منار
السبيل في شرح الدليل
كتاب الطلاق
مدخل
مدخل
...
كتاب الطلاق:
"يباح لسوء عشرة الزوجة" كسوء خلقها، وتضرره
بها من غير حصول الغرض بها دفعا للضرر عن
نفسه.
"ويسن إن تركت الصلاة ونحوها" وعجز عن إجبارها
عليها، وكونها غير عفيفة، لأن في إمساكها نقصا
ودناءة، وربما أفسدت عليه فراشه. وعنه: يجب
الطلاق هنا، لقوله: أخشى أن لا يحل له المقام
مع امرأة لا تصلي - وتقدم - وقال: لا ينبغي
إمساك غير عفيفة.
"ويكره من غير حاجة" لإزالته النكاح المشتمل
على المصالح المندوب إليها، ولحديث "أبغض
الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود.
"ويحرم في الحيض ونحوه" كفي طهر أصابها فيه.
قال في الشرح: وأجمعوا على تحريمه في الحيض،
وفي طهر أصابها فيه.
"ويجب على المؤلي بعد التربص" إن أبى الفيئة.
"قيل: وعلى من يعلم بفجور زوجته" لئلا يكون
ديوثا، فينقسم الطلاق إلى أحكام التكليف
الخمسة.
"ويقع طلاق المميز إن عقل الطلاق" أي: علم أن
النكاح يزول به، لعموم حديث: "إنما الطلاق لمن
أخذ بالساق" . وحديث "كل الطلاق جائز إلا طلاق
المعتوه والمغلوب على عقله" رواه الترمذي.
وعنه:
(2/231)
لا يصح منه حتى
يبلغ، قال أبو عبيدة هو قول أهل العراق، وأهل
الحجاز. ذكره في الشرح، لحديث: "رفع القلم عن
ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى
يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق" .
"وطلاق السكران بمائع" ولو خلط في كلامه، أو
سقط تمييزه بين الأعيان، ويؤاخذ بسائر أقواله.
وكل فعل يعتبر له العقل: كإقرار، وقذف، وقتل،
وسرقة. قال الشيخ تقي الدين: وكذا بحشيشة
مسكرة، وفرق بينها وبين البنج بأنها تشتهى
وتطلب. وقدم الزركشي: أنها ملحقة بالبنج.
واختار الخلال والقاضي: وقوع طلاق السكران،
لما روى وبرة الكلبي، قال: أرسلني خالد بن
الوليد إلى عمر رضي الله عنه، فأتيته في
المسجد، ومعه عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد
الرحمن، فقلت: إن خالدا يقول: إن الناس
انهمكوا في الخمر، وتحاقروا عقوبته، فقال عمر:
هؤلاء عندك فسلهم، فقال علي: نراه إذا سكر
هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون،
فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قالوا. فجعلوه
كالصاحي في فريته، وأقاموا مظنة الفرية
مقامها.
وفي طلاق السكران روايتان قيل للإمام أحمد:
بماذا يعلم أنه سكران؟ فقال: إذا لم يعرف ثوبه
من ثوب غيره، ونعله من نعل غيره. ونقل عن
الشافعي: إذا اختلط كلامه المنظوم، وأفشى سره
المكتوم. قاله الشيخ محمد التيمي.
وعنه لا يقع طلاقه. اختارها أبو بكر، لقول
عثمان: ليس لمجنون، ولا لسكران طلاق وقال ابن
عباس: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز.
ذكرهما البخاري في صحيحه. قال ابن المنذر: ثبت
عن عثمان أنه لا يقع طلاقه. ولا نعلم أحدا من
(2/232)
الصحابة خالفه.
قال أحمد: حديث عثمان أرفع شيء فيه، وهو أصح
يعني من حديث علي. منصور لا يرفعه إلى علي.
ذكره في الشرح. أي: لأنه زائل العقل أشبه
المجنون1.
"ولا يقع ممن نام أو زال عقله بجنون أو إغماء"
ومن به برسام أو نشاف، للحديث السابق.
"ولا ممن أكرهه قادر ظلما بعقوبة أو تهديد له
أو لولده" قال في الشرح: ولم تختلف الرواية عن
أحمد أن طلاق المكره لا يقع، لما تقدم عن ابن
عباس. وقال أيضا فيمن يكرهه اللصوص فيطلق: ليس
ب شيء وعن عائشة مرفوعا: "لا طلاق ولا عتق في
إغلاق" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
والإغلاق: الإكراه. وروى سعيد وأبو عبيد: أن
رجلا على عهد عمر تدلى في حبل يشتار عسلا
فأقبلت امرأته، فجلست على الحبل، فقالت:
لتطلقها ثلاثا، وإلا قطعت الحبل، فذكرها الله
تعالى والإسلام، فأبت. فطلقها ثلاثا، ثم خرج
إلى عمر، فذكر ذلك له، فقال له: ارجع إلى
أهلك، فليس هذا طلاقا.
ـــــــ
1 قال الحافظ في "فتح الباري": ذهب إلى عدم
وقوع طلاق السكران أيضا عثمان، وأبو الشعثاء،
وعطاء، وطاووس، وعكرمة، وعمر بن عبد العزيز،
والقاسم. وبه قال: ربيعة، والليث، وإسحاق
المزني، واختاره الطحاوي: وقال الإمام ابن
القيم: والصحيح أنه لا عبرة بأقواله: من طلاق،
ولا عتاق، ولا بيع، ولا هبة، ولا وقف، ولا
إسلام، ولا ردة، ولا إقرار، لبضعة عشر دليلا.
انظر "أعلام الموقعين" 3/332.
(2/233)
فصل ومن صح طلاقه صح أن يوكل غيره فيه وأن
يتوكل غيره:
لأن الطلاق إزالة ملك، فصح التوكيل والتوكيل
فيه كالعتق.
"وللوكيل أن يطلق متى شاء، ما لم يحد له حدا"
أي: يعين له وقتا للطلاق فلا يتعداه، لأن
الأمر للموكل.
"ويملك طلقة" لأنها السنة، فينصرف الإطلاق
إليها.
"ما لم يجعل له أكثر" فيملكه.
"وإن قال لها: طلقي نفسك. كان لها ذلك متى
شاءت" كوكيل غيرها، لأنه مقتضى اللفظ
والإطلاق.
"وتملك الثلاث إن قال لها: طلاقك، أو أمرك
بيدك، أو: وكلتك في طلاقك" لأنه مفرد مضاف،
فيعم جميع أمرها، فيتناول الثلاث أفتى به أحمد
مرارا وقاله علي وابن عمر وابن عباس وفضالة،
رضي الله عنهم وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن
عثمان: في أمرك بيدك. القضاء ما قضت رواه
البخاري في تاريخه.
"ويبطل التوكيل بالرجوع، وبالوطء" للزوجة التي
وكل في طلاقها لدلالة الحال على ذلك، ولأنه
عزل، أشبه عزل سائر الوكلاء. وعن علي في رجل
جعل أمر امرأته بيدها، قال: هو لها حتى ينكل.
(2/234)
باب سنة الطلاق وبدعته:
أي إيقاعه على وجه مشروع، وعلى وجه محرم منهي
عنه.
"السنة لمن أراد طلاق زوجته: أن يطلقها واحدة
في طهر لم يطأها فيه" لقوله تعالى: {إِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ} 1. قال ابن مسعود وابن عباس:
طاهرا من غير جماع.
"فإن طلقها ثلاثا، ولو بكلمات، فحرام" روي عن
عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر. قال
في الشرح: ولم يصح في عصرهم خلاف قولهم. فأما
حديث المتلاعنين. فلا حجة فيه. فإن اللعان
يحرمها أبدا، فهو كالطلاق بعد انفساخه برضاع
أو غيره. وحديث فاطمة: أن زوجها أرسل إليها
بتطليقة بقيت لها من طلاقها. وحديث امرأة
رفاعة، جاء فيه أنه: طلقها آخر ثلاث تطليقات
متفق عليه. وإن طلق ثلاثا. بكلمة واحدة، وقعت
ثلاثا في قول الأكثر انتهى مختصرا. وفي حديث
ابن عمر قال: قلت: يا رسول الله: أرأيت لو أني
طلقتها ثلاثا، كان يحل لي أن أراجعها؟ قال:
"إذا عصيت ربك، وبانت منك امرأتك" رواه
الدارقطني. وعن مجاهد قال: جلست عند ابن عباس
فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فسكت،
حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق
أحدكم، فيركب الأحموقة، ثم يقول: يا بن عباس،
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 1.
(2/235)
يا بن عباس،
وإن الله قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا} 1 وإنك لم تتق الله،
فلم أجد لك مخرجا. عصيت ربك، فبانت منك امرأتك
رواه أبو داود. وعن مجاهد أيضا: أن ابن عباس
سئل عن رجل طلق امرأته مائة، فقال: عصيت ربك،
وفارقت امرأتك وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
أن رجلا طلق امرأته ألفا، قال: يكفيك من ذلك
ثلاث وعن سعيد أيضا: أن ابن عباس سئل عن رجل
طلق امرأته عدد النجوم، قال أخطأ السنة، وحرمت
عليه امرأته رواهن الدارقطني. قال في المنتقى:
وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث
بالكلمة الواحدة.
"وفي الحيض أو في طهر وطئ فيه، ولو بواحدة،
فيدعي حرام" لمخالفته لقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ} 2 وعن ابن عمر أنه: طلق
امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله
عليه وسلم، عن ذلك فقال له: مره فليراجعها، ثم
ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن
شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك
العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء متفق
عليه.
"ويقع" نص عليه، لأن النبي صلى الله عليه
وسلم، أمر فيه بالرجعة، ولا تكون إلا بعد
طلاق. قال نافع: وكان عبد الله طلقها تطليقة،
فحسبت من طلاقها. قال ابن المنذر لم يخالف فيه
إلا أهل البدع، وتستحب رجعتها إذا طلقها زمن
البدعة، لحديث ابن عمر. وعنه: أنها واجبة، وهو
قول مالك، لظاهر الأمر. قاله في الشرح.
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 2.
2 الطلاق من الآية/ 1.
(2/236)
"ولا سنة ولا
بدعة لمن لم يدخل بها" لأنها لا عدة عليها،
فتضرر بتطويلها.
"ولا الصغيرة وآيسة" لأنها لا تعتد بالأقراء،
فلا تختلف عدتها، ولا ريبة لهما، ولا ولد يندم
على فراقه.
"وحامل" وظاهر كلام أحمد: أن طلاق الحامل سنة.
فإنه قال: أذهب إلى حديث سالم عن أبيه، وفيه:
"فيطلقها طاهرا أو حاملا" رواه مسلم.
"ويباح الطلاق، والخلع بسؤالها زمن البدعة"
لأن المنع منه، إنما شرع لحق المرأة، فإذا
رضيت بإسقاط حقها، زال المنع.
(2/237)
باب صريح الطلاق وكنايته
مدخل
...
باب صريح الطلاق وكنايته:
الصريح: ما لا يحتمل غيره من كل شيء،
والكناية: ما يحمل غيره.
"صريحه لا يحتاج إلى نية، وهو: لفظ الطلاق،
وما تصرف منه" كـ: طالق، وطلقتك، ومطلقة "اسم
مفعول" .
"غير أمر" كـ: طلقي.
"ومضارع" كـ: تطلقين.
"ومطلقة: اسم فاعل" فلا يقع بهذه الألفاظ
الثلاث الطلاق.
"فإذا قال لزوجته: أنت طالق، طلقت، هازلا كان
أو لاعبا، أو لم ينو" لأن إيجاد هذا اللفظ من
العاقل، دليل إرادته. قال ابن المنذر: أجمع من
أحفظ عنه من أهل العلم، أن هزل الطلاق وجده
سواء، لحديث أبي
(2/237)
هريرة مرفوعا:
"ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق،
والرجعة" رواه الخمسة إلا النسائي.
"حتى ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم
يريد الكذب بذلك" فإنها تطلق، وإن لم ينو. لأن
نعم: صريح في الجواب، والجواب الصريح للفظ
الصريح، صريح. ولو قيل: ألك امرأة؟ فقال: لا،
وأراد الكذب، لم تطلق إن لم ينو به الطلاق،
لأنه كناية تفتقر إلى نية، ولم توجد.
"ومن قال: حلفت بالطلاق، وأراد الكذب، ثم فعل
ما حلف عليه، وقع الطلاق حكما" لأنه خالف ما
أقر به، ولأنه يتعلق به حق لغيره، فلم يقبل،
كإقراره له بمال، ثم يقول: كذبت.
"ودين" فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه لم
يحلف، واليمين إنما تكون بالحلف.
"وإن قال: علي الطلاق، أو يلزمني الطلاق،
فصريح" في المنصوص لا يحتاج إلى نية، سواء كان
"منجزا أو معلقا، أو محلوفا به" ويقع واحدة،
ما لم ينو أكثر.
"وإن قال: علي الحرام، إن نوى امرأته" أو دلت
قرينة على إرادة ذلك.
"فظهار" ويأتي حكمه
"وإلا فلغو" لا شيء فيه.
"ومن طلق زوجة" له.
"ثم قال لضرتها: شركتك،: أنت شريكتها، أو
مثلها: وقع عليهما
(2/238)
الطلاق" نص
عليه، لأنه صريح، لا يحتاج إلى نية لأنه جعل
الحكم فيهما واحدا، وهذا لا يحتمل غير ما فهم
منه، أشبه ما لو أعاده بلفظه على الثانية.
"وإن قال: علي الطلاق، أو: امرأتي طالق، ومعه
أكثر من امرأة. فإن نوى امرأة معينة انصرف
إليها، وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة"
لأنها تميز الشكل. و إن كان هناك سبب يقتضي
تعميما، أو تخصيصا، عمل به.
"وإن لم ينو شيئا: طلق الكل" لأن الكل امرأة،
وهي محل لوقوع طلاقه عليها ولا مخصص.
"ومن طلق في قلبه لم يقع" في قول عامة أهل
العلم. قاله في الشرح، لحديث: "إن الله تجاوز
لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو
تعمل" صححه الترمذي.
"فإن تلفظ به، أو حرك لسانه: وقع، ولو لم
يسمعه" لأنه تكلم به.
"ومن كتب صريح طلاق زوجته" بما يبين.
"وقع" وإن لم ينوه، لأن الكتابة صريحة في
الطلاق، لأنها حروف يفهم منها المعنى، وتقوم
مقام قول الكاتب، لأنه صلى الله عليه وسلم،
أمر بتبليغ الرسالة، وكان في حق البعض بالقول،
وفي آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف، وإن
كتبه ب شيء لا يبين ككتابته بأصبعه على وسادة
أو في الهواء فظاهر كلام أحمد: أنه لا يقع.
وقال أبو حفص: يقع لأنه كتب حروف الطلاق، أشبه
كتابته بما يبين. ذكره في الكافي.
"فلو قال: لم أرد إلا تجويد خطي، أو غم أهلي،
قبل حكما"
(2/239)
لأنه أعلم
بنيته، وقد نوى محتملا غير الطلاق، وإذا أراد
غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته لا يكون
ناويا للطلاق. وقال في الكافي: وإن قصد غم
أهله: فظاهر كلام أحمد أنه يقع، لأن ذلك لا
ينافي الوقوع، فيغم أهله بوقوع الطلاق بها.
"ويقع بإشارة الأخرس فقط" حيث كانت مفهومة،
لقيامها مقام نطقه.
(2/240)
فصل وكنايته لا بد فيها من نية الطلاق:
لقصور رتبتها عن التصريح، فوقف عملها على
النية تقوية لها، لأنها تحتمل غير معنى
الطلاق، فلا تتعين له بدون نية.
"وهي قسمان: ظاهرة، وخفية. فالظاهرة: يقع بها
الثلاث" لأن ذلك يروى عن علي وابن عمر وزيد،
ولم ينقل خلافهم في عصرهم، فكان إجماعا. قاله
في الكافي. وكان الإمام أحمد يكره الفتيا في
الكتابة الظاهرة - مع ميله إلى أنها ثلاث.
وعنه: يقع ما نواه اختاره أبو الخطاب، لحديث
ركانة: "أنه طلق البتة، فاستحلفه النبي صلى
الله عليه وسلم: ما أردت إلا واحدة. فحلف،
فردها عليه" رواه أبو داود.
"والخفية: يقع بها واحدة" لأن مقتضاه الترك
دون البينونة كصريح الطلاق وقال النبي صلى
الله عليه وسلم، لابنة الجون: "الحقي بأهلك" .
متفق عليه. ولم يكن ليطلق ثلاثا، وقد نهى عنه.
وقال لسودة: "اعتدي فجعلها طلقة" متفق عليه.
(2/240)
"ما لم ينو
أكثر" فيقع ما نوى، لأنه لفظ لا ينافي العدد،
فوجب وقوع ما نواه به.
"فالظاهرة: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة،
وبتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج، وحبلك على
غاربك، وتزوجي من شيء ت، وحللت للأزواج، ولا
سبيل لي عليك، أو لا سلطان، وأعتقتك، وغطي
شعرك، وتقنعي، و" الكناية
"الخفية: اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي،
وخليتك، وأنت مخلاة، وأنت واحدة، ولست لي
بامرأة، واعتدي، واستبرئي، واعتزلي، والحقي
بأهلك، ولا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك
الله، وإن الله قد طلقك، والله قد أراحك مني،
وجرى القلم" ولفظ فراق، وسراح، فيقع ما نواه،
لأنه محتمل له. فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة،
لأنه اليقين.
"ولا تشترط النية في حال الخصومة أو الغضب
وإذا سألته طلاقها" اكتفاء بدلالة الحال،
لأنها تغير حكم الأقوال والأفعال.
"فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، دين"
فيما بينه وبين الله تعالى، فإن صدق لم يقع
عليه شيء.
"ولم يقبل حكما" لتأثير دلالة الحال في الحكم،
كما يحمل الكلام الواحد على المدح تارة، والذم
أخرى بالقرائن. قال في الكافي: ويحتمل التفريق
بين الكنايات: فما كثر استعماله منها في غير
الطلاق، كقوله: اذهبي، واخرجي، وروحي، لا يقع
بغير نية بحال. وما ندر استعماله كقوله:
اعتدي، وحبلك على غاربك، وأنت بائن، وبتة إذا
أتى به حال
(2/241)
الغضب، أو سؤال
الطلاق، كان طلاقا. فأما إن قصد بالكناية غير
الطلاق، لم يقع على كل حال، لأنه لو قصد ذلك
بالصريح لم يقع، فبالكناية أولى.
(2/242)
باب ما يختلف به عدد الطلاق
مدخل
...
باب ما يختلف به عدد الطلاق:
ويعتبر بالرجال حرية ورقا. روي عن: عمر وعثمان
وزيد وابن عباس، رضي الله عنهم. وبه قال: مالك
والشافعي.
"يملك الحر والمبعض ثلاث طلقات والعبد طلقتين"
لأن الطلاق خالص حق الزوج، فاعتبر به، لقوله
تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 1.
وعن عائشة مرفوعا: "طلاق العبد اثنتان فلا تحل
له حتى تنكح زوجا غيره" . وعن عمر قال: ينكح
العبد امرأتين، ويطلق طلقتين، وتعتد الأمة
حيضتين رواهما الدارقطني.
"ويقع الطلاق بائنا في أربع مسائل: "
"إذا كان على عوض" كالخلع، لأن القصد إزالة
الضرر عنها، ولو جازت رجعتها لعاد الضرر.
"أو قبل الدخول" لأن الرجعة لا تملك إلا في
العدة، ولا عدة عليها لقوله تعالى: {ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 2.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 229.
2 الأحزاب من الآية/ 49.
(2/242)
"أو في نكاح
فاسد" لأنها إذا لم تحل بالنكاح لعدم صحته،
وجب أن لا تحل بالرجعة فيه. ولا يحل نكاحها في
هذه المسائل الثلاث إلا بعقد جديد بشروطه.
"أو بالثلاث" دفعة واحدة، أو دفعات، فلا تحل
له حتى تنكح زوجا غيره، لما تقدم.
"ويقع ثلاثا إذا قال: أنت طالق بلا رجعة، أو
البتة، أو بائنا" لأنه وصف الطلاق بما يقتضي
الإبانة.
"وإن قال: أنت الطلاق، أو: أنت طالق، وقع
واحدة" وكذا قوله: علي الطلاق، أو يلزمني،
لأنه صريح في المنصوص لا يحتاح إلى نية، سواء
كان منجزا، أو معلقا، أو محلوفا به، كـ: أنت
الطلاق لأقومن، لأنه مستعمل في عرفهم، كما في
قوله:
فأنت الطلاق، وأنت الطلا ... ق، وأنت الطلاق
ثلاثا تماما
ولأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا، وينكرون
ذلك، ولا يعلمون أن: أل، فيه للاستغراق.
"وإن نوى ثلاثا وقع ما نواه" لأنه نوى بلفظه
ما يحتمله.
"ويقع ثلاثا إذا قال: أنت طالق كل الطلاق، أو
أكثره، أو عدد الحصى، ونحوه" كعدد القطر،
والرمل والريح، والتراب والنجوم، لأن هذا
اللفظ يقتضي عددا. والطلاق له أقل وأكثر:
فأقله واحدة وأكثره ثلاث.
"أو قال لها: يا مائة طالق" فثلاث تقع، كقوله:
أنت مائة طالق.
"وإن قال: أنت طالق أشد الطلاق، أو أغلظه، أو
أطوله، أو ملء
(2/243)
الدنيا، أو مثل
الجبل، أو على سائر المذاهب: وقع واحدة" لأن
ذلك لا يقتضي عددا. فالطلقة الواحدة تتصف
بكونها يملأ الدنيا ذكرها، وأنها أشد الطلاق
عليها، فلم يقع الزائد بالشك. قاله في الكافي.
"ما لم ينو أكثر" فيقع ما نواه، لأن اللفظ
يحتمله.
(2/244)
فصل والطلاق لا يتبعض بل جزء الطلقة كهي:
فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة، أو ثلث طلقة، أو
سدس طلقة ونحوه: فواحدة. لأن ذكر بعض ما لا
يتبعض، كذكر جميعه، لأن مبناه على السراية،
كالعتق. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه
من أهل العلم أنها تطلق بذلك، إلا داود.
"وإن طلق زوجته" بأن قال لها: نصفك، أو ربعك،
أو خمسك طالق، أو بعضك طالق، أو جزء منك طالق،
"طلقت كلها" لأنه أضاف الطلاق إلى جملة لا
تتبعض في الحل والحرمة، وقد وجد فيها ما يقتضي
التحريم، فغلب، كاشتراك مسلم ومجوسي في قتل
صيد.
"وإن طلق جزءا منها، لا ينفصل: كيدها، وأذنها،
وأنفها، طلقت" كلها، لإضافة الطلاق إلى جزء
ثابت، استباحه بعقد النكاح، أشبه الجزء
الشائع.
"وإن طلق جزءا ينفصل: كشعرها، وظفرها، وسنها،
لم تطلق" قال أبو بكر: لا يختلف قول أحمد: إنه
لا يقع طلاق وعتق، وظهار وحرام بذكر الشعر،
والظفر، والسن، والروح، وبذلك أقول.
(2/244)
انتهى. ولأنها
أجزاء تنفصل منها حال السلامة، أشبهت الريق
والعرق ونحوهما. والروح ليست عضوا ولا شيئا
يستمتع به، ولأنها تزول عن الجسد في حال
سلامته، وهي حال النوم. وقال أبو الخطاب: يقع
بإضافته إلى روحها ودمها، لأن دمها من
أجزائها، وروحها بها قوامها.
(2/245)
فصل وإذا قال أنت طالق لا بل أنت طالق فواحدة:
نص عليه. لأنه صرح بنفي الأولى، ثم أثبته بعد
نفيه. فالمثبت: هو المنفي بعينه، وهو: الطلقة
الأولى، فلا يقع به أخرى. قاله ابن رجب في
القواعد.
"وإن قال: أنت طالق، طالق، طالق: فواحدة" لعدم
ما يقتضي المغايرة، فيقع ما نواه، لأن لفظه
يحتمله.
"وأنت طالق، أنت طالق: وقع ثنتان" في مدخول
بها، لأن اللفظ للإيقاع، فيقتضي الوقوع، كما
لو لم يتقدمه مثله.
"إلا أن ينوي تأكيدا متصلا أو إفهاما" لها
لانصرافه عن الإيقاع بنية ذلك، وغير المدخول
بها تبين بالأولى، نوى بالثانية الإيقاع أو
لا، متصلا أو لا. روي ذلك عن: علي وزيد بن
ثابت وابن مسعود.
"وأنت طالق، فطالق، أو: ثم طالق: فثنتان في
المدخول بها" لأن حروف العطف تقتضي المغايرة.
"وتبين غيرها بالأولى" فلا يلزمها ما بعدها.
لأنها تصير بالبينونة الأجنبية.
(2/245)
"و: أنت طالق،
وطالق، وطالق: فثلاث معا، ولو غير مدخول بها"
لأن الواو تقتضي الجمع، ولا ترتيب فيها.
(2/246)
فصل يصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات
وطلقات
...
فصل ويصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات
وطلقات:
نص عليه، لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى
غير مراد بالأول فصح، كقول الخليل عليه السلام
{إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ *
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} 1 وقوله تعالى:
{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا
خَمْسِينَ عَاما} 2
"فلو قال: أنت طالق ثلاثا، إلا واحدة طلقت
ثنين" لما سبق.
"و: أنت طالق أربعا، إلا ثنتين: يقع ثنتان"
لصحة استثناء النصف.
"و" إن قال:
"و: أنت طالق أربعا، إلا ثنتين: يقع ثنتان"
لأنهما نصف الأربع.
"وشرط في الاستثناء اتصال معتاد" لأن غير
المتصل يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا
وقع لا يمكن رفعه، بخلاف المتصل، فإن الاتصال
يجعل اللفظ جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل
تمامها. ويكون الاتصال إما،
"لفظا" بأن يأتي به متواليا
"أو حكما : كانقطاعه بعطاس ونحوه" كسعال،
وتنفس، وشرط نيته
ـــــــ
1 الزخرف من الآية/ 26-27.
2 العنكبوت من الآية/ 14.
(2/246)
قبل تمام ما
استثنى منه، وكذا شرط متأخر، كـ: أنت طالق إن
قمت، لأنها صوارف للفظ عن مقتضاه، فوجب
مقارنتها لفظا ونية.
(2/247)
فصل في طلاق الزمن:
الماضي والمستقبل.
"إذا قال: أنت طالق أمس، أو: قبل أن أتزوجك،
ونوى وقوعه" .
"إذا: وقع" في الحال لإقراره على نفسه بما هو
أغلظ في حقه.
"وإلا" ينو وقوعه الآن
"فلا" أي: فلا يقع الطلاق. نص عليه، لأنه
أضافه إلى زمن يستحيل وقوعه فيه، لأن الطلاق
رفع للاستباحة، ولا يمكن رفعها في الماضي.
"و: أنت طالق اليوم إذا جاء غد: فلغو" لا يقع
به شيء. قاله في المجرد، لأنه لا يقع في
اليوم، لعدم الشرط، وإذا جاء غد لم يمكن
الطلاق في اليوم، لأنه زمن ماض. وقال القاضي:
في موضع يقع في الحال، لأنه علقه بشرط محال
فلغا شرطه، ووقع الطلاق.
"و: أنت طالق غدا، أو يوم كذا وقع بأولهما "
أي: طلوع فجره فإذا وجد ما يكون ظرفا له منها
وقع، لصلاحية كل جزء منه لوقوع الطلاق فيه،
ولا مقتضي لتأخيره عن أوله.
"ولا يقبل حكما إن قال: أردت آخرهما" لأن لفظه
لا يحتمله.
"و: أنت طالق في غد، أو في رجب: يقع بأولهما"
لما تقدم. وأول الشهر: غروب الشمس من آخر
الشهر الذي قبله.
(2/247)
"فإن قال: أردت
آخرهما: قبل حكما" لأن آخر هذه الأوقات منها
كأولها، فإرادته لذلك لا تخالف ظاهر لفظه.
"وأنت طالق كل يوم: فواحدة" كـ: أنت طالق
اليوم وغدا وبعد غد، لأنه إذا طلقت اليوم كانت
طالقا غدا وبعده.
"وأنت طالق في كل يوم فتطلق" ثلاثا،
"في كل يوم واحدة" إن كانت مدخولا بها، وإلا
بانت بالأولى، فلا يلحقها ما بعدها.
"و: أنت طالق إذا مضى شهر: فبمضي ثلاثين يوما،
وإذا مضى الشهر فبمضيه" لأن أل للعهد الحضوري.
"وكذلك إذا مضى سنة" فتطلق بانقضاء اثني عشر
شهرا، لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ
عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا} 1. أي:
شهور السنة وتعتبر بالأهلة. ويكمل ما حلف في
أثنائه بالعدد.
"أو السنة" أي: إذا قال: أنت طالق إذا مضت
السنة: فتطلق بانسلاخ ذي الحجة، لأن أل للعهد
الحضوري.
ـــــــ
1 التوبة من الآية/ 36.
(2/248)
باب تعليق الطلاق
مدخل
...
باب تعليق الطلاق:
بالشروط: بإن، أو إحدى أخواتها. لا يصح
التعليق إلا من زوج، فلو قال: إن تزوجت امرأة
أو فلانة فهي طالق: لم يقع بتزويجها في قول
أكثر أهل العلم. وروي عن ابن عباس، ورواه
الترمذي عن علي وجابر بن عبد الله لقوله
تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ
ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ...} 1.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "لا
نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا
يملك، ولا طلاق فيما لا يملك" . رواه أحمد
وأبو داود والترمذي وحسنه. وعن المسور بن
مخرمة مرفوعا: "لا طلاق قبل نكاح ولا عتاق قبل
ملك" رواه ابن ماجه. وقال أبو بكر: لا يختلف
قول أبي عبد الله: إن الطلاق إذا وقع قبل
النكاح أنه لا يقع. ذكره في الكافي.
"إذا علق الطلاق على وجود فعل مستحيل كـ: إن
صعدت السماء فأنت طالق: لم تطلق" وكذا: إن
طرت، أو: قلبت الحجر ذهبا، أو شاء الميت أو
البهيمة، لأن ذلك مستحيل عادة، أي: لا يتصور
في العادة وجوده.
"وإن علقه على عدم وجوده كـ: إن لم تصعدي إلى
السماء فأنت طالق: طلقت في الحال" لأنه علقه
على عدم فعل المستحيل، وعدمه معلوم في الحال،
وما بعده.
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 49.
(2/249)
"وإن علقه على
غير المستحيل" كـ: إن لم أشتر من زيد عبده
فأنت طالق:
"لم تطلق إلا باليأس مما علق عليه الطلاق"
وهو: موت العبد، أو عتقه.
"ما لم يكن هناك نية، أو قرينة تدل على الفور،
أو يقيد بزمن" كقوله: اليوم، أو: في هذا
الشهر.
"فيعمل بذلك" أي: بالنية، أو القرينة، أو
التقييد.
"ويصح التعليق مع تقدم الشرط وتأخره، كـ: إن
قمت فأنت طالق، أو: أنت طالق إن قمت. ويشترط
لصحة التعليق أن ينويه قبل فراغ التلفظ
بالطلاق" فلو طلق غير ناو التعليق، ثم عرض له
فقال: إن قمت، لم ينفعه التعليق، ووقع الطلاق،
لأن الطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه.
"وأن يكون متصلا لفظا أو حكما، فلا يضر لو عطس
ونحوه، أو قطعه بكلام منتظم، كـ، أنت طالق -
يا زانية - إن قمت. ويضر إن قطعه بسكوت" بين
شرط وجوابه سكوتا، يمكنه كلام فيه ولو قل.
"وكلام غير منتظم كقوله: سبحان الله وتطلق في
الحال" لقطع التعليق، ولأن غير المتصل يقتضي
رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع لا يمكن
رفعه، بخلاف المتصل، فإن الإتصال يجعل الكلام
جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها.
(2/250)
فصل في مسائل متفرقة:
"إذا قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق: فأذن
لها، ولم يعلم" فخرجت طلقت، لأن الإذن هو
الإعلام: ولم يعلمها،
"أو علمت وخرجت، ثم خرجت ثانيا بلا إذنه طلقت"
لوجود الصفة وهي: خروجها بلا إذنه.
"ما لم يأذن لها في الخروج كلما شاءت" فلا
يحنث بخروجها بعد ذلك. نص عليه، لوجود الإذن
ما لم يجدد حلفا أو ينهاها.
"وإن خرجت بغير إذن فلان فأنت طالق فمات،
وخرجت: لم تطلق" على الصحيح من المذهب. قاله
في الإنصاف.
"وإن خرجت إلى غير الحمام" بغير إذني.
"فأنت طالق، فخرجت له، ثم بدا لها غيره: طلقت"
لأن ظاهر يمينه منعها من غير الحمام، فكيفما
صارت إليه حنث، وقد صدق عليها أنها خرجت إلى
غير الحمام، كما لو خالفت لفظه.
"وزوجتي طالق أو عبدي حر إن شاء الله، أو إلا
أن يشاء الله" أو إن لم يشأ الله، أو لم يشأ
الله:
"لم تنفعه المشيئة شيئا، ووقع" الطلاق
والعتاق. نص عليه، وذكر قول قتادة: قد شاء
الله الطلاق حين أذن فيه. وقال ابن عباس إذا
قال الرجل لامرأته: أنت طالق، إن شاء الله:
فهي طالق ولأنه
(2/251)
تعليق على ما
لا سبيل إلى علمه فبطل، كما لو علقه على شيء
من المستحيلات، ولأنه استثناء يرفع حملة
الطلاق حالا ومآلا، فلم يصح كاستثناء الكل.
"وإن قال: إن شاء فلان: فتعليق لم يقع إلا أن
يشاء" فلان.
"وإن قال: إلا أن يشاء: فموقوف، فإن أبى
المشيئة، أو جن أو مات: وقع الطلاق إذا" لأنه
أوقع الطلاق، وعلق رفعه بشرط، ولم يوجد.
"و: أنت طالق إن رأيت الهلال عينا، فرأته في
أول" ليلة،
"أو ثاني" ليلة،
"أو ثالث ليلة: وقع" الطلاق، لأنه هلال.
"و" إن رأته
"بعدها" أي: بعد الثالثة:
"لم يقع" الطلاق، لأنه يقمر بعد الثالثة، فلم
يحنث برؤيتها له، ما لم يكن نية.
"و: أنت طالق إن فعلت كذا، أو فعلت أنا كذا،
ففعلته أو فعله مكرها" لم يقع. نص عليه، لعدم
إضافة الفعل إليه.
"أو مجنونا، أو مغمى عليه، أو نائما، لم يقع"
الطلاق، لأنه مغطى على عقله، لحديث: "رفع
القلم عن ثلاثة" . وتقدم.
"وإن فعلته أو فعله ناسيا" لحلفه،
"أو جاهلا" أنه المحلوف عليه، أو جاهلا الحنث
به:
"وقع" الطلاق، لأنه معلق بشرط، وقد وجد، ولأنه
تعلق به حق آدمي، فاستوى فيه العمد والنسيان
والخطأ، كالإتلاف، بخلاف اليمين
(2/252)
المكفرة، فلا
يحنث فيها نصا، لأنه محض حق الله، فيدخل في
حديث: "عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان" .
"وعكسه مثله، كـ: إن لم تفعلي كذا، أو إن لم
أفعل كذا فلم تفعله أو لم يفعله هو" ناسيا أو
غيره على التفصيل السابق، ويكون على التراخي،
لأن "إن" حرف يقتضي التراخي، إذا لم ينو وقتا
بعينه: فلا يقع الطلاق إلا في آخر أوقات
الإمكان، وذلك في آخر جزء من حياة أحدهما. قال
في شرح العمدة: لا نعلم في هذا خلافا.
(2/253)
فصل في الشك في الطلاق:
"ولا يقع الطلاق بالشك فيه، أو فيما علق عليه"
لأن النكاح متيقن فلا يزول بالشك، ولأنه شك
طرأعلى يقين، فلا يزيله، كالمتطهر يشك في
الحدث، ولحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"
قال الموفق: والورع التزام الطلاق، لحديث: "من
اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" . وندب
قطع شك برجعته إن كان الطلاق رجعيا خروجا من
الخلاف، أو بعقد جديد إن أمكن ليتيقن الحل
وإلا فبفرقة متيقنة لئلا تبقى معلقة.
"فمن حلف لا يأكل تمرة مثلا، فاشتبهت بغيرها،
وأكل الجميع إلا واحدة: لم يحنث" لاحتمال أن
تكون المحلوف على عدم أكلها، ويقين النكاح
ثابت فلا يزول بالشك.
"ومن شك في عدد ما طلق بنى على اليقين، وهو
الأقل" نص عليه، لما سبق.
(2/253)
"ومن أوقع
بزوجته كلمة، وشك هل هي طلاق أو ظهار: لم
يلزمه شيء" لأن الأصل عدمهما، ولم يتيقن
أحدهما.
(2/254)
باب الرجعة
مدخل
...
باب الرجعة:
"وهي: إعادة زوجته المطلقة" طلاقا غير بائن.
"إلى ما كانت عليه" قبل الطلاق.
"بغير عقد" ولا تفتقر الرجعة إلى ولي، ولا
صداق، ولا رضى المرأة ولا علمها إجماعا. ذكره
في الشرح وغيره لقوله تعالى:
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي
ذَلِكَ} 1. وقوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ} 2. وحديث ابن عمر حين طلق
امرأته، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم "مره
فليراجعها" متفق عليه. وطلق النبي، صلى الله
عليه وسلم حفصة، ثم راجعها رواه أبو داود
والنسائي وابن ماجه. وقال ابن المنذر: أجمع
أهل العلم على أن الحر إذا طلق دون الثلاث،
والعبد دون الاثنتين: أن لهما الرجعة في
العدة.
"من شرطها:"
"1- أن يكون الطلاق غير بائن"
فإن كان بعوض فلا رجعة، لأنه إنما جعل لتفتدي
به المرأة من الزوج، ولا يحصل ذلك مع ثبوت
الرجعة، بل يعتبر عقد بشروطه.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 228.
2 البقرة من الآية/ 229.
(2/254)
"2- وأن تكون
في العدة" لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ
أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1. وإن طلق
قبل الدخول فلا رجعة، لأنه لا عدة عليها، ولا
تربص في حقها يرتجعها فيه.
"وتصح الرجعة بعد انقطاع دم الحيضة الثالثة
حيث لم تغتسل" نص عليه. وروي عن عمر وعلي وابن
مسعود، لوجود أثر الحيض المانع للزواج من
الوطء، وتنقطع بقية الأحكام من التوارث،
والطلاق، واللعان، والنفقة، وغيرها بانقطاع
الدم.
"وتصح قبل وضع ولد متأخر" إن كانت حاملا بعدد
لبقاء العدة.
"وألفاظها: راجعتها ورجعتها، وارتجعتها
وأمسكتها، ورددتها، ونحوه" كأعدتها، لورود
السنة بلفظ الرجعة في حديث ابن عمر، واشتهر
هذا الاسم فيها عرفا، وورد الكتاب بلفظ الرد
في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1. وبلفظ الإمساك في
قوله: {... فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ...}
2. وقوله: {... فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ...}
3.
"ولا تشترط هذه الألفاظ، بل تحصل رجعتها
بوطئها" في ظاهر المذهب، لأنها زوجة يلحقها
الطلاق والظهار والإيلاء، ويرث أحدهما صاحبه
إن مات إجماعا، فالوطء دليل على رغبته فيها.
واختار الشيخ تقي الدين: أن الوطء رجعة مع
النية. وعن أحمد: لا تحصل الرجعة
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 228.
2 البقرة من الآية/ 231.
3 البقرة من الآية/ 229.
(2/255)
إلا بالقول،
وهو ظاهر كلام الخرقي، لقوله تعالى: {...
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ...} 1.
ولا يحصل الإشهاد إلا على القول. "وسئل عمران
بن حصين عن الرجل يطلق امرأته، ثم يقع بها،
ولم يشهد على طلاقها، ولا على رجعتها فقال:
طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أشهد على
طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد" رواه أبو داود.
فعلى هذه الرواية تبطل الرجعة إن أوصى الشهود
بكتمانها. نص عليه، لما روى أبو بكر في الشافي
بسنده إلى خلاس، قال طلق رجل امرأته علانية،
وراجعها سرا، وأمر الشاهدين بكتمانها - أي:
الرجعة - فاختصموا إلى علي، فجلد الشاهدين،
واتهمهما، ولم يجعل له عليها رجعة.
"لا بنكحتها، أو تزوجتها" لأنه كناية، والرجعة
استباحة بضع مقصود، فلا تحصل بكناية، كالنكاح،
وفيه وجه تصح الرجعة به، اختاره ابن حامد، لأن
الأجنبية تحل به، فالزوجة أولى. قدمه في
الكافي.
"ومتى اغتسلت من الحيضة الثالثة، ولم يرتجعها
بانت، ولم تحل له إلا بعقد جديد" مستكمل
للشروط إجماعا، لمفهوم قوله تعالى: {...
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي
ذَلِكَ} 2. أي: في العدة.
"وتعود" الرجعية إذا راجعها، والبائن إذا
نكحها.
"على ما بقي من طلاقها" ولو بعد وطء زوج آخر
في قول أكابر الصحابة، منهم: عمر وعلي وأبي
ومعاذ وعمران بن حصين وأبو هريرة وزيد وعبد
الله بن عمرو، رضي الله عنهم، لأن وطء الثاني
لا يحتاج
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 2.
2 البقرة من الآية/228.
(2/256)
إليه في
الإحلال للزوج الأول، فلا يغير حكم الطلاق.
وعنه: ترجع بالثلاث بعد زوج، وهو قول: ابن عمر
وابن عباس، وأبي حنيفة. ذكره في الشرح.
(2/257)
فصل وإذا طلق الحر ثلاثا:
"أو طلق العبد ثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجا
غيره نكاحا صحيحا" لقوله تعالى: {... فَإِنْ
طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ
حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1. بعد
قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 2. قال ابن
عباس: كان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق
برجعتها، وإن طلقها ثلاثا، فنسخ ذلك قوله
تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 2. إلى قوله:
{...فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ
بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1
رواه أبو داود والنسائي.
"ويطأها في قبلها مع الانتشار" لقوله، صلى
الله عليه وسلم، لامرأة رفاعة "أتريدين أن
ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق
عسيلتك" متفق عليه. وعن ابن عمر سئل النبي صلى
الله عليه وسلم، عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا
فيتزوجها آخر، فيغلق الباب، ويرخي الستر، ثم
يطلقها قبل أن يدخل بها: هل تحل للأول؟ قال:
"حتى تذوق العسيلة" رواه أحمد والنسائي، وقال
"حتى يجامعها الأخر" . وعن عائشة مرفوعا:
"العسيلة: هي الجماع" . رواه أحمد والنسائي.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 230.
2 البقرة من الآية/ 229.
(2/257)
"ولو مجنونا،
أو نائما، أو مغمى عليه، وأدخلت ذكره في
فرجها" مع انتشاره، لوجود حقيقة الوطء من زوج،
أشبه حال إفاقته.
"أو لم يبلغ عشرا أو لم ينزل" لما تقدم،
ولعموم قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا
غَيْرَهُ} 1.
"ويكفي تغييب الحشفة، أو قدرها من مجبوب"
الحشفة.
"ويحصل التحليل بذلك" لحصول ذوق العسيلة به،
ولأنه جماع يوجب الغسل، ويفسد الحج، أشبه
تغييب الذكر.
"ما لم يكن وطؤها في حال الحيض، أو النفاس، أو
الإحرام، أو في صوم الفرض" فلا تحل، لأنه وطء
حرم لحق الله تعالى فلم يحلها، كوطء المرتدة.
قال في الكافي: وظاهر النص أنه يحلها، لدخوله
في العموم، ولأنه وطء تام في نكاح صحيح تام
فأحلها، كما لو كان التحريم لحق آدمي مثل أن
يطأ مريضة تتضرر بوطئه، فإنه لا خلاف في حلها
به. انتهى. ولا تحل بوطء دبر أو شبهة، أو وطء
في ملك يمين، أو في نكاح فاسد أو باطل، لقوله
تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1.
والنكاح المطلق في الكتاب والسنة: إنما يحمل
على الصحيح.
"فلو طلقها الثاني، وادعت أنه وطئها وكذبها،
فالقول قوله في تنصف المهر" إن لم يخل بها فإن
خلا بها تقرر المهر، وإن لم يدخل للحديث.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 230.
(2/258)
"وقولها في
إباحتها للأول" لأنها لا تدعي عليه حقا.
ولأنها مؤتمنة على نفسها، وعلى ما أخبرت به عن
نفسها، ولا سبيل إلى معرفة ذلك حقيقة إلا من
جهتها، كإخبارها بانقضاء عدتها. ولمطلقها
ثلاثا نكاحها إن غلب على ظنه صدقها.
(2/259)
|