الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ط الخانجي

الباب الأول في ترجمتها وخصائصها
الفصل 1 - في ذكر شئ مِنْ حَالِهَا
هِيَ أُمّ الْمُؤْمِنِيْنَ وَأُمُّ عَبْد اللهِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقةُ بِنْتُ أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقةُ بِنْتُ الصِّدِّيْق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْهَا حَبِيْبَةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَقِيْهَةُ الرَّبَّانِيَّةُ كُنْيَتُهَا أُمُّ عَبْدِ اللهِ كَنَّاهَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنِ أُخْتهَا عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رواه أبو داوود وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيْح الْإِسْنَاد
وَجَاءَ فِي مُعْجَمِ ابْنِ الْأَعْرَابِيّ أَنَّهَا جَاءَتْ بِسِقْطٍ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ وَفِي إسناده نظر لأن مداره على داوود بْنِ الْمُحَبَّرِ صَاحِبِ كِتَابِ الْعَقْلِ

(1/5)


وَعَائِشَةُ مَأْخُوْذَةٌ مِنَ الْعَيْشِ وَيُقَالَ أَيْضًا عَيْشَةٌ لُغَةً حَكَاهَا ابْنُ الْأَعْرَابِيّ وَعَليّ بْنُ حَمْزَةَ ولا التفات لإسناد أبي عبيدة في الغربي المصنف ذلك
وذكر أبو الفضل الْفَلْكِيُّ فِي الْأَلْقَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صغر اسمها وقال
يَا عُوَيْشُ وَذَكَرَ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ أَنَّ الْإِمَام أَحْمَد فِيْ مُسْنَدِهِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيْثِ أم سلمة قالت عائشة يا رسول اللهِ عَلِّمْنِيْ دَعْوَةً أَدْعُوْ بِهَا فَقَالَ يَا عويش قولي اللهم رب محمد الْأُمِّيّ أَذْهِبْ عَنِّيْ غَيْظَ قَلْبِيْ وَأَجِرْنِيْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ وَاسْتَغْرَبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي طَبَقَاتهِ وفي الصحيحين يا عايش على الترخيم

(1/6)


وفي الأول دليل على جواز التصغير كقوله يا أبا عمير تَصْغِيْر تَحْبِيْبٍ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْبَسِيْطِ مِنَ النَّحْوِيِّيْنَ مثل قوله يا حميرا تَصْغِيْر تَقْرِيْبِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ بَعِيْدٌ كَقَوْلهِمْ بعيد العصر وقبيل الْفَجْرِ قَالَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْبَيْضَاءُ فَكَأَنَّهَا غَيْرُ كَامِلَةِ الْبِيَاضِ قَالَ وَكَذَلِكَ قَوْلهُ كُنَيْفٌ ملئ علما
وقال أبو القاسم الثمانيني فيشرح اللُّمَعِ قَوْل عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ابْنِ مَسْعُوْد كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا قَالُوْا إِنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا التَّحْقِيْرِ تَعَظِيْمهُ كَمَا قَالُوْا فِي داهية دويهية وخويخية قَالَ وَالصَحِيْح أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْد كَانَ صَغِيْر الْجِسْم قَصِيْرًا فَقَالَ كُنَيْفٌ مُصَغَّرَةً لِيَدُلَّ عَلَى تصغير جسمه لأن كنيفا تكبيره كنف وهو شئ يَكُوْنُ فِيْهِ أَدَاةُ الرَّاعِيْ فأَرَادَ أَنَّهُ حَافِظٌ لِّمَا فِيْهِ
وَأُمُّهَا أُمّ رُوْمَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وضمها بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس ابن كِنَانَةَ رَوَى الْبُخَارِيُّ لِأُمِّ رُوْمَانَ حَدِيْثًا وَاحِدًا مِنْ حَدِيْثِ الْإِفْك مِنْ رِوَايَة مَسْرُوْقٍ عَنْهَا ولم يلقها وقيل عن مسروق حدثتني أم رومان وَهُوَ وَهْمٌ وَنَقَلَ

(1/7)


النووي أن ابن اسحاق سماها في السيرة زينب وفي
الروض للسهلي اسْمُهُا دَعْدَةُ وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن سَعْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أُمَّ رُوْمَانَ مَاتَتْ فِي حَيَاةِ

(1/8)


رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَة وَنَزَلَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا

(1/9)


وهذا يقوي الإشكال في مَوْتَهَا فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم أبو نعيم الْأَصْفَهَانِيّ وَلَا عُمْدَةَ لِمَنْ أَنْكَرَهُ إِلَّا رِوَايَة مَسْرُوْقٍ وَقَالَ الْخَطِيْبُ لَمْ يَسْمَعْ مَسْرُوْقٌ مِنْ أُمِّ رُوْمَانَ شَيْئًا وَالْعَجَبُ كَيْفَ خَفِي ذَلِكَ على البخاري وقد فطن مسلم له
تَزَوَّجَهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قبل الهجرة بسنتين وقيل ثلاث بَعْدَ مَوْتِ خَدِيْجَةَ وَقَبْلَ سَوْدَة بِنْتِ زَمْعَةَ وقيل بعدها وهذا هو الشهر وَالْأًوَّلُ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَيَشْهَد لَهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ مِنْ حَدِيْثِ هِشَام عَنْ أَبِيْهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْت امْرَأَة أَحَبَّ إلي أن أكون من مسلاخها من سودة بنت زَمْعَةَ الْحَدِيْثَ وَقَالَتْ فِي آخِرِهِ فِيْ بَعْضِ طرقه وكانت أول امرأة تزوجها بعدي
وَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَالْأًوَّلُ أَصَحُّ وبَنَى بِهَا بِالْمَدِيْنَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ فِي شَوَّالٍ مُنْصَرَفَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَقْدَمِهِ وقال الواقدي في الْأُوْلَى وَصَحَّحَهُ الدِّمْيَاطِيُّ وَأَمَّا ابْنُ دِحْيَةَ فَوَهَّاهُ الواقدي

(1/10)


وَأَقَامَتْ فِي صُحْبَتِهِ ثَمَانِيَةَ أَعْوَامٍ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وتوفي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهِيَ ابْنَة ثَمَانِيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَاشَتْ خَمْسًا وستين وَوُلِدَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ النَّبُوَّةِ وَتُوُفِّيَتْ بِالْمَدِيْنَة زَمَنَ مُعَاوِيَةَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَقِيْلَ ثَمَانٍ وخمسين واوصت أن يصلي عليها أبو هريرة وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا مَاتَتْ بَعْدَ الْوِتْرِ وَأَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ مِنْ لَيْلَتِهَا فَاجْتَمَعَ الْأَنْصَارُ وَحَضَرُوْا فَلَمْ نَرَ لَيْلَة أَكْثَرَ نَاسًا مِنْهَا نَزَلَ أَهْل الْعَوَالِيْ فَدُفِنَتْ بِالْبَقِيْعِ قَالَ الْوَاقِدِيُّ فَحَدَّثَنِيْ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ شَهِدْتُ أَبَا هريرة صلى على بِالْبَقِيْعِ وَابْنُ عُمَرَ فِي النَّاسِ لَا يُنْكِرُهُ وَكَانَ مَرْوَانُ اعْتَمَرَ فِيْ تِلْكَ السَّنَةِ وَاسْتَخْلَفَ أبا هريرة
رُوِيَ لَهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَا حَدِيْثٍ وَمِائَتَا حَدِيْثٍ وَعَشْرَةَ أَحَادِيْثَ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْهَا عَلَى مِائَة وَأَرْبَعَة وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثًا وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِيْنَ وَمُسْلِمٌ بثمانية وستين
رَوَى عَنْهَا خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ مِنْ مُتَأَخِّرِيْهِمْ مَسْرُوْقٌ وَالْأَسْوَدُ

(1/11)


وَسَعِيْدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ ابْنُ أُخْتِهَا وَالْقَاسِمُ ابْنُ أَخِيْهَا وَأَبُوْ سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَعَمْرَة بِنْتُ عَبْدِ الرحمن ونافع مولى ابن عمر وآخرون

(1/12)


وَكَانَ مَسْرُوْقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْهَا قَالَ حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيْقةُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ حَبِيْبَةُ حَبِيْبِ اللهِ الْمُبَرَّأَةُ مِنَ السَّمَاءِ وَرُوِيَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي
اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ عَائِشَةَ فَقَالَ خَلَيْلَةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِرَجُل نَالَ مِنْهَا اعزب مَقْبُوحًا مَنْبُوحًا أَتُؤْذِيْ حَبِيْبَةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(1/13)


وَمِنْ مَوَالِيْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْها
1 - بَرِيْرَةُ وَهِيَ الَّتِيْ كَانَ فِيْهَا ثَلَاثُ سُنَنٍ وَحَدِيْثُهَا مَشْهُوْرٌ فِي الصَّحِيْحِ رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَجُل لَيُدْفَعُ عَنْ بَابِ الْجَنَّة بَعْدَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا عَلَى مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمٍ يُرِيْقُهُ مِنْ مُسْلِمٍ يَعْنِيْ بِغَيْرِ حَقٍّ رَوَتْهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ رَوَاهُ عَنْهَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ الشاميين لقي واثلة بن السقع 2 - ومنهن سايبة رَوَى عَنْهَا نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَمُّ سايبة إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل الحيات الَّتِيْ فِي الْبُيُوْتِ إِلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ

(1/14)


فإنها يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ رواه مالك
فِي الْمُوَطَّأِ عَن نَافِعٍ وَقَدْ وَصَلَهُ ثِقَاتٌ من أصحاب نافع عن سايبة عَنْ عَائِشَةَ 3 - وَمِنْهُنَّ مَرْجَانَةُ وَهِيَ أُمُّ عَلْقَمَةَ بن أبي علقمة أحد شيوخ مالك 4 - ومنهن أبو يونس رَوَى عَنْهُ الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيْمٍ أَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَن الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيْمٍ عَنْ أَبِي يُوْنُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لها مصحفا ثم قالت إذا بلغت هذه الآية {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فلما بلغتها قالت وصلاة العصر سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 5 - ومنهم أبو عمرو كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِيْ مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِيْ مُلَيْكَةَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيْ عائشة بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيعرفهم أبو عمرو مولى عائشة وهو غلامها يَوْمئِذٍ لَمْ يُعْتَقْ

(1/15)


وَفِيْ رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِيْ شَيْبَةَ فِيْ مُصَنَّفِهِ أَنَّهُ كَانَتْ دَبَّرَتْهُ وَقَوْلهُ بِأَعْلَى الْوَادِيْ يُرِيْدُ وادي مكة كانوا
يَأْتُوْنَهَا لِلزِّيَارَةِ وَالِاسْتِفْتَاء وَذَلِكَ عِنْدَمَا تَحُجُّ وَلَمَّا خَرَجَتْ إِلَى مَكَّةَ مُغَاضِبَةً لِعُثْمَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِيْ قُتِلَ فِيْهَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيْرِ فِي شرح المسند
ولها خصائص كَثِيْرةٌ لَمْ يَشْرَكْهَا أَحَد مِنْ أَْزْوَاجهِ فِيْهَا

(1/16)


الفصل 2 - في خصائصها الأربعين
الْأُوْلَى: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يتزوج بكرا غيرها فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ حَثَّ عَلَى نِكَاحِ الْأَبْكَارِ وتزوج من الثياب أَكْثَرَ فِيْهِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ قُلْتُ تَقْلِيْلًا لِلِاسْتِلْذَاذِ لِأَنَّ الْأَبْكَارَ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَلِذَلِكَ قَالَ فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَتَكَثِيْرًا لِتَوْسِعَةِ الْأَحْكَامِ إِذْ هُنَّ بِالْفَهْمِ وَالتَّبْلِيْغِ أَعْلَقُ وَجْبًرا لِّمَا فَاتَهُنَّ مِنَ الْبَكَارَةِ كَمَا قَدَّمْنَ فِي قَوْلهِ تَعَالَى {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} أَوْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَعَظِيْمِ عَائِشَةَ وَتَمْيِيْزِهَا بِهَذِهِ الْفَضِيْلَةِ وَحْدَهَا دُوْنَهُنَّ لِئَلَّا تُشَارِكَ فِيْهَا فَكَأَنَّهَا فِي كَفَّةٍ وَهُنَّ فِي كَفَّةٍ أُخْرَى
الثَّانِيةُ: أَنَّهَا خُيِّرَتْ وَاخْتَارَتِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ على الفور وكن

(1/17)


الثَّالِثُةُ: أَنَّهَا حَيْثُ خُيِّرَتْ كَانَ خِيَارُهَا عَلَى التَّرَاخِيْ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الخِلَافُ فِي أَنَّ جَوَابَهُنَّ هَلْ كَانَ مَشْرُوْطًا بِالْفَوْرِ أَمْ لَا ففي غيرها هكذا قاله القاضي أبو الطيب الطِّبّرِيُّ فِي تَعَليّقِهِ فَإِنَّهُ حَكَى الخِلَافَ وَصَحَّحَ الْفَوْريَّةَ ثُمَّ قَالَ وَالْخِلَافُ فِي التَّخْيِيْرِ الْمُطْلَقِ فأماإذاقال لها اختاري أي وقت شئت كلن على التراخي بالإجماع قال وعائشة من هذا القبيل لقوله ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمر أبويك
وهو تقييد مرتبط به إطلاق الشرح والروضة وَلَمْ يَقِفِ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيْطِ وَفِي طَرْدِ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ أَْزْوَاجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلِّهِنَّ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَهْلَ فِي التَّخْيِيْر إِنَّمَا قِيْلَ لعَائِشَةَ فَقَطْ وَسَبَبُهُ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا كَانَتْ أَحَدثَ نِسَائِهِ سِنًّا وَأَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ فَكَانَ قَوْلهُ لَهَا لَا تُبَادِرِيْنِيْ بِالْجَوَابِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَبْتَدِرَهُ بِاخْتِيَارِ الدُّنْيَا ومغبته ألا يطرد الحكم في غيرها لا سيما إِذَا نَظَرْنَا إِلَى مَا جَاءَ فِي الصَّحِيْحِ مِنْ تَخْصِيْصِ ذَلِكَ بِهَا كَانَ ذَلِكَ يَنْزِلُ مَنَزْلَةً مَا قَالَ الوَاحِدُ مِنَّا لِبَعْضِ نِسَائِهِ اخْتَارِيْ مَتَى شِئْتِ وَقَالَ لِأُخْرَى اخْتَارِيْ فَإِنَّ خِيَارَ الْأُوْلَى يَكُوْنُ عَلَى التَّرَاخِيْ وَالْأُخْرَى عَلَى الْفَوْرِ
الرَّابِعُةُ: نُزُوْلُ آَيَةِ التَّيَمُّمِ بِسَبَبِ عِقَدْهَا حِيْنَ حَبَسَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس وقال لها أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر

(1/18)


الخامسة: نزول براءتها من السماء بما نَسَبَهُ إِلَيْهَا أَهْل الْإِفْك فِي سِتِّ عَشْرَةَ آية متوالية وشهد الله لها بأنها مِنَ الطَّيِّباتِ وَوَعَدَهَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّزْقِ الْكَرِيْمِ وَانْظُرْ تَوَاضُعَهَا وَقَوْلهَا وَلَشَأْنِيْ فِي نَفْسِيْ كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِوَحْيٍ يُتْلَى قَالَ الزِّمَخْشَرِيُّ وَلَوْ فَلَّيْتَ الْقْرْآنَ وَفَتَّشْتَ عَمَّا أوعد به

(1/19)


العصاة لم تر الله عز وجل قد غلظ في شئ تَغْلِيْظَهُ فِي إِفْكِ عَائِشَةَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال بالبصرة يوم عرفة وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآَيَات مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا ثُمَّ تَابَ مِنْهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ إِلَّا مَنْ خَاضَ فِي إِفْكِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ برأ الله تعالى أربعة بأربعة يوسف بالوليد وموسى بالحجر ومريم بإنطاق ولدها عبد الله إِنِّيْ عَبْدُ اللهِ وَبَرَّأَ عَائِشَةَ بِهَذِهِ الْآَيَاتِ العظيية فَإِنْ قُلْتَ فَإِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ فَكَيْفَ قَالَ الْمُحْصَنَاتِ قُلْتُ فِيْهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ أَْزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُوْنُ الْحُكْمُ شَامِلًا لِلْكُلِّ وَالثَّانِي أَنَّهَا أُمّ الْمُؤْمِنِيْنَ فَجُمِعَتْ إِرَادَةً لَهَا وَلِبَنَاتهَا مِنْ نِسَاءِ الْأُمَّةِ
السَّادِسُةُ جَعَلَهُ قُرْأَنَا يُتْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة
السَّابِعُةُ: شَرَعَ جَلْدَ الْقَاذِفِ وَصَارَ بَابُ الْقَذْفِ وَحْدَهُ بَابًا عَظِيْمًا مِنْ أَبْوَابِ الشَّرِيْعَةِ وكان سببه قصتها رضي الله عنها فإن ما نزل بها
أَمْرٌ تَكْرَهُهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ فِيْهِ لِلْمُؤْمِنِيْنَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا كَمَا سَبَقَ نَظِيْرُهُ فِي التَّيَمُّمِ
تَنْبِيْهٌ جَلِيْلٌ: عَلَى وَهْمَيْنِ وَقَعَا فِي حَدِيْثِ الْإِفْك فِيْ صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ

(1/22)


أَحَدُهُمَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قَالَ فَدَعَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيْرَةَ وَبَرِيْرَةُ إِنَّمَا اشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ وَأَعْتَقَتْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَمَّا أُعْتِقَتْ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا جَعَلَ زَوْجُهَا يَطُوْف وراءها قي سِكَكِ الْمَدِيْنَةِ وَدُمُوْعُهُ تَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ لَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ رَاجَعْتِيْهِ فَقَالَتْ أَتَأْمُرُنِيْ فَقَالَ إِنَّمَاأَنَا شَافِعٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عباس أَلََا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيْثٍ لِبَرِيْرَةَ وَبُغْضِهَا لَهُ وَالْعَبَّاسُ إِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِيْنَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ والمخلص من هذا الإشكال أن تفسير الجارية بِبَرِيْرَةَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيْث مِنْ بَعْضِ الرُّوَاة فَيُظَنُّ أَنَّهُ مِنَ الْحَدِيْث وَهُوَ نَوْع غَامِضٌ لَا يَنْتَبِهُ لَهُ إِلَّا الْحُذَّاقُ
ومن نَظَائِرِهِ ما وقع في الترمذي وغيره من حديث يونس ابن أَبِيْ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيْ بَكْرٍ بْن أَبِي موسى عن أبيه قال خرج أبو طالبْإلى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَذَكَرَ الرَّاهِبَ وقال في آخرها فرده أبو طالب وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُوْ بَكْرٍ بِلَالًا وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ من الكعك والزبيب فَهَذَا مِنَ الْأَوْهَامِ الظَاهِرةِ لِأَنَّ بِلَالًا إِنَّمَا اشْتَرَاهُ أَبُوْ بَكْرٍ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعد أن أسلم بلالا وعذبه
قَوْمُهُ وَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّام مَعَ عَمِّهِ أَبِيْ طَالِبٍ كَانَ لَهُ مِنَ الْعُمَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَشَهْرَانِ وَأَيَّامٌ وَلَعَلَّ بِلَالًا لَمْ يَكُن بَعْدُ ولد

(1/23)


وَلَمَّا خَرَجَ الْمَرَّةَ الثَّانِيةَ كَانَ لَهُ قَرِيْبٌ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً وَلَمْ يَكُن مَعَ أَبِيْ طَالِبٍ إِنَّمَا كَانَ مَعَ مَيْسَرَةَ
الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحَاوُرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذ وَقِصَّة إِفْكٍ كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَجَمَاعَةٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ قَالَ مُوْسَى بْن عُقْبَةَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِهَذَا القَوْلِ بِحَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحْدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَرَدَّنِيْ ثُمَّ عُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِيْ
وَأُحْدٌ بِلَا شَكّ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَنْدَقَ سَنَةَ أَرْبَعٍ ثُمَّ قَالَ فِي الصَّحِيْحِ أَنَّهَا غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاق سَنَةَ سِتٍّ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَانَ الْإِفْكُ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَأَمَّا مُوْسَى بْنُ عُقْبَةَ فَقَالَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَلَا رَيْبَ أن قِصَّة الْإِفْك كَانَتْ بَعْد نُزُوْل آَيَة الْحِجَابِ وَالْحِجَابُ نَزَلَ فِي شَأْن زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ وَهِيَ فِي قِصَّةِ الْإِفْك كَانَتْ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تتكلم في عائشة ونكاح زينت رَضِيَ اللهُ عَنْهُا كَانَ فِي ذِي

(1/24)


الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَة فِي قَوْلِ ابْنِ سَعْدٍ وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْوَاقِدِيُّ تَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَة وَبِهِ قَالَ غَيْرُهُمْ من علماء أهل المدينة فدل تأخر
آَيَةِ الْحِجَاب عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ وقد ثبت بلا ريب أَنَّ سَعْدَ ابْنَ مُعَاذٍ تُوُفِّيَ عَقِبَ الْخَنْدَقِ وَعَقِبَ حُكْمِهِ فِي بَنِيْ قُرَيْظَةَ وَلَمْ يَكُن بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ غَزَاةٌ وَلِهَذَا يَعْدِلُ الْبُخَارِيُّ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِهِ لِحَدِيْثِ الْإِفْك عَنْ نِسْبَةِ سعد إلى أبيه فيقول فقام سعدأخو بَنِيْ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَهَذِهِ رِوَايَتُهُ فِي الْمَغَازِي وَقَالَ سَنَةَ أَرْبَعٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى قَوْلِهِ قبل الخندق لأن الخندق كانت في آحر السَّنَةِ فِي شَوَّالٍ وَاتَّصَلَتْ بِغَزْوَةِ قُرَيْظَةَ وَعَلَى هذا فيصبح أَنْ يَكُوْنُ الْمُرَادُ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ هو سعد بن معاذ
وقد يقدم وَهْمٌ آَخَرُ وَهُوَ رِوَايَةُ مَسْرُوْقٍ عَنْ أُمِّ رُوْمَانَ وَأَجَابَ الْقَاضِيْ أَبُوْ بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبيِّ عَنْ هَذَا بأَنَّهُ جَاءَ فِي طَرِيْق حَدَّثَتْنِيْ أُمُّ رُوْمَانَ وَفِي أُخْرَى عَنْ مَسْرُوْقٍ عَنْ أُمِّ رُوْمَانَ مُعَنْعَنًا قَالَ رَحِمَهُ اللهُ وَالْعَنْعَنَةُ أَصَحُّ فِيْهِ وَإِذَا كَانَ الْحَدِيْث مُعَنْعَنًا كَانَ مُحْتَمِلًا وَلَمْ يَلْزَمْ فِيْهِ مَا يَلْزَمُ فِي حَدَّثَنِيْ لِأَنَّ لِلرَّاوِيْ أَنْ يَقُوْلَ عَنْ فُلَانٍ وإن فلان لَمْ يُدْرِكْهُ حَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْهَامٍ ادُّعِيَتْ فِي حَدِيْثِ الْإِفْك وَهْمٌ فِيْ بَرِيْرَةَ وَوَهْمٌ فِيْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَوَهْمٌ فِيْ أُمِّ رُوْمَانَ وَالثَّلَاثَةُ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيْحِ فَلَا يَنْبَغِيْ الْإِقْدَامُ عَلَى التَّوْهِيْمِ إِلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدْفَعُ الْكُلَّ
الثَّامِنُةُ: لَمْ يَنْزِلْ بِهَا أَمْرٌ إِلَّا جَعَلَ الله ِلَهَا مِنْهُ مَخْرَجًا وَلِلْمُسْلِمِيْنَ بَرَكَةٌ

(1/25)


التَّاسِعُةُ: أَنَّ جِبْرِيْلَ أَتَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيْرٍ
فَقَالَ هَذِهِ زَوْجَتُكَ فَقُلْتُ إِن يَكُن مِّنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ وَقَدْ أَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِيْ بَابِ النَّظَر إِلَى الْمَرْأَة إِذَا أَرَادَ تَزْوِيْجَهَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ صَحِيْحٌ لِأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ سَوَاءٌ وَقَدْ كَشَفَ عَنْ وَجْهِهَا
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمَذِيِّ فِي خِرْقَةِ حَرِيْرٍ خَضْرَاءَ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيْبٌ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ غَرِيْبَةٍ أَنَّ طُولَ تِلْكَ الْخِرْقَةِ ذِرَاعَانِ وَعَرْضُهَا شِبْرٌ ذَكَرَهُ الْخَطِيْبُ فِي تَارِيْخِ بَغْدَادَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ فَقَالَ السُّهَيْلِيُّ لَيْسَ بِشَكٍّ

(1/26)


لِأَنَّ رُؤْيَا إِلَّانْبِيَاءِ وَحْيٌ وَلَكِنْ لَّمَّا كَانَتْ الرُّؤْيَا تَارَةً تَكُوْنُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَتَارَةً تَزْهُوْ نَظِيْرَ الْمَرْئِيِّ أَوْ شَبَهِهِ فَيَطْرُقُ الشَّكّ مِنْ ها هنا ويبقى سؤال لماذا أتى ب (إن) المناسب لِلْمَقَامِ إِذَا لِأَنَّهَا لِلْمُحَقَّقِ وَ (إِنْ) لِلْمَشْكُوْكِ فِيْهِ وَجَوَابُهُ يُعْلَمُ مِمَّا قَبْلَهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك عَن الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِيْ عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ مَيْمُوْن مَوْلَى عُرْوَة عَن حَبِيْب مَوْلَى عُرْوَة قَالَ لَمَّا مَاتَتْ خَدِيْجَةُ حَزِنَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِعَائِشَةَ فِي مَهْدٍ فَقَالَ هَذِهِ تُذْهِبُ بِبَعْضِ حُزْنِكَ وَإِنَّ فِيْهَا لَخَلَفًا مِنْ خَدِيْجَةَ الْحَدِيْث فَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ لِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الْحَالِ وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مرتين
الْعَاشِرُةُ: أَنَّهَا كَانَتْ أَحَبَّ أَْزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ قَالَ لَهُ عَمْرو بْنُ الْعَاصِ يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قَالَ وَمِنَ الرِّجَال قَالَ أَبُوْهَا
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمَذِيُّ

(1/27)


الْحَادِيْةُ عَشْرَةَ وُجُوْب مَحَبَّتِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَفِي الصَحِيْح لَمَّا جَاءَت فَاطِمَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَلَسْتِ تُحِبِّيْنَ مَا أُحِبُّ قَالَتْ بَلَى قَالَ فأَحِبِّيْ هَذِهِ يَعْنِيْ عَائِشَةَ وَهَذَا الْأَمْر ظَاهِرُ الوُجُوْبِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاضَتْ عَائِشَةُ إِنَّ هَذَا شئ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آَدَمَ وَقَوْلُهُ لَمَّا حَاضَتْ صَفِيَّة عَقْرَى حَلْقَى أَحَابِسَتُنَا هِيَ وَفرق عَظِيْم بين الْمَقَامَيْنِ وَلَعَلَّ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ كَثْرَةُ مَا بَلَغَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُوْنَ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاء الصَحَابِيًّاتِ كَمَا قِيْلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَحُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ

(1/28)


الثَّانِيةُ عَشْرَةَ: أَنَّ مَنْ قَذَفَهَا فَقَدْ كَفَرَ لِتَصْرِيْحِ الْقْرْآنِ الْكَرِيْمِ بِبَرَاءتِهَا قَالَ الْخُوَارَزَمِيُّ فِي الْكَافِي مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ لَوْ قذف عائشة الزنى صَارَ كَافِرًا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الزَّوْجَاتِ لِأَنَّ الْقْرْآنَ نَزَلَ بِبَرَاءتِهَا
وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ سبها قتل قال أبو الخطاب ابن دِحْيَةَ
فِي أَجْوِبَة الْمَسَائِلِ وَيَشْهَدُ مَالِك كِتَاب اللهِ فَأَنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا ذَكَرَ فِي الْقْرْآنِ مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُوْنَ سَبَّحَ لِنَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ} والله تعالى ذكر عائشة فقال {لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَا يَكُوْنُ لَنَا أَن نتكلم بهذا سبحانك هذابهتان عَظِيمٌ} فَسَبَّحَ نَفْسَهُ فِيْ تَنْزِيْهِ عَائِشَةَ كَمَا سَبَّحَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ فِيْ تَنْزِيْهِهِ حَكَاهُ الْقَاضِيْ أبو بكر ابن الطيب
الثالثة عشرة: من أنكر كون أَبِيْهَا أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَحَابِيًّا كَانَ كَافِرًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ فَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوْل {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ أَنَّ اللهَ مَعَنَا} ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِيْ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِيْ ذَلِكَ فِيْ إِنْكَارِ صُحْبَةِ غَيْره وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَعَمْ يُدْرِكُ تَكْفِيْرَ منكر صحبة الصدق تَكْذِيْبُ النُّصُوْصِ وَصُحْبَةِ غَيْرِهِ التَّوَاتُرُ
الرَّابِعُةُ عَشْرَةَ: أن النَّاس كَانُوْا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُتْحِفُوْنَهُ بِمَا يُحِبّ فِي مَنْزِلِ أَحَبِّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ يَبْتَغُوْنَ بذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

(1/29)


الْخَامِسُةُ عَشْرَةَ: أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمًا لَهَا بخصوصها
السَّادِسُةُ عَشْرَةَ: اخْتِيَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمرض في بيتها قال أبو الوفا عَقِيْلٌ رَحِمَهُ اللهُ انْظُرْ كَيْفَ اخْتَارَ لِمَرَضِهِ بَيْتَ الْبِنْتِ وَاخْتَارَ لِمَوْضِعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ الْأَبَ فَمَا هَذِهِ الْغَفْلَةُ الْمُتَحَوِّذَةُ عَلَى قُلُوْبِ الرَّافِضَةِ عن هذا الفضل والمنزلة التي لا تكاد تخفى عَنِ الْبَهِيْمِ فَضْلًا عَنِ النَّاطِقِ
السَّابِعُةُ عَشْرَةَ: وَفَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحَرِهَا وَنَحَرِهَا قَالَ الصَّاغَانِيْ

(1/30)


السَّحَرُ بِفَتْحِ السِّيْنِ وَضَمِّهَا مَا تَعَلَّقَ بِالْحُلْقُوْمِ وبالمري من أعلى البطن من الرئة وغنرها وعن الفراء فيه شحر بالتحريك وكان عمارة ابن عَقِيْلِ بْنِ بِلَالِ بْنِ جَرِيْر يَقُوْلُ إِنَّمَا هُوَ بَيْنَ شَجَرِيْ بِشِيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَجِيْمٍ فُسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَقَدَّمَهَا عَنْ صدره كأنه يضم شبئا يُرِيْدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قُبِضَ وَقَدْ ضَمَّتْهُ بيديها إلى هحرها وَصَدْرِهَا وَخَالَفَتْ بَيْنَ أَصَابِعِهَا وَكَأَنَّهُ عِنْدَهُ مَأْخُوْذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ اشْتَجَرَتِ الرِّمَاحُ إِذَا اشْتَبَكَتْ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ
الثَّامِنُةُ عَشْرَةَ: وَفَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ يَوْمِهَا
التَّاسِعُةُ عَشْرَةَ: دَفْنُهُ فِيْ بيتها ببفعة هِيَ أَفْضَل بِقَاعِ الْأَرْض بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ
الْعِشْرُوْنَ أَنَّهَا رَأَتْ جِبْرِيْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ صُوْرَة دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثَبَتَ في الصحيحين

(1/31)


زَادَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ مَسْرُوْقٍ عَنْهَا قُلْتُ يَا رَسُوْلَ اللهِ مَنْ هَذَا قَالَ بمن شبهته قلت بدحية قَالَ لَقَدْ رَأَيْتِ جِبْرِيْلَ وَفِيْ رِوَايَةٍ لَّهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْهَا وَرَأَيْتُ جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري
فَأَخْرَجَ مِنْ جِهَةِ مَالِكِ بْنِ سَعِيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيْلِ بْنِ أَبِيْ خَالِد أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الضَّحَّاكِ أَنَّ عَبْد اللهِ بْنِ صَفْوَانَ أَتَى عَائِشَةَ وَآخَرُ مَعَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُُ لِأَحَدِهِمَا أَمَنَعْتِ حَدِيْثَ حَفْصَة يَا فُلَانٌ فَقَالَ نَعَمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِيْنَ فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ وَمَا ذَاكَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِيْنَ قَالَتْ خِلَالٌ تِسْعٌ لَمْ تَكُ لِأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ قَبْلِيْ إِلَّا مَاأَتَى اللهَ مَرْيَم بِنْتِ عِمْرَان وَاللهِ مَا أَقُوْلُ هَذَا أَنِّيْ أَفْخَرُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ صَوَاحِبَاتِيْ فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ وَمَا هُنَّ يَاأُمَّ الْمُؤْمِنِيْنَ قَالَتْ جَاءَ الْمَلَكُ بِصُوْرَتِيْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَنِيْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَاابْنَة سَبْعِ سِنِيْنَ وأهديت إليه وأنا ابنة تسع سينن وتزوجني

(1/32)


بِكْرًا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيَّ أَحَدٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَانَ يَأْتِيْهِ الْوَحْيُ وَأَنَا وَهُوَ فِيْ لِحَافٍ وَاحِدٍ وَكُنْتُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ وَنَزَلَ فِيَّ آَيَاتٌ مِّنَ الْقْرْآَنِ كَادَتِ الْأُمَّةُ تَهْلِكُ فِيْهَا وَرَأَيْتُ جِبْرِيْلَ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِّن نِّسَائِهِ غَيْرِيْ وَقُبِضَ فِيْ بَيْتيْ وَلَمْ يَلِهِ غَيْرُ الْمَلَكِ وَأَنَا وَقَالَ صَحِيْحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ
وَمَالِكُ بْنُ سَعِيْرٍ مِنْ رِجَال مُسْلِمٍ وقال أبو حاتم صدوق وضعفه أبو داوود وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيْهَا نَظَرٌ لِمَا فِيْ كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّ أُمّ سَلَمَةَ رَأَتْهُ فِيْ صُوْرَة دحية أَيْضًا قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَإِنَّمَا سَلَّمَ عَلَيْهَا وَلَمْ يُوَاجِهْهَا لِحُرْمَةِ زَوْجِهَا وَوَاجَهَ مَرْيَم لأنه لم يكن لها بعل فَمَنْ نُزِّهَتْ لِحُرْمَةِ بَعْلِهَا عَنْ خِطَابِ جِبْرِيْلَ كَيْفَ يُسَلَّطُ عَلَيْهَا أَكُفُّ أَهْل الْخَطَايَا
مُتَمِّمُ الْعِشْرِيْنَ: اجْتِمَاعُ رِيْقِ رَسُوْلِ اللهِ وَرِيْقِهَا فِيْ آَخِرِ أَنْفَاسِهِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيْحٌ عَلَى شرط الشيخين

(1/33)


الْحَادِيْةُ وَالْعِشْرُوْنَ لَمْ يَنْزِلِ الْوَحْيُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيْ لِحَافِ امْرَأَة مِّن نِّسَائِهِ غَيْرَهَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي المَنَاقِبِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّان فِيْ صَحِيْحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِلَفْظِ مَا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيّّ وَأَنَا فِيْ بَيْتِ امْرَأَة مِّن نِّسَائِيْ غَيْرَ عَائِشَةَ وَقَالَ صَحِيْحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ولأول أَصَحُّ فَقَدْ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِيْ بَيْت خَدِيْجَةَ
الثَّانِيةُ وَالْعِشْرُوْنَ: كَانَتْ أَكْثَرَهُنَّ عِلْمًا قَالَ الزُّهْرِيُّ لَوْ جُمِعَ عِلْمُ عَائِشَةَ إِلَى عِلْمِ جَمِيْعِ النِّسَاءِ لكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ وَقَالَ عَطَاءٌ كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ وَأَحْسَنَ النَّاسِ رأيا في العامة وذكر أبو عمر بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهَا كَانَتْ وَحِيْدَةَ عَصْرِهَا فِيْ ثَلَاثَةِ عُلُوْم عِلْمِ الْفِقْهِ وَعِلْمِ الطِّبِّ وَعِلْمِ الشِّعْرِ وَقَالَ أَبُوْ بَكْرٍ البزار في مسنده حدثنا عمرو بن علي ثَنَا خَلَّادُ بْن يَزَيْد ثَنَا

(1/34)


محمد بن عبد الرحمن أبو غرازة زَوْجُ خَيْرَةَ قَالَ حَدَّثَنِيْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَنِّيْ لَأَتَفَكَّرُ فِيْ أَمْرِكِ فَأَعْجَبُ أَجِدُكُ مِنْ أَفْقَهِ النَّاسِ فَقُلْتُ مَا يَمْنَعُهَا زَوْجَةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَة أَبِيْ بَكْرٍ وَأَجِدُكِ عَالِمَةً بِأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَنَسابِهَا وَأَشْعَارِهَا فَقُلْتُ وَمَا يَمْنَعُهَا وَأَبُوْهَا عَلَّامَةُ قُرَيْشٍ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَعْجَبُ أَنْ وَجَدْتُكِ عَالِمَةً بِالطِّبِّ فَمِنْ أَيْنَ فَأَخَذْتُ بِيَدَيَّ وَقَالَتْ يا عرية
إن رسول الله كثر سقمه فَكَانَ أَطِبَّاءُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ يَنْعِتُوْنَ لَهُ فَتَعَلَّمْتُ ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيْثُ لَا نَعْلَمُهُ مَرْوِيًّا عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عبد الرحمن مختلف فيه لكن رواه أبو نعيم فِي الْحِلْيَةِ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا عَبْد اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةُ الزُّبَيْريُّ ثَنَا هِشَام بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيْهِ بِهِ ورد في الْحَاكِمِ نَحْوُهُ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيْل عَنْ هِشَام وقال صحيح الإسناد قال الذهبي مُخْتَصَرهِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
الثَّالِثُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: كَانَتْ أَفْصَحَهُنَّ لِسَانًا عَنْ مُوْسَى بْنِ طَلْحَة قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمَذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ غَرِيْبٌ

(1/35)


وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيْرِيْنَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْن قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ وَالْخُلَفَاءِ كُلِّهِمْ هَلُمَّ جَرًّا إِلَى يَوْمِيْ هَذَا فَمَا سَمِعْتُ الْكَلَام مِنْ فَمِ مَخْلُوْقٍ أَفْخَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَسَاقَ أَبُو الْفَرَجِ فِي التَّبْصَرَةِ لَهَا كَلَامًا طَوِيْلًا مُوَشَّحًا بِغَرَائِبِ اللُّغَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَقَالَ صَاحِبُ زَهْرِ الْآَدَابِ لَمَّا تُوُفِّيَ الصِّدِّيْقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَفَتْ عَائِشَةُ عَلَى قَبْرِهِ فَقَالَتْ
نَضَّرَ اللهُ وَجْهَكَ يَا أَبَتِ وَشَكَرَ لَكَ صَالِح سَعْيِكَ فَلَقَدْ كُنْتَ لِلدُّنْيَا مُذِلًّا بِإِدْبَارِكِ عَنْهَا وَلِلْآَخِرَةِ مُعِزًّا بِإِقْبَالِكَ عَلَيْهَا وَلَئِنْ كَانَ أَجَلَّ الْحَوَادِثِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَزْؤُكَ وأعظم المصائب بعده فقدك إن كتاب الله
لَيَعِدُ بِحُسْنِ الصَّبْرِ عَنْكَ حُسْنَ الْعِوَضِ مِنْكَ وَأَنَا أَسْتَنْجِزُ مَوْعُوْدَ اللهِ فِيْكَ بِالصَّبْرِ وَأَسْتَقْضَيْهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَكَ أَمَا لَئِنْ كَانُوْا قَامُوْا بِأَمْرِالدُّنْيَا لَقَدْ قُمْتُ بِأَمْرِ الدِّيْنِ لَمَّا وَهَى شُعَبُهُ وَتَفَاقَمَ صَدْعُهُ وَرَجُفَتْ جَوَانِبُهُ فَعَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ تَوْدِيْعَ غَيْرِ قَالِيَةٍ لِحَيَاتِكَ وَلَا زَارِيَةٍ عَلَى الْقَضَاءِ فِيْكَ
الرَّابِعُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: أَنَّ الْأَكَابِرَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمُ الْأَمْر فِي الدِّيْنِ اسْتَفْتَوْهَا فَيَجِدُوْنَ عِلْمَهُ عِنْدَهَا قَالَ أبو موسى الْأَشْعَرِيّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَاب رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيْثٌ قَطُّ فسَأَلَنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا أَخْرَجَهُ التِّرْمَذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ

(1/36)


وَقَالَ مَسْرُوْقٌ رَأَيْتُ مَشِيْخَةَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألونها عن الفرايض
الْخَامِسُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: جَاءَ فِيْ حَقِّهَا خُذُوْا شَطْرَ دينكم عن الحميراء وسألت شيخنا الحافظ عماد الدين ابْنَ كَثِيْر رَحِمَهُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كان شيخنا حافظ الدنيا أبو الحجاج الْمِزِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُوْلُ كُلُّ

(1/37)


حَدِيْثٍ فِيْهِ الْحُمَيْرَاءُ بَاطِلٌ إِلَّا حَدِيْثًا فِي الصَّوْم فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ قُلْتُ وَحَدِيْثٌ آَخَرُ في النَّسَائِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِيْ سَلَمَة قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ دَخَلَ الْحَبشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُوْنَ فَقَالَ لِيْ يَا حُمَيْرَاءُ أتُحِبِّيْنَ أَنْ تَنْظُرِيْ إِلَيْهِمْ الْحَدِيْث وَإِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِيْ مُسْتَدْرَكِهِ حَدِيْثَ ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوْجَ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِيْنَ فضَحِكَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ انْظُرِْيْ يَا حُمَيْرَاء أَلَّا تَكُوْنِيْ أَنْتِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ
إِنْ وَلِيْتَ مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا فَارْفُقْ بِهَا وَقَالَ صَحِيْحُ الْإِسْنَادِ
وَذَكَرَها الشَّيْخ أَبُوْ إِسْحَاقَ الشِّيْرَازِيّ فِي طَبَقَاته فِي جُمْلَةِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَسْمَاءَ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ رُوِيَتْ عَنْهُمُ الْفَتَاوَى فِي الْأَحْكَام فِيْ مَزِيَّةِ كَثْرَةِ مَا نَقَلَ عَنْهُمْ قَدَّمَ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَة وَقَالَ الْحَافِظُ أبو حفص عمربن عَبْدِ الْمَجِيْدِ الْقُرَشِيُّ الْمِيَانَشِيُّ فِيْ كِتَابِ إِيْضَاحُ مَإِلَّا يَسَعُ المحَدِّثَ جَهْلُهُ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَلَى أَلْف

(1/38)


حَدِيْثٍ وَمِائَتَيْ حَدِيْثٍ مِنَ الْأَحْكَام فَرَوَتْ عَائِشَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْكِتَابَيْنِ مِائَتَيْنِ وَنَيِّفًا وَتِسْعِيْنَ حَدِيْثًا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْأَحْكَام مِنْهَا إِلَّا الْيَسِيْرُ قال الحاكم أبو عبد الله فحمل عنها ربع الشريعة قال أبو حفص وَرُوِيَنَا بِسَنَدِنَا عَنْ بَقِيِّ بْنِ مُخَلَّدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ أَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْ حَدِيْثٍ وعَشْرَةَ أَحَادِيْثَ وَالَّذِيْنَ رَوَوْا إِلَّالُوْفَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ أَرْبَعَةٌ أَبُوْ هُرَيْرَةَ وَعَبْد اللهِ بْنُ عَمْرٍو وَأَنَس بْنُ مَالِكٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم
السَّادِسُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: لَمْ يَنْكَحِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً أَبَوَاهَا مُهَاجِرَانِ بلا خلاف سواها
السَّابِعُةُ وَالْعِشْرُوْنَ أَنَّ أَبَاهَا وَجَدَّهَا صَحَابِيَّانِ وَشَارَكَهَا فِيْ ذَلِكَ جَمَاعَة قَلِيْلُوْنَ قَالَ مُوْسَى بْنُ عُقْبَةَ لَا نَعْرِفُ أَرْبَعَةً أَدْرَكُوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ إِلَّا هَؤُلَاءِ الأربعة فذكر أبا بكر الصديق وَأَبَاه وَابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَابْنَهُ مُحَمَّدًا أَبَا عَتِيْقٍ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِيْنَ مِنْ عُلُوْمِهِ وَكَذَا صَاحِبُ الْفِرْدَوْسِ وَقَالَ وَلَا نَعْلَمُ مِنَ الْعَشْرَةِ أَحَدًا أَسْلَمَ أَبُوْهُ عَلَى يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ قُلْتُ وَقَدْ أفرد ابن مندة جزءا فيمن روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَوَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ وَاشْتَرَكُوْا فِيْ رُؤْيَتِهِ وَصُحْبَتِهِ وَالسِّمَاع مِنْهُ وَبَدَأَ بِوَالِدِ الصِّدِّيْقِ أََبِيْ قُحَافَةَ وَرَوَى لَهُ حَدِيْثًا ثُمَّ بالصِّدِّيْقِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُم حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيْلَ وابنه زيد ين حَارِثَةَ وَابْنُهُ أُسَامَةَ بْنُ زَيْد حِبُّ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِيْ بَكْرٍالصِّدِّيْقِ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ المُسْلِمُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً صَرَفَ اللهُ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِّنَ الْبَلَاءِ الْجُنُوْنُ وَالْجُذَامُ

(1/39)


وَالْبَرَصُ الْحَدِيْث ثُمَّ قَالَ لَا اعْلَمْ لِعَبْد الله به أَبِيْ بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الْحَدِيْث ثُمَّ قَالَ لَا اعْلَمْ لِعَبْد اللهِ بْنِ أَبِيْ بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيْث وَفِيْ إِسْنَادِهِ ضعف وإرسال وقال الدارقطني ثنا عبد اللهِ بْنُ أَبِيْ بَكْرٍ فَأَسْنَدَ عَنْهُ حَدِيْثًا فِيْ إِسْنَادِهِ نَظَرٌ يَرْوِيْهِ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمُؤَذِّنُ عَنْ رِجَالٍ 2 ضُعَفَاءَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيْثَانِ آَخَرَانِ
غَيْرَ هَذَا الْحَدِيْث أَحَدُهُمَا إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ بِكْرٍ وَزَوْجِهَا زَوَّجَهَا أَبُوْهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ ... . الْحَدِيْث الثَّانِيْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُجْلَدَ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِيْ حَدٍّ مِنْ حُدُوْدِ اللهِ
وَهَذَانِ الْحَدِيْثانِ يَرْوِيْهِمَا عَنْهُ الْمُهَاجِرُ بْنُ عِكْرَمَةَ الْمَخْزُوْمِيُّ وَعِنْدِيْ فِيْ سِمَاعِ الْمُهَاجِرِ هَذَا مِنْ عَبْدِ اللهِ بْن أَبِيْ بَكْرٍ نَظَرٌ فَإِنَّ عَبْدَ اللهِ قَدِيْمُ الْوَفَاةِ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ فِيْ شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَة وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِيْ تُوُفِّيَ فِيْهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقِيْلَ سنة اثنتي عشرة والأول أشهر وكانت وَفَاتُهُ بِالْمَدِيْنَةِ وَنَزَلَ حُفْرَتَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِيْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ
الثَّامِنُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: كَانَ أَبُوْهَا أَحَبَّ الرِّجَالِ إِلَيْهِ وَأَعَزَّهُمْ عَلَيْهِ
التَّاسِعُةُ وَالْعِشْرُوْنَ: أَنَّ أَبَاهَا أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سئل عن ذلك ما لك فَقَالَ وَهَلْ فِيْ ذَلِكَ شَكٌّ وَقَدْ صَحَّ عن علي ابن أبي طالب ذلك أيضا أخرجه أبو ذر فِيْ كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ

(1/40)


وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحنفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِيْ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُوْ بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ وَخَشِيْتُ أَنْ يَقُوْلَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِّنَ الْمُسْلِمِيْنَ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي التَّفْضِيْل بَيْنَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَسَاوِيْهِمَا فِي الْفَضِيْلَةِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيْدٍ الْقَطَّانُ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيْ كِتَابِ الصَّحَابَةِ أَنَّ السَّلَف اخْتَلَفُوْا
فِيْ تَفْضِيْلِ أَبِيْ بَكْرٍ وَعَلِيٍّ فَقَدْ غَلَطَ فِيْ ذَلِكَ وَوَهِمَ لَاسِيِّمَا وَثَبَتَ بِأَنَّ مَنْ كَانَ بعتقد ذلك من السلف أبو سعيد الْخُدْرِيُّ وَهَذَا بَعِيْدٌ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِيْ زَمَانِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بكر ثم عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَاب رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نفاضل بينهم وقد أنكر ابن عبد البر صحة هذا الخبر وقال إِنَّهُ غَلَطٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ هَارُوْنِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعت يَحْيَى بْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ مَنْ قَالَ أَبُوْ بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَرَفَ لِعَلِيٍّ سَابِقَتَهُ وَفَضْلَهُ فَهُوَ صَاحِبُ سنة ومن قال أبو بكر وعمر وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَعَرَفَ لِعُثْمَانَ سَابِقَتَهُ وَفَضْلَهُ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ فَذَكَرْتُ لَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَيَسْكُتُوْنَ فَتَكَلَّمَ فِيْهِمْ بكلام غليظ

(1/41)


وَهَذَا عَجِيْبٌ لِأَنَّ ابْنَ مَعِيْنٍ إِنَّمَا أَنْكَرَعَلَى رَأْيِ قَوْمٍ لَا عَلَى نَقْلِهِمْ وَهَؤُلَاءِ القَوْمُ العثمانية المغلون فِيْ عُثْمَانَ وَذَمِّ عَلِيٍّ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ وَاقْتَصَرَ عَلَى عُثْمَانَ فَلَا شَكّ أَنَّهُ مَذْمُوْمٌ وليس في الخبر ما يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَيْسَ بِخَيْرِ النَّاسِ بَعْدَهُمْ
الثَّانِي خِلَافُ قَوْلِ أَهْل السُّنَّةِ إِنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ عُثْمَانَ هَذَا لَا خِلَافَ فِيْهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوْا فِيْ تَفْضِيْلِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ قَالَ وَاخْتَلَفَ السَّلَف أَيْضًا فِيْ تَفْضِيْلِ عَلِيٍّ وَأَبِيْ بَكْرٍ وَفِيْ إِجْمَاعِ الْجَمَاعَةِ الَّتِيْ ذَكَرْنَا دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ حَدِيْثَ ابْنَ عُمَرَ وَهْمٌ غَلَطٌ وَهَذَا أَعْجَبُ مِنَ الْأًوَّل فَإِنَّ الْحَدِيْث صَحِيْحٌ أَوْرَدَهُ الْأَئِمَّة الْبُخَارِيُّ فَمَنْ دُوْنَهُ فِيْ كُتُبِهِمِ الصِّحَاحِ وَالْحَامِلُ لَهُ
عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ حَدِيْثَ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِيْ أَنَّ عَلِيًّا لَيْسَ بِأَفْضَلَ بَعْدَ عُثْمَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَسْكُوْتٌ عَنْهُ
الثَّلَاثُوْنَ: كَانَ لَهَا يَوْمًانِ وَلَيْلَتَانِ فِي الْقَسْمِ دُوْنَهُنَّ لِمَا وَهَبَتْهَا سَوْدَةُ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا
الْحَادِيْةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْضَبُ فَيَتَرَضَّاهَا وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا
الثَّانِية والثلاثون: لم يرو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ أكثر منها ونقل المارودي فِي الْأَقْضِيَةِ مِنَ الْحَاوِيْ عَنْ أَبِيْ حَنِيْفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْقُلُ مِنْ أَحَادِيْثِ النِّسَاءِ إِلَّا ما روته عائشة وأم سلمة وهو غريب

(1/42)


الثَّالِثُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: كَانَ يَتْبَعُ رِضَاهَا كَلَعْبِهَا بِاللُّعَبِ وَوَقُوْفِهِ فِيْ وَجْهِهَا لِتَنْظُرَ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُوْنَ وَاسْتَنْبَطَ الْعُلَمًاءُ مِنْ ذَلِكَ أَحْكَامًا كَثِيْرةً فَمَا أَعْظَمَ بَرَكَتُهَا
الرَّابِعُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: أَنَّهَا أَفْضَلُ امْرَأَةٍ مَاتَ عَنْهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفُوْا فِي التَّفْضِيْل بَينَهَا وَبَيْنَ خَدِيْجَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّيْ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ الْآمَدِيُّ فِيْ أَبْكَارِ الْإِفْكارِ مَذْهَب أَهْل السُّنَّةِ إِنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِيْنَ وَقَالَتِ الشِّيْعَةُ أَفْضَلُ زَوْجَاتِهِ خَدِيْجَةُ وَأَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِيْنَ فَاطِمَة وَمَرْيَم وَآَسِيَة
وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِيْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا مَالَ إِلَيْهِ الطِّبّرِيُّ فِيْ تَعْلِيْقِهِ فِي
الْأُصُوْل وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ خَدِيْجَةَ بأَنَّهَا أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلَاما كَمَا نَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَبِأَنَّ لَهَا تَأْثِيْرًا فِي الْإِسْلَام وَكَانَتْ تُسَلِّيْ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبْذُلُ دُوْنَهُ مَالَهَا فَأَدْرَكَتْ غُرَّةَ الْإِسْلَام وَاحْتَمَلَتِ إِلَّاذَى فِي اللهِ وَرَسُوْلِهِ وَكَانَتْ نُصْرَتُهَا لِلرَّسُوْلِ فِيْ أَعْظَمَ أَوْقَاتِ الْحَاجّةِ فَلَهَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا

(1/43)


قال أبو بكر بن داوود وَلِإِنَّ عَائِشَةَ أقْرَأَهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ مِنْ جِبْرِيْلَ وَخَدِيْجَةَ أَقْرَأَهَا جِبْرِيْلُ السَّلَامَ مِن رَّبِّهَا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ فَهِيَ أَفْضَلُ
وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ عَائِشَةَ بِأَنَّ تأثيرها في آخرالإسلام فَلَهَا مِنَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّيْنِ وَتَبْلِيْغِهِ إِلَى الأمة وانتنفاع بَنِيْهَا بِمَا أَدَّتْ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعِلْم مَا ليس لغيرها قال السهلي وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِيْ فَضْلِهَا عَلَى النِّسَاءِ حَدِيْثُ فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ يَعْنِيْ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ قَالَ وَأَرَادَ بالثَّرِيْدِ اللَّحْمَ كَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرُ فِيْ جَامِعِهِ مُفَسَّرًا عَنْ قَتَادَةَ - وَأَبَان يَرْفَعُهُ - فَقَالَ فِيْهِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ باللحم

(1/44)


وَوَجْهُ التَّفْضِيْلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيْث أَنَّهُ قَالَ فِيْ حَدِيْثٍ آَخَرَ سَيِّدُ أُدُوْمِ الدُّنْيَا وَالْأُخَرةِ اللَّحْمُ مَعَ أَنَّ الثَّرِيْدَ إِذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ فَهُوَ ثَرِيْدُ اللَّحْمِ أَنْشَدَ سِيْبَوَيْهِ
(إِذَا مَا الْخُبْز تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ ... فَذَاكَ أَمَانَةُ اللهِ الثَّرِيْدُ) قَالَ وَلَوْلَا قَوْلُهُ فِيْ خَدِيْجَةَ وَاللهِ مَا أَبْدَلَنِيَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا لَقُلْنَا بِتَفْضِيْلِهَا عَلَى خَدِيْجَةَ وَعَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِيْنَ وَهَذَا الْحَدِيْث الَّذِيْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه فِيْ سُنَنِهِ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيْد الْخَلَّال الدِّمَشْقِيّ
ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِح حَدَّثَنِيْ سُلَيْمَان بْن عَطَاء الجرزي حَدَّثَنِيْ مَسْلَمَة الْجُهَنِيّ عَنْ عَمِّهِ أَبِيْ مُشَجِّعَةٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ طَعَامِ أهل الدنيا

(1/45)


وَأَهْلِ الْجَنَّة اللَّحْمُ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي مُشْكَله الْعَرَبُ تُفَضِّلُ الثَّرِيْدَ لِأَنَّهُ أَمْهَلُ فِيْ تَنَاوُلِهِ وَلِأَنَّهُ جَوْهَرُ الْمَرَقِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى هذا المعنى الحسن وقال الشيخ أبو عمرو بن الصَّلَاحِ فِيْ طَبَقَاتِهِ رُوِيْنَا عَنِ الْإِمَام أَبِي الطَّيِّبِ سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِيّ أَنَّهُ قَالَ فِيْ قَوْلِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضل ثريد عمرو العلى الَّذِيْ عَظُمَ نَفْعُهُ وَقَدْرُهُ وَعَمَّ خَيْرُهُ وَبِرُّهُ وَبَقِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ ذِكْرٌ حَتَّى قَالَ فِيْهِ القائل
(عمرو العلى هَشَمَ الثَّرِيْدَ لِقَوْمِهِ ... وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْتَنُّوْنَ عِجَافٌ) ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَبْعَدَ سَهْلٌ فِيْ تَأْوِيْل الْحَدِيْث وَالَّذِيْ أَرَاهُ أَنَّ مَعْنَاهُ ثَرِيْدُ كُلِّ طَعَامٍ عَلَى بَاقِيْ ذَلِكَ الطَّعَام وَسَائِرٌ بِمَعْنَى بَاقِيْ ... وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ خَيْرَ اللَّحْمِ قد حصل فيه أفضل منه

(1/46)


وَسُئِلَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيْ أَمَالِيْهِ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيْر وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَم ابْنَة عِمْرَانَ وَآَسِيَةَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ هَلْ الْأَلْفُُ وَاللَّامُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ أَوْلَا فَأَجَابَ بِأَنَّ النِّسَاءَ فِي الْأًوَّل لِمَنْ عَدَا عَائِشَةَ وَفِي الثَّانِيْ لِمَنْ عَدَا مَرْيَم وَآَسِيَةَ فَلَا دَلَالَةَ فيها على تفضيل أحد القبيلن عَلَى آَخَرَ كَقَوْلِكَ زَيْد أَفْضَلُ الْقَوْمِ وَعَمْرٌو أَفْضَلُ الْقَوْمِ فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّهُمَا أَفْضَلُ الْقَوْمِ وَلَا تَفْضِيْلَ لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الآخر

فائدة
وذكر الأستاذ أبو المصور البغدادي أَحَدُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فِيْ كِتَابِ إِلَّاصُوْلُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَلَامًا فِيْ فَضْلِ عَائِشَةَ وَفَاطِمَة قَالَ فكان شيخنا أبو سهل مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصُّعْلُوْكِيُّ وَابْنُهُ سَهْلٌ يُفَضِّلَانِ فَاطِمَةَ عَلَى عَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِلْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ رِسَالَة فِي ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيْهِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَة بُضْعَةٌ مِّنِّيْ وَلَا نَعْدِلُ بِبُضْعَةٍ مِّنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدا كما قاله ابن داوود

(1/47)


فائدة
أَمَّا زَوْجَاتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُنَّ أَفْضَلُ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ} قَالُوْا وَيَجِبُ الْوَقْفُ هُنَا ثُمَّ يَبْتَدِأُبِالشرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} وَجَوَابُهُ {فَلَا تَخْضَعْنَ} دُوْنَ مَا قَبْلَهُ بَلْ حكم الله بتفضيلهن على النساء مطلقا من غَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ أَبْلَغُ فِيْ مَدْحِهِنَّ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَابَعْدَهُ
فَإِنْ قِيْلَ رُوِيَ كُلٌّ مَعَ صَاحِبِهِ فِي الدَّرَجَة فإِذَا كَانَتْ عَائِشَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ دَرَجَتِهِ وَفَاطِمَة مَعَ عَليٍّ فِيْ دَرَجَتِهِ فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا كَتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ قِيْلَ قَالَ الْإِمَام فِي الشَّامِلِ هَذَا لَا يَترى لِأَنَّهُ معُلُوْمٌ إِنَّ عَائِشَةَ لَا تَكُوْنُ فِيْ دَرَجَتِهَا كَدَرَجَةِ النَّبُوَّةِ فَإِنْ قُلْتَ هِيَ فِيْ مَنَازِلِ إِلَّاتْبَاعِ قُلْتُ هَذَا لَا يُعْطِيْ فَضِيْلَةً مُتَأَصِّلَةً وَلَوْ كَانَتِ الْفَضِيْلَةُ بِهَذَا الْقَدْر لَكَانَ يَتَعَدَّى هَذَا إِلَى كُلِّ مَنْ خَدَمَ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبِعَهُ وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ
الْخَامِسُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: أَنَّ عُمَرَ فَضَّلَهَا فِي الْعَطَاءِ عَلَيْهِنَّ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ جِهَةِ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ قَالَ فَرَضَ عُمَرُ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِيْنَ عَشْرَةَ آلَافٍ وَزَادَ عَائِشَةَ أَلْفَيْنِ وَقَالَ إِنَّهَا حَبِيْبَة رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ نَحْوَهُ وَقَالَ صَحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ لِإِرْسَالِ مُطَرِّف بْنِ طَرِيْفٍ

حَاشِيَةٌ
سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيْ عِللِهِ عَنْ حَدِيْثِ مُصْعَب بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ فَرَضَ لزواج النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةَ آلَافٍ فَقَالَ يَرْوِيْهِ أَبُوْ إِسْحَاقَ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ أَبِيْ إِسْحَاقَ عَنْ مُصْعَب بْنِ سعد عن عمر وتابعه إسرائيل ورواه

(1/48)


الأعمش عَنْ أَبِيْ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَن عُمَر وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَإِسْرَائِيْلَ صَحِيْحٌ
السَّادِسُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: فَضْلُ عِبَادَتِهَا قَالَ الْقَاسِمُ كَانَتْ عَائِشَةُ تَصُوْمُ الدَّهْرَ وَقَالَ عُرْوَةُ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ مَرَّةً إِلَى عَائِشَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فقسمتها لَمْ تَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا فَقَالَتْ بَرِيْرَةُ أَنْتِ صَائِمَةٌ فَهَلَّا ابْتَعْتِ لَنَا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا قالت لو ذكرتني لَفَعَلْتُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ وَإِنَّ عائشة تصدقت بسبعين ألف درهم وإنها لترفع جَانِبَ دِرْعِهَا أَيْضًا وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا عَلَى ثَلَاثِ فَضَائِلَ فَضْلُ عِبَادَتِهَا وَجُوَدِهَا وَزُهْدِهَا
السَّابِعُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: شِدَّةُ وَرَعِهَا فِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ شُرَيْحا لَمَّا سَأَلَهَا عَنِ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ فقالت إيت عليا فإنه أعلم بذلك مني

(1/49)


وذكر هل الْمَغَازِيْ مِنْهُمْ سَعِيْدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيْدٍ إِلَّامَوِيُّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا لَمَّا دُفِنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيْ حُجْرَتِهَا صَارَتْ تَحْتَجِبُ مِنَ الْقَبْرِ فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُا وَأَسْنَدَ الحاكم في مستدركه ثنا أبو أسامة عَنْ هِشَامٍ وَاللهِ مَا دَخَلْتُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُوْدٌ عَلَيَّ ثِيَابِيْ حَيَاءً مِنْ عُمَرَ وَقَالَ صَحِيْحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ
قَالَ شيخنا الحافظ عماد الدين بْنُ كَثِيْرٍ وَوَجْهُ هَذَا مَا قَالَهُ شَيْخنَا الإمام أبو الحجاج المزي أن الشهداء كالأحياء فِي قُبُوْرِهِمْ وَهَذِهِ أَرْفَعُ دَرَجَةً فِيْهِمْ
قَالَ شَيْخُنَا وَأَيْضًا فَإِنَّ حِجَابَهُنَّ كَثِيْفٌ غَلِيْظٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ فَإِنْ قِيْلَ فَقَدْ رَوَى التِّرْمَذِيُّ عَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ يَعْنِيْ قَصِيْرَةٌ فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قَالَ التِّرْمَذِيُّ حَسَنٌ صَحِيْحٌ أَيْ يَتَغَيَّرُ بِهَا طَعْمُهُ أَوْ رِيْحُهُ لِشِدَّةِ نَتْنِهَا فَالْجَوَاب إِنَّمَا صَدَرَ هَذَا القَوْلُ عَنْ عَائِشَةَ مَعَ وَفُوْر فَضْلِهَا وَكَمَالِ عقلها لفرط الغيرة الفريزية الَّتِيْ جُبِلَتْ عَلَيْهَا القُلُوْبُ الْبَشَرِيَّةُ

(1/50)


وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي إِلَّاكْمَالِ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَمَتْ زَوْجَهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَة الْغَيْرَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ قَالَ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تَدْرِي الْغَيْرَاءُ أَعْلَى الْوَادِيْ من أسفله
وقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِيْ مَنَاقِبِ عُمَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَ فِيْ مَرَضِ مَوْتِهِ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ إِلَى عَائِشَةَ أَنَّ عُمَرَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ وَيَسْتَأْذِنُكَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُُ لَقَدْ كُنْتُ أَرَدْتُهُ لِنَفْسِيْ وَلَأُوْثِرَنَّهُ عَلَى نَفْسِيْ وَقَدْ اسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِيْثَارَ بِالْقَبْرِ مِنْ خِلَافِ شِيَمِ الصَّالِحِيْنَ كَمَنْ يُؤْثِرُ بِالصَّفِّ الْأًوَّل وَيَتَأَخَّرُ هُوَ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَيِّت يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ بِمَوْتِهِ فَلَا الْإِيْثَارُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يقرب ما هو إنما هذا الإيثار فِيْهِ بِالْإِيْثَارِ بِهِ قُرْبَةً إِلَى اللهِ فَهِمَتْ بِقَرِيْنَةِ الْحَالِ أَنَّ الْحَدِيْث الْمَشْهُوَرَ أَنَّهَا رَأَتْ أن

(1/51)


الثَّامِنُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: أَنَّهَا سَمِعَتْهُ يَقُوْلُ فِيْ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِِ فَقَدَهَا وَاعَرُوْسَاهُ فَجَمَعَهَا اللهُ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِيْنَ فِيْ كِتَابِ السُّنَّةِ وَوَجِعَتْ يَوْمًا فَقَالَتْ وَارَأْسَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ

(1/52)


فَفِيْهِ إِشَارَةٌ لِلْغَايَةِ فِي الْمُوَافِقةِ حَتَّى تَأَلَّمَ بِأَلَمِهَا فَكَأَنَّهُ أَخْبَرَهَا بِصِدْقِ مَحَبَّتِهَا حَتَّى وَاسَاهَا فِي الْأَلَمِ وَفَهِمَ مَنْ لَهُ عَلَى الْأَمْر بِالصَّبْرِ بِيْ مِنَ الْوَجَعِ مِثْلُ مَا بِكِ فَتَأَسِّيْ بِيْ فِي الصَّبْرِ وَعَدَمِ الشِّكْوَى وَالظَّاهِرُ الْأًوَّل وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَدُ فِيْ مُسْنَدِهِ حَدَّثَنِيْ عَبْدُ اللهِ حَدَّثَنِيْ أَبِي عَنْ وَكِيْعٍ عَنْ اسماعيل عن
مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عائشة قالت قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنِّيْ رَأَيْتُ بِيَاضَ كَفِّ عَائِشَةَ فِي الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ الطَّبْرَانِيّ فِيْ مُعْجَمِهِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ عَنِ إِلَّاسْوَدِ عَنْ عائشة قالت قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَوِّنُ عَلَيَّ مَنِيَّتِيْ أَنْ أُرِيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَتِيْ فِي الْجَنَّةِ
التَّاسِعُةُ وَالثَّلَاثُوْنَ: تَسَابُقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا رَوَاهُ أبو داود وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ

(1/53)


وَفِيْهِ فَائِدَةٌ جَلَيْلَة وَهِيَ جَوَازُ السَّبْقِ مِنَ النِّسَاءِ خِلَافًا لِّمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ أنه لا يجوز السبق والرمي من النساءلأنهن لَسْنَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَدْ نَقَلَهُ الرَافِعيُّ وابن الرفعة عنه وأقراه وهو مشكل بِمَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنْ يُخَصَّصَ الْمَنْعُ بِمُسَابَقَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ
الْأَرْبَعُوْنَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى اخْتَارَهَا لرسوله قال أبو الفرج بن الْجَوْزِيِّ فِيْ كِتَابِ فُتُوْحُ الْفُتُوْحِ افْتَخَرَتْ زَيْنَبُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ فَقَالَتْ كُلُّكُنَّ زَوَّجَهَا أَبُوْهَا وَأَنَا زَوَّجَنِيْ رَبِّيْ تُشِيْرُ إِلَى قَوْلِهِ {زَوَّجْنَاكَهَا} وَأَنَا أَتُوْبُ فَقَالَ يَا زَيْنَبُ لَقَدْ صَدَقْتِ وَلَقَدْ شَارَكَتْكِ عَائِشَةُ فِيْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى بعث صورتها في سرقة من حرير مع جِبْرِيْلَ فَجَلَّاهَا فَقَالَ هَذِهِ زَوْجَتُكَ فَهَذَا تَزْوِيْجٌ مطوي

(1/54)


فِيْ سِرِّ الْقَدْرِ ظَهَرَ أَثَرُهُ يَوْمَ عُقِدَ الْعَقْدُ غَيْرَ إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مِنِ اخْتِيَارِ اللهِ لِرَسُوْلِهِ وَكُنْتِ يَا زَيْنَبُ مِنِ اخْتِيَار الرسول لنفسه

(1/55)