أحكام النساء - مستخلصا من كتب الألباني

كِتَابُ اَلزَّكَاةُ
هل في الحلي زكاة؟
2978 - " يا فاطمة! (هي بنت قيس) إن الحق [عز وجل] لم يبق لك شيئا. قاله صلىالله عليه وسلم لها حين قالت: خذ من طوقي الذهبي ما فرض الله ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه أبو الشيخ في جزئه " انتقاء ابن مردويه " (83/ 30 - طبع الرشد)، قال:
حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث حدثنا محمد بن المغيرة حدثنا النعمان حدثنا أبو بكر: أخبرني شعيب بن الحباب عن الشعبي قال: سمعت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها تقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب، فقلت: يا رسول الله! خذ منه الفريضة التي جعل الله فيه. قالت: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثقالا وثلاثة أرباع مثقال، فوجهه. قالت: فقلت:
يا رسول الله! خذ منه الذي جعل الله فيه. قالت: فقسم رسول الله على هذه الأصناف الستة، وعلى غيرهم، فقال: فذكره. [قالت:] قلت: يا رسول الله! رضيت لنفسي ما رضي الله عز وجل به ورسوله. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " إلى (النعمان) وهو ابن عبد السلام الأصبهاني.

(1/148)


وأما الراوي عنه محمد بن المغيرة فهو الأصبهاني صاحب النعمان، ترجمه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (1/ 243 - 244) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2/ 185 - 186) برواية جمع من الثقات عنه، وذكرا أنه كان صاحب عبادة وتهجد، صحب النعمان، وسمع عامة أصوله، توفي سنة (231)، وذكره ابن حبان في " الثقات " (6/ 105). وأما شيخ أبي الشيخ (إبراهيم بن محمد بن الحارث)، فقد ترجمه أبو الشيخ في " الطبقات " أيضا (2/ 136) وكذا أبو نعيم (1/ 188 - 189)، حدث عنه أبو بكر البرذعي ومحمد بن يحيى بن منده، سمع من سعيد بن منصور وذهب سماعه، وكان عنده كتب النعمان عن محمد بن المغيرة.
قال أبو الشيخ: " وحضرت مجلسه فجاء أبو بكر البزار، فأخرج إليه كتب النعمان، فانتخب عليه، وكتب عنه عن أبيه ". قال: " وكتبنا عنه من الغرائب ما لم نكتب إلا عنه ". ثم ساق له حديثا واحدا، وهو أبو إسحاق، يعرف بـ (ابن نائلة)، من أهل المدينة، و (نائلة) أمه، وساق له أبو نعيم أحاديث أخرى، عن شيوخ سبعة له عنه، منهم الطبراني، وله في " المعجم الأوسط " أربعة أحاديث (3081 - 3084 - بترقيمي) وآخر في " المعجم الصغير " رقم (275 - الروض النضير). توفي سنة (291).
قلت: وفي الحديث دلالة صريحة على أنه كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة على حلي النساء، وذلك بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم بها في غير ما حديث صحيح كنت ذكرت بعضها في" آداب الزفاف "، ولذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ زكاتها منه، فليضم هذا الحديث إلى تلك،

(1/149)


لعل في ذلك ما يقنع الذين لا يزالون يفتون بعدم وجوب الزكاة على الحلي، فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء! وقد يحتج به بعضهم على جواز الذهب المحلق للنساء، والجواب هو الجواب المذكور في الأحاديث المشار إليها آنفا، فراجعه إن شئت في " الآداب ". على أن هذا ليس فيه أنها تطوق به، بخلاف بعض تلك الأحاديث، فيحتمل أن فاطمة رضي الله عنها كان قد بلغها الحكمان:
النهي عن طوق الذهب، فانتهت منه، ووجوب الزكاة، فبادرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه الزكاة، وهذا هو اللائق بها وبدينها رضي الله عنها.
تنبيه بخصوص حديث:
جابر " ليس في الحلي زكاة " رواه. الطبراني) ص 195. باطل. أخرجه ابن الجوزي في " التحقيق " (1/ 196 / 1 - 2) من طريق إبراهيم بن أيوب قال: حدثنا عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير من جبر مرفوما به. وقال: " قالوا عافية ضعيف قلنا: ما عرفنا أحدا طعن فيه "
قلت: كذا قال ولا يخفى ما فيه من التسامح في النقد فإن للمخالف أن يقول له: (فهل علمت أحدا وثقه فإنه لا يلزم من عدم معرفة الراوي بطعن أنه ثقة فإن بين ذلك منزلة أخرى وهي الجهالة؟! " وهذا ظاهر بين. وقد ذكر الزيلعي في " نصب الراية " (2/ 374) هذا الحديث من طريق ابن الجوزي ثم لم يذكر كلام ابن الجوزي المذكور مشيرا إلى أنه غير مرض عنده وأيد ذلك بقوله: " قال البيهقي في " المعرفة ": (قلت: فذكر الحديث من طريق عافية) فباطل لا (أصل له إنما يروى عن جابر من قوله

(1/150)


وعافية بن أيوب مجهول فمن احتج به مرفرعا كان معزرا بذنبه وداخلا فيما نعيب به المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين. انتهى.
وقال الشيخ في " الإمام ": ورأيت بخط شيخنا المنذري رحمه الله: وعافية بن أيوب لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه. قال الشيخ: ويحتاج من يحتج به إلى ذكر ما يوجب تعديله. انتهى ".
قلت: وكلام الشيخ - وهو ابن دقيق العيد - أعدل ما رأيت من الكلام فيه فلا بد لمن احتج به أن يثبت توثيق عافبة ويبدو أن ذلك من غير الممكن فقد جرى كل من وقفت على كلامه في هذا الحديث على أنه مجهول ولم يأت بما يثبت توثيقه.
ولكني رأيت ابن أبي حاتم قال في " الجرح والتعديل " (3/ 2 / 44): " سئل أبو زرعة عن عافية بن أيوب؟ فقال: هو مصري ليس به بأس ". ولذلك قال الحافظ في (اللسان) عقب قول أبي زرعة هذا: " فليس هذا بمجهول ". وهذا هو الصواب وفيه رد على الذهبي في قوله: " تكلم فيه ما هو بحجة وفيه جهالة ". فكأنه لم يقف - كغيره - على توثيق أبي زرعة المذكور وهو إمام حجة لا مناص من التسليم لقوله. ولكن هل يصير الحديث بذلك صحيحا؟ والجواب: لا فإن في سنده. علة أخرى فإنه من إبراهيم بن أيوب الراوي له عن عافية فقد ذكره أبو العرب في " الضعفاء " ونقل عن أبي الطاهر أحمد بن محمد بن عثمان المقدسي أنه قال: إبراهيم بن أيوب حوراني ضعيف. قال أبو العرب: وكان أبو الطاهر من أهل النقد والمعرفة بالحديث بمصر وقال أبو حاتم: لا أعرفه ".
فهذا هي علة الحديث؛ وإن الباحث المدقق ليعجب من ذهول كل من تكلم على الحديث عنها وانصرافهم إلى تعليله بما ليس بعلة قادحة. وذلك

(1/151)


كله مصداق لقول القائل: " كم ترك الأول للآخر. وللحديث علة أخرى وهي الوقف فقال ابن أبي شيبة (4/ 47): عبدة بن سليمان عن عبد الملك عنه أبي الزبير عن جابر قال: لا زكاة في الحلي. قلت: إنه يكون فيه ألف دينار؟ قال: يعار ويلبس"
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وأبو الزبير قد صرح بالسماع وقد تابعه عمرو بن دينار قال: " سمعت رجلا يسأل جابر بن عبد الله عنه الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير ".
أخرجه الشافعي (1/ 239) وأبو عبيد (442/ 1275) وإسنادهما صحيح على شرط الشيخين, وأخرجه الدارقطني (205) من طريق أبي حمزة عن الشعبي عن جابر قال: " ليس في الحلي زكاة "
وبهذا السند عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (في الحلي زكاة). وقال الدارقطني: (أبو حمزة هذا ميمون ضعيف الحديث.
قلت: فتبين مما تقدم أن الحديث رفعه خطأ وأن الصواب وفقه على جابر. وأن في الباب ما يخالفه وهو حديث فاطمة بنت قيس مرفوعا وهو وإن كان ضعيف الإسناد فقد جاءت له شواهد قوية تشهد له بالصحة أذكر بعضها:
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعها ابنة لها في يدها مسكتان من

(1/152)


ذهب فقال: هل تعطين زكاة هذا؟ قالت: لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما بسوارين من نار؟ ".
أخرجه أبو داود (1563) والنسائي (1/ 343) والترمذي (1/ 124) وأبو عبيد (439/ 1260) وابن أبي شيبة (4/ 27) والبيهقي (4/ 140) وأحمد (2/ 178، 204، 208) من طرق عن عمرو به. قلت: وإسناده إلى عمرو عند أبي داود والنسائي وأبي عبيد جيد وصححه ابن القطان كما في " نصب الراية " (2/ 370).
2 - عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: " دخلنا على عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: دخل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا أو ما شاء الله قال: هو حسبك من النار ".
أخرجه أبو داود (1565) والدارقطني (205) والحاكم (1/ 389 - 390) والبيهقي (4/ 139) عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شداد. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وكلام الشيخ ابن دقيق العيد في " الإمام) على ما نقله الزيلعي (2/ 371) يشعر أنه على شرط مسلم فقط فقد قال: " ويحيى بن أيوب (أحد رواته) أخرج له مسلم. . والحديث على شرط مسلم ". ويحيى بن أيوب هو الغافقي أبو العباس المصري وقد أخرج له البخاري أيضا.

(1/153)


هذا ومحمد بن عمرو بن عطاء ثقة أيضا محتج به في الصحيحين وقد وقع في سند الدارقطني (محمد بن عطاء) منسوبا إلى جده فقال فيه: " مجهول " وتبعه على ذلك ابن الجوزي في " التحقيق " (1/ 198 / 1) وهو ذهول منهما رده الأئمة من بعدهما كالزيلعي والعسقلاني وغيرهما.
(تنبيه على أوهام):
1 - عزا المؤلف حديث الباب إلى الطبراني وذلك وهم منه أو ممن نقله عنه فليس الحديث عند الطبراني ولم أجد أحدا غيره عزاه إليه ولا أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد ". وقد سبق للمؤلف مثل هذا الوهم في الحديث (48) فراجعه إن شئت.
2 و 3 - عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (2/ 154 / 2) الدارقطني عن جابر وفاطمة بنت قيس. وفيه وهمان: الأول: أن حديث جابر ليس مرفوعا عند الدارقطني كما رأيت. الثاني: أن حديث فاطمة لفظه عنده " في الحلي زكاة " ليس فيه " ليس " فهو في إثبات الزكاة لا في نفيها وكذلك عزاه في " نصب الراية " (2/ 373) للدارقطني.
[إرواء الغليل 817]

(1/154)


عدم عطية المرأة إلا بإذن زوجها
2571 - " إذا ملك الرجل المرأة لم تجز عطيتها إلا بإذنه ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه الطيالسي (ص 299 رقم 2667): حدثنا حماد حدثنا حبيب المعلم عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وهذا سند حسن. وورد بلفظ: "
لا يجوز لامرأة "، وقد مضى برقم (825) مع بعض الشواهد. ثم وجدت له شاهدا قويا آخر، وكان ذلك من دواعي إعادته هنا، وهو ما أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " (9/ 125 / 16607) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجوز لامرأة شيء في مالها إلا بإذن زوجها إذا هو ملك عصمتها ". قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، فهو شاهد قوي لأحاديث الباب الموصولة.
ثم رواه عن رجل عن عكرمة مرسلا نحوه. واعلم أن هذا الحديث قد عمل به قوم من السلف كما حكاه الطحاوي في " شرح المعاني " (2/ 403) ورواه ابن حزم في " المحلى " (8/ 310 - 311) عن أنس بن مالك وأبي هريرة وطاووس والحسن ومجاهد، قال: " وهو قول الليث بن سعد، فلم يجز لذات الزوج عتقا، ولا حكمافي صداقها، ولا غيره إلا بإذن زوجها، إلا الشيء اليسير الذي لابد لها منه في صلة رحم، أو ما يتقرب به إلى الله عز وجل ".

(1/155)


ثم ذكر أقوال العلماء الآخرين مع مناقشة أدلتهم، واختار هو جواز تصرف المرأة في مالها دون إذن زوجها. وساق في تأييد ذلك بعض الأحاديث الصحيحة, كحديث ابن عباس الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء في خطبة العيد بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء. ولا حجة في شيء من ذلك، لأنها وقائع أعيان يحتمل كل منها وجها لا يتعارض مع حديث الترجمة، وما في معناه عند إمعان النظر، فتأمل معي إلى حديث ابن عباس هذا مثلا، فإن فيه التصريح بأن تصدقهن كان تنفيذا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلو فرض أنهن لم يكن مأذونا لهن بالتصدق من أزواجهن، بل فرض نهيهم إياهن عن الصدقة، ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم بها، فهل من قائل بأن نهيهم مقدم على أمره صلى الله عليه وسلم، مع أنه لا نهي منهم، كل مافي الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء أن يتصدقن بغير إذن أزواجهن، فإذا أمرهن بالتصدق في مناسبة ما، فلا شك حينئذ أن هذا الأمر يكون مخصصا لنهيهم، هذا لو فرض تقدمه على الأمر ولا دليل على ذلك. والحقيقة أن ابن حزم معذور فيما ذهب إليه؛ لأنه هو الأصل الذي تدل عليه النصوص التي ذكرها، ولو أن حديث الترجمة وما في معناه صح عنده لبادر إلى العمل بها لأنها تضمنت زيادة حكم على الأصل المشار إليه. ولكنه رحمه الله أعل الحديث بأنه صحيفة منقطعة.
وهذا خلاف ما عليه جماهير علماء الحديث، وفي مقدمتهم الإمام أحمد من الاحتجاج بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأنه موصول، وأما جوابه عنه بأنه لو صح منسوخ فقد عرفت الجواب عنه، ثم كيف ينسخ الجزء الكل، أي الخاص العام؟! ثم إن هذا الحديث جهله و

(1/156)


تجاهله جل الدعاة اليوم الذين يتحدثون عن حقوق المرأة في الإسلام، ليس لأنه ترجح لديهم مذهب المخالفين له، بل لأن هذا المذهب يوافق ما عليه الكفار، فيريدون تقريب الإسلام إليهم بأنه جاء بما يوافقهم في تصرف المرأة في مالها، وهم يعلمون أن ذلك لا ينفعهم فتيلا، لأنهم يسمحون لها أن تتصرف أيضا في غير مالها، فهي تزوج نفسها بنفسها، بل وأن تتخذ أخدانا لها!!
وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

(1/157)