ) لِأَنَّهُ أَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ يَقِينًا
(وَإِلَّا يَأْكُلُ) أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ غَيْرُ زَيْدٍ (فَلَا
حِنْثَ) ، سَوَاءٌ أَكَلَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى شَرِيكُهُ أَوْ دُونَهُ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ
(5/454)
الْعِصْمَةِ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ الْحِنْثَ (وَ) إنْ حَلَفَ (لَا بِتُّ
عِنْدَ زَيْدٍ، حَنِثَ) بِمُكْثِهِ عِنْدَهُ (أَكْثَرَ اللَّيْلِ)
لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَبِيتًا؛ بِخِلَافِ نِصْفِ اللَّيْلِ فَمَا
دُونَهُ وَ (لَا) يَحْنَثُ (إنْ حَلَفَ لَا قُمْتُ عِنْدَهُ كُلَّ
اللَّيْلِ) أَوْ حَلَفَ لَا بِتُّ عِنْدَهُ (وَنَوَاهُ) أَيْ: كُلَّ
اللَّيْلِ (فَأَقَامَ) عِنْدَهُ (بَعْضَهُ) أَيْ: اللَّيْلِ (أَوْ
أَكْثَرَهُ) أَيْ: اللَّيْلِ (وَلَا يَحْنَثُ إنْ حَلَفَ لَا بَاتَ)
بِبَلَدٍ (أَوْ لَا آكُلُ بِبَلَدٍ؛ فَبَاتَ أَوْ أَكَلَ خَارِجَ
بُنْيَانِهِ) أَيْ: الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِتْ أَوْ يَأْكُلْ
فِيهِ، وَيَحْنَثُ إنْ أَكَلَ بِمَسْجِدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ
مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ خَارِجَهَا قَرِيبًا مِنْهَا عَادَةً.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا غَصَبَ، فَثَبَتَ الْغَصْبُ
بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ فَقَطْ كَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ
رَجُلٍ وَيَمِينٍ، أَوْ بِالنُّكُولِ؛ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ
الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ.
|