شرح زاد المستقنع للخليل

باب صلاة أهل الأعذار
• ثم قال - رحمه الله -:
باب صلاة أهل الأعذار.
يعني: باب يبين فيه كيف يصلي المعذور.
والمعذور هو: المريض.
• يقول - رحمه الله -:
تلزم المريض: الصلاة قائماً.
إذا أطاق المريض أن يصلي قائماً وجب عليه أن يصلي قائماً بالإجماع. بلا خلاف.
- أولاً: لأن القيام ركن وهو يستطيع أن يؤديه.
- ثانياً: لحديث عمران بن حصين وهو في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب).
فبدأ - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة قائماً مع أن عمران - رضي الله عنه - سأله عن صلاة المريض.
في الحديث عمران - رضي الله عنه - قال: أخبرني يارسوال الله عن الصلاة هو لم يقل في الحديث أخبرني عن صلاة المريض وإنما قال أخبرني عن الصلاة لكن الشراح فيما أعلم كلهم قالوا معنى أخبرني عن الصلاة يعني عن صلاة المريض. لأمرين:
- الأول: أن عمران كان مريضاً. كان فيه بواسير حين سأل - رضي الله عنه -.
- الثاني: أن الجواب: لا يمكن أن يكون جواباً عن الصلاة عموماً وإنما هو جواب يتعلق بالمريض لأنه هو الذي لا يستطيع أن يصلي قائماً.
ولهذا حمل الفقهاء - رحمهم الله - قوله: أخبرني عن الصلاة يعني عن صلاة المريض.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن لم يستطع فقاعداً.
إذا لم يستطع فيصلي قاعداً بالإجماع.
- لأنه لم يستطع أن يصلي. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (فإن لم تستطع فقاعداً).

والصواب: قاعداً. تنقسم إلى قسمين:


ــ القسم الأول: أن لا يطيق أن يصلي قاعداً. فلو قام لسقط. فهذا يصلي قاعداً بإجماع الفقهاء - رحمهم الله - بلا خلاف.
- لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن لم تستطع فصلي قاعداً).
ــ القسم الثاني: أن يطيق ولكن مع مشقة ظاهرة. فهذا يصلي قاعداً أيضاً. لدليلين: - ولا يمكن أن نستدل هنا بحديث عمران لأن حديث عمران يقول: فإن لم تستطع وضابط الاستطاعة هو محل الخلاف الآن.
(إذاً: مرة أخرى: القسم الثاني: أذا كان يستطيع لكن مع مشقة ظاهرة. فإنه يصلي أيضاً قاعداً).
والدليل على ذلك:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سقط عن الفرس وجحش جنبه أو شقه الأيمن: يعني انقشع عنه جلده: صلى جالساً. والظاهر من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يستطيع أن يصلي قائماً ولكن مع مشقة ومع ذلك صلى الفروض والنوافل جالساً - صلى الله عليه وسلم -.
هذا دليل.
- الدليل الثاني: أنه إن صلى قائماً مع المشقة ذهب عنه الخشوع.
- الدليل الثالث: جميع النصوص التي ترفع الحرج في الشرع.
لكن مع ذلك نحتاج إلى ضابط:
= فمن الذين ضبطوها إمام الحرمين من الشافعية فضبط عدم القدرة بأنه إن قام ذهب عنه الخشوع. لأنه ينشغل بهذا المرض.
فإذا حصل هذا الضابط جاز له الجلوس.
= والقول الثاني: أنه لا يصلي قاعداً إلا إذا لم يتمكن من القيام لدنياه. وهذه رواية عن الإمام أحمد.
معنى هذا: أنه من غير المقبول ما يفعله بعض الناس: يصنع كل شيء يذهب للدوام ويقوم ويجلس وإذا جاءت الصلاة قال: ما أسطتيع أن أصلي قائماً.
كيف تستطيع تقوم لدنياك؟ وتذهب وتأتي وتفعل كل هذه الأعمال ثم إذا جائت الصلاة بالذات صرت لا تستطيع.
إذاً هذا معنى قول الإمام أحمد: إذا كان لا يستطيع أن يقوم لدنياه جاز له أن يصلي جالساً.


ومع وجاهة هذا القول إلا أن القول الأول: أضبط وأنا نقول له أنت مُدَيَّن وهذا أمر يرجع بينك وبين الرب سبحانه وتعالى فإن كنت إذا صليت قائماً ذهب عنك الخشوع وانشغلت بهذا المرض ولم تعد تستحضر الصلاة على الوجه الذي ينبغي جاز لك حينئذ أن تجلس ولا يشترط أن يكون الإنسان إن قام سقط فهذا غير مراد على هذا القول وإنما يجوز له أن يصلي جالساً في هذه الحالة أيضاً وهي ذهاب الخشوع.
إذاً القول الأول هو الصواب إن شاء الله.
• ثم قال - رحمه الله -:
فإن عجز فعلى جنبه.
يعني إن عجز عن الصلاة قاعداً فإنه يصلي على جنبه.
- لحديث عمران (فعلى جنب). ويكون وجهه حينئذ إلى القبلة.
وليس رأسه إلى القبلة: إذا صلى على جنب فيكون وجهه إلى القبلة كما يصنع بالميت في القبر لا كما يفهم بعض الناس أنه يضع رأسه إلى القبلة وإنما يضع وجهه.
= فمن الفقهاء من قال: يصلي على جنبه الأيمن.
= ومنهم من قال: يصلي على أي الجنبين شاء. (((الأذان))).
بعد الأذان قال الشارح - حفظه الله -:
فقط نكمل هذه المسألة: إذاً إما أن يصلي عن يمينه على قول أو هو مخير بين الجوانب على قول.
والصواب أن المريض يصلي حسب ما يتيسر له.
فإن تساوت الأمور من حيث المرض فالأفضل أن يصلي على يمينه.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب التيامن في شأنه. ولا شك أن هذا من أعظم الشؤون وهو الصلاة. أو على أي جنب يصلي.
والله أعلم.
انتهى الدرس،،،


قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الله.

غير موجود ...


فصل
[أحكام قصر الصلاة]
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
ذكرت في الدرس السابق أن مسألة تحديد المسافة التي إذا قطعها المسافر جاز له أن يقصر وأن يترخص بأحكام السفر أنها مسألة فيها إشكال وتداخلت أقوال الفقهاء فيها وذكرت:
= القول الأول وهو مذهب الجمهور.
والقول الثاني: وهو مذهب الظاهرية وليس معهم ابن حزم ورجحت أنه ثلاثة (فراسخ) احتياطاً وأن الثلاثة فراسخ تساوي بالكيلو المعاصر ستة عشر كيلو.
= القول الثالث: وهو مذهب الأحناف الذي اشتهروا به وهو أن المسافة مسيرة ثلاثة أيام. وهي تساوي بالكيلو = مائة وثلاثة وثلاثون تقريباً = 133ك. وهذا التحديد هو أطول تحديد عند الفقهاء.
واستدلوا على هذا:
- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على المرأة التي تقطع مسيرة ثلاثة أيام أنها مسافرة لقوله: (تسافر).
والجواب على هذا الاستدلال: أن هذا الحديث في الصحيحين وفي رواية في الصحيح: (تسافر مسيرة يومين) وفي رواية في الصحيح أيضاً: (تسافر مسيرة يوم) وفي رواية خارج الصحيحين وهي في السنن: (تسافر مسيرة أو سير بريد).
فلما خرت ألفاظ الحديث مختلفة دَلَّ ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقصد التحديد أي: لا يقصد أن ما دون الثلاثة أيام أنه لا يسمى سفراً.
= القول الرابع: أن المرجع في ذلك إلى العرف لأن الله سبحانه وتعالى أطلق السفر في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم أطلق السفر في سنته ولم يأت عنهما تحديد للمسافة وتحديد ما أطلقه الشارع لا يجوز.
ثم المسافات وتحديدها ومقدارها ليس معروفاً للناس وإنما يعرفه أهل الاختصاص فقط لا سيما في القديم.
وهذا القول اختيار شيخ الاسلام وابن القيم ونسب عند بعض المعاصرين خطأ لابن حزم - فالصواب أن هذا ليس قولاً لابن حزم.


عرفنا هذا القول وفي ضمنه دليله وهو أن التحديد ليس موجوداً في الكتاب والسنة والقاعدة التي اتفق عليها الفقهاء أن كل لفظ جاء في الشرع ليس له حد لافي اللغة ولا في الشرع فإنه يرجع في تحديده إلى العرف.
فالسفر جاء مطلقاً في الشرع ولم يحدد فنرجع في تحديده إلى العرف.
= القول الخامس: أنه ميل فقط وهذا هو مذهب ابن حزم والميل يساوي كيلوين فقط.
واستدل ابن حزم بأن الشارع الحكيم ربط أحكام السفر على السفر وأقل ما جاء في الشرع أنه ميل فإنه صح عن ابن عمر رضي الله عنه وهو من أهل اللغة - يقول ابن حزم - الذين يرجع إلى أقوالهم أنه سمى الخروج ميل سفراً فهذا أقل ما جاءنا فنتمسك به.
= القول السادس: أن المسافة بريد وهذا اختيار شيخ الاسلام لو قلنا بالتحديد بالمسافة فيقول أننا لو أردنا التحديد بالمسافة لحددنا ببريد.
وهو يساوي تقريباً اثنين وعشرين كيلو.
الدليل: قال: الشارع سمى قطع مسافة بريد قطعاً في حديثين:
- الحديث الأول: وهو الأصح. ما ثبت في الصحيحين وفي غيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في عرفة وقصره صلى الله عليه وسلم في عرفة قصر سفر هو ومن معه من أهل مكة والفاكهي يقول - في أخبار مكة - بين مكة وعرفة بريد.
- الحديث الثاني: الذي سمى فيه الشارع قطع مسافة بريد سفراً ما تقدم معنا الآن: (لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسافة بريد) فسمى مسافة البريد سفراً.
ولا شك بعد أن سمعتم هذه الأقوال منسوبة لكبار أهل العلم أنكم عرفتم أن في المسألة إشكال ويظهر الإشكال جلياً من التفاوت الكبير بين مائة وثلاثة وثلاثين كيلو إلى اثنين كيلو مروراً بثمانين واثنين وسبعين وثمان وثمانين واثنين وعشرين ... إلى آخره ...
الراجح:
الحقيقة كما قلت أن المسألة مشكلة.

- أما اختيار شيخ الاسلام وابن القيم فهو قول لا يكاد ينضبط ويشكل جداً في التطبيق لا سيما مع سهولة المواصلات في عصرنا هذا مما يختلط معه تماماً ما يسمى سفراً وما يسمى خروجاً بلا سفر.
- ثانياً: أقوى الأقوال فيما يظهر لي من جهة الأدلة القول الأخير وهو البريد لأن الإنسان يطمأن إلى أن الشارع بنفسه سمى قطع هذه المسافة سفراً.
وقلت لكم هذا اختيار شيخ الاسلام إذا قلنا بالتحديد بالمسافة.
لكن كونه يقال إذا خرج الإنسان وقطع مسافة اثنين وعشرين كيلو يصبح مسافراً أيضاً أقل ما نقول أنه قد يتردد الإنسان بالجزم به مع أنه لا شك أن أهل مكة لما خرجوا إلى عرفة قصروا لأنهم قطعوا مسافة بريد.
فمن الجهة العلمية هو قوي جداً وهو أقوى مما رجحه ابن حزم بقوله: ميل فإن اختيار الميل ضعيف جداً وسيأتينا الآن.


واعتقد أن الذي يسع الإنسان ولو على سبيل التقليد ولا بأس بالتقليد إذا تاربت الأدلة - هو مذهب الجمهور فنقول من قطع ثمانين أو ثمان وثمانين كيلو أنه يتعبر مسافراً وتنضبط القضية ولا يشكل على الناس أي قضية بعد أن حددت لهم الأمر بالمسافة.
ومن المفيد أن تستحضر أثناء دراسة مسألة تحديد السفر بالمسافات أن الصحابة كلهم حددوا بالمسافة وإن اختلفوا في مقدارها.
فأنس رضي الله عنه تقدم معنا أنه حددها بثلاثة فراسخ وابن عمر رضي الله عنه مشهور عنه التحديد بأكثر من حد وابن عباس رضي الله عنه فكلهم حددوا بالمسافة ولم يرو عن أحد منهم التحديد بغير المسافة. وشيخ الاسلام يقول: أن تحديد الصحابة بالمسافة مع اختلافهم واختلاف الرجل الواحد منهم دليل على أنهم كانوا يفتون كل شخص بحسب حاله أي أنهم يرجعون إلى العرف. ونحن نقول: أن هذا التخريج لفتاوى الصحابة قد يكون مقبولاً لكن مع ذلك نحن نعلم قطعاً أنهم اتفقوا على التحديد بالمسافة ربما رجوعاً إلى العرف وربما لأمر آخر لكن في الخلاصة والنتيجة نهم حددوا بالمسافة وعليه نحن نقلد الصحابة رضي الله عنهم ونحدد بالمسافة.
ويبقى أي المسافات نختار فكما قلت لكم الاحتياط والأضمن مذهب الجمهور - الشافعية والمالكية والحنابلة - والأقوى دليلاً أن يكون الإنسان إذا قطع اثنين وعشرين كيلو أنه يعتبر مسافراً.
هذا ثانياً.

- وثالثاً: شيخ الاسلام رحمه الله لا يريد أبداً بقوله العرف قصر المسافة. يعني: أنه لا يريد أن من قطع - مثلاً - تسعين كيلو قد لا يكون مسافراً أو من قطع سبعين كيلو قد لا يكون مسافراً بل يريد رحمه الله أقل من ذلك لا كما فهمه بعض الناس أن قول شيخ الاسلام يقلل المسافة التي حددها الجمهور الدليل على لذلك أن شيخ الاسلام رحمه الله نفسه في الفتاوى يقول: عبارة معناها: والمرجع في السفر إلى ما تعارف عليه الناس أنه سفراً كخروج أهل مكة إلى عرفة.
وأخذنا أن بين مكة وعرفة مسافة بريد فهو رحمه الله يريد أن يقصر المسافة التي حددها الجمهور هو يقول: أنتم تقولون أن الإنسان لا يسمى مسافراً حتى يقطع مسيرة أربعة برد وهو يقول بل يكفي أن يقطع بريداً واحداً ليكون مسافراً.


فمن الخطأ التضييق على الناس بناء على قول شيخ الاسلام لأنه لا يريد هو التضييق هو يريد أن العلماء - الآخرون - ضيقوا وحددوا مسافة طويلة لا يعتبر الإنسان مسافراً إلى إذا قطع هذه المسافة.
هذا ثالثاً: كل هذا في الترجيح حتى يتصور الإنسان معالم المسألة.
- رابعاً: قول ابن حزم ضعيف والسبب في ضعفه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى قباء كل سبت كما في الصحيح وقباء على مسافة ميل من المدينة.
أضف إلى هذا أن من كان حول المدينة ممن يبعد عنها ميل كأهل قباء وغيرهم كانوا أيضاً يدخلون إلى المدينة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقصر إذا ذهب إلى قباء ولا الذين خارج المدينة على بعد ميل يقصرون إذا دخلوا المدينة.
فتبين أن هذا الحد ليس بصحيح.
المسألة الأخيرة: هل من خرج إلى النزهة يعتبر مسافراً؟
الجواب: عن الإمام أحمد روايتان:
- الأولى: أنه يعتبر مسافراً. لأنه خرج عن بلدته وقطع مسافة فلا يخرج عن مسمى السفر.
- الثانية: أن من خرج في نزهة فإنه لا يسمى مسافراً لأنه لم يخرج لما فيه غرض ومصلحة مفيدة.
والأقرب: الرواية الأولى إذ لا دليل على اشتراط أن يكون الخارج خرج لغرض صحيح ثم أرأيت لو خرج يتنزه لمسافة ألف كيلو فهل يعتبر مسافراً؟ الجواب: مسافر بالإجماع فلا أحد يعتبر أن من قطع ألف كيلو أنه ليس بمسافر مع أنه خرج يتنزه وطول وقصر المسافة لا يؤثر في الأحكام.

بعد هذه الجولة في هذه المسألة المهمة التي تمس حاجة الناس جداً إليها وإلى معرفة ضوابطها نخلص إلى أن قول الجمهور يعتبر من أحوط وأحسن الأقوال وأسهلها تطبيقاً وأن الإنسان إذا قطع هذه المسافة وخرج فإنه يعتبر مسافراً وأن القول بأنه إذا قطع اثنين وعشرين كيلو خارجاً عن البلد أنه يعتبر مسافراً قول قوي جداً ويسنده نصان صحيحان في تسمية من قطع هذه المسافة مسافراً في الشرع ويترخص ويأخذ أحكام السفر ولكن أرجع وأقول بأن قول الجمهور أحوط وأولى ومن المسائل المهعمة ما ذكرت لكم أن قول شيخ الاسلام بالتحديد بالعرف لا يقصد منه التضييق في مسألة السفر وإنما يقصد منه التوسيع وأن من خرج أصبح مسافراً وإن لم يقطع هذه المسافة التي حددها الجمهور.


أما مذهب الحنفية فهو من أضعف الأقوال لأنه اعتمد على نص لا يقصد منه أبداً تحديد من يعتبر مسافراً ومن لا يعتبر مسافراً في الشرع.
ثم إنه فيه مشقة إذ لا يعتبر الإنسان مسافراً إلا إذا قطع مسيرة ثلاثة أيام وهذه مسافة طويلة يشق على الناس تحقيقها إذا اشترطنا عليهم أنهم لا يكونوا مسافرين إلا بقطع مسافة مائة وثلاث وثلاثين كيلو فهذا فيه مشقو وبعد وليس له أصل واضح والحديث الذي ذكروه روي يومين وروي يوم وروي أقل: بريد.
- إذاً عرفنا الآن أن من سافر تسعين كيلو فبإجماع الأمة ما عدا الأحناف فإنه يعتبر مسافراً فكل فقهاء المسلمين من الصحابة ومن تبعهم والفقهاء السبعة ومن بعدهم عندهم من قطع تسعين كيلو يعتبر مسافراً وحتى شيخ الاسلام وإن كان يضبطه بالعرف فلا شك أنه عنده يعتبر مسافراً بل من قطع بريداً عنده يعتبر مسافراً.
وأما اختياره هو نفسه رحمه الله في مسألة العرف فهذا بالتجربة والعمل لا يمكن ضبطه فتختلف أعراف الناس وتختلف عادات الناس ويسميه البعض مسافر والبعض لا يسميه مسافراً مما يدخل معه الفقيه بإشكال له أول وليس له آخر وقد أشار شيخنا رحمه الله - ابن عثيمين - وإن كان يرجح القول بالعرف أن هذا القول لا ينضبط وأنه مشكل جداً وذكره في أكثر من مناسبة وذكر أن قول الجمهور منضبط وإن كان لا يفتي به لكنه رحمه الله أقر بهذا أن مذهب شيخ الإسلام لا ينضبط وأن مذهب الجمهور سهل التطبيق ومنضبط عند الفتوى.

ثم قال رحمه الله:
من سافر سفراً مباحاً أربعة برد: سن له قصر الرباعية ركعتين.
القصر مشروع بالكتاب والسنة والإجماع في الجملة.
لكن اختلفوا في حكمه:
= فذهب الجماهير الأئمة الثلاثة مالك وأحمد والشافعي إلى أن القصر سنة وليس بواجب.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- منها قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ورفح الجناح يدل على أن العمل ليس بواجب.


- واستدلوا بحديث يعلى بن أمية أنه سأل عمر بن الخطاب عن هذه الآية ({وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم}) فقال فقد أمنا فكيف نقصر فقال عمر رضي الله عنه عجبت مما عجبت منه فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم).
فقوله صدقة يدل على أنه سنة وليس بواجب.
- واستدلوا بأن عثمان رضي الله عنه صح عنه وعائشة وابن عمر وابن مسعود وغيرهم من الصحابة أتموا.
- واستدلوا بأن الصحابة كلهم أتم خلف عثمان في منى.
- واستدلوا بما أفتى به الصحابة أن المسافر إذا صلى خلف المقيم أتم ولو كانت صلاة السفر ركعتين فقط لكانت كصلاة الفجر لا يجوز أن يزيد فيها الإنسان.
وفي بعض هذه الأدلة مناقشات لكن مجموعها لا سيما الآثار والأدلة الأخيرة التي ذكرت تعتبر قوية جداً.
= والقول الثاني: للأحناف والظاهرية أن القصر واجب فإن أتم أعاد.
واستدلوا: بحديث عائشة الصحيح أنها قالت: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر).
فقولها رضي الله عنها: فرضت. دليل على أن الركعتين فرض.
وأجابوا عن هذا الأثر بأجوبة كثيرة:
- منها أنه صح عن عائشة أنها أتمت.
- ومنها أن هذا قول لعائشة لا يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومنها أن هذا الحديث حديث شاذ مخالف لظاهر القرآن. ووجه مخالفته لظاهر القرآن أن القرأن دل على أن الأربع هي الأصل {لاجناح عليكم أن تقصروا} وحديث عائشة دل على أن الركعتين هي الأصل فهذا مخالف لظاهر القرآن.
والدليل الثاني: للقائلين بالوجوب حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة السفر ركعتين والحضر أربع وفي الخوف ركعة).
والجواب عن هذا الحديث: أن العلماء أجمعوا على أنه لا يجب أن يصلي الإنسان في الخوف ركعة واحدة فكذلك في السفر.
وفي الحقيقة الأجوبة على أثر عائشة وأثر ابن عباس كلها ضعيفة وكلها ممكن أن تناقش مناقشة قوية جداً ولا تثبت الأجوبة عند المناقشة


الراجح: مع ذلك الراجح قول الجمهور للآثار لأن نعلم قطعاً أن الصحابة صلوا أحياناً أربعاً ونعلم أن جمهور الصحابة صلوا خلف عثمان رضي الله عنه أربعاً ولو كانت فريضة صلاة السفر ركعتين لأنكروا على عثمان لأنه كما يكون كما لو زاد في الظهر ركعة فصارت خمساً فهذا التصرف من الصحابة دليل على أنه لا يجب.
وهناك دليل في الحقيقة قوي للجمهور ومن الممكن أن نستدل به وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم هو نفسه أتم في صلاة الخوف فإنه صلى بالطائفة الأولى ركعتين ثم صلى بالركعة الثانية ركعتين فصارت له أربع ولهم ركعتين فهذا يستدل به أنه يجوز أن يتم (((والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أبداً أنه أتم في السفر إلا في صورة واحدة وقد تكون محل أخذ وعطاء وهي هذه الصورة - صلاة الخوف))).
وعلى كل حال: القول بالوجوب ليس بقوي.
= القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد أن الإتمام مكروه وهو راجع لقول الجمهور أنه يسن القصر والإتمام من فعله فهو مكروه وهذا اختيار شيخ الاسلام وبه تجتمع الأدلة.
إذاً الراجح إن شاء الله أن لا يجب على الإنسان أن يقصر لكنه إن أتم من غير أن يكون خلف مقيم فقد فعل مكروهاً ولا ينبغي أبداً لطالب العلم ولا للمسلم أبداً أن يتم إذا لم يكن خلف مقيم لأن هذا فيهخ مخالفة صريحة جداً للسنة وابن مسعود لما أتم عثمان قال إما لله وإنا إليه راجعون وهي كلمة تقال عند المصائب فاعتبر هذا الفعل من المصائب لأنه مخالفة صريحة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أبو بكر وعمر.
فالراجح الثالث وهو داخل في الثاني أنه مكروه.

ثم قال رحمه الله.
إذا فارق عامر قريته أو خيام قومه.

يريد المؤلف رحمه الله أن يبين متى يبدأ الإنسان بأحكام السفر إذا كان يريد أن يقطع مسافة القصر. وهي عند الحنايلة أربعة برد.

يقول: إذا فارق عامر قريته: فإذا خرج الإنسان عن حدود المدينة العامرة بالسكن جاز له أن يترخص برخص السفر.
- فإن كانت أطراف المدينة خرابات ليس فيها ساكن جاز له أن يبدأ بأحكام السفر من حين يفارق عامر القرية وإن لم يفارق هذه البيوت الخربة.


- وإن كان في أطراف البلد مزارع لا تسكن - وهذا قيد ضروري - وإنما يخرج إليها الناس ويرجعون جاز له أن يترخص بأحكام السفر إذا فارق عامر القرية وإن لم يفارق هذه المزارع الملحقة بالبلد.
فإذاً الضابط هو: عامر القرية.

الدليل: - الأول: أن السفر في اللغة لا يطلق إلا على من ظعن وخرج عن بيته وقريته لأنه بذلك يسفر أي يصبح ظاهراً لا تحده البنيان.

ذو القعدة الثاني: أنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة أسفاره أنه قصر بالمدينة قبل أن يخرج.
ذو القعدة
= والقول الثاني: أن من عزم على السفر وأراد أن يقطع مسافة القصر جاز له أن يترخص من بيته. فيفطر ويقصر ويجمع ويخرج.

واستدلوا على هذا:
- بأنه روي عن اثنين من الصحابة أنهم فعلوا ذلك.
- ولأنه من حين نوى السفر فإنه يصدق عليه اسم المسافر.
والصواب القول الأول: وهو مذهب الجماهير من الصحابة ومن بعدهم. أنه لا ترخص إلا إذا فارق عامر قريته.
• قال رحمه الله:
أو خيام قومه.
إذا فارق خيام القوم أي تجاوز الخيام إذا كان من سكان البادية جاز له بمجرد المفارقة أن يبدأ بأحكام السفر.
= مسألة: فإن كان سفره عن طريق البحر فينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: أن يركب السفينة ويسافر لا ماحاذياً للشاطيء
(فالإنسان الذي يخرج من جده ويريد اليمن فإنه يكون محاذياً للشاطيء بينما إذا أراد أن يذهب إلى مصر فإنه يجعل جده في ظهره ولا يحاذي الشاطيء).
فإن كان يسافر محاذياً للشاطيء فإنه لا يترخص حتى يفارق عامر القرية فينظر عن شماله إذا كان الشاطيء عن شماله فإذا فارق عامر القرية بدأ بأحكام السفر.
وإن سافر لا محاذياً للشاطيء فإن كان ينتقل من الشاطيء إلى سفينة السفر - التي سيسافر عليها - بمركب صغير فبمجرد مغادرة هذا المركب فإنه يعتبر مسافراً.
وإذا كان يركب السفينة التي يريد أن يسافر عليها ابتداءً فإنه بمجرد أن ينفصل عن الشاطيء فإنه يعتبر مسافراً. ولا يشترط أن يقطع مسافة يصبح بعدها لا يرى المدينة فهذا ليس له علاقة بالسفر وإنما بمجرد ما ينطلق من الشاطيء إذا كان ركب سفينة سيسافر عليها هي فإنه يعتبر مسافراً.


= أما الجو فليس له علاقة إما أن يكون المطار في البلد كالمطار القديم للرياض أو أن يكون المطار خارج البلد كالمطار الحديث للرياض.
فإن كان في مطار داهل البلد فإنه لا يترخص حتى تقلع الطائرة.
وإن كان في مطار بعيد فمن حين أن يخرج من مدينته إلى المطار فإنه يعتبر مسافراً ويترخص برخص السفر.
• ثم قال رحمه الله:
وإن أحرم حضراً ثم سافر، أو سفراً ثم أقام ... أتم.
- إذا أحرم الإنسان حضراً ثم سافر ومثاله: أن يركب في السفينة وهي على الشاطيء ويكبر ثم لما كبر انطلقت السفينة فهو أحرم مقيماً ثم سافر.
- وإن أحرم مسافراً ثم أقام فالعكس تماماً. فقبيل وصول السفينة كبر فهو مسافر ثم وصلت إلى المدينة فهو الآن في الحضر.
في الصورتين عند الحنابلة يتم.
الدليل: أنه اجتمع في حقه مبيح وحاضر أو اجتمع في حقه سبب القصر والإتمام فغلبنا الإحتياط وهو الإتمام أو غلبنا الحاضر وهو الإتمام.
ولو قيل:
- إذا أحرم مسافراً ثم أقام يتم.
- وإذا أحرم مقيماً ثم سافر فيقصر. لكان قولاً قوياً ولكني لم أقف عليه لأن هذا في الحقيقة هو المتوافق مع قواعد الشرع ...... الآذان ....
- - بعد الآذان قال حفظه الله:
فقط نريد إتمام هذه المسألة: أقول: لو قيل بهذا القول لكان قولاً متوجهاً.
والتعليل: أن الشارع دائماً يحكم على الإنسان بحسب حاله. فالحال التي يتلبس بها فإنه يأخذ أحكامها.
وقد أخذنا نظير هذا عند الفقهاء في من مسح مسافراً ثم أقام ومن مسح مقيماً ثم سافر.
فنلاحظ في القول الراجح دائماً أن الإنسان يعطى بحسب حكمه.
فمثلاً - لو أفطر الإنسان بعد غروب الشمس ثم أقعلت الطائرة ورأى الشمس فالآن حاله أنه يفطر فيبقى مستمراً على الإفطار لأن حاله الشرعي أنه مفطر بينما لو تقلع الطائرة قبل أن تغرب الشمس بقليل ويستمر في رؤية الشمس فإنه يستمر صائماً إلى أن تغيب عليه الشمس.
فالمنظر للإنسان هو بحسب حاله.
كذلك نقول هنا: هو الآن أحرم بالصلاة مقيماً ولكنه صار مسافراً فتصدق عليه أحكام السفر ولو أحرم مقيماً وكذلك العكس.


فلو قيل بهذا القول - وبحثت عن قائل من الفقهاء - ولم أجد وإن كنت أتوقع أنه يوجد مع التوسع في البحث لكن نقول إن قيل بهذا القول فهو قول قوي جداً ومتوجه.
فإذا كبر الإنسان وهذا يحصل أحياناً ثم فوجيء بأن السفينة تحركت فنقول أقصر الصلاة لأنك الآن أصبحت مسافراً.

انتهى الدرس،،،


تابع: فصل أحكام قصر الصلاة
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• يقول المؤلف رحمه الله:
أو ذكر صلاة حضر في سفر.
أي فإنه يتم إذا نسي الإنسان صلاة الحضر ولم يتذكرها إلا وهو في السفر فإنه عند الحنابلة يتم بل عند الجمهور يتم بل حكي إجماعاً أنه يتم، لأن الصلاة التي وجبت في ذمته واستقرت صلاة حضر فيجب أن يؤديها كما وجبت في ذمته فيصليها ولو كان في سفر أربعاً.
والمسألة قلت لكم أنه حكي فيها الإجماع لكن فيها خلاف.
= فالقول الثاني: لابن حزم أنه يصليها قصراً باعتبار أنه الآن مسافر.
والصواب مع الجماهير وهو أنه يصليها صلاة حضر لأنها هي التي وجبت في ذمتها.
• ثم قال رحمه الله:
أو عكسها
يعني من ذكر صلاة سفر في حضر فإنه أيضاً عند الجمهور يجب عليه أن يتم.
واستدلوا على ذلك: بأن القصر من رخص السفر وقد زال هذا السبب فهو الآن في حضر.
= القول الثاني: أنه يقصر ولو ذكرها في حضر لدليلين:
الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها). أي: فليصل ذات الصلاة والصلاة المنسية الآن صلاة سفر.
الثاني: أن الصلاة التي وجبت في ذمته وجبت مقصورة فلا يجب عليه أكثر من ذلك.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب. فإذا تذكر الإنسان وهو في الحضر أنه نسي صلاة سفر فإنه يصليها ركعتين.
وهذه المسألة تدل على قوة ووجاهة القول السابق فيمن أحرم سفراً ثم دخل المدينة أو العكس من أحرم حضراً ثم سافر.
فهنا القول الثاني جعله باعتبار واقع وحقيقة الإنسان وأن الصلاة وجبت عليه أثناء السفر فلم يوجبوا عليه أكثر من ذلك وقلت أنه الراجح وهو يتوافق مع ما استظهرته في المسألة السابقة.


• ثم قال رحمه الله:
أو ائتم بمقيم.
أي يجب على المسافر إذا ائتم بمقيم أن يتم وهذا مذهب الأئمة الثلاثة الحنابلة والأحناف والشافعية.
واستدلوا على هذا بأدلة:
الدليل الأول: بأن رجلاً من التابعين سأل ابن عباس رضي الله عنهما: مالنا إذا صلينا خلف المقيم نتم ونحن على سفر؟ فقال: تلك سنة أبي القاسم.
الدليل الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به).
الدليل الثالث: فتاوى الصحابة منهم: ابن عمر وابن عباس فقد أفتوا المسافر الذي يأتم بمقيم أن يتم.
= القول الثاني: في هذه المسألة: وهو مذهب المالكية ورواية عن الإمام أحمد واختاره شيخ الاسلام بن تيمية: أن المسافر إذا ائتم بمقيم فإنه يصلي أربعاً إذا أدرك ركعة فأكثر وإلا فإنه يقصر.
واستدلوا على ذلك:
بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) والمسافر الذي لم يدرك ركعة مع المقيم لم يدرك الصلاة والواجب في حقه أو المسنون على الخلاف السابق أن يصلي ركعتين باعتباره مسافراً.
وهذا القول - الثاني - هو القول الراجح. فإذا لم تدرك مع المقيم ولا ركعة أو إذا لم تدرك إلا أقل من ركعة فإنك تصلي ركعتين لأن هذه هي السنة في حق المسافر وهذا المسافر الذب ائتم بالمقيم لم يدرك الصلاة معه.
وفي المسألة أقوال أخرى لكن ذكرت أقوى قولين منها.
• ثم قال رحمه الله:
أو بمن يشك فيه.
أي إذا ائتم المسافر بإمام يشك هل هو مسافر فإن الواجب عليه أن يتم بناء على أن من صلى خلف مقيم فيجب عليه أن يتم فإذا شك فإنه يتم احتياطاً وخروجاً من بطلان صلاته.
فإذا قال المسافر المؤتم: إن قَصَر قَصَرتُ وإن أَتَمَّ أَتْمَمَتُ صحت صلاته حتى عند الحنابلة.
إذاً في الحقيقة إذا أدرك المأموم الصلاة مع الإمام من أولها فلا إشكال لأنه يقول: إن قصر قصرت وإن أتم أتممت.
لكن الإشكال إذا صلى مع الإمام في أثناء الصلاة فحينئذ إما أن يتبين أنه مسافر أو مقيم.
فإن تبين أنه مسافر فسيقصر فإذا أدرك معه ركعة فسيأتي بركعة في الظهر مثلاً.
وإن دخل مع الإمام في أثناء الصلاة وهو مسافر فأيضاً لا إشكال لأنه أذا أدرك ركعة فسيأتي بثلاث في الظهر مثلاً.


لكن الإشكال في الحقيقة إذا دخل وهو لا يدري هل الإمام مقيم أو مسافر ولم يدرك الصلاة من الأول حتى يعلقها لأنه إذا سلم الإمام فإنه لا يدري هل الإمام صلى ركعتين أو صلى أربعاً فحينئذٍ نقول إن وجدت قرائن تدل على أن الإمام مسافر أو مقيم عمل بهذه القرائن ولا حرج عليه وغالباً ما تكون القرائن في مساجد الطرقات أو مساجد المطارات أو مساجد القطارات.
يعني المساجد التي في أماكن السفر.
وإذا لم توجد قرينة مطلقاً فالمذهب أنه يتم وهذا هو الصواب أنه يتم لأنه إذا صلى خلف مقيم وقصر بطلت صلاته.
فخروجاً من هذا الخلاف وتصحيحاً لصلاته نقول إذا شككت ولم يترجح عندك مرجح أو لم يوجد قرينة ترجح أنه مقيم أو مسافر فإنك تتم.

• ثم قال رحمه الله:
أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها.
إذا أحرم المسافر بصلاة يلزمه إتمامها ثم فسدت لأي سبب من الأسباب التي تفسد الصلاة فإنه إذا أراد أن يعيد هذه الصلاة فإنه يجبل عليه أن يتم.
مثالها: كأن يقتدي مسافر بمقيم ففي هذه الصورة يجب عليه أن يتم فلو فسدت الصلاة - صلاة المأموم أثناء صلاة الجماعة فإنه إذا أراد أن يعيد هذه الصلاة فيجب عليه أن يصلي أربعاً وهو مذهب الجمهور.
= والقول الثاني: - في هذه المسألة - أنه إذا فسدت عليه في حال يجب عليه أن يتمها ثم أرادأن يصليها مرة أخرى فإنه يصليها قصراً.
التعليل؟ التعليل: أنه إنما وجب عليه أن يتم لأنه يصلي وراء مقيم وقد زال هذا السبب فيزول حكمه فنقول الآن صل صلاة مسافر.
وهذا مذهب الأحناف وهو الأوجه والأقوى.

ثم قال رحمه الله:
أو لم ينوِ القصر عند إحرامها.
أفادنا المؤلف أنه يجب على المسافر إذا أراد أن يقصر أن ينوي أنه يريد القصر قبل أن يحرم بالصلاة.
فإن لم ينو قبل دخوله في الصلاة فإنه لا يجوز له أن يقصر.
الدليل على ذلك: أن المصلي إذا أراد أن يصلي ولم ينو شيئاً فإن الأصل الإتمام فتنصرف النية إلى الإتمام. أي: فكأنه نوى الإتمام.

= والقول الثاني: أنه لا يشترط لمن أراد أن يقصر الصلاة أن ينو قبل أن يحرم فلو ذهل أو نسي ولم ينو إلا بعد أن كبر جاز له أن يصلي قصراً.
لدليلين:
الأول: أن الأصل في صلاة المسافر القصر عكس ما قاله الحنابلة.


الثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا خرج بأصحابه وأراد أن يقصر قصر بلا تنبيه إلى نية القصر ولو كانت النية واجبة وشرط لصحة القصر لبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيقصر لينووا القصر.
ثالثاً: لا دليل على اشتراط هذا الشرط. والأصل في العبادات التوقيف حتى يأتي دليل.

• ثم قال رحمه الله:
أو شك في نيته.
يعني أن المسافر إذا أراد أن يصلي وشك هل نوى القصر أو لم ينو فالواجب عليه عند الحنابلة أن يتم.
والتعليل؟
التعليل: أن الشك في النية يعني بطلانها لأن الأصل عدم النية.
وكما هو ظاهر فإن هذا الحكم مبني على الحكم السابق وهو اشتراط النية للقصر وتقدم معنا أن الصواب أنه لا يشترط أن ينوي القصر فإذا شك فإنه يقصر لأنه إذا لم ينو أصلاً يقصر فضلاً عن مسألة إذا شك هل نوى أو لم ينو.

ثم قال رحمه الله:
أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.
يشترط عند الحنابلة أن لا ينوي المسافر إذا أقام في البلد الذي سافر إليه الإقامة أكثر من أربعة أيام.
فإن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه أن يتم فمن شروط القصر أن لا ينوي أكثر من أربعة أيام.
وهذا معنى المؤلف رحمه الله هنا: أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام إلى أن قال: لزمه أن يتم.
أما إن نوى إقامة أربعة أيام فيجوز له أن يقصر لكن إن نوى أكثر من أربعة أيام وجب عليه أن يتم.
وهذا مذهب الجماهير أحمد ومالك والشافعي.
إلا أن الفرق بين أحمد ومالك والشافعي:
أن أحمد يحتسب عليه يوم الدخول والخروج.
والشافعي ومالك لا يحتسبون على المسافر يوم الدخول والخروج.
ففي الحقيقة بناء على هذا كأن مذهب المالكية والشافعية ستة أيام ومذهب الحنابلة أربعة لكن هو ينسب للجمهور على أن ينبه أن يومي الدخول والخروج يحتسبان عند أحمد ولا يحتسبان عند مالك والشافعي.


وما قلته لكم في مسألة المسافة التي يشترط أن يقطعها المسافر لتثبت له أحكام السفر أقوله هنا: وهي أنها مسألة كثر فيها الاختلاف والاضطراب وتشعبت فيها الأقوال جداً وبلغت الأقوال عدداً كبيراً واختلفت الأدلة واختلفت الآثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بل عن الفقهاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي في الإشكال تشبه تلك المسألة.
إذاًَ هذا هو مذهب الجمهور وهو أنه تحد المدة التي إذا جلسها صار مقيماً بأكثر من أربعة أيام فإن جلي أربعة فأقل فهو مسافر فإن جلس أكثر من أربعة فهو مقيم لا يترخص برخص السفر.
استدلوا على ذلك بأدلة منها:
الدليل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن للمهاجر أن يبقى في مكة أكثر من ثلاثة أيام فقالوا: جعل بقائه في مكة ثلاثة أيام لا يخرجه عن السفر وأكثر من ذلك يجعله من المقيمين: والجواب عليه: من وجهين:
- الوجه الأول: أن هذا الحديث لا يتعلق مطلقاً بأحكام السفر وإنما يتحدث عن أحكام الهجرة فمن هاجر من بلد ثم رجع إليه فلا يجوز له أن يبقى فيه أكثر من ثلاثة أيام أو نقول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز لهم أن يبقوا في مكة بعد أن هاجروا منها أكثر من ثلاثة أيام.
- الوجه الثاني: أن الحديث فيه ثلاثة أيام والجمهور يقولون أربعة أيام.
الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع دخل في صبيحة اليوم الرابع وجلس في الأبطح اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وفي اليوم الثامن صلى الفجر وبعد الصلاة خرج إلى منى فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام هذا المدة وهو يعلم أنه سيجلس أربعة أيام قطعاً لأنه جاء في اليوم الرابع ويعلم أن لن يذهب إلى منى إلا في اليوم الثامن فمع كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنه سيبقى أربعة أيام ظل يقصر الصلاة فدل ذلك على أن هذه المدة يقصر فيها المسافر الصلاة وما عداها يرجع إلى الأصل وهو الإتمام.
والجواب عليه من وجوه كثيرة والاستدلال به ضعيف لكن نأخذ بعض هذه الوجوه:


- الوجه الأول: أن نقول لهم ما قاله شيخ الاسلام من أين لكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قدم صبيحة الثالث لن يقصر في اليوم الثامن فليس في النص ما يدل على هذا مطلقاً بل وقع الأمر اتفاقاً.
- الوجه الثاني: وهو أقوى من الوجه الأول: أن عدداً كبيراً من الحجاج جاءوا إلى مكة قبل اليوم الرابع في اليوم الثاني والثالث والأول .. إلى آخره ومع ذلك لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم من قدم قبل اليوم الرابع فليتم الصلاة لأنه سيجلس أكثر من أربعة أيام.
- الوجه الثالث والأخير: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فتح مكة جلس تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة ومن المعلوم أن دخول الفاتح والأمير إلى مصر من الأمصار يحتاج لكي يبقى في هذه المدينة يرتب الأمور ويقرر الشئون الإدارية في هذا البلد المفتوح ويرسل الجيوش إلى النواحي القريبة والمدن والقرى أن مثل هذا يحتاج أكثر من أربعة أيام فنحن نعلم قطعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل فاتحاً يعلم أنه سيجلس أكثر من أربعة أيام لأن مثل هذا الأعمال التي كان ينوي أن يقوم بها لا يمكن أن تقضى في أربعة أيام.
فإذاً الاستدلال بهذا الحديث في الحقيقة فيه ضعف ولا يدل أبداً على مقصود الجمهور.
= القول الثاني: أن المسافر إذا جلس خمسة عشر يوماً فإنه يترخص وأما إن جلس أكثر فلا يترخص وهو مذهب الأحناف.
واستدلوا: بالأثر المشهور عن ابن عباس أنه قال: إذا دخلت بلداً وفي نفسك أن تقيم فيه خمسة عشر يوماً فاقصر وإن كنت تقيم أكثر فأتم.
فحدد ابن عباس في هذا الأثر المدة التي تنقل المسافر من أحكام السفر إلى الإقامة بخمسة عشر يوماً.
والجواب عليه:
- أنه روي عن عباس خلاف ذلك.
- وأنه يخالف ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث جلس تسعة عشر يوماً في مكة
= القول الثالث: مذهب الظاهرية أنه إن جلس عشرين يوماً قصر وإلا يتم.
دليله: قالوا: أكثر ما جاء في السنة مكثه - صلى الله عليه وسلم - في تبوك عشرين يوماً ولم يأت في السنة أكثر من عشرين يوماً فنتمسك بأكثر ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.


= القول الرابع - والأخير -: أنه لا حد لأقل مدة يمكثها المسافر بل ما دام في السفر فإنه يأخذ أحكام المسافر وإن طالت المدة وإن جلس شهوراً وإن جلس سنين.
لأن الله سبحانه وتعالى جعل الناس على قسمين مستوطن ومسافر فما دام الإنسان مسافراً لم يرجع إلى وطنه وبيته فله أن يترخص برخص السفر وإن طالت المدة.
واستدلوا على ذلك: - بأن الشارع الحكيم ربط أحكام السفر بالسفر وأطلق ولم يحدد مدة إذا تجاوزها الإنسان انقطعت عنه أحكام السفر وإذا لم يحدد الشارع حداً للمدة صار تحديدها تحكماً لا يجوز.
وهذا القول اختاره شيخ الاسلام ونصره وكذلك ابن القيم ونصره أيضاً وهو القول الراجح.
= بقينا في مسألة أثارها بعض الباحثين: وكثر أيضاً الكلام فيها وهي:
هل يعتبر من جاء للعمل الطويل أو للدراسة الطويلة هل يعتبر من المسافرين أو لا يعتبر؟
= فمن الفقهاء من قال: مادام جاء للدراسة أو للعمل وسيرجع إذا انتهى من عمله فهو مسافر يترخص برخص السفر وإن طال مقامه. وإلى هذا ذهب شيخنا - ابن عثيمين - رحمه الله ونصره برسالة موجودة وذكر أدلة كثيرة من الآثار والنقل والعقل والقياس ... إلى آخره.
= والقول الثاني - في هذه المسألة - أن من جاء لعمل أو لدراسة وأخذ منزلاً وبيتاً وزوجة واستقر وأقام فإنه لا يعتبر مسافراً في هذه الحالة لأنه انقطعت عنه أحكام السفر وأصبح مقيماً وإلى هذا ذهب عدد من الباحثين.
والراجح والله أعلم ما اختاره شيخنا.
وسبب الترجيح: أن هناك مجموعة من الآثار لا أرى أن الجواب عليها سديد أو لم أقف على جواب عنها يكون واضحاً - آثار عن الصحابة توافق قول شيخنا ولم أر أن الذين بحثوا هذه المسألة أجابوا عنها بما يكفي على أقل تقدير نذكر منها بعض الآثار: -


الأثر الأول: ما صح عن أنس - رضي الله عنه - بإسناد صحيح أو حسن - أنه مكث والياً على الخراج أي للجباية لمدة سنتين وقصر الصلاة وقال أردت السنة. فهذا الأثر فيه أن أنس ذهب وولي على الأموال لاستخرج الخراج في هذه المنطقة التي ولي عليها وبقي فيها لمدة سنتين وهو يقصر ومن المعلوم أن أنس - رضي الله عنه - في مدة إقامته في تلك البلدة اتخذ مكاناً للجلوس وأعد ما يحتاج إليه لمكثه هذا الفترة الطويلة. نعم. لا أذكر أن في الأثر أنه مثلاً نقل معه أهله أو لم ينقلهم ولكن هذا لا يؤثر في الحكم فما دام بقي لمدة سنتين يقصر الصلاة وهو يعلم أنه سيبقى هذه المدة الطويلة والياً على هذه المنطقة في عمل محدد فأرى أنه تصبح حاله حال المسافرين المعاصرين للعمل أو للدراسة أو للعلاج إذا كان العلاج طويلاً.
الأثر الثاني: أن أبا المنهال وهو من تلاميذ ابن عباس سأل ابن عباس أنه يأتي إلى المدينة ويبقى حولاً لا يريد السفر فقال له ابن عباس صل ركعتين. فهذا التابعي بقي في المدينة لمدة سنة ومن خلال السؤال تعلم أنه يعلم أنه سيبقى سنة لأنه يسأل عن ابن عباس عن هذا الأمر وهو أنه سبيقى في المدينة لمدة سنة بل إنه اعتاد على هذا فهو يسأل عن أمر اعتاده وهو أنه يقدم إلى المدينة ويجلس فيها سنة ومع ذلك أمره أن يصلي سنة.
الأثر الأخير: مسروق وهو من كبار تلاميذ ابن مسعود ولي أيضاً في منطقة السلسلة وهي منطقة في مدينة واسط وواسط تقع بين الكوفة والبصرة - هذه المنطقة السلسة هي في مدينة واسط هكذا فهمت من الذين تكلموا عن البلدان - بقي في هذه المنطقة لمدة سنتين يقصر الصلاة وأيضاً لما سأل قال أردت السنة وولي أيضاً فيها لأخذ جباية الأموال من المعشرات والزكاة ومن يمر بهذه المنطقة من أصحاب السفن والجمال فالمهم أنه كلف بعمل في هذه المنطقة.


ففي الباب آثار وذكرت ثلاثة منها وقد ذكر عبد الرزاق قي مصنفه وابن أبي شيبة عدداً من الآثار وذكر ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار في مسند عمر ومسند علي عدداً من الآثار ربما لو تفرغ لها الإنسان وجمع الآثار المشابهة لهذه الآثار لجاءت عدداً لا بأس به من الآثار التي عن الصحابة التي بقوا فيها مدداً طويلة يقصرون الصلاة لأنهم عازمون على الرجوع إلى بلد الإقامة.
إذاً الخلاصة أن هذه الآثار تجعل الإنسان يرجح القول القائل بأنه وإن بقي مدة طويلة للدراسة أو للعمل فما دام عازماً على الرجوع ويعتبر نفسه مسافراًَ أنه يترخص برخص السفر وإذا أراد الإنسان أن يحتاط في هذه المسألة والخلاف فيها قوي جداً ووجهة نظر القائلين بأنه إذا أخذ مكاناً وزوجة وتأهل يتم وأن أحكام السفر انقطعت عنه فليس بالمسافر قولهم قوي ووجيه ولكن من حيث الدليل يظهر لي أن الأقرب للآثار المروية عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يترخص برخص السفر.
• ثم قال رحمه الله:
أو ملاحاً معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد: لزمه أن يتم.
إذا كان الإنسان ملاحاً في سفينة فإنه يتم بشرطين:
أن تكون السفينة هي بيته.
وأن يكون معه أهله.
فإذا كانت السفينة هي بيته ومعه أهله فهذا في الحقيقة لا يعتبر مسافراً بل مقيم لأنه لا يوجد بيت يرجع إليه فهو ليس بظاعن وإنما مقيم.
فإذا انطبق الشرطان وجب عليه أن يتم ولا يجوز له أن يترخص ولا في أثناء تنقله من المدن من مدينة إلى مدينة فإنه يبقى مسافراً.
= والقول الثاني: وهو للشافعية أن الملاح الذي اتخذ السفينة بيتاً ومعه فيها أهله يقصر الصلاة لأنه وإن اتخذها بيتاً ومعه أهله فهو مسافر يقطع المسافات ذهاباً وإياباً ولا يستقر ببلد معين ولا يمكن أن نعتبر السفينة هي موطن نهائي لهذا الملاح.
والصواب مع الجمهور لأن هذا الملاح لا يعتبر مسافراً فهو في بيته وبين أهله ولا ينتظر رجوعاً فليس له مكان يرجع إليه وإنما هذا هو مكانه.
لكن السؤال: هذا الملاح إذا قررنا أن سفينته بيته إذا نزل إلى المدينة التي خرج منها هل يقصر؟


الجواب: في الحقيقة المسألة مشكلة ولم أر الفقهاء ذكروها لكن ذكرتها من باب المدارسة فقط ويظهر لي أنه إذا اعتبرنا أن سفينته هي البيت الذي يسكن فيه ومنعناه من الترخص فإنه إذا رجع لمدة يوم أو يومين لأخذ أغراض ولو كان لمدينته التي كانت هي مدينته فإنه يترخص لأنه من الظلم له أن نعتبره في السفينة مقيم ونعتبره أيضاً في المدينة التي نزل إليها مقيماً أيضاًَ بل نجعله في هذه المدينة مسافراً وفي السفينة مقيم فهذا يتوافق مع ما قرره الفقهاء من أن السفينة هي مكان الإقامة الدائمة بالنسبة له فإذاً إذا نزل فيعتبر مسافر ولو كانت مدينته الأصلية.

ثم قال رحمه الله:
وإن كان له طريقان فسلك أبعدهما .... قصر.
إذا كان للمسافر طريقان فينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون كل من الطريقين مسافة قصر فحينئذ يقصر إذا سلك أياً من الطريقين بالإجماع.
القسم الثاني: إذا كان أحد الطريقين مسافة قصر والآخر دون ذلك فهذا ينقسم إلى قسمين:
إما أن يسلك الأطول لغرض صحيح كأن يكون الأطول أكثر أماناًَ أو أجود طريقاًَ أو أكثر خدمات أو لأي غرض صحيح فحينئذ لا إشكال أيضاً أنه يقصر.
الصورة الثانية: أنه سلك الأطول وليس له غرض إلا ليقصر فاختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
= القول الأول: أنه يقصر لأنه مسافر سفراً مباحاً طويلاً فانطبق عليه التعريف.
= القول الثاني: أنه لا يقصر لأنه سلك الأطول لا لغرض صحيح وإنما لمجرد القصر.
والأقرب والله أعلم أنه يقصر وإن لم يسلك هذا الطريق إلا ليقصر.


وكثير من إخواننا طلاب العلم يخلط بين هذه المسألة وبين مسألة من سافر ليقصر فإنها مسألة أخرى ليس لها علاقة في بحثنا وستأتينا فمن سافر ليقصر أو من سافر ليفطر فهذه مسألة أخرى سيأتينا أن الصواب أنه لا يقصر ولا يفطر لكن هذا الرجل سيسافر يعني لا لأجل قصر ولا للفطر يعني على كل حال سيسافر لكنه اختار الطريق الأطول ليترخص فقط وإلا هو سيسافر. ففي مثل هذه الصورة لا أرى مانعاً من القصر والله سبحانه وتعالى أجاز له أن يقصر وإذا أراد أن يسلك طريقاًَ ليترخص برخصة جعلها الله سبحانه وتعالى للطريق الطويل فأي مانع من هذا ولا أرى أنها تتعارض مع قاعدة الحيل لأنه يصدق عليه أنه سلك طريقاً يجوز معه القصر.
• ثم قال رحمه الله:
أو ذكر صلاة سفر في آخر: قصر.
إذا نسي الإنسان صلاة الظهر في أثناء سفره إلى الرياض مثلاً ثم رجع إلى مدينته ثم سافر إلى مكة وفي مكة تذكر أنه نسي صلاة الظهر حين كان مسافراً في الرياض فإنه يقصر ولا إشكال.
الدليل: أنها حين الوجوب وحين الأداء كانت في السفر فلا إشكال أنه يقصر حتى عند الحنابلة وذلك لوضوح الأمر لأنه صلاها ووجبت عليه في السفر.

ثم قال رحمه الله:
وإن حبس ولم ينو إقامة .... قصر أبداً.
إذا حبس ولم ينو الإقامة في هذا المكان الذي حبس فيه فإنه يقصر أبداً.
أمثلة الحبس:
الأول: كأن تتعطل السيارة وليس له وسيلة للانتقال إلا هي فهو الآن محبوس على سيارته في هذه المدينة ينتظر إتمام إصلاح هذه السيارة ويخرج.
المثال الثاني: أن يحبس ظلماًَ يمسك في هذا البلد ويدخل في السجن ظلماً فهو الآن ليس له قصد في الإقامة ولكنه محبوس فيها فهذا المسافر يقصر أبداً.
والدليل على ذلك: أن ابن عمر رضي الله عنه لما ذهب غازياً مجاهداً في أذربيجان حبسهم الثلج لم يستطيعوا الدخول ولا الخروج وبقي الثلج لمدة ستة أشهر فلما ذهب وماع خرج - رضي الله عنه -. في هذه الستة أشهر كان يقصر الصلاة.
فإذاً لا إشكال في هذه الصورة أنه إذا حبس الإنسان بغير إرادته فإنه يقصر ولو بقي مدة طويلة.
• ثم قال رحمه الله:
أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة: قصر أبداً.
إذا بقي الإنسان في البلد لقضاء حاجة ثم الخروج بعد ذلك فهو ينقسم إلى قسمين:


القسم الأول: أن لا يعلم أنهال تنتهي بعد أربعة أيام يقول: لا أدري أتستغرق أربعة أيام أو أقل ففي هذه الصورة يقصر بالإجماع وإن بقي مدة طويلة.
القسم الثاني أن يعلم أن حاجته لا تنقضي إلا بأكثر من أربعة أيام فحينئذ نرجع للخلاف السابق وهو: = عند الحنابلة إذا كان سيبقى أكثر من أربعة أيام يتم على الخلاف السابق في مسألة تحديد المدة التي إذا تجاوزها الإنسان انتقل من أحكام السفر إلى أحكام الإقامة فإذا نقول إذا علم أنها لن تنقضي إلا بأكثر من أربعة أيام ففيها الخلاف السابق. والراجح يبقى وإن طالت المدة فإذا قدم الإنسان إلى بلد من البلدان لقضاء حاجة أي نوع من أنواع الحاجات سواء تتعلق بالنظام الإداري أو بزواجه أو بتجارته أو تتعلق بأهله فإنه يقصر وإن بقي أشهراً أو أكثر من ذلك.

فصل
[الجمع بين الصلاتين]
• ثم قال رحمه الله:
(فصل) يجوز الجمع.
يريد المؤلف أن يتكلم في هذا الفصل عن أحكام الجمع سواء كان للسفر أو للمطر أو للمرض وهي الأعذار الثلاثة التي ذكرت لكم أنها الأعذار التي تبيح الجمع.
• يقول رحمه الله:
يجوز
قوله: يجوز. يعني فلا يكره ولا يستحب لكن مع ذلك نص الحنابلة على أنه خلاف الأولى إلا جمعي عرفة ومزدلفة فهو سنة ومستحب.
وإذا أردنا أن نلخص مذهب الحنابلة فإنهم يقولون الجمع ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: جمعي عرفة ومزدلفة فهذا مستحب.
القسيم الثاني: باقي أنواع الجمع فهذا يجوز بلا كراهة ولا استحباب وهو خلاف الأولى.
وعللوا كونه خلاف الأولى: بأنه محل خلاف - خروجاً من الخلاف.
= القول الثاني: في هذه المسألة وهو رواية عن أحمد أن الأفضل الجمع عند وجود شرطه.
= والقول الثالث: وهو اختيار شيخ الاسلام أن الجمع يرجع إلى الحاجة فإن وجدت فالأفضل الجمع وإن لم توجد فالأفضل أن لا يجمع سواء كان مسافراً أو مقيماً.
إذاً هذا معنى قول المؤلف رحمه الله:
يجوز الجمع بين الظهرين وبين العشائين: في وقت إحداهما في سفر قصر.
إذاً المؤلف رحمه الله يتكلم عن عذر السفر وسيتكلم عن عذر المطر ثم عن عذر المرض.

يقول رحمه الله:
في سفر قصر.


الجمع في السفر حكمه عند الحنابلة أنه يجوز وهذه المسألة أيضاً فيها خلاف متشعب لكنه أقل من الخلاف في المسألتين السابقتين التي أشرت إلى شدة الخلاف فيهما.
فنقول:
=ذهب الجماهير من السلف والخلف إلى جواز الجمع تقديماً وتأخيراً سائراً ونازلاً إذا وجد الشرط وهو مسافة القصر.
واستدلوا على هذا بعدة أدلة:
الدليل الأول منها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في عرفة جمع تقديم وفي مزدلفة جمع تأخير وقد كان في عرفة ومزدلفة نازلاً فهذا الحديث دل على الجمع بالنسبة للنازل والجمع تقديم وتأخير.
الدليل الثاني: صح عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر بعد زوال الشمس أخر الظهر إلى العصر وصلاهما جميعاً وهذا جمع تأخير وإذا سافر بعد زوال الشمس فإنه يصلي الظهر ثم يركب ولم يذكر العصر.
الدليل الثالث: - الأخير - حديث أبي جحيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان نازلاً قريباً من مكة خرج في الهاجرة فصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً. وهذا الحديث صحيح.
نقول ظاهر هذا الحديث أنه جمع تقديم حتى الفقهاء لم يرو أنه نص.
إذاً هذا أدلة الجمهور وهي كما نرى أدلة قوية وسديدة.
= القول الثاني: للمالكية: أنه لا يجوز الجمع في السفر إلا لمن كان على ظهر سير فقط أما النازل فإنه لا يجوز له أن يجمع.
واستدلوا على ذلك:
بما صح عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير. يعني إذا كان سائراً.
والجواب عليه: أن ابن عمر لم ينف الجمع للنازل وإذا لم يذكره ابن عمر فقد ذكره غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين بينوا أنه كان يجمع نازلاً.
= القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد وتبناه ابن حزم أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم.
واستدل على ذلك بأدلة منها:
أنه لم يصح حديث في جمع التقديم. وأما حديث معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في تبوك جمع تقديم فهو حديث معلول ضعفه الأئمة.


والدليل الثاني: قال: أن أنس - رضي الله عنه - نص على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع جمع التأخير دون جمع التقديم لأنه قال: إذا زالت الشمس قبل أن يسافر صلى الظهر فقط ولم يصل العصر بينما نص أنس على أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر بعد الزوال فإنه يجمع الظهر إلى العصر جمع تأخير.
= القول الرابع - الأخير: أنه لا يجوز الجمع مطلقاً إلا في عرفة ومزدلفة وهو مذهب الأحناف الذي اشتهروا به.
والدليل: أن أحاديث ونصوص المواقيت محكمة ومعلومة من الدين بالضرورة فلا تترك لظواهر النصوص.
فإذا قيل لهم: كيف تجيبون عن الأدلة الكثيرة للجمهور التي فيها الجمع صراحة؟
قالوا: الجمع في هذه الأحاديث يحمل على الجمع الصوري والجمع الصور هو أن نؤخر الصلاة الأولى ونقدم الصلاة الثانية ونصلي كل منهما في وقته المحدد شرعاً.
وهذا المذهب للأحناف ظاهر الضعف جداً وكما قال كثير من المحققين المتقدمين أن مذهب الأحناف يزيد من الصعوبة على المسافر ويضاعف المشقة ووجه ذلك:
أن على المسافر أن يتحرى آخر وقت الظهر ويتحرى أو وقت العصر فصار في هذا من المشقةأضعاف مما لو قيل له صل كل صلاة في وقتها بدون تحري لدقة متى يخرج هذا الوقت ومتى يدخل الوقت الثاني لأنه سيصلي الظهر قريب جداً من خروج وقته لأجل أن أصلي العصر بمجرد دخول وقت العصر فهو مذهب غريب وضعيف وفيه الحقيقة مصادمة ظاهرة للنصوص المتكاثرة التي فيها الجمع جمعاً واضحاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه فمصادمة مثل هذه النصوص من الأحناف أمر غير صحيح ودليل على ضعف قولهم في هذه المسألة.
والراجح مذهب الجمهور مع قوة مذهب ابن حزم.
لذلك لا ينبغي للإنسان أن يجمع جمع تقديم بلا حاجة بل يجعله جمع تأخير فإن جمع التأخير مجمع على جوازه إلا عند الأحناف بينما جمع التقديم فهو رواية عن الإمام أحمد أنه لا يجوز دع عنك مذهب الظاهرية.
المهم نقول: الراجح إن شاء الله والأقرب للأدلة بوضوح مذهب الجماهير وهو جواز الجمع تقديم وتأخير نازلاً سائراً إلا أنه ينبغي مراعاة جمع التقديم أن لا يفعل إلا عند الحاجة لقوة ما استدل به ابن حزم.

ثم قال رحمه الله:
ولمريض يلحقه بتركه مشقة.


أي ويجوز للمريض أن يجمع إذا كان في تركه للجمع مشقة أو إذا لحقه بترك الجمع مشقة.
= وإلى جواز جمع المريض المحتاج للجمع ذهب الجماهير.
واستدلوا:
بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع من غير خوف ولا مطر وفي رواية من غير خوف ولا سفر والروايتان في صحيح مسلم.
قالوا فلم يبق إلا المرض لأنه نفي الخوف والمرض والسفر فلم يبق إلا المرض.
وهناك وجه آخر للاستدلال: وهو أن ابن عباس لما سأل: لم صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته. والمريض الذي يحتاج إلى الجمع إذا لم يجمع وقع في الحرج.
الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - روي عنه أنه أجاز للمستحاضة أن تجمع إذا هي اغتسلت وتقدم معنا أن الاستحاضة نوع من أنواع المرض.
الدليل الثالث: العمومات الدالة على رفع الحرج والمشقة عن الأمة.
= القول الثاني: للشافعية: أنه لا يجوز جمع المريض أبداً. فلا يجوزون جمع المريض.
استدلوا:
- بأن نصوص المواقيت محفوظة متواترة محكمة فلا نتركها لظواهر النصوص الأخرى ....... ((الآذان))
انتهى الدرس،،،


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في الدرس السابق تكلمت عن مسألة حكم جمع المريض وذكرت الخلاف وأظن أني لم أذكر الراجح. والراجح من القولين جواز الجمع للمرض لما تقدم من أدلة وهو مذهب الحنابلة والمالكية وهو الذي تدل عليه النصوص من جهة وقواعد الشرع من جهة أخرى.
ثم بدأ المؤلف بعذر آخر وهو المطر:
• فقال رحمه الله:
وبين العشائين: لمطر.
أي ويجوز للإنسان أن يجمع بين صلاة المغرب والعشاء بعذر المطر.
= وإلى هذا ذهب الجماهير من السلف والخلف والفقهاء السبعة وأغلب أئمة المسلمين إلى أنه يجوز أن يجمع بعذر المطر بشرطه الآتي.
واستدلوا بعدة أدلة:
- الدليل الأول: أن ابن عباس رضي الله عنه قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر) فنص على أن المطر من أسباب الجمع وهذا الحديث في صحيح مسلم.


- الدليل الثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا للمطر بل حكي إجماع الصحابة على جواز الجمع للمطر.
- الدليل الثالث: أن في نزول المطر تأذي الناس ووقوع المشقة وفي الجمع رفع لهذه المشقة والمشقة عند أهل العلم تجلب التيسير.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز الجمع لأجل المطر لأنه ليس في النصوص المرفوعة ما يدل على ذلك ولأن نصوص التوقيت محكمة فلا يجوز الخروج عنها لظواهر نصوص أخرى.
والصواب الذي يتعين القول بجواز الجمع للمطر بشرطه لانتشاره بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم أراد المؤلف أن يبين شرط هذا الجمع:
• فقال رحمه الله:
وبين العشائين لمطر يبل الثياب.
يشترط في المطر الذي يجوز أن نجمع الصلاة لأجله شرطان:
- الأول: المشقة أن تحصل المشقة بوجود هذا المطر.
- الثاني: أن يبل الثياب. التعليل: أن المطر الذي تحصل معه المشقة هو ما يبل الثياب. واختلفوا في ضبط ما تحصل به المشقة على قولين:
= القول الأول: أن المطر الذي يجوز معه الجمع هو المطر الذي يحتاج معه أواسط الناس إلى تغطية الرأس فنأخذ المتوسط من الناس الذي يغطي رأسه عند قدر من المطر فبه تحصل المشقة ويجوز الجمع ولا ننظر لمن إحساسه ضعيف ممن لا يتأثر بالمطر ولو كثر ولا ننظر إيضاً لمن كان شديد الحساسية بحيث يبادر إلى تغطية رأسه بأدنى مطر.
= والقول الثاني - في ضابط ذلك -: هو ما يبل الثياب بحيث إذا عصرت قطرت ماءً.
والواقع أنه ليس بين هذه الأقوال تعارض فهي كلها تقرب المعنى وتبين المقصود وهو أن تحصل مشقة بنزول هذا المطر وتضبط بمثل هذه الضوابط إما تغطية الرأس أو عصر الثياب بحيث يخرج منها ماء بسبب المطر.
فإذا حصلت هذه الأشياء أو بعضها جاز أن نجمع الصلاة وتقدم معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم جمعوا لمطر أصابهم في الفتح لم يبل أسافل نعالهم وهذا يدل على أن المشقة إذا حصلت بأي قدر بالنسبة للناس فإنها تجوز الجمع.
عرفنا من قول المؤلف: لمطر يبل الثياب. أن المطر الخفيف لا يجوز معه الجمع وأن الطل - الذي يسمى الطل أو الندى لا يجوز معه الجمع لأنه لا يشق.


فإن قيل: أحياناً ينزل كالندى من غير مطر وتبتل الثياب منه كما يحصل في الرطوبة فهل هذا موجب للجمع؟
- الجواب: أن هذا لا يوجب الجمع إلا إذا كان هذا الندى والطل يسبب وجود الطين في الأرض فحينئذ يجوز الجمع لمعنىً آخر لكن من حيث هو. لو فرضنا أنه في بلد مرصوف بحيث لا يوجد طين فإنه لا يجوز والحالة هذه الجمع لأن هذا القدر من المطر لا يشق على الناس إنما الذي يشق هو نزول المطر المتتابع الذي يبل الثياب أما الطل والمطر الخفيف فإنه لا يجوز الجمع وعرفت الآن كيف تفرق بين المطر الخفيف والمطر الذي يجوز معه الجمع.
وقوله: (بين العشائين):
= هذا مذهب الجمهور أنه لا يجوز الجمع في المطر إلا في صلاة العشائين أي المغرب والعشاء.
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: أن الآثار المروية عن الصحابة والتابعين فيها الجمع بين العشائين.
- والأمر الثاني: أن المشقة إنما تكون في الجمع بين العشائين دون الظهرين.
= والقول الثاني: جواز الجمع بين العشائين والظهرين.
دليل ذلك: - أن الجمع إنما جاز لدفع المشقة فإذا وجدت المشقة في الليل أو في النهار ثبت الحكم.
- الدليل الثاني: عموم حديث ابن عباس رضي الله عنه: (من غير خوف ولا مطر) فلم يقيد ذلك بكونه في الليل أو في النهار.
نعم. لا شك أن المطر في الليل أكثر مشقة منه في النهار لكن هذا القدر لا يوجب منع الجمع في النهار ما دام المطر يسبب مشقة.
• ثم قال رحمه الله:
ولوَحْل.
أي ويجوز الجمع بمجرد الوحل. فبمجرد ما يوجد وحل ولو بدون مطر فيجوز الجمع.
الدليل:
- قاالوا الدليل على ذلك: أن المشقة الحاصلة بالطين والوحل والتي تلحق النعال والثياب وربما البدن تشبه أو ربما أكثر من المشقة الحاصلة بالمطر الذي يبل الثياب والشارع الحكيم لا يفرق بين أمرين متساويين.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز الجمع إلا بالمطر خاصة دون الوحَل.
- لأن الرخصة جاءت بالمطر خاصة.
- ولأن نصوص الأوقات محكمة متواترة.


والصواب مع القول الأول وهو مذهب الحنابلة فإذا وجد الطين والوَحَل جاز الجمع بل ربما أحياناً - كما قال الحنابلة - تكون المشقة الحاصلة بالطين والوحل أكثر من المشقة الحاصلة بمجرد هطول المطر وهذا يلاحظه كل أنسان إذا خرج وكانت الأرض مليئة بالماء فإنه يتأذى بهذا الماء ربما أكثر من المطر فما بالك مع هذا الماء طين ووحل فلا شك أن المشقة ظاهرة جداً مع نزول أو وجود هذا الوحل وربما تعرض الإنسان للسقوط أو الاتساخ بسبب هذا المطر وربما كان رجلاً شريفاً فتأذى غاية الأذى لا من اتساخ ثيابه بقدر ما وقع به من إحراج ولذلك يروى أن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله دعي إلى وليمة وكان معه بعض الوجهاء وكانت السماء ممطرة فلما خرجوا من هذه الوليمة خرج قبل الشيخ عبد الرحمن رجل من الوجهاء والشرفاء وكان يتقدمه في المطر والطين ثم حصل أن هذا الشخص زلق وسقط في الطين فتأذى هذا الرجل فمن حكمة وحسن خلق الشيخ عبد الرحمن أنه بمجرد ما رآه سقط سلك طريقاً آخرؤ مباشرة حتى لا يمر من عند هذا الرجل فيشعر بالإحراج لمشاهدة الشبخ له أثناء السقوط فهذا من حسن خلق الشيخ وهو يبين أيضاً أن الوحل فيه مشقة.
• ثم قال رحمه الله:
وريح شديدة باردة.
الريح الشديدة الباردة يجوز معها الجمع والخلاف في الريح الشديدة الباردة كالخلاف تماماً أدلة وتعليلاً في الوحل فما قيل هناك يقال هنا في الأقوال والترجيح والتعليل.
وتبين من هذا أن الراجح أنه يجوز الجمع في الريح الشديدة الباردة لأنه يتأذى بها الإنسان مثل أو أكثر من المطر.
• ثم قال رحمه الله:
ولو صلى في بيته أو في مسجدٍ طريقه تحت ساباط.
يجوز للإنسان أن يجمع في المطر ولو صلى في بيته.
ويجوز له أن يجمع ولو كان بين بيته والمسجد سقفاً يقيه من المطر.
إذاً يجوز الجمع في هاتين الصورتين مع انتفاء المشقة.
والدليل:
- قالوا: الدليل على هذا قاعدة مشهورة: ((وهي أن الرخصة التي سببها المشقة تَعُم)) وذكروا أمثله لهذه القاعدة نذكر منها مثالين:
- المثال الأول: أن الترخص في السفر بالقصر والإفطار سببه المشقة ومع ذلك يجوز بالإجماع أن يقصر ويفطر ولو لم يشعر بمشقة.


- المثال الثاني: أن الشارع الحكيم إنما أجاز عقد السلم - الذي سيأتينا في كتاب البيوع - لدفع حاجة الناس ومع ذلك يجوز بالإجماع أن يتعاطى الإنسان عقد السلم ولو بلى حاجة فدل ذلك على أن الشارع الحكيم إذا قرر حكماً بناءًَ على المشقة فإنه يعم ولو في غير صور المشقة.
= والقول الثاني: أنه إذا كان سيصلي في بيته أو بينه وبين المسجد سقفاً يقيه أذى المطر فإنه لا يجوز له أن يجمع.
والتعليل: لأن الجمع إنما جاز للمشقة وهي منتفية هنا. والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
= والقول الثالث - في هذه المسألة - هو: أنه يجوز لكل من كان المطر سبباً في فوات صلاة الجماعة عليه أن يجمع ولو لم يتأذى بالمطر.
فمثلاً: الرجل الذي بين بيته والمسحد سقفاً يقيه من أذى المطر إن لم يصل مع الجماعة ويجمع معهم فاتته صلاة الجماعة أليس كذلك؟!
فإذا كانت صلاة الجماعة ستفوته فإنه يجوز له أن يجمع ولو لم يتأذى بالمطر لتحصيل فائدة الصلاة مع المسلمين في المسجد.
وهذا القول الأخير هو الراجح. لأنه في الحقيقة به تجتمع الأدلة.
وبناءً عليه:
- نقول: من صلى في بيته لعذر لا يجوز له أن يجمع ولو كان المطر أشد ما يكون خلافاً لمذهب الحنابلة.
- وأيضاً نقول: المرأة لا يجوز لها أن تجمع في بيتها ولو كان المطر أشد ما يكون.
وكل من لن يصلي مع الجماعة لا يجوز له أن يجمع إنما يجمع من كان سيخرج لصلاة الجماعة ويتأذى أو كان عدم الجمع يسبب فوات الجماعة عليه. وهذا واضح وفي الحقيقة هذا قول متوسط وهو قول للحنابلة وهو قول - إن شاء الله - وجيه وتجتمع به الأدلة.
• ثم قال رحمه الله:
والأفضل: فعل الأرفق به من تقديم وتأخير.
المؤلف رحمه الله - الآن - يريد أن يذكر أحكام عامة تشمل الجمع سواء كان يتعلق بجمع السفر أو بجمع المرض أو بجمع المطر.
فهو يقول: أن الأفضل بالنسبة لجمع التقديم والتأخير أن يفعل الأرفق به.
ونحن نريد أن نفصل:
* فنبدأ بالجمع في السفر فنقول: في الجمع للسفر الأفضل أن يفعل الأرفق به سواء كان جمع تقديم أو تأخير.
والدليل على هذا كما يلي:


- الأول: حديث معاذ رضي الله عنه في تبوك وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تارة يجمع جمع تقديم وتارة يجمع جمع تأخير حسب الأرفق له والموافق لحاله في السفر وتقدم معنا أن هذا الحديث معلول.
- الثاني: أن الجمع إنما شرع أصلاً لدفع المشقة ويتم دفع المشقة على الوجه المطلوب بأن يجمع حسب الأرفق به تقديماً وتأخيراً.
- الثالث: حديث أنس رضي الله عنه الذي تقدم معنا فإنه يدل بعمومه على أن الإنسان يفعل الأرفق لأنه كان إذا سافر قبل زوال الشمس جَمَعَ جَمْعَ تأخير.
لماذا يجمع جمع تأخير؟
لأنه سافر قبل دخول وقت الظهر.
- أيضاً هناك دليل أخير وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في عرفة جمع تقديم وفي مزدلفة جمع تأخير. وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم لأن جمعه جمع تقديم في عرفه أرفق به ليتسنى له الدعاء والابتهال والانقطاع إلى الله. وجَمَعَ جَمْعَ تأخير لأنه أرفق به حيث سيتأخر مع الزحام إلى أن يصل إلى مزدلفة.
وهذا القول بالنسبة للسفر هو الصحيح: أن الأفضل أن يجمع على حسب ما يوافق الأرفق له.
ويمكن أن تفهموا أن:
= القول الثاني: أن جمع التقديم برمته لا يجوز فقد تقدم معنا حكم الجمع تقديماً وتأخيراً وأن أحد الأقوال عدم جواز جمع التقديم وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار ابن حزم فعندهم لا يقولون الأفضل حسب الأرفق لأن جمع التقديم أصلاً لا يجوز وإنما يقولون يتعين أن تجمع جمع تأخير.
هذا بالنسبة لتفصيل الكلام في السفر.
* وأما الكلام في المرض فكالكلام في السفر تماماً.
* بقينا في جمع المطر. جمع المطر: الصواب أن السنة المستفيضة المعروفة عن السلف أنهم كانوا يجمعون جمع تقديم لأن جمع المطر إنما يكون أرفق إذا كان جمع تقديم حتى يصلي الإنسان ويبقى في بيته.
إذاً بالنسبة للمطر السنة المستفيضة أن يجمع جمع تقديم لكن لو فرضنا أن جمع التنأخير بالنسبة لجماعة معينة أرفق في صورة من الصور فلا مانع وإن كان كون السلف كلهم يجمعون في المطر جمع تقديم يدل على أنه لا ينبغي أبداً أن يؤخر جماعة المسجد الصلاة إلى الصلاة الثانية لأنه خلاف اتلمشهور عن السلف ولسبب آخر وهون: أنهم ربما يؤخرون الصلاة وينقطع العذر بأن يتوقف المطر.


فالخلاصة نقول:
- أنه لا ينبغي في جمع المطر إلا أن يكون جمع تقديم.
- ويجوز إذا تبين بوضوح أنه يحصل مشقة بجمع التقديم أن يكون الجمع جمع تأخير لكن الأولى والأفضل والموافق لما روي عن السلف أن يكون جمع تقديم.

ثم قال رحمه الله:
فإن جمع في وقت الأُولى اشترط (1) نية الجمع .... الى آخره.
المؤلف رحمه الله سيختم هذا الفصل ببيان شروط جمع التقديم وبيان شروط جمع التأخير.
• قال رحمه الله:
فإن جمع في وقت الأُولى اشترط نية الجمع عند إحرامها.
أي: يشترط لجمع التقديم:
- أن ينوي أنه سيجمع
- ويشترط في هذه النية أن تكون عند الإحرام بالأولى منهما.
إذاً: يشترط أن ينوي ويشترط أن تكون النية متى؟ عند الإحرام بهما.
واستدلوا على هذا:
- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات). فإذا أراد أن يجمع فيشترط أن ينوي أنه سيجمع.
فإن كبر للأولى وهو لم ينو أن يجمع الثانية إليها لم يجز له أن يجمع لتخلف الشرط وهو: النية. وأن تكون النية عند الإحرام بالأولى.
= والقول الثاني: أنه يجوز أن يجمع ولو ينو عند إحرامه بالأولى.
- لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع يأصحابه في السفر ولم ينقل عنه أنه أمرهم أن ينووا قبل الإحرام بالأولى.
- ولأن الإلزام بهذا الشرط يوقع المشقة على من أراد أن يجمع والجمع إنما شرع لرفع المشقة.
وهذا القول - الثاني - اختيار شيخ الاسلام رحمه الله وهو الصواب - إن شاء الله -.
• ثم قال رحمه الله: - مبيناً الشرط الثاني:
ولا يفرق بينهما.
هذا هو الشرط الثاني من شروط جمع التقديم وهو: الموالاة. فإن لم يوالي بين المجموعتين بأن أخر الثانية لم يصح الجمع.
= وهذا مذهب الجماهير.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الدليل الأول: أنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع قط إلا موالياً بين الأولى والثانية.
- الدليل الثاني: أن معنى الجمع هو الضم وإلحاق الثانية بالأولى مع عدم التفريق ومع التفريق يتخلف هذا المعنى.
= والقول الثاني: أنه لا يشترط الموالاة في جمع التقديم بل لو صلى الأولى ثم بعد ساعة أو ساعتين أو ثلاث صلى الثانية جاز.


وهذا مذهب لبعض الفقهاء واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله واستدل على ذلك بدليلين:
- الأول: أنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أبداً اشتراط الموالاة في جمع التقديم.
- الثاني: أن في اشتراط هذا الشرط مشقة لأنه يجب على من أراد أن يجمع أن يراعي أن تكون الثانية بعد الأولى مباشرة. وسيأتينا الحد في التفريق في كلام المؤلف.
وما اختاره شيخ الاسلام في هذه المسألة فيما يظهر لي ضعيف: - أما قوله لم يأت نص بل جميع النصوص التي فيها جمع النبي صلى الله عليه وسلم يصلح أن تكون دليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ولما أراد أن يجمع لم يفرق ولا في صلاة واحدة ومداومة النبي صلى الله عليه وسلم على الموالاة دليل على أنها شرط كما قلنا في الوضوء في المضمضة والاستنشاق وكما قلنا لما قررنا أنه لا يجب على الإنسان أن يتوضأ في كل صلاة إذا كان على طهارة وأن الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة صلى الصلوات بوضوء واحد ولما سأله عمر رضي الله عنه قال: عمداً صنعت لتعلموا أنه ليس بواجب. - هذا معنى الحديث - فهذه النصوص تدل على أن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على شيء معين دليل على اشتراطه لذلك أن مذهب شيخ الاسلام ضعيف ولا أقول أن مذهب الجمهور أحوط بل أقول أنه أرجح دليلاً بالإضافة إلى أنه أحوط ويمكن أن نقول:
= قول ثالث: وهو أن الموالاة شرط يسقط عند الحاجة والعذر - كما نقول في كثير من الشروط منها الموالاة في الوضوء أنها شرط لصحة الوضوء وتسقط عند الحاجة كذلك نقول هنا أن الموالاة في جمع التقديم شرط لا يصح الجمع إلا به إلا عند الحاجة من صور الحاجة: أن يصلي الإنسان الظهر ولا ينوي الجمع ولا يصلي بعدها العصر وهو مسافر - مثلاً - ثم بعد مضي ساعة أو مضي ساعتين تطرأ عليه حاجة بأن يحتاج أن يجمع ولا ينتظر إلى دخول وقت العصر فهو الآن لم يجمع ثم طرأ له عذر يلجأه إلى الجمع فنقول لك الآن أن تجمع.
إذاً: ما هي الصورة التي لا يجوز فيها الجمع؟


- الصورة أن يصلي الظهر ثم يجلسفي بيته وهو مسافر ثم بعد ساعة يعن له لا لسبب أن يصلي العصر فنقول صلاة العصر الآن باطلة لأنه يشترط لصحة الجمع الموالاة.
هذا القول هو الراجح في الحقيقة ويتوافق مع مذهب الجمهور لكن مع الأخذ بهذا القيد وهو أنه يجوز فقط عند الحاجة والعذر.
• ثم قال رحمه الله - مبيناً القدر الذي تحصل به الموالاة:
إلاّ بمقدار إقامة ووضوء خفيف.
يعهني يجوز أن يفصل بين الصلاتين بهذا المقدار: بقدر إقامة ووضوء بشرط أن تكون الإقامة والوضوء خفيفين.
الدليل على ذلك:
- قالوا: الدليل على هذا أنه أمر يسير والأمر اليسير لا يقطع الموالاة.
بناء عليه قال الحنابلة: أن كل فاصل يسير أيضاً لا يضر:
- فلو صلى الأولى ثم تكلم بكلام يسير ثم صلى الثانية صحت الصلاة
- ولو صلى الأولى ثم ذهب يمشي مشياً يسيراً لأي غرض ثم صلى الثانية صحت الصلاة.
إذاً يكون قول المؤلف: (بقدر إقامة ووضوء خفيف) من باب التمثيل ويكون الضابط: أن يفصل بينهما بفاصل يسير.
ومقدار اليسير: بقدر الوضوء والإقامة الخفيف.
= والقول الثاني: أن الضابط العرف. وإلى هذا مال ابن قدامة رحمه الله وقال: أن الصواب في التفريق بين الصلاتين العرف فمع اعتبر طويلاً فهو طويل وما اعتبر قصيراً فهو قصير.
وهذا الضابط هو الصواب. وهو قريب من الضابط الأول. فإنه في العرف لو ذهب ليقيم إقامة خفيفة أو ذهب ليتوضأ وضوءً خفيفاً اعتبر في العرف شيئاً يسيراً.
• ثم قال رحمه الله:
ويبطل براتبة بينهما.
أي لو صلى الظهر لعذر المطر - مثلاً - ثم صلى راتبة الظهر ثم صلى العصر نقول صلاة العصر الآن باطلة لأنك فصلت بينهما براتبة.
وظاهر كلام المؤلف أن الراتبة تقطع الموالاة ولو كانت قصيرة لأنه يقول: ويبطل براتبة. أي راتبة كانت. سواء كانت طويلة أو قصيرة.
= وهذا هو المذهب: أنها تبطل ولو براتبة قصيرة.
= والقول الثاني: أنه إن صلى الراتبة بينهما صحت الموالاة.
واستدلوا بدليلين:
- الأول: أن صلاة الراتبة إذا كانت قصيرة لا تعتبر تفريقاً.
- الثاني: أن الراتبة ملحقة بالصلاة وهي تبع لها فلا تؤدي إلى قطع الموالاة.


وهذا القول الثاني: هو القول الصواب. أن القطع براتبة قصيرة لا يؤدي إلى قطع الموالاة.
* - فإن صلى بين الصلاتين نفلاً مطلقاً أو فريضة أخرى منسية وأطال. فإنه تنقطع الموالاة بلا إشكال عند القائلين باشتراط الموالاة وهم الجماهير.
يقول رحمه الله: - مبيناً الشرط الثالث والأخير لجمع التقديم:
وأن يكون العذر موجوداً عند افتتاحهما وسلام الأُولى.
يشترط لصحة الجمع أن يكون العذر سواء كان السفر أو المرض أو المطر موجوداً في ثلاث مواضع:
يقول:
1 - 2 - عند افتتاحهما.
3 - وسلام الأولى.
يعني:
1 - عند تكبيرة الإحرام من الأولى.
2 - وعند السلام من الأولى.
3 - وعند تكبيرة الإحرام من الثانية.
فإن تخلف العذر في أي من هذا المواضع الثلاثة لم يجز الجمع.
الدليل:
- قالوا: - أما عند افتتاح الأولى فلأنه وقت النية.
- وأما افتتاح الثانية فلأنه هو وقت الجمع فيجب أن يوجد فيه العذر - ونحن نتكلم عن جمع التقديم لأن المؤلف سيخصص كلاماً آخر عن جمع التأخير.
(ملاحظة: (((قال الشيخ حفظه: في جواب سائل عن دليل اشتراط أن يكون العذر موجودا عند السلام من الأولى: قال ((لم يذكروا له دليلاً والراجح أنه لا يشترط فلم يذكروا له تعليلاً واضحاً))). ذكره حفظه الله عند الكلام عن شروط جمع التأخير وقدمته هنا لمناسبته))
= والقول الثاني: أنه لا يشترط وجود العذر إلا عند افتتاح الثانية فقط.
والدليل:
- أن الجمع إنما جاز لهذا العذر سواء كان السفر أو المطر أو المرض.
فإذا وجد العذر جاز الجمع ولو لم ينو عند التكبيرة الأولى لما تقدم معنا أن النية عند افتتاح الأولى ليس بشرط.
بناء عليه: - إذا صلو المغرب والسماء صحو ثم قبيل السلام من المغرب أو بعده بقليل هطل مطر بغزارة من ما يتفق عليه الفقهاء أنه من الأمطار التي تسبب الجمع فما حكم الجمع في هذه الصورة.
= عند الحنابلة: لا يجوز. لأن العذر لم يكن موجوداً عند افتتاح الأولى.
= وعلى القول الراجح: يجوز.
وعلى هذا فقس:
- فلو أن إنساناً صلى المغرب ثم لما سلم مرض فجأة سقط واعتل لأي سبب من الأسباب:
= فعند الحنابلة. يجب أن يصلي العشاء في وقتها.
= وعلى القول الراجح: يجوز له أن يجمع.


إذاً عرفنا الآن: ثمرة الخلاف وأن ثمرة كبيرة في الحقيقة.,
ثم بدأ المؤلف رحمه الله بالكلام عن شروط جمع التأخير:
• فقال رحمه الله:
وإن جمع في وقت الثانية اشترط نية الجمع في وقت الأُولى إن لم يضق عن فعلها.
إذا أراد الإنسان أن يجمع جمع تأخير فحينئذ يشترط له شرطان فقط: - بخلاف جمع التقديم فإنه يشترط له ثلاثة شروط -.
- الشرط الأول: لجمع التأخير: نية الجمع في وقت الأولى بشرط أن توجد هذه النية قبل أن يضيق عن فعلها.
إذاً شرط جمع التأخير أن ينوي الجمع عند افتتاح الأولى ويشترط أن تكون هذه النية فيما بين دخول الوقت إلى أن يبقى مقدار ما يصلي الفريضة.
مثلاً: - إذا أراد أن يجمع العصر مع الظهر جمع تأخير يشترط لجواز جمع التأخير: -
- أن ينوي في وقت الأولى أنه سيجمع جمع تأخير.
- وأن ينوي قبل أن يضيق وقت الأولى.
مثاله:
- رجل سيجمع العصر مع الظهر ولم ينو فلما بقي ليخرج وقت الظهر خمس دقائق وهي لا تكفي للصلاة نوى فنقول النية باطلة.
- رجل آخر نوى أن يجمع جمع تأخير فلما بقي على خروج وقت صلاة الظهر ربع ساعة نوى. فنقول الآن: (((يصح))).
- رجل نوى بمجرد دخول وقت صلاة الظهر أنه سيجمع فنقول: جمعك جمع صحيح.
فعرفنا الآن ما معنى هذا الشرط.
التعليل:
- قالوا: أنه لا يجوز له أصلاً أن يؤخر الصلاة الأولى عن وقتها إلا بنية الجمع فإن أخرها فهو آثم.
وأما اشتراط أن ينوي قبل أن يضيق وقت الأولى عنها فلأنه إذا ضاق وقت الأولى عنها صار التأخير حينئذ محرم وسبق معنا ((أن الرخص لا تناط بالمعاصي)).

ولماذا هو محرم؟ لأننا قررنا أنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر وقت الأولى عن وقتها الفاضل إلى وقت الضرورة إلا مع نية الجمع. فإذا أخر إلى ضيق الوقت بدون نية الجمع فقط ارتكب محرماً.
= والقول الثاني: أن له أن يؤخر إلى أن يبقى من الوقت ما يدرك به الصلاة. وهو على القول الراجح أن يدرك ركعة.
والصواب مع مذهب الحنابلة - وهو القول الأول - لأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إلى أن لا يبقى منها إلا مقدار ركعة فلا يجوز له أن يفعل هذا فإن فعل فهو آثم.
• ثم قال رحمه الله:
واستمرار العذر إلى دخول وقت الثانية.


يجب أن يستمر العذر إلى دخول وقت الثانية لأن هذا العذر هو سبب الجواز.
- فإذا دخل وقت صلاة الظهر ومرض الإنسان ونوى أنه سيجمع فلما انتصف وقت صلاة الظهر شفي هل يجوز له أن يجمع؟ بعبارة أخرى: هل يجوز له أن يؤخر صلاة الظهر إلى صلاة العصر؟
لا يجوز. لماذا؟
لأن العذر قد زال.
فائدة ذكروها: أنه لا يشترط بالإجماع أن يبقى العذر بعد دخول وقت الثانية.
فمثلاً: إنسان جمع لعذر المرض - جمع الظهر إلى العصر - فلما دخل وقت صلاة العصر شفي فهل نقول يحرم أن تجمع؟ أو أنت آثم بالجمع؟
الجواب: لا. بالإجماع يجوز له أنه يجمع وجمعه شرعي. لا نقول أنه الآن ليس له إلا هذا. يعني: لا نقول أنه هو لا يستطيع أن يصلي الآن إلا جمع لأن وقت صلاة الظهر خرج فهذا ليس بصحيح بل نقوب جمعك شرعي.
إذاً ما هي الثمرة؟ الثمرة هي: أن صلاته تعتبر أداء وليست قضاء. لأن استمرار العذر إنما يشترط إلى دخول وقت الثانية ثم إذا دخل وقت الثانية إن زال أو بقي لا يؤثر على جواز الجمع.
وبهذا انتهى الكلام عن الجمع وتبين أن للجمع ثلاثة أعذار:
1 - السفر. وهو أغلب وأكثر الأسباب وقوعاً.
2 - ثم المطر.
3 - ثم المرض.
والمطر أكثر وقوعاً من المرض باعتبار أن المطر يعم جميع الناس والمرض يخص بعض الناس دون بعض.
فترتيب المؤلف ترتيب منطقي.
وقبل أن ننتهي: تبين معنا من خلال كلام المؤلف أن الموالاة لا تشترط في جمع التأخير. لأننا لا حظنا أن المؤلف اشترط في جمع التقديم ولم يشترط في جمع التأخير.
بناء عليه: لو جمع الإنسان جمع تأخير ثم صلى الظهر فهل يجب عليه أن يصلي العصر مباشرة؟
الجواب: لا. لا يجب.
= وهذا هو مذهب الحنابلة: وهو أن الموالاة لا تشترط في جمنع التأخير.
والسبب: أن الثانية مهما أخرها إنما تقع أداء لأنها وزاقعة في وقتها.
وهذا صحيح: أن الموالاة لا تشترط في جمع التأخير.

فصل
[صلاة الخوف]
ثم بدأ المؤلف بالعذر الأخير من صلاة أهل الأعذار وهو الخوف.

• فقال رحمه الله:
(فصل) وصلاة الخوف:

صلاة الخوف: يعني الصلاة التي سببها الخوف.
والمقصود بالخوف هنا: - إما أن يكون خوفاً من العدو وهو الغالب والأكثر وقوعاً.
- أو يكون خوفاً من غير العدو.


فلا يشترط أن يكون الخوف من عدو. فلو خافغ من لصوص أو قطاع طرق أو من سباع أو من أي مؤذي وأمكن أن يتفادى الأذى بصلاة الخوف جاز له أن يصلي صلاة الخوف.
فإذاً صلاة الخوف لا تختص بالحرب وإنما تشمل جميع أنواع الخوف. ولكنها يكثر وقوعها في وقت الحروب.

• وقوله رحمه الله:
وصلاة الخوف صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أجمعت الأمة على أن صلاةو الخوف مشروعة بالكتاب والسنة وأن مشروعيتها محفوظة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم وصلاها هو وأصحابه والسلف الصالح وما زال المسلمون يصلون صلاة الخوف فهو إجماع محفوظ محكم لا إشكال فيه ولله الحمد.

يقول رحمه الله:
صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم بصفات كلها جائزة.
أفادنا المؤلف رحمه الله أن لصلاة الخوف صور وصفات متعددة. قال الإمام أحمد صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أوستة وفي رواية عنه هو رحمه الله: من ستة أوجه أوسبعة.
يعني أنها ثيتت في السنة بستة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا التنوع في صلاة الخوف راجع إلى أحوال الحرب. فتارة تصلح هذه الصفة وتارة تصلح الصفة الأخرى بحسب مكان العدو وبحسب القبلة وبحسب ملابسات المعركة.
وذكر العلماء رحمهم الله صفات كثيرة لصلاة الخوف. ونحن سنذكر بعض الصفات وسنختار الصفات التي اختارها الإمام أحمد رحمهخ الله والتي اتفق عليها البخاري ومسلم والتس يكثر وقوعها بين الناس.
- فالصفة الأولى: من صفات صلاة الخوف - ما جاء في حديث سهل رضي الله عنه وهو في البخاري ومسلم. وهي الصفة التي اختارها الإمام أحمد مع تجويز جميع الصفات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر شيخ الاسلام رحمه الله أن من طريقة الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة المحدثين من السلف أنهم يأخذون بجميع الصفات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات ولا يختارون صفة واحدة من بين تلك الصفات بمعنى: المنع من باقي الصفات ولكنهم يختارون واحدة من تلك الصفات على سبيل التفضيل والتقديم لا على سبيل التعيين.
فالصفة الأولى: أن يكون العدو ليس في جهة القبلة ....... (((الآذان)))

انتهى الدرس،،،


قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا مسألة صلاة الخوف وتعريفها ومشروعيتها وأنها بقيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبقي علينا إتمام الكلام عن صفات صلاة الخوف.
وقبل الدخول قبل الدخول في صفات صلاة الخوف أقول يحسن أن نبين مسألة وهي: -
= أن السبب في جواز صلاة الخوف هو: الخوف لا السفر.
بناء على هذا يجوز أن يؤديها الإنسان في الحضو وهذا باتفاق الأئمة الأربعة رحمهم الله لكنهم اتفقوا أنهم إذا صلااها في الحضر فإنه يصليها أربعاً.
ثم تقدم معنا أنها رويت على صفات وأن الإمام أحمد قال ست أو سبع صفات وأن جميع الصفات ثابتة بإسناد صحيح يجوز أن يصلي الإنسان على وفقها وأن الإمام أحمد اختار الصفة التي جاءت في حديث سهل وهي الموافقة لظاهر القرآن.
فنقول:
- الصفة الأولى: من صفات صلاة الخوف هي: هذه الصفة وهي التي جاءت في حديث سهل واختارها الإمام أحمد
وهي تختص بما إذا كان العدو في غير جهة القبلة.
فإذا أراد الإمام أو القائد أن يصلي فإنه يقسم الجيش إلى فرقتين: - فرقة تقوم بإزاء العدو يعني تجاه العدو وفرقة تصلي مع الإمام.
فيصلي الإمام في الفرقة التي معه ركعة بالتكبير والركوع والسجود ثم إذا قام الإمام إلى الثانية بقي واقفاً وأتمت الفرقة التي معه لنفسها الصلاة وسلمت وذهبت إلى مكان الفرقة التي تجاه العدو ووقفت هي تجاه العدو وحضرت الفرؤقة الثانية وصلت مع الإمام الركعة الثانية ثم إذا جلس الإمام - إذا صلى الركعة الثانية بركوعها وسجودها وجلس قامت هذه الفرقة وأتت بركعة والإمام جالس ثم إذا انتهت من الركعة الثانية سلموا مع الإمام.
- الصورة الثانية: إذا كان العدو في جهة القبلة: (الصفة السابقة ثابتة في الصحيحين والصفة هذه التي سأذكرها أيضاً ثابتة في الصحيحين).


وطريقة هذه الصفة: أن يقسم الإمام أيضاً الجيش إلى قسمين ويجعل كل قسم في صف فيمنع في هذه الصفة أن يكون الجيش كله في صف واحد ولو كان الجيش قليلاً بل لا تتم الصفة إلا إذا جعل الجيش نصفين كل نصف في صف.
فيكبر الإمام ويكبر الصف الأول والثاني ويقرأ ويركع الإمام بالصف الأول والثاني ثم يقوم فإذا قام من الركوع ثبت أصحاب الصف الثاني وسجد أصحاب الصف الأول مع الإمام ثم إذا انتهوا من الركعة الأولى كاملة وقاموا أتى الصف الثاني بالسجدة يعني أتوا ببقية الركعة فيسجدون سجدتين ويقومون فإذا قاموا تبادل الصف الأول مع الصف الثاني ثم صلوا بنفس الطريقة التي صلوا بها الركعة الأولى.
وهذه الطريقة كما تلاحظون إنما تنفع إذا كان العدو في اتجاه القبلة.
- الصفة الثالثة: أن يصلي الإمام بالفرقة الأولى ركعتين ثم تذهب وتأتي الثانية ويصلي بهم ركعتين فتمون للإمام أربع وللمأمومين لكل فرقة ركعتين.
- الصفة الرابعة: أن يصلي الإمام بكل فرقة صلاة كاملة. يصلي بهؤلاء ركعتين كاملتين ويسلم وينصرفون ثم تأتي الفرقة الثانية ويصلي بهم الإمام ركعتين كاملتين ومعلوم أن الفريضة بالنسبة للإمام هي الأولى والثانية بالنسبة للإمام نافلة.
هذه أبرز أربع صفات صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنه بإسناد صحيح أنه صلاها.
ثَمَّت صفات فيها خلاف نأخذ منها واحدة وهي:
- أن يصلي الإمام بالفرقة الأولى ركعة واحدة ثم يذهبوا ولا يقضوا ثم يصلي الإمام بالفرقة الثانية ركعة واحدة ويسلم ولا يقضوا فصار أن كل فرقة صلت ركعةواحدة والإمام صلى ركعتين.
هذه الصفة جاءت في حديث ابن عباس واختلف الفقهاء:
= فصحح ابن القيم هذا الحديث وأخذ به.
=وذهب الجماهير إلى أنه لا يجوز أن يصلي الإنسان ولا في الخوف ركعة واحدة.
وحمل الجمهور حديث ابن عباس على أنهم أتموا وهذا الحمل لا يتوافق مع ما في الروايات من التصريح بأنهم لم يقضوا. ففي الروايات التصريح أنهم صلوا ركعة ولم يقضوا.


ويؤيد هذه الصفة ما تقدم معنا من حديث ابن عباس أنه قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الحضر أربعاً وصلا السفر ركعتين وصلاة الخوف ركعة) فهذا يؤيد أن ابن عباس فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ركعة واحدة له ركعتين ولهم واحدة.
والأقرب أنه إذا صح حديث ابن عباس أن هذه صفة ثابتة وأنه يجوز للإنسان أن يصلي أحياناً بهم على هذه الصفة ويكتفوا بركعة واحدة.
انتهت الآن الصفات.
وليس في النصوص ولا في الآثار فيما أعلم كيفية صلاة الخوف إذا كانت الصلاة صلاة المغرب لكن الفقهاء بينوا كيفية الصلاة إذا كانت صلاة المغرب فقالوا:
- يصلي الإمام بالفرقة الأولى ركعة واحدة ثم يتمون لأنفسهم ويذهبون ويصلي بالفرقة الثانية ركعتين.
قالوا: إنما فضلنا الفرقة الثانية على الفرقة الأولى لأن الأولى أدركت تكبيرة التحريم مع الإمام وابتداء الصلاة ففضلناها.
ومن الفقهاء من قال: بل الصواب على العكس تصلي الأولى ركعتين ثم تذهب وتأتي الثانية وتصلي ركعة.
والصواب أن الأمر في صلاة المغرب واسع إن شاء الإمام أن يصلي بالفرقة الأولى ركعة أو ركعتين ولكن يبين لهم أنه سيصلي بهم ركعة أو ركعتين ثم يصلي بالفرقة الثانية ما بقي من الصلاة.
فيما عدا المغرب الأمر واضح في النصوص وإنما جاءت النصوص بركعتين لأن غالب صلاة الخوف بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم كانت في سفر ولم يصل في الحضر صلاة خوف وإنما صلااها في السفر.
وبهذا تمت الصفات وعرفنا أنها خمس إذا صححنا حديث ابن عباس.
• ثم قال رحمه الله:
ويستحب أن يحمل معه في صلاتها: من السلاح ما يدفع به عن نفسه، ولا يثقله كسيف ونحوه.
يستحب للمقاتل الذي يصلي صلاة الخوف أن يحمل السلاح لكن يشترط في هذا السلاح أن يكون سلاحاً خفيفاً يؤدي الغرض للدفاع فقط.
فإن حمل سلاحاً ثقيلاً كرهت الصلاة وصحت. وعلة الكراهة أن السلاح الثقيل يمنع من كمال الصلاة.
إذاً عرفنا الآن حكم حمل السلاح الخفيف وحكم حمنل السلاح الثقيل.
= القول الثاني: أن حمل السلاح الخفيف واجب.
- لأن الله سبحانه وتعالى أمر بحمل السلاح والأصل في الأمر الوجوب.


وأجا الجمهور عنه هذا الدليل: أن اله سبحانه وتعالى إنما أمرهم بأخذ السلاح تخفيفاً عليهم ودفعاً للحرج فيما لو هجم عليهم العدو.
والقول بالوجوب وجيه لأن الله سبحانه وتعالى وإ؟ ن كان أمر بالحمل تخفيفاً لكن أيضاً دفع الضرر عن المسلمين متوجه ولازم ولو أنهم تهاونوا بهذا الأمر لأدى ذلك إلى ذهاب الأنفس.
- مسألة: فإن كان المقاتل مريضاً أو له عذر آخر كالمطر لم يجب له حمل السلام باتفاق أهل العلم.