تعليقات
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة باب بيع الثمار
القارئ: لا يجوز بيع الثمر والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى
ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها)
متفق عليه وفي لفظ (نهى عن بيع الثمار حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض
ويأمن من العاهة) رواه مسلم ولأن في بيعه ضرر من غير حاجة فلم يجز كما لو
شرط التبقية فإن باعها بشرط القطع جاز لأنه يأخذها قبل تلفها فيأمن الغرر
وإن باعها لمالك الأصل ففيه وجهان أحدهما يصح لأنها تحصل لمالك الأصل فجاز
كما لو باعهما معاً والثاني لا يصح لأنه أفردها بالعقد أشبه ما لو باعها
لغيره وإنما يصح إذا باعهما لأنها تدخل تبعاً كالحمل مع أمه وإذا بدا
الصلاح جاز بيعها بشرط القطع ومطلقاً وبشرط التبقية للخبر ولأنه أمن العاهة
فجاز بيعه كسائر الأموال.
الشيخ: بيع ثمر النخل والزرع لا يجوز إلا
إذا صلح للأكل والجني فإذا باعها قبل بدو صلاحه فالبيع باطل إلا إذا شرط
القطع لأنه إذا شرط القطع أنتفع بها في الحال وأمن من العاهة ولكن يشترط مع
ذلك إذا شرط قطعها في الحال أن ينتفع بها بعد القطع فإن كانت ثمرة لو قطعت
قبل بدو صلاحها لم تصلح لا لأكل البهائم ولا لأكل الآوادم فإنه يجوز بيعها
ولو بشرط القطع لأن بيعها حينئذ يكون إضاعة للمال فقوله (من غير شرط القطع)
يجب أن يضاف إليه شرط آخر وهو أن ينتفع بها بعد القطع مثال ذلك الآن النخل
عندنا لم يبدو صلاحه في هذا الوقت مثلاً فلو باع الثمرة الآن لا يجوز إلا
إذا شرط القطع فإذا شرط القطع فلا بأس لكن ننظر هل إذا قطعها هل ينتفع بها
إن قيل نعم ينتفع بها تأكلها البهائم صح وإن قيل لا لا تأكلها ولا البهائم
في هذا الوقت فإنه لا يصح لما فيه من إضاعة المال وكذلك الزرع إذا كان في
سنبله لم يشتد بعد فإذا باع الزرع في هذه الحال قلنا لا يصح إلا إذا شرط
جزه الآن وهو مما ينتفع به فلا بأس ويكون جزه على أنه علف أما إذا بدأ
الصلاح فله أن يبيعه بشرط القطع في الحال ومطلقاً وبشرط التبقية
فعندنا الآن ثلاثة صور الصورة الأولى أن يبيعه ويشترط جزه في الحال بعد بدو
الصلاح الآن الصورة الثانية أن يبيعه ويشترط المشتري التبقية، الصورة
الثالثة أن يبيعه ولا يشترط الإبقاء ولا القطع كل الصور الثلاث تصح فإن قال
قائل ما الفائدة من شروط القطع؟ نقول نعم لأن البائع ربما يشترط القطع على
المشتري للتخفيف عن النخلة مثلاً أو من أجل أن يخلي الأرض من الزرع ليزرعها
مرة أخرى أو بزرع آخر إذاً نقول بيع الثمار قبل بدو الصلاح لا يصح إلا في
صورة واحدة بشرط القطع في الحال إن نفع وبيعها بعد بدو الصلاح جائز في
الصور الثلاث.
السائل: لوباع أرضاً أو داراً وفيها كنز من
ذهب أو نحوه وانتقلت إلى ملك المشتري ثم هذا المشتري جاء ليزرعها أو
ليعمرها فخرج فيها هذا الكنز فهو لمن؟
الشيخ: هل الكنز مودع أو بأصل الخلقة.
السائل: الظاهر أنه مودع.
الشيخ: إذا كان مودع فيكون لمن وجده.
السائل: لو أن العامل الذي يحفر أو يزرع أو يبني هو الذي وجده فهل يكون له؟
الشيخ: نعم يكون للعامل إلا إذا كان العامل قد أستأجر لحفره فهو للمالك.
فصل
القارئ: وبدو الصلاح في ثمرة النخل أن يحمر أو يصفر وفي العنب أن يسود أو
يتموه وفي الحب أن يشتد أو يبيض وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج أو يطيب
أكله لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب)
متفق عليه ونهى عن بيع الثمرة حتى تزهو قيل وما تزهو قال تحمار أو تصفار
ونهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى يسود رواه الترمذي.
الشيخ: بدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو صفر لأن ثمر النخل إما أن يكون
أحمر وإما أن يكون أصفر ويوجد نخل يبقى أخضر لكنه يتبين صلاحه بكونه يحلولي
ويكون أهش من قبل فهذا علامة صلاحه والعنب أن يسود وهل كل عنب يسود لا؟
ولهذا قال (أو يتموه) يعني يلين حتى يكثر فيه الماء وبعضهم عبر بقوله (حتى
يطيب أكله) وهذا أحسن وأبين فالعنب لا يباع إلا إذا طاب أكله على أي لون
كان وعلى أي قساوة كان والدليل ذكره المؤلف رحمه الله وفي الحديث قيل (وما
تزهو) والاستفهام عن الفعل لا يرد ولهذا لابد أن يقدر وما معنى تزهو لأن
نفس الفعل الصيغة ما يستفهم عنها وإنما يستفهم عن المعنى وعليه فنقول ما
اسم استفهام مبتدأ والخبر محذوف والتقدير وما معنى تزهو قال (تحمار أو
تصفار) قوله (تحمار
أو تصفار) هل المعنى تميل إلى الحمرة أو الصفرة أو يكمل فيها الحمرة أو
الصفرة؟ الثاني أولى لقوله في الحديث الثاني (أن يحمر أو يصفر) أي إذا تبين
أنها حمراء أو صفراء.
القارئ: وإذا بدا الصلاح في نوع جاز بيع ما
في البستان منه وعنه لا يباع إلا ما بدا صلاحه للخبر والأول أظهر لأن ذلك
يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة.
الشيخ: رحمه الله هذا غريب كيف نعلل بالخبر ثم نقول الأول أظهر ثم نعلل
بعلة غير صالحة فالصواب أنه إذا باع النوع جميعاً كفى بدو الصلاح في واحدة
منه وإذا أراد أن يبيعه على انفراد فلابد أن يكون الصلاح في كل واحدة لأن
كل صفقة منفردة عن الأخرى وإذا باعه جميعاً قلنا أنه إذا بدا الصلاح في
واحدة من هذا النوع جاز بيع جميع النوع إذا باعه جميعاً مثل أن يبيع السكري
جميعاً والسكري خمسين نخلة مثلاً وليس فيه إلا واحدة فقط مصفرة فإنه يجوز
بيعها لأنها صفقة واحدة في نوع واحد أما إذا أراد أن يبيع جميع ثمر البستان
ولم يوجد شيء بدا فيه الصلاح إلا السكري وبقية الأنواع كالبرحي وأم خشب وأم
الحمام لم يبد فيها الصلاح فعلى كلام المؤلف أنه يجوز والصواب أنه لا يجوز
لأن هذا مختلف فهذا نوع مستقل وهذا نوع مستقل ولذلك يقول رحمه الله (وعنه
لا يباع إلا ما بدا صلاحه للخبر) وهذا هو الصواب وأما قوله (والأول أظهر
لأن ذلك يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة) فيقال ليس هناك ضرر ولا
مشقة ولا سوء مشاركة لأن السكري واضح والأنواع الأخرى واضحة فأين المشاركة
كل يأتي إلى نخله ويأخذه فالصواب ما دل عليه الحديث ولهذا نقول أنه إذا باع
الثمر فإن باع كل نخلة وحدها فلابد أن يبدو الصلاح في كل نخلة وإن باعه
جميعاً اكتفينا من كل نوع بواحدة وإن باعه أنواعاً فكذلك.
فصل
القارئ: وبدو الصلاح في ثمرة النخل أن يحمر أو يصفر وفي العنب أن يسود أو
يتموه وفي الحب أن يشتد أو يبيض وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج أو يطيب
أكله لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب)
متفق عليه.
الشيخ: سبق لنا أن مثل هذا التعبير لا
ينبغي في الأحاديث الصحيحة (روي) مع أنه متفق عليه الذي ينبغي أن يجعل
بدلها وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن هذا من باب التساهل ولعل العذر
للمؤلف ومن سلك مسلكه أنه ذكر أنه متفق عليه فيزول توهم الضعف.
القارئ: ونهى عن بيع الثمرة حتى تزهو قيل وما تزهو قال تحمار أو تصفار ونهى
عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى يسود رواه الترمذي وإذا بدا الصلاح
في نوع جاز بيع ما في
البستان منه وعنه لا يباع إلا ما بدا صلاحه للخبر والأول أظهر لأن ذلك يؤدي
إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة.
الشيخ: سبحان الله كيف يقال للخبر ثم يقال الأول أظهر وهذا معناه أن مخالفة
الخبر هي الأظهر فالتعبير فيه نظر والصواب ما دل عليه الخبر فإذا باع
الثمرة أفراداً بأن باع كل شجرة وحدها فلابد أن يبدو الصلاح في كل شجرة
مثلاً إنسان عنده عشرون نخلة عشرة منها قد بدا صلاحها وعشرة لم يبد نقول
إذا باع كل واحدة لوحدها صار كل بيعة صفقة مستقلة فلابد أن يكون في كل نخلة
باعها بدو الصلاح ولا يمكن أن يخالف الخبر وهو صريح في هذه المسألة وقول
المؤلف إن هذا أي لو أننا قلنا إنه لابد من بدو الصلاح للجميع فهذا يؤدي
إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة نقول الحمد لله من قال لابد من المشاركة
يقال الذي لم يبدو صلاحه لا يباع ويكون لصاحب الأصل حتى يبدو صلاحه.
القارئ: وفي سائر الجنس وجهان مضى توجيههما في التأبير ولا يختلف المذهب أن
بدو الصلاح في بعض الشجرة صلاح لجميعها.
الشيخ: هذا لا شك أن صلاح الثمرة في بعض
الشجرة صلاح لجميع ثمرها فمثلاً هذه نخلة فيها خمسة أعذق الصلاح في عذق
منها والبقية خضراء لم تحمر ولم تصفر فهل يبيع هذه الشجرة جميعاً أو نقول
بع واحدة من هذه الأعذق والباقي لا تبيعه؟ الجواب الأول وهذا هو الذي فيه
المشقة لو قلنا أنه لابد أن يبدو الصلاح في جميع أعذقها لكان هذا مشقة
عظيمة إذاً إذا بدا الصلاح في بعض الشجرة الواحدة فهو بدو لها جميعاً أما
في شجرات أخرى ولم يبدو في شجرة فهذه لا تباع حتى يبدو صلاحها لكن لو باعها
جميعا وكانت من الأجناس متعددة فإننا نقول الجنس كالشجرة الواحدة إذا بدا
الصلاح في جنس فهو بادي في جميع الجنس مثال ذلك رجل عنده بستان فيه نخل
متعدد الأنواع مثلاً سكري وبرحي وشقر وأم الحمام أربعة أصناف فإذا باعه
جميعاً ووجدنا في واحدة من البرحي قد بدا صلاحه والبقية لم يبد وواحدة من
السكري بدا صلاحها صلاحها والبقية لم يبد وواحدة من الشقر بدا صلاحها
والبقية لم يبد وواحدة من أم الحمام بدا صلاحها والبقية لم يبد فإذا باعها
جميعاً نقول لا بأس لأن هذا نوع واحد وقد بدا صلاح شجرة واحدة منه والصفقة
واحدة فيصح.
القارئ: ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض الشجرة صلاح لجميعها وأن
بدو صلاح جنس ليس بصلاح لجنس آخر لأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة فإن بدا
صلاح ثمرة بستان لم يكن صلاحاً لثمرة غيره وعنه يكون صلاحاً فيما قاربه
لأنهما يتقاربان في الإدراك والمذهب الأول.
الشيخ: هل فيما قاربه مكاناً أو فيما قاربه جنساً ونوعاً؟ الجواب الظاهر
المعنيان أي جنساً ومكاناً وذلك لأن بعض النخل معروف يتأخر بدو الصلاح فيه
ومعروف أيضاً أن المناطق تختلف الآن نحن هنا في الجزيرة
العربية الجنوب يبدو صلاحه قبل الوسط والوسط قبل الشمال مع أن الجنس والنوع
واحد وعلى هذا فيكون قول المؤلف رحمه الله (فيما قاربه) أي مكاناً ونوعاً.
القارئ: والمذهب الأول لأنه يفضي إلى سوء
المشاركة وإن بدا الصلاح في ثمرة بستان فأفرد بالبيع ما لم يبد صلاحه لم
يجز لأن لم يبد صلاح شيء من المبيع أشبه البستان الآخر وفيه وجه آخر أنه
يجوز لأنه يجوز بيعه مع غيره فجاز منفرداً كالذي بدا صلاحه.
الشيخ: هذا تعليل عليل يقول (لأنه يجوز بيعه مع غيره) فالجواب نعم يجوز
بيعه مع غيره تبعاً ويثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً أما إذا صار مستقلاً
فإنه لا يجوز.
السائل: ما معنى سوء المشاركة؟
الشيخ: سوء المشاركة أي مشاركة البائع والمشتري إذا قلنا يصح فيما بدا
صلاحه دون ما لم يبدو صارا شريكين في الثمرة ويحصل النزاع بينهما.
فصل
القارئ: وإذا ابتاع ثمراً أو زرعاً بعد صلاحه لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد
والجذاذ لأن ذلك العادة في نقله فحمل البيع عليه لما ذكرنا في الثمر المؤبر
وإن احتاجت إلى سقي لزم البائع سقيها لأن عليه تسليمها في أوان حصادها ولا
يحصل إلا بالسقي فلزمه بخلاف ثمرة البائع وإن تلفت بجائحة من السماء رجع
على البائع لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بوضع الجوائح)
وفي لفظ قال (إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه
شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حقك) رواهما مسلم ولأنها تأخذ حالاً فحالاً
فكانت من ضمان البائع كالمنافع في الإجارة.
الشيخ: إذا أشترى ثمراً أو زرعاً بعد صلاحه
فإنه لا يلزم بقطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ ولكن إذا جاء أوان الجذاذ
والحصاد وقال المشتري أريد أن يبقى الثمر حتى يتحرك السوق وتزداد القيمة
وقال البائع صاحب الشجرة بل جذه أو أحصده فإنه يلزم المشتري بحصاده أو
جذاذه لأنه ليس له حق الانتفاع بالأرض في مسألة الزرع ولا حق الانتفاع
بالشجرة في مسألة الثمرة إلا بقدر الحاجة فقط لأنه ملك غيره ولذلك لو تلفت
هذه الثمرة بعد أوان الجذاذ أو الحصاد فضمانها على المشتري. (1)
السائل: لو اشترط البائع عدم الضمان إذا تلف الثمر بجائحة ونحوه فهل له
ذلك؟
__________
(1) تنبيه: ذكر أحد الطلبة زيادة على النسخة المطبوعة بعد قوله بخلاف ثمرة
البائع فقال: (المؤبرة على أصول المشتري لا يلزمه سقيها لأنه لا يلزمه
تسليمها وإن تلفت بجائحة من السماء فهي من ضمان البائع)، فعلق الشيخ (يحتمل
أن هذا أصل ويحتمل أن يكون حاشية لأن المعنى بخلاف ثمرة البائع يريد به
رحمه = الله أنه إذا باع الإنسان ثمراً قد أوبر فالثمرة للبائع فهل يلزم
المشتري أن يسقيها؟ لا وذلك لأن البائع لم يملكها من قِبَله بل ملكها لأنه
أبرها فليس ملكاً جديداً بل هو مستمر ولو تلفت هذه الثمرة فإنه لا يضمنها
المشتري).
الشيخ: لعله سيذكره المؤلف لكن على كل حال
لو أن البائع خاف أن يفسد الثمر الذي باعه وقال للمشتري لا أضمن لك نقص
الثمرة إذا تلفت بجائحة أو نقصت فإن هذا الشرط باطل (كل شرط ليس في كتاب
الله باطل وإن كان مائة شرط) لكن لو فرض أن فيها العيب الآن موجود وقال
البائع اشترط عليك أنك لا ترجع علي بهذا العيب فهنا له الشرط فلو زاد العيب
فلا شيء للمشتري أما لو عابت بشيء آخر أو تلفت بشيء آخر فعليه الضمان فلو
شرط ألا ضمان عليه الثمرة الآن ليس فيها عيب قلنا هذا الشرط لا يصح لأنه
مخالف للحديث ولأنه ميسر لأنه إذا قيل إذا أصابها شيء فهي ترجع فإن الثمن
سوف ينقص ثم إن لم يصيبها شيء صار المشتري غانماً وإن أصابها شيء صار
بالعكس فهو ميسر.
القارئ: والجائحة مالا صنع لآدمي فيها.
الشيخ: هذه الجائحة تعرفيها مالا صنع لآدمي فيها مثل أن تتلف بشدة الحر أو
تتلف بالرياح أو تتلف بالأمطار أو ببرد ينزل من السماء ويلحق بها ما أتلفه
اللصوص الذين لا يمكن تضمينهم كما لو عدى قوم على قرية وأتلفوا ثمارها
فأخذوها فهذا مثل الجائحة لأنه لا يمكن تضمينهم وأما إذا كان المتلف آدمي
معيناً فذكره المؤلف.
القارئ: فإن أتلفها آدمي فللمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين
الإمساك ومطالبة المتلف بالقيمة.
الشيخ: أيهما أحسن أن يفسخ ويرجع بالثمن أو
يمضي البيع ويطالب المتلف؟ إن قلتم الفسخ فهو خطأ إن قلتم الإمضاء وهو
مطالبة المتلف فهو خطأ لأنه إذا كان الثمن أكثر من القيمة فأيهما أحسن له؟
الجواب الفسخ فإذا قدرنا الآن أنه اشتراها بمائة ريال وقيمتها الآن تساوي
ثمانين فلو ضمنها المتلف يأخذ ثمانين ولو فسخ ورجع بالثمن يأخذ مائة وإن
كان العكس ينعكس الحكم يكون الإمضاء أولى له ويطالب المتلف بالقيمة فإن قال
قائل كيف تجعلون الخيار للمشتري ولا تجعلوه للبائع؟ قلنا لأن المشتري هو
صاحب الحق هو الذي يُضمن له حقه فكان الخيار له دون البائع والقاعدة عندنا
أنه إذا باع الإنسان ثمرة هذه النخلة ثم أصابها شيء من السماء وأتلف الثمرة
يضمنها البائع وإذا أتلفها آدمي مثلاً جاء رجل في الليل وأتلفها جذها أو
ذهب بها فهنا نقول للمشتري الخيار إن شاء أمضى البيع وطالب المتلف وإن شاء
فسخ البيع ورجع بالثمن والبائع يطالب المتلف وقلنا أن المشتري سيأخذ بالذي
هو أربح له ولماذا يجعل الخيار للمشتري دون البائع؟ قلنا لأن صاحب الحق هو
المشتري فيختار ما يرى أنه أحسن له.
القارئ: وظاهر المذهب أنه لا فرق بين القليل والكثير إلا أن يكون التالف
يسير جرت العادة بتلف مثله قال أحمد لا أقول في عشر تمرات ولا عشرين تمرة
ولا أدري ما الثلث وذلك لأن الشرع أمر بوضع الجوائح ولم يجعل له حداً فوجب
رده إلى ما يتعارفه الناس وعنه أن ما دون الثلث من ضمان المشتري لأن الثمرة
لابد من تلف شيء منها فلابد من حد فاصل والثلث يصلح ضابطا لقول النبي صلى
الله عليه وسلم (والثلث كثير).
الشيخ: والظاهر الأول أن ما جرت العادة بالتسامح فيه فلا ضمان فيه على
البائع وأما ما لم تجر العادة بالتسامح فيه فإنه من ضمان البائع.
القارئ: وإن بلغت الثمرة أو الزرع أوان
الحصاد فلم ينقل حتى هلك فهو من ضمان المشتري لأنه لا يلزمه النقل أي لا
يلزم البائع نقله فكان التفريط منه أي المشتري فاختص الضمان به.
الشيخ: هذا واضح يعني مثلاً لو أن المشتري أبقى الثمار بعد أوان جذاذها حتى
نزل المطر وأتلفها فهي من ضمان المشتري لأنه هو الذي فرط بتأخير أخذها.
القارئ: وإن اختلفا في التلف أو في قدره فالقول قول البائع لأنه غارم ولأن
الأصل السلامة.
الشيخ: هذه من الضوابط التي يذكرها الفقهاء رحمهم الله قال رحمه الله (لأنه
غارم) وإذا كان غارماً كان من أدعى غرمه مدعياً والآخر منكر وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي) ومأخذ هذا الضابط أن كل غارم مقبول
القول فإذا كان غارماً صار من يدعي عليه مدعياً والمدعى عليه منكراً وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) أما
القول (ولأن الأصل السلامة) فهذا صحيح أيضاً فهو ضابط دليله قوله عليه
الصلاة والسلام فيمن أشكل عليه هل أحدث أم لا قال (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً
أو يجد ريحاً) فالأصل السلامة.
القارئ: ولو أشترى الثمرة مع الشجرة أو الزرع مع الأرض زال الضمان عن
البائع بمجرد العقد لأنه حصل التسليم الكامل بتسليم الأصل فأشبه بيع الدار.
فصل
القارئ: وإذا اشترى ثمرة شجرة فحدثت ثمرة أخرى فاختلطا ولم يتميز أو حنطة
فانثالت عليها أخرى لم يبطل البيع لأن المبيع باق إنضاف إليه غيره فأشبه ما
لو أشتبه العبد المبيع بغيره ويشتركان كل واحد بقدر ماله إن علم قدره وإلا
وقف حتى يصطلحا ويحتمل أن يبطل العقد لتعذر تسليم المستحق فأشبه تلف
المبيع.
الشيخ: الأول أصح لأن كل واحد منهم له عين
في هذا المشترك فيقال إن علم قدر مال كل واحد بأن عرف أن المنهال قدره مائة
صاع وأن المنهال عليه قدره خمسون صاعاً قلنا المال بينكما أثلاثاً لهذا
ثلثان ولهذا ثلث فإن تعذر بأن كان كل واحد منهما لا يعلم مقدار ماله فإنه
يوقف حتى يصطلحا ولكن إلى متى؟ نقول حتى يصطلحا وهما إذا علما أنه لابد من
اصطلاح فسوف يصطلحان.
القارئ: ولو باع الأصل وعليه ثمرة له فحدثت للمشتري ثمرة اختلطت بها لم
يبطل العقد لأن المبيع هو الشجر ولم يختلط بغيره ويشتركان في الثمرة كما
بينا ولو باع ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع فتركها حتى بدا صلاحها أو جزة
من الرطبة فطالت حيلة فالعقد باطل من أصله نص عليه لأن الحيل لا تجوز في
الدين وإن لم تكن حيلة ففيه روايتان إحداهما يبطل العقد لأن التبقية معنى
حرم اشتراطه لحق الله تعالى فأبطل العقد حقيقة كالنسيئة في الربويات
والثانية لا يبطل لأنها زيادة في عين المبيع فلم يبطل بها البيع كسمن العبد
قال القاضي والزيادة للمشتري لذلك وعن أحمد أنهما يشتركان في الزيادة على
كلتا الروايتين لحصولها في ملك المشتري بسبب الأصل الذي للبائع وعنه
يتصدقان بها قال القاضي هذا على سبيل الاستحباب لاشتباه الأمر فيها فينظر
كم قيمتها قبل بدو الصلاح وبعده فيشتركان فيها أو يتصدقان بها وإن جهلت
القيمة وقف الأمر حتى يصطلحا.
الشيخ: أصل المسألة يقول (لو باع ثمرة قبل
بدو صلاحها بشرط القطع) بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بدون هذا الشرط ما حكمه؟
لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها)
فلو اشترى ثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع فلا بأس به ولكنه تركها حتى بدا
صلاحها حيلة يعني أن شرائه إياه قبل بدو الصلاح حيلة يتوصل بها إلى شراء
الثمر قبل بدو الصلاح فهنا نقول الحيلة محرمة فيبطل العقد لأننا لو صححنا
الحيل على محرمات الله ما بقي للتحريم فائدة ولهذا قال (فالعقد باطل من
أصله نص عليه) لكن إذا لم يكن حيلة مثلاً اشترى ثمرة قبل بدو الصلاح بشرط
القطع لكنه أصيب بمرض أو سافر أو تكاسل وتهاون حتى بدا الصلاح فيقول المؤلف
(فيه روايتان إحداهما يبطل العقد) أي كما لو أراد الحيلة، والمسألة مرة
أخرى نقول إذا أشترى ثمراً لم يبدو صلاحه بشرط القطع فالبيع صحيح لكنه فعل
ذلك حيلة لشرائه قبل بدو الصلاح فتركه حتى بدا الصلاح فالعقد يبطل ولا شك
لأن الحيل لا تبيح المحرم ولا تسقط الواجب ولو تركه حتى بدا صلاحه لغير
الحيل إما لمرض أو سفر أو أنه نسي أو تغافل أو ما أشبه ذلك ففيه روايتان
الرواية الأولى أن العقد يبطل لأنه فات الشرط الذي هو القطع عند الشراء
فصار بيع ثمرة قبل بدو صلاحها فبطل والقول الثاني أنه لا يبطل العقد لأن
الرجل ما تحيل وإنما اشتراه بشرط القطع لكن حيل بينه وبين القطع يقول
المؤلف رحمه الله (والثانية لا يبطل لأنها زيادة في عين المبيع فلم يبطل
بها البيع كسمن العبد) أي زيادة في المبيع فهي زيادة لأن هذا الثمر اشتراه
قبل بدو
صلاحه فلم يتكامل نمائه ثم تكامل نمائه
وبدا صلاحه فهذه زيادة فنقول كل يرجع إلى أصله فالذي اشترى الثمر أولاً له
الثمر والزيادة هذه لا يستحقها فتكون لبائع الثمرة؟ يقول المؤلف (قال
القاضي والزيادة للمشتري لذلك) أي لأنها زيادة في عين المبيع فكانت للمالك
والقول الثاني قال المؤلف (وعن أحمد أنهما يشتركان في الزيادة على كلتا
الروايتين لحصولها في ملك المشتري بسبب الأصل الذي للبائع) هذه الراوية
الثانية يقول الزيادة ليست للمشتري ولا للبائع بل الزيادة مشتركة بينهما
لأن الزيادة بالنسبة للثمرة في ملك المشتري وبالنسبة إلى أن الزيادة إنما
كانت من أصل الشجرة هي التي نما الثمر حين كانت حاملة له فيكونان مشتركين
في هذه الزيادة فتقدر القيمة حين بيعه وتقدر حين بدو الصلاح وما بينهما هو
الزيادة فيكون على هذه الراوية مشتركاً بينهما وهذا قول قوي لأن فيه نوعاً
من العادلة فلولا الشجرة ما نمت الثمرة ولولا أصل الثمر ما حصلت الزيادة
فمقتضى العدل أن تكون الزيادة بينهما نصفين قال المؤلف رحمه الله (وعنه
يتصدقان بها قال القاضي هذا على سبيل الاستحباب لاشتباه الأمر فيها) هذه
رواية أخرى عن أحمد يقول إن الزيادة يتصدقان بها لأنها مشتبهة لإنه إن
نظرنا إلى أنها زيادة في عين كانت للمشتري قلنا إنها للمشتري وإن نظرنا إلى
أنه لا يمكن أن تكون هذه الزيادة بدون الأصل قلنا هي للبائع فهي إذاً
مشتبهة وطريق التخلص أن يتصدقا بها والله تعالى يعلم من هي له فيعطي ثواب
الصدقة لمن هي له لكن القاضي رحمه الله وهو من أئمة المذهب تأول هذا النص
عن أحمد على أنه للاستحباب لاشتباه الأمر وما قاله القاضي جيد يعني إيجاب
الصدقة عليهما وهي زيادة حصلت من أصل الشجرة ومن الثمرة المبيعة وهي ملك
للمشتري فيه نظر فالصواب أن يقال إن سلكا طريق الورع وتصدقا بها فهو خير
وربما يكون هذا الخير خيراً لهما مما لو اقتسماها في الدنيا لأنه سيبقى
ثوابها في الآخرة
قال المؤلف (فينظر كم قيمتها قبل بدو
الصلاح وبعده) فإذا قال قيمتها قبل بدو الصلاح مائة وبعد بدو الصلاح مائة
وخمسين تكون الزيادة التي يتصدق بها خمسين ولهذا قال المؤلف (فيشتركان فيها
أو يتصدقان بها) ثم قال (وإن جهلت القيمة وقف الأمر حتى يصطلحا).
السائل: الزيادة التي يشتركان فيها تكون من متى إلى متى؟
الشيخ: من البيع إلي بدو الصلاح فهذه هي الزيادة وتكون من وقت البيع.
السائل: القت كيف يبدو صلاحه مع أنه ليس إلا زرع؟
الشيخ: ليس فيه صلاح فهذا القت وشبهه يباع إذا تكامل نموه وقبل ذلك لا يباع
إلا إذا شرط أنه يجز في الحال.
السائل: ما هو الراجح في مسألة الزيادة الحاصلة؟
الشيخ: نرجح أن البيع باقي ويشتركان في الزيادة.
فصل
القارئ: وإذا كانت شجرة تحمل حَملين فباع أحدهما عالماً أنه يحدث الآخر
فيختلط بالأول فالبيع باطل لأنه باع مالا يقدر على تسلميه لأن العادة فيه
الترك فيختلط بالآخر ويتعذر التسليم.
الشيخ: هذا واضح بمعنى أنه في بعض الأشجار تحمل حملين أي مرتين فباعها
صاحبها وهو يعرف أنه سيحصل حمل آخر يختلط بالحمل الأول الذي باعه فيقول
المؤلف رحمه الله (البيع باطل) لأنه عالم بأنه ستحمل الحملة الأخرى ويختلط
كل واحد بالآخر على وجه لا تتميز فيه وهذا يبطل البيع.
فصل
القارئ: ولا يجوز بيع الرطبة ونحوها مما
يثبت أصله في الأرض ويأخذ ما يظهر منه بالقطع دفعة بعد أخرى إلا أن يبيع
الظاهر بشرط القطع في الحال لأن ما في الأرض مغيب وما يحدث منه معدوم فلم
يجز بيعه كالذي يحدث من الثمرة وإذا باع القثاء والباذنجان ونحوها لقطة
لقطة جاز ويكون للمشتري جميع اللقطة وما حدث للبائع قال القاضي ويجوز بيع
أصولها صغاراً كانت أو كبارا مثمرة أو غير مثمرة لأنه أصل تكرر منه الثمرة
فأشبه الشجر ويكون حكمه حكم الشجر في أن ما كان من ثمر ظاهر عند البيع فهو
للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري ولا يجوز بيع الفجل والجرز ونحوهما في
الأرض لأن المقصود منها مغيب فأشبه بيع النوى في التمر.
السائل: ما هي القثاء؟
الشيخ: القثاء مثل الخبز.
باب بيع المصراة
القارئ: لا يجوز بيع المصراة فإن باعها فالبيع صحيح فإن كانت من بهيمة
الأنعام ولم يعلم المشتري ثم علم فهو مخير بين ردها وإمساكها لما روى أبو
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تصروا الإبل والغنم فمن
ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً
من تمر) متفق عليه ولأن هذا تدليس بما يختلف الثمن به فأثبت الخيار
كتسويد شعر الجارية قال أبو الخطاب متى علم التصرية فله الخيار لأنه علم
سبب الرد فملكه كما لو علم العيب وقال القاضي لا يثبت له الرد إلا عند
انقضاء ثلاثة أيام لأن اللبن قد يختلف لاختلاف المكان وتغير العلف فإن مضت
الثلاثة بانت التصرية ويثبت الخيار على الفور وقال ابن أبي موسى إذا علم
التصرية فله الخيار إلى تمام ثلاثة أيام من حين البيع لما روى أبو هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة
أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعاً من تمر) رواه مسلم.
الشيخ: وهذا القول هو المتعين وهو قول ابن
أبي موسى لأن الحديث دالٌّ عليه فإذا علم بالتصرية فإن شاء رد فوراً وإن
شاء انتظر إلى اليوم الثاني والثالث لأنه كما قال قد يختلف اللبن باختلاف
العلف أو باختلاف وحشة البهيمة وأنسها أو ما أشبه ذلك والمهم مادام أن النص
قد ورد بثلاثة أيام فإنه يأخذ به.
فصل
القارئ: ويلزم مع ردها صاعاً من تمر بدلاً عن اللبن الموجود حال العقد
للخبر ويكون جيداً غير معيب لأنه واجب بإطلاق الشرع فأشبه الواجب في الفطرة
وإن ردها قبل حلبها لم يلزمه شيء لأنه بدل اللبن ولم يأخذه وإن ردها بعد
حلبها ولبنها موجود غير متغير ففي وجهان أحدهما يرده ولا شيء عليه لأنه
بحاله لا عيب فيه والثاني عليه صاع تمر ولا يلزم البائع قبول اللبن لأنه
يسرع إليه التغير وكونه في الضرع أحفظ له فإن تغير اللبن فعليه الثمن ولا
يلزم البائع قبول اللبن لتغيره وقال القاضي يلزمه قبوله لأن القبض حصل فيه
باستعلام المبيع فإن لم يقدر على التمر فقيمته في الموضع الذي وقع عليه
العقد لأنه بمنزلة عين أتلفها ولو رضي بالتصرية وأصاب عيباً سواها فله ردها
لأن رضاه بعيب لا يمنع الرد بما سواه وعليه مع الرد صاع تمر لأنه عوض للبن
التصرية فيكون عوضاً له مطلقا ويحتمل أن لا يلزمه هاهنا إلا مثل اللبن لأن
الأصل وجوب ضمان اللبن بمثله خولف فيما إذا رد مصراة من أجل التصرية للخبر
ففيما إذا ردها لعيب آخر يبقى على الأصل كما لو كانت غير مصراة وفيها لبن
وإن اشترى شاة غير مصراة فحدث لها لبن فاحتلبه ثم ردها بعيب فلا شيء عليه
لأن اللبن حدث في ملكه وإن كان فيها لبن يسير لا يخلو الضرع من مثله فلا
شيء فيه لأن مثل هذا لا عبرة به وإن كان كثيراً فعليه مثله لأن الأصل ضمان
اللبن بمثله فلا يبطل بمخالفته في لبن التصرية وإن كان باقياً
انبنى على رد لبن التصرية لما ذكرنا فإن
قلنا لا يرده فبقائه كتلفه وهل له رد المبيع يخرج على الروايتين فيمن اشترى
ثوباً فقطعه ثم علم عيبه.
الشيخ: سبق لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قدر قيمة اللبن في المصراة
بالتمر من أجل قطع النزاع قدره بالتمر دون غيره لأنه أقرب ما يكون شبهاً
باللبن.
فصل
القارئ: فإن كانت المصراة أمة أو أتانا ففيه وجهان أحدهما لا رد له لأن
لبنها لا عوض له ولا يقصد قصد لبن الأنعام والثاني له الرد لأن الثمن يختلف
بذلك لأن لبن الأمة يحسن ثدييها ويرغب فيها ظئراً ولبن الأتان يراد لولدها
فإن حلبها فلا شيء عليه للبنها لأنه لا قيمة له.
الشيخ: ذكر المؤلف مسألتين المسألة الأولى
إذا كانت المصراة أمة فيكون فيه وجهان أحدهما لا رد له لأن لبنها لا عوض
لها وهذا غير صحيح بل لبن الأمة له عوض ولهذا لو بيع لبن بعد حلبه فإنه
جائز ولأن المرضعة قال الله تعالى فيها (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) على ماذا؟ الجواب على اللبن وما ذهب إليه بعض
العلماء من أن المراد أجور حمل الطفل وإلقامه الثدي فهذا لا وجه له لأن
الذي يسترضع لولده هل يريد أن تحمل الولد وتضعه في حجرها وتلقمه الثدي ولو
كان جافاً؟ لا وإنما يريد اللبن ولهذا نقول إن المرضعة المستأجرة يراد بذلك
لبنها وما قبله من الحركة ووضعه في الحجر وإلقامه الثدي هذا مراد لغيره
وليس مراد لذاته لكن المؤلف رحمه الله بنى على أن لبن المرضع ليس هو
المعقود عليه بناءً على أنه لا يصح عقد الإجارة عليه والصواب أن اللبن
مقصود بلا شك وأن له قيمة أما لبن الأتان فلا قيمة له لأنه لبن محرم ولكن
إن قلنا إنه لا قيمة له فإن نقص لبن الأتان يعتبر عيباً ونقصاً لأن الإنسان
إذا اشترى أتان ذات لبن يريد أن يسقيه ما عنده من صغار الحمر فهو مراد بلا
شك فالصواب أن التصرية تجري في لبن الأتان وأنه إذا علم أنها مصراة فله
الخيار لكن إذا ردها هل يرد معها شيئاً؟ الجواب لا يرد معها شيئاً لأن
اللبن لا قيمة له.
السائل: تصرية الأمة لم يتبين لي كيف تصر الأمة؟
الشيخ: مثلاً يقال لها لا ترضعي الولد أو لا تحلبي اللبن فينبغي إذا راءها
المشتري وإذا ثديها كبير قال هذه ما شاء الله عندها لبن كثير.
السائل: إذا تعذر وجود التمر فما الحكم؟
الشيخ: تأخذ قيمته.
السائل: إذا وجد التمر ولكن في قوم لا يأكلون التمر فما الحكم؟
الشيخ: الظاهر أنه في هذه الحال إذا كان أهل المكان لا يأكلون التمر فيرجع
إلى قيمته أو يعطون من الطعام المقارب.
فصل
القارئ: وكل تدليس بما يختلف به الثمن يثبت
خيار الرد قياساً على التصرية كتجعيد شعر الجارية وتسويده وتحمير وجهها.
الشيخ: التدليس ضابطه أن يظهر السلعة بمظهر مرغوب فيه وليست كذلك كما ذكر
المؤلف رحمه الله (كتجعيد شعر الجارية) والجارية يعني الأنثى يجعده يعني
يجعله جعداً بدل أن يكون سبطاً والفرق بينهما ظاهر الجعد يكون قوياً ويكون
معكرشاً وهو مرغوب عند بعض الناس والسبط أيضاً مرغوب عند بعض الناس لكن
الغالب الأول فتسويده بعد أن كان أبيضاً وتبيضه بعد أن كان أسوداً لكن
العكس لا يمكن ولكن ألم تعلموا أن النساء الآن بدأنا يخترن اللون الأبيض
على اللون الأسود سبحان الله انقلاب يخترن اللون الأبيض على اللون الأسود
فهن يسألن دائماً عن صبغه بالبياض ليس بياضاً ناصعاً كالثوب بل يكون أشهب.
القارئ: وجمع الماء على الرحى وقت عرضها على المشتري.
الشيخ: كانوا في السابق يأخذون من النهر ساقية ويضعون عليها الرحى وباندفاع
الماء تتحرك البكرة وإذا تحركت بسرعة أخرجت ماء أكثر فيأتي البائع مثلاً
عند العرض ويسد الجدول أو الساقية التي أخذها من النهر فإذا أراد عرضها فتح
السد فانطلق الماء بقوة فتزداد حركة البكرة ويزداد حركة الماء فهذا تدليس
لأنه لو رجعنا إلى أصلها ما كانت بهذه القوة.
القارئ: فإن حصل ذلك بغير قصد كاجتماع اللبن في الضرع بغير تصرية واحمرار
وجه الجارية لخجل أو تعب فهو كالتدليس لأن الخيار ثبت لدفع الضرر عن
المشتري فلم يختلف بالقصد وعدمه كالعيب وإن رضي المشتري بالمدلس فلا أرش له
لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بين إمساك المصراة بغير شيء وردها مع
التمر.
الشيخ: وقيل بل له الأرش في الفرق بين قيمتها مدلسة وقيمتها غير مدلسة ولكن
الأصوب أنه لا يخير فيقال إما أن تردها وإما أن تبقيها لأن النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم قال (من غش فليس منا) فيقال للمغشوش وهو المدلس عليه
يقال له إما أن تمسكها بدون عوض وإما أن تردها كما أن المعيب أيضاً
سيأتينا إن شاء الله تعالى أن بعض أهل العلم يقول لا أرش له فلا أرش لمن
وجد الشيء معيباً فيقال إما أن تمسكه معيباً وإما أن ترده لأن الأرش عوض عن
الجزء الفائت وهذا يحتاج إلي رضا من الطرفين.
فصل
القارئ: وإن دلس بما لايختلف به الثمن كتبييض الشعر وتسبيطه فلا خيار
للمشتري لأنه لا ضرر في ذلك.
الشيخ: قوله تسبيطه هذا ما لم يكن رغبة الناس في السبط فإن كان الرغبة في
السبط صار تدليساً.
القارئ: وإن علف شاة فظنها المشتري حاملا أو سود أنامل العبد ليظنه كاتباً
أو حداداً.
الشيخ: تسويد الأنامل ليظن أنه كاتب هذا مما يختلف به الوقت فالآن الإنسان
يكتب ولا يكون في أنامله شيء من الحبر فهم يمثلون حسب وقتهم رحمهم الله.
القارئ: أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن فلا خيار له لأن
ذلك لا ينحصر فيما ظنه المشتري فإن سواد الأنامل قد يكون لولع أو خدمة كاتب
أو حداد أو شروعه في ذلك.
الشيخ: فإن سواد الأنامل قد يكون لولع ومعنى الولع يعني توليع النار ولهذا
يقول إن هذا ربما يكون لغير مالكه لتوليع النار لا لكونه كاتباً.
القارئ: وانتفاخ البطن قد يكون للأكل فظن المشتري غير ذلك طمعاً لا يثبت له
خياراً. |