الأحكام
الشرعية الكبرى / بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
اللَّهُمَّ (صلي) على مُحَمَّد نبيك الْكَرِيم
كتاب تَفْسِير الْقُرْآن
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، ثَنَا سُوَيْد بن عَمْرو
الْكَلْبِيّ، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن سعيد بن
جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -[قَالَ] : " اتَّقوا الحَدِيث عني إِلَّا مَا علمْتُم، فَمن
كذب عَليّ [مُتَعَمدا] فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار، وَمن قَالَ فِي
الْقُرْآن بِرَأْيهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من [النَّار] ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.
عبد بن الحميد: حَدثنَا أَبُو نعيم وَعبيد الله بن مُوسَى وَقبيصَة وَعبد
الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز، عَن سُفْيَان عَن عبد الْأَعْلَى بِإِسْنَاد
التِّرْمِذِيّ، قَالَ: " من قَالَ فِي الْقُرْآن بِغَيْر علم،
فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ".
رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن سُوَيْد بن عَمْرو، عَن عبد
الْأَعْلَى بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ: " من كذب فِي الْقُرْآن بِغَيْر
... ".
فَاتِحَة الْكتاب
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن سعد، ثَنَا
عَمْرو بن أبي قيس، عَن سماك بن حَرْب، عَن عباد بن حُبَيْش، عَن عدي بن
حَاتِم قَالَ: " أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ الْقَوْم: هَذَا عدي بن حَاتِم.
وَجئْت بِغَيْر أَمَان وَلَا كتاب، فَلَمَّا دفعت إِلَيْهِ، أَخذ بيَدي
وَقد كَانَ قَالَ قبل ذَلِك:
(4/41)
إِنِّي لأرجو أَن يَجْعَل الله يَده فِي
يَدي. قَالَ: فَقَامَ بِي فَلَقِيته امْرَأَة وَصبي مَعهَا فَقَالَا: إِن
لنا إِلَيْك حَاجَة. فَقَامَ مَعَهُمَا حَتَّى قضى حاجتهما، ثمَّ أَخذ
بيَدي حَتَّى أَتَى [بِي] دَاره، [فَأَلْقَت] لَهُ الوليدة وسَادَة
فَجَلَسَ عَلَيْهَا، وَجَلَست بَين يَدَيْهِ، فَحَمدَ الله وَأثْنى
عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: مَا يفرك أَن (يُقَال) : لَا إِلَه إِلَّا الله،
فَهَل تعلم من إِلَه سوى الله؟ قَالَ: قلت: لَا. قَالَ: ثمَّ تكلم سَاعَة،
ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا (يفر) أَن (يُقَال) : الله أكبر، وَتعلم أَن شَيْئا
أكبر من الله؟ قَالَ: قلت: لَا. قَالَ: فَإِن الْيَهُود مغضوب عَلَيْهِم،
وَالنَّصَارَى ضلال. قَالَ: قلت: فَإِنِّي جِئْت (مُسلم) ، قَالَ:
فَرَأَيْت وجهة تبسط فَرحا، قَالَ: ثمَّ أَمر بِي، فأنزلت عِنْد رجل من
الْأَنْصَار، جعلت أغشاه، آتيه طرفِي النَّهَار، قَالَ: فَبينا أَنا عِنْده
عَشِيَّة إِذْ جَاءَهُ قوم فِي ثِيَاب من الصُّوف من هَذِه النمار. قَالَ:
فصلى وَقَامَ فَحَث عَلَيْهِم، ثمَّ قَالَ: وَلَو صَاع، وَلَو بِنصْف صَاع،
وَلَو بقبضة / وَلَو بِبَعْض قَبْضَة، يقي أحدكُم وَجهه حر جَهَنَّم - أَو
النَّار - وَلَو (بتمرة) وَلَو بشق تَمْرَة؛ فَإِن أحدكُم لاقي الله
وَقَائِل لَهُ مَا أَقُول لكم: ألم أجعَل لَك سمعا وبصرا؟ فَيَقُول: بلَى.
ألم أجعَل [لَك] مَالا وَولدا؟ فَيَقُول: بلَى. فَقَالَ: أَيْن مَا قدمت
لنَفسك؟ (فَنظر) قدامه وَبعده، وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، ثمَّ لَا يجد
شَيْئا يقي بِهِ وَجهه جَهَنَّم، (ليقي) أحدكُم وَجهه النَّار وَلَو بشق
تَمْرَة، فَأن لم يجد فبكلمة طيبَة، فَإِنِّي لَا أَخَاف عَلَيْكُم
الْفَاقَة، فَإِن الله ناصركم ومعطيكم حَتَّى تسير [الظعينة] فِيمَا بَين
يثرب والحيرة أَكثر
(4/42)
مَا تخَاف على مطيتها السرق. قَالَ: فَجعلت
أَقُول فِي نَفسِي: فَأَيْنَ لصوص طَيئ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث
سماك بن حَرْب، وروى شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن عباد بن حُبَيْش، عَن
عدي بن حَاتِم، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الحَدِيث بِطُولِهِ.
حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَبُنْدَار، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن
جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن عباد بن حُبَيْش، عَن عدي
بن حَاتِم، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
الْيَهُود مغضوب عَلَيْهِم، وَالنَّصَارَى ضلال ... " فَذكر الحَدِيث
بِطُولِهِ.
وَمن سُورَة الْبَقَرَة قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم
الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، حَدثنَا يحيى بن سعيد وَابْن أبي
عدي وَمُحَمّد بن جَعْفَر وَعبد الْوَهَّاب، قَالُوا: حَدثنَا عَوْف، عَن
قسَامَة بن زُهَيْر، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله خلق آدم من
قَبْضَة قبضهَا من جَمِيع الأَرْض؛ فجَاء بَنو آدم على قدر الأَرْض، فجَاء
مِنْهُم الْأَحْمَر والأبيض وَالْأسود وَبَين ذَلِك، والحزن والسهل،
والخبيث وَالطّيب ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {وادخلوا الْبَاب سجدا}
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن
همام بن
(4/43)
مُنَبّه قَالَ: هَذَا مَا حَدثنَا أَبُو
هُرَيْرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر
أَحَادِيث مِنْهَا. وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " قيل لبني إِسْرَائِيل: {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا
حطة نغفر لكم خطاياكم} . فبدلوا فَدَخَلُوا الْبَاب يزحفون على أستاههم
وَقَالُوا: حَبَّة فِي شَعْرَة ".
البُخَارِيّ: / حَدثنَا مُحَمَّد، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، عَن ابْن
الْمُبَارك، عَن معمر، فَذكره وَقَالَ: " وَقَالُوا: حطة حَبَّة فِي
شَعْرَة ".
قَوْله تَعَالَى: {من كَانَ عدوا لجبريل}
النَّسَائِيّ: أخبرنَا أَحْمد بن يحيى الصُّوفِي، ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا
عبد الله بن الْوَلِيد - وَكَانَ يُجَالس الْحسن بن حَيّ - عَن بكير بن
شهَاب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " أَقبلت يهود إِلَى
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا: يَا أَبَا
الْقَاسِم، نَسْأَلك عَن أَشْيَاء فَإِن أجبتنا فِيهَا اتَّبَعْنَاك
وَصَدَّقنَاك وآمنا بك. قَالَ: فَأخذ عَلَيْهِم مَا أَخذ إِسْرَائِيل [على]
بنيه إِذْ قَالُوا: {الله على مَا نقُول وَكيل} . قَالُوا: أخبرنَا [عَن]
عَلَامَات النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ: تنام
عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه. قَالُوا: أخبرنَا كَيفَ تؤنث الْمَرْأَة وَكَيف
يذكر الرجل؟ قَالَ: (يلقى) الماءان فَإِذا علا مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل
أنثت، وَإِذا علا مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة أذكرت. قَالُوا: صدقت.
قَالُوا: فَأخْبرنَا عَن الرَّعْد مَا هُوَ؟ قَالَ: ملك من الْمَلَائِكَة
مُوكل بالسحاب، مَعَه مخاريق
(4/44)
من نَار يَسُوق بهَا السَّحَاب حَيْثُ
شَاءَ الله. قَالُوا: فَمَا هَذِه الصَّوْت الَّذِي يسمع؟ قَالَ: زَجره
بالسحاب؛ إِذا زَجره حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ أَمر. قَالُوا: صدقت.
[قَالُوا] : فَأخْبرنَا مَا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه؟ قَالَ: كَانَ يسكن
البدو فاشتكى عرق النسا فَلم يجد شَيْئا يلاومه إِلَى لُحُوم الْإِبِل
وَأَلْبَانهَا فَلذَلِك حرمهَا. قَالُوا: صدقت. [قَالُوا] : فَأخْبرنَا من
الَّذِي يَأْتِيك من الْمَلَائِكَة من عِنْد ربه، فَإِنَّهُ لَيْسَ نَبِي
إِلَّا يَأْتِيهِ ملك من الْمَلَائِكَة من عِنْد ربه بالرسالة [و]
بِالْوَحْي، فَمن صَاحبك فَإِنَّهُ إِنَّمَا بقيت هَذِه حَتَّى نتابعك؟
قَالَ: جِبْرِيل. قَالُوا: ذَاك الَّذِي ينزل بِالْحَرْبِ و (بِالْقِتَالِ)
، ذَاك عدونا [من الْمَلَائِكَة، لَو] قلت مِيكَائِيل الَّذِي ينزل بالقطر
وَالرَّحْمَة تابعناك، فَأنْزل الله: {من كَانَ عدوا لجبريل} إِلَى آخر
الْآيَة {فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ} ".
قَوْله تَعَالَى: {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسأها} الْآيَة
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا فَهد بن سُلَيْمَان وَاللَّيْث بن عَبدة، قَالَا:
ثَنَا أَبُو الْيَمَان، أبنا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، عَن الزُّهْرِيّ،
أَخْبرنِي أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف؛ أَن رهطا من الْأَنْصَار من
أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخْبرُوهُ "
أَنه قَامَ رجل مِنْهُم / [فِي جَوف اللَّيْل يُرِيد أَن يفْتَتح سُورَة قد
كَانَ وعاها، فَلم يقدر مِنْهَا على شَيْء إِلَّا {بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم} فَأتى بَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
حِين أصبح يسْأَل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] عَن
ذَلِك، وَجَاء آخر حَتَّى اجْتَمعُوا فَسَأَلَ بَعضهم بَعْضًا مَا جمعهم؟
فَأخْبر بَعضهم بَعْضًا بشأن تِلْكَ السُّورَة، ثمَّ أذن لَهُم النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فأخبروه خبرهم، وسألوه
(4/45)
عَن السُّورَة، فَسكت سَاعَة لَا يرجع
إِلَيْهِم شَيْئا، ثمَّ قَالَ: نسخت البارحة ".
قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا هشيم، ثَنَا حميد الطَّوِيل،
عَن أنس قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: " قلت لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَو اتَّخذت من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى، فَنزلت
{وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَفِي الْبَاب عَن ابْن عمر.
قَوْله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس مَا ولاهم عَن قبلتهم}
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو نعيم، سمع زهيرا، عَن أبي إِسْحَاق، عَن
الْبَراء " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى
[إِلَى بَيت الْمُقَدّس] سِتَّة عشر أَو سَبْعَة عشر شهرا وَكَانَ يُعجبهُ
أَن تكون قبلته قبل الْبَيْت، وَأَنه صلى (أَو صلاهَا) صَلَاة الْعَصْر،
وَصلى مَعَه قوم، فَخرج رجل مِمَّن كَانَ صلى مَعَه فَمر على أهل
الْمَسْجِد وهم رَاكِعُونَ قَالَ: أشهد بِاللَّه لقد صليت مَعَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل مَكَّة. فَدَارُوا كَمَا هم قبل
الْبَيْت، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ على الْقبْلَة قبل أَن تحول الْقبْلَة قبل
الْبَيْت رجال قتلوا لم ندر مَا نقُول فيهم، فَأنْزل الله - عز وَجل -:
{وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} الْآيَة ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء، ثَنَا إِسْرَائِيل، عَن أبي
إِسْحَاق، عَن الْبَراء فِي هَذَا الحَدِيث: " وَقَالَ السُّفَهَاء من
النَّاس وهم الْيَهُود {مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قل
لله الْمشرق وَالْمغْرب يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} ".
(4/46)
وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي كتاب
الصَّلَاة.
قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا}
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، قَالَ
الْأَعْمَش: حَدثنَا قَالَ / [أَبُو صَالح: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يجاء
بِنوح يَوْم الْقِيَامَة، فَيُقَال لَهُ: هَل بلغت؟ فَيَقُول: نعم يَا رب.
فتسأل أمته: هَل بَلغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ:] مَا جَاءَنَا من نَذِير.
فَيُقَال: من شهودك؟ فَيَقُول: مُحَمَّد وَأمته. فَقَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فيجاء بكم فتشهدون. ثمَّ قَرَأَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} - قَالَ: عدلا - إِلَى قَوْله {شَهِيدا ^) ".
وللبخاري: فِي لفظ آخر فِي هَذَا الحَدِيث: " فَيَقُول: مُحَمَّد وَأمته
(فنشهد) أَنه قد بلغ ".
وللترمذي: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا جَعْفَر بن عون، أبنا الْأَعْمَش
بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ: " فَيَقُولُونَ: مَا
أَتَانَا من أحد ".
وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت}
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا أَبُو عَامر عبد الْملك
بن عَمْرو، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن نَافِع، عَن كثير، عَن سعيد بن جُبَير،
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " لما كَانَ بَين إِبْرَاهِيم - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَين أَهله مَا كَانَ خرج بِإِسْمَاعِيل -
عَلَيْهِ السَّلَام - وَأم
(4/47)
إِسْمَاعِيل وَمَعَهُمْ شنة فِيهَا مَاء،
فَجعلت أم إِسْمَاعِيل تشرب من الشنة فيدر لَبنهَا على صبيها، حَتَّى قدم
مَكَّة فوضعها تَحت دوحة، ثمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم إِلَى أَهله، فاتبعته أم
إِسْمَاعِيل حَتَّى لما بلغُوا كداء نادته من وَرَائه: يَا إِبْرَاهِيم،
إِلَى من تتركنا؟ قَالَ: إِلَى الله. [قَالَت] : رضيت بِاللَّه. قَالَ:
فَرَجَعت فَجعلت تشرب من الشنة ويدر لَبنهَا على صبيها حَتَّى لما فني
المَاء قَالَت: لَو ذهبت فَنَظَرت لعَلي أحس أحدا. قَالَ: فَذَهَبت فَصَعدت
الصَّفَا فَنَظَرت وَنظرت هَل تحس أحدا فَلم تحس أحدا، فَلَمَّا بلغت
الْوَادي سعت وَأَتَتْ الْمَرْوَة فَفعلت ذَلِك أشواطا، ثمَّ قَالَت: لَو
ذهبت فَنَظَرت مَا فعل - تَعْنِي الصَّبِي - فَذَهَبت فَنَظَرت فَإِذا هُوَ
على حَاله كَأَنَّهُ ينشغ للْمَوْت، فَلم تقرها نَفسهَا، فَقَالَت: لَو
ذهبت فَنَظَرت لعَلي أحس أحدا. فَذَهَبت فَصَعدت الصَّفَا، فَنَظَرت وَنظرت
هَل تحس أحدا، فَلم تحس أحدا حَتَّى تمت سبعا، ثمَّ قَالَت: لَو ذهبت
فَنَظَرت مَا فعل. فَإِذا هِيَ بِصَوْت، فَقَالَت: أغث إِن كَانَ عنْدك
خير. فَإِذا جِبْرِيل، قَالَ: فَقَالَ بعقبه / هَكَذَا وغمز عقبه على
الأَرْض. قَالَ: فانبثق المَاء فدهشت أم إِسْمَاعِيل فَجعلت تحفز، قَالَ:
فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَو
تركته كَانَ المَاء ظَاهرا. قَالَ: فَجعلت تشرب من المَاء ويدر لَبنهَا على
صبيها. قَالَ: فَمر نَاس من جرهم بِبَطن الْوَادي، فَإِذا هم بطير
كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِك وَقَالُوا: مَا يكون الطير إِلَّا على مَاء.
فبعثوا رسولهم فَنظر فَإِذا هُوَ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهُم فَأخْبرهُم فَأتوا
إِلَيْهَا فَقَالُوا: يَا أم إِسْمَاعِيل، تأذنين لنا أَن نَكُون مَعَك أَو
نسكن مَعَك؟ فَبلغ ابْنهَا، فنكح فيهم امْرَأَة. قَالَ: ثمَّ إِنَّه بدا
لإِبْرَاهِيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ لأَهله:
إِنِّي مطلع تركتي. قَالَ: فجَاء فَسلم، فَقَالَ: أَيْن إِسْمَاعِيل؟
فَقَالَت امْرَأَته: ذهب يصيد. قَالَ: قولي لَهُ إِذا جَاءَ: غير عتبَة
بَيْتك. فَلَمَّا جَاءَ أخْبرته، قَالَ: أَنْت ذَلِك، فاذهبي إِلَى أهلك.
ثمَّ قَالَ: إِنَّه بدا لإِبْرَاهِيم فَقَالَ لأَهله: إِنِّي مطلع تركتي.
فجَاء، فَقَالَ: أَيْن إِسْمَاعِيل؟ فَقَالَت امْرَأَته: ذهب يصيد،
فَقَالَت: أَلا تنزل فتطعم وتشرب؟ قَالَ: وَمَا طَعَامكُمْ وَمَا شرابكم؟
قَالَت: طعامنا اللَّحْم، وشرابنا المَاء. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم
فِي طعامهم وشرابهم. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: بركَة بدعوة إِبْرَاهِيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -. قَالَ: ثمَّ إِنَّه بدا لإِبْرَاهِيم فَقَالَ لأَهله: إِنِّي
مطلع تركتي. فجَاء فَوَافَقَ إِسْمَاعِيل من
(4/48)
وَرَاء زَمْزَم يصلح نبْلًا لَهُ فَقَالَ:
يَا إِسْمَاعِيل، إِن رَبك - عز وَجل - أَمرنِي أَن أبني لَهُ بَيْتا.
قَالَ: أطع رَبك. قَالَ: إِنَّه قد أَمرنِي أَن تعينني عَلَيْهِ. قَالَ:
إِذا أفعل - أَو كَمَا قَالَ - فقاما فَجعل إِبْرَاهِيم يَبْنِي
وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة ويقولان: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت
السَّمِيع الْعَلِيم} . قَالَ: حَتَّى ارْتَفع الْبناء وَضعف الشَّيْخ عَن
نقل الْحِجَارَة؛ فَقَامَ على حجر الْمقَام فَجعل يناوله الْحِجَارَة
ويقولان: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} ".
قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى}
البُخَارِيّ: حَدثنَا الْحميدِي، ثَنَا سُفْيَان، ثَنَا عَمْرو، سَمِعت
مُجَاهدًا، سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: " كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل
الْقصاص وَلم يكن فيهم الدِّيَة، فَقَالَ الله - عز وَجل - لهَذِهِ الْأمة:
{كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد
بِالْعَبدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه / شَيْء}
فالعفو أَن تقبل الدِّيَة فِي الْعمد {فاتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء
إِلَيْهِ بِإِحْسَان} يتبع بِالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّي بِإِحْسَان {ذَلِك
تَخْفيف من ربكُم وَرَحْمَة} مِمَّا كتب على من كَانَ قبلكُمْ {فَمن اعْتدى
بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} قتل بعد قبُول الدِّيَة ".
قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم الصّيام}
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا بكر - يَعْنِي: ابْن مُضر - عَن
عَمْرو بن الْحَارِث، عَن بكير، عَن يزِيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع، [عَن
سَلمَة بن الْأَكْوَع]
(4/49)
قَالَ: " لما نزلت الْآيَة {وعَلى الَّذين
يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} كَانَ من أَرَادَ منا أَن يفْطر ويفتدي
فعل، حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي بعْدهَا فنسختها ".
عبد بن حميد: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر الْعَبْدي، ثَنَا سعيد بن أبي
عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن عزْرَة، عَن سعيد بن جُبَير؛ أَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: رخص للشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِير وهما يطيقان الصَّوْم؛
إِن شاءا أطعما وَلم يصوما، ثمَّ نسخت بعد ذَلِك؛ فَقَالَ الله - عز وَجل
-: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر
فَعدَّة من أَيَّام أخر} وَثَبت للشَّيْخ الْكَبِير والعجوز الْكَبِير إِذا
كَانَا لَا يطيقان الصَّوْم أَن يطعما، وللحامل والمرضع إِذا خافتا أفطرتا
وأطعمتا مَكَان كل يَوْم مِسْكينا وَلَا قَضَاء عَلَيْهِمَا ".
قَالَ عبد: وَحدثنَا النَّضر بن شُمَيْل، عَن ابْن عون، عَن أنس بن سِيرِين
قَالَ: " كَانَ ابْن عَبَّاس يخْطب فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة فِي الْبَقَرَة:
{كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُون} {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} قَالَ: قد
نسخت هَذِه الْآيَة ".
وَحدثنَا أَبُو نعيم، ثَنَا إِسْرَائِيل، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن سعيد بن
جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس " {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ} قَالَ: الشَّيْخ
الْكَبِير والمستحاضة الَّتِي لَا تصبر على المَاء وَالطَّعَام، فليطعم كل
يَوْم نصف صَاع؛ مدا لإدامه، ومدا لطعامه ".
قَالَ: وَحدثنَا جَعْفَر بن عون، عَن مُسلم الْملَائي، عَن مُجَاهِد،
وَسَعِيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس: " {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة
طَعَام مِسْكين} قَالَ: الشَّيْخ الْكَبِير يتَصَدَّق عَنهُ بِنصْف صَاع من
بر كل يَوْم وَلَا يَصُوم ".
(4/50)
قَوْله تَعَالَى: / {إِن الصَّفَا والمروة
من شَعَائِر الله} الْآيَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، ثَنَا مَالك، عَن هِشَام بن
عُرْوَة، عَن أَبِيه قَالَ: " قلت لعَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا يَوْمئِذٍ حَدِيث السن: أَرَأَيْت قَول الله
- عز وَجل -: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت أَو
اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} فَمَا أرى على أحد شَيْئا أَن
لَا يطوف بهما. فَقَالَت عَائِشَة: كلا؛ لَو كَانَت كَمَا تَقول كَانَت
فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن لَا يطوف بهما، إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة فِي
الْأَنْصَار، كَانُوا يهلون لمناة، وَكَانَت مَنَاة حَذْو قديد، وَكَانُوا
يتحرجون أَن [يطوفوا] بَين الصَّفَا والمروة، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام
سَأَلُوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك،
فَأنْزل الله - عز وَجل - {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج
الْبَيْت أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا يزِيد بن أبي حَكِيم، عَن
سُفْيَان، عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ: " سَأَلت [أنس بن مَالك] عَن
الصَّفَا والمروة فَقَالَ: كَانَا من شَعَائِر الْجَاهِلِيَّة. قَالَ:
فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام أمسكنا عَنْهُمَا، فَأنْزل الله - عز وَجل -:
{إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر
فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} قَالَ: هما تطوع {وَمن تطوع خيرا
فَإِن الله شَاكر عليم} ".
(4/51)
عبد بن حميد: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد،
عَن ابْن أبي سُلَيْمَان، عَن عَطاء قَالَ: " كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ
هَذِه الْآيَة: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت
أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} ".
قَالَ: وثنا الضَّحَّاك بن مخلد أَبُو عَاصِم، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء "
أَنه كَانَ يتَأَوَّل قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: " فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن
لَا يطوف بهما " يَعْنِي فِي: الصَّفَا والمروة ".
قَوْله تَعَالَى: {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم}
البُخَارِيّ: حَدثنَا [عبيد الله] ، [عَن] إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق،
عَن الْبَراء.
وحَدثني أَحْمد بن عُثْمَان، ثَنَا شُرَيْح بن [مسلمة] ، ثَنَا إِبْرَاهِيم
بن يُوسُف، عَن أَبِيه، عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت / الْبَراء: " لما
نزل صَوْم رَمَضَان كَانُوا لَا يقربون النِّسَاء رَمَضَان كُله، و [كَانَ]
رجال يخونون أنفسهم فَأنْزل الله - عز وَجل - {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم
تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم} الْآيَة ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى، عَن
إِسْرَائِيل ابْن يُونُس، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْبَراء قَالَ: " كَانَ
أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا كَانَ
(4/52)
الرجل صَائِما فَحَضَرَ للإفطار فَنَامَ
قبل أَن يفْطر لَا يَأْكُل ليلته وَلَا يَوْمه حَتَّى يُمْسِي، وَإِن قيس
بن صرمة الْأنْصَارِيّ كَانَ صَائِما فَلَمَّا حضر الْإِفْطَار أَتَى
امْرَأَته، فَقَالَ: هَل عنْدك طَعَام؟ قَالَت: لَا وَلَكِن أَنطلق أطلب
لَك. وَكَانَ يَوْمه يعْمل، فغلبته عينه وجاءته امْرَأَته، فَلَمَّا
رَأَتْهُ قَالَت: خيبة لَك. فَلَمَّا انتصف النَّهَار غشي عَلَيْهِ، فَذكر
ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَنزلت هَذِه
الْآيَة {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} فَفَرِحُوا
بهَا فَرحا شَدِيدا {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط
الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
البُخَارِيّ: حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم، ثَنَا أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن
مطرف، ثَنَا أَبُو حَازِم، عَن سهل بن سعد قَالَ: " أنزلت {وكلوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود}
وَلم ينزل من {من الْفجْر} وَكَانَ رجال إِذا أَرَادوا الصَّوْم ربط أحدهم
فِي رجلَيْهِ الْخَيط الْأَبْيَض وَالْخَيْط الْأسود، وَلَا يزَال يَأْكُل
حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ رُؤْيَتهمَا؛ فَأنْزل الله - عز وَجل - {من الْفجْر}
فَعَلمُوا أَنما يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار ".
مُسلم: حَدثنِي [عبيد الله] بن عمر القواريري، حَدثنَا فُضَيْل بن
سُلَيْمَان، ثَنَا أَبُو حَازِم، ثَنَا سهل بن سعد قَالَ: " لما نزلت هَذِه
الْآيَة: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من
الْخَيط الْأسود} قَالَ: كَانَ الرجل يَأْخُذ خيطا أَبيض وخيطا أسود، ثمَّ
يَأْكُل حَتَّى يستبينهما، حَتَّى أنزل الله - عز وَجل - {من الْفجْر}
فَبين ذَلِك ".
(4/53)
قَوْله تَعَالَى: {وَأتوا الْبيُوت من
أَبْوَابهَا}
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن
شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت الْبَراء يَقُول: " كَانَت
الْأَنْصَار إِذا حجُّوا فَرَجَعُوا لم يدخلُوا الْبيُوت إِلَّا من
ظُهُورهَا، قَالَ: فجَاء رجل / من الْأَنْصَار (على) بَابه، فَقيل لَهُ فِي
ذَلِك، فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من
ظُهُورهَا} ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا [عبيد الله] بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي
إِسْحَاق، عَن الْبَراء قَالَ: " كَانُوا إِذا أَحْرمُوا فِي
الْجَاهِلِيَّة أَتَوا الْبَيْت من ظَهره فَأنْزل الله: {وَلَيْسَ الْبر
بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا
الْبيُوت من أَبْوَابهَا} الْآيَة ".
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا الضَّحَّاك بن مخلد، عَن
حَيْوَة بن شُرَيْح، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن أسلم أبي عمرَان
[التجِيبِي] قَالَ: " كُنَّا بِمَدِينَة الرّوم فأخرجوا إِلَيْنَا صفا
عَظِيما من الرّوم، فَخرج إِلَيْهِم من الْمُسلمين مثلهم أَو أَكثر وعَلى
أهل مصر عقبَة بن عَامر، وعَلى الْجَمَاعَة فضَالة بن عبيد، فَحمل رجل من
الْمُسلمين على صف الرّوم حَتَّى دخل فيهم، فصاح النَّاس وَقَالُوا:
سُبْحَانَ الله يلقِي بيدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَة! فَقَالَ أَبُو أَيُّوب
فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم تَتَأَوَّلُونَ هَذِه
(4/54)
الْآيَة هَذَا التَّأْوِيل، وَإِنَّمَا
نزلت هَذِه الْآيَة فِينَا معشر الْأَنْصَار، لما أعز الله الْإِسْلَام
وَكثر ناصروه، فَقَالَ بَعْضنَا لبَعض سرا دون رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن أَمْوَالنَا ضَاعَت، وَإِن الله أعز
الْإِسْلَام وَكثر ناصروه [فَلَو] أَقَمْنَا فِي أَمْوَالنَا وأصلحنا مَا
ضَاعَ مِنْهَا. فَأنْزل الله على نبيه يرد علينا {وأنفقوا فِي سَبِيل الله
وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} فَكَانَت التَّهْلُكَة:
الْإِقَامَة على الْأَمْوَال وإصلاحها وَتَركنَا الْغَزْو. فَمَا زَالَ
أَبُو أَيُّوب شاخصا فِي سَبِيل الله حَتَّى دفن بِأَرْض الرّوم ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر، ثَنَا هشيم، ثَنَا مُغيرَة، عَن
مُجَاهِد قَالَ: قَالَ كَعْب بن عجْرَة: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لفي
أنزلت هَذِه الْآيَة، وإياي عني بهَا {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ
أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} قَالَ: كُنَّا مَعَ
النَّبِي / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْحُدَيْبِية وَنحن
محرمون وَقد حصرنا الْمُشْركُونَ، وَكَانَت لي وفرة فَجعلت الْهَوَام تساقط
على وَجْهي، فَمر بِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَقَالَ: كَأَن هوَام رَأسك تؤذيك؟ قَالَ: قلت: نعم. قَالَ: فَاحْلِقْ.
وَنزلت هَذِه الْآيَة. قَالَ مُجَاهِد: الصّيام ثَلَاثَة أَيَّام،
وَالطَّعَام سِتَّة مَسَاكِين، والنسك شَاة فَصَاعِدا ".
حَدثنَا عَليّ بن حجر، ثَنَا هشيم، عَن أبي بشر، عَن مُجَاهِد، عَن عبد
الرَّحْمَن بن أبي [ليلى] ، عَن كَعْب بن عجْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَحْوِ ذَلِك.
(4/55)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن
صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم}
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، ثَنَا
الْعَلَاء بن الْمسيب، حَدثنَا أَبُو أُمَامَة التَّيْمِيّ قَالَ: " كنت
رجلا أَكْرِي فِي هَذَا الْوَجْه، وَكَانَ نَاس يَقُولُونَ: إِنَّه لَيْسَ
لَك حج. فَلَقِيت ابْن عمر فَلَقِيت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، إِنِّي رجل
أَكْرِي فِي هَذَا الْوَجْه وَإِن نَاسا يَقُولُونَ: لَيْسَ لَك حج؟
فَقَالَ - يَعْنِي ابْن عمر -: أَلَسْت تحرم وَتُلَبِّي وَتَطوف
بِالْبَيْتِ وَتفِيض من عَرَفَات وَتَرْمِي الْجمار؟ قَالَ: قلت: بلَى.
قَالَ: فَإِن لَك حجا. جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ عَن مثل مَا سَأَلتنِي عَنهُ، فَسكت
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يجبهُ حَتَّى
نزلت {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} فَأرْسل
إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَرَأَ
هَذِه الْآيَة عَلَيْهِ وَقَالَ: لَك حج ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبيد، أبنا ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو،
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت عكاظ ومجنة وَذُو الْمجَاز أسواقا فِي
الْجَاهِلِيَّة، فتأثموا أَن يتجروا فِي المواسم فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْكُم
جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} فِي مواسم الْحَج ".
قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، ثَنَا مُحَمَّد بن حَازِم، ثَنَا
هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: " كَانَت قُرَيْش وَمن دَان دينهَا
يقفون بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يسمون الحمس وَكَانَ سَائِر الْعَرَب
يقفون بِعَرَفَات، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام / أَمر الله - عز وَجل -
نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَأْتِي عَرَفَات ثمَّ
يقف بهَا ثمَّ يفِيض مِنْهَا فَذَلِك قَوْله عز وَجل {ثمَّ أفيضوا من
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} ".
(4/56)
قَوْله تَعَالَى: {فَمن تعجل فِي
يَوْمَيْنِ}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن
سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن بكير بن عَطاء، عَن عبد الرَّحْمَن بن يعمر
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
الْحَج عَرَفَات، الْحَج عَرَفَات، الْحَج عَرَفَات، أَيَّام منى ثَلَاث
{فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ من تَأَخّر فَلَا إِثْم
عَلَيْهِ} وَمن أدْرك عَرَفَة قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك الْحَج ".
قَالَ ابْن أبي عمر: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: وَهَذَا أَجود حَدِيث
رَوَاهُ [الثَّوْريّ] .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
بَاب قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْمروزِي، حَدثنِي عَليّ بن
حُسَيْن، عَن أَبِيه، عَن يزِيد النَّحْوِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة
وَأَنْتُم سكارى} و {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم
كَبِير وَمَنَافع} نسختها [الَّتِي] فِي الْمَائِدَة: {إِنَّمَا الْخمر
وَالْميسر والأنصاب} الْآيَة ".
(4/57)
قَوْله تَعَالَى: {فاعتزلوا النِّسَاء فِي
الْمَحِيض}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا سُلَيْمَان بن حَرْب، ثَنَا
حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس قَالَ: " كَانَت الْيَهُود إِذا
حَاضَت امْرَأَة مِنْهُنَّ (لم) يواكلوها، وَلم يشاربوها، وَلم يجامعوها
فِي الْبيُوت، فَسئلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
ذَلِك، فَأنْزل الله - عز وَجل - {يَسْأَلُونَك عَن الْمَحِيض قل هُوَ
أَذَى} فَأَمرهمْ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن
يواكلوهن ويشاربوهن، وَأَن يَكُونُوا مَعَهُنَّ فِي الْبَيْت، وَأَن
يَفْعَلُوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح. فَقَالَت الْيَهُود: مَا يُرِيد أَن
يدع من أمرنَا شَيْئا إِلَّا خالفناه فِيهِ. قَالَ: فجَاء [عباد] بن بشر
وَأسيد بن حضير إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَأَخْبَرَاهُ بذلك وَقَالا: يَا رَسُول الله، أَفلا ننكحهن فِي الْمَحِيض؟
فتمعر وَجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / حَتَّى
ظننا أَنه غضب عَلَيْهِمَا. فقاما فاستقبلتهما هَدِيَّة من لبن، فَأرْسل
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي آثارهما
فَسَقَاهُمَا، فعلما أَنه لم يغْضب عَلَيْهِمَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم}
النَّسَائِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، ثَنَا أَبُو بكر
بن أبي أويس، حَدثنِي سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن زيد بن أسلم، عَن عبد الله
بن عمر " أَن رجلا أَتَى امْرَأَة فِي دبرهَا فَوجدَ من ذَلِك وجدا شَدِيدا
فَأنْزل الله - عز وَجل - {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى
شِئْتُم} ".
(4/58)
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، أبنا
سُفْيَان، عَن ابْن الْمُنْكَدر، سمع جَابِرا يَقُول: " كَانَت الْيَهُود
تَقول: من أَتَى امْرَأَته فِي قبلهَا من دبرهَا كَانَ الْوَلَد أَحول،
فَنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا الْحسن بن مُوسَى، ثَنَا
يَعْقُوب بن عبد الله الْأَشْعَرِيّ، عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة، عَن
سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " جَاءَ عمر إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَلَكت:
قَالَ: وَمَا أهْلكك؟ قَالَ: حولت رحلي اللَّيْلَة، فَلم يرد عَلَيْهِ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ: فَأوحى الله
إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذِه الْآيَة:
{نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} أقبل وَأدبر،
وَاتَّقِ الدبر والحيضة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
قَوْله عز وَجل: {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن}
الْآيَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا هَاشم بن الْقَاسِم، عَن
الْمُبَارك بن فضَالة، عَن الْحسن، [عَن] معقل بن يسَار " أَنه زوج أُخْته
رجلا من
(4/59)
الْمُسلمين على عهد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكَانَت عِنْده مَا كَانَت، ثمَّ طَلقهَا
تَطْلِيقَة لم يُرَاجِعهَا حَتَّى انْقَضتْ الْعدة، فهويها (وهوته) ثمَّ
خطبهَا مَعَ الْخطاب، فَقَالَ لَهُ: يَا لكع، أكرمتك بهَا وزوجتك فطلقتها؛
وَالله لَا / ترجع إِلَيْك أبدا آخر مَا عَلَيْك. قَالَ: فَعلم الله حَاجته
إِلَيْهَا وحاجتها إِلَى بَعْلهَا فَأنْزل الله - عز وَجل - {وَإِذا
طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ} إِلَى قَوْله: {وَأَنْتُم لَا
تعلمُونَ} فَلَمَّا سَمعهَا معقل قَالَ: سمعا لرَبي وَطَاعَة. ثمَّ دَعَاهُ
فَقَالَ: أزَوجك وأكرمك ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَرُوِيَ من غير وَجه عَن
الْحسن وَهُوَ عَن الْحسن غَرِيب.
وَفِي هَذَا الحَدِيث دلَالَة على (أَن) لَا يجوز النِّكَاح بِغَيْر ولي؛
لِأَن أُخْت معقل بن يسَار كَانَت ثَيِّبًا، فَلَو كَانَ الْأَمر إِلَيْهَا
دون وَليهَا لزوجت نَفسهَا وَلم تحتج وَليهَا معقل بن يسَار، وَإِنَّمَا
خَاطب الله فِي الْآيَة الْأَوْلِيَاء فَقَالَ: {فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن
أَزوَاجهنَّ} فَفِي هَذِه الْآيَة دلَالَة على أَن الْأَمر للأولياء فِي
التَّزْوِيج مَعَ رضاهن.
قَوْله تَعَالَى: {أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح}
عبد بن حميد: حَدثنَا روح، عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن
دِينَار، عَن عِكْرِمَة أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " {إِلَّا أَن يعفون أَو
يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} قَالَ: الْمَرْأَة ووليها.
وَكَانَ يَقُول: يجوز عَفْو وَليهَا وَإِن أَبَت؛ لِأَن الله يَقُول:
{وَأَن تعفوا أقرب للتقوى} ".
(4/60)
قَوْله تَعَالَى: {حَافظُوا على
الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، [عَن] مَالك بن أنس. قَالَ: وَحدثنَا
الْأنْصَارِيّ، حَدثنَا معن، عَن مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن الْقَعْقَاع
بن حَكِيم، عَن أبي يُونُس مولى عَائِشَة قَالَ: " أَمرتنِي عَائِشَة أَن
أكتب لَهَا مُصحفا - وَقَالَت: إِذا بلغت هَذِه الْآيَة فَآذِنِّي:
{حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَلَمَّا بلغتهَا
(فآذنتها) ، فَأَمْلَتْ عَليّ: " حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة
وَالْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقومُوا لله قَانِتِينَ " وَقَالَت:
سَمعتهَا من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَفِي الْبَاب عَن حَفْصَة.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، ثَنَا أَبُو النَّضر وَأَبُو
دَاوُد، عَن مُحَمَّد ابْن طَلْحَة بن مصرف، عَن زبيد /، عَن مرّة، عَن عبد
الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " صَلَاة الْوُسْطَى: صَلَاة الْعَصْر ".
وَفِي الْبَاب عَن زيد بن ثَابت، وَأبي هَاشم (بن) عتبَة، وَأبي هُرَيْرَة.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
(4/61)
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون
مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا}
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد، حَدثنِي عَليّ بن الْحُسَيْن بن
وَاقد، عَن أَبِيه، عَن يزِيد النَّحْوِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن
عَبَّاس: " {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم
مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج} فنسخ ذَلِك بِآيَة الْمِيرَاث، بِمَا
فرض الله لَهُنَّ من الرّبع وَالثمن، وَنسخ أجل الْحول، فَجعل أجلهَا
أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ".
قَوْله تَعَالَى: {وسع كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض}
الْبَزَّار: حَدثنَا الْفضل بن سهل، أبنا يحيى بن أبي بكير، ثَنَا
إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الله بن خَليفَة، عَن عمر " أَن
امْرَأَة أَتَت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت:
ادْع الله أَن يدخلني الْجنَّة. فَعظم الرب - تبَارك وَتَعَالَى - فَقَالَ:
إِن كرسيه وسع السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وَإِن لَهُ لأطيطا كأطيط الرجل
الْجَدِيد إِذْ ركب من ثقله ".
قَالَ أَبُو بكر: عبد الله بن خَليفَة لم يسند غير هَذَا الحَدِيث، لَا
أسْندهُ عَنهُ إِلَّا إِسْرَائِيل، وَلَا حدث عَن عبد الله بن خَليفَة
إِلَّا أَبُو إِسْحَاق، وَلَا نعلمهُ يرْوى بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا عَن
عمر. انْتهى كَلَام أبي بكر.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: عبد الله بن خَليفَة روى عَن: عمر، وَجَابِر، روى
عَنهُ: أَبُو إِسْحَاق، وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق.
(4/62)
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تيمموا الْخَبيث
مِنْهُ تنفقون}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، أبنا عبيد الله بن
مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، عَن السّديّ، عَن أبي مَالك، عَن الْبَراء: "
{وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} قَالَ: نزلت فِينَا معشر
الْأَنْصَار، كُنَّا أَصْحَاب نخل فَكَانَ الرجل يَأْتِي من نخله على قدر
كثرته وقلته، وَكَانَ الرجل يَأْتِي بالقنو والقنوين ويعلقه / فِي
الْمَسْجِد، وَكَانَ أهل الصّفة لَيْسَ لَهُم طَعَام، وَكَانَ أحدهم إِذا
جَاع أَتَى القنو فَضَربهُ بعصاه فَسقط من الْبُسْر وَالتَّمْر، فيأكل
وَكَانَ نَاس مِمَّن لَا يرغب فِي الْخَيْر يَأْتِي الرجل بالقنو فِيهِ
الشيص والحشف، وبالقنو قد انْكَسَرَ فيعلقه؛ فَأنْزل الله: {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم وَمِمَّا أخرجنَا لكم من
الأَرْض وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون ولستم بآخذيه إِلَّا أَن
تغمضوا فِيهِ} قَالَ: لَو أَن أحدكُم أهدي إِلَيْهِ مثل مَا أعطَاهُ لم
يَأْخُذهُ إِلَّا على إغماض وحياء. قَالَ: وَكُنَّا بعد ذَلِك يَأْتِي
الرجل بِصَالح مَا عِنْده ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَأَبُو مَالك هُوَ
الْغِفَارِيّ، وَيُقَال: اسْمه غَزوَان.
قَوْله تَعَالَى: {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة} الْآيَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم، أبنا هِشَام، عَن ابْن جريج، سَمِعت عبد
الله ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عَبَّاس، وَسمعت أَخَاهُ أَبَا بكر بن أبي
مليكَة يحدث، عَن عبيد بن عُمَيْر: " قَالَ عمر - رَضِي الله عَنهُ -
يَوْمًا لأَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(4/63)
فِيمَا ترَوْنَ هَذِه الْآيَة نزلت {أيود
أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة} ؟ قَالُوا: الله أعلم فَغَضب عمر فَقَالَ:
فَقولُوا نعلم أَو لَا نعلم. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فِي نَفسِي مِنْهَا
شَيْء يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ عمر: قل يَا ابْن أخي، لَا تحقر
نَفسك. قَالَ ابْن عَبَّاس: ضربت مثلا لعمل. قَالَ عمر: أَي عمل؟ قَالَ
ابْن عَبَّاس: لعمل. قَالَ عمر: لرجل غَنِي يعْمل بِطَاعَة الله، ثمَّ بعث
الله لَهُ الشَّيْطَان فَعمل بِالْمَعَاصِي حَتَّى أغرق أَعماله ".
قَوْله تَعَالَى: {إِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم} الْآيَة
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن
آدم بن سُلَيْمَان مولى خَالِد قَالَ: سَمِعت سعيد بن جُبَير يحدث، عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: " لما نزلت هَذِه الْآيَة {إِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم
أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} قَالَ: دخل قُلُوبهم مها شَيْء لم
يدْخل قُلُوبهم من شَيْء. قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: فَقولُوا: سمعنَا وأطعنا وَسلمنَا. قَالَ: فَألْقى الله
الْإِيمَان فِي قُلُوبهم، فَأنْزل الله: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا
وسعهَا لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن
نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} قَالَ: قد فعلت {رَبنَا / وَلَا تحمل علينا إصرا
كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا} قَالَ: قد فعلت {واغفر بِنَا وارحمنا
أَنْت مَوْلَانَا} قَالَ: قد فعلت ".
وَمن سُورَة آل عمرَان قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك
الْكتاب}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، أبنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ،
ثَنَا يزِيد بن
(4/64)
إِبْرَاهِيم، ثَنَا ابْن أبي مليكَة، عَن
الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة قَالَت: " سُئِلَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن هَذِه الْآيَة: {هُوَ الَّذِي
أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات} إِلَى آخر الْآيَة، فَقَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِذا رَأَيْتُمْ
الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ، فَأُولَئِك الَّذين سمى الله فاحذروهم
".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَفِي لفظ آخر لأبي عِيسَى: " فَإِذا رأيتموهم فاعرفوهم ".
رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن بشار، عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن أبي
عَامر [و] يزِيد بن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن أبي مليكَة بِهَذَا الْإِسْنَاد.
وَرَوَاهُ مُسلم بن الْحجَّاج، عَن عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عَن يزِيد
بن إِبْرَاهِيم وَقَالَ: " فاحذروهم " مثل رِوَايَة عبد بن حميد، عَن أبي
دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن إِبْرَاهِيم.
(4/65)
قَوْله تَعَالَى: {قل للَّذين كفرُوا
ستغلبون}
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مصرف بن عَمْرو الأيامي، ثَنَا يُونُس - يَعْنِي
ابْن بكير - قَالَ: قَالَ ابْن إِسْحَاق: حَدثنِي مُحَمَّد (بن أبي
مُحَمَّد) مولى زيد بن ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة، عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: " لما أصَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قُريْشًا يَوْم بدر، وَقدم الْمَدِينَة، جمع الْيَهُود فِي
سوق بني قينقاع، فَقَالَ: يَا معشر يهود، أَسْلمُوا قبل أَن يُصِيبكُم مثل
مَا أصَاب قُريْشًا. قَالُوا: يَا مُحَمَّد، لَا يغرنك من نَفسك أَنَّك
قتلت نفر من قُرَيْش كَانُوا أَغْمَارًا لَا يعْرفُونَ الْقِتَال، إِنَّك
لَو قَاتَلْتنَا [لعرفت] أَنا نَحن النَّاس، وَأَنَّك لم تلق مثلنَا.
فَأنْزل الله: {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون وتحشرون} قَرَأَ مصرف إِلَى
قَوْله: {فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله} ببدر {وَأُخْرَى كَافِرَة} ".
قَوْله تَعَالَى: {أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم}
/ البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أبنا
معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا من مَوْلُود
[يُولد] إِلَّا والشيطان يمسهُ حِين يُولد، فَيَسْتَهِل صَارِخًا من مس
الشَّيْطَان إِيَّاه، إِلَّا مَرْيَم وَابْنهَا. ثمَّ يَقُول أَبُو
هُرَيْرَة: اقْرَءُوا إِن شِئْتُم: {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من
الشَّيْطَان الرَّجِيم} ".
(4/66)
قَوْله تَعَالَى: {قل يَا أهل الْكتاب
تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله}
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن حبيب، ثَنَا خَالِد بن الْحَارِث، ثَنَا قُرَّة بن
خَالِد، أبنا مُحَمَّد، [عَن] أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو (بايعني) عشرَة من الْيَهُود
لم يبْق على ظهرهَا [يَهُودِيّ] إِلَّا أسلم ".
قَوْله تَعَالَى: {إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا
النَّبِي}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، أبنا أَبُو أَحْمد، ثَنَا
سُفْيَان، عَن أَبِيه، عَن أبي الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله
قَالَ: قَالَ رَسُول الله: " إِن لكل نَبِي وُلَاة من (الْمُؤمنِينَ) ،
وَإِن وليي أبي وخليل رَبِّي. ثمَّ قَرَأَ: {أَن أولى النَّاس بإبراهيم
للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا النَّبِي وَالَّذين آمنُوا وَالله ولي
الْمُؤمنِينَ} ".
رَوَاهُ أَبُو نعيم ووكيع، عَن سُفْيَان، عَن أَبِيه، عَن أبي الضُّحَى،
عَن عبد الله، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر مَسْرُوق.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَهَذَا أصح من حَدِيث [أبي أَحْمد] .
(4/67)
قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ
بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا}
عبد بن حميد: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، أبنا جرير بن حَازِم قَالَ: سَمِعت
عدي بن عدي يحدث، عَن جَابر بن حَيْوَة والعرس بن عميرَة، أَنَّهُمَا
حَدَّثَاهُ عَن أَخِيه، عَن عدي بن عميرَة قَالَ: " كَانَ بَين امْرِئ
الْقَيْس وَرجل من حَضرمَوْت خُصُومَة، فارتفعا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: لتحضرن بينتك وَإِلَّا فيمينه.
قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن حلف ذهب بأرضي. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /: من حلف على يَمِين كَاذِبَة ليقتطع بهَا
حق أَخِيه؛ لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان. فَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
يَا رَسُول الله، فَمَا لمن تَركهَا وَهُوَ يعلم أَنَّهَا لَهُ حق؟ قَالَ:
الْجنَّة. قَالَ: إِنِّي أشهد أَنِّي قد تركتهَا ".
قَالَ جرير: وَكنت مَعَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ حِين سمعنَا هَذَا
الحَدِيث من عدي، فَقَالَ أَيُّوب: إِن عديا قَالَ فِي حَدِيث الْعرس بن
عميرَة: " فَنزلت هَذِه الْآيَة: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله
وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} " قَالَ جرير: وَلم أحفظه يَوْمئِذٍ من عدي.
قَوْله تَعَالَى: {كَيفَ يهدي الله قوما كفرُوا بعد إِيمَانهم}
النَّسَائِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيع، ثَنَا يزِيد - وَهُوَ
ابْن زُرَيْع - أبنا دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "
كَانَ رجل من الْأَنْصَار أسلم، ثمَّ ارْتَدَّ وَلحق بالشرك ثمَّ تندم،
فَأرْسل إِلَى قومه: سلوا لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - هَل لي من تَوْبَة؟ فجَاء قومه إِلَى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا: إِن فلَانا قد نَدم، وَإنَّهُ
أمرنَا أَن نَسْأَلك هَل لَهُ من تَوْبَة؟ فَنزلت: {كَيفَ يهدي الله قوما
كفرُوا بعد إِيمَانهم} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} فَأرْسل إِلَيْهِ
فَأسلم ".
(4/68)
قَوْله تَعَالَى: {لن تنالوا الْبر حَتَّى
تنفقوا مِمَّا تحبون}
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل، حَدثنِي مَالك، عَن إِسْحَاق بن عبد
الله بن أبي طَلْحَة؛ أَنه سمع أنس بن مَالك يَقُول: " كَانَ أَبُو طَلْحَة
أَكثر أَنْصَارِي بِالْمَدِينَةِ نخلا، وَكَانَ أحب أَمْوَاله إِلَيْهِ
بيرحاء، وَكَانَت مُسْتَقْبلَة الْمَسْجِد، وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يدخلهَا وَيشْرب من مَاء فِيهَا طيب،
فَلَمَّا نزلت: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} قَامَ أَبُو
طَلْحَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن الله يَقُول: {لن تنالوا الْبر
حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} وَإِن أحب أَمْوَالِي إِلَيّ بيرحاء،
وَإِنَّهَا صَدَقَة لله أَرْجُو برهَا وَذُخْرهَا عِنْد الله، فضعها يَا
رَسُول الله حَيْثُ أَرَاك الله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: بخ ذَلِك مَال رابح، ذَلِك مَال رابح، وَقد سَمِعت
مَا قلت، وَإِنِّي أرى أَن تجعلها فِي الْأَقْرَبين. قَالَ أَبُو طَلْحَة:
[أفعل يَا رَسُول الله. فَقَسمهَا أَبُو طَلْحَة] فِي أَقَاربه / وَفِي بني
عَمه ".
قَالَ عبد الله بن يُوسُف وروح بن عبَادَة: " وَذَلِكَ مَال رابح ".
وَحدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك: " رَايِح ".
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا}
عبد بن حميد: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْفضل أَبُو النُّعْمَان، ثَنَا حَمَّاد
بن سَلمَة، أبنا أَبُو غَالب قَالَ: " كنت أَمْشِي مَعَ أبي أُمَامَة
وَهُوَ على حمَار لَهُ، حَتَّى إِذا انْتَهَيْت إِلَى درج مَسْجِد دمشق،
فَإِذا رُءُوس مَنْصُوبَة، فَقَالَ: مَا هَذِه الرُّءُوس؟ قَالَ: هَذِه
رُءُوس الْخَوَارِج يجاء بهم من الْعرَاق. فَقَالَ أَبُو أُمَامَة: كلاب
النَّار،
(4/69)
كلاب النَّار، كلاب النَّار، شَرّ قَتْلَى
تَحت ظلّ السَّمَاء، طُوبَى لمن قَتلهمْ وقتلوه. ثمَّ بَكَى فَقلت: مَا
يبكيك يَا أَبَا أُمَامَة؟ قَالَ: رَحْمَة لَهُم، إِنَّهُم كَانُوا من أهل
الْإِسْلَام فَخَرجُوا مِنْهُ. ثمَّ قَرَأَ: {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك
الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات} إِلَى آخر الْآيَات، ثمَّ قَرَأَ: {وَلَا
تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم
الْبَينَات} فَقلت: يَا أَبَا أُمَامَة هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نعم قلت:
[أَشَيْء] تَقوله بِرَأْيِك أم شَيْء سمعته من رَسُول الله؟ قَالَ: إِنِّي
إِذا لجريء، إِنِّي إِذا لجريء، إِنِّي إِذا لجريء، بل سمعته من رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ
وَلَا أَربع وَلَا خمس وَلَا سِتّ وَلَا سبع. وَوضع إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ،
وَقَالَ: وَإِلَّا فصمتا. قَالَهَا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: سَمِعت النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: تَفَرَّقت بَنو
إِسْرَائِيل على إِحْدَى وَسبعين فرقة،، وَاحِدَة فِي الْجنَّة وسائرهن فِي
النَّار، ولتزيدن عَلَيْهِم هَذِه الْأمة فرقة وَاحِدَة، وَاحِدَة فِي
الْجنَّة وسائرهن فِي النَّار. فَقلت: يَا أَبَا أُمَامَة، فَمَا
تَأْمُرنِي؟ قَالَ: عَلَيْك بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم. قلت: فَإِن السوَاد
الْأَعْظَم مَا يرى. قَالَ: السّمع وَالطَّاعَة خير من الْفرْقَة العاصية
".
قَوْله تَعَالَى: {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، أبنا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن
بهز ابْن حَكِيم، عَن أَبِيه، عَن جده " أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول فِي قَوْله: {كُنْتُم خير أمة أخرجت
للنَّاس} قَالَ: إِنَّكُم تتمون سبعين أمة، أَنْتُم خَيرهَا وَأَكْرمهَا
على الله ".
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن / حَرْب، ثَنَا الْفضل بن
سهل بن
(4/70)
إِبْرَاهِيم الْأَعْرَج، ثَنَا يحيى بن أبي
بكير، ثَنَا شبْل بن عباد الْمَكِّيّ، سَمِعت أَبَا قزعة يحدث عَمْرو بن
دِينَار، عَن حَكِيم بن مُعَاوِيَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " توفون سبعين أمة، أَنْتُم خَيرهَا
وَأَكْرمهَا على الله - عز وَجل - وَإِن أول مَا يعْتَرف عَن أحدكُم فَخذه
".
قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا هشيم، ثَنَا حميد، عَن أنس "
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كسرت رباعيته يَوْم
أحد، وشج وَجهه شجة فِي جَبهته حَتَّى سَالَ الدَّم على وَجهه فَقَالَ:
كَيفَ يفلح قوم فعلوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الله؟ !
فَنزلت: {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم
فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
زَاد ابْن أبي شيبَة فِي هَذَا الحَدِيث: " وَرمي رمية على كتفه ".
رَوَاهُ عَن يزِيد بن هَارُون، عَن حميد، عَن أنس.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو السَّائِب سلم بن جُنَادَة الْكُوفِي، ثَنَا
أَحْمد بن بشير، عَن عمر بن حَمْزَة، عَن سَالم بن عبد الله بن عمر، عَن
أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَوْم أحد: " اللَّهُمَّ الْعَن أَبَا سُفْيَان، اللَّهُمَّ الْعَن
الْحَارِث بن هِشَام، اللَّهُمَّ الْعَن صَفْوَان بن أُميَّة. قَالَ:
فَنزلت {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم}
فَتَابَ عَلَيْهِم، فأسلموا فَحسن إسْلَامهمْ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، يستغرب من حَدِيث عمر بن
حَمْزَة، عَن سَالم، وَقد رَوَاهُ الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، لم
يعرفهُ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل من حَدِيث عمر بن حَمْزَة، وعرفه من حَدِيث
الزُّهْرِيّ.
(4/71)
قَوْله تَعَالَى: {إِذا هَمت طَائِفَتَانِ
مِنْكُم أَن تَفْشَلَا}
مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أبنا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن
جَابر ابْن عبد الله قَالَ: " فِينَا نزلت {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم
أَن تَفْشَلَا وَالله وليهما} بَنو سَلمَة، وَبَنُو حَارِثَة، وَمَا نحب
أَنَّهَا لم تنزل لقَوْل الله - تَعَالَى -: {وَالله وليهما} ".
قَوْله تَعَالَى: {وَالرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم}
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن خَالِد، ثَنَا زُهَيْر، أبنا أَبُو
إِسْحَاق، سَمِعت الْبَراء بن / عَازِب قَالَ: " جعل النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الرجالة يَوْم أحد عبد الله بن جُبَير
وَأَقْبلُوا منهزمين، فَذَاك إِذْ يَدعُوهُم الرَّسُول فِي أخراهم، وَلم
يبْق مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غير اثْنَي عشر
رجلا ".
قَوْله تَعَالَى: {إِذْ يغشاكم النعاس أَمَنَة مِنْهُ}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا روح بن عبَادَة، عَن حَمَّاد بن
سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس، عَن أبي طَلْحَة قَالَ: " رفعت رَأْسِي يَوْم
أحد فَجعلت أنظر وَمَا مِنْهُم يؤمئذ أحد إِلَّا يميد تَحت حجفته من
النعاس، فَذَلِك قَوْله: {ثمَّ
(4/72)
أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة
نعاسا} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا يحيى بن حبيب بن، [عَرَبِيّ] ، ثَنَا مُوسَى بن
إِبْرَاهِيم ابْن كثير الْأنْصَارِيّ قَالَ: سَمِعت طَلْحَة بن خرَاش
قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول: " لَقِيَنِي رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لي: يَا جَابر، إِنِّي أَرَاك
منكسرا؟ قلت: يَا رَسُول الله، اسْتشْهد أبي، قتل يَوْم أحد وَترك عيالا
ودينا. قَالَ: أَفلا أُبَشِّرك بِمَا لَقِي الله بِهِ أَبَاك؟ قَالَ: بلَى
يَا رَسُول الله. قَالَ: مَا كلم الله أحدا قطّ إِلَّا من وَرَاء حجاب،
وَأَحْيَا أَبَاك فَكَلمهُ كفاحا، فَقَالَ: يَا عَبدِي، تمن عَليّ أعطك.
قَالَ: يَا رب، تحييني فأقتل فِيك ثَانِيَة. قَالَ الرب - تبَارك
وَتَعَالَى -: إِنَّه قد سبق مني أَنهم لَا يرجعُونَ. قَالَ: وأنزلت هَذِه
الْآيَة: {وَلَا تحسبن الَّذِي قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} الْآيَة
".
(4/73)
قَوْله تَعَالَى: {إِن النَّاس قد جمعُوا
لكم} الْآيَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس، ثَنَا أَبُو بكر، عَن أبي حُصَيْن،
عَن أبي الضُّحَى، عَن ابْن عَبَّاس: " حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل
قَالَهَا إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام - حِين ألقِي فِي النَّار،
وَقَالَهَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين قَالُوا:
{إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا
حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} ".
قَوْله تَعَالَى: / {سيطوقون مَا بخلوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن جَامع - وَهُوَ
ابْن أبي رَاشد - وَعبد الْملك بن أعين، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله بن
مَسْعُود يبلغ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " مَا من رجل لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا جعل الله يَوْم
الْقِيَامَة فِي عُنُقه شجاعا. ثمَّ قَرَأَ علينا مصداقه من كتاب الله:
{وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} الْآيَة.
وَقَالَ مرّة: قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
{سيطوقون مَا بخلوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة} وَمن اقتطع مَال أَخِيه
بِيَمِين لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان. ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مصداقه من كتاب الله: {إِن الَّذين
يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} الْآيَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
(4/74)
قَوْله تَعَالَى: {فَمن زحزح عَن النَّار
وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا يزِيد بن هَارُون وَسَعِيد بن
عَامر، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن مَوضِع
سَوط فِي الْجنَّة لخير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا؛ اقْرَءُوا إِن
شِئْتُم: {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ وَمَا
الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن
الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا}
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن فَارس، أَن الحكم بن نَافِع
حَدثهمْ قَالَ: أخبرنَا شُعَيْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن
عبد الله بن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه " وَكَانَ من أحد الثَّلَاثَة
الَّذين تيب عَلَيْهِم، وَكَانَ كَعْب بن الْأَشْرَف يهجو النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويحرض عَلَيْهِ كفار قُرَيْش،
وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين قدم
الْمَدِينَة وَأَهْلهَا أخلاط مِنْهُم الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ
يعْبدُونَ الْأَوْثَان وَالْيَهُود، وَكَانُوا يُؤْذونَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه فَأمر الله نبيه بِالصبرِ
وَالْعَفو، ففيهم أنزل الله - عز وَجل - {ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا
الْكتاب من قبلكُمْ} الْآيَة، فَلَمَّا أَبى كَعْب بن الْأَشْرَف أَن ينْزع
عَن أَذَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / أَمر
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سعد بن معَاذ أَن يبْعَث
رهطا يقتلونه فَبعث مُحَمَّد بن مسلمة وَذكر قصَّة قَتله. فَلَمَّا
قَتَلُوهُ فزعت الْيَهُود وَالْمُشْرِكين فَغَدوْا على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[فَقَالُوا:] طرق وَالله صاحبنا فَقتل. فَذكر
لَهُم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(4/75)
الَّذين كَانَ يَقُول، ودعاهم النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أَن يكْتب بَينه وَبينهمْ
كتابا ينتهون إِلَى مَا فِيهِ، فَكتب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -[بَينه وَبينهمْ] وَبَين الْمُسلمين عَامَّة صحيفَة ".
قَوْله تَعَالَى: {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} الْآيَة
مُسلم: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ وَمُحَمّد بن سهل التَّمِيمِي، قَالَا:
ثَنَا ابْن أبي مَرْيَم، أبنا مُحَمَّد بن جَعْفَر، أَخْبرنِي زيد بن أسلم،
عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ " أَن رجَالًا من
الْمُنَافِقين فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
كَانَ إِذا خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تخلفوا
عَنهُ، وفرحوا بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله، فَإِذا قدم النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعتذروا إِلَيْهِ، وحلفوا وأحبوا أَن
يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا فَنزلت {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا
أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا فَلَا تحسبنهم
بمفازة من الْعَذَاب} ".
قَالَ مُسلم: وَحدثنَا زُهَيْر بن حَرْب وَهَارُون بن عبد الله -
وَاللَّفْظ لزهير - قَالَا: ثَنَا حجاج بن مُحَمَّد [عَن ابْن] جريج،
أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة أَن حميد ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أخبرهُ
[أَن] مَرْوَان قَالَ: " اذْهَبْ يَا رَافع - لِبَوَّابِهِ - إِلَى ابْن
عَبَّاس فَقل: لَئِن كَانَ كل امْرِئ منا فَرح بِمَا أُتِي وَأحب أَن
[يحمد] بِمَا لم يفعل معذبا، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ؟ فَقَالَ ابْن
عَبَّاس: مَا لكم ولهذه الْآيَة، إِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل
الْكتاب. ثمَّ تَلا ابْن عَبَّاس: {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين
أُوتُوا الْكتاب ليبيننه للنَّاس وَلَا يكتمونه} هَذِه الْآيَة وتلا ابْن
عَبَّاس: {لَا تحسبن الَّذين
(4/76)
يفرحون بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن
يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} وَقَالَ ابْن عَبَّاس: سَأَلَهُمْ النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن شَيْء فَكَتَمُوهُ إِيَّاه
وَأَخْبرُوهُ بِغَيْرِهِ فَخَرجُوا قد أروه أَن قد أَخْبرُوهُ بِمَا
سَأَلَهُمْ عَنهُ، وَاسْتحْمدُوا بذلك إِلَيْهِ، وفرحوا بِمَا أَتَوا من /
كتمانهم إِيَّاه مَا سَأَلَهُمْ عَنهُ ".
قَوْله تَعَالَى: {لم يُؤمن بِاللَّه}
الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن بكار الْبَاهِلِيّ، ثَنَا الْمُعْتَمِر بن
سُلَيْمَان، ثَنَا حميد الطَّوِيل، عَن أنس " أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى على النَّجَاشِيّ حِين نعي. فَقيل: يَا
رَسُول الله، تصلي على عبد حبشِي؟ ! فَأنْزل الله - عز وَجل -: {وَإِن من
أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه} الْآيَة ".
وَمن سُورَة النِّسَاء قَوْله تَعَالَى: {وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي
الْيَتَامَى}
مُسلم: حَدثنَا أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن عَمْرو بن سرح، وحرملة بن يحيى.
قَالَ أَبُو الطَّاهِر: ثَنَا. وَقَالَ حَرْمَلَة: أبنا ابْن وهب قَالَ:
أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير " أَنه
سَأَلَ عَائِشَة عَن قَوْله تَعَالَى: " وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي
الْيَتَامَى فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع "
قَالَت: يَا ابْن أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَة تكون فِي حجر وَليهَا تشاركه
فِي مَاله فيعجبه مَالهَا وجمالها، فيريد وَليهَا أَن يَتَزَوَّجهَا
بِغَيْر أَن يقسط فِي صَدَاقهَا فيعطيها مثل مَا يُعْطِيهَا غَيره، فنهوا
أَن ينكحوهن، إِلَّا أَن يقسطوا لَهُنَّ، ويبلغوا بِهن أَعلَى سنتهن من
الصَدَاق، وَأمرُوا أَن ينكحوا مَا طَابَ من النِّسَاء سواهن. قَالَ
عُرْوَة: قَالَت عَائِشَة: ثمَّ إِن
(4/77)
النَّاس استفتوا رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد هَذِه الْآيَة فِيهِنَّ، فَأنْزل الله:
{يستفتونك فِي النِّسَاء قَالَ الله يفتيكم فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى
عَلَيْكُم فِي الْكتاب فِي يتامى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تؤتونهن مَا كتب
لَهُنَّ وترغبون أَن تنكحوهن} قَالَ: وَالَّذِي ذكر الله أَنه يُتْلَى
عَلَيْكُم فِي الْكتاب الْآيَة الأولى الَّتِي قَالَ الله فِيهَا: {وَإِن
خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء}
قَالَت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: وَقَول الله - عز وَجل - فِي
الْآيَة الْأُخْرَى: {وترغبون أَن تنكحوهن} رَغْبَة أحدكُم عَن يتيميه
الَّتِي تكون فِي حجره حِين تكون قَليلَة المَال وَالْجمال، فنهوا أَن
ينكحوا مَا رَغِبُوا فِي مَالهَا وجمالها من يتامى النِّسَاء، إِلَّا
بِالْقِسْطِ من أجل رغبتهم عَنْهُن ".
قَالَ مُسلم: وَحدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو / كريب قَالَا:
ثَنَا أَبُو أُسَامَة، حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن
عَائِشَة " فِي قَوْله عز وَجل: {وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي
الْيَتَامَى) {قَالَ) : أنزلت فِي الرجل يكون لَهُ الْيَتِيمَة وَهُوَ
وَليهَا ووارثها، وَلها مَال وَلَيْسَ لَهَا أحد يُخَاصم دونهَا، فَلَا
ينْكِحهَا لمالها فيضربها ويسيء صحبتهَا، فَقَالَ: {إِن خِفْتُمْ أَلا
تقسطوا فِي الْيَتَامَى فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} يَقُول: مَا
أحللت لكم، ودع هَذِه الَّتِي تضربها ".
قَوْله تَعَالَى: {وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ}
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، ثَنَا هِشَام، عَن
أَبِيه، عَن عَائِشَة: " فِي قَوْله عز وَجل: {وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف
وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ) {قَالَ) : أنزلت فِي ولي
الْيَتِيم يُصِيب من مَاله إِذا كَانَ مُحْتَاجا
(4/78)
بِقدر مَاله بِالْمَعْرُوفِ ".
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى}
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن حميد، ثَنَا عبيد الله الْأَشْجَعِيّ، عَن
سُفْيَان، عَن الشَّيْبَانِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس " {وَإِذا
حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين} قَالَ: هِيَ
محكمَة وَلَيْسَت بمنسوخة ".
تَابعه سعيد عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، أبنا حبَان بن هِلَال، ثَنَا همام بن
يحيى، ثَنَا قَتَادَة، عَن أبي الْخَلِيل، عَن أبي عَلْقَمَة الْهَاشِمِي،
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " لما كَانَ يَوْم أَوْطَاس أصبْنَا نسَاء
لَهُنَّ أَزوَاج فِي الْمُشْركين، [فكرههن] رجال [منا] ، فَأنْزل الله - عز
وَجل -: {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن.
وَلَا أعلم أَن أحدا ذكر أَبَا عَلْقَمَة فِي هَذَا الحَدِيث إِلَّا مَا
ذكر همام عَن قَتَادَة،
(4/79)
وَأَبُو الْخَلِيل: صَالح بن أبي مَرْيَم.
عبد بن حميد: أخبرنَا النَّضر بن [شُمَيْل] ، أخبرنَا شُعْبَة، عَن أبي
سَلمَة، قَالَ: سَمِعت أَبَا نَضرة يَقُول: " قَرَأت على ابْن عَبَّاس
{فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ / فَرِيضَة} قَالَ:
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: " إِلَى أجل مُسَمّى " وَقَالَ: قلت: مَا أقرؤها
كَذَلِك. قَالَ: وَالله لأنزلها الله كَذَلِك ".
قَوْله تَعَالَى: {وَلكُل جعلنَا موَالِي} الْآيَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا الصَّلْت بن مُحَمَّد، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن
إِدْرِيس، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس: "
{وَلكُل جعلنَا موَالِي} قَالَ: وَرَثَة، {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم}
[كَانَ] [الْمُهَاجِرُونَ] لما قدمُوا الْمَدِينَة يَرث الْمُهَاجِرِي
الْأنْصَارِيّ دون ذَوي رَحمَه [للأخوة] الَّتِي آخى النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَينهم، وَلما نزلت: {وَلكُل جعلنَا
موَالِي} نسخت، ثمَّ قَالَ: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} من النَّصْر
والرفادة والنصيحة، وَقد ذهب الْمِيرَاث ويوصي لَهُ ".
سمع أَبُو أُسَامَة إِدْرِيس، وَإِدْرِيس سمع طَلْحَة.
(4/80)
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقربُوا الصَّلَاة
وَأَنْتُم سكارى}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن سعد، عَن أبي
جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي عبد الرَّحْمَن
السّلمِيّ، عَن عَليّ ابْن أبي طَالب قَالَ: صنع لنا عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف طَعَاما فَدَعَانَا وَسَقَانَا من الْخمر، فَأخذت الْخمر منا،
وَحَضَرت الصَّلَاة، فقدموني فَقَرَأت: قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا
أعبد مَا تَعْبدُونَ وَنحن نعْبد مَا تَعْبدُونَ قَالَ: فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى
تعلمُوا مَا تَقولُونَ} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب.
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا
الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم}
مُسلم: حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب وَهَارُون بن عبد الله، قَالَا: ثَنَا
حجاج بن مُحَمَّد قَالَ: قَالَ ابْن جريج: " نزلت {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} فِي عبد
الله بن حذافة بن قيس بن عدي السَّهْمِي، بَعثه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سَرِيَّة ".
/ [أخبرنيه] يعلى بن مُسلم، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس.
(4/81)
قَوْله تَعَالَى: {فَلَا وَرَبك لَا
يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك} الْآيَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، أبنا
معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة قَالَ: " خَاصم الزبير، رجلا من
الْأَنْصَار فِي شراج من الْحرَّة. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اسْقِ يَا زبير، ثمَّ أرسل المَاء إِلَى جَارك.
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله، (وَأَن) كَانَ ابْن عَمَّتك؟
فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
ثمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زبير، ثمَّ احْبِسْ المَاء حَتَّى يرجع إِلَى
الْجدر، ثمَّ أرسل المَاء إِلَى جَارك. واستوعى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للزبير حَقه فِي صَرِيح الحكم حِين أحفظه
الْأنْصَارِيّ، وَكَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بِأَمْر لَهما فِيهِ سَعَة.
قَالَ الزبير: فَلَا أَحسب هَذِه الْآيَات نزلت إِلَّا فِي ذَلِك {فَلَا
وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} ".
قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين قيل لَهُم كفوا أَيْدِيكُم}
النَّسَائِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن [الْحسن] بن شَقِيق، ثَنَا أبي
قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عِكْرِمَة،
عَن ابْن عَبَّاس " أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وأصحابا لَهُ أَتَوا
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة. فَقَالُوا: يَا
رَسُول الله، إِنَّا [كُنَّا] فِي عز وَنحن مشركون فَلَمَّا آمنا صرنا
أَذِلَّة. فَقَالَ: إِنِّي أمرت بِالْعَفو، فَلَا
(4/82)
تقاتلوا. فَلَمَّا حوله الله إِلَى
الْمَدِينَة، أَمر بِالْقِتَالِ فكفوا، فَأنْزل الله: {ألم تَرَ إِلَى
الَّذين قيل لَهُم كفوا أَيْدِيكُم وَأقِيمُوا الصَّلَاة} ".
قَوْله تَعَالَى: {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين}
مُسلم: حَدثنَا عبد الله بن معَاذ الْعَنْبَري، ثَنَا أبي، ثَنَا شُعْبَة،
عَن عدي - وَهُوَ ابْن ثَابت - قَالَ: سَمِعت عبد الله بن يزِيد، يحدث عَن
زيد بن ثَابت: " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج
إِلَى أحد فَرجع النَّاس مِمَّن كَانَ مَعَه، فَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيهم فرْقَتَيْن، قَالَ بَعضهم:
نقتلهم. وَقَالَ بَعضهم: لَا. فَنزلت: {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين}
".
قَوْله تَعَالَى: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا / الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي، ثَنَا
شَبابَة، ثَنَا وَرْقَاء بن عمر، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس،
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَجِيء
الْمَقْتُول بالقاتل يَوْم الْقِيَامَة، ناصيته وَرَأسه بِيَدِهِ وأوداجه
تشخب دَمًا، يَقُول: يَا رب قتلني. حَتَّى يُدْنِيه من الْعَرْش. قَالَ:
فَذكرُوا لِابْنِ عَبَّاس التَّوْبَة فَتلا هَذِه الْآيَة {وَمن يقتل
مُؤمنا مُتَعَمدا} قَالَ: مَا نسخت هَذِه الْآيَة وَلَا بدلت وأنى لَهُ
التَّوْبَة! ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
(4/83)
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله، ثَنَا أبي،
ثَنَا شُعْبَة، عَن الْمُغيرَة بن النُّعْمَان، عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
" اخْتلف أهل الْكُوفَة فِي هَذِه الْآيَة: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} [فرحلت] إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلته، فَقَالَ: لقد
أنزلت آخر مَا أنزل، ثمَّ مَا نسخهَا شَيْء ".
مُسلم: حَدثنِي عبد الله بن هَاشم وَعبد الرَّحْمَن بن بشر الْعَبْدي
قَالَا: أبنا يحيى - وَهُوَ ابْن سعيد الْقطَّان - عَن ابْن جريج قَالَ:
حَدثنِي الْقَاسِم بن أبي بزَّة، عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: " قلت [لِابْنِ
عَبَّاس] : أَلِمَنْ قتل مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة؟ قَالَ: لَا. فتلوت
عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ
الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا
بِالْحَقِّ} إِلَى آخر الْآيَة. قَالَ: هَذِه أَيَّة مَكِّيَّة نسختها آيَة
مَدَنِيَّة {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا
فِيهَا} " وَفِي رِوَايَة ابْن هَاشم: " فتلوت عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة
الَّتِي فِي الْفرْقَان {إِلَّا من تَابَ} ".
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم (السّلم) لست
مُؤمنا}
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن
دِينَار،
(4/84)
عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "
لَقِي نَاس من الْمُسلمين رجلا فِي غنيمَة لَهُ، فَقَالَ: السّلم
عَلَيْكُم. فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَأخذُوا تِلْكَ الْغَنِيمَة، فَنزلت:
{وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السّلم} وَقرأَهَا ابْن عَبَّاس
{السَّلَام} ".
قَوْله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} الْآيَة
مُسلم: حَدثنَا [ابْن] مثنى وَمُحَمّد بن بشار - وَاللَّفْظ لِابْنِ مثنى -
قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، حَدثنَا شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق،
أَنه سمع الْبَراء " فِي هَذِه الْآيَة: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من /
الْمُؤمنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} فَأمر رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زيدا فجَاء بكتف فكتبها، فَشَكا
إِلَيْهِ ابْن أم مَكْتُوم ضَرَرا بِهِ، فَنزلت: {لَا يَسْتَوِي
الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} ".
قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم}
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن يزِيد الْمُقْرِئ، ثَنَا حَيْوَة وَغَيره
قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْأسود قَالَ: قطع
[على] أهل الْمَدِينَة بعث، فاكتتبت فِيهِ، فَلَقِيت عِكْرِمَة مولى ابْن
عَبَّاس، فَأَخْبَرته فنهاني عَن ذَلِك أَشد النَّهْي ثمَّ قَالَ:
أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن نَاسا من الْمُسلمين كَانُوا مَعَ الْمُشْركين
يكثرون سَواد [الْمُشْركين] على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَيَأْتِي السهْم فَيَرْمِي بِهِ فَيُصِيب أحدهم فيقتله،
(4/85)
أَو يضْرب فَيقْتل، فَأنْزل الله {إِن
الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} الْآيَة ".
رَوَاهُ اللَّيْث عَن أبي الْأسود.
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان، ثَنَا حَمَّاد، عَن أَيُّوب، عَن
ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عَبَّاس: " {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} قَالَ:
كَانَت أُمِّي مِمَّن عذر الله - عز وَجل ".
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تكن للخائنين خصيما}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْحسن بن أَحْمد بن أبي شُعَيْب أَبُو مُسلم
الْحَرَّانِي، ثَنَا مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي،، ثَنَا مُحَمَّد بن
إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، عَن أَبِيه، عَن جده قَتَادَة بن
النُّعْمَان قَالَ: " كَانَ أهل بَيت منا يُقَال لَهُم: بَنو أُبَيْرِق:
بشر وَبشير ومبشر، وَكَانَ بشير رجلا منافقا يَقُول الشّعْر يهجو بِهِ
أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ ينحله
بعض الْعَرَب ثمَّ يَقُول: قَالَ [فلَان] كَذَا، فَإِذا سمع أَصْحَاب
مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَاك الشّعْر قَالُوا:
وَالله مَا يَقُول [هَذَا] الشّعْر إِلَّا هَذَا الْخَبيث، أَو كَمَا قَالَ
الرجل، وَقَالا: ابْن الأبيرق قَالَهَا. قَالَ: وَكَانُوا أهل بَيت حَاجَة
وفاقة فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، وَكَانَ النَّاس إِنَّمَا طعامهم
بِالْمَدِينَةِ التَّمْر وَالشعِير، وَكَانَ الرجل إِذا كَانَ لَهُ يسَار
فَقدمت ضافطة من الشَّام بالدرمك ابْتَاعَ الرجل مِنْهَا / فَخص بهَا
نَفسه. فَأَما الْعِيَال فَإِنَّمَا طعامهم التَّمْر وَالشعِير فَقدمت
ضافطة من
(4/86)
الشَّام فَابْتَاعَ عمي رِفَاعَة بن زيد
حملا من الدَّرْمَك، فَجعله فِي مشربَة لَهُ، وَفِي الْمشْربَة سلَاح وَدرع
وَسيف فعدي عَلَيْهِ من تَحت الْبَيْت فنقبت الْمشْربَة، وَأخذ الطَّعَام
وَالسِّلَاح، فَلَمَّا أصبح أَتَانِي عمي رِفَاعَة، فَقَالَ: يَا ابْن أخي،
إِنَّه قد عدي [علينا] فِي ليلتنا هَذِه فنقبت مشربتنا فَذهب بِطَعَامِنَا
وَسِلَاحنَا. قَالَ: فتحسسنا فِي الدَّار، وَسَأَلنَا فَقيل لنا: قد
رَأينَا بني أُبَيْرِق اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِه اللَّيْلَة، وَلَا نرى
فِيمَا نرى إِلَّا على بعض طَعَامكُمْ. قَالَ: وَكَانَ بَنو أُبَيْرِق
قَالُوا - وَنحن نسْأَل فِي الدَّار -: وَالله مَا نرى صَاحبكُم إِلَّا
لبيد بن سهل (رجلا) منا لَهُ صَلَاح وَإِسْلَام، فَلَمَّا سمع لبيد
اخْتَرَطَ سَيْفه، وَقَالَ: أَنا أسرق؟ فوَاللَّه لَيُخَالِطَنكُمْ هَذَا
السَّيْف أَو لتبينن هَذِه السّرقَة. قَالُوا: إِلَيْك عَنَّا أَيهَا
الرجل، فَمَا أَنْت بصاحبها، فسألنا فِي الدَّار حَتَّى لم نشك أَنهم
[أَصْحَابنَا] فَقَالَ عمي: يَا ابْن أخي، لَو أتيت رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[فَذكرت] ذَلِك لَهُ. قَالَ قَتَادَة: فَأتيت
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت: إِن أهل بَيت
منا أهل جفَاء عَمدُوا إِلَى عمي رِفَاعَة بن يزِيد فَنقبُوا مشربَة لَهُ،
وَأخذُوا سلاحه وَطَعَامه [فليردوا] علينا سِلَاحنَا فَأَما الطَّعَام
فَلَا حَاجَة لنا فِيهِ. فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: سآمر فِي ذَلِك. فَلَمَّا [سمع] بَنو أُبَيْرِق، أَتَوْ رجلا
مِنْهُم يُقَال لَهُ: أَسِير بن عُرْوَة فكلموه فِي ذَلِك، فَاجْتمع فِي
ذَلِك أنَاس من الدَّار فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن قَتَادَة بن
النُّعْمَان وَعَمه عَمدُوا إِلَى أهل بَيت منا أهل إِسْلَام وَصَلَاح
يرمونهم بِالسَّرقَةِ من غير بَيِّنَة وَلَا ثَبت. قَالَ قَتَادَة: فَأتيت
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فكلمته فَقَالَ:
عَمَدت إِلَى أهل بَيت ذكر مِنْهُم إِسْلَام وَصَلَاح ترميهم بِالسَّرقَةِ
على غير ثَبت وَلَا بَيِّنَة؟ قَالَ: فَرَجَعت ولوددت أَنِّي خرجت من بعض
مَالِي، وَلم أكلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
ذَلِك، فَأَتَانِي عمي رِفَاعَة، فَقَالَ: يَا ابْن أخي مَا صنعت؟
فَأَخْبَرته / بِمَا قَالَ
(4/87)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ: الله الْمُسْتَعَان. فَلم نَلْبَث أَن نزل الْقُرْآن
{إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا
أَرَاك الله وَلَا تكن للخائنين خصيما} بني أُبَيْرِق {واستغفر الله} أَي:
مِمَّا قلت لِقَتَادَة {إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما. وَلَا تجَادل عَن
الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم إِن الله لَا يحب من كَانَ خوانًا أَثِيمًا.
يستخفون من النَّاس وَلَا يستخفون من الله وَهُوَ مَعَهم ^) إِلَى قَوْله
{غَفُورًا رحِيما} أَي لَو اسْتَغْفرُوا الله لغفر لَهُم {وَمن يكْسب
إِثْمًا فَإِنَّمَا يكسبه على نَفسه} إِلَى قَوْله {إِثْمًا مُبينًا}
قَوْله للبيد {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْك وَرَحمته} إِلَى قَوْله {فَسَوف
نؤتيه أجرا عَظِيما} فَلَمَّا نزل الْقُرْآن أَتَى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالسِّلَاحِ فَردُّوهُ إِلَى رِفَاعَة.
فَقَالَ قَتَادَة: لما أتيت عمي بِالسِّلَاحِ وَكَانَ شَيخا قد (عشي) فِي
الْجَاهِلِيَّة، وَكنت أرى إِسْلَامه مَدْخُولا، فَلَمَّا (أتيت)
بِالسِّلَاحِ قَالَ: يَا ابْن أخي، هُوَ فِي سَبِيل الله. فَعرفت أَن
إِسْلَامه كَانَ صَحِيحا. فَلَمَّا نزل الْقُرْآن لحق بشير بالمشركين،
فَنزل على سلاقة بنت سعد ابْن سميَّة فَأنْزل الله: {وَمن يُشَاقق
الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ
نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا. إِن الله لَا يغْفر أَن
يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء وَمن يُشْرك بِاللَّه فقد ضل
ضلالا بَعيدا} فَلَمَّا نزل على سلاقة رَمَاهَا حسان بن ثَابت بِأَبْيَات
من (شعر) فَأخذت رَحْله [فَوَضَعته] على رَأسهَا، ثمَّ خرجت بِهِ فرمت بِهِ
فِي الأبطح. ثمَّ قَالَت: أهديت لي شعر حسان، مَا كنت تَأتِينِي بِخَير ".
(4/88)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب،
لَا نعلم أحدا أسْندهُ غير مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي، وروى يُونُس
بن بكير وَغير وَاحِد هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَاصِم
بن عمر بن قَتَادَة مُرْسلا، لم يذكرُوا فِيهِ: عَن أَبِيه، عَن جده،
وَقَتَادَة هُوَ [أَخُو أبي] سعيد الْخُدْرِيّ لأمه. وَأَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ سعد ابْن مَالك ابْن سِنَان.
قَوْله تَعَالَى: {من يعْمل سوءا / يجز بِهِ}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر وَعبد الله بن أبي
زِيَاد - الْمَعْنى وَاحِد - قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن
ابْن [مُحَيْصِن] ، عَن مُحَمَّد ابْن قيس بن مخرمَة، عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: " لما نزلت {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} شقّ ذَلِك على الْمُسلمين.
فشكوا ذَلِك إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَقَالَ: قاربوا وسددوا، وَفِي كل مَا يُصِيب الْمُؤمن كَفَّارَة حَتَّى
الشَّوْكَة يشاكها، أَو النكبة ينكبها ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. وَابْن [مُحَيْصِن] هُوَ:
عمر ابْن عبد الرَّحْمَن بن [مُحَيْصِن] .
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن امراة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا} الْآيَة
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا عَبدة بن سُلَيْمَان، عَن
هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: " {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا
نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا} الْآيَة. قَالَت: أنزلت فِي الْمَرْأَة تكون عِنْد
الرجل فتطول صحبتهَا، فيريد طَلاقهَا فَتَقول: لَا تُطَلِّقنِي
وَأَمْسِكْنِي، وَأَنت فِي حل مني، فَنزلت هَذِه الْآيَة ".
(4/89)
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن من أهل الْكتاب
إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته}
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق، ثَنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أبي،
عَن صَالح ابْن كيسَان، عَن ابْن شهَاب، أَن سعيد بن الْمسيب سمع أَبَا
هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليوشكن أَن ينزل فِيكُم ابْن مَرْيَم حكما
عدلا فيكسر الصَّلِيب، وَيقتل الْخِنْزِير، وَيَضَع الْجِزْيَة، وَيفِيض
المَال حَتَّى لَا يقبله أحد، حَتَّى تكون السَّجْدَة الْوَاحِدَة خير من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: واقرءوا إِن
شِئْتُم {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته وَيَوْم
الْقِيَامَة يكون عَلَيْهِم شَهِيدا} ".
وَمن سُورَة الْمَائِدَة قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن مسعر وَغَيره،
عَن قيس ابْن مُسلم، عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: " قَالَ رجل من الْيَهُود
لعمر بن الْخطاب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَو علينا أنزلت هَذِه الْآيَة
{الْيَوْم أكملت / لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم
الْإِسْلَام دينا} لاتخذنا ذَلِك الْيَوْم عيدا. فَقَالَ لَهُ عمر بن
الْخطاب: إِنِّي أعلم [أَي] يَوْم أنزلت هَذِه الْآيَة؛ أنزلت يَوْم
عَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
(4/90)
قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَام الَّذين
أُوتُوا الْكتاب حل لكم}
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت الْمروزِي، ثَنَا عَليّ
بن حُسَيْن، عَن أَبِيه، عَن يزِيد النَّحْوِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: " {فَكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ} {وَلَا
تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} فنسخ وَاسْتثنى من ذَلِك
فَقَالَ: {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم وطعامكم حل لَهُم} ".
يزِيد النَّحْوِيّ: هُوَ يزِيد بن أبي سعيد، ثِقَة مَشْهُور.
قَوْله تَعَالَى: {أَو لامستم النِّسَاء}
عبد بن حميد: حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن
عَاصِم الْأَحول، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " الْمُلَامسَة،
والمباشرة، والإفضاء، والرفث، والغشيان، وَالْجِمَاع: نِكَاح، وَلَكِن الله
يكني ".
قَالَ عبد: وَحدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد، عَن شُعْبَة، عَن أبي بشر، عَن
سعيد ابْن جُبَير قَالَ: " اخْتلفت الْعَرَب والموالي فِي اللَّمْس،
فَقَالَت الْعَرَب: اللَّمْس الْجِمَاع. وَقَالَت الموَالِي: هُوَ مَا دون
الْجِمَاع. فَدخلت على ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته فَقَالَ: مَعَ من كنت؟
قَالَ: كنت مَعَ الموَالِي. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: غُلبت الموَالِي، غُلبت
الموَالِي. ثمَّ قَالَ ابْن عَبَّاس: اللَّمْس والمس والمباشرة كُله،
وَلَكِن الله يكني مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ ".
حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد، حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن أبي بشر
بِإِسْنَاد نَحوه.
(4/91)
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن حكمت فاحكم بَينهم
بِالْقِسْطِ}
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء، ثَنَا عبيد الله - يَعْنِي
ابْن مُوسَى - عَن عَليّ بن صَالح، عَن سماك بن حَرْب، عَن عِكْرِمَة، عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَت قُرَيْظَة وَالنضير، وَكَانَ النَّضِير أشرف
من قُرَيْظَة، فَكَانَ إِذا قتل رجل من قُرَيْظَة رجلا من النَّضِير قتل
بِهِ، وَإِذا قتل رجل من النَّضِير رجلا من قُرَيْظَة فودي بِمِائَة وسق من
تمر، فَلَمَّا بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قتل
رجل من النَّضِير رجلا من قُرَيْظَة / فَقَالُوا: ادفعوه إِلَيْنَا
نَقْتُلهُ. فَقَالُوا: بَيْننَا وَبَيْنكُم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأتوهُ، فَنزلت: {وَإِن حكمت فاحكم بَينهم
بِالْقِسْطِ} والقسط: النَّفس بِالنَّفسِ، ثمَّ نزلت: {أَفَحكم
الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} ".
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا فَهد بن سُلَيْمَان، ثَنَا النُّفَيْلِي، ثَنَا
مُحَمَّد بن سَلمَة، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن دَاوُد بن [حُصَيْن]
عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " لما نزلت هَذِه الْآيَة: {فَإِن
جاءوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم ... وَإِن حكمت فاحكم بَينهم
بِالْقِسْطِ} قَالَ: كَانَ إِذا قتل بَنو قُرَيْظَة من بَين النَّضِير
قَتِيلا أَدّوا الدِّيَة إِلَيْهِم، وَإِذا قتل بَنو النَّضِير من بني
قُرَيْظَة قَتِيلا أَدّوا نصف الدِّيَة. قَالَ: فسوى بَينهم رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الدِّيَة ".
رَوَاهُ النَّسَائِيّ: عَن عبيد الله بن [سعد] ، عَن عَمه، عَن أَبِيه، عَن
(4/92)
ابْن إِسْحَاق باخْتلَاف فِي اللَّفْظ.
قَوْله تَعَالَى: {وَجعل مِنْهُم القردة والخنازير}
مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق وَمُحَمّد بن مثنى وَمُحَمّد بن عبد الله
الرَّازِيّ جَمِيعًا عَن الثَّقَفِيّ - وَاللَّفْظ لِابْنِ مثنى - ثَنَا
عبد الْوَهَّاب، ثَنَا خَالِد، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فقدت
أمة من بني إِسْرَائِيل لَا يدرى مَا فعلت، وَلَا أَرَاهَا إِلَّا الفأر؛
أَلا ترونها إِذا وضع لَهَا ألبان الْإِبِل لم تشربه، وَإِذا وضع لَهَا
ألبان الشَّاء شربته " وَذكر الحَدِيث.
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، وَأَبُو كريب - وَاللَّفْظ لأبي
بكر - قَالَا: ثَنَا وَكِيع، عَن مسعر، عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن
الْمُغيرَة بن عبد الله الْيَشْكُرِي، عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد، عَن عبد
الله قَالَ: " ذكرت عِنْده القردة - يَعْنِي: عِنْد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مسعر: وَأرَاهُ قَالَ: والخنازير - من
مسخ فَقَالَ: إِن الله لم يَجْعَل لمسخ نَسْلًا وَلَا عقبا، وَقد كَانَت
القردة والخنازير قبل ذَلِك ".
قَوْله تَعَالَى: {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْآيَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا يزِيد بن هَارُون / ثَنَا
مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " يَمِين الرَّحْمَن ملأى سحاء لَا يغيضها اللَّيْل وَالنَّهَار قَالَ:
أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض، فَإِنَّهُ لم
يغض مَا فِي يَمِينه، وعرشه على المَاء، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَان،
يرفع ويخفض ".
(4/93)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن
صَحِيح. وَتَفْسِير هَذِه الْآيَة: {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة
غلت أَيْديهم ولعنوا بِمَا قَالُوا بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ
يَشَاء} وَهَذَا حَدِيث قد روته الْأَئِمَّة، نؤمن بِهِ كَمَا جَاءَ من غير
أَن يُفَسر أَو يتَوَهَّم، كَذَا قَالَه غير وَاحِد من الْأَئِمَّة مِنْهُم
الثَّوْريّ، وَمَالك بن أنس، وَابْن عُيَيْنَة، وَابْن الْمُبَارك؛ أَنه
تروى هَذِه الْأَشْيَاء، ويؤمن بهَا، فَلَا يُقَال: كَيفَ؟ .
قَوْله تَعَالَى: {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا
الْحَارِث بن عبيد، عَن سعيد الْجريرِي، عَن عبد الله بن شَقِيق، عَن
عَائِشَة قَالَت: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يحرس حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة: {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَأخْرج
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأسه من الْقبَّة،
فَقَالَ لَهُم: يَا أَيهَا النَّاس انصرفوا، فقد عصمني الله - تبَارك
وَتَعَالَى ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب وروى بَعضهم هَذَا الحَدِيث عَن
الْجريرِي، عَن عبد الله بن شَقِيق قَالَ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحرس ". وَلم (يذكر) فِيهِ عَائِشَة ".
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل
الله لكم}
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن عون ثَنَا خَالِد، عَن إِسْمَاعِيل، عَن
قيس، عَن عبد الله قَالَ: " كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ مَعنا نسَاء، فَقُلْنَا: أَلا نختصي، فنهانا
عَن ذَلِك، فَرخص لنا بعد ذَلِك أَن نتزوج الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ، ثمَّ
قَرَأَ: {يَا أَيهَا
(4/94)
الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا
أحل الله لكم} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ أَبُو حَفْص الفلاس، ثَنَا أَبُو
عَاصِم، ثَنَا عُثْمَان بن سعد، ثَنَا عِكْرِمَة، / عَن ابْن عَبَّاس " أَن
رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا
رَسُول الله، إِنِّي [إِذا] أصبت اللَّحْم انتشرت للنِّسَاء وأخذتني
[شهوتي] فَحرمت عَليّ اللَّحْم. فَأنْزل الله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب
الْمُعْتَدِينَ. وكلوا مَا رزقكم الله حَلَالا طيبا} ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن عُثْمَان بن سعد
مُرْسلا، لَيْسَ فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ خَالِد الْحذاء عَن
عِكْرِمَة مُرْسلا.
قَوْله تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن سَلمَة، ثَنَا مَالك بن سعير، ثَنَا هِشَام،
عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: " أنزلت هَذِه الْآيَة: {لَا يُؤَاخِذكُم الله
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} فِي قَول الرجل: لَا وَالله، بلَى وَالله ".
قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح
فِيمَا طعموا} الْآيَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى، عَن
إِسْرَائِيل،
(4/95)
عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْبَراء قَالَ: "
مَاتَ [رجال] من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قبل أَن تحرم الْخمر، فَلَمَّا حرمت الْخمر قَالَ رجال كَيفَ بأصحابنا وَقد
مَاتُوا يشربون الْخمر؟ فَنزلت: {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا
الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح؛ وَقد رَوَاهُ شُعْبَة عَن
أبي إِسْحَاق، عَن الْبَراء.
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن
تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
البُخَارِيّ: حَدثنِي الْفضل بن سهل، ثَنَا أَبُو النَّضر، ثَنَا أَبُو
خَيْثَمَة، ثَنَا أَبُو الجويرية، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ قوم
يسْأَلُون رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - استهزاء
فَيَقُول الرجل: من أبي؟ وَيَقُول الرجل تضل نَاقَته: [أَيْن نَاقَتي؟]
فَأنْزل الله - عز وَجل - فيهم: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن
أَشْيَاء إِن تبد لكم} حَتَّى فرغ من الْآيَة كلهَا ".
قَوْله تَعَالَى: {مَا جعل الله من بحيرة} الْآيَة
عبد بن حميد: / أخبرنَا [عبيد الله] بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس،
عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن أَبِيه قَالَ: " أتيت النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرآني سيئ الْهَيْئَة، فَقَالَ لي:
هَل لَك من مَال؟ قلت: نعم من كل المَال قد آتَانِي الله من الْإِبِل
وَالْخَيْل وَالرَّقِيق. قَالَ: فَإِذا آتاك الله خيرا فلير عَلَيْك نعْمَة
الله وكرامته. قلت: يَا مُحَمَّد - لم أكن أسلمت يَوْمئِذٍ - أَرَأَيْت إِن
نزلت بِرَجُل يَوْمًا فَلم يقرني وَلم يولني
(4/96)
حَقًا، ثمَّ أضاقه الدَّهْر، إِن نزل بِي
أجزيه بِالَّذِي فعل أم أقريه؟ قَالَ: لَا بل أقره. ثمَّ قَالَ: هَل تنْتج
الْإِبِل إِلَّا كَذَلِك، قَالَ: فتأخذ موساك، فتقطع آذانها، فَتَقول:
هَذِه بَحر، وَتَأْخُذ موساك وتشق آذانها، فَتَقول: هَذِه صرم. قلت: إِنَّا
لنفعل ذَلِك. قَالَ: فَلَا تفعل، كَمَا آتاك الله لَك حل، ومُوسَى الله أحد
من موساك، وساعد الله أَشد من ساعدك. قَالَ: وَكَانَت أفعل الْعَرَب لذَلِك
قيس ".
تَابعه شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق، وَزَاد فِيهِ: وَرُبمَا قَالَ: " ساعد
الله أَشد ومُوسَى الله أحد ".
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذِي آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم} الْآيَة
الْبَزَّار: حَدثنَا يحيى بن حبيب بن عَرَبِيّ، ثَنَا الْمُعْتَمِر بن
سُلَيْمَان، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ:
سَمِعت أَبَا بكر الصّديق - رَحمَه الله - يَقُول: " يَا أَيهَا النَّاس
إِنَّكُم تقرءون هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم
أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِن أمتِي إِذا رَأَوْا
الظَّالِم فَلم يَأْخُذُوا على يَدَيْهِ، يُوشك أَن يعمهم الله بعقاب ".
وَهَذَا الْكَلَام لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا عَن أبي بكر عَنهُ وَقد
أسْند هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَن أبي بكر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأَوْقفهُ جمَاعَة، فَكَانَ [مِمَّن] أسْندهُ
شُعْبَة، وزائدة بن قدامَة، والمعتمر بن سُلَيْمَان، وَيزِيد بن هَارُون،
وَغَيرهم.
وَأما حَدِيث شُعْبَة فَحَدَّثنَاهُ مُحَمَّد بن معمر، ثَنَا روح بن
عبَادَة، ثَنَا شُعْبَة، عَن إِسْمَاعِيل، عَن قيس، عَن أبي بكر، عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(4/97)
وَأما حَدِيث زَائِدَة فَحَدَّثنَاهُ
مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا روح، عَن زَائِدَة، عَن إِسْمَاعِيل، عَن قيس،
عَن أبي بكر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَحدثنَا / مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أخبرنَا
إِسْمَاعِيل، عَن قيس، عَن أبي بكر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَحْوِ حَدِيث الْمُعْتَمِر.
وأسنده عَن شُعْبَة: معَاذ، وروح بن عبَادَة، وَعُثْمَان بن عمر، وَرَوَاهُ
بَيَان عَن قيس، عَن أبي بكر مَوْقُوفا.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سعيد بن يَعْقُوب الطَّالقَانِي، ثَنَا عبد الله بن
الْمُبَارك، أبنا عتبَة بن [أبي] حَكِيم، ثَنَا عَمْرو بن جَارِيَة
[اللَّخْمِيّ] عَن أبي أُميَّة الشَّعْبَانِي قَالَ: " أتيت أَبَا
ثَعْلَبَة الْخُشَنِي فَقلت: فَكيف تصنع فِي هَذِه الْآيَة؟ قَالَ: أَيَّة
آيَة؟ قلت: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم
أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: أما وَالله لقد
سَأَلت عَنْهَا خَبِيرا، سَأَلت عَنْهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: ائْتَمرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهوا عَن
الْمُنكر، حَتَّى إِذا رَأَيْت شحا مُطَاعًا، وَهوى مُتبعا، وَدُنْيا
مُؤثرَة، وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ - فَعَلَيْك بِخَاصَّة نَفسك،
ودع الْعَوام، فَإِن من وَرَائِكُمْ أَيَّامًا؛ الصَّبْر فِيهِنَّ مثل
الْقَبْض على الْجَمْر، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مثل أجر خمسين رجلا يعْملُونَ
عَمَلكُمْ ".
قَالَ عبد الله: وَزَادَنِي غير عتبَة: " قيل: يَا رَسُول الله، أجر خمسين
منا أَو مِنْهُم؟ قَالَ: لَا، بل أجر خمسين مِنْكُم ".
(4/98)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن
غَرِيب.
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر
أحدكُم الْمَوْت}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، ثَنَا يحيى بن آدم، عَن ابْن
أبي [زَائِدَة] ، عَن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم، عَن [عبد الْملك] بن
سعيد، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " خرج رجل من بني سهم مَعَ
تَمِيم الدَّارِيّ وعدي بن بداء فَمَاتَ السَّهْمِي بِأَرْض لَيْسَ بهَا
مُسلم، فَلَمَّا قدمنَا [بِتركَتِهِ] (فقدوا) جَاما من فضَّة (مخوصا)
بِالذَّهَب، فَأَحْلفهُمَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -، ثمَّ وجد الْجَام بِمَكَّة فَقيل: اشْتَرَيْنَاهُ من عدي وَتَمِيم،
فَقَامَ (رجل من أَوْلِيَاء السَّهْمِي فَحلف) بِاللَّه لَشَهَادَتنَا
أَحَق من شهادئهما، وَأَن الْجَام لصَاحِبِهِمْ. قَالَ: وَفِيهِمْ نزلت:
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم} ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
(4/99)
/ قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا أنزل علينا
مائدة من السَّمَاء}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْحسن بن قزعة، ثَنَا سُفْيَان بن حبيب، ثَنَا
سعيد - هُوَ ابْن أبي عرُوبَة - عَن قَتَادَة، عَن خلاس بن عَمْرو، عَن
عمار بن يَاسر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: " أنزلت الْمَائِدَة من السَّمَاء خبْزًا وَلَحْمًا،
وَأمرُوا أَلا يخونوا، وَلَا يدخروا لغد، فخانوا وَادخرُوا وَرفعُوا لغد،
فمسخوا قردة وَخَنَازِير ".
رَوَاهُ غير وَاحِد عَن سعيد، فأوقفه على عمار.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَلَا نعلم للْحَدِيث الْمَرْفُوع أصلا.
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم آنت قلت
للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر [ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن
عَمْرو] بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: تلقى عِيسَى
حجَّته ولقاه [الله] فِي قَوْله: {وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن
مَرْيَم (آنت) قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} قَالَ
أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
فلقاه الله ب {سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق}
الْآيَة كلهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
(4/100)
بَاب
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا عبد الله بن وهب، عَن حييّ، عَن
أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: " آخر سُورَة
أنزلت الْمَائِدَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " آخر سُورَة أنزلت {إِذا جَاءَ نصر
الله وَالْفَتْح} ".
وَمن سُورَة الْأَنْعَام
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَبُو أُميَّة، حَدثنَا أَحْمد بن الْفضل الْحَفرِي،
ثَنَا أَسْبَاط ابْن نصر [الْهَمدَانِي] عَن السّديّ، عَن أبي الكنود، عَن
خباب: " {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم} الْآيَة. قَالَ: جَاءَ
الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ، فوجدوا
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ بِلَال وعمار وصهيب
وخباب بن الْأَرَت فِي أنَاس من
الضُّعَفَاء من الْمُؤمنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ [حوله حَقرُوهُمْ]
فَأتوهُ فَخلوا بِهِ. فَقَالُوا: إِنَّا نحب أَن تجْعَل لنا مِنْك مَجْلِسا
تعرف لنا بِهِ الْعَرَب فضلنَا، وَإِن / وُفُود الْعَرَب تَأْتِيك فنستحي
أَن تَرَانَا قعُودا مَعَ هَذِه الْأَعْبد، فَإِذا نَحن جئْنَاك [فأقمهم]
عَنَّا، فَإِذا نَحن فَرغْنَا فَاقْعُدْ مَعَهم إِن شِئْت. قَالَ: نعم
قَالُوا: فَاكْتُبْ لنا عَلَيْك كتابا. فَدَعَا بالصحيفة ليكتب لَهُم، ودعا
[عليا]- عَلَيْهِ السَّلَام - ليكتب، فَلَمَّا أَرَادَ ذَلِك وَنحن قعُود
فِي نَاحيَة نزل جِبْرِيل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ:
{وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه
مَا عَلَيْك من حسابهم من شَيْء وَمَا من حِسَابك عَلَيْهِم من شَيْء
(4/101)
فَتَطْرُدهُمْ فَتكون من الظَّالِمين} ثمَّ
ذكر الْأَقْرَع وَصَاحبه، فَقَالَ: {وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض
لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ منّ الله عَلَيْهِم من بَيْننَا أَلَيْسَ الله
بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ} ثمَّ ذكر، فَقَالَ: {وَإِذا جَاءَك الَّذين
يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم كتب ربكُم على نَفسه
الرَّحْمَة} فَرمى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بالصحيفة، ودعانا فأتيناه وَهُوَ يَقُول: سَلام عَلَيْكُم. (فدنينا) مِنْهُ
فَوضع ركبنَا على رُكْبَتَيْهِ، فَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يقوم قَامَ
وَتَركنَا، فَأنْزل الله - عز وَجل -: {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ
رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم
تُرِيدُ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} تَقول: نجالس الْأَشْرَاف {وَلَا
تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا وَاتبع هَوَاهُ وَكَانَ أمره فرطا}
أما الَّذِي أغفل قلبه فَهُوَ عُيَيْنَة والأقرع، وَأما فرطا فهلاكا، ثمَّ
ضرب لَهُم مثل رجلَيْنِ وَمثل الْحَيَاة الدُّنْيَا، فَكُنَّا بعد ذَلِك
نقعد مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذا بلغنَا
السَّاعَة الَّتِي كَانَ يقوم فِيهَا قمنا وَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يقوم،
وَإِلَّا صَبر أبدا حَتَّى نقوم ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن
سعد، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " (مَفَاتِيح) الْغَيْب خمس
{إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث} إِلَى آخر السُّورَة ".
(4/102)
قَوْله تَعَالَى: {قل هُوَ الْقَادِر على
أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا} الْآيَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن
دِينَار، سمع جَابِرا يَقُول: " لما نزلت / هَذِه الْآيَة: {قل هُوَ
الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم أَو من تَحت
أَرْجُلكُم} قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أعوذ
بِوَجْهِك. فَلَمَّا نزلت: {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس
بعض} قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هَاتَانِ
أَهْون - أَو هَاتَانِ أيسر ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن خشرم، أبنا عِيسَى بن يُونُس، عَن
الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله قَالَ: " لما
نزلت: {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} شقّ ذَلِك على
الْمُسلمين. قَالُوا: يَا رَسُول الله، وأينا لم يظلم نَفسه؟ قَالَ: لَيْسَ
ذَلِك، إِنَّمَا هُوَ الشّرك؛ ألم تسمع مَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ {يَا
بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد، ثَنَا شُعْبَة.
وحَدثني بشر، ثَنَا مُحَمَّد، عَن شُعْبَة، عَن سُلَيْمَان، عَن
إِبْرَاهِيم، عَن
(4/103)
عَلْقَمَة، عَن عبد الله: " لما نزلت:
{الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَيّنَا لم يظلم؟ ! فَأنْزل الله:
{إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ".
قَوْله تَعَالَى: {يَوْم يَأْتِي بعض آيَات رَبك لَا ينفع نفسا إيمَانهَا}
الْآيَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا عبد الْوَاحِد، ثَنَا
عمَارَة، ثَنَا أَبُو زرْعَة، حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى
تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا، فَإِذا رَآهَا النَّاس آمن من عَلَيْهَا
فَذَلِك حِين {لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل} ".
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، عَن سُفْيَان بن
حُسَيْن، عَن الحكم بن [عتيبة] ، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه،
عَن أبي ذَر قَالَ: " كنت ردف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - على حمَار فَرَأى الشَّمْس حِين غَابَتْ، فَقَالَ: يَا أَبَا
ذَر، تَدْرِي [أَيْن] تغرب هَذِه؟ قَالَ: قلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ:
فَإِنَّهَا تغرب فِي عين حامية تَنْطَلِق تَخِر سَاجِدَة لِرَبِّهَا تَحت
الْعَرْش. فَإِذا حَان خُرُوجهَا أذن لَهَا فَإِذا أَرَادَ / الله أَن
يطْلعهَا من مغْرِبهَا حَبسهَا فَتَقول: يَا رب، سيري بعيد. فَيَقُول:
اطلعِي من حَيْثُ جِئْت. فَذَلِك حِين {لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن
آمَنت من قبل} ".
قَوْله تَعَالَى: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} الْآيَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن عَاصِم
الْأَحول، عَن أبي
(4/104)
عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن أبي ذَر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من صَامَ من
كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام فَذَلِك صِيَام الدَّهْر، فَأنْزل الله تَصْدِيق
ذَلِك فِي كِتَابه: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا}
الْيَوْم بِعشْرَة أَيَّام ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي الزِّنَاد،
عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " قَالَ الله - عز وَجل - وَقَوله الْحق: إِذا هم
عَبدِي بحسنة فاكتبوها لَهُ حَسَنَة، فَإِن عَملهَا فاكتبوها لَهُ بِعشر
أَمْثَالهَا، وَإِذا هم بسيئة فَلَا تكتبوها؛ فَإِن عَملهَا فاكتبوها
بِمِثْلِهَا؛ فَإِن تَركهَا - وَرُبمَا قَالَ: لم يعْمل [بهَا]- فاكتبوها
لَهُ حَسَنَة، ثمَّ قَرَأَ: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا}
".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمن سُورَة الْأَعْرَاف قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زينتكم عِنْد كل
مَسْجِد}
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن نَافِع، ثَنَا غنْدر، ثَنَا شُعْبَة، عَن
سَلمَة بن كهيل، عَن مُسلم البطين، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: " كَانَت الْمَرْأَة تَطوف بِالْبَيْتِ وَهِي عُرْيَانَة فَتَقول:
من يعيرني تطوافا تَجْعَلهُ على فرجهَا، وَتقول:
(4/105)
% (الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله % فَمَا
بدا مِنْهُ فَلَا أحله) % فَنزلت هَذِه الْآيَة {خُذُوا زينتكم عِنْد كل
مَسْجِد} ".
قَوْله تَعَالَى: {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا
وَمَا بطن}
البُخَارِيّ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب، ثَنَا شُعْبَة، عَن عَمْرو بن
مرّة، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله قَالَ - قلت: أَنْت سَمِعت هَذَا من
عبد الله؟ قَالَ: نعم. وَرَفعه - قَالَ: " لَا أحد أغير من الله، فَلذَلِك
حرم الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن، وَلَا أحد أحب إِلَيْهِ
الْمَدْح من الله، فَلذَلِك مدح نَفسه ".
/ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح (نُشرا) بَين يَدي
رَحمته} الْآيَة
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: عَن غنْدر، عَن شُعْبَة، عَن يعلى بن عَطاء، عَن
وَكِيع ابْن عدس، عَن [أبي رزين] قَالَ: " قلت: يَا نَبِي الله، كَيفَ يحيى
الله الْمَوْتَى؟ قَالَ: أما مَرَرْت بالوادي ممحلا، ثمَّ تمر بِهِ خضرًا،
ثمَّ تمر بِهِ ممحلا، ثمَّ تمر
(4/106)
بِهِ خضرًا، كَذَلِك يحيى الله الْمَوْتَى
".
قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاء}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، أبنا سُلَيْمَان بن
حَرْب، ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس " أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ هَذِه الْآيَة: {فَلَمَّا
تجلى ربه للجبل جعله دكاء} . قَالَ حَمَّاد هَكَذَا، وَأمْسك سُلَيْمَان
بِطرف إبهامه على أُنْمُلَة إصبعه الْيُمْنَى قَالَ: فساخ الْجَبَل {وخر
مُوسَى صعقا} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من
حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة.
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذرياتهم}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْأنْصَارِيّ، ثَنَا معن، ثَنَا مَالك، عَن زيد بن
أبي (أنيسَة) عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب، عَن
مُسلم بن يسَار " أَن عمر بن الْخطاب سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {وَإِذ أَخذ
رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم
قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن
هَذَا غافلين} قَالَ عمر بن الْخطاب: سَمِعت رَسُول الله سُئِلَ عَنْهَا
فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن الله -
عز وَجل - خلق آدم، ثمَّ مسح ظَهره بِيَمِينِهِ، فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة.
فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للجنة وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ. ثمَّ مسح
ظَهره فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة فَقَالَ: خلقت هَؤُلَاءِ للنار، وبعمل أهل
النَّار يعْملُونَ. فَقَالَ رجل: يَا رَسُول
(4/107)
الله، فَفِيمَ الْعَمَل؟ قَالَ: فَقَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن الله إِذا خلق
العَبْد للجنة اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة، ثمَّ يَمُوت على عمل من
أَعمال أهل الْجنَّة، [فيدخله الْجنَّة] وَإِذا خلق العَبْد للنار
اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل النَّار؛ حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل
النَّار فيدخله النَّار ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: مُسلم بن يسَار لم يسمع من عمر، وَقد ذكر بَعضهم فِي
الْإِسْنَاد بَين مُسلم وَبَين عمر رجلا.
انْتهى كَلَام أبي عِيسَى.
الرجل الْمَذْكُور بَين مُسلم وَعمر هُوَ نعيم بن ربيعَة ذكر ذَلِك
أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، وَوصل الحَدِيث فَقَالَ: / حَدثنَا أَحْمد بن
شُعَيْب، عَن عَليّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن وهب [بن] أبي كَرِيمَة الْجَزرِي
أَبُو الْمعَافى، حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي، حَدثنَا أَبُو
عبد الرَّحِيم - وَهُوَ خَالِد بن أبي يزِيد - حَدثنِي زيد - يَعْنِي ابْن
أبي أنيسَة - عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُسلم بن يسَار
الْجُهَنِيّ، عَن نعيم بن ربيعَة قَالَ: " كنت عِنْد عمر بن الْخطاب إِذْ
جَاءَهُ رجل فَسَأَلَهُ عَن هَذِه الْآيَة {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من
ظُهُورهمْ ذرياتهم} وَذكر بِنَحْوِ مَا تقدم.
قَالَ أَبُو جَعْفَر: فَجَاز لنا إِدْخَال هَذَا الحَدِيث فِي الْأَحَادِيث
الْمُتَّصِلَة.
وَذكر أَيْضا سَماع مُسلم نعيما فِي هَذَا الحَدِيث فِي طَرِيق أُخْرَى.
قَالَ أَبُو جَعْفَر: وَحدثنَا أَبُو أُميَّة، ثَنَا الْحُسَيْن بن
مُحَمَّد المروروذي، حَدثنَا
(4/108)
جرير بن حَازِم، عَن كُلْثُوم بن جبر، عَن
سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَخذ الله الْمِيثَاق من ظهر آدم - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بنعمان - يَعْنِي عَرَفَة - فَأخْرج من صلبه كل
ذُرِّيَّة ذرأها فنثرهم بَين يَدَيْهِ كالذر ثمَّ كَلمهمْ قبلا فَقَالَ:
{أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة
إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين. أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من
قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ أفتهلكنا بِمَا فعل المبطلون} ".
كُلْثُوم بن [جبر] ثِقَة مَشْهُور.
وَمن سُورَة الْأَنْفَال
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا وهب بن بَقِيَّة، ثَنَا خَالِد، عَن دَاوُد، عَن
عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم بدر: من فعل كَذَا [وَكَذَا] فَلهُ من
النَّفْل كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَتقدم الفتيان، وَلزِمَ المشيخة
الرَّايَات، فَلم [يبرحوها] فَلَمَّا فتح الله عَلَيْهِم قَالَت المشيخة:
كُنَّا ردْءًا لكم لَو انْهَزَمْتُمْ فئتم إِلَيْنَا فَلَا تذْهبُوا
بالمغنم ونبقى. فَأبى الفتيان، وَقَالُوا: جعله رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لنا. فَأنْزل الله - عز وَجل -:
{يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول} إِلَى
قَوْله: {كَمَا أخرجك رَبك من بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِن فريقا من
الْمُؤمنِينَ لكارهون} يَقُول: فَكَانَ ذَلِك خيرا لَهُم، فَكَذَلِك
أَيْضا، فأطيعوني، فَإِنِّي أعلم بعاقبة هَذَا مِنْكُم ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار - وَاللَّفْظ
لِابْنِ الْمثنى -
(4/109)
قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا
شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن مُصعب بن سعد، عَن / أَبِيه قَالَ: " نزلت
فيّ أَربع آيَات، أصبت سَيْفا فَأتي بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، نفلنيه، فَقَالَ: ضَعْهُ.
ثمَّ قَامَ فَقَالَ [لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: ضَعْهُ حَيْثُ أَخَذته. ثمَّ قَالَ فَقَالَ] : يَا رَسُول الله، نفلنيه.
فَقَالَ: ضَعْهُ. ثمَّ قَالَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، نفلنيه، أجعَل كمن
لَا غناء لَهُ؟ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
ضَعْهُ من حَيْثُ أَخَذته قَالَ: فَنزلت: {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل
الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول} ".
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا هناد بن السّري، عَن أبي بكر، عَن عَاصِم، عَن مُصعب
عَن أَبِيه بِمَعْنَاهُ، وَفِي آخِره " فَقَالَ لي النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّك سَأَلتنِي هَذَا السَّيْف، وَلَيْسَ
هُوَ لي وَلَا لَك، وَإِن الله قد جعله لي فَهُوَ لَك. ثمَّ قَرَأَ:
{يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، عَن
إِسْرَائِيل، عَن سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " لما فرغ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من بدر قيل لَهُ:
عَلَيْك العير لَيْسَ دونهَا شَيْء. قَالَ: فناداه الْعَبَّاس وَهُوَ فِي
وثَاقه: لَا يصلح، وَقَالَ: لِأَن الله وَعدك إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ
وَقد أَعْطَاك مَا وَعدك. قَالَ: صدقت ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا [عمر] بن يُونُس اليمامي،
ثَنَا عِكْرِمَة بن عمار، حَدثنَا أَبُو زميل، ثَنَا عبد الله بن عَبَّاس،
حَدثنَا عمر بن
(4/110)
الْخطاب قَالَ: " نظر نَبِي الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْمُشْركين وهم ألف وَأَصْحَابه
ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا، فَاسْتقْبل نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْقبْلَة ثمَّ مد يَدَيْهِ، وَجعل يَهْتِف بربه:
اللَّهُمَّ أنْجز لي مَا وَعَدتنِي [اللَّهُمَّ آتني مَا وَعَدتنِي]
اللَّهُمَّ إِنَّك إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة من أهل الْإِسْلَام لَا
[تعبد] فِي الأَرْض. فَمَا زَالَ يَهْتِف بربه مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبل
الْقبْلَة، حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ من مَنْكِبَيْه فَأَتَاهُ أَبُو بكر فَأخذ
رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ على مَنْكِبَيْه، ثمَّ الْتَزمهُ من وَرَائه،
فَقَالَ: يَا نَبِي الله، كَفاك مُنَاشَدَتك رَبك، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ
لَك مَا وَعدك. فَأنْزل الله - عز وَجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم
فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ}
فَأَمَدَّهُمْ الله بِالْمَلَائِكَةِ ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، لَا نعرفه من حَدِيث عمر إِلَّا من
حَدِيث عِكْرِمَة بن عمار، عَن أبي زميل، وَأَبُو زميل اسْمه: سماك
الْحَنَفِيّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا يَوْم بدر.
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف، ثَنَا وَرْقَاء، عَن [ابْن] أبي
نجيح، عَن مُجَاهِد / عَن ابْن عَبَّاس: " {إِن شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله
الصم الْبكم الَّذين لَا يعْقلُونَ} قَالَ: هم نفر من بني عبد الدَّار ".
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ، حَدثنَا أبي، ثَنَا شُعْبَة، عَن عبد
الحميد صَاحب الزيَادي، سمع أنس بن مَالك يَقُول: " قَالَ أَبُو جهل:
اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من
السَّمَاء اَوْ ائتنا بِعَذَاب أَلِيم. فَنزلت:
(4/111)
{وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم
وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ} الْآيَة: {وَمَا لَهُم أَلا
يعذبهم الله وهم يصدون عَن الْمَسْجِد الْحَرَام} إِلَى آخر الْآيَة ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن
ابْن عَبَّاس: " لما نزلت {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا
مِائَتَيْنِ وَإِن يكن مِنْكُم مائَة} فَكتب عَلَيْهِم أَلا يفر وَاحِد من
عشرَة ".
فَقَالَ سُفْيَان غير مرّة: " أَلا يفر عشرُون من مِائَتَيْنِ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، أَخْبرنِي مُعَاوِيَة بن عَمْرو، عَن
زَائِدَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لم تحل الْغَنَائِم لأحد
سود الرُّءُوس من قبلكُمْ، كَانَت تنزل نَار من السَّمَاء فتأكلها ".
قَالَ سُلَيْمَان الْأَعْمَش: فَمن يَقُول هَذَا إِلَّا أَبُو هُرَيْرَة: "
فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر وَقَعُوا فِي الْغَنَائِم قبل أَن تحل لَهُم،
فَأنْزل الله: {لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أخذتهم عَذَاب عليم}
".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمن سُورَة بَرَاءَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا يحيى بن سعيد وَمُحَمّد بن
جَعْفَر
(4/112)
وَابْن أبي عدي وَسَهل بن يُوسُف، قَالُوا:
ثَنَا عَوْف بن أبي جميلَة، ثَنَا يزِيد الْفَارِسِي، حَدثنَا ابْن عَبَّاس
قَالَ: " قلت لعُثْمَان بن عَفَّان: مَا حملكم أَن عمدتم إِلَى الْأَنْفَال
وَهِي من المثاني، وَإِلَى الْبَرَاءَة وَهِي من المئين فقرنتم بَينهمَا،
وَلم تكْتبُوا بَينهمَا سطر: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم،
وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبع الطول؛ مَا حملكم على ذَلِك؟ فَقَالَ
عُثْمَان: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَان وَهُوَ تنزل عَلَيْهِ (السُّورَة)
ذَوَات الْعدَد، فَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ الشَّيْء دَعَا بعض من كَانَ /
يكْتب فَيَقُول: ضَعُوا هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي السُّورَة الَّتِي يذكر
فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذا نزلت عَلَيْهِ الْآيَة يَقُول: ضَعُوا هَذِه
الْآيَة فِي السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَت
الْأَنْفَال من أَوَائِل مَا أنزلت عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَت
بَرَاءَة من آخر الْقُرْآن، وَكَانَت قصَّتهَا (شَبِيها) بِقِصَّتِهَا،
فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا، فَقبض رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَلم يبين لنا أَنَّهَا مِنْهَا فَمن أجل ذَلِك قرنت
بَينهمَا، وَلم أكتب بَينهمَا سطر: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
فَوَضَعتهَا فِي السَّبع الطول ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عَوْف
عَن يزِيد الْفَارِسِي، وَيزِيد الْفَارِسِي روى عَن ابْن عَبَّاس غير
حَدِيث، وَيُقَال: هُوَ يزِيد بن هُرْمُز.
مُسلم: حَدثنِي عبد الله بن مُطِيع، ثَنَا هشيم، عَن أبي بشر، عَن سعيد
ابْن جُبَير: " قلت لِابْنِ عَبَّاس: سُورَة التَّوْبَة؟ قَالَ: آلتوبة.
قَالَ: بل هِيَ الفاضحة، مَا زَالَت تنزل: وَمِنْهُم وَمِنْهُم. حَتَّى
ظنُّوا أَنه لَا يبْقى منا أحد إِلَّا ذكر فِيهَا. قَالَ:
(4/113)
سُورَة الْأَنْفَال؟ قَالَ: تِلْكَ سُورَة
بدر. قلت: فالحشر؟ قَالَ: نزلت فِي بني النَّضِير ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد، ثَنَا شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق،
سَمِعت الْبَراء يَقُول: " إِن آخر آيَة نزلت: {يستفتونك قل الله يفتيكم
فِي الْكَلَالَة} وَآخر سُورَة نزلت: بَرَاءَة ".
قَوْله تَعَالَى: {وأذان من الله وَرَسُوله}
البُخَارِيّ: حَدثنِي إِسْحَاق، ثَنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أبي،
عَن صَالح، عَن ابْن شهَاب، أَن حميد بن عبد الرَّحْمَن أخبرهُ [أَن أَبَا
هُرَيْرَة أخبرهُ] " أَن أَبَا بكر بَعثه فِي الْحجَّة الَّتِي أمره رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهَا قبل حجَّة
الْوَدَاع فِي رَهْط يُؤذنُونَ فِي النَّاس أَلا يَحُجن بعد الْعَام
مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ".
فَكَانَ حميد يَقُول: يَوْم النَّحْر يَوْم الْحَج الْأَكْبَر من أجل
حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، ثَنَا اللَّيْث، حَدثنِي عقيل،
قَالَ
(4/114)
ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي حميد بن عبد
الرَّحْمَن، أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: " بَعَثَنِي أَبُو بكر فِي تِلْكَ
الْحجَّة فِي المؤذنين، بَعثهمْ يَوْم النَّحْر يُؤذنُونَ بمنى أَلا يحجّ
بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان - قَالَ حميد -: ثمَّ
أرْدف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / بعلي، ثمَّ أمره
أَن يُؤذن بِبَرَاءَة. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَأذن مَعنا عَليّ فِي أهل
منى يَوْم النَّحْر بِبَرَاءَة وَأَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا
يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق،
عَن زيد ابْن يثيع قَالَ: " سَأَلنَا عليا بِأَيّ شَيْء بعثت فِي
[الْحجَّة] قَالَ: بعثت بِأَرْبَع: أَلا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَمن
كَانَ بَينه وَبَين النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عهد
فَهُوَ إِلَى مدَّته، وَمن لم يكن لَهُ عهد فَأَجله أَرْبَعَة أشهر، وَلَا
يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مُؤمنَة، وَلَا يجْتَمع الْمُشْركُونَ والمسلمون
بعد عَامهمْ هَذَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَهُوَ حَدِيث سُفْيَان بن
عُيَيْنَة، عَن أبي إِسْحَاق.
حَدثنَا نصر بن عَليّ وَغير وَاحِد قَالُوا: ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة،
عَن أبي إِسْحَاق، عَن زيد بن يثيع، عَن عَليّ نَحوه.
قَوْله تَعَالَى: {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا زِيَاد بن أَيُّوب الْبَغْدَادِيّ، ثَنَا عَفَّان
بن مُسلم، ثَنَا همام، حَدثنَا ثَابت، عَن أنس أَن أَبَا بكر حدث قَالَ: "
قلت للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَنحن فِي الْغَار:
لَو أَن أحدهم ينظر إِلَى قَدَمَيْهِ [لَأَبْصَرنَا تَحت قَدَمَيْهِ] .
قَالَ: يَا أَبَا بكر، مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، تفرد بِهِ همام.
(4/115)
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد
الله من آمن بِاللَّه} الْآيَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا رشدين بن سعد، عَن عَمْرو بن
الْحَارِث، عَن دراج، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا رَأَيْتُمْ
الرجل [يعْتَاد] الْمَسْجِد فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَان. قَالَ الله -
عز وَجل -: {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم
الآخر} ".
حَدثنَا: ابْن أبي عمر، حَدثنَا عبد الله بن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث
بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحوه إِلَّا أَنه قَالَ: " يتَعَاهَد الْمَسْجِد ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَأَبُو الْهَيْثَم اسْمه
سُلَيْمَان بن عَمْرو العتواري، وَكَانَ يَتِيما فِي حجر أبي سعيد
الْخُدْرِيّ.
قَوْله تَعَالَى: {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} الْآيَة
مُسلم: حَدثنِي الْحسن الْحلْوانِي، ثَنَا أَبُو تَوْبَة، ثَنَا مُعَاوِيَة
بن سَلام، عَن زيد بن سَلام، أَنه سمع أَبَا سَلام / حَدثنِي النُّعْمَان
بن بشير قَالَ: " كنت عِنْد مِنْبَر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ رجل: مَا أُبَالِي أَلا أعمل عملا بعد الْإِسْلَام
إِلَّا أَن أَسْقِي الْحَاج. وَقَالَ الآخر: مَا أُبَالِي أَلا أعمل عملا
بعد الْإِسْلَام إِلَّا أَن أعمر الْمَسْجِد الْحَرَام. وَقَالَ الآخر:
الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أفضل مِمَّا قُلْتُمْ. فزجرهم عمر، وَقَالَ: لَا
تَرفعُوا أَصْوَاتكُم عِنْد مِنْبَر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة فَإِذا صليت الْجُمُعَة دخلت
فاستفتيته فِيمَا اختلفتم فِيهِ. فَأنْزل الله - تَعَالَى -: {أجعلتم
سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه
وَالْيَوْم الآخر} الْآيَة إِلَى آخرهَا ".
(4/116)
قَوْله تَعَالَى: {اتَّخذُوا أَحْبَارهم
وَرُهْبَانهمْ أَرْبَاب من دون الله}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن يزِيد الْكُوفِي، ثَنَا عبد
السَّلَام بن حَرْب، عَن (غُضَيْف) بن أعين، عَن مُصعب بن سعد، عَن عدي بن
حَاتِم قَالَ: " أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِي عنقِي صَلِيب من ذهب فَقَالَ: يَا عدي، اطرَح عَنْك هَذَا الوثن!
وسمعته يقْرَأ فِي سُورَة بَرَاءَة: {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ
أَرْبَابًا من دون الله} قَالَ: أما إِنَّهُم لم يَكُونُوا
يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكنهُمْ كَانُوا إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا
اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذا حرمُوا عَلَيْهِم [شَيْئا] حرمُوهُ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عبد
السَّلَام بن حَرْب، و (غطيف) بن أعين لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي الحَدِيث.
قَوْله تَعَالَى: {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا}
البُخَارِيّ: حَدثنِي عبد الله بن عبد الْوَهَّاب، ثَنَا حَمَّاد بن زيد،
عَن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد، عَن [ابْن] أبي بكرَة، عَن أَبِيه، عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الزَّمَان
اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض، السّنة اثْنَا
عشر شهرا، مِنْهَا أَرْبَعَة حرم، ثَلَاث مُتَوَالِيَات: ذُو الْقعدَة،
وَذُو الْحجَّة، وَالْمحرم، وَرَجَب مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان
".
(4/117)
قَوْله تَعَالَى: {الَّذين يَلْمِزُونَ
الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ}
البُخَارِيّ: حَدثنَا بشر بن خَالِد أَبُو مُحَمَّد، ثَنَا مُحَمَّد بن
جَعْفَر، عَن شُعْبَة، عَن سُلَيْمَان، عَن أبي وَائِل، عَن أبي مَسْعُود
قَالَ: " لما أمرنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نتحامل، فجَاء أَبُو عقيل بِنصْف
[صَاع] وَجَاء إِنْسَان بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ المُنَافِقُونَ: إِن
الله لَغَنِيّ عَن صَدَقَة هَذَا، وَمَا فعل هَذَا الآخر إِلَّا رِيَاء /
فَنزلت {الَّذِي يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات
... وَالَّذين لَا يَجدونَ الا جهدهمْ} الْآيَة ".
قَوْله تَعَالَى: {اسْتغْفر لَهُم} الْآيَة
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، ثَنَا عبيد
الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: " لما توفّي عبد الله بن أبي جَاءَ
ابْنه عبد الله بن عبد الله إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه يُكفن [فِيهِ] أَبَاهُ،
فَأعْطَاهُ ثمَّ سَأَلَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَامَ عمر
فَأخذ بِثَوْب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَقَالَ: يَا رَسُول الله، تصلي عَلَيْهِ وَقد نهاك الله أَن تصلي
عَلَيْهِ؟ ! فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِنَّمَا خيرني الله، فَقَالَ: {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن
تستغفر لَهُم سبعين مرّة} وسأزيد على السّبْعين. فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق.
قَالَ: فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: فَأنْزل الله - عز وَجل -: {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا
وَلَا تقم على قَبره} ".
حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَعبيد الله بن سعيد قَالَا: ثَنَا يحيى -
وَهُوَ الْقطَّان -
(4/118)
عَن عبيد الله بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحوه،
وَزَاد، قَالَ: " فَترك الصَّلَاة عَلَيْهِم ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا يحيى بن بكير، ثَنَا اللَّيْث، عَن عقيل. وَقَالَ
غَيره: حَدثنِي اللَّيْث، حَدثنِي عقيل، عَن ابْن شهَاب، أَخْبرنِي عبيد
الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ: " لما
مَاتَ عبد الله بن أبي بن سلول دعِي لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَثَبت إِلَيْهِ. فَقلت: يَا رَسُول
الله، أَتُصَلِّي على ابْن أبي وَقد قَالَ يَوْم كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ أعد
عَلَيْهِ قَوْله. قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ: أخر عني يَا عمر. فَلَمَّا أكثرت عَلَيْهِ
قَالَ: إِنِّي خيرت فاخترت (إِن) أعلم أَنِّي [إِن] زِدْت على السّبْعين
فغفر لَهُ لزدت عَلَيْهَا. قَالَ: فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ انْصَرف فَلم يمْكث يَسِيرا حَتَّى
نزلت الْآيَتَانِ من بَرَاءَة {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا}
إِلَى {وهم فَاسِقُونَ} قَالَ عمر: فعجبت بعد من جرأتي على النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَالله وَرَسُوله أعلم ".
زَاد التِّرْمِذِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " وَمَشى / مَعَه فَقَامَ على
قَبره حَتَّى فرغ مِنْهُ " وَرَوَاهُ عَن عبد بن حميد، عَن يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن
الزُّهْرِيّ، بِهَذَا الْإِسْنَاد.
(4/119)
قَوْله تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا
بِذُنُوبِهِمْ}
البُخَارِيّ: حَدثنِي مُؤَمل [ثَنَا] إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا
عَوْف، ثَنَا أَبُو رَجَاء، ثَنَا سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لنا: " أَتَانِي اللَّيْلَة
آتيان [فابتعثاني] فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَة مَبْنِيَّة بِلَبن ذهب
وَلبن فضَّة، فتلقانا رجال شطر من خلقهمْ كأحسن مَا أَنْت (رائي) وَشطر
كأقبح من أَنْت (رائي) . قَالَا لَهُم: اذْهَبُوا فقعوا فِي ذَلِك النَّهر.
فوقعوا فِيهِ ثمَّ رجعُوا إِلَيْنَا قد ذهب ذَلِك السوء عَنْهُم فصاروا فِي
أحسن صُورَة. قَالَا لي: هَذِه جنَّة عدن، وَهَذَا مَنْزِلك. قَالَا: أما
الْقَوْم [الَّذين] كَانُوا شطر مِنْهُم حسن وَشطر مِنْهُم قَبِيح
فَإِنَّهُم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا تجَاوز [الله] عَنْهُم ".
قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا
للْمُشْرِكين}
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أخبرنَا عبد الرَّزَّاق،
ثَنَا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه قَالَ: "
لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة، دخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَعِنْده أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة فَقَالَ
النَّبِي: أَي عَم، قل لَا إِلَه إِلَّا الله أُحَاج لَك بهَا عِنْد الله.
فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة: يَا أَبَا طَالب، ترغب عَن
مِلَّة عبد الْمطلب؟ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -: لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أَنه عَنْك. فَنزلت: {مَا كَانَ للنَّبِي
وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة ".
(4/120)
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن
غيلَان، ثَنَا وَكِيع، حَدثنَا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق [عَن] أبي
الْخَلِيل الْكُوفِي، عَن عَليّ قَالَ: " سَمِعت رجلا يسْتَغْفر
لِأَبَوَيْهِ وهما مُشْرِكَانِ. فَقلت لَهُ: أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْك
وهما مُشْرِكَانِ؟ ! فَقَالَ: أَو لَيْسَ اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ
وَهُوَ مُشْرك؟ فَذكرت ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - فَنزلت: {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا
للْمُشْرِكين} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَفِي الْبَاب عَن سعيد بن الْمسيب،
عَن / أَبِيه.
قَوْله تَعَالَى: {لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار}
إِلَى قَوْله: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذِي خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ
عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ}
مُسلم: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن عَمْرو بن سرح مولى بني أُميَّة،
أَخْبرنِي ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب قَالَ: " ثمَّ غزا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزْوَة تَبُوك،
وَهُوَ يُرِيد الرّوم ونصارى الْعَرَب بِالشَّام ".
قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن
مَالك [أَن]
(4/121)
عبد الله بن كَعْب - وَكَانَ قَائِد كَعْب
من بنيه حِين عمي - قَالَ: سَمِعت كَعْب بن مَالك يحدث حَدِيثه حِين تخلف
عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة
تَبُوك. قَالَ كَعْب ابْن مَالك: " لم أَتَخَلَّف عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة غَزَاهَا قطّ إِلَّا غَزْوَة
تَبُوك، غير أَنِّي قد تخلفت فِي غَزْوَة بدر، وَلم يُعَاتب أحدا تخلف
عَنهُ، إِنَّمَا خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
والمسلمون يُرِيدُونَ عير قُرَيْش، حَتَّى جمع الله بَينهم وَبَين عدوهم
على غير ميعاد، وَلَقَد شهِدت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْعقبَة حِين تواثقنا على الْإِسْلَام وَمَا أحب أَن
لي بهَا مشْهد بدر [وَإِن كَانَت بدر] أذكر فِي النَّاس مِنْهَا. وَكَانَ
من خبري حَيّ تخلفت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فِي غَزْوَة تَبُوك أَنِّي لم أكن قطّ أقوى وَلَا أيسر مني حِين تخلفت
عَنهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَة. وَالله مَا جمعت قبلهَا راحلتين قطّ حَتَّى
جمعتهما فِي تِلْكَ الْغَزْوَة، فَغَزَاهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حر شَدِيد واستقبل سفرا بَعيدا وَمَفَازًا،
واستقبل عدوا كَبِيرا، فَجلى الْمُسلمين أَمرهم لِيَتَأَهَّبُوا أهبة
(عدوهم) فَأخْبرهُم بوجههم الَّذِي يُرِيد والمسلمون مَعَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كثير، وَلَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ -
يُرِيد بذلك الدِّيوَان - قَالَ كَعْب: فَقل رجل يُرِيد أَن يتغيب يظنّ أَن
ذَلِك سيخفى لَهُ مَا لم ينزل فِيهِ وَحي من الله - عز وَجل - وغزا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تِلْكَ الْغَزْوَة حِين طابت
الثِّمَار والظلال، فَأَنا إِلَيْهَا أصعر، فتجهز رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والمسلمون مَعَه، وطفقت أغدو لكَي أتجهز
مَعَهم فأرجع وَلم أقض شَيْئا فَأَقُول فِي نَفسِي: أَنا قَادر على ذَلِك
إِذا أردْت، فَلم يزل ذَلِك / يتمادى بِي حَتَّى اسْتمرّ بِالنَّاسِ الْجد،
فَأصْبح رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غاديا
والمسلمون مَعَه وَلم أقض من جهازي شَيْئا، ثمَّ غَدَوْت فَرَجَعت وَلم أقض
شَيْئا، فَلم يزل ذَلِك يتمادى بِي حَتَّى أَسْرعُوا وتفارط الْغَزْو،
فهممت أَن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت، ثمَّ لم يقدر ذَلِك لي، فطفقت إِذا
خرجت فِي النَّاس بعد خُرُوج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يحزنني أَنِّي لَا أرى لي أُسْوَة إِلَّا رجلا مغموصا
عَلَيْهِ فِي النِّفَاق أَو رجلا مِمَّن عذر الله من الضُّعَفَاء، وَلم
يذكرنِي [رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] حَتَّى بلغ
تَبُوك فَقَالَ وَهُوَ جَالس فِي الْقَوْم بتبوك: مَا
(4/122)
فعل كَعْب بن مَالك؟ قَالَ رجل: من بني
سَلمَة: يَا رَسُول الله، حَبسه برْدَاهُ وَالنَّظَر [فِي] عطفيه. فَقَالَ
لَهُ معَاذ بن جبل: بئس مَا قلت، وَالله يَا رَسُول الله مَا علمنَا
عَلَيْهِ إِلَّا خيرا. فَسكت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَبينا هُوَ على ذَلِك رأى رجلا مبيضا يَزُول بِهِ السراب،
فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كن أَبَا
خَيْثَمَة. فَإِذا أَبُو خَيْثَمَة الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ الَّذِي تصدق
بِصَاع التَّمْر حِين لمزه المُنَافِقُونَ. قَالَ كَعْب بن مَالك: فَلَمَّا
بَلغنِي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد توجه
قَافِلًا من تَبُوك حضرني بثي، فطفقت أَتَذكر الْكَذِب، فَأَقُول [بِمَ]
أخرج من سخطته غَدا؟ وأستعين على ذَلِك [كل] ذِي رَأْي من أَهلِي، فَلَمَّا
قيل: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد أظل قادما
زاح عني الْبَاطِل حَتَّى عرفت أَنِّي لن أنجو مِنْهُ بِشَيْء أبدا، فأجمعت
صدقه، وَأصْبح رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قادما
وَكَانَ إِذا قدم من سفر بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ
رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ جلس للنَّاس، فَلَمَّا فعل ذَلِك جَاءَهُ الْمُخَلفُونَ
فطفقوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ ويحلفون لَهُ، وَكَانُوا بضعَة و
[ثَمَانِينَ] رجلا، فَقبل مِنْهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لَهُم، ووكل سرائرهم إِلَى الله -
تَعَالَى - حَتَّى جِئْت، فَلَمَّا سلمت تَبَسم تَبَسم الْمُغْضب، ثمَّ
قَالَ: تعال. فَجئْت أَمْشِي، حَتَّى جَلَست بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ لي:
مَا خَلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي
وَالله لَو جَلَست عِنْد غَيْرك من أهل الدُّنْيَا لرأيت أَنِّي سأخرج من
سخطه بِعُذْر، لقد أَعْطَيْت جدلا، وَلَكِنِّي وَالله لقد علمت لَئِن حدثتك
الْيَوْم بِحَدِيث كذب ترْضى بِهِ عني ليوشكن الله أَن يسخطك عَليّ،
وَلَئِن حدثتك حَدِيث صدق تَجِد عَليّ فِيهِ / إِنِّي لأرجو فِيهِ عُقبى
الله، وَالله مَا كَانَ لي عذر، وَالله مَا كنت قطّ أقوى وَلَا أيسر مني
حِين تخلفت عَنْك. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: أما هَذَا فقد صدق فَقُمْ حَتَّى يقْضِي الله فِيك. فَقُمْت وثار رجال
من بني سَلمَة فَاتبعُوني فَقَالُوا لي: وَالله مَا علمناك أذنبت ذَنبا قبل
هَذَا، لقد عجزت فِي أَن لَا تكون اعتذرت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَا اعتذر إِلَيْهِ الْمُخَلفُونَ، فقد
كَانَ كافيك
(4/123)
ذَنْبك اسْتِغْفَار رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَك. قَالَ: فوَاللَّه مَا زَالُوا
(يؤنبوني) حَتَّى أردْت أَن أرجع إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأكذب نَفسِي. قَالَ: ثمَّ قلت لَهُم: هَل لَقِي
هَذَا معي من أحد؟ قَالُوا: نعم، لقِيه مَعَك رجلَانِ، قَالَا مثل مَا قلت
[فَقيل لَهما مثل مَا قيل] لَك. قَالَ: قلت: من هما؟ قَالُوا: مرَارَة بن
ربيعَة العامري، وهلال بن أُميَّة الوَاقِفِي. قَالَ: فَذكرُوا لي رجلَيْنِ
صالحين قد شَهدا [بَدْرًا] فيهمَا أُسْوَة. قَالَ: فمضيت حِين ذكروهما لي
قَالَ: فَنهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْمُسلمين عَن كلامنا أَيهَا الثَّلَاثَة من بَين من تخلف عَنهُ. قَالَ:
فَاجْتَنَبَنَا النَّاس. قَالَ: وتغيروا لنا حَتَّى تنكرت لي فِي نَفسِي
الأَرْض، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أعرف، فلبثنا على ذَلِك خمسين
لَيْلَة، فَأَما صَاحِبَايَ فاستكانا وقعدا فِي بيوتهما، وَأما أَنا فَكنت
أثبت الْقَوْم وأجلدهم، فَكنت أخرج فَأشْهد الصَّلَاة، وأطوف فِي
الْأَسْوَاق، وَلَا يكلمني أحد، وَآتِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأسلم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسه بعد الصَّلَاة،
فَأَقُول فِي نَفسِي هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام أم لَا، ثمَّ
أُصَلِّي قَرِيبا مِنْهُ وأسارقه النّظر، فَإِذا أَقبلت على صَلَاتي نظر
إِلَيّ وَإِذا الْتفت نَحوه أعرض عني، حَتَّى إِذا طَال عَليّ ذَلِك من
جفوة الْمُسلمين مشيت حَتَّى تسورت جِدَار حَائِط أبي قَتَادَة، وَهُوَ
ابْن عمي وَأحب النَّاس إِلَيّ فَسلمت عَلَيْهِ، فوَاللَّه مَا رد عَليّ
السَّلَام، فَقلت لَهُ: يَا [أَبَا] قَتَادَة أنْشدك بِاللَّه، هَل تعلمني
أحب الله وَرَسُوله؟ قَالَ: فَسكت. قَالَ: فعدت فَأَنْشَدته الله فَسكت،
فعدت فَأَنْشَدته فَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ،
وتوليت حَتَّى تسورت الْجِدَار، فَبينا أَنا أَمْشِي فِي سوق الْمَدِينَة
إِذْ نبطي من نبط أهل الشَّام مِمَّن قدم بِالطَّعَامِ يَبِيعهُ
بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من يدل / على كَعْب بن مَالك؟ قَالَ: فَطَفِقَ
النَّاس يشيرون (إِلَيْهِ) حَتَّى جَاءَنِي فَدفع إِلَيّ كتابا من ملك
غَسَّان وَكنت كَاتبا فَقَرَأته فَإِذا فِيهِ: أما بعد فَإِنَّهُ بلغنَا
أَن صَاحبك قد جفاك، وَلم يجعلك الله بدار هوان
(4/124)
وَلَا مضيعة، فَالْحق بِنَا نواسك. قَالَ:
فَقلت حِين قرأتها: وَهَذِه أَيْضا من الْبلَاء فتياممت بهَا التَّنور
فسجرتها بِهِ، حَتَّى إِذا مَضَت أَرْبَعُونَ لَيْلَة من الْخمسين فاستلبث
الْوَحْي إِذا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يأتيني
فَقَالَ: رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْمُرك أَن
تَعْتَزِل امْرَأَتك. قَالَ: فَقلت: أطلقها أم مَاذَا؟ قَالَ: لَا بل
اعتزلها فَلَا تقربنها. قَالَ: فَأرْسل إِلَى صَاحِبي بِمثل ذَلِك. قَالَ:
فَقلت لأهلي: الحقي بأهلك فكوني عِنْدهم حَتَّى يقْضِي الله فِي هَذَا
الْأَمر. قَالَ: فَجَاءَت امْرَأَة هِلَال بن أُميَّة رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن هِلَال بن
أُميَّة شيخ ضائع لَيْسَ لَهُ خَادِم، فَهَل تكره أَن أخدمه؟ قَالَ: لَا
وَلَكِن لَا يقربنك. قَالَت: وَالله مَا بِهِ حَرَكَة إِلَى شَيْء،
وَوَاللَّه مَا زَالَ يبكي مُنْذُ كَانَ من أمره مَا كَانَ إِلَى يَوْمه
هَذَا. قَالَ: فَقَالَ لي بعض أَهلِي: لَو اسْتَأْذَنت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي امْرَأَتك، فقد أذن لامْرَأَة
هِلَال بن أُميَّة أَن تخدمه. قَالَ: فَقلت: لَا اسْتَأْذن فِيهَا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمَا يدريني مَاذَا يَقُول
رَسُول الله إِذا استأذنته فِيهَا، فَأَنا رجل شَاب. قَالَ: فَلَبثت بذلك
عشر لَيَال فكمل لنا [خَمْسُونَ] لَيْلَة من حِين نهى عَن كلامنا. قَالَ:
فَصليت صَلَاة الْفجْر صباح خمسين لَيْلَة على ظهر بَيت من بُيُوتنَا،
فَبينا أَنا على الْحَال الَّتِي ذكر الله ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي وَضَاقَتْ
عَليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ، سَمِعت صَوت صارخ أوفى على سلع يَقُول
بِأَعْلَى صَوته: يَا كَعْب بن مَالك، أبشر. قَالَ: فَخَرَرْت سَاجِدا،
وَعرفت أَن قد جَاءَ فرج، فآذن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - النَّاس بتوبة الله علينا حِين صلى صَلَاة الْفجْر فَذهب
النَّاس يبشروننا، فَذهب قبل صَاحِبي مبشرون، وركض رجل إِلَيّ فرسا، وسعى
ساع من أسلم قبلي، وأوفى الْجَبَل، فَكَانَ الصَّوْت أسْرع من الْفرس،
فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعت صَوته يبشرني نزعت لَهُ ثوبي فكسوتهما
إِيَّاه ببشارته، وَالله مَا أملك غَيرهمَا يَوْمئِذٍ، واستعرت ثَوْبَيْنِ
فلبستهما / فَانْطَلَقت أتأمم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - (فلقاني) النَّاس فوجا فوجا يهنئوني، وَيَقُولُونَ: لتهئنك
تَوْبَة الله عَلَيْك، حَتَّى دخلت الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَالس فِي الْمَسْجِد، وَحَوله النَّاس،
فَقَامَ طَلْحَة بن عبيد الله يُهَرْوِل حَتَّى
(4/125)
صَافَحَنِي وَهَنأَنِي، وَالله مَا قَامَ
رجل من الْمُهَاجِرين غَيره. قَالَ: فَكَانَ كَعْب لَا ينساها لطلْحَة.
قَالَ كَعْب: فَلَمَّا سلمت على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -، قَالَ وَهُوَ يَبْرق وَجهه من السرُور وَيَقُول: أبشر بِخَير
يَوْم مر عَلَيْك مُنْذُ وَلدتك أمك. قَالَ: فَقلت: أَمن عنْدك يَا رَسُول
الله أم من عِنْد الله؟ فَقَالَ: لَا بل من عِنْد الله. وَكَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا سر استنار وَجهه حَتَّى
كَأَن وَجهه قِطْعَة قمر. قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِك. فَلَمَّا جَلَست
بَين يَدَيْهِ قلت: يَا رَسُول الله، إِن من تَوْبَتِي أَن أَنْخَلِع من
مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أمسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك.
قَالَ: فَقلت: فَإِنِّي أمسك سهمي الَّذِي بِخَيْبَر. قَالَ: قلت: يَا
رَسُول الله، إِن الله إِنَّمَا أنجاني بِالصّدقِ، وَإِن من تَوْبَتِي أَلا
أحدث إِلَّا صدقا مَا بقيت. قَالَ: فوَاللَّه مَا علمت أَن أحدا من
الْمُسلمين أبلاه الله فِي صدق الحَدِيث مُنْذُ ذكرت ذَلِك لرَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أحسن مِمَّا أبلاني، وَالله مَا
تَعَمّدت كذبة مُنْذُ قلت ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِلَى يومي هَذَا، وَإِنِّي لأرجو أَن يحفظني الله فِيمَا
بَقِي. قَالَ: فَأنْزل الله - عز وَجل -: {لقد تَابَ الله على النَّبِي
والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} حَتَّى
{إِنَّه بهم رءوف رَحِيم. وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا
ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أنفسهم}
حَتَّى بلغ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} . قَالَ كَعْب: وَالله مَا أنعم
الله عَليّ من نعْمَة قطّ بعد إِذْ هَدَانِي الله لِلْإِسْلَامِ أعظم فِي
نَفسِي من صدق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَلا
أكون كَذبته فَأهْلك كَمَا هلك الَّذين كذبُوا، إِن الله قَالَ للَّذين
كذبُوا حِين أنزل الْوَحْي شَرّ مَا قَالَ لأحد قَالَ: {سيحلفون بِاللَّه
لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم
رِجْس ومأواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. يحلفُونَ لكم
لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم
الْفَاسِقين} / قَالَ كَعْب: كُنَّا خلفنا أَيهَا الثَّلَاثَة عَن أَمر
أُولَئِكَ الَّذين قبل مِنْهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - حِين حلفوا لَهُ فبايعهم واستغفر لَهُم، وأرجأ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمرنَا حَتَّى قضى الله فِيهِ بذلك،
قَالَ الله - عز وَجل -: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} وَلَيْسَ
الَّذِي ذكر الله مِمَّا خلفنا تخلفنا عَن
(4/126)
الْغَزْو، وَإِنَّمَا تخليفه إيانا وإرجاؤه
أمرنَا عَمَّن حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ ".
زَاد البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث من قيل كَعْب من قصَّته: " وَمَا من
شَيْء أهم إِلَيّ من أَن أَمُوت فَلَا يُصَلِّي عَليّ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو يَمُوت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَكُون من النَّاس بِتِلْكَ الْمنزلَة فَلَا
يكلمني أحد مِنْهُم، وَلَا يُصَلِّي عَليّ، فَأنْزل الله - عز وَجل -
تَوْبَتنَا على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين بَقِي
الثُّلُث الآخر من اللَّيْل وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عِنْد أم سَلمَة، وَكَانَت أم سَلمَة محسنة فِي شأني (معنية)
فِي أَمْرِي، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
يَا أم سَلمَة، تيب على كَعْب بن مَالك. قَالَت: أَفلا أرسل إِلَيْهِ
فأبشره؟ قَالَ: إِذا [يحطمكم] النَّاس [فيمنعونكم] النّوم سَائِر اللَّيْل،
حَتَّى إِذا صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
صَلَاة الْفجْر آذن بتوبة الله علينا ".
رَوَاهُ عَن مُحَمَّد، عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب، عَن مُوسَى بن أعين، عَن
إِسْحَاق بن رَاشد، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن
عبد الله بن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت كَعْب بن مَالك.
وَحَدِيث مُسلم أوعب وَأتم من حَدِيث البُخَارِيّ هَذَا.
وَمن سُورَة يُونُس
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي،
ثَنَا حَمَّاد ابْن سَلمَة، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن
أبي ليلى، عَن صُهَيْب،
(4/127)
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " فِي قَول الله - عز وَجل -: {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى
وَزِيَادَة} قَالَ: إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة نَادَى مُنَاد: إِن لكم
عِنْد الله موعدا يُرِيد أَن ينجزكموه. قَالُوا: ألم تبيض وُجُوهنَا،
وتنجنا من النَّار، وتدخلنا الْجنَّة. قَالَ: فَيكْشف الْحجاب قَالَ:
فوَاللَّه مَا أَعْطَاهُم الله شَيْئا أحب إِلَيْهِم من النّظر إِلَيْهِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة هَكَذَا روى غير وَاحِد عَن
حَمَّاد بن سَلمَة مَرْفُوعا.
وروى سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة هَذَا الحَدِيث عَن ثَابت، عَن عبد
الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَوْله. وَلم يذكر فِيهِ عَن صُهَيْب عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. انْتهى كَلَام / أبي عسيى.
روى هَذَا الحَدِيث أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة،
بِإِسْنَاد التِّرْمِذِيّ. وَقَالَ بعد قَوْله: " وأدخلنا الْجنَّة.
فَيُقَال لَهُم ذَلِك ثَلَاثًا، فيتجلى لَهُم رَبهم - تبَارك وَتَعَالَى -
فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا
خَالِد بن الْحَارِث، أبنا شُعْبَة، أَخْبرنِي عدي بن ثَابت وَعَطَاء بن
السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس. ذكر أَحدهمَا عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه ذكر " أَن جِبْرِيل
جعل يدس فِي فيّ فِرْعَوْن الطين، خشيَة أَن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا
الله. فيرحمه الله، أَو خشيَة أَن يرحمه الله ".
(4/128)
وَمن سُورَة هود
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أبنا
حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يعلى بن عَطاء، عَن وَكِيع بن حدس، عَن عَمه أبي
رزين قَالَ: " قلت: يَا رَسُول الله، أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق
خلقه؟ قَالَ: كَانَ فِي عماء، مَا تَحْتَهُ هَوَاء، وَمَا فَوْقه هَوَاء،
وَخلق عَرْشه على المَاء ".
قَالَ أَحْمد بن منيع: قَالَ يزِيد بن هَارُون: " [العماء] أَي لَيْسَ
مَعَه شَيْء.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَكَذَا روى حَمَّاد بن سَلمَة: وَكِيع بن حدس،
وَيَقُول شُعْبَة وَأَبُو عوَانَة وهشيم: وَكِيع بن عدس. وَهُوَ أصح،
وَأَبُو رزين: لَقِيط بن عَامر. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن.
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، أخبرنَا شُعَيْب، أبنا أَبُو
الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قَالَ الله - عز وَجل -: أنْفق
أُنفق عَلَيْك. وَقَالَ: يَد الله ملأى لَا يغضيها نَفَقَة، سحاء
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار. وَقَالَ: أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق
السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَإِنَّهُ لم يغض مَا فِي يَده، وَكَانَ عَرْشه
على المَاء وَبِيَدِهِ الْمِيزَان [يخْفض] وَيرْفَع ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا بنْدَار، ثَنَا أَبُو عَامر الْعَقدي، ثَنَا
سُلَيْمَان بن سُفْيَان، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر، عَن عمر
بن الْخطاب قَالَ: " لما نزلت هَذِه الْآيَة: {فَمنهمْ شقي وَسَعِيد}
سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت: يَا
نَبِي الله، فعلام نعمل؟ على شَيْء قد فرغ مِنْهُ، أَو على شَيْء لم يفرغ
مِنْهُ؟ قَالَ: بل على شَيْء قد فرغ مِنْهُ، وَجَرت بِهِ الأقلام يَا عمر،
وَلَكِن كل ميسر لما خلق لَهُ ".
(4/129)
هَذَا / حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا
الْوَجْه لَا نعرفه إِلَّا [من] حَدِيث عبد الْملك بن عَمْرو.
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، وَأَبُو كَامِل فُضَيْل بن حُسَيْن
الجحدري، كِلَاهُمَا عَن يزِيد بن زُرَيْع - وَاللَّفْظ لأبي كَامِل
حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع - حَدثنَا التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان [عَن
عبد الله بن مَسْعُود] " أَن رجلا أصَاب من امْرَأَة قبْلَة فَأتى النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر ذَلِك لَهُ قَالَ: فَنزلت:
{أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات
يذْهبن السَّيِّئَات ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} قَالَ: فَقَالَ الرجل:
أَلِي هَذِه يَا رَسُول الله؟ قَالَ: لمن عمل بهَا من أمتِي ".
حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، ثَنَا جرير، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ
بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: " أصَاب [رجل] من امْرَأَة شَيْئا دون
الْفَاحِشَة، فَأتى عمر بن الْخطاب فَعظم عَلَيْهِ، ثمَّ أَتَى أَبَا بكر
فَعظم عَلَيْهِ، ثمَّ أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- " [فَذكر] بِمثل حَدِيث يزِيد والمعتمر.
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى وقتيبة وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة - وَاللَّفْظ
ليحيى - قَالَ يحيى: أبنا. وَقَالَ الْآخرَانِ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَص،
عَن سماك، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة وَالْأسود، عَن عبد الله قَالَ:
" جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(4/130)
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي عَالَجت
امْرَأَة فِي أقْصَى الْمَدِينَة، وَإِنِّي أصبت مِنْهَا مَا دون أَن
أَمسهَا، فَأَنا هَذَا [فَاقْض] فيّ مَا شِئْت. فَقَالَ عمر: لقد سترك
الله، لَو سترت على نَفسك. قَالَ: فَلم يرد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَيْئا فَقَامَ الرجل [فَانْطَلق] فَأتبعهُ النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا دَعَاهُ فَتلا عَلَيْهِ هَذِه
الْآيَة: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} فَقَالَ
رجل من الْقَوْم: يَا نَبِي الله، هَذِه لَهُ خَاصَّة؟ قَالَ: بل للنَّاس
كَافَّة ".
الْبَزَّار: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى وَمُحَمّد بن عُثْمَان بن كَرَامَة،
قَالَا: ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى، ثَنَا سُفْيَان [بن] عُيَيْنَة، عَن
الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله، عَن ابْن عَبَّاس " أَن رجلا من أَصْحَاب
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يحب امْرَأَة
فَاسْتَأْذن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَاجَة
لَهُ فَأذن لَهُ، فَانْطَلق فِي يَوْم مطير، فَإِذا هُوَ بِالْمَرْأَةِ على
غَدِير مَاء تَغْتَسِل، فَلَمَّا جلس مِنْهَا مجْلِس الرجل من الْمَرْأَة
ذهب يُحَرك ذكره، فَإِذا هُوَ كَأَنَّهُ هدبة، فَقَامَ فَأتى النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ لَهُ
النَّبِي: صل أَربع رَكْعَات. فَأنْزل الله - عز وَجل -: {وأقم الصَّلَاة
طرفِي النَّهَار / وَزلفًا من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن
السَّيِّئَات} الْآيَة ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا عَن ابْن
عَبَّاس، وَلَا نعلم روى هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عُيَيْنَة إِلَّا عبيد
الله.
مُسلم: حَدثنَا نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي وَزُهَيْر بن حَرْب - وَاللَّفْظ
لزهير - قَالَا: ثَنَا عمر بن يُونُس، ثَنَا عِكْرِمَة [بن] عمار، ثَنَا
شَدَّاد، ثَنَا أَبُو أُمَامَة قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمَسْجِد وَنحن قعُود مَعَه إِذْ
جَاءَهُ رجل فَقَالَ:
(4/131)
يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبت حدا فأقمه
عَليّ. قَالَ: فَسكت عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - ثمَّ أعَاد فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبت حدا فأقمه عَليّ.
وَقَالَ ثَالِثَة، فأقيمت الصَّلَاة، فَلَمَّا انْصَرف نَبِي الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ أَبُو أُمَامَة: وَاتبع الرجل رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَاتَّبَعت رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنظر مَا يرد على الرجل، فلحق الرجل
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول
الله، إِنِّي أصبت حدا فأقمه. فَقَالَ أَبُو أُمَامَة: فَقَالَ لَهُ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَرَأَيْت حِين خرجت من
بَيْتك أَلَيْسَ قد تَوَضَّأت فأحسنت الْوضُوء؟ قَالَ: بلَى يَا رَسُول
الله. قَالَ: ثمَّ شهِدت الصَّلَاة مَعنا؟ قَالَ: نعم يَا رَسُول الله.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
إِن الله قد غفر لَك حدك - أَو قَالَ: ذَنْبك ".
وَمن سُورَة يُوسُف
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن
سعد، عَن صَالح، عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير: " عَن
عَائِشَة قَالَت [لَهُ] وَهُوَ يسْأَلهَا عَن قَول الله - عز وَجل -
{حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} قَالَ: قلت: أكذِبوا أم كذّبوا؟ قَالَت
عَائِشَة: كذّبوا. قلت: فقد استيقنوا أَن قَومهمْ كذبوهم، فَمَا هُوَ
بِالظَّنِّ. قَالَت: أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك. فَقلت لَهَا: {وظنوا
أَنهم قد كذبُوا} قَالَت: معَاذ الله لم تكن الرُّسُل تظن ذَلِك بربها.
قلت: فَمَا هَذِه الْآيَة؟ قَالَت: هم أَتبَاع الرُّسُل الَّذين آمنُوا
برَبهمْ وصدقوهم، وَطَالَ عَلَيْهِم الْبلَاء، واستأخر عَنْهُم النَّصْر،
حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل مِمَّن كذبهمْ من قَومهمْ، وظنت الرُّسُل أَن
أتباعهم قد كذبوهم جَاءَ نصر الله عِنْد ذَلِك ".
وَمن سُورَة الرَّعْد
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عبد / الرَّحْمَن، ثَنَا أَبُو نعيم،
عَن عبد الله
(4/132)
ابْن الْوَلِيد - وَكَانَ يكون فِي بني عجل
- عَن بكير بن شهَاب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "
أَقبلت يهود إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم، أخبرنَا عَن الرَّعْد مَا هُوَ؟ قَالَ:
ملك من الْمَلَائِكَة مُوكل بالسحاب مَعَه مخاريق من نَار يَسُوق بهَا
السَّحَاب حَيْثُ شَاءَ الله. قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْت الَّذِي
نسْمع؟ قَالَ: زَجره بالسحاب إِذا زَجره حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ
أَمر. قَالُوا: صدقت، فَأخْبرنَا عَمَّا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه. قَالَ:
اشْتَكَى عرق النسا، فَلم يجد شَيْئا يلائمه إِلَّا لُحُوم الْإِبِل
وَأَلْبَانهَا فَلذَلِك حرمهَا. قَالُوا: صدقت ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
الْبَزَّار: حَدثنَا عبد الله بن عبد الله، أبنا يزِيد بن هَارُون، ثَنَا
دَيْلَم بن غَزوَان، ثَنَا ثَابت، عَن أنس قَالَ: " بعث رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا من أَصْحَابه إِلَى رجل من
عُظَمَاء الْجَاهِلِيَّة يَدعُوهُ إِلَى الله - تبَارك وَتَعَالَى -
فَقَالَ: أيش رَبك الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ؟ من نُحَاس هُوَ، من حَدِيد
هُوَ، من فضَّة هُوَ، من ذهب هُوَ؟ فَأتى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأخْبرهُ فَأرْسلهُ إِلَيْهِ الثَّالِثَة فَقَالَ
مثل ذَلِك، فَأتى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَأخْبرهُ فَأرْسل الله - تبَارك وَتَعَالَى - عَلَيْهِ صَاعِقَة
فَأَحْرَقتهُ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
إِن الله - تبَارك وَتَعَالَى - قد أرسل على صَاحبك صَاعِقَة فَأَحْرَقتهُ.
فَنزلت هَذِه الْآيَة: {وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء وهم
يجادلون فِي الله وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} ".
دَيْلَم صَالح الحَدِيث، قَالَه ابْن معِين وَأَبُو بكر الْبَزَّار.
وَمن سُورَة إِبْرَاهِيم
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا أَبُو الْوَلِيد، ثَنَا حَمَّاد
بن سَلمَة، عَن شُعَيْب [بن] الحبحاب، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " أُتِي
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(4/133)
بقناع عَلَيْهِ رطب، فَقَالَ: {مثلا كلمة
طيبَة كشجرة طيبَة أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء تؤتي أكلهَا كل
حِين بِإِذن رَبهَا} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة {وَمثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة
اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} قَالَ: هِيَ الحنظل ".
قَالَ: فَأخْبرت بذلك [أَبَا] الْعَالِيَة فَقَالَ: صدق وَأحسن.
حَدثنَا قُتَيْبَة ثَنَا أَبُو بكر بن شُعَيْب [بن] الحبحاب، عَن أَبِيه،
عَن أنس نَحوه بِمَعْنَاهُ، وَلم يرفعهُ، وَلم يذكر / قَول أبي
الْعَالِيَة، وَهَذَا أصح من حَدِيث حَمَّاد، وروى غير وَاحِد مثل هَذَا
مَوْقُوفا، وَلَا نعلم أحدا رَفعه غير حَمَّاد بن سَلمَة.
البُخَارِيّ: حَدثنَا عمر بن حَفْص، ثَنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش، حَدثنِي
مُجَاهِد، عَن ابْن عمر: " بَيْنَمَا نَحن عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ أُتِي بجمار نَخْلَة، فَقَالَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن من الشّجر لما بركته كبركة
الْمُسلم. فَظَنَنْت أَنه يَعْنِي النَّخْلَة، فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ
النَّخْلَة يَا رَسُول الله، ثمَّ الْتفت فَإِذا أَنا عَاشر عشرَة أَنا
أحدثهم فَسكت، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
هِيَ النَّخْلَة ".
حَدثنَا مُسَدّد، ثَنَا يحيى، عَن عبيد الله، أَخْبرنِي نَافِع، عَن ابْن
عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
أخبروني بشجرة مثلهَا مثل الْمُسلم، تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا،
وَلَا تَحت وَرقهَا، فَوَقع فِي نَفسِي أَنَّهَا النَّخْلَة ... " وَذكر
الحَدِيث.
(4/134)
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة،
ثَنَا أَبُو أُسَامَة، ثَنَا عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر
قَالَ: " كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَقَالَ: أخبروني بشجرة شبه - أَو كَالرّجلِ - الْمُسلم لَا يتحات وَرقهَا
- قَالَ إِبْرَاهِيم: لَعَلَّ مُسلما قَالَ: وتؤتي [أكلهَا] وَكَذَا وجدت
عِنْد غَيْرِي أَيْضا - وَلَا تؤتي أكلهَا كل حِين. قَالَ ابْن عمر: فَوَقع
فِي نَفسِي أَنَّهَا النَّخْلَة، وَرَأَيْت أَبَا بكر وَعمر - رَضِي الله
عَنْهُمَا - لَا يتكلمان، وكرهت أَن أَتكَلّم أَو أَقُول شَيْئا. فَقَالَ
عمر: لِأَن تكون قلتهَا أحب إِلَيّ من كَذَا وَكَذَا ".
البُخَارِيّ: أخبرنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل، عَن أبي أُسَامَة بِإِسْنَاد
مُسلم. قَالَ: " كُنَّا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أخبروني [بشجرة] تشبه - أَو كَالرّجلِ - الْمُسلم،
لَا يتحات وَرقهَا، وَلَا وَلَا وَلَا، تؤتي أكلهَا كل حِين ... " وَذكر
الحَدِيث.
البُخَارِيّ: أخبرنَا أَبُو الْوَلِيد، ثَنَا شُعْبَة، أَخْبرنِي عَلْقَمَة
بن مرْثَد، سَمِعت سعد بن عُبَيْدَة، عَن الْبَراء بن عَازِب، أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُسلم إِذا
سُئِلَ فِي الْقَبْر يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا
رَسُول الله؛ فَذَلِك قَوْله - عز وَجل -: {يثبت الله الَّذين آمنُوا
بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} ".
(4/135)
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله،
ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن عَطاء، سمع ابْن عَبَّاس: " {ألم تَرَ
إِلَى الَّذين بدلُوا نعمت الله كفرا} قَالَ: هم كفار أهل مَكَّة ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق / ثَنَا
معمر، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَكثير بن كثير بن الْمطلب بن أبي
ودَاعَة - يزِيد أَحدهمَا على الآخر - عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ ابْن
عَبَّاس: " أول مَا اتخذ النِّسَاء الْمنطق من قبل أم إِسْمَاعِيل اتَّخذت
منطقا ليعفي أَثَرهَا على سارة، ثمَّ جَاءَ بهَا إِبْرَاهِيم وبابنها
إِسْمَاعِيل، وَهِي ترْضِعه حَتَّى [وَضعهَا] عِنْد الْبَيْت عِنْد دوحة
فَوق زَمْزَم فِي أَعلَى الْمَسْجِد، وَلَيْسَ بِمَكَّة يَوْمئِذٍ أحد،
وَلَيْسَ بهَا مَاء فوضعها هُنَالك، وَوضع عِنْدهَا جرابا فِيهِ تمر وسقاء
فِيهِ مَاء، ثمَّ قفى إِبْرَاهِيم مُنْطَلقًا فتبعته أم إِسْمَاعِيل
فَقَالَت: يَا إِبْرَاهِيم، أَيْن تذْهب وتتركنا بِهَذَا الْوَادي الَّذِي
لَيْسَ فِيهِ أنيس وَلَا شَيْء؟ فَقَالَت لَهُ ذَلِك مرَارًا، وَجعل لَا
يلْتَفت إِلَيْهَا، فَقَالَت لَهُ: آللَّهُ أَمرك بِهَذَا؟ قَالَ: نعم.
قَالَت: إِذا لَا يضيعنا. ثمَّ رجعت فَانْطَلق إِبْرَاهِيم حَتَّى إِذا
كَانَ عِنْد الثَّنية حَيْثُ لَا يرونه اسْتقْبل بِوَجْهِهِ الْبَيْت، ثمَّ
دَعَا بهؤلاء الدَّعْوَات وَرفع يَدَيْهِ فَقَالَ: {رَبنَا إِنِّي أسكنت من
ذريتي بواد غير ذِي زرع} حَتَّى بلغ {يشكرون} وَجعلت أم إِسْمَاعِيل ترْضع
إِسْمَاعِيل وتشرب من ذَلِك المَاء حَتَّى إِذا نفد مَا فِي السقاء عطشت
وعطش ابْنهَا وَجعلت تنظر إِلَيْهِ يتلوى - أَو قَالَ: يتلبط - فَانْطَلَقت
كَرَاهِيَة أَن تنظر إِلَيْهِ، فَوجدت الصَّفَا أقرب جبل فِي الأَرْض
يَليهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثمَّ اسْتقْبلت الْوَادي هَل تنظر أحدا فَلم
تَرَ أحدا، فَهَبَطت من الصَّفَا حَتَّى إِذا بلغت الْوَادي رفعت طرف
(درعها) ،
(4/136)
ثمَّ سعت سعي الْإِنْسَان المجهود حَتَّى
جَاوَزت الْوَادي، ثمَّ أَتَت الْمَرْوَة فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنظرت هَل
ترى أحدا فَلم تَرَ فَفعلت ذَلِك سبع مَرَّات. قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فَلذَلِك سعى النَّاس
بَينهمَا. فَلَمَّا أشرفت على الْمَرْوَة، سَمِعت صَوتا فَقَالَت: صه.
تُرِيدُ نَفسهَا، ثمَّ تسمعت فَسمِعت أَيْضا فَقَالَت: قد أسمعت إِن كَانَ
عنْدك غواث. فَإِذا هِيَ بِالْملكِ عِنْد مَوضِع زَمْزَم فبحث بعقبه - أَو
قَالَ: بجناحه - حَتَّى ظهر المَاء، فَجعلت تحوضه وَتقول بِيَدِهَا هَكَذَا
أَو جعلت تغرف من المَاء فِي سقائها وَهُوَ يفور بعد مَا تغرف. قَالَ /
ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
يرحم الله أم إِسْمَاعِيل لَو تركت زَمْزَم - أَو قَالَ: لَو لم تغترف من
المَاء لكَانَتْ زَمْزَم عينا معينا - قَالَ: فَشَرِبت وأرضعت وَلَدهَا
فَقَالَ لَهَا الْملك: لَا تخافوا الضَّيْعَة فَإِن هَاهُنَا بَيت الله
يَبْنِي هَذَا الْغُلَام وَأَبوهُ، وَإِن الله لَا يضيع أَهله، وَكَانَ
الْبَيْت مرتفعا من الأَرْض كالرابية تَأتيه السُّيُول فتأخذ عَن يمنيه
وَعَن شِمَاله، فَكَانَت كَذَلِك حَتَّى مرت بهم رفْقَة من جرهم - أَو أهل
بَيت من جرهم - مُقْبِلين من طَرِيق كداء [فنزلوا] فِي أَسْفَل مَكَّة
فَرَأَوْا طائرا عائفا فَقَالُوا: إِن هَذَا الطَّائِر ليدور على مَاء،
لعهدنا بِهَذَا الْوَادي وَمَا فِيهِ مَاء. فأرسلوا جَريا - أَو جريين -
فَإِذا هم بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا
وَأم إِسْمَاعِيل عِنْد المَاء فَقَالُوا: تأذنين لنا أَن ننزل عنْدك؟
قَالَت: نعم وَلَكِن لَا حق لكم فِي المَاء. قَالُوا: نعم. قَالَ ابْن
عَبَّاس: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فألفى
ذَلِك أم إِسْمَاعِيل وَهِي تحب الْإِنْس، فنزلوا وَأَرْسلُوا إِلَى
أَهْليهمْ فنزلوا مَعَهم حَتَّى إِذا كَانَ بهَا أهل [أَبْيَات] مِنْهُم
وشب الْغُلَام وَتعلم الْعَرَبيَّة مِنْهُم، وأنفسهم وأعجبهم [حَتَّى] شب،
فَلَمَّا أدْرك زوجوه امْرَأَة مِنْهُم وَمَاتَتْ أم إِسْمَاعِيل، فجَاء
إِبْرَاهِيم بعد مَا تزوج إِسْمَاعِيل يطالع تركته فَلم يجد إِسْمَاعِيل،
فَسَأَلَ امْرَأَته عَنهُ فَقَالَت: خرج يَبْتَغِي لنا. ثمَّ سَأَلَهَا عَن
عيشهم وهيئتهم فَقَالَت:
(4/137)
نَحن بشر نَحن بِضيق وَشدَّة فشكت
إِلَيْهِ، قَالَ: إِذا جَاءَ زَوجك اقرئي عَلَيْهِ السَّلَام وَقَوْلِي
لَهُ يُغير عتبَة بَابه. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل كَأَنَّهُ آنس شَيْئا
فَقَالَ: هَل جَاءَكُم من أحد؟ فَقَالَت: نعم جَاءَنَا شيخ كَذَا وَكَذَا،
فسألنا عَنْك فَأَخْبَرته وسألني كَيفَ عيشنا فَأَخْبَرته أَنا فِي شدَّة
وَجهد. قَالَ: فَهَل وصاك بِشَيْء؟ قَالَت: نعم أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك
السَّلَام وَيَقُول: غير عتبَة بابك [قَالَ] ذَاك أبي وَقد أَمرنِي أَن
أُفَارِقك، الحقي بأهلك. فَطلقهَا وَتزَوج مِنْهُم أُخْرَى فَلبث عَنْهُم
إِبْرَاهِيم مَا شَاءَ الله ثمَّ أَتَاهُم بعد فَلم يجده، وَدخل على
امْرَأَته فَسَأَلَهَا عَنهُ فَقَالَت: خرج يَبْتَغِي لنا. قَالَ: كَيفَ
أَنْتُم؟ وسألها عَن عيشهم وهيئتهم فَقَالَ: نَحن بِخَير وسعة. وأثنت على
الله - عز وَجل - فَقَالَ: مَا طَعَامكُمْ؟ فَقَالَت: اللَّحْم. قَالَ:
فَمَا شرابكم؟ قَالَت: المَاء. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي اللَّحْم
وَالْمَاء. قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَلم
يكن لَهُم يَوْمئِذٍ حب وَلَو كَانَ لَهُم / دَعَا لَهُم فِيهِ. قَالَ:
فهما لَا يخلوا عَلَيْهِمَا أحد بِغَيْر مَكَّة إِلَّا لم يوافقاه. قَالَ:
فَإِذا جَاءَ زَوجك فاقرئي عَلَيْهِ السَّلَام ومريه يثبت عتبَة بَابه.
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل قَالَ: هَل أَتَاكُم من أحد؟ قَالَت: نعم
أَتَانَا شيخ حسن الْهَيْئَة وأثنت عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْك
فَأَخْبَرته، فَسَأَلَنِي كَيفَ عيشنا فَأَخْبَرته أَنا بِخَير. قَالَ:
فأوصاك بِشَيْء؟ قَالَت: نعم هُوَ يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام ويأمرك أَن
تثبت عتبَة بابك. قَالَ: ذَاك أبي وَأَنت العتبة وَأَمرَنِي أَن أمسكك.
ثمَّ لبث عَنْهُم مَا شَاءَ الله، ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك وَإِسْمَاعِيل يبري
نبْلًا لَهُ تَحت دوحة قَرِيبا من زَمْزَم، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ
فَصنعَ كَمَا يصنع الْوَالِد بِالْوَلَدِ، وَالْولد بالوالد، ثمَّ قَالَ:
يَا إِسْمَاعِيل، إِن الله يَأْمُرنِي بِأَمْر. قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمرك
رَبك. قَالَ: وتعينني عَلَيْهِ؟ قَالَ: فأعينك عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِن الله
أَمرنِي أَن أبني هَا هُنَا بَيْتا وَأَشَارَ إِلَى أكمة مُرْتَفعَة على
مَا حولهَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِك رفعا الْقَوَاعِد من الْبَيْت فَجعل
إِسْمَاعِيل يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيم يَبْنِي حَتَّى إِذا
ارْتَفع الْبناء جَاءَ بِهَذَا الْحجر فَوَضعه لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ
وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة وهما يَقُولَانِ {رَبنَا
تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} قَالَ: فَجعلَا يبنيان حَتَّى
يدورا حول الْبَيْت وهما يَقُولَانِ: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت
السَّمِيع الْعَلِيم} ".
(4/138)
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر،
ثَنَا سُفْيَان، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق
قَالَ: " تلت عَائِشَة هَذِه الْآيَة: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض}
قَالَت: يَا رَسُول الله، فَأَيْنَ يكون النَّاس؟ قَالَ: على الصِّرَاط ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَقد رُوِيَ من غير وَجه عَن عَائِشَة.
وَمن سُورَة الْحجر
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن
عِكْرِمَة، عَن أبي هُرَيْرَة يبلغ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا قضى [الله] الْأَمر فِي السَّمَاء
ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها (خضعان) لقَوْله كَأَنَّهُ سلسلة على صَفْوَان
- قَالَ عَليّ: وَقَالَ غَيره: صَفْوَان ينفذهم ذَلِك - فَإِذا فزغ عَن
قُلُوبهم قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربكُم. قَالُوا: الْحق وَهُوَ الْعلي
الْكَبِير. فيسمعها (مسترقي) السّمع و (مسترقي) السّمع هَكَذَا وَاحِد فَوق
آخر - وَوصف سُفْيَان بِيَدِهِ فَفرج بَين أَصَابِعه الْيُمْنَى نصبها
بَعْضهَا فَوق بعض - فَرُبمَا أدْرك / الشهَاب المستمع قبل أَن يَرْمِي
بهَا إِلَى صَاحبه فيحرقه، وَرُبمَا لم يُدْرِكهُ حَتَّى يَرْمِي بهَا
إِلَى الَّذِي يَلِيهِ، إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَل مِنْهُ، حَتَّى يلقوها
إِلَى الأَرْض - رُبمَا قَالَ سُفْيَان: حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الأَرْض -
فَتلقى على فَم السَّاحر، فيكذب مَعهَا مائَة كذبة، فَيصدق، فَيَقُولُونَ:
ألم تخبرنا يَوْم كَذَا وَكَذَا يكون كَذَا وَكَذَا؟ فوجدناه حَقًا للكلمة
الَّتِي سَمِعت من السَّمَاء ".
(4/139)
النَّسَائِيّ: أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد،
ثَنَا نوح - يَعْنِي: ابْن قيس - عَن [ابْن مَالك]- قَالَ أَبُو عبد
الرَّحْمَن: هُوَ عَمْرو بن مَالك - عَن أبي الجوزاء، عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: " كَانَت امْرَأَة تصلي خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - حسناء من أحسن النَّاس. قَالَ: فَكَانَ بعض الْقَوْم
يتَقَدَّم فِي الصَّفّ الأول لِئَلَّا يَرَاهَا، وَيَسْتَأْخِر بَعضهم
حَتَّى يكون فِي الصَّفّ الْمُؤخر، فَإِذا ركع يَعْنِي ينظر من تَحت إبطه،
فَأنْزل الله - عز وَجل -: {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم
وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ: روى جَعْفَر بن سُلَيْمَان هَذَا
الحَدِيث عَن عَمْرو ابْن مَالك عَن أبي الجوزاء نَحوه، وَلم يذكر فِيهِ
ابْن عَبَّاس، وَهَذَا أشبه أَن يكون أصح من حَدِيث نوح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، أبنا أَبُو عَليّ الْحَنَفِيّ، عَن
ابْن أبي ذِئْب، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحَمد لله أم الْقُرْآن
وَأم الْكتاب [و] السَّبع المثاني ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا أَحْمد بن أبي
الطّيب، ثَنَا مُصعب بن سَلام، عَن عَمْرو بن قيس، عَن عَطِيَّة، عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ
(4/140)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اتَّقوا فراسة الْمُؤمن؛ فَإِنَّهُ ينظر بِنور
الله. ثمَّ قَرَأَ {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} ".
وَقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، إِنَّمَا نعرفه من هَذَا
الْوَجْه.
البُخَارِيّ: حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا هشيم، أبنا أَبُو
بشر، عَن سعيد ابْن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس: " {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن
عضين} قَالَ: هم أهل الْكتاب جزءوه أَجزَاء فآمنوا بِبَعْضِه وَكَفرُوا
بِبَعْضِه ".
وَمن سُورَة النَّحْل
النَّسَائِيّ: أخبرنَا زَكَرِيَّا بن يحيى، أبنا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم،
أبنا عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد، حَدثنِي أبي، عَن يزِيد النَّحْوِيّ،
عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس / قَالَ: " فِي سُورَة النَّحْل: {من كفر
بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره} إِلَى قَوْله: {وَلَهُم عَذَاب
عَظِيم} فنسخ وَاسْتثنى من ذَلِك فَقَالَ: {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا
من بعد مَا فتنُوا ثمَّ جاهدوا وصبروا إِن رَبك من بعْدهَا لغَفُور رَحِيم}
وَهُوَ عبد الله [بن سعد] بن أبي سرح الَّذِي كَانَ على مصر، كَانَ يكْتب
لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[فأزله] الشَّيْطَان
فلحق بالكفار فَأمر بِهِ أَن يقتل يَوْم الْفَتْح فَاسْتَجَارَ لَهُ
عُثْمَان بن عَفَّان، فأجاره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ".
(4/141)
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو عمار [ثَنَا]
الْفضل بن مُوسَى، عَن عِيسَى بن عبيد، عَن الرّبيع بن أنس، عَن [أبي]
الْعَالِيَة قَالَ: حَدثنِي أبي بن كَعْب [قَالَ] : " لما كَانَ يَوْم أحد
أُصِيب من الْأَنْصَار أَرْبَعَة وَسِتُّونَ رجلا وَمن الْمُهَاجِرين
سِتَّة فيهم حَمْزَة فمثلوا بهم. فَقَالَت الْأَنْصَار: لَئِن أصبْنَا
مِنْهُم يَوْمًا مثل هَذَا لنربين عَلَيْهِم. قَالَ فَلَمَّا كَانَ [يَوْم
فتح] مَكَّة فَأنْزل الله {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهو خير للصابرين} فَقَالَ رجل: لَا
قُرَيْش بعد الْيَوْم. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: كفوا عَن الْقَوْم إِلَّا أَرْبَعَة ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث أبي بن كَعْب.
وَمن سُورَة بني إِسْرَائِيل قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى
بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى}
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله، ثَنَا سُلَيْمَان، عَن
شريك بن عبد الله، قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: " لَيْلَة أسرِي
برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من مَسْجِد
الْكَعْبَة أَنه جَاءَهُ ثَلَاثَة نفر قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ، هُوَ نَائِم
فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ أَوَّلهمْ: أَيهمْ هُوَ؟ فَقَالَ أوسطهم:
هُوَ خَيرهمْ. فَقَالَ أحدهم: خُذُوا خَيرهمْ. فَكَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة
فَلم يرهم حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَة أُخْرَى فِيمَا يرى قلبه، وتنام عينه
وَلَا ينَام
(4/142)
قلبه، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء تنام
أَعينهم وَلَا تنام قُلُوبهم، فَلم يكلموه حَتَّى احتملوه فوضعوه عِنْد
بِئْر زَمْزَم فتولاه مِنْهُم جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فشق
جِبْرِيل مَا بَين نَحره إِلَى لبته حَتَّى فرغ من صَدره وجوفه فَغسله من
مَاء زَمْزَم بِيَدِهِ حَتَّى أنقى جَوْفه، ثمَّ أَتَى بطست من ذهب فِيهِ
تور من ذهب محشوا إِيمَانًا وَحِكْمَة فحشا بِهِ صَدره ولغاديده - يَعْنِي:
عروق حلقه - ثمَّ أطبقه ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَضرب
بَابا من أَبْوَابهَا فناداه أهل / السَّمَاء: من هَذَا؟ فَقَالَ:
جِبْرِيل. قَالُوا: وَمن مَعَك؟ قَالَ: معي مُحَمَّد. قَالُوا: وَقد بعث؟
قَالَ: نعم. قَالُوا: فمرحبا بِهِ وَأهلا. فيستبشر بِهِ أهل السَّمَاء، لَا
يعلم أهل السَّمَاء بِمَا يُرِيد الله بِهِ فِي الأَرْض حَتَّى يعلمهُمْ،
فَوجدَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدم فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: هَذَا أَبوك
فَسلم عَلَيْهِ. فَسلم عَلَيْهِ ورد عَلَيْهِ آدم وَقَالَ: مرْحَبًا وَأهلا
يَا بني، نعم الابْن أَنْت. فَإِذا هُوَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بنهرين
يطردان فَقَالَ: مَا [هَذَانِ] النهران يَا جِبْرِيل؟ قَالَ: [هَذَانِ]
النّيل والفرات عنصرهما، ثمَّ مضى بِهِ فِي السَّمَاء فَإِذا هُوَ بنهر آخر
عَلَيْهِ قصر من لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد فَضرب يَده فَإِذا هُوَ مسك أذفر،
قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي خبأ لَك
رَبك، ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَقَالَت الْمَلَائِكَة
لَهُ مثل مَا قَالَت لَهُ الأولى: من هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيل. قَالُوا:
وَمن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد. قَالُوا: وَقد بعث إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم
[قَالُوا] : مرْحَبًا بِهِ وَأهلا. ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء
الثَّالِثَة وَقَالُوا لَهُ مثل مَا قَالَت الأولى وَالثَّانيَِة، ثمَّ عرج
بِهِ إِلَى الرَّابِعَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك، ثمَّ عرج بِهِ إِلَى
السَّمَاء الْخَامِسَة فَقَالُوا مثل ذَلِك، ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء
السَّادِسَة فَقَالُوا مثل ذَلِك، ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء
السَّابِعَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك. كل سَمَاء فِيهَا أَنْبيَاء قد
سماهم [فوعيت] مِنْهُم: إِدْرِيس فِي الثَّانِيَة و [هاورن] فِي
(4/143)
الرَّابِعَة وَآخر فِي الْخَامِسَة لم أحفظ
اسْمه، وَإِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة، ومُوسَى فِي السَّابِعَة بِفضل
كَلَامه لله فَقَالَ مُوسَى: رب لم أَظن أَن ترفع عَليّ أحدا. ثمَّ علا
بِهِ فَوق ذَلِك بِمَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله، حَتَّى جَاءَ سِدْرَة
الْمُنْتَهى ودنا الْجَبَّار رب الْعِزَّة فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ
قاب قوسين أَو أدنى، فَأوحى إِلَيْهِ فِيمَا أوحى إِلَيْهِ خمسين صَلَاة
على أمتك كل يَوْم وَلَيْلَة، ثمَّ هَبَط حَتَّى بلغ مُوسَى فاحتبسه مُوسَى
فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، مَاذَا عهد إِلَيْك رَبك؟ قَالَ: عهد إِلَيّ خمسين
صَلَاة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة. قَالَ: إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع ذَلِك،
فَارْجِع فليخفف عَنْك رَبك وعنهم. فَالْتَفت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى جِبْرِيل كَأَنَّهُ يستشيره فِي ذَلِك
فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيل أَن نعم إِن شِئْت، فعلا بِهِ إِلَى
الْجَبَّار - تبَارك وَتَعَالَى - فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ: يَا رب، خفف
عَنَّا فَإِن أمتِي لَا تَسْتَطِيع هَذَا. فَوضع عَنهُ عشر صلوَات، ثمَّ
رَجَعَ إِلَى مُوسَى فاحتبسه فَلم يزل / يردده إِلَى ربه ربه حَتَّى صَار
إِلَى خمس صلوَات، ثمَّ احتبسه مُوسَى عِنْد الْخمس فَقَالَ: يَا مُحَمَّد،
وَالله لقد راودت بني إِسْرَائِيل قومِي على أدنى من هَذَا فضعفوا
فَتَرَكُوهُ، فأمتك أَضْعَف أجسادا وَقُلُوبًا وأبدانا وأسماعا وأبصارا،
فَارْجِع فليخفف عَنْك رَبك. كل ذَلِك يلْتَفت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى جِبْرِيل يُشِير عَلَيْهِ وَلَا يكره ذَلِك
جِبْرِيل فرفعه عِنْد الْخَامِسَة. فَقلت: يَا رب، إِن أمتِي ضعفاء
أَجْسَادهم وَقُلُوبهمْ وأسماعهم وأبدانهم فَخفف عَنَّا. فَقَالَ
الْجَبَّار: يَا مُحَمَّد. قَالَ: لبيْك وَسَعْديك. قَالَ: إِنَّه لَا
يُبدل القَوْل لدي كَمَا فرضته عَلَيْك فِي أم الْكتاب فَكل حَسَنَة بِعشر
أَمْثَالهَا فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أم الْكتاب وَهِي خمس عَلَيْك. فَرجع
إِلَى مُوسَى فَقَالَ: كَيفَ فعلت؟ قَالَ: قد خفف عَنَّا أَعْطَانَا بِكُل
حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا. قَالَ مُوسَى: وَالله قد راودت بني إِسْرَائِيل
على أدنى من ذَلِك فَتَرَكُوهُ، ارْجع إِلَى رَبك فليخفف عَنْك أَيْضا.
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا مُوسَى، قد
وَالله استحييت من رَبِّي مِمَّا اخْتلفت إِلَيْهِ. قَالَ: فاهبط بِسم
الله. فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي (الْمَسْجِد) الْحَرَام ".
(4/144)
وللبخاري فِي بعض طرق الحَدِيث: " فَأتيت
مُوسَى فَسلمت فَقَالَ: مرْحَبًا بك من أَخ وَنَبِي. فَلَمَّا جَاوَزت
بَكَى فَقيل: مَا أبكاك؟ قَالَ: يَا رب، هَذَا الْغُلَام الَّذِي بعث بعدِي
يدْخل الْجنَّة من أمته أفضل مِمَّا يدْخل من أمتِي ".
رَوَاهُ عَن هدبة، عَن همام، عَن قَتَادَة. وَعَن خَليفَة بن خياط، عَن
يزِيد ابْن زُرَيْع، عَن سعيد وَهِشَام، كِلَاهُمَا عَن قَتَادَة، عَن أنس،
عَن مَالك بن صعصعة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَله لفظ آخر: " سَأَلت رَبِّي حَتَّى استحييت وَلَكِن أرْضى وَأسلم،
فَلَمَّا جَاوَزت نَادَى (مُنَادِي) : أمضيت فريضتي وخففت عَن عبَادي ".
رَوَاهُ عَن هدبة بن خَالِد، عَن همام، عَن قَتَادَة بِالْإِسْنَادِ الأول.
وللبخاري: حَدثنَا عَبْدَانِ، أبنا عبد الله، أبنا يُونُس.
وثنا أَحْمد بن صَالح، ثَنَا عَنْبَسَة، ثَنَا يُونُس، عَن ابْن شهَاب،
قَالَ ابْن الْمسيب: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: " أُتِي رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة أسرِي بِهِ بإيلياء بقدحين من خمر
وَلبن فَنظر إِلَيْهِمَا فَأخذ اللَّبن. فَقَالَ جِبْرِيل: الْحَمد لله
الَّذِي هداك للفطرة وَلَو أخذت الْخمر غوت أمتك ".
قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيم طهْمَان: عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس
بن مَالك قَالَ: قَالَ: رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " دفعت إِلَى السِّدْرَة فَإِذا أَرْبَعَة أَنهَار نهران ظاهران ونهران
باطنان، فَأَما الظاهران: فالنيل والفرات، وَأما الباطنان فنهران فِي
الْجنَّة وَأُوتِيت بِثَلَاثَة أقداح: قدح فِيهِ لبن، وقدح فِيهِ عسل، وقدح
فِيهِ خمر فَأخذت الَّذِي فِيهِ اللَّبن فَشَرِبت فَقيل لي: أصبت الْفطْرَة
أَنْت وَأمتك ".
(4/145)
وَقَالَ هِشَام وَسَعِيد وَهَمَّام: عَن
قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك، عَن مَالك بن صعصعة، عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْأَنْهَار نَحوه، وَلم يذكرُوا
ثَلَاثَة أقداح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أبنا
معمر، عَن قَتَادَة، عَن أنس " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أُتِي بِالْبُرَاقِ لَيْلَة أسرِي بِهِ مُلجمًا مسرجا فاستصعب
عَلَيْهِ فَقَالَ جِبْرِيل: أبمحمد تفعل هَذَا؟ فَمَا ركبك أحد أكْرم على
الله مِنْهُ. قَالَ: فَارْفض عرقا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث
عبد الرَّزَّاق.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، أبنا أَبُو
[تُمَيْلة] عَن الزبير بن جُنَادَة، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " [لما]
انتهينا إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ جِبْرِيل بِأُصْبُعِهِ فخرق بِهِ
الْحجر فَشد بِهِ الْبراق ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
وَفِي بعض طرق التِّرْمِذِيّ عَن حُذَيْفَة: " أُتِي رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِدَابَّة طَوِيل الظّهْر ممدودا هَكَذَا
خطوه مد بَصَره، فَمَا زايلا ظهر الْبراق حَتَّى رَأيا الْجنَّة وَالنَّار
ووعد الْآخِرَة، ورجعا عودهما على بدئهما. قَالَ: وَيَتَحَدَّثُونَ أَنه
ربطه، لم، أيفر مِنْهُ؟ ! وَإِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالم الْغَيْب
وَالشَّهَادَة ".
(4/146)
وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح، رَوَاهُ عَن
ابْن [أبي] عمر، [عَن سُفْيَان] عَن مسعر، عَن عَاصِم بن أبي النجُود، عَن
زر بن حُبَيْش، عَن حُذَيْفَة.
بَاب قَوْله تَعَالَى: {وأجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك}
مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أبنا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن
أبي سُفْيَان، عَن جَابر قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن عرش إِبْلِيس على الْبَحْر، فيبعث سراياه
فيفتنون فأعظمهم / عِنْده أعظمهم فتْنَة ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، أخبرنَا الْأَعْمَش،
عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن إِبْلِيس يضع عَرْشه على المَاء، فيبعث
سراياه فأدناهم مِنْهُ منزلَة أعظمهم فتْنَة، يَجِيء أحدهم فَيَقُول: فعلت
كَذَا وَكَذَا. فَيَقُول: مَا صنعت شَيْئا. قَالَ: ثمَّ يَجِيء أحدهم
فَيَقُول: مَا تركته حَتَّى فرقت بَينه وَبَين امْرَأَته. قَالَ: فيدنيه
وَيَقُول: نعم أَنْت ".
قَالَ الْأَعْمَش: أرَاهُ قَالَ: " فيلتزمه ".
قَوْله تَعَالَى: {الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة}
مُسلم: حَدثنِي أَبُو بكر بن نَافِع، ثَنَا عبد الرَّحْمَن، ثَنَا
سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن أبي معمر، عَن عبد الله "
{أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة} قَالَ:
كَانَ نفر من الْإِنْس يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ، فَأسلم النَّفر من
الْجِنّ واستمسك الْإِنْس بعبادتهم، فَنزلت: {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ
يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة} ".
(4/147)
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا منعنَا أَن نرسل
بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كذب بهَا الْأَولونَ}
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد الرِّفَاعِي، ثَنَا وَكِيع، ثَنَا
سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن عمرَان السّلمِيّ، عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: " سَأَلَ أهل مَكَّة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَجْعَل لَهُم الصَّفَا ذَهَبا، وَأَن تحول
الْجبَال عَنْهُم حَتَّى يزرعوا. فَقيل: إِن شِئْت أَن نؤتيهم الَّذِي
سَأَلُوهُ، فَإِن كفرُوا أهلكوا كَمَا هلك من كَانَ قبلهم، فَأنْزل الله -
تبَارك وَتَعَالَى -: {وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كذب
بهَا الْأَولونَ وآتينا ثَمُود النَّاقة مبصرة} ".
وَحدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، ثَنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن جَعْفَر بن
أبي وحشية، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس نَحوه.
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة
للنَّاس}
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن [عبد الله] ، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو،
عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس " {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي
أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} قَالَ: هِيَ رُؤْيا عين أريها رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة أسرِي بِهِ، والشجرة
الملعونة فِي الْقُرْآن شَجَرَة الزقوم ".
قَوْله تَعَالَى: {وَقُرْآن / الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا}
البُخَارِيّ: حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، أبنا
معمر، عَن
(4/148)
الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة وَابْن
الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " فضل صَلَاة الْجمع على صَلَاة الْوَاحِد خمس
وَعِشْرُونَ دَرَجَة، وتجتمع مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار فِي
صَلَاة الْفجْر. يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: اقْرَءُوا إِن شِئْتُم: {وَقُرْآن
الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبيد بن أَسْبَاط بن مُحَمَّد - قرشي كُوفِي - أبنا
أبي، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَوْله: " {وَقُرْآن الْفجْر إِن
قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا} قَالَ: تشهده مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة
النَّهَار ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا}
البُخَارِيّ: حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن أبان، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَص، عَن
آدم بن عَليّ قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يَقُول: " إِن النَّاس يصيرون يَوْم
الْقِيَامَة جثا كل أمة تتبع نبيها يَقُولُونَ يَا فلَان (يَا فلَان اشفع
يَا فلَان) اشفع حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذَلِك يَوْم يَبْعَثهُ الله الْمقَام
الْمَحْمُود ".
وَرَوَاهُ حَمْزَة بن عبد الله، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا هَارُون بن كَامِل، حَدثنَا عبد الله بن صَالح،
حَدثنِي
(4/149)
اللَّيْث بن سعد، حَدثنِي عبيد الله بن أبي
جَعْفَر، سَمِعت حَمْزَة بن عبد الله يَقُول: سَمِعت عبد الله بن عمر
يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا
يزَال [الرجل] يسْأَل حَتَّى يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَلَيْسَ فِي وَجهه
مزعة لحم. وَقَالَ: الشَّمْس تَدْنُو حَتَّى يبلغ الْعرق نصف الْأذن،
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك اسْتَغَاثُوا بِآدَم - عَلَيْهِ السَّلَام -
فَيَقُول: [لست] صَاحب ذَلِك، ثمَّ مُوسَى فَيَقُول كَذَلِك، ثمَّ مُحَمَّد
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيشفع ليقضى بَين الْخلق،
فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذ بِحَلقَة الْجنَّة، فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ الله
مقَاما مَحْمُودًا يحمده أهل الْجمع كلهم ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا وَكِيع، عَن دَاوُد بن يزِيد
الزعافري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي قَوْله: {عَسى أَن يَبْعَثك
رَبك مقَاما مَحْمُودًا} سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: هِيَ الشَّفَاعَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن.
/ دَاوُد الزعافري هُوَ دَاوُد بن يزِيد بن (عبد الرَّحْمَن) الأودي عَم
عبد الله ابْن [إِدْرِيس] .
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَليّ بن زيد بن
جدعَان، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة
وَلَا فَخر، وَبِيَدِي لِوَاء الْحَمد وَلَا فَخر، وَمَا من نَبِي
يَوْمئِذٍ آدم فَمن سواهُ إِلَّا
(4/150)
تَحت لِوَائِي، وَأَنا أول من تَنْشَق
عَنهُ الأَرْض وَلَا فَخر. قَالَ: فَيفزع النَّاس ثَلَاث فَزعَات
فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ: أَنْت أَبونَا آدم فاشفع لنا إِلَى رَبك.
فَيَقُول: إِنِّي أذنبت ذَنبا أهبطت مِنْهُ إِلَى الأَرْض، وَلَكِن ائْتُوا
نوحًا [فَيَأْتُونَ نوحًا] فَيَقُول: إِنِّي دَعَوْت على أهل الأَرْض
فأهلكوا، وَلَكِن اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيم. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم
فَيَقُول: إِنِّي كذبت ثَلَاث كذبات - ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا مِنْهَا كذبة إِلَّا مَا حل بهَا عَن
دين الله - وَلَكِن ائْتُوا مُوسَى. فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُول: إِنِّي
قتلت نفسا وَلَكِن اتئوا عِيسَى. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُول: إِنِّي عبدت
من دون الله، وَلَكِن ائْتُوا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -. قَالَ: [فَيَأْتُوني] فأنطلق مَعَهم ".
قَالَ ابْن جدعَان: قَالَ أنس: " فَكَأَنِّي أنظر إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فآخذ بِحَلقَة بَاب الْجنَّة
فأقعقعها. فَيُقَال: من هَذَا؟ فَيُقَال: مُحَمَّد، فيفتحون لي ويرحبون
فَيَقُولُونَ: مرْحَبًا. فَأخر سَاجِدا، فيلهمني الله من الثَّنَاء
وَالْحَمْد، فَيُقَال لي: ارْفَعْ رَأسك [سل] تعط وَاشْفَعْ تشفع، وَقل
يسمع لِقَوْلِك، وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ الله - عز وَجل
-: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} ".
قَالَ سُفْيَان: لَيْسَ عَن أنس إِلَّا هَذِه الْكَلِمَة: " فآخذ بِحَلقَة
بَاب الْجنَّة فأقعقعها ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر، ثَنَا مُحَمَّد بن عبيد، حَدثنَا
دَاوُد بن يزِيد الأودي، سَمِعت أبي يحدث عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمقَام
(4/151)
الْمَحْمُود: الشَّفَاعَة ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم يرْوى إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا فَهد بن / سُلَيْمَان، ثَنَا يزِيد بن عبد ربه
الجرجسي، ثَنَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، حَدثنِي الزبيدِيّ، عَن
الزُّهْرِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب، عَن كَعْب بن مَالك، أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يحْشر النَّاس
يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أَنا وَأمتِي على تل فيكسوني رَبِّي - عز وَجل
- حلَّة خضراء، ثمَّ يُؤذن لي فَأَقُول مَا شَاءَ الله أَن أَقُول، فَذَلِك
الْمقَام الْمَحْمُود ".
قَوْله تَعَالَى: {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق}
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا جرير، عَن قَابُوس بن أبي
ظبْيَان، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة ثمَّ أَمر بِالْهِجْرَةِ فَنزلت
عَلَيْهِ {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق وَاجعَل لي من
لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك عَن الرّوح}
مُسلم: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، ثَنَا أبي، عَن الْأَعْمَش، حَدثنِي
إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله قَالَ: " بَينا أَنا أَمْشِي
مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حرث
(4/152)
وَهُوَ متكئ على عسيب إِذْ مر بِنَفر من
الْيَهُود فَقَالَ بَعضهم لبَعض: سلوه عَن الرّوح. فَقَالُوا: مَا رابكم
إِلَيْهِ يستقبلكم بِشَيْء تكرهونه. فَقَالُوا: سلوه. فَقَامَ إِلَيْهِ
بَعضهم فَسَأَلَهُ عَن الرّوح قَالَ: فأسكت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا فَعلمت أَنه يُوحى
إِلَيْهِ قَالَ: فَقُمْت مَكَاني، فَلَمَّا نزل الْوَحْي قَالَ:
{يَسْأَلُونَك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من
الْعلم إِلَّا قَلِيلا} ".
قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى تسع آيَات بَيِّنَات}
النَّسَائِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء، عَن ابْن إِدْرِيس، أبنا
شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن صَفْوَان بن
عَسَّال قَالَ: " قَالَ يَهُودِيّ لصَاحبه: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا
النَّبِي. قَالَ لَهُ صَاحبه: لَا تقل نَبِي لَو سَمعك كَانَ لَهُ
أَرْبَعَة أعين. فَأتيَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فَسَأَلَاهُ عَن تسع آيَات بَيِّنَات فَقَالَ لَهُم: لَا تُشْرِكُوا
بِاللَّه شَيْئا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تقتلُوا النَّفس
الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى
سُلْطَان، وَلَا تسحرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا
المحصنة، وَلَا توَلّوا يَوْم الزَّحْف، وَعَلَيْكُم خَاصَّة يهود أَلا
تعدوا فِي السبت. فقبلوا يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَقَالُوا: نشْهد إِنَّك
نَبِي. قَالَ: مَا يمنعكم أَن تتبعوني؟ قَالُوا: إِن دَاوُد دَعَا أَلا
يزَال من ذُريَّته نَبِي، وَإِنَّا نَخَاف إِن اتَّبَعْنَاك / تَقْتُلنَا
يهود ".
أنكر النَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء، عَن ابْن إِدْرِيس
وَأبي أُسَامَة، بِهَذَا الْإِسْنَاد وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.
(4/153)
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تجْهر بصلاتك
وَلَا تخَافت بهَا}
مُسلم: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الصَّباح وَعَمْرو النَّاقِد،
جَمِيعًا عَن هشيم - قَالَ ابْن الصَّباح: ثَنَا هشيم - أبنا أَبُو بشر،
عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس " فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك
وَلَا تخَافت بهَا} قَالَ: نزلت وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - متوار بِمَكَّة، فَكَانَ إِذا صلى بِأَصْحَابِهِ رفع صَوته
بِالْقُرْآنِ، فَإِذا سمع ذَلِك الْمُشْركُونَ سبوا الْقُرْآن وَمن أنزلهُ
وَمن جَاءَ بِهِ، فَقَالَ الله - عز وَجل - لنَبيه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَلَا تجْهر بصلاتك} فَيسمع الْمُشْركُونَ قراءتك
{وَلَا تخَافت بهَا} عَن أَصْحَابك، أسمعهم الْقُرْآن وَلَا تجْهر ذَلِك
الْجَهْر {وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا} يَقُول: بَين الْجَهْر والمخافتة} ".
الْبَزَّار: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، ثَنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن
جَعْفَر بن أبي وحشية، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "
كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرفع صَوته
بِالْقُرْآنِ ويخفض أَحْيَانًا، فَأنْزل الله {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا
تخَافت بهَا وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا} ".
إِسْنَاد مُتَّصِل.
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى، عَن [يحيى بن] زَكَرِيَّا، عَن هِشَام بن
عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة " عَن قَوْله عز وَجل: {وَلَا تجْهر
بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} [قَالَت:] أنزلت هَذِه فِي الدُّعَاء ".
(4/154)
وَمن سُورَة الْكَهْف
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يزِيد بن سِنَان، ثَنَا يزِيد بن هَارُون، أبنا
سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن يعلى بن مُسلم، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن
عَبَّاس: " فِي حَدِيث أَصْحَاب الْكَهْف: {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} قَالَ
ابْن عَبَّاس: إِذا قلت شَيْئا فَلم تقل: إِن شَاءَ الله، فَقل إِذا ذكرت:
إِن شَاءَ الله ".
مُسلم: حَدثنَا عَمْرو النَّاقِد، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي،
وَعبيد الله بن سعيد، وَمُحَمّد بن أبي عمر الْمَكِّيّ كلهم، عَن ابْن
عُيَيْنَة - وَاللَّفْظ لِابْنِ أبي عمر - ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة،
عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: "
إِن نَوْفًا الْبكالِي يزْعم أَن مُوسَى صَاحب بني إِسْرَائِيل لَيْسَ هُوَ
مُوسَى صَاحب الْخضر، فَقَالَ: كذب عَدو الله، سَمِعت أبي بن كَعْب يَقُول:
سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: قَامَ
مُوسَى خَطِيبًا فِي بني إِسْرَائِيل فَسئلَ: أَي النَّاس أعلم؟ قَالَ: /
أَنا أعلم. قَالَ: فعتب الله عَلَيْهِ إِذْ لم يرد الْعلم إِلَيْهِ، فَأوحى
الله إِلَيْهِ أَن عبدا من عبَادي بمجمع الْبَحْرين هُوَ أعلم مِنْك. قَالَ
مُوسَى: أَي رب، كَيفَ لَهُ بِهِ؟ فيقل لَهُ: احْمِلْ حوتا فِي مكتل
فَحَيْثُ تفقد الْحُوت فَهُوَ ثمَّ. فَانْطَلق وَانْطَلق مَعَه فتاه وَهُوَ
يُوشَع بن نون، فَحمل مُوسَى حوتا فِي مكتل وَانْطَلق هُوَ وفتاه يمشيان
حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَة فرقد مُوسَى وفتاه، فاضطرب الْحُوت فِي المكتل
حَتَّى خرج من المكتل فَسقط فِي الْبَحْر. قَالَ: فَأمْسك الله عَنهُ جرية
المَاء حَتَّى كَانَ مثل الطاق، فَكَانَ للحوت سربا وَكَانَ لمُوسَى وفتاه
عجبا، فَانْطَلقَا بَقِيَّة يومهما وليلتهما وَنسي صَاحب مُوسَى أَن
يُخبرهُ، فَلَمَّا أصبح مُوسَى {قَالَ لفتاه آتنا غداءنا لقد لَقينَا من
سفرنا هَذَا نصبا} قَالَ: وَلم ينصب حَتَّى جَاوز الْمَكَان الَّذِي أَمر
بِهِ {قَالَ أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت
وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر
(4/155)
عجبا} قَالَ مُوسَى: {ذَلِك مَا كُنَّا نبغ
فارتدا على آثارهما قصصا} حَتَّى إِذا أَتَيَا الصَّخْرَة فرأيا رجلا مسجى
عَلَيْهِ بِثَوْب، فَسلم عَلَيْهِ مُوسَى فَقَالَ لَهُ الْخضر: أَنى بأرضك
السَّلَام. قَالَ: أَنا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بني إِسْرَائِيل؟ قَالَ:
نعم. قَالَ: إِنَّك على علم من علم الله علمكه لَا أعلمهُ، وَأَنا على علم
من علم الله علمنيه لَا تعلمه {قَالَ لَهُ مُوسَى هَل أتبعك على أَن تعلمن
مِمَّا علمت رشدا. قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا. وَكَيف تصبر على
مَا لم تحط بِهِ خَبرا. قَالَ ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي
لَك أمرا} قَالَ لَهُ الْخضر: {فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء
حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا} قَالَ: نعم. فَانْطَلق الْخضر ومُوسَى يمشيان
على سَاحل الْبَحْر فمرت بهما سفينة فكلماهم أَن يحملوهما فعرفوا الْخضر
فمحلوهما بِغَيْر نول، فَعمد الْخضر إِلَى لوح من أَلْوَاح السَّفِينَة
فَنَزَعَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قوم حملونا بِغَيْر نول عَمَدت إِلَى
[سفينتهم] فخرقتها {لتغرق أَهلهَا لقد جِئْت شَيْئا إمرا. قَالَ ألم أقل
إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا. قَالَ لَا تؤاخذني بِمَا نسيت ولَا ترهقني
من أَمْرِي عسرا} ثمَّ خرجا من السَّفِينَة فَبَيْنَمَا هما يمشيان على
السَّاحِل إِذا غُلَام يعلب مَعَ الغلمان، فَأخذ الْخضر بِرَأْسِهِ فاقتلعه
بِيَدِهِ فَقتله فَقَالَ مُوسَى: {أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس لقد جِئْت
شئ نكرا. قَالَ ألم أقل لَك إِنَّك لن / تَسْتَطِيع معي صبرا} قَالَ:
وَهَذِه أَشد من الأولى {قَالَ إِن سَأَلتك عَن شيئ بعْدهَا فَلَا
تُصَاحِبنِي قد بلغت من لدني عذرا. فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل
قَرْيَة استطعما أَهلهَا فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فوجدا فِيهَا جدارا
يُرِيد أَن ينْقض فأقامه} يَقُول:
(4/156)
مائل. قَالَ الْخضر بِيَدِهِ هَكَذَا
فأقامه، قَالَ مُوسَى: قوم أتيناهم فَلم يضيفونا وَلم يطعمونا {لَو شِئْت
لاتخذت عَلَيْهِ أجرا. قَالَ هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك سأنبئك بِتَأْوِيل
مَا لم تستطع عَلَيْهِ صبرا} قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: يرحم الله مُوسَى لَوَدِدْت أَنه كَانَ صَبر حَتَّى (كَانَ)
يقص علينا من أخبارهما. قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كَانَت الأولى من مُوسَى نِسْيَانا. قَالَ: وَجَاء
عُصْفُور حَتَّى وَقع على حرف السَّفِينَة ثمَّ نقر فِي الْبَحْر، فَقَالَ
الْخضر: مَا نقص علمي وعلمك من علم الله إِلَّا مثل مَا نقص هَذَا العصفور
من الْبَحْر. قَالَ سعيد بن جُبَير: وَكَانَ يقْرَأ: " وَكَانَ أمامهم ملك
يَأْخُذ كل سفينة صَالِحَة غصبا "، وَكَانَ يقْرَأ: " وَأما الْغُلَام
فَكَانَ كَافِرًا ".
حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، حَدثنَا الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان،
عَن أَبِيه، عَن رَقَبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: "
قيل لِابْنِ عَبَّاس: إِن نَوْفًا يزْعم أَن مُوسَى الَّذِي ذهب يلْتَمس
الْعلم لَيْسَ بمُوسَى بني إِسْرَائِيل ... " واقتص الحَدِيث نَحْو مَا
تقدم، وَقَالَ فِيهِ: " أَنا مُوسَى. قَالَ: وَمن مُوسَى؟ قَالَ: مُوسَى
بني إِسْرَائِيل: وَقَالَ فِيهِ: " وَكَيف تصبر على مَا لم تحط بِهِ خَبرا،
شَيْء أمرت أَن أَفعلهُ إِذا رَأَيْته لم تصبر ".
وَفِيه أَيْضا من قَول الْخضر: " وَأما الْغُلَام فطبع يَوْم طبع كَافِرًا
وَكَانَ أَبَوَاهُ قد عطفا عَلَيْهِ، فَلَو أَنه أدْرك أرهقهما طغيانا
وَكفرا ".
وللترمذي فِي هَذَا الحَدِيث من الزِّيَادَة: " وَكَانَ الْحُوت قد أكل
مِنْهُ لَحْمًا
(4/157)
فَلَمَّا قطر عَلَيْهِ المَاء عَاشَ ".
رَوَاهُ عَن ابْن [أبي] عمر بِإِسْنَاد مُسلم - رحمهمَا الله.
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، أبنا هِشَام بن يُوسُف، أَن
ابْن جريج أخْبرهُم [قَالَ:] أَخْبرنِي يعلى بن مُسلم وَعَمْرو بن دِينَار،
عَن سعيد بن جُبَير - يزِيد أَحدهمَا على صَاحبه - وَغَيرهمَا قد سمعته
يحدثه عَن سعيد قَالَ: " إِنَّا لعِنْد ابْن عَبَّاس فِي بَيته إِذْ قَالَ:
[سلوني] . قلت: أَي أَبَا الْعَبَّاس، جعلني الله فدَاك، بِالْكُوفَةِ رجل
قاص يُقَال لَهُ نوف يزْعم أَنه لَيْسَ بمُوسَى بني إِسْرَائِيل. أما
عَمْرو قَالَ: كذب عَدو الله. وَأما يعلى فَقَالَ لي: قَالَ ابْن عَبَّاس:
/ حَدثنِي أبي بن كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مُوسَى رَسُول الله قَالَ: ذكر النَّاس يَوْمًا
حَتَّى إِذا فاضت الْعُيُون ورقت الْقُلُوب ولى فأدركه رجل فَقَالَ: أَي
رَسُول الله هَل فِي الأَرْض أحد أعلم مِنْك؟ قَالَ: لَا. فعتب عَلَيْهِ
إِذْ لم يرد الْعلم إِلَى الله. قيل: بلَى. فَقَالَ: أَي رب، وَأَيْنَ؟
قَالَ: بمجمع الْبَحْرين. قَالَ: أَي رب اجْعَل لي علما أعلم ذَلِك بِهِ.
قَالَ: قَالَ لي عَمْرو: قَالَ: حَيْثُ يفارقك الْحُوت. وَقَالَ لي يعلى:
قَالَ: خُذ نونا مَيتا حَيْثُ ينْفخ فِيهِ الرّوح. فَأخذ حوتا فَجعله فِي
مكتل فَقَالَ لفتاه: لَا أكلفك إِلَّا أَن تُخبرنِي بِحَيْثُ يفارقك
الْحُوت. قَالَ: مَا كلفت كثيرا. فَذَلِك قَوْله: {وَإِذ قَالَ مُوسَى
لفتاه} يُوشَع بن نون - لَيست عَن سعيد - قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ظلّ
صَخْرَة فِي مَكَان ثريان، إِذْ [تضرب] الْحُوت ومُوسَى نَائِم، فَقَالَ
فتاه: لَا أوقظه. حَتَّى إِذا اسْتَيْقَظَ نسي أَن يُخبرهُ، وتضرب الْحُوت
حَتَّى دخل الْبَحْر فَأمْسك الله عَنهُ جرية الْبَحْر حَتَّى كَأَن أَثَره
فِي حجر. قَالَ لي عَمْرو: هَكَذَا كَأَن أَثَره فِي حجر - وَحلق بَين
(4/158)
إبهاميه وَالَّتِي تليانهما {لقد لَقينَا
من سفرنا هَذَا نصبا} قَالَ: قد قطع الله عَنْك النصب - لَيست هَذِه عَن
سعيد - أخبرهُ فَرَجَعَا فوجدا خضرًا. فَقَالَ لي [عُثْمَان] ابْن أبي
سُلَيْمَان: على طنفسة خضراء على كبد الْبَحْر. فَقَالَ سعيد بن جُبَير:
مسجى بِثَوْبِهِ قد جعل طرفه تَحت رجلَيْهِ، وطرفه تَحت رَأسه. فَسلم
عَلَيْهِ مُوسَى فكشف عَنهُ وَجهه، وَقَالَ: قل بِأَرْض من سَلام؟ من
أَنْت؟ قَالَ: أَنا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بني إِسْرَائِيل؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: فَمَا شَأْنك؟ قَالَ: جِئْت لتعلمني مِمَّا علمت رشدا. قَالَ: أما
يَكْفِيك أَن التَّوْرَاة بيديك، وَأَن الْوَحْي يَأْتِيك؟ يَا مُوسَى، إِن
لي علما لَا يَنْبَغِي لَك أَن تعلمه، وَإِن لَك علما لَا يَنْبَغِي لي أَن
أعلمهُ، فَأخذ طَائِر بمنقاره من الْبَحْر فَقَالَ: وَالله مَا علمي وَمَا
علمك فِي جنب علم الله - تَعَالَى - إِلَّا كَمَا أَخذ هَذَا الطَّائِر
بمنقاره من الْبَحْر. حَتَّى إِذا ركبا فِي السَّفِينَة وجد معابر صغَارًا
تحمل أهل هَذَا السَّاحِل إِلَى أهل هَذَا السَّاحِل، عرفوه. فَقَالُوا:
عبد الله الصَّالح - قَالَ: قُلْنَا لسَعِيد: خضر؟ قَالَ: نعم - لَا نحمله
بِأَجْر، فخرقها، ووتد فِيهِ وتدا. قَالَ مُوسَى: {أخرقتها لتغرق أَهلهَا
لقد جِئْت شَيْئا إمرا} / قَالَ مُجَاهِد: مُنْكرا {قَالَ ألم أقل إِنَّك
لن تَسْتَطِيع معي صبرا} كَانَت الأولى نِسْيَانا، وَالْوُسْطَى شرطا،
وَالثَّالِثَة عمدا. {قَالَ لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من
أَمْرِي عسرا} لقيا غُلَاما فَقتله. قَالَ يعلى: قَالَ سعيد: وجد غلمانا
يَلْعَبُونَ فَأخذ غُلَاما كَافِرًا ظريفا فأضجعه ثمَّ ذبحه بالسكين.
{قَالَ أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس} لم تعْمل بِالْحِنْثِ. قَالَ: ابْن
عَبَّاس قَرَأَهَا: " زكية زاكية مسلمة " كَقَوْلِك: غُلَاما ذاكيا.
فَانْطَلقَا فوجدا جدارا يُرِيد أَن ينْقض فأقامه. قَالَ سعيد بِيَدِهِ
هَكَذَا وَرفع يَده فاستقام. قَالَ
(4/159)
يعلى: حسبت أَن سعيدا قَالَ: فمسحه
بِيَدِهِ [فاستقام] {لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} قَالَ سعيد: أجرا
نأكله. {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} : وَكَانَ أمامهم، قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس "
أمامهم " {ملك} يَزْعمُونَ عَن غير سعيد أَنه هدد بن بدد، والغلام
الْمَقْتُول اسْمه يَزْعمُونَ - حيسور - {ملك يَأْخُذ كل سفينة غصبا}
فَأَرَدْت إِذا هِيَ مرت بِهِ أَن يَدعهَا لعيبها، فَإِذا جاوزوا أصلحوها
فانتفعوا بهَا. مِنْهُم من يَقُول سدوها بقارورة، وَمِنْهُم من يَقُول:
بالقار. كَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين. وَكَانَ كَافِرًا {فَخَشِينَا أَن
يرهقهما طغيانا وَكفرا} أَن يحملهما حبه على أَن يتابعاه على دينه، {فأردنا
أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة} لقَوْله: قتلت نفسا زكية {وَأقرب
رحما} هما بِهِ أرْحم مِنْهُمَا بِالْأولِ الَّذِي قتل خضر. وَزعم سعيد
أَنَّهُمَا أبدلا جَارِيَة. وَأما دَاوُد ابْن أبي عَاصِم فَقَالَ عَن غير
وَاحِد إِنَّهَا جَارِيَة ".
وَفِي حَدِيث آخر للْبُخَارِيّ: " فَقَالَ الْخضر لمُوسَى: مَا علمي وعلمك
وَعلم الْخَلَائق فِي علم الله إِلَّا مِقْدَار مَا غمس هَذَا العصفور
منقاره. قَالَ: فَلم [يفجأ] مُوسَى إِذْ عمد الْخضر إِلَى قدوم فخرق
السَّفِينَة ".
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، أبنا الْمُعْتَمِر بن
سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن رَقَبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن
سعيد بن جُبَير قَالَ: " قيل لِابْنِ عَبَّاس: إِن نَوْفًا يزْعم أَن
مُوسَى الَّذِي ذهب يلْتَمس الْعلم لَيْسَ بمُوسَى بني إِسْرَائِيل. قَالَ:
سمعته يَا سعيد؟ قَالَ: نعم. قَالَ: كذب نوف، حَدثنَا أبي بن كَعْب قَالَ:
سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: إِنَّه
بَيْنَمَا مُوسَى فِي قومه يذكرهم بأيام الله - وَأَيَّام الله نعماؤه
(4/160)
وبلاؤه - إِذْ قَالَ: مَا أعلم فِي الأَرْض
رجلا / خيرا - أَو أعلم - مني. قَالَ: فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي أعلم
بِالْخَيرِ مِنْهُ - أَو عِنْد من هُوَ - إِن فِي الأَرْض رجلا هُوَ أعلم
مِنْك. قَالَ: يَا رب، فدلني عَلَيْهِ. قَالَ: فَقيل لَهُ: تزَود حوتا
مالحا فَإِنَّهُ حَيْثُ تفقد الْحُوت. قَالَ: فَانْطَلق هُوَ وفتاه حَتَّى
[انتهيا] إِلَى الصَّخْرَة فَعميَ عَلَيْهِ، فَانْطَلق وَترك فتاه، فاضطرب
الْحُوت فِي المَاء فَجعل لَا يلتئم عَلَيْهِ، صَار مثل الكوة. قَالَ:
فَقَالَ فتاه: أَلا ألحق نَبِي الله وَأخْبرهُ. قَالَ: فنسي. فَلَمَّا
تجاوزا {قَالَ لفتاه آتنا غداءنا لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا} قَالَ:
وَلم يصبهم نصب حَتَّى تجاوزا. قَالَ: فَتذكر فَقَالَ: {أَرَأَيْت إِذْ
أوينا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت وَمَا أنسانيه إِلَى
الشَّيْطَان أَن أذكرهُ وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر عجبا. قَالَ ذَلِك مَا
كُنَّا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} فَأرَاهُ مَكَان الْحُوت قَالَ: هَا
هُنَا وصف لي. قَالَ: فَذهب يلْتَمس فَإِذا هُوَ بالخضر مسجى ثوبا
مُسْتَلْقِيا على الْقَفَا - أَو قَالَ على حلاوة الْقَفَا - قَالَ:
السَّلَام عَلَيْكُم. فكشف الثَّوْب عَن وَجهه وَقَالَ: وَعَلَيْكُم
السَّلَام من أَنْت؟ قَالَ: أَنا مُوسَى. قَالَ: من مُوسَى؟ قَالَ: مُوسَى
بني إِسْرَائِيل. قَالَ: مَجِيء مَا جَاءَ بك؟ قَالَ: جِئْت لتعلمني مِمَّا
علمت رشدا. {قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا. وَكَيف تصبر على مَا لم
تحط بِهِ خَبرا} شَيْء أمرت بِهِ أَن أَفعلهُ إِذا رَأَيْته لم تصبر {قَالَ
ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا. قَالَ فَإِن اتبعتني
فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا. فَانْطَلقَا
حَتَّى إِذا ركبا فِي السَّفِينَة خرقها} قَالَ: انتحى عَلَيْهَا. قَالَ
لَهُ مُوسَى: {أخرقتها لتغرق أَهلهَا لقد جِئْت شَيْئا إمرا. قَالَ ألم أقل
لَك إِنَّك لن تستيطع معي صبرا. قَالَ لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني
من أَمْرِي عسرا} فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا لقيا غلمانا يَلْعَبُونَ قَالَ:
فَانْطَلق
(4/161)
إِلَى أحدهم بادئ الرَّأْي فَقتله، فذعر
عِنْدهَا مُوسَى ذعرة مُنكرَة {قَالَ أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس لقد
جِئْت شَيْئا نكرا} قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - عِنْد هَذَا: رَحْمَة الله علينا وعَلى مُوسَى، لَوْلَا أَنه عجل لرَأى
الْعجب وَلكنه أَخَذته من صَاحِبَة ذمَامَة {قَالَ إِن سَأَلتك عَن شَيْء
بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي قد بلغت من لدني عذرا} وَلَو صَبر لرَأى الْعجب.
قَالَ - وَكَانَ إِذا ذكر / [أحدا] من الْأَنْبِيَاء بَدَأَ بِنَفسِهِ -:
رَحْمَة الله علينا وعَلى أخي - كَذَا رَحْمَة الله علينا - {فَانْطَلقَا
حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة} [لِئَامًا فَطَافَا فِي الْمجَالِس]
{استطعما أَهلهَا فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فوجدا فِيهَا جدارا يُرِيد
أَن ينْقض فأقامه قَالَ لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا. قَالَ هَذَا
فِرَاق بيني وَبَيْنك} [وَأخذ بِثَوْبِهِ] {سأنبئك بِتَأْوِيل مَا لم تستطع
عَلَيْهِ صبرا. أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر}
إِلَى آخر الْآيَة. فَإِذا جَاءَ الَّذِي يسخرها وجدهَا منخرقة فتجاوزها،
فأصلحوها بخشبة. وَأما الْغُلَام فطبع يَوْم طبع كَافِرًا وَكَانَ
أَبَوَاهُ قد عطفا عَلَيْهِ، فَلَو أَنه أدْرك أرهقهما {طغيانا وَكفرا.
فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما. وَأما الْجِدَار
فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة} إِلَّا آخر الْآيَة ".
قَالَ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " حَتَّى إِذا ركبا فِي
السَّفِينَة فَخرج من كَانَ فِيهَا وتخلف ليخرقها " وَقَالَ: " حَتَّى إِذا
أَتَوا على غلْمَان يَلْعَبُونَ على سَاحل الْبَحْر فيهم غُلَام لَيْسَ فِي
الغلمان أحسن لَا أنظف، فَقتله " وَقَالَ: " فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا
أَتَيَا أهل قَرْيَة لئام وَقد أصَاب مُوسَى جهد فَلم يُضَيِّفُوهُمَا
فوجدا فِيهَا جدارا يُرِيد أَن ينْقض فأقامه، فَقَالَ مُوسَى مِمَّا نزل
بِهِ من الْجهد {لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} وَزَاد فِي قصَّة
الْغُلَام: " فَوَقع أَبوهُ على أمه فَولدت خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما
".
(4/162)
عبد بن حميد: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق، عَن
معمر، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: " مَا أَدْرِي تبعا لعينا كَانَ أم لَا، وَمَا أَدْرِي ذَا القرنين
نَبيا كَانَ أم لَا، وَمَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَات لأَهْلهَا أم لَا
".
ابْن أبي ذِئْب اسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة الْمدنِي
الْقرشِي.
البُخَارِيّ: حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا
شُعْبَة، عَن عَمْرو، عَن مُصعب قَالَ: " سَأَلت أبي {قل هَل ننبكلم
بالأخسرين أعمالا} [هم] الحرورية؟ قَالَ: لَا، هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
أما الْيَهُود فقد كذبُوا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-[وَأما] النَّصَارَى (فكذبوا) بِالْجنَّةِ وَقَالُوا لَا طَعَام فِيهَا
وَلَا شراب، والحرورية الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. وَكَانَ سعد
/ يسميهم الْفَاسِقين ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي
زَائِدَة، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: " قَالَت قُرَيْش ليهود: أعطونا شَيْئا نسْأَل هَذَا الرجل.
فَقَالُوا: سلوه عَن الرّوح. قَالَ: [فَسَأَلُوهُ] عَن الرّوح فَأنْزل
الله: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من
الْعلم إِلَّا قَلِيلا} قَالُوا: أوتينا علما كثيرا: التَّوْرَاة، وَمن
أُوتِيَ التَّوْرَاة فقد أُوتِيَ (علما) كثيرا. فأنزلت
(4/163)
{قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات
رَبِّي لنفد الْبَحْر} إِلَى آخر الْآيَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار وَغير وَاحِد، قَالُوا: ثَنَا
مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، عَن عبد الحميد بن جَعْفَر، أَخْبرنِي أبي،
عَن ابْن ميناء، عَن أبي سعيد بن أبي فضَالة الْأنْصَارِيّ - وَكَانَ من
الصَّحَابَة - قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا جمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ليَوْم
لَا ريب فِيهِ نَادَى مُنَاد: من كَانَ أشرك فِي عمل عمله لله أحدا فليطلب
ثَوَابه من عِنْد غير الله؛ فَإِن الله أغْنى الشُّرَكَاء عَن الشّرك ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث
مُحَمَّد بن بكر.
وَمن سُورَة مَرْيَم
قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو سعيد الْأَشَج وَمُحَمّد
بن الْمثنى قَالَا: ثَنَا ابْن إِدْرِيس، عَن أَبِيه، عَن سماك بن حَرْب،
عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة قَالَ: " بَعَثَنِي
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى نَجْرَان
فَقَالُوا لي: ألستم تقرءون {يَا أُخْت هَارُون} وَقد كَانَ بَين عِيسَى
ومُوسَى مَا كَانَ. فَلم أدر مَا أُجِيبهُم، فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرته فَقَالَ: أَلا
أَخْبَرتهم أَنهم كَانُوا يسمون بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ من
قبلهم ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من
حَدِيث ابْن
(4/164)
إِدْرِيس.
مُسلم: حَدثنَا ابْن نمير، ثَنَا ابْن إِدْرِيس، بِهَذَا الْإِسْنَاد
نَحوه.
البُخَارِيّ: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، ثَنَا أبي، ثَنَا الْأَعْمَش،
أبنا أَبُو صَالح، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُؤْتى بِالْمَوْتِ كَهَيئَةِ
كَبْش أَمْلَح فينادي مُنَاد: يَا أهل الْجنَّة. فَيَشْرَئِبُّونَ
وَيَنْظُرُونَ فَيَقُول: هَل تعرفُون هَذَا؟ / فَيَقُولُونَ: نعم هَذَا
الْمَوْت. وَكلهمْ قد رَآهُ، ثمَّ يُنَادي: يَا أهل النَّار.
فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُول: هَل تعرفُون هَذَا؟
فَيَقُولُونَ: نعم هَذَا الْمَوْت. وَكلهمْ قد رَآهُ فَيذْبَح، ثمَّ
يُقَال: يَا أهل الْجنَّة، خُلُود فَلَا موت، وَيَا أهل النَّار، خُلُود
فَلَا موت. ثمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر
وهم فِي غَفلَة} وَهَؤُلَاء فِي غَفلَة أهل الدُّنْيَا {وهم لَا يُؤمنُونَ}
"
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد،
ثَنَا شَيبَان، عَن قَتَادَة: " عَن قَوْله {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا}
قَالَ: حَدثنَا أنس أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: لما عرج بِي رَأَيْت إِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة ".
قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن.
البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو نعيم، ثَنَا عمر بن ذَر، سَمِعت أبي، عَن سعيد
بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لجبريل: مَا يمنعك أَن تَزُورنَا أَكثر مِمَّا
(4/165)
تَزُورنَا؟ فَنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّل
إِلَّا بِأَمْر رَبك لَهُ مَا بَين أَيْدِينَا وَمَا خلفنا} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، أبنا عبيد الله بن مُوسَى، عَن
إِسْرَائِيل، عَن السّديّ قَالَ: " سَأَلت مرّة الْهَمدَانِي عَن قَول الله
- عز وَجل -: {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} فَحَدثني أَن عبد الله بن
مَسْعُود حَدثهمْ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: يرد النَّاس النَّار ثمَّ يصدرون مِنْهَا بأعمالهم، فأولهم
كلمح الْبَرْق، ثمَّ كَالرِّيحِ، ثمَّ كحضر الْفرس، ثمَّ كالراكب فِي
رَحْله، ثمَّ كشد الرجل، ثمَّ كمشيه ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَقد رَوَاهُ شُعْبَة عَن السّديّ
فَلم يرفعهُ، قَالَ شُعْبَة: وَقد سمعته من السّديّ مَرْفُوعا وَلَكِنِّي
عمدا (أودعهُ) .
مُسلم: أخبرنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَعبد الله بن سعيد الْأَشَج -
وَاللَّفْظ لعبد الله - قَالَا: ثَنَا وَكِيع، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن أبي
الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، عَن خباب قَالَ: " كَانَ لي على الْعَاصِ بن
وَائِل دين فَأَتَيْته أَتَقَاضَاهُ. فَقَالَ لي: لن أقضيك حَتَّى تكفر
بِمُحَمد. قَالَ: فَقلت لَهُ: لن أكفر بِمُحَمد حَتَّى تَمُوت ثمَّ تبْعَث.
قَالَ: وَإِنِّي لمبعوث من بعد الْمَوْت؟ ! فَسَوف أقضيك إِذا رجعت إِلَى
مَال وَولد - قَالَ وَكِيع: كَذَا قَالَ الْأَعْمَش - قَالَ: فَنزلت هَذِه
الْآيَة: {أفرءيت الَّذِي كفر بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا
وَولدا} إِلَى قَوْله {ويأتينا فَردا} ".
(4/166)
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا
عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /
قَالَ: " إِذا أحب الله عبدا نَادَى جِبْرِيل: إِنِّي قد أَحْبَبْت فلَانا
فَأَحبهُ. قَالَ: فينادي فِي السَّمَاء، ثمَّ تنزل لَهُ الْمحبَّة فِي أهل
الأَرْض، فَذَلِك قَوْله: {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات
سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} وَإِذا أبْغض الله عبدا نَادَى جِبْرِيل:
إِنِّي قد أبغضت فلَانا. فينادي فِي السَّمَاء، ثمَّ تنزل لَهُ الْبغضَاء
فِي الأَرْض ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمن سُورَة طه
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا أَبُو نعيم، ثَنَا هِشَام بن
سعد، عَن زيد بن أسلم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما خلق الله آدم
مسح ظَهره فَسقط من ظَهره كل نسمَة هُوَ خَالِقهَا من ذُريَّته إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة، وَجعل بَين عَيْني كل إِنْسَان وبيصا من نور، ثمَّ عرضهمْ على
آدم فَقَالَ: أَي رب، من هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذريتك. فَرَأى رجلا
مِنْهُم فأعجبه وبيص مَا بَين عَيْنَيْهِ فَقَالَ: أَي رب، من هَذَا؟
قَالَ: هَذَا رجل من آخر الْأُمَم من ذريتك يُقَال لَهُ: دَاوُد. قَالَ: رب
كم جعلت عمره؟ قَالَ: سِتِّينَ سنة. قَالَ: [أَي رب] زده من عمري
أَرْبَعِينَ سنة. فَلَمَّا انْقَضى عمر آدم جَاءَهُ ملك الْمَوْت فَقَالَ:
أَو لم [يبْق]
(4/167)
من عمري [أَرْبَعُونَ] سنة قَالَ: أَو لم
تعطها ابْنك؟ قَالَ: فَجحد آدم فَجحدت ذُريَّته، وَنسي آدم فنسيت ذُريَّته
[و] خطئَ آدم فخطئت ذُريَّته ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَقد رُوِيَ من غير وَجه عَن
أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، حَدثنَا صَفْوَان بن عِيسَى،
ثَنَا الْحَارِث ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذُبَاب، عَن سعيد بن أبي سعيد
المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما خلق الله آدم وَنفخ فِيهِ الرّوح عطس
فَقَالَ: الْحَمد لله. فَحَمدَ الله بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ ربه:
يَرْحَمك الله يَا آدم، اذْهَبْ إِلَى اولئك الْمَلَائِكَة - إِلَى مَلأ
مِنْهُم جُلُوس - فَقل: السَّلَام عَلَيْكُم. قَالُوا: عَلَيْك السَّلَام
وَرَحْمَة الله. ثمَّ رَجَعَ إِلَى ربه فَقَالَ: إِن هَذِه تحيتك وتحية
بنيك بَينهم. فَقَالَ الله لَهُ ويداه مقبوضتان: اختر أَيهَا شِئْت. قَالَ:
اخْتَرْت يَمِين رَبِّي وكلتا يَدي رَبِّي يَمِين مباركة. ثمَّ بسط، فَإِذا
فِيهَا آدم وَذريته. فَقَالَ: أَي رب، من هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ
ذريتك، فَإِذا كل إِنْسَان مَكْتُوب عمره بَين عَيْنَيْهِ ... " / وَذكر
مَا تقدم. وَقَالَ فِيهِ: " ثمَّ أسكن الْجنَّة مَا شَاءَ الله ثمَّ أهبط
مِنْهَا ". وَقَالَ بعد قَوْله يَعْنِي: " فنسيت ذُريَّته ". " فَمن
يَوْمئِذٍ أَمر بِالْكتاب وَالشُّهُود ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، وَقد
رُوِيَ من غير وَجه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(4/168)
الْبَزَّار: حَدثنَا عقبَة بن مكرم الْعمي،
ثَنَا ربعي ابْن علية، ثَنَا عون، عَن قسَامَة بن زُهَيْر، عَن أبي مُوسَى
رَفعه قَالَ: " لما أخرج آدم من الْجنَّة زود من ثمار الْجنَّة، وَعلمه
صَنْعَة كل شَيْء، فثماركم هَذِه من ثمار الْجنَّة، غير أَن هَذِه تغير
وَتلك لَا تغير ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا رَفعه غير ربعي.
ربعي هُوَ ابْن علية أَخُو إِسْمَاعِيل ابْن علية وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون.
وقسامة بن زُهَيْر ثِقَة، ذكر ذَلِك فيهمَا يحيى بن معِين، وَلم يذكرهُ
أَبُو بكر الْبَزَّار.
أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن أبي الضَّحَّاك، سَمِعت
أبي هُرَيْرَة يحدث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام مَا
يقطعهَا، وَهِي شَجَرَة الْخلد ".
أَبُو الضَّحَّاك هَذَا روى عَنهُ شُعْبَة وأرطاة [بن] الْمُنْذر.
وَمن سُورَة الْأَنْبِيَاء
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سعيد بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي، حَدثنِي أبي،
ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن
الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لم يكذب إِبْرَاهِيم فِي شَيْء قطّ إِلَّا فِي
ثَلَاث فِي قَوْله {إِنِّي سقيم} وَلم يكن سقيما، وَقَوله لسارة: أُخْتِي،
وَقَوله: {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} ".
(4/169)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن
صَحِيح.
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد الرِّفَاعِي أَبُو هِشَام، ثَنَا
إِسْحَاق بن سُلَيْمَان الرَّازِيّ، ثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن
عَاصِم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما ألقِي إِبْرَاهِيم فِي
النَّار قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك فِي السَّمَاء وَاحِد، وَأَنا فِي
الأَرْض وَاحِد أعبدك ".
قَالَ أَبُو بكر: وَهَذَا حَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن عَاصِم إِلَّا أَبُو
جَعْفَر، وَلَا عَن أبي جَعْفَر إِلَّا إِسْحَاق، وَلم [أسمعهُ] إِلَّا من
أبي هِشَام.
البُخَارِيّ: حَدثنَا مَالك بن إِسْمَاعِيل [حَدثنَا إِسْرَائِيل] عَن أبي
حُصَيْن، عَن أبي الضُّحَى، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ آخر قَول
إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام - حِين ألقِي فِي / النَّار: حسبي الله
وَنعم الْوَكِيل ".
[أَبُو] بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد، ثَنَا عبد
الْعَزِيز بن الْمُخْتَار الْأنْصَارِيّ، عَن عبد الله الداناج قَالَ: "
شهِدت أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن فِي إِمَارَة خَالِد بن عبد الله بن
أَسد فِي هَذَا الْمَسْجِد - يَعْنِي مَسْجِد الْبَصْرَة - وَجَاء الْحسن
فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَحدث قَالَ: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَة عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن الشَّمْس وَالْقَمَر نوران
مكوران فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ: فَقَالَ الْحسن: وَمَا
ذنبهما؟ قَالَ: إِنِّي أحَدثك عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -. قَالَ: فَسكت ".
(4/170)
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد،
ثَنَا نوح بن قيس، عَن يزِيد بن كَعْب، عَن عَمْرو بن مَالك، عَن أبي
الجوزاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " السّجل كَاتب كَانَ للنَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب، ثَنَا شُعْبَة، عَن الْمُغيرَة
بن النُّعْمَان - شيخ من النخع - عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: " فَخَطب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ:
إِنَّكُم مَحْشُورُونَ إِلَى الله [حُفَاة] عُرَاة غرلًا {كَمَا بدأنا أول
خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} [ثمَّ إِن] أول من يكسى يَوْم
الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم إِلَّا أَنه يجاء بِرِجَال من أمتِي فَيُؤْخَذ بهم
ذَات الشمَال، فَأَقُول: يَا رب أَصْحَابِي. فَيُقَال: لَا تَدْرِي مَا
أَحْدَثُوا بعْدك. فَأَقُول كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح: {وَكنت
عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم} إِلَى قَوْله {شَهِيد} فَيَقُول: إِن
هَؤُلَاءِ لم يزَالُوا مرتدين على أَعْقَابهم مُنْذُ فَارَقْتهمْ ".
(4/171)
وَمن سُورَة الْحَج
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا يحيى بن سعيد، أبنا هِشَام
بن أبي عبد الله، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ:
" كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر
فتفاوت بَين أَصْحَابه فِي السّير فَرفع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَوته بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {يَا أَيهَا النَّاس
اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} إِلَى قَوْله {عَذَاب
الله شَدِيد} فَلَمَّا سمع ذَلِك أَصْحَابه حثوا الْمطِي، وَعرفُوا أَنه
عِنْد قَول يَقُوله، فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ أَي يَوْم ذَلِك؟ قَالُوا:
الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: ذَلِك يَوْم يُنَادي الله فِيهِ آدم فيناديه
ربه فَيَقُول: يَا آدم، ابْعَثْ بعث النَّار. فَيَقُول: يَا رب وَمَا بعث
النَّار؟ فَيَقُول: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين فِي النَّار،
وَوَاحِد فِي الْجنَّة، فيئس الْقَوْم حَتَّى مَا أبدوا بِضَاحِكَةٍ،
فَلَمَّا رأى رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الَّذِي بِأَصْحَابِهِ قَالَ: اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فوالذي نفس مُحَمَّد
بِيَدِهِ إِنَّكُم لمع خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْء إِلَّا
كَثرَتَاهُ يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَمن مَاتَ من بني آدم وَبني إِبْلِيس.
قَالَ: فَسرِّي عَن الْقَوْم بعض الَّذِي يَجدونَ [فَقَالَ] : اعْمَلُوا
وَأَبْشِرُوا فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُم فِي النَّاس إِلَّا
كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الدَّابَّة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة: عَن مُحَمَّد بن بشر، عَن ابْن أبي عرُوبَة، عَن
قَتَادَة، عَن الْعَلَاء بن زِيَاد، عَن عمرَان مَرْفُوعا.
وَلأبي عِيسَى فِي حَدِيث آخر بعد قَوْله: " وَوَاحِد فِي الْجنَّة ": "
فَأَنْشَأَ الْمُسلمُونَ يَبْكُونَ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قاربوا وسددوا فَإِنَّهَا لم تكن نبوة قطّ إِلَّا
كَانَ بَين يَديهَا جَاهِلِيَّة. قَالَ: فَيُؤْخَذ الْعدَد من
الْجَاهِلِيَّة فَإِن تمت وَإِلَّا كملت من الْمُنَافِقين ".
(4/172)
وَرَوَاهُ عَن ابْن أبي عمر، عَن سُفْيَان،
عَن ابْن جدعَان، عَن الْحسن، عَن عمرَان، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث، ثَنَا يحيى بن أبي بكير،
حَدثنِي إِسْرَائِيل، عَن أبي حُصَيْن، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن
عَبَّاس: " {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} [قَالَ] : كَانَ الرجل
يقدم الْمَدِينَة فَإِن ولدت امْرَأَته غُلَاما ونتجت خيله قَالَ: هَذَا
دين صَالح. وَإِن لم تَلد امْرَأَته غُلَاما وَلم تنْتج خيله قَالَ: هَذَا
دين سوء ".
مُسلم: حَدثنَا عَمْرو بن زُرَارَة، ثَنَا هشيم، عَن أبي هَاشم، عَن أبي
مجلز، عَن قيس بن عباد قَالَ: " سَمِعت أَبَا ذَر يقسم قسما أَن {هَذَانِ
خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} أَنَّهَا أنزلت فِي الَّذين برزوا يَوْم بدر:
حَمْزَة وَعلي وَعبيدَة بن الْحَارِث - رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ -
وَعتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن عتبَة ".
عبد بن حميد قَالَ: حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن
سعيد بن يزِيد، عَن أبي السَّمْح، عَن ابْن حجيرة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الْحَمِيم
يصب على رُءُوسهم فَينفذ الجمجمة حَتَّى يخلص إِلَى جَوْفه، فيسلت مَا فِي
جَوْفه حَتَّى يمزق بَين قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصهر ثمَّ يعود كَمَا كَانَ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَغير وَاحِد، قَالُوا:
ثَنَا عبد الله بن صَالح، حَدثنِي اللَّيْث، عَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد،
عَن ابْن شهَاب، عَن
(4/173)
مُحَمَّد بن عُرْوَة، عَن عبد الله بن
الزبير قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
/: " إِنَّمَا سمي الْبَيْت الْعَتِيق؛ لِأَنَّهُ لم يظْهر عَلَيْهِ
جَبَّار ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، قد رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ،
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.
وَقَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، أبنا أبي وَإِسْحَاق بن يُوسُف
الْأَزْرَق، عَن سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش، عَن مُسلم البطين، عَن سعيد بن
جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " لما أخرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من مَكَّة قَالَ أَبُو بكر: أخرجُوا نَبِيّهم
ليهلكن. فَأنْزل الله: {أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن
الله على نَصرهم لقدير} الْآيَة. فَقَالَ أَبُو بكر: لقد علمت أَنه سَيكون
قتال ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقد رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَغَيره،
عَن سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش، عَن مُسلم البطين، عَن سعيد بن جُبَير
مُرْسلا. لَيْسَ فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس.
وَمن سُورَة {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ}
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي
صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَله منزل فِي
الْجنَّة ومنزل فِي النَّار، فَإِذا مَاتَ فَدخل النَّار ورث أهل الْجنَّة
منزله. قَالَ: فَذَلِك قَوْله: {أُولَئِكَ هم الوارثون} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا روح بن عبَادَة، عَن سعيد، عَن
قَتَادَة، عَن أنس بن مَالك " أَن الرّبيع بنت النَّضر أَتَت النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ ابْنهَا الْحَارِث بن سراقَة
أُصِيب يَوْم بدر، أَصَابَهُ سهم غرب، فَأَتَت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: أَخْبرنِي عَن
(4/174)
حَارِثَة لَئِن كَانَ أصَاب خيرا احتسبت
وَصَبَرت، وَإِن لم يصب الْخَيْر اجتهدت فِي الدُّعَاء. فَقَالَ نَبِي الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا أم حَارِثَة، إِنَّهَا جنان
فِي جنَّة، وَإِن ابْنك أصَاب الفردوس الْأَعْلَى، والفردوس ربوة الْجنَّة
وأوسطها وأفضلها ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث أنس.
وَمن سُورَة النُّور
عبد بن حميد: أخبرنَا يزِيد بن هَارُون وشبابة، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن
شُعْبَة قَالَ: " جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس من أهل الْعرَاق وَنحن على
الْعقبَة فَقَالَ: إِن لي إِلَيْك حَاجَة / فَقَالَ: تكلم بحاجتك. فَقَالَ
الرجل: إِنِّي أستحي من هَؤُلَاءِ. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ عَلَيْك
عين إِنَّمَا هَؤُلَاءِ موَالِي وَأهل بَيْتِي. قَالَ: إِنِّي كنت أتبع
امْرَأَة فَأَصَبْت مِنْهَا مَا حرم الله، وَرَزَقَنِي الله التَّوْبَة،
فَأَرَدْت أَن أَتَزَوَّجهَا فَقَالَ النَّاس: {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا
زَانِيَة أَو مُشركَة} فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ هَذَا مَوضِع هَذِه
الْآيَة، إِنَّمَا كن بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّة، على أبوابهن رايات
كرايات البياطرة، فَأنْزل الله - عز وَجل -: {والزانية لَا ينْكِحهَا
إِلَّا زَان أَو مُشْرك} حَتَّى أتم الْآيَة، ففيهن نزلت هَذِه الْآيَة،
فَتَزَوجهَا فَمَا كَانَ من إِثْم فَهُوَ عَليّ ".
مُسلم: حَدثنَا حبَان بن مُوسَى، أخبرنَا عبد الله بن الْمُبَارك، أبنا
يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي.
وثنا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي وَمُحَمّد بن رَافع وَعبد بن
حميد. قَالَ ابْن
(4/175)
رَافع: ثَنَا. وَقَالَ الْآخرَانِ: أبنا
عبد الرَّزَّاق، أبنا معمر - والسياق حَدِيث معمر من رِوَايَة عبد وَابْن
رَافع - قَالَ يُونُس وَمعمر جَمِيعًا: عَن الزُّهْرِيّ، أَخْبرنِي سعيد بن
الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وعلقمة بن وَقاص وَعبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة بن مَسْعُود عَن حَدِيث عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين قَالَ لَهَا أهل الْإِفْك مَا قَالُوا فبرأها
الله، وَكلهمْ حَدثنِي طَائِفَة من حَدِيثهَا، وَبَعْضهمْ كَانَ أوعى
لحديثها من بعض، وَأثبت اقتصاصا، وَقد وعيت عَن كل وَاحِد مِنْهُم الحَدِيث
الَّذِي حَدثنِي، وَبَعض حَدِيثهمْ يصدق بَعْضهَا؛ ذكرُوا أَن عَائِشَة زوج
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت: " كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أَرَادَ [أَن] يخرج سفرا
أَقرع بَين نِسَائِهِ فأيتهن خرج سهمها خرج بهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - مَعَه. قَالَت عَائِشَة: فأقرع بَيْننَا فِي غَزْوَة غَزَاهَا
فَخرج سهمي فِيهَا فَخرجت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَذَلِكَ بَعْدَمَا أنزل الْحجاب، فَأَنا أحمل فِي هودجي
وَأنزل فِيهِ مسيرنا، حَتَّى إِذا فرغ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غَزوه وقفل ودنونا من الْمَدِينَة أذن لَيْلَة
بالرحيل، فَقُمْت حِين أذنوا بالرحيل فمشيت حَتَّى جَاوَزت الْجَيْش
فَلَمَّا قضيت من شأني، أَقبلت إِلَى الرحيل فلمست صَدْرِي / فَإِذا عقدي
من جزع ظفار قد انْقَطع فَرَجَعت فَالْتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، فَأقبل
الرَّهْط الَّذين كَانُوا يرحلون بِي فحملوا هودجي فرحلوه على بَعِيري
الَّذِي كنت أركب، وهم يحسبون أَنِّي فِيهِ. قَالَت: فَكَانَ النِّسَاء
إِذْ ذَاك خفافا لم (يثقلن) وَلم يغشهن اللَّحْم، إِنَّمَا يأكلن الْعلقَة
من الطَّعَام، فَلم يستنكر الْقَوْم ثقل الهودج حِين رحلوه ورفعوه، وَكنت
جَارِيَة حَدِيثَة السن فبعثوا الْجمل وَسَارُوا وَوجدت عقدي بَعْدَمَا
اسْتمرّ الْجَيْش، فَجئْت مَنَازِلهمْ وَلَيْسَ بهَا دَاع وَلَا مُجيب
فَتَيَمَّمت منزلي الَّذِي كنت فِيهِ وظننت أَن الْقَوْم سيفقدونني فيرجعون
إِلَيّ، فَبينا أَنا جالسة فِي [منزلي] غلبتني عَيْني فَنمت، وَكَانَ
صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ ثمَّ الذكواني قد عرس من وَرَاء الْجَيْش،
فأدلج فَأصْبح [عِنْد] منزلي فَرَأى سَواد إِنْسَان نَائِم فَأَتَانِي
فعرفني حِين رَآنِي، وَقد كَانَ
(4/176)
يراني قبل أَن يضْرب الْحجاب عَليّ،
فَاسْتَيْقَظت [باسترجاعه] حِين عرفني، فخمرت وَجْهي بجلبابي، فوَاللَّه
مَا يكلمني كلمة، وَلَا سَمِعت مِنْهُ كلمة غير استرجاعه، حَتَّى أَنَاخَ
رَاحِلَته، فوطئ على يَديهَا فركبتها، فَانْطَلق يَقُود بِي الرَّاحِلَة
حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْش بَعْدَمَا نزلُوا موغرين فِي نحر الظهيرة،
فَهَلَك من هلك فِي شأني، وَكَانَ الَّذِي تولى كبره: عبد الله بن أبي ابْن
سلول، فقدمنا الْمَدِينَة فاشتكيت حِين قدمنَا شهرا، وَالنَّاس يفيضون فِي
قَول أهل الْإِفْك، وَلَا أشعر بِشَيْء من ذَلِك، وَهُوَ يريبني فِي وجعي
أَنِّي لَا أعرف من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
اللطف الَّذِي كنت أرى مِنْهُ حِين أشتكي، إِنَّمَا يدْخل رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ يسلم فَيَقُول: كَيفَ تيكم؟
فَذَاك يريبني وَلَا أشعر بِالشَّرِّ، حَتَّى خرجت بَعْدَمَا نقهت، وَخرجت
معي أم مسطح قبل المناصع وَهُوَ متبرزنا، وَلَا نخرج إِلَّا لَيْلًا إِلَى
ليل، وَذَلِكَ قبل أَن نتَّخذ الكنف قَرِيبا من بُيُوتنَا، وأمرنا أَمر
الْعَرَب الأول فِي التَّنَزُّه، كُنَّا نتأذى بالكنف أَن نتخذها عِنْد
بُيُوتنَا، فَانْطَلَقت أَنا وَأم مسطح - وَهِي ابْنة أبي رهم بن الْمطلب
بن عبد منَاف، وَأمّهَا ابْنة صَخْر بن عَامر خَالَة أبي بكر الصّديق،
وَابْنهَا مسطح بن أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب - / فَأَقْبَلت أَنا
وَابْنَة أبي رهم قبل بَيْتِي حِين فَرغْنَا من شَأْننَا، فَعَثَرَتْ أم
مسطح فِي مرْطهَا فَقَالَت: تعس مسطح. فَقلت لَهَا: بئس مَا تَقُولِينَ
أتسبين رجلا قد شهد بَدْرًا؟ قَالَت: أَي هنتاه أَو لم تسمعي مَا قَالَ؟
قلت: وماذا قَالَ؟ قَالَت: فأخبرتني بقول أهل الْإِفْك. فازددت مَرضا إِلَى
مرضِي، فَلَمَّا رجعت إِلَى بَيْتِي فَدخل عَليّ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ قَالَ: كَيفَ تيكم؟ قلت: أتأذن لي أَن
آتِي أَبَوي؟ قَالَت: وَأَنا حِينَئِذٍ أُرِيد أَن أتيقن الْخَبَر من
قبلهمَا، فَأذن لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَجئْت أَبَوي فَقلت لأمي: يَا أمتاه مَا يتحدث النَّاس؟ فَقَالَت: يَا
بنية، هوني عَلَيْك فوَاللَّه
(4/177)
لقل مَا كَانَت امْرَأَة وضيئة عِنْد رجل
يُحِبهَا وَلها ضرائر إِلَّا كثرن عَلَيْهَا. قَالَت: قلت: سُبْحَانَ الله
وَقد تحدث النَّاس بِهَذَا؟ ! قَالَت: فَبَكَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى
أَصبَحت لَا يرقأ لي دمع وَلَا أكتحل بنوم، ثمَّ أَصبَحت أبْكِي ودعا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَليّ بن أبي طَالب
وَأُسَامَة بن زيد حِين استلبث الْوَحْي يستشيرهما فِي فِرَاق أَهله.
قَالَت: فَأَما أُسَامَة بن زيد فَأَشَارَ على رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالَّذِي يعلم من براءه أَهله، وَبِالَّذِي
يعلم فِي نَفسه لَهُم من الود. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هم أهلك وَلَا
نعلم إِلَّا خيرا. وَأما عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: لم يضيق الله عَلَيْك
وَالنِّسَاء سواهَا كثير وَإِن تسْأَل الْجَارِيَة تصدقك. قَالَت: فَدَعَا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَرِيرَة فَقَالَ: أَي
بَرِيرَة، هَل رَأَيْت من شَيْء يريبك فِي عَائِشَة؟ قَالَت لَهُ بَرِيرَة:
وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا رَأَيْت عَلَيْهَا أمرا قطّ أغمصه
عَلَيْهَا أَكثر من أَنَّهَا جَارِيَة حَدِيثَة السن تنام عَن عجين أَهلهَا
فتأتي الدَّاجِن فتأكله. قَالَت: فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْمِنْبَر فاستعذر من عبد الله بن أبي ابْن
سلول قَالَت: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهُوَ على الْمِنْبَر: يَا معشر الْمُسلمين، من يعذرني من رجل بَلغنِي
أَذَاهُ فِي أهل بَيْتِي، فوَاللَّه مَا علمت على أهل بَيْتِي إِلَّا خيرا،
وَلَقَد ذكرُوا رجلا مَا عملت عَلَيْهِ إِلَّا خيرا، وَمَا كَانَ يدْخل على
أَهلِي إِلَّا معي. فَقَامَ سعد بن معَاذ الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: أَنا
أعذرك مِنْهُ يَا رَسُول الله، إِن كَانَ من الْأَوْس ضربنا عُنُقه، وَإِن
كَانَ من إِخْوَاننَا الْخَزْرَج أمرتنا فَفَعَلْنَا أَمرك. قَالَ: فَقَامَ
سعد بن عبَادَة / وَهُوَ سيد الْخَزْرَج وَكَانَ رجلا صَالحا وَلَكِن
احتملته الحمية فَقَالَ لسعد بن معَاذ: كذبت، لعمر الله لَا تقتله وَلَا
تقدر عَلَيْهِ. فَقَامَ أسيد بن حضير وَهُوَ ابْن عَم سعد بن معَاذ فَقَالَ
سعد بن عبَادَة: كذبت لعمر الله [لنقتلنه] فَإنَّك مُنَافِق تجَادل عَن
الْمُنَافِقين. فثار الْحَيَّانِ - الْأَوْس والخزرج - حَتَّى هموا أَن
يقتتلوا. وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَائِم على
الْمِنْبَر. فَلم يزل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يخفضهم حَتَّى سكتوا وَسكت. قَالَت: وبكيت يومي ذَلِك لَا يرقأ لي دمع
وَلَا أكتحل بنوم، ثمَّ بَكَيْت لَيْلَتي الْمُقبلَة لَا يرقأ لي دمع،
وَلَا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أَن الْبكاء فالق كَبِدِي فَبَيْنَمَا هما
[جالسان] عِنْدِي وَأَنا أبْكِي، اسْتَأْذَنت عَليّ امْرَأَة من
الْأَنْصَار
(4/178)
فَأَذنت لَهَا فَجَلَست تبْكي قَالَت:
فَبينا نَحن على ذَلِك، دخل علينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ثمَّ جلس قَالَت: وَلم يجلس عِنْدِي مُنْذُ قيل لي مَا قيل،
وَقد لبث شهرا لَا يُوحى إِلَيْهِ فِي شأني قَالَت: فَتشهد رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين جلس ثمَّ قَالَ: أما بعد يَا
عَائِشَة، فَإِنَّهُ قد بَلغنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا فَإِن كنت بريئة
فسيبرئك الله، وَإِن كنت أَلممْت بذنب فاستغفري الله وتوبي إِلَيْهِ، فَإِن
العَبْد إِذا اعْترف بِذَنبِهِ ثمَّ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ. قَالَت:
فَلَمَّا قضى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مقَالَته
قلص دمعي، حَتَّى مَا أحس مِنْهُ قَطْرَة، فَقلت لأبي: أجب عني رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا قَالَ: فَقَالَ: وَالله مَا
أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَقلت لأمي: أجيبي عني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-. فَقَالَت: وَالله مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَقلت: وَأَنا جَارِيَة حَدِيثَة السن لَا أَقرَأ
كثيرا من الْقُرْآن: إِنِّي وَالله لقد عرفت أَنكُمْ قد سَمِعْتُمْ بِهَذَا
حَتَّى اسْتَقر فِي (أَنفسكُم) وصدقتم بِهِ، فَإِن قلت لكم إِنِّي بريئة -
وَالله يعلم أَنِّي بريئة - فَلَا تصدقونني بذلك، وَلَئِن اعْترفت لكم
بِأَمْر وَالله يعلم أَنِّي بريئة لتصدقونني، وَإِنِّي وَالله مَا أجد لي
وَلكم مثلا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف فَصَبر جميل وَالله
الْمُسْتَعَان على مَا تصفون. قَالَت: ثمَّ تحولت فاضطجعت على فِرَاشِي.
قَالَت: وَأَنا الله حِينَئِذٍ أعلم أَنِّي بريئة وَأَن الله مبرئني
ببراءتي وَلَكِن وَالله مَا كنت أَظن أَن ينزل / فِي شأني وَحي يُتْلَى،
ولشأني كَانَ أَحْقَر فِي نَفسِي من أَن يتَكَلَّم الله فِي بِأَمْر
يُتْلَى، وَلَكِنِّي كنت أَرْجُو أَن يرى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي النّوم رُؤْيا يبرئني الله بهَا. قَالَت:
فوَاللَّه مَا رام رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَجْلِسه، وَلَا خرج من أهل الْبَيْت أحد حَتَّى أنزل الله - عز وَجل - على
نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَخذه مَا كَانَ يَأْخُذهُ
من البرحاء عِنْد الْوَحْي حَتَّى إِنَّه ليتحدر مِنْهُ مثل الجمان من
الْعرق فِي الْيَوْم الشاتي من ثقل القَوْل الَّذِي أنزل عَلَيْهِ. قَالَت:
فَلَمَّا سري عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهُوَ يضْحك فَكَانَ أول كلمة تكلم بهَا أَن قَالَ: أَبْشِرِي يَا
عَائِشَة أما الله فقد برأك. فَقَالَت لي أُمِّي: قومِي إِلَيْهِ. فَقلت:
وَالله لَا أقوم إِلَيْهِ وَلَا أَحْمد إِلَّا الله، هُوَ الَّذِي أنزل
براءتي قَالَت: فَأنْزل الله - عز وَجل -: {إِن الَّذين جَاءُوا بالإفك
عصبَة مِنْكُم لَا تحسبوه شَرّ لكم بل هُوَ خير لكم} إِلَى آخر الْآيَات.
فَأنْزل هَذِه الْآيَة براءتي. قَالَت: فَقَالَ أَبُو بكر - وَكَانَ ينْفق
على
(4/179)
مسطح لِقَرَابَتِهِ وَفَقره -: وَالله لَا
أنْفق عَلَيْهِ شَيْئا أبدا بعد الَّذِي قَالَ لعَائِشَة. فَأنْزل الله -
عز وَجل -: {وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يؤتوا أولي
الْقُرْبَى} إِلَى قَوْله {أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم} " قَالَ حبَان
بن مُوسَى: قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك: هَذِه أَرْجَى آيَة فِي كتاب
الله - عز وَجل - " فَقَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ -: وَالله إِنِّي
[لأحب] أَن يغْفر الله لي. فَرجع إِلَى مسطح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ
ينْفق عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا أَنْزعهَا مِنْهُ أبدا. قَالَت عَائِشَة:
فَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَأَلَ
زَيْنَب ابْنة جحش زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
عَن أَمْرِي: مَا علمت؟ أَو مَا رَأَيْت؟ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أحمي
سَمْعِي وبصري، وَالله مَا علمت إِلَّا خيرا. قَالَت عَائِشَة: وَهِي
الَّتِي كَانَت تساميني من أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فعصمها الله بالورع، وطفقت أُخْتهَا حمْنَة بنت جحش تحارب
لَهَا فَهَلَكت فِيمَن هَلَكت ".
قَالَ الزُّهْرِيّ: فَهَذَا مَا انْتهى إِلَيْنَا من أَمر هَؤُلَاءِ
الرَّهْط.
وَقَالَ فِي حَدِيث يُونُس: " احتملته الحمية ".
وَحدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن الْعَلَاء قَالَا: ثَنَا
أَبُو أُسَامَة، عَن هِشَام [بن] عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة
قَالَت: " لما ذكر من شأني الَّذِي / ذكر وَمَا علمت بِهِ قَامَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَطِيبًا فَتشهد فَحَمدَ الله
- تَعَالَى - وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ: أما بعد
أَشِيرُوا عَليّ فِي أنَاس أبنوا أَهلِي، وَايْم الله مَا علمت على أَهلِي
من سوء قطّ وأبنوهم بِمن! وَالله مَا علمت عَلَيْهِ من سوء قطّ، وَلَا دخل
بَيْتِي قطّ إِلَّا وَأَنا حَاضر، وَلَا غبت فِي سفر قطّ إِلَّا غَابَ معي
" وسَاق الحَدِيث بِقِصَّتِهِ. وَفِيه: " وَلَقَد دخل رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْتِي فَسَأَلَ جاريتي فَقَالَت: وَالله
مَا علمت عَلَيْهَا عَيْبا إِلَّا أَنَّهَا كَانَت ترقد حَتَّى تدخل
الشَّاة فتأكل عَجِينهَا - أَو قَالَت:
(4/180)
خميرها. شكّ هِشَام - فانتهرها بعض
أَصْحَابه فَقَالَ: اصدقي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - حَتَّى أسقطوا لَهَا بِهِ. فَقَالَت: سُبْحَانَ الله، وَالله مَا علمت
عَلَيْهَا إِلَّا مَا يعلم الصَّائِغ على تبر الذَّهَب الْأَحْمَر. وَقد
بلغ الْأَمر ذَلِك الرجل الَّذِي قيل لَهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، وَالله
(مَا كشفت كنف) أُنْثَى قطّ. قَالَت عَائِشَة: وَقتل شَهِيدا فِي سَبِيل
الله ".
وَفِيه أَيْضا من الزِّيَادَة: " وَكَانَ الَّذِي تكلمُوا بِهِ مسطح
وَحمْنَة وَحسان وَأما الْمُنَافِق عبد الله بن أبي فَهُوَ الَّذِي كَانَ
يستوشيه ويجمعه، وَهُوَ الَّذِي تولى كبره وَحمْنَة ".
مُسلم: حَدثنِي بشر بن خَالِد، حَدثنَا مُحَمَّد - يَعْنِي ابْن جَعْفَر -
عَن شُعْبَة، عَن سُلَيْمَان، عَن أبي الضُّحَى، عَن مَسْرُوق قَالَ: "
دخلت على عَائِشَة وَعِنْدهَا حسان بن ثَابت ينشدها شعرًا يشبب بِأَبْيَات
لَهُ فَقَالَ: % (حصان رزان مَا تزن بريبة % وتصبح غرثى من لُحُوم الغوافل)
%
فَقَالَت لَهُ عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: لكنك لست كَذَلِك. قَالَ
مَسْرُوق فَقلت: لم تأذنين لَهُ يدْخل عَلَيْك، وَقد قَالَ الله - عز وَجل
-: {وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم} ؟ فَقَالَت: أَي
عَذَاب شَدِيد أَشد من الْعَمى؟ فَقَالَت: إِنَّه كَانَ ينافح - أَو يهاجي
- عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا [مَحْمُود] بن غيلَان، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، عَن
هِشَام بن عُرْوَة، أَخْبرنِي [أبي] عَن عَائِشَة فِي حَدِيث الْإِفْك
قَالَت: " ووعكت، فَقلت لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
-: أَرْسلنِي إِلَى بَيت أبي فَأرْسل معي الْغُلَام، فَدخلت الدَّار فَوجدت
(4/181)
أم رُومَان فِي السّفل وَأَبُو بكر فَوق
الْبَيْت / يقْرَأ فَقَالَت أُمِّي: مَا جَاءَ بك يَا بنية؟ قَالَت:
فَأَخْبَرتهَا وَذكرت لَهَا الحَدِيث، فَإِذا هُوَ لم يبلغ مِنْهَا مَا بلغ
مني، فَقَالَت: يَا بنية، خففي عَلَيْك الشَّأْن فَإِنَّهُ وَالله لقل مَا
كَانَت امْرَأَة حسناء عِنْد رجل يُحِبهَا لَهَا ضرائر إِلَّا حسدنها وَقيل
فِيهَا. فَإِذا هِيَ لم يبلغ مِنْهَا مَا بلغ مني، قلت: وَقد علم بِهِ أبي؟
قَالَت: نعم. قلت: وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟
قَالَت: نعم وَرَسُول الله. قَالَت: واستعبرت وبكيت فَسمع أَبُو بكر صوتي
وَهُوَ فَوق الْبَيْت يقْرَأ، فَنزل فَقَالَ لأمي: مَا شَأْنهَا؟ قَالَت:
بلغَهَا الَّذِي ذكر من شَأْنهَا. فَفَاضَتْ عَيناهُ فَقَالَ: أَقْسَمت
عَلَيْك يَا بنية إِلَّا [رجعت] إِلَى بَيْتك، فَرَجَعت ... " وَفِي
الحَدِيث: " وَأصْبح أبواي عِنْدِي فَلم يَزَالَا عِنْدِي حَتَّى دخل عَليّ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد صلى الْعَصْر
ثمَّ دخل وَقد اكتنفني أبواي عَن يَمِيني شمَالي، فَتشهد النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ
أَهله وَقَالَ: أما بعد يَا عَائِشَة، إِن كنت قارفت سوءا أَو ظلمت فتوبي
إِلَى الله فَإِن الله يقبل التَّوْبَة عَن عباده. قَالَت: وَقد جَاءَت
امْرَأَة من الْأَنْصَار وَهِي جالسة بِالْبَابِ فَقلت: أَلا تَسْتَحي من
هَذِه الْمَرْأَة أَن تذكر شَيْئا ... " وَذكر بَاقِي الحَدِيث.
مُسلم: حَدثنِي أَبُو كَامِل الجحدري، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن
الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر " أَن جَارِيَة لعبد الله بن أبي
ابْن سلول يُقَال لَهَا: مُسَيْكَة وَأُخْرَى يُقَال لَهَا: أُمَيْمَة
فَكَانَ (يُرِيدهُمَا) على الزِّنَا فَشَكَتَا ذَلِك إِلَى النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأنْزل الله - عز وَجل -: {وَلَا
تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا} إِلَى قَوْله
{غَفُور رَحِيم} ".
(4/182)
الْبَزَّار: حَدثنَا زيد بن أخزم أَبُو
طَالب الطَّائِي، ثَنَا بشر بن عمر، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن صَالح
بن كيسَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ
الْمُسلمُونَ يرغبون فِي النفير مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فيدفعون مفاتيحهم إِلَى ضمنائهم، فيقولن لَهُم: قد
أَحللنَا لكم أَن تَأْكُلُوا مَا أَحْبَبْتُم. فَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا
يحل لنا إِن هم أذنوا عَن غير طيب نفس. فَأنْزل الله - عز وَجل -: (لَيْسَ
عَلَيْكُم جنَاح) {أَن تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ أَو بيُوت آبائكم أَو
بيُوت أُمَّهَاتكُم أَو بيُوت إخْوَانكُمْ أَو بيُوت أخواتكم أَو بيُوت
أعمامكم أَو بيُوت عماتكم} / إِلَى قَوْله: {أَو مَا ملكتم مفاتحه} ".
تفرد بِهِ صَالح عَن الزُّهْرِيّ.
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْمروزِي، حَدثنِي عَليّ بن
حُسَيْن بن وَاقد، عَن أَبِيه، عَن يزِيد النَّحْوِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن
ابْن عَبَّاس: " {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا
أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} فَكَانَ الرجل يتحرج أَن يَأْكُل
عِنْد أحد من النَّاس بعد مَا نزلت هَذِه الْآيَة، فنسخ ذَلِك بِالْآيَةِ
الْأُخْرَى الَّتِي فِي النُّور فَقَالَ: (لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح) {أَن
تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ} إِلَى قَوْله {أشتاتا} كَانَ الرجل الْغَنِيّ
يَدْعُو الرجل من أَهله إِلَى طَعَام فَقَالَ: أَنِّي لأجنح أَن آكل مِنْهُ
- والتجنح: الْحَرج - وَيَقُول: الْمِسْكِين أَحَق بِهِ مني. فأحل فِي
ذَلِك أَن
(4/183)
يَأْكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ
وَأحل طَعَام أهل الْكتاب ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الْقطعِي، ثَنَا مُحَمَّد بن مُجيب
أَبُو همام، ثَنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن يُونُس بن عبيد، عَن زِيَاد بن
جُبَير، عَن سعد " أَن النِّسَاء قُلْنَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا كل على
آبَائِنَا وأبنائنا وأوزاجنا، فَمَا يحل لنا من أَمْوَالهم؟ قَالَ: الرطب
تأكلنه وتهدينه ".
وَمن سُورَة الْفرْقَان
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، ثَنَا هِشَام بن يُوسُف، أَن
ابْن جريج [أخْبرهُم قَالَ:] أَخْبرنِي الْقَاسِم بن أبي بزَّة أَنه سَأَلَ
سعيد بن جُبَير: " هَل لمن قتل مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة؟ فَقَرَأت
عَلَيْهِ {وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ}
فَقَالَ سعيد: قرأتها على ابْن عَبَّاس كَمَا قرأتها عَليّ فَقَالَ: هَذِه
مَكِّيَّة نسختها آيَة مَدَنِيَّة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا غنْدر [عَن] شُعْبَة، عَن
الْمُغيرَة ابْن النُّعْمَان، عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: " اخْتلف أهل
الْكُوفَة فِي قتل الْمُؤمن، فَدخلت فِيهِ إِلَى ابْن عَبَّاس، فَقَالَ:
نزلت فِي آخر مَا نزل وَلم ينسخها شَيْء ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا سعد بن حَفْص، ثَنَا شَيبَان، عَن مَنْصُور، عَن سعيد
(4/184)
ابْن جُبَير قَالَ: " سُئِلَ ابْن عَبَّاس
عَن قَوْله: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} وَقَوله:
{وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} حَتَّى بلغ
{إِلَّا من تَابَ} فَسَأَلته فَقَالَ: لما نزلت قَالَ أهل مَكَّة: فقد
عدلنا بِاللَّه، فَقَتَلْنَا النَّفس الَّتِي حرم الله، وأتينا
الْفَوَاحِش، فَأنْزل الله - عز وَجل - {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا
صَالحا} إِلَى / قَوْله: {غَفُورًا رحِيما} ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَبْدَانِ، أَخْبرنِي أبي، عَن شُعْبَة، عَن
مَنْصُور، عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: " أَمرنِي عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى
أَن أسأَل ابْن عَبَّاس عَن هَاتين الْآيَتَيْنِ {وَمن يقتل مُؤمنا
مُتَعَمدا} فَسَأَلته فَقَالَ: لم ينسخها شَيْء. وَعَن {وَالَّذين لَا
يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} قَالَ: نزلت فِي أهل الشّرك ".
وَمن سُورَة الشُّعَرَاء
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله، حَدثنِي أخي عبد الحميد -
هُوَ أَبُو بكر، عَن [ابْن] أبي ذِئْب، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي
هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
يلقى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ آزر يَوْم الْقِيَامَة وعَلى وَجه آزر قترة وغبرة
فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: ألم أقل لَك: لَا تعصني؟ فَيَقُول أَبوهُ:
فاليوم لَا أعصيك. فَيَقُول إِبْرَاهِيم: يَا رب، إِنَّك وَعَدتنِي أَلا
تخزني يَوْم يبعثون، وَأي خزي أخزى من أبي
(4/185)
الْأَبْعَد؟ فَيَقُول الله - عز وَجل -:
إِنِّي حرمت الْجنَّة على الْكَافرين، ثمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم، مَا
تَحت رجليك؟ فَينْظر فَإِذا هُوَ بذيخ ملتطخ بقوائمه فَيلقى فِي النَّار ".
وَمن سُورَة النَّمْل
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا روح بن عبَادَة، عَن حَمَّاد بن
سَلمَة، عَن عَليّ بن زيد بن جدعَان، عَن أَوْس بن خَالِد، عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
" تخرج دَابَّة مَعهَا خَاتم سُلَيْمَان، وعصا مُوسَى، فتجلو وَجه الْمُؤمن
[وتختم] أنف الْكَافِر، حَتَّى إِن أهل الخوان ليجتمعون فَيَقُول: هاها يَا
مُؤمن ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن وَقد رُوِيَ هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير هَذَا
الْوَجْه.
وَمن سُورَة الْقَصَص
الْحميدِي: قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن
يحيى بن أبي يَعْقُوب - وَكَانَ من أسناني أَو أَصْغَر وَكَانَ رجلا صَالحا
- عَن الحكم بن أبان، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس " أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَأَلَ جِبْرِيل: أَي الْأَجَليْنِ
قضى مُوسَى؟ قَالَ: أتمهما وأكملهما ".
(4/186)
النَّسَائِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد
الْأَعْلَى، ثَنَا مُحَمَّد - وَهُوَ ابْن ثَوْر - عَن معمر، عَن
الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه قَالَ: " لما حضرت أَبَا
طَالب الْوَفَاة دخل / عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَعِنْده أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة فَقَالَ: أَي
عَم، قل: لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة أُحَاج لَك بهَا عِنْد الله. فَقَالَ
لَهُ أَبُو جهل وَعبد الله بن [أبي] أُميَّة: يَا أَبَا طَالب، أترغب عَن
مِلَّة عبد الْمطلب؟ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -: لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أَنه عَنْك. فَنزلت: {مَا كَانَ للنَّبِي
وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} وَنزلت: {إِنَّك لَا
تهدي من أَحْبَبْت} ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل، ثَنَا يعلى، ثَنَا سُفْيَان
الْعُصْفُرِي، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس " {لرادك إِلَى معاد}
قَالَ: إِلَى مَكَّة ".
وَمن سُورَة الرّوم
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن حُرَيْث، ثَنَا مُعَاوِيَة بن
عَمْرو، عَن أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن حبيب
بن أبي عمْرَة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس: " فِي قَول الله -
تَعَالَى -: {الم. غلبت الرّوم} قَالَ: غُلبت وغَلبت، كَانَ الْمُشْركُونَ
يحبونَ أَن يظْهر فَارس على الرّوم؛ لأَنهم وإياهم أهل أوثان، وَكَانَ
الْمُسلمُونَ يحبونَ أَن يظْهر الرّوم على فَارس؛ لأَنهم أهل كتاب فذكروه
لأبي بكر فَذكره أَبُو بكر لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: أما إِنَّهُم سيغلبون. فَذكره
(4/187)
أَبُو بكر لَهُم فَقَالُوا: اجْعَل
بَيْننَا وَبَيْنك أَََجَلًا فَإِن ظهرنا كَانَ لنا كَذَا وَكَذَا، وَإِن
ظهرتم كَانَ لكم كَذَا وَكَذَا. فَجعل أجل خمس سِنِين، فَلم يظهروا، فَذكر
ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أَلا
جعلته إِلَى دون - أرَاهُ الْعشْرَة - قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد: والبضع مَا
دون الْعشْر - قَالَ: ثمَّ ظَهرت الرّوم بعد ذَلِك، فَذَلِك قَوْله: {الم.
غلبت الرّوم} إِلَى قَوْله: {يفرح الْمُؤْمِنُونَ. بنصر الله} ".
قَالَ سُفْيَان: سَمِعت أَنهم أظهرُوا عَلَيْهِم يَوْم بدر.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، ثَنَا
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، ثَنَا ابْن أبي الزِّنَاد، عَن أبي الزِّنَاد،
عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن [نيار] بن مكرم الْأَسْلَمِيّ قَالَ: " لما
نزلت {الم. غلبت الرّوم. فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. فِي
بضع سِنِين} فَكَانَت فَارس يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة قاهرين للروم،
وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ ظُهُور الرّوم عَلَيْهِم؛ لأَنهم وإياهم أهل
كتاب وَذَلِكَ قَول الله: {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ. بنصر الله ينصر من
يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم} فَكَانَت قُرَيْش تحب ظُهُور فَارس؛
لأَنهم وإياهم لَيْسُوا أهل كتاب وَلَا إِيمَان ببعث، فَلَمَّا أنزل الله -
تَعَالَى - هَذِه الْآيَة، خرج / أَبُو بكر الصّديق يَصِيح فِي نواحي
مَكَّة: {الم. غلبت الرّوم. فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون.
فِي بضع سِنِين} قَالَ نَاس من قُرَيْش لأبي بكر: فَذَلِك بَيْننَا
وَبَيْنكُم، زعم صَاحبكُم أَن الرّوم ستغلب فَارِسًا فِي بضع سِنِين أَفلا
نراهنك على ذَلِك؟ قَالَ: بلَى - وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان -
(4/188)
فارتهن أَبُو بكر وَالْمُشْرِكُونَ،
وتواضعوا الرِّهَان، وَقَالُوا لأبي بكر: كم تجْعَل؟ الْبضْع ثَلَاث سِنِين
إِلَى تسع سِنِين، فسم بَيْننَا وَبَيْنك وسطا ننتهي إِلَيْهِ. قَالَ:
فسموا بَينهم سِتّ سِنِين. قَالَ: فمضت السِّت سِنِين قبل أَن يظهروا،
فَأخذ الْمُشْركُونَ رهن أبي بكر، فَمَا دخلت السّنة السَّابِعَة ظَهرت
الرّوم على فَارس، فعاب الْمُسلمُونَ على أبي بكر تَسْمِيَة سِتّ سِنِين؛
لِأَن الله قَالَ: {فِي بضع سِنِين} قَالَ: وَأسلم عِنْد ذَلِك نَاس كثير
".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث نيار بن مكرم، لَا نعرفه
إِلَّا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد.
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَبْدَانِ، ثَنَا عبد الله، ثَنَا يُونُس، عَن
الزُّهْرِيّ، ثَنَا أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن أَبَا هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا
من مَوْلُود إِلَّا يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو
ينصرَانِهِ أَو يُمَجِّسَانِهِ كَمَا نتنج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء
هَل تُحِسُّونَ فِيهَا جَدْعَاء، ثمَّ يَقُول: {فطرت الله الَّتِي فطر
النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدَّين الْقيم} ".
وَمن سُورَة لُقْمَان
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا بكر بن مُضر، عَن [عبيد الله] بن
زحر، عَن عَليّ بن يزِيد، عَن الْقَاسِم أبي عبد الرَّحْمَن - وَهُوَ ابْن
عبد الرَّحْمَن مولى
(4/189)
عبد الرَّحْمَن - عَن أبي أُمَامَة، عَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا
تَبِيعُوا الْقَيْنَات، وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ، وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ،
وَلَا خير فِي تِجَارَة فِيهِنَّ، وَثَمَنهنَّ حرَام، فِي مثل ذَلِك أنزلت
هَذِه الْآيَة: {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث ليضل عَن سَبِيل
الله} إِلَى آخر الْآيَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، إِنَّمَا يرْوى من حَدِيث
الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة وَالقَاسِم ثِقَة، وَعلي بن يزِيد يضعف فِي
الحَدِيث، سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول: الْقَاسِم ثِقَة، وَعلي بن يزِيد
يضعف.
/ مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب قَالَا: ثَنَا
الْحسن بن مُوسَى، أبنا زُهَيْر، ثَنَا سماك بن حَرْب، حَدثنِي مُصعب بن
سعد، عَن أَبِيه " أَنه نزلت فِيهِ آيَات من الْقُرْآن قَالَ: حَلَفت أم
سعد أَلا تكَلمه أبدا حَتَّى يكفر بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُل وَلَا تشرب
قَالَت: زعمت أَن الله أَوْصَاك بِوَالِدَيْك، فَأَنا أمك وَأَنا آمُرك
بِهَذَا [قَالَ:] مكثت ثَلَاثًا حَتَّى غشي عَلَيْهَا الْجهد، فَقَامَ ابْن
لَهَا يُقَال لَهُ عمَارَة فَسَقَاهَا فَجعلت تَدْعُو على سعد فَأنْزل الله
فِي الْقُرْآن هَذِه الْآيَة: {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ ...
وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما
وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} ... " وَذكر الحَدِيث.
وَمن سُورَة السَّجْدَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن أبي زِيَاد، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن
عبد الله
(4/190)
الأويسي، عَن سُلَيْمَان [بن] بِلَال، عَن
يحيى بن سعيد، عَن أنس بن مَالك " أَن هَذِه الْآيَة {تَتَجَافَى جنُوبهم
عَن الْمضَاجِع} نزلت فِي انْتِظَار الصَّلَاة الَّتِي تدعى الْعَتَمَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من
هَذَا الْوَجْه.
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا غنْدر، عَن شُعْبَة، عَن
قَتَادَة، عَن عزْرَة، عَن الْحسن العرني، عَن يحيى بن الجزار، عَن عبد
الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن أبي بن كَعْب " فِي قَوْله: {ولنذيقنهم من
الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} قَالَ: مصائب الدُّنْيَا،
وَالروم، وَالْبَطْشَة - أَو الدُّخان ".
شكّ شُعْبَة فِي " البطشة أَو الدُّخان ".
وَمن سُورَة الْأَحْزَاب
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُعلى بن أَسد، أبنا عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار،
ثَنَا مُوسَى ابْن عقبَة، حَدثنِي سَالم، عَن ابْن عمر " أَن زيد بن
حَارِثَة مولى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا
كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زيد بن مُحَمَّد، حَتَّى نزل الْقُرْآن: {ادعوهُمْ
لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله} ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا عَبدة بن سُلَيْمَان، عَن
هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: عَن قَوْله: {إِذا جاءوكم من فَوْقكُم
وَمن أَسْفَل مِنْكُم وَإِذ زاغت
(4/191)
الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب
الْحَنَاجِر} قَالَت: كَانَ ذَلِك يَوْم الخَنْدَق ".
/ مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن حَاتِم، ثَنَا بهز، حَدثنَا سُلَيْمَان بن
الْمُغيرَة، عَن ثَابت قَالَ: قَالَ أنس: " عمي [الَّذِي] تسميت بِهِ لم
يشْهد مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَدْرًا
قَالَ: فشق عَلَيْهِ. قَالَ: أول مشْهد شهده رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غبت عَنهُ، وَإِن أَرَانِي الله مشهدا فِيمَا بعد
مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليراني الله مَا
أصنع. قَالَ: فهاب أَن يَقُول غَيرهَا. قَالَ: فَشهد مَعَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم أحد. قَالَ: فَاسْتقْبل سعد بن
معَاذ فَقَالَ لَهُ أنس: يَا أَبَا عَمْرو أَيْن؟ قَالَ: واها لريح
الْجنَّة أَجِدهُ دون أحد. قَالَ: فَقَاتلهُمْ حَتَّى قتل. قَالَ: فَوجدَ
فِي جسده بضع وَثَمَانُونَ من بَين ضَرْبَة وطعنة ورمية. قَالَ: فَقَالَت
أُخْته عَمَّتي الرّبيع [بنت] النَّضر: فَمَا عرفت أخي لَا ببنانه، وَنزلت
هَذِه الْآيَة {رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمنهمْ من قضى
نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر وَمَا بدلُوا تبديلا} قَالَت: فَكَانُوا يرَوْنَ
أَنَّهَا نزلت فِيهِ وَفِي أَصْحَابه ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، حَدثنَا يُونُس بن بكير، عَن طَلْحَة
بن يحيى، عَن مُوسَى وَعِيسَى ابْني طَلْحَة، عَن أَبِيهِمَا طَلْحَة " أَن
أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالُوا
لأعرابي جَاهِل: سَله عَمَّن قضى نحبه من هُوَ؟ وَكَانُوا لَا يجترئون على
مَسْأَلته يوقرونه ويهابونه، فَسَأَلَهُ الْأَعرَابِي فَأَعْرض عَنهُ، ثمَّ
سَأَلَهُ فَأَعْرض عَنهُ، ثمَّ إِنِّي اطَّلَعت من بَاب الْمَسْجِد وَعلي
ثِيَاب خضر، فَلَمَّا رَآنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: أَيْن السَّائِل عَمَّن قضى نحبه؟ قَالَ الْأَعرَابِي: أَنا يَا
رَسُول الله. قَالَ: هَذَا مِمَّن قضى نحبه ".
(4/192)
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه
إِلَّا من حَدِيث يُونُس بن بكير.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عُثْمَان بن عمر، عَن يُونُس بن
يزِيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة قَالَت: " لما أَمر
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِتَخْيِير أَزوَاجه
بَدَأَ بِي فَقَالَ: يَا عَائِشَة، إِنِّي ذَاكر لَك أمرا فَلَا عَلَيْك
أَلا تستعجلي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك. قَالَت: وَقد علم أَن أَبَوي
لم يَكُونَا ليأمراني بِفِرَاقِهِ. قَالَت: ثمَّ قَالَ: إِن الله يَقُول:
{يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَزينتهَا فتعالين} حَتَّى بلغ: {للمحسنات مِنْكُن أجرا عَظِيما} فَقلت:
فِي أَي هَذَا أَستَأْمر أَبَوي؟ ! فَإِنِّي أُرِيد الله وَرَسُوله
وَالدَّار الْآخِرَة. وَفعل أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - / مثل مَا فعلت ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَقد رُوِيَ هَذَا أَيْضا عَن
الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا (عبد بن حميد، ثَنَا مُحَمَّد بن الْفضل) ثَنَا
حَمَّاد بن زيد، عَن ثَابت، عَن أنس قَالَ: " نزلت هَذِه الْآيَة: {وتخفي
فِي نَفسك مَا الله مبديه} فِي شَأْن زَيْنَب بنت جحش جَاءَ زيد يشكو، فهم
بِطَلَاقِهَا، فاستأمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أمسك
عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
(4/193)
وَبِه قَالَ: " نزلت هَذِه الْآيَة فِي
زَيْنَب بنت جحش {فَمَا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} قَالَت:
فَكَانَت تَفْخَر على أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - تَقول: زوجكن (أهلوكن) وزوجني الله من فَوق سبع سماوات ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
البُخَارِيّ: حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، قَالَ
هِشَام ثَنَا، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: " كنت أغار على اللَّاتِي
وهبْنَ أَنْفسهنَّ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
وَأَقُول: أتهب الْمَرْأَة نَفسهَا؟ فَلَمَّا أنزل الله - عز وَجل -: {ترجي
من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء وَمن ابْتَغَيْت مِمَّن
عزلت فَلَا جنَاح عَلَيْك} قلت: مَا أرى رَبك إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا حبَان بن مُوسَى، أبنا عبد الله، ثَنَا عَاصِم
الْأَحول، عَن [معَاذَة] عَن عَائِشَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يسْتَأْذن فِي [يَوْم] الْمَرْأَة منا بعد أَن
نزلت هَذِه الْآيَة {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء
وَمن ابْتَغَيْت مِمَّن عزلت فَلَا جنَاح عَلَيْك} قلت لَهَا: مَا كنت
تَقُولِينَ؟ قَالَت: كنت أَقُول لَهُ: إِن كَانَ ذَلِك إِلَيّ فَإِنِّي لَا
أُرِيد يَا رَسُول الله أَن أوثر عَلَيْك أحدا ".
(4/194)
تَابعه [عباد] سمع عَاصِمًا.
مُسلم: حَدثنَا عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث، حَدثنِي أبي، عَن جدي،
حَدثنِي عقيل بن خَالِد، عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة " أَن
أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كن يخْرجن
بِاللَّيْلِ إِذا تبرزن إِلَى المناصع وَهُوَ صَعِيد أفيح، وَكَانَ عمر بن
الْخطاب يَقُول لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: احجب
نِسَاءَك. فَلم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يفعل، فَخرجت سَوْدَة بنت زَمعَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لَيْلَة من اللَّيَالِي عشَاء وَكَانَت امْرَأَة طَوِيلَة /
فناداها عمر: أَلا قد عرفناك يَا سَوْدَة. حرصا على أَن ينزل الْحجاب
[قَالَت] عَائِشَة: فَأنْزل الْحجاب ".
حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَأَبُو كريب قَالَا: ثَنَا أَبُو
أُسَامَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: " خرجت سَوْدَة
بَعْدَمَا ضرب عَلَيْهَا الْحجاب ... " فَذكر بِمَعْنى حَدِيث عبد الْملك
بن شُعَيْب، وَقَالَ فِيهِ من قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لسودة: " إِنَّه قد أذن لَكِن أَن تخرجن فِي حاجاتكن ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُسَدّد، عَن يحيى، عَن حميد، عَن أنس قَالَ: قَالَ
عمر: " قلت: يَا رَسُول الله، يدْخل عَلَيْك الْبر والفاجر، فَلَو أمرت
أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ بالحجاب، فَأنْزل الله - عز وَجل - آيَة الْحجاب ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الرقاشِي، ثَنَا مُعْتَمر بن
سُلَيْمَان، سَمِعت أبي يَقُول: أبنا أَبُو مجلز، عَن أنس بن مَالك قَالَ:
" لما تزوج رَسُول الله
(4/195)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
زَيْنَب بنت جحش دَعَا الْقَوْم فطعموا، ثمَّ جَلَسُوا يتحدثون، فَإِذا
هُوَ كَأَنَّهُ يتهيأ للْقِيَام، فَلم يقومُوا، فَلَمَّا رأى ذَلِك قَامَ،
فَلَمَّا قَامَ [قَامَ] من قَامَ وَقعد ثَلَاثَة نفر، فجَاء النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليدْخل فَإِذا الْقَوْم جُلُوس، ثمَّ
إِنَّهُم [قَامُوا] فَانْطَلَقت فَجئْت فَأخْبرت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنهم قد انْطَلقُوا، فجَاء حَتَّى دخل فَذَهَبت
أَدخل فألقي الْحجاب بيني وَبَينه فَأنْزل الله - عز وَجل - {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا روح بن عبَادَة، عَن عَوْف، عَن
الْحسن وَمُحَمّد وخلاس، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَن مُوسَى كَانَ رجلا حييا ستيرا، مَا يرى من
جلده شَيْء استحياء مِنْهُ، فآذاه من آذاه من بني إِسْرَائِيل فَقَالُوا:
مَا يسْتَتر هَذَا التستر إِلَّا من عيب بجلده، إِمَّا برص وَإِمَّا
(أَذَى) وَإِمَّا آفَة. وَإِن الله أَرَادَ أَن يُبرئهُ مِمَّا قَالُوا،
وَإِن مُوسَى خلا يَوْمًا وَحده فَوضع ثِيَابه على حجر، ثمَّ اغْتسل،
فَلَمَّا فرغ أقبل إِلَى ثِيَابه ليأخذها وَإِن الْحجر عدا بِثَوْبِهِ
فَأخذ مُوسَى عَصَاهُ فَطلب الْحجر فَجعل يَقُول: ثوبي حجر ثوبي حجر،
حَتَّى انْتهى إِلَى مَلأ من بني إِسْرَائِيل فرأوه عُريَانا أحسن النَّاس
خلقا وأبرأه مِمَّا كَانُوا يَقُولُونَ. قَالَ: وَقَامَ الْحجر فَأخذ
ثَوْبه فلبسه وطفق بِالْحجرِ ضربا بعصاه، فوَاللَّه إِن بِالْحجرِ لندبا من
أثر عَصَاهُ ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَو خمْسا؛ فَذَلِك قَوْله / {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى فبرأه الله مِمَّا
قَالُوا وَكَانَ عِنْد الله وجيها} ".
(4/196)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن
صَحِيح.
عبد بن حميد: حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد، عَن أبي بشر، عَن سعيد بن
جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس: " {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات
وَالْأَرْض وَالْجِبَال} قَالَ: قَالَ الله - تَعَالَى -: يَا آدم، أتقبلها
بِمَا فِيهَا فَإِن فعلت غفرت لَك، وَإِن عصيت عَذَّبْتُك. قَالَ: قد
قبلتها بِمَا فِيهَا. قَالَ: فَمَا كَانَ يَوْمئِذٍ إِلَّا مَا بَين
الظّهْر إِلَى الْعَصْر حَتَّى أصَاب الْخَطِيئَة ".
وَمن سُورَة سبأ
البُخَارِيّ: حَدثنَا الْحميدِي، ثَنَا سُفْيَان، ثَنَا عَمْرو، سَمِعت
عِكْرِمَة يَقُول: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: إِن نَبِي الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا قضى الله الْأَمر فِي
السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها خضعانا لقَوْله، كَأَنَّهُ [سلسلة]
على صَفْوَان، فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربكُم؟
قَالُوا للَّذي قَالَ: الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير. فيسمعها مسترق
السّمع، ومسترق السّمع هَكَذَا بعضه فَوق بعض - وَصفه سُفْيَان [بكفه]
فحرفها وبدد بَين أَصَابِعه - فَيسمع الْكَلِمَة ويلقيها إِلَى من تَحْتَهُ
ثمَّ يلقيها الآخر إِلَى من تَحْتَهُ حَتَّى يلقيها على لِسَان السَّاحر
والكاهن، فَرُبمَا أدْرك الشهَاب قبل أَن يلقيها، وَرُبمَا أَلْقَاهَا قبل
أَن يُدْرِكهُ فيكذب مَعهَا مائَة كذبة فَيُقَال: أَلَيْسَ قد قَالَ لنا
يومكم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيصدق بِتِلْكَ الْكَلِمَة الَّتِي
سَمِعت من السَّمَاء ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَرْزُوق، ثَنَا مُحَمَّد بن مَسْعُود،
حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن
(4/197)
طهْمَان، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد
بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " أَن نَبِي الله سُلَيْمَان كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي رأى
شَجَرَة (ثَابِتَة) بَين يَدَيْهِ، فَيَقُول لَهَا: مَا اسْمك؟ فَتَقول
كَذَا، فَيَقُول: لأي شَيْء أَنْت؟ فَتَقول لكذا، فَإِن كَانَت لدواء
(كتبت) وَإِن كَانَت من غرس غرست، فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم يُصَلِّي
إِذا شَجَرَة (ثَابِتَة) بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهَا: مَا اسْمك؟
فَقَالَت: الخروبة. قَالَ: لأي شَيْء أَنْت؟ قَالَت: لخراب هَذَا الْبَيْت.
قَالَ سُلَيْمَان: اللَّهُمَّ عَم على الْجِنّ موتِي حَتَّى يعلم الْإِنْس
أَن الْجِنّ لَا يعلمُونَ الْغَيْب. فَأخذ عَصَاهُ فتوكأ عَلَيْهَا
وَالْجِنّ تعْمل، فَأَكَلتهَا الأرضة فِي سنة فَسقط فتبينت الْجِنّ " أَن
لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا حولا / فِي الْعَذَاب المهين "
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا كَذَلِك ".
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ [ابْن عُيَيْنَة] وَجَمَاعَة، عَن عَطاء
مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس.
وَمن سُورَة يس
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن وَزِير الوَاسِطِيّ، أبنا إِسْحَاق بن
يُوسُف الْأَزْرَق، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أبي سُفْيَان، عَن أبي
نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " كَانَت بَنو سَلمَة فِي نَاحيَة
الْمَدِينَة وَأَرَادُوا النقلَة إِلَى قرب الْمَسْجِد، فَنزلت هَذِه
الْآيَة: {إِنَّا نَحن نحيي الْمَوْتَى ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} فَقَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن آثَاركُم تكْتب.
فَلم يَنْتَقِلُوا ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من حَدِيث الثَّوْريّ، وَأَبُو سُفْيَان
هُوَ طريف السَّعْدِيّ.
(4/198)
البُخَارِيّ: حَدثنَا الْحميدِي، ثَنَا
وَكِيع، ثَنَا الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن
أبي ذَر قَالَ: " سَأَلت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
عَن قَوْله: {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: مستقرها تَحت
الْعَرْش ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا [أَبُو] نعيم، أبنا الْأَعْمَش بِهَذَا الْإِسْنَاد:
" كنت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي
الْمَسْجِد عِنْد غرُوب الشَّمْس، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر، أَتَدْرِي أَيْن
تغرب الشَّمْس؟ (قُلْنَا:) الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: فَإِنَّهَا تذْهب
حَتَّى تسْجد تَحت (سَاق) الْعَرْش، وَذَلِكَ قَوْله: {وَالشَّمْس تجْرِي
لمستقر لَهَا ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم} ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف، ثَنَا سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش،
عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي ذَر قَالَ: " قَالَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأبي ذَر حِين غربت
الشَّمْس: تَدْرِي أَيْن تذْهب؟ قلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ:
فَإِنَّهَا تذْهب حَتَّى تسْجد تَحت الْعَرْش، فَتَسْتَأْذِن فَيُؤذن
لَهَا، ويوشك أَن تسْجد فَلَا يقبل مِنْهَا، وتستأذن فَلَا يُؤذن لَهَا،
يُقَال: ارجعي من حَيْثُ جِئْت. فَتَطلع من مغْرِبهَا، فَذَلِك قَوْله:
{وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم} ".
وَمن سُورَة الصافات
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا مُحَمَّد بن خَالِد
[بن] عَثْمَة،
(4/199)
ثَنَا سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن
الْحسن، عَن سَمُرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
" فِي قَول الله - عز وَجل -: {وَجَعَلنَا / ذُريَّته هم البَاقِينَ}
قَالَ: (حام، وسام) ، و (يافث) كَذَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: يُقَال: يافت وَيَافث بِالتَّاءِ والثاء، وَيُقَال
يفث.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث
سعيد بن بشير.
وَمن سُورَة ص
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن مِسْكين وَعمر بن الْخطاب وَمُحَمّد بن
سهل بن عَسْكَر، قَالُوا: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، ثَنَا نَافِع بن
يزِيد، عَن عقيل بن خَالِد، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن نَبِي الله
أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ لبث فِي بلائه ثَمَان [عشرَة] سنة فرفضه
الْقَرِيب والبعيد إِلَّا رجلَيْنِ من إخوانه كَانَا من أخص إخوانه كَانَا
يغدوان إِلَيْهِ ويروحان، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: تعلم وَالله لقد أذْنب
ذَنبا مَا أذنبه أحد من الْعَالمين. فَقَالَ لَهُ صَاحبه: وَمَا ذَاك؟
قَالَ: قد أَصَابَهُ مُنْذُ ثَمَان [عشرَة] سنة لم يرحمه الله فَيكْشف مَا
بِهِ. فَلَمَّا رَاحا إِلَيْهِ لم يصبر الرجل حَتَّى ذكر ذَلِك فَقَالَ
أَيُّوب: لَا أَدْرِي مَا يَقُول، غير أَن الله يعلم مَتى أَنِّي كنت أَمر
على الرجلَيْن ينازعان فيذكران الله، فأرجع إِلَى بَيْتِي فَأكفر عَنْهُمَا
كَرَاهِيَة أَن يذكرُوا الله إِلَّا فِي حق. وَكَانَ يخرج إِلَى الْحَاجة
فَإِذا قَضَاهَا أَمْسَكت امْرَأَته بِيَدِهِ حَتَّى يبلغ، فَلَمَّا كَانَ
ذَات يَوْم أَبْطَأت عَنهُ
(4/200)
وأوحي إِلَى أَيُّوب فِي مَكَانَهُ أَن
{اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} قَالَ: فاستبطأته امْرَأَته
فَتَلَقَّتْهُ تنظر، وَأَقْبل عَلَيْهَا قد أذهب الله مَا بِهِ من الْبلَاء
وَهُوَ أحسن مَا كَانَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَت: أَي بَارك الله فِيك،
هَل رَأَيْت نَبِي الله هَذَا الْمُبْتَلى، وَالله على ذَلِك مَا رَأَيْت
أحدا أشبه بِهِ مِنْك إِذا كَانَ صَحِيحا؟ قَالَ: فَإِنِّي أَنا هُوَ.
قَالَ: وَكَانَ لَهُ أندران أندر للقمح وأندر للشعير، فَبعث الله - تبَارك
وَتَعَالَى - سحابتين فَلَمَّا كَانَت إِحْدَاهمَا على أندر الْقَمْح أفرغت
فِيهِ الذَّهَب حَتَّى فاض، وأفرغت الْأُخْرَى فِي أندر الشّعير الْوَرق
حَتَّى فاض ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس إِلَّا
عقيل، وَلَا رَوَاهُ عَن عقيل إِلَّا نَافِع بن يزِيد، وَرَوَاهُ عَن
نَافِع غير وَاحِد.
قَالَ: وَحدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا دَاوُد، ثَنَا حَمَّاد، ثَنَا
همام، عَن قَتَادَة / عَن النَّضر بن أنس، عَن بشير بن نهيك، عَن أبي
هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
مطر على أَيُّوب جَراد من ذهب، فَجعل يلتقط فَقَالَ: يَا أَيُّوب، أَو لم
أوسع عَلَيْك؟ قَالَ: أَي رب وَمن يشْبع من رحمتك ".
وَهَذَا الحَدِيث قد رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من وَجه آخر، يَعْنِي بِهَذَا اللَّفْظ.
وَمن سُورَة الزمر
البُخَارِيّ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، أبنا هِشَام بن يُوسُف، أَن
ابْن جريج أخْبرهُم، قَالَ يعلى: إِن سعيد بن جُبَير أخبرهُ عَن ابْن
عَبَّاس " أَن نَاسا من أهل الشّرك كَانُوا قد قتلوا وَأَكْثرُوا وزنوا
فَأَكْثرُوا، فَأتوا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَقَالُوا: إِن الَّذِي تَقول [و] تَدْعُو إِلَيْهِ لحسن، لَو تخبرنا أَن
لما [عَملنَا] كَفَّارَة. فَنزل:
(4/201)
{وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا
آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا
يزنون} وَنزل: {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من
رَحْمَة الله} ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا آدم، ثَنَا شَيبَان، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم،
عَن عُبَيْدَة، عَن عبد الله قَالَ: " جَاءَ حبر من الْأَحْبَار إِلَى
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا
مُحَمَّد، إِنَّا نجد أَن الله يَجْعَل السَّمَاوَات على إِصْبَع،
وَالْأَرضين على إِصْبَع، وَالشَّجر على إِصْبَع، وَالْمَاء على إِصْبَع،
وَالثَّرَى على إِصْبَع، وَسَائِر الْخَلَائق على إِصْبَع، فَيَقُول: أَنا
الْملك. فَضَحِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى
بَدَت نَوَاجِذه تَصْدِيقًا لقَوْل الحبر، ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره
وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات
بِيَمِينِهِ} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، أبنا مُحَمَّد بن
الصَّلْت، ثَنَا أَبُو كُدَيْنَة، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي
الضُّحَى، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " مر يَهُودِيّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا يَهُودِيّ حَدثنَا. فَقَالَ: كَيفَ تَقول يَا
أَبَا الْقَاسِم إِذا وضع الله السَّمَاوَات على ذه، وَالْأَرضين على ذه،
وَالْمَاء على ذه، وَالْجِبَال على ذه، وَسَائِر الْخَلَائق على ذه؟
وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الصَّلْت بِخِنْصرِهِ أَولا، ثمَّ
تَابع حَتَّى بلغ الْإِبْهَام - فَأنْزل الله - عز وَجل - {وَمَا قدرُوا
الله حق قدره} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب صَحِيح، لَا نعرفه إِلَّا من
هَذَا الْوَجْه.
(4/202)
وَأَبُو كُدَيْنَة اسْمه يحيى بن الْمُهلب.
قَالَ: رَأَيْت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل روى هَذَا الحَدِيث عَن الْحسن بن
شُجَاع / عَن مُحَمَّد بن الصَّلْت.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد، عَن عبد الله بن الْمُبَارك، عَن
عَنْبَسَة بن سعيد، عَن حبيب بن أبي عمْرَة، عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ
ابْن عَبَّاس: " أَتَدْرِي مَا سَعَة جَهَنَّم؟ قلت: لَا أَدْرِي. قَالَ:
أجل وَالله مَا تَدْرِي، حَدَّثتنِي عَائِشَة أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن قَوْله: {وَالْأَرْض جَمِيعًا
قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} قَالَت:
قلت: فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: على جسر جَهَنَّم
". وَفِي الحَدِيث قصَّة.
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب [من هَذَا الْوَجْه] .
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا عَبدة بن سُلَيْمَان، حَدثنَا
مُحَمَّد بن عَمْرو، ثَنَا أَبُو سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " قَالَ
يَهُودِيّ بسوق الْمَدِينَة: لَا وَالَّذِي اصْطفى مُوسَى على الْبشر.
قَالَ: فَرفع رجل من الْأَنْصَار يَده فصك بهَا وَجهه، قَالَ: تَقول هَذَا
وَفينَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ ! فَقَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {وَنفخ فِي الصُّور
فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ
نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} فَأَكُون أول من رفع رَأسه
فَإِذا مُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش، فَلَا أَدْرِي أرفع رَأسه
قبلي أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله، وَمن قَالَ: أَنا خير من يُونُس بن
مَتى فقد [كذب] ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
(4/203)
وَمن سُورَة حم السَّجْدَة
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي عمر الْمَكِّيّ، ثَنَا سُفْيَان، عَن
مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن أبي معمر، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: " اجْتمع
عِنْد الْبَيْت ثَلَاثَة نفر: قرشيان وثقفي - أَو ثقفيان وقرشي - قَلِيل
فقه قُلُوبهم كثير شَحم بطونهم، فَقَالَ أحدهم: أَتَرَوْنَ الله يسمع مَا
نقُول؟ فَقَالَ الآخر: يسمع إِن جهرنا، وَلَا يسمع إِن أخفينا. وَقَالَ
الآخر: إِن كَانَ يسمع إِذا جهرنا فَهُوَ يسمع إِذا أخفينا. فَأنْزل الله -
عز وَجل -: {وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا
أبصاركم} الْآيَة ".
وَمن سُورَة حم عسق
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا
شُعْبَة، عَن عبد الْملك بن ميسرَة، سَمِعت طاوسا، عَن ابْن عَبَّاس " أَنه
سُئِلَ عَن قَوْله: {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ سعيد بن
جُبَير: قربى آل مُحَمَّد. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: عجلت، إِن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / لم يكن بطن من قُرَيْش إِلَّا
كَانَ لَهُ فيهم قرَابَة. فَقَالَ: إِلَّا [أَن] تصلوا مَا بيني وَبَيْنكُم
من الْقَرَابَة ".
وَمن سُورَة حم الدُّخان
مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى وَأَبُو كريب - وَاللَّفْظ ليحيى - قَالَ:
ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن مُسلم بن صبيح، عَن مَسْرُوق
قَالَ: " جَاءَ إِلَى
(4/204)
عبد الله رجل فَقَالَ: تركت فِي الْمَسْجِد
رجلا يُفَسر الْقُرْآن بِرَأْيهِ، يُفَسر هَذِه الْآيَة: {يَوْم تَأتي
السَّمَاء بِدُخَان مُبين} قَالَ: يَأْتِي النَّاس يَوْم الْقِيَامَة دُخان
فَيَأْخُذ بِأَنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأْخُذهُمْ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام.
فَقَالَ عبد الله: من علم علما فَلْيقل بِهِ، وَمن لم يعلم فَلْيقل: الله
أعلم؛ فَإِن من فقه الرجل أَن يَقُول [لما لَا علم لَهُ بِهِ] الله أعلم.
إِنَّمَا كَانَ هَذَا أَن قُريْشًا لما اسْتَعْصَتْ على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَا عَلَيْهِم بسنين كَسِنِي يُوسُف،
فَأَصَابَهُمْ قحط وَجهد، حَتَّى جعل الرجل ينظر إِلَى السَّمَاء فَيرى
بَينه وَبَينهَا كَهَيئَةِ الدُّخان من الْجهد، وَحَتَّى أكلُوا الْعِظَام،
فَأتى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل فَقَالَ: يَا
رَسُول الله، اسْتغْفر الله لمضر، فَإِنَّهُم قد هَلَكُوا. فَقَالَ لمضر؟
إِنَّك لجريء. قَالَ: فَدَعَا لَهُم فَأنْزل الله: {إِنَّا كاشفوا
الْعَذَاب قَلِيلا إِنَّكُم عائدون} قَالَ: فَمُطِرُوا. فَلَمَّا
أَصَابَهُم الرَّفَاهِيَة قَالَ: عَادوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
قَالَ: فَأنْزل الله {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين.
يغشى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم} و {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا
منتقمون} قَالَ: يَعْنِي يَوْم بدر ".
وَفِي طَرِيق أُخْرَى لمُسلم: " يَا مُحَمَّد، إِنَّك جِئْت تَأمر بِطَاعَة
الله وَبِصِلَة الرَّحِم، فَإِن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم ".
مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، حَدثنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي
الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله قَالَ: " خمس قد مضين: الدُّخان
[وَاللزَام] وَالروم، وَالْبَطْشَة، وَالْقَمَر ".
(4/205)
وَمن سُورَة الْقِتَال
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُوسُف بن يزِيد، ثَنَا سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا عبد
الْعَزِيز ابْن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، حَدثنِي الْعَلَاء، عَن أَبِيه،
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " لما نزلت {وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما
غَيْركُمْ} قَالُوا: من هم يَا رَسُول الله؟ - قَالَ وسلمان إِلَى جنبه -
قَالَ: هم الْفرس، هَذَا وَقَومه ".
وَمن سُورَة الْفَتْح
مُسلم: / حَدثنَا نصر بن عَليّ، ثَنَا خَالِد بن الْحَارِث، ثَنَا سعيد بن
أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة أَن أنس بن مَالك حَدثهمْ قَالَ: " لما نزلت
{إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا. ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا
تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك} إِلَى قَوْله: {فوزا عَظِيما} مرجعه من
الْحُدَيْبِيَة وهم يخالطهم الْحزن والكآبة، وَقد نحر الْهَدْي
بِالْحُدَيْبِية، فَقَالَ: لقد أنزلت عَليّ آيَة هِيَ أحب إِلَيّ من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن مسلمة، عَن مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن
أَبِيه " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ
يسير فِي بعض أَسْفَاره وَعمر بن الْخطاب يسير مَعَه لَيْلًا، فَسَأَلَهُ
عمر عَن شَيْء فَلم يجبهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -، ثمَّ سَأَلَهُ، فَلم يجبهُ، ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ، فَقَالَ عمر بن
الْخطاب: ثكلتك أمك يَا عمر، (تنزر) رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ثَلَاث مَرَّات كل ذَاك لَا يجيبك. فَقَالَ عمر: فحركت
بَعِيري، ثمَّ تقدّمت أَمَام النَّاس، وخشيت أَن ينزل فِي قُرْآن، فَمَا
نشبت أَن سَمِعت صَارِخًا يصْرخ بِي، فَقلت: لقد خشيت أَن ينزل فِي قُرْآن،
فَجئْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلمت
عَلَيْهِ فَقَالَ:
(4/206)
لقد أنزلت عَليّ اللَّيْلَة سُورَة لهي أحب
إِلَيّ مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس، ثمَّ قَرَأَ {إِنَّا فتحنا لَك فتحا
مُبينًا} ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن
قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: " نزلت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} مرجعه من
الْحُدَيْبِيَة، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
لقد نزلت عَليّ آيَة أحب إِلَيّ مِمَّا على الأَرْض. ثمَّ قَرَأَهَا
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِم فَقَالُوا:
هَنِيئًا مريئا يَا رَسُول الله، قد بَين الله لَك مَاذَا يفعل بك فَمَاذَا
يفعل بِنَا؟ فَنزلت عَلَيْهِ {ليدْخل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جنَّات
تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} حَتَّى بلغ {فوزا عَظِيما} ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَفِيه عَن مجمع بن [جَارِيَة] .
مُسلم: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن دِينَار، ثَنَا حجاج بن مُحَمَّد الْأَعْوَر
مولى سُلَيْمَان بن مجَالد، قَالَ ابْن جريج: وَأَخْبرنِي أَبُو الزبير "
أَنه سمع جَابِرا يسْأَل: هَل بَايع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بِذِي الحليفة؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِن صلى بهَا وَلم يُبَايع
تَحت / شَجَرَة إِلَّا تَحت الشَّجَرَة الَّتِي بِالْحُدَيْبِية ".
قَالَ ابْن جريج: وَأَخْبرنِي أَبُو الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله
يَقُول: " دَعَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على
بِئْر الْحُدَيْبِيَة ".
وحَدثني مُحَمَّد بن حَاتِم، ثَنَا حجاج بِهَذَا الْإِسْنَاد " سمع جَابِرا
يسْأَل: كم
(4/207)
كَانُوا يَوْم الْحُدَيْبِيَة؟ قَالَ:
كُنَّا أَربع عشرَة مائَة فَبَايَعْنَاهُ، وَعمر آخذ بِيَدِهِ تَحت
الشَّجَرَة وَهِي سَمُرَة، فَبَايَعْنَاهُ غير جد بن قيس الْأنْصَارِيّ،
اخْتَبَأَ تَحت بطن بعيره ".
مُسلم: حَدثنَا سعيد بن عَمْرو الأشعثي، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن
جَابر قَالَ: " كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة ألفا وَأَرْبَعمِائَة، فَقَالَ
لنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنْتُم الْيَوْم
خير أهل الأَرْض. وَقَالَ جَابر: لَو كنت أبْصر لَأَرَيْتُكُمْ مَوضِع
الشَّجَرَة ".
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ، ثَنَا أبي، ثَنَا شُعْبَة، عَن عَمْرو
- يَعْنِي ابْن مرّة - حَدثنِي عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: " كَانَ
أَصْحَاب الشَّجَرَة ألفا وثلاثمائة، وَكَانَت أسلم ثمن الْمُهَاجِرين ".
مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن رَافع، ثَنَا أَبُو أَحْمد. وقرأته على نصر بن
عَليّ، عَن أبي أَحْمد، ثَنَا سُفْيَان، عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن، عَن
سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه " أَنهم كَانُوا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام الشَّجَرَة قَالَ: فنسوها من الْعَام
الْمقبل ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، حَدثنِي سُلَيْمَان بن حَرْب، ثَنَا
حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس " أَن ثَمَانِينَ هَبَطُوا على
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه من جبل
التَّنْعِيم عِنْد صَلَاة الصُّبْح وهم يُرِيدُونَ أَن يقتلوه، فَأخذُوا
أخذاء فَأعْتقهُمْ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،
فَأنْزل الله {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وأيدكم عَنْهُم} الْآيَة
".
(4/208)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن
صَحِيح.
وَمن سُورَة الحجرات
البُخَارِيّ: حَدثنَا [يسرة] بن صَفْوَان بن جميل اللَّخْمِيّ، ثَنَا
نَافِع بن عمر، عَن ابْن [أبي] مليكَة قَالَ: " كَاد الخيران يهلكا: أَبُو
بكر وَعمر؛ رفعا أصواتهما عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - حِين قدم عَلَيْهِ وَفد بني تَمِيم / فَأَشَارَ أَحدهمَا
بالأقرع ابْن حَابِس أخي بني مجاشع، وَأَشَارَ الآخر بِرَجُل آخر - فَقَالَ
نَافِع: لَا أحفظ اسْمه - فَقَالَ أَبُو بكر لعمر: مَا أردْت إِلَّا خلافي.
قَالَ: مَا أردْت [خِلافك] فارتفعت أصواتهما فِي ذَلِك فَأنْزل الله - عز
وَجل -: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت
النَّبِي} الْآيَة. فَقَالَ ابْن الزبير: فَمَا كَانَ عمر يسمع رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد هَذِه الْآيَة حَتَّى
يَسْتَفْهِمهُ. وَلم يذكر ذَلِك عَن أَبِيه - يَعْنِي أَبَا بكر الصّديق ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو عمار الْحُسَيْن بن حُرَيْث، حَدثنَا الْفضل
بن مُوسَى، عَن الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْبَراء " فِي
قَوْله: {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} قَالَ: قَامَ رجل
فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن حمدي زين،
(4/209)
وَإِن ذمِّي شين. فَقَالَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ذَاك الله ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله بن إِسْحَاق الْجَوْهَرِي الْبَصْرِيّ،
ثَنَا أَبُو زيد، عَن شُعْبَة، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، سَمِعت الشّعبِيّ
يحدث عَن أبي جبيرَة بن الضَّحَّاك قَالَ: " كَانَ الرجل منا يكون لَهُ
الاسمان وَالثَّلَاثَة فيدعى بِبَعْضِهَا فَعَسَى أَن يكره، قَالَ: فَنزلت
{وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} ".
حَدثنَا أَبُو سَلمَة يحيى بن خلف، ثَنَا بشر بن الْمفضل، عَن دَاوُد
بِإِسْنَادِهِ نَحوه.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْفضل بن سهل الْأَعْرَج الْبَغْدَادِيّ وَغير
وَاحِد قَالُوا: ثَنَا يُونُس بن مُحَمَّد، عَن سَلام بن أبي مُطِيع، عَن
قَتَادَة، عَن [الْحسن] عَن سَمُرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْحسب: المَال، وَالْكَرم: التَّقْوَى ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من
هَذَا الْوَجْه.
الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي، ثَنَا يحيى بن سعيد
الْأمَوِي، عَن مُحَمَّد بن قيس، عَن أبي عون، عَن سعيد بن جُبَير، عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ:
(4/210)
" جَاءَت بَنو أَسد إِلَى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أسلمنَا
وقاتلتك الْعَرَب وَلم نقاتلك. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن [فقههم] قَلِيل، وَإِن الشَّيْطَان ينْطق على
ألسنتهم. وَنزلت الْآيَة: {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا عَليّ
إسلامكم بل الله} / الْآيَة ".
لم [يرو] هَذَا الحَدِيث إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَأَبُو عون هُوَ
مُحَمَّد بن عبيد الله.
وَمن سُورَة ق
البُخَارِيّ: حَدثنَا آدم، ثَنَا وَرْقَاء، عَن ابْن أبي نجيح، عَن
مُجَاهِد قَالَ ابْن عَبَّاس: " أمره أَن يسبح فِي أدبار الصَّلَوَات كلهَا
- يَعْنِي قَوْله: {وأدبار السُّجُود} ".
وَمن سُورَة الذاريات
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم الْبَغْدَادِيّ، حَدثنَا
الْحسن بن مُوسَى، ثَنَا وَرْقَاء، عَن مُسلم، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
" نصرت بالصبا، وأهلكت عَاد بالدبور، وَمَا أرسل عَلَيْهِم إِلَّا مثل
الْخَاتم ".
قَالَ أَبُو بكر: هَذَا إِنَّمَا يذكر عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا، فأسنده
مُسلم، وَمُسلم ثِقَة.
(4/211)
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر،
ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن سَلام، عَن عَاصِم بن أبي النجُود، عَن
أبي وَائِل، عَن رجل من ربيعَة قَالَ: " قدمت الْمَدِينَة فَدخلت على
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت عِنْده وَافد
عَاد، فَقلت: أعوذ بِاللَّه أَن أكون مثل وَافد عَاد. قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَمَا وَافد عَاد؟ قَالَ: فَقلت:
على الْخَبِير سَقَطت، إِن عادا لما أقحطت بعثت قيلا فَنزل على بكر بن
مُعَاوِيَة، فَسَقَاهُ الْخمر، وغنته الجرادتان، ثمَّ خرج يُرِيد جبال
مهرَة. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لم آتِك لمريض فأداويه، وَلَا لأسير
فأفاديه، فَاسق عَبدك مَا كنت تسقيه، واسق مَعَه بكر بن مُعَاوِيَة. يشْكر
لَهُ الْخمر الَّتِي سقَاهُ، فَرفع لَهُ سحابات، فَقيل لَهُ: اختر
إِحْدَاهُنَّ. فَاخْتَارَ [السَّوْدَاء] مِنْهُنَّ، فَقيل لَهُ: خُذْهَا
رَمَادا رمددا لَا تذر من عَاد أحدا، وَذكر أَنه لم يُرْسل عَلَيْهِم من
الرّيح إِلَّا قدر هَذِه الْحلقَة - يَعْنِي: خلقَة الْخَاتم - ثمَّ
قَرَأَ: {إِذْ أرسلنَا عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم. مَا تذر من شَيْء أَتَت
عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقد روى غير وَاحِد هَذَا الحَدِيث عَن سَلام أبي
الْمُنْذر، عَن عَاصِم بن أبي النجُود، عَن أبي وَائِل، عَن الْحَارِث بن
حسان، وَيُقَال لَهُ: الْحَارِث بن يزِيد.
حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا زيد بن / حباب، ثَنَا سَلام بن سُلَيْمَان
النَّحْوِيّ أَبُو الْمُنْذر، حَدثنَا عَاصِم بن أبي النجُود، عَن أبي
وَائِل، عَن الْحَارِث بن يزِيد الْبكْرِيّ قَالَ: " قدمت الْمَدِينَة
فَدخلت الْمَسْجِد فَإِذا هُوَ غاص بِالنَّاسِ وَإِذا رايات سود تخفق
وَإِذا بِلَال متقلد السَّيْف بَين يَدي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قلت: مَا شَأْن النَّاس؟ قَالُوا: يُرِيد أَن يبْعَث
عَمْرو بن الْعَاصِ وَجها ... " فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ نَحوا [من]
حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِمَعْنَاهُ، وَيُقَال لَهُ: الْحَارِث بن
حسان أَيْضا.
(4/212)
وَمن سُورَة الطّور
الْبَزَّار: حَدثنَا سهل بن بَحر، ثَنَا [الْحسن] الْوراق، ثَنَا قيس بن
الرّبيع، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه
إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله
ليرْفَع ذُرِّيَّة الْمُؤمن إِلَيْهِ فِي دَرَجَته، وَإِن كَانُوا دونه فِي
الْعَمَل لتقر بهم عينه، ثمَّ قَرَأَ: {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ
ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان} الْآيَة. ثمَّ قَالَ: وَمَا نقصنا الْآبَاء [بِمَا]
أعطينا الْبَنِينَ ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلم أحدا أسْندهُ إِلَّا الْحسن بن حَمَّاد، عَن
قيس. وَقد رَوَاهُ الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن مرّة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن
ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا.
وَمن سُورَة: والنجم
مُسلم: حَدثنِي أَبُو الرّبيع الزهْرَانِي، ثَنَا عباد - وَهُوَ ابْن
الْعَوام - ثَنَا الشَّيْبَانِيّ قَالَ: " سَأَلت زر بن حُبَيْش عَن قَول
الله - عز وَجل -: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} قَالَ: أَخْبرنِي ابْن
مَسْعُود أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى
جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - لَهُ سِتّمائَة جنَاح ".
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ الْعَنْبَري، ثَنَا أبي، حَدثنَا
شُعْبَة، عَن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ وَسمع زر بن حُبَيْش، عَن عبد الله
" {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} قَالَ: رأى جِبْرِيل فِي صورته لَهُ
سِتّمائَة جنَاح ".
(4/213)
البُخَارِيّ: حَدثنَا قبيصَة، ثَنَا
سُفْيَان، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الله قَالَ: " {لقد
رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} قَالَ: رأى رفرفا أَخْضَر قد سد الْأُفق ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى وَابْن أبي
رزمة، عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد،
عَن عبد الله / " {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} قَالَ: رأى رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جِبْرِيل فِي حلَّة من رَفْرَف قد
مَلأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر أبي شيبَة وَأَبُو سعيد الْأَشَج، ثَنَا وَكِيع،
ثَنَا الْأَعْمَش، عَن زِيَاد بن الْحصين أبي جهمة، عَن أبي الْعَالِيَة،
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} {وَلَقَد رَآهُ
نزلة أُخْرَى} قَالَ: رَآهُ بفؤاده مرَّتَيْنِ ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن نَبهَان بن صَفْوَان
الْبَصْرِيّ الثَّقَفِيّ، ثَنَا يحيى بن كثير الْعَنْبَري، حَدثنَا سلم بن
جَعْفَر، عَن الحكم بن أبان، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " رأى
مُحَمَّد ربه. قلت: أَلَيْسَ يَقُول: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ
يدْرك الْأَبْصَار} ؟ قَالَ: وَيحك [ذَاك] إِذا تجلى بنوره الَّذِي هُوَ
(4/214)
نوره. وَقَالَ: أريه مرَّتَيْنِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن عُثْمَان أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ،
ثَنَا أَبُو عَاصِم، عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن دِينَار،
عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس: " {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم
وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: % (إِن تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما % وَأي عبد لَك
[لَا] ألما) % ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من
حَدِيث زَكَرِيَّا بن [إِسْحَاق] .
وَمن سُورَة الْقَمَر
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن
قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: " سَأَلَ أهل مَكَّة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آيَة، فانشق الْقَمَر بِمَكَّة مرَّتَيْنِ فَنزل:
{اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} إِلَى قَوْله: {سحر مُسْتَمر}
يَقُول: ذَاهِب ".
قَالَ: وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُسَدّد، ثَنَا يحيى، عَن شُعْبَة وسُفْيَان، عَن
الْأَعْمَش،
(4/215)
عَن إِبْرَاهِيم، عَن أبي معمر، عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: " انْشَقَّ الْقَمَر على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرْقَتَيْن: فرقة فَوق الْجَبَل، وَفرْقَة دونه
فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اشْهَدُوا ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا [مَحْمُود] بن غيلَان، ثَنَا أَبُو دَاوُد، عَن
شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر قَالَ: " انْفَلق
الْقَمَر على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اشْهَدُوا ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن / صَحِيح.
مُسلم: حَدثنَا مُوسَى بن قُرَيْش التَّمِيمِي، ثَنَا إِسْحَاق بن بكر بن
مُضر، ثَنَا أبي، ثَنَا جَعْفَر بن ربيعَة، عَن عرَاك بن مَالك، عَن [عبيد
الله] بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " إِن
الْقَمَر انْشَقَّ على زمَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب وَبُنْدَار قَالَا: ثَنَا وَكِيع، عَن
سُفْيَان، عَن زِيَاد بن إِسْمَاعِيل، عَن مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر
المَخْزُومِي، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " جَاءَت مشركو قُرَيْش
يُخَاصِمُونَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْقدر
فَنزلت {يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم ذوقوا مس سقر. إِنَّا
كل شَيْء خلقناه بِقدر} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
(4/216)
وَمن سُورَة الرَّحْمَن سُبْحَانَهُ
الْبَزَّار: حَدثنَا عَمْرو بن مَالك، ثَنَا يحيى بن سليم، ثَنَا
إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر " أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ سُورَة الرَّحْمَن على أَصْحَابه
فَسَكَتُوا. فَقَالَ: لقد كَانَ الْجِنّ أحسن ردا مِنْكُم كلما قَرَأت
عَلَيْهِم {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} [قَالُوا:] لَا شَيْء من
آلَائِكَ رَبنَا نكذب فلك الْحَمد:
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: من طَرِيق زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن ابْن
الْمُنْكَدر، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - قَالَ: " لقد قرأتها على الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ ".
وَمن سُورَة الْوَاقِعَة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن
قَتَادَة، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام
لَا يقطعهَا وَإِن شِئْتُم فاقرءوا {وظل مَمْدُود. وَمَاء مسكوب} ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
مُسلم: حَدثنِي عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري، حَدثنَا النَّضر بن
مُحَمَّد،
(4/217)
ثَنَا عِكْرِمَة - وَهُوَ ابْن عمار - أبنا
أَبُو زميل، ثَنَا ابْن عَبَّاس قَالَ: " مطر النَّاس على عهد رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أصبح من النَّاس شَاكر وَمِنْهُم كَافِر، قَالُوا:
هَذِه رَحْمَة الله، وَقَالَ بَعضهم: لقد صدق نوء كَذَا وَكَذَا. قَالَ:
فَنزلت هَذِه الْآيَة {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} حَتَّى بلغ {وتجعلون
رزقكم أَنكُمْ تكذبون} ".
وَمن سُورَة الْحَدِيد
/ مُسلم: حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى الصَّدَفِي، ثَنَا عبد الله بن
وهب، أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، عَن سعيد بن أبي هِلَال، عَن عون بن
عبد الله بن عتبَة، عَن أَبِيه أَن ابْن مَسْعُود قَالَ: " مَا كَانَ بَين
إسْلَامنَا وَبَين أَن عَاتَبَنَا [الله] بِهَذِهِ الْآيَة {ألم يَأن
للَّذين آمنُوا آن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} إِلَّا أَربع سِنِين ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر، أبنا الْمُغيرَة بن سَلمَة أَبُو
هِشَام، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، عَن عبيد الله بن عبد الله بن
الْأَصَم، عَن عَمه يزِيد بن الْأَصَم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " جَاءَ
رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ:
أَرَأَيْت قَوْله: {وجنة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض} فَأَيْنَ
[النَّار] ؟ قَالَ: أَرَأَيْت اللَّيْل إِذا جَاءَ فألبس كل شَيْء فَأَيْنَ
النَّهَار؟ قَالَ: حَيْثُ شَاءَ الله. قَالَ: فَكَذَلِك حَيْثُ شَاءَ الله
".
وَمن سُورَة المجادلة
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا يُونُس، عَن شَيبَان، عَن
قَتَادَة، حَدثنَا أنس بن مَالك " أَن يَهُودِيّا أَتَى على النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه فَقَالَ: السام
عَلَيْكُم.
(4/218)
فَرد عَلَيْهِ الْقَوْم، فَقَالَ النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هَل تَدْرُونَ مَا قَالَ هَذَا؟
قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم، سلم يَا نَبِي الله. قَالَ: لَا، وَلكنه
قَالَ كَذَا وَكَذَا ردُّوهُ عَليّ فَردُّوهُ. قَالَ: قلت: السَّلَام
عَلَيْكُم؟ قَالَ: نعم. قَالَ نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - عِنْد ذَلِك: إِذا سلم عَلَيْكُم أحد من أهل الْكتاب
فَقولُوا: عَلَيْك - أَو قَالَ: وَعَلَيْك مَا قلت - قَالَ: {إِذا جاءوك
حيوك بِمَا لم يحيك بِهِ الله} ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، ثَنَا يحيى بن آدم، ثَنَا عبيد
الله الْأَشْجَعِيّ، عَن الثَّوْريّ، عَن عُثْمَان بن الْمُغيرَة
الثَّقَفِيّ، عَن سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن عَليّ بن عَلْقَمَة
[الْأَنمَارِي] عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: " لما نزلت {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ
صَدَقَة} قَالَ لي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا
ترى، دِينَار؟ قَالَ: لَا يطيقُونَهُ. قَالَ: فَنصف دِينَار؟ قلت: لَا
يطيقُونَهُ. قَالَ: فكم؟ قلت: شعيرَة. قَالَ: إِنَّك لَزَهِيد. قَالَ:
فَنزلت {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقَات} الْآيَة
قَالَ: فَبِي / خفف الله عَن هَذِه الْأمة ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب إِنَّمَا نعرفه من هَذَا الْوَجْه.
وَمعنى قَوْله: " شعيرَة " يَعْنِي وزن شعيرَة من ذهب.
وَمن سُورَة الْحَشْر
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي، ثَنَا
عَفَّان، ثَنَا حَفْص بن
(4/219)
غياث، ثَنَا حبيب بن أبي عمْرَة، عَن سعيد
بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس " فِي قَول الله - عز وَجل -: {مَا قطعْتُمْ
من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} قَالَ:
اللينة: النَّخْلَة. {وليخزي الْفَاسِقين} قَالَ: استنزلوهم من حصونهم.
قَالَ: وَأمرُوا بِقطع النّخل فحك فِي صُدُورهمْ فَقَالَ الْمُسلمُونَ: قد
قَطعنَا بَعْضًا وَتَركنَا بَعْضًا فلنسألن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَل لنا فِيمَا قَطعنَا من أجر وَهل علينا فِيمَا
تركنَا من وزر؟ فَأنْزل الله - عز وَجل -: {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو
تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} الْآيَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وروى بَعضهم هَذَا الحَدِيث
عَن حَفْص [عَن حبيب بن أبي عمْرَة] عَن سعيد مُرْسلا لم يذكر فِيهِ ابْن
عَبَّاس.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا وَكِيع، عَن فُضَيْل بن غَزوَان،
عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رجلا من الْأَنْصَار بَات بِهِ
ضيف فَلم يكن عِنْده إِلَّا قوته وقوت صبيانه فَقَالَ لامْرَأَته: [نومي]
الصبية وأطفئي السراج وقربي للضيف مَا عنْدك. فَنزلت هَذِه الْآيَة:
{ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} ".
هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمن سُورَة الممتحنة
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن
حَرْب وَإِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي عمر - وَاللَّفْظ لعَمْرو -
قَالَ إِسْحَاق: أبنا، وَقَالَ الْآخرُونَ:
(4/220)
حَدثنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن الْحسن
بن مُحَمَّد، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي رَافع - وَهُوَ كَاتب عَليّ -
قَالَ: سَمِعت عليا - رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ يَقُول: " بعثنَا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد
فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب فَخُذُوهُ
مِنْهَا. فَانْطَلَقْنَا (تَتَعَادَى) بِنَا خَيْلنَا فَإِذا نَحن
(بِامْرَأَة فَقَالَ) : أَخْرِجِي الْكتاب. / فَقَالَت / مَا معي كتاب.
فَقُلْنَا: لتخْرجن الْكتاب أَو لتلْقين الثِّيَاب. فَأَخْرَجته من عقاصها،
فأتينا بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذا
فِيهِ: من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى نَاس من الْمُشْركين من أهل مَكَّة
يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا
حَاطِب، مَا هَذَا؟ قَالَ: لَا تعجل عَليّ يَا رَسُول الله؛ إِنِّي كنت
امْرأ مُلْصقًا فِي قُرَيْش - قَالَ سُفْيَان: كَانَ حليفا لَهُم وَلم يكن
من أَنْفسهَا - وَكَانَ مِمَّن كَانَ مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم
قَرَابَات يحْمُونَ بهَا أَهْليهمْ، فَأَحْبَبْت (إِذا) فَاتَنِي ذَلِك من
النّسَب فيهم [أَن] أَتَّخِذ فيهم يدا يحْمُونَ قَرَابَتي، وَلم أَفعلهُ
كفرا وَلَا ارْتِدَادًا عَن ديني وَلَا رضَا بالْكفْر بعد الْإِسْلَام.
فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: صدق. فَقَالَ
عمر: دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق. فَقَالَ:
إِنَّه قد شهد بدار، وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم. فَأنْزل الله - عز وَجل -: {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} ".
وَحدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا عبد الله بن إِدْرِيس، عَن
حُصَيْن، عَن سعد بن عُبَيْدَة، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن
عَليّ قَالَ: " بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - وَأَبا مرْثَد الغنوي وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وكلنَا فَارس فَقَالَ:
انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا
(4/221)
رَوْضَة خَاخ؛ فَإِن بهَا امْرَأَة من
الْمُشْركين مَعهَا كتاب من حَاطِب إِلَى الْمُشْركين ... " فَذكر بِمَعْنى
حَدِيث عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ.
رَوَاهُ البُخَارِيّ: عَن يُوسُف بن بهْلُول، عَن عبد الله بن إِدْرِيس،
عَن حُصَيْن بِإِسْنَاد مُسلم قَالَ فِيهِ: " صدق فَلَا تَقولُوا لَهُ
إِلَّا خيرا. وَقَالَ: فَقَالَ عمر ابْن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ -:
إِنَّه قد خَان الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ فَدَعْنِي فَأَضْرب عُنُقه.
قَالَ: فَقَالَ: يَا عمر، وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله قد اطلع على أهل بدر،
فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد وَجَبت لكم الْجنَّة. قَالَ:
فَدَمَعَتْ عينا عمر فَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم ".
وَقَالَ فِي حَدِيث آخر: " وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر
فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم. فَهَذَا الَّذِي جرأه ".
رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عبد الله / بن حَوْشَب، ثَنَا هشيم، ثَنَا حُصَيْن
بِهَذَا الْإِسْنَاد الْمُتَقَدّم.
مُسلم: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن عَمْرو بن سرح، أبنا ابْن وهب،
أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد قَالَ: قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي عُرْوَة بن
الزبير أَن عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَت: " كَانَ الْمُؤْمِنَات إِذا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمْتَحن لقَوْل الله - تَعَالَى -: {يَا
أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ
بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين} إِلَى آخر الْآيَة. قَالَت
عَائِشَة: فَمن أقرّ بِهَذَا من الْمُؤْمِنَات فقد أقرّ بالمحنة، وَكَانَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أقررن بذلك من
قولهن قَالَ لَهُنَّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
انطلقن فقد بايعتكن. وَلَا وَالله مَا مست يَد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَد امْرَأَة قطّ غير أَنه يُبَايِعهُنَّ
بالْكلَام. قَالَت عَائِشَة: وَالله مَا أَخذ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على النِّسَاء قطّ إِلَّا مَا أمره الله، وَمَا مست
كف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كف امْرَأَة قطّ،
وَكَانَ يَقُول لَهُنَّ إِذا أَخذ
(4/222)
عَلَيْهِنَّ. فقد بايعتكن كلَاما ".
وَمن سُورَة الصَّفّ
التِّرْمِذِيّ: أخبرنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، ثَنَا مُحَمَّد بن
كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن [يحيى بن] أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن
عبد الله بن سَلام قَالَ: " قعدنا نفر من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتذاكرنا فَقُلْنَا: لَو نعلم أَي
الْأَعْمَال أحب إِلَى الله لعملناه. فَأنْزل الله: {سبح لله مَا فِي
السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم. يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} قَالَ عبد الله بن
سَلام. فقرأها علينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
".
قَالَ أَبُو سَلمَة: فقرأها علينا ابْن سَلام. قَالَ يحيى: فقرأها علينا
أَبُو سَلمَة. قَالَ ابْن كثير: فقرأها علينا الْأَوْزَاعِيّ. قَالَ عبد
الله: فقرأها علينا ابْن كثير.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقد خُولِفَ مُحَمَّد بن كثير فِي إِسْنَاد هَذَا
الحَدِيث عَن الْأَوْزَاعِيّ. وروى الْوَلِيد بن مُسلم هَذَا الحَدِيث عَن
الْأَوْزَاعِيّ نَحْو رِوَايَة مُحَمَّد ابْن كثير.
(4/223)
وَمن سُورَة الْجُمُعَة
/ البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله، ثَنَا سُلَيْمَان بن
بِلَال، عَن ثَوْر، عَن أبي الْغَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كُنَّا
جُلُوسًا عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأنزلت
عَلَيْهِ سُورَة الْجُمُعَة {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} قَالُوا:
من هم يَا رَسُول الله؟ فَلم يُرَاجِعهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفينَا
سلمَان الْفَارِسِي، وضع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- يَده على سلمَان ثمَّ قَالَ: لَو كَانَ الْإِيمَان عِنْد الثريا
لَنَالَهُ رجال - أَو رجل - من هَؤُلَاءِ ".
حَدثنِي عبد الله بن عبد الْوَهَّاب، أبنا عبد الْعَزِيز، أَخْبرنِي ثَوْر،
عَن أبي الْغَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَنَالَهُ رجال من هَؤُلَاءِ ".
مُسلم: حَدثنَا رِفَاعَة [بن] الْهَيْثَم الوَاسِطِيّ، ثَنَا خَالِد
الطَّحَّان، عَن حُصَيْن، عَن سَالم وَأبي سُفْيَان، عَن جَابر بن عبد الله
قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَوْم الْجُمُعَة فَقدمت سويقة، قَالَ: فَخرج النَّاس إِلَيْهَا فَلم يبْق
إِلَّا اثْنَا عشر رجلا أَنا فيهم. قَالَ: فَأنْزل الله - تبَارك
وَتَعَالَى -: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا
وَتَرَكُوك قَائِما} إِلَى آخر الْآيَة ".
قَالَ التِّرْمِذِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث: " فيهم أَبُو بكر وَعمر ".
رَوَاهُ عَن أَحْمد ابْن منيع، عَن هشيم، عَن حُصَيْن، عَن أبي سُفْيَان،
عَن جَابر.
(4/224)
وَمن سُورَة الْمُنَافِقين
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا الْحسن بن مُوسَى، ثَنَا
زُهَيْر بن مُعَاوِيَة أبنا أَبُو إِسْحَاق؛ أَنه سمع زيد بن أَرقم يَقُول:
" خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر
أصَاب النَّاس فِيهِ شدَّة، فَقَالَ عبد الله بن أبي " لَا تنفقوا على من
عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله " قَالَ زُهَيْر: وَهِي [فِي
قِرَاءَة من خفض: حوله] وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن
الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل. قَالَ: فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرته بذلك فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبي
فَسَأَلَهُ فاجتهد يَمِينه مَا فعل، فَقَالُوا: كذب زيد رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ: فَوَقع فِي نَفسِي مَا
قَالُوا شدَّة حَتَّى أنزل الله تصديقي {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} .
قَالَ: ثمَّ دعاهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ليَسْتَغْفِر لَهُم، قَالَ: فلووا رُءُوسهم. / وَقَوله: {كَأَنَّهُمْ خشب
مُسندَة} قَالَ: كَانُوا رجَالًا أجمل شَيْء ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي عبيد الله بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي
إِسْحَاق، عَن زيد بن أَرقم [قَالَ] : " كنت مَعَ عمي فَسمِعت عبد الله بن
أبي بن سلول يَقُول: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا،
وَلَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل.
فَذكرت ذَلِك لِعَمِّي، فَذكر عمي للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فدعاني فَحَدَّثته فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه
فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، وَكَذبَنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -
(4/225)
وَصدقهمْ، فَأَصَابَنِي غم لم يُصِبْنِي
مثله قطّ؛ فَجَلَست فِي بَيْتِي، وَقَالَ عمي: مَا أردْت إِلَى أَن كَذبك
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومقتك. فَأنْزل الله -
عز وَجل -: {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول
الله} وَأرْسل إِلَيّ النَّبِي فقرأها وَقَالَ: إِن الله قد صدقك ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، أبنا أسود بن عَامر، ثَنَا شُعْبَة
بن الْحجَّاج، عَن قَتَادَة، عَن أبي نَضرة، عَن قيس قَالَ: " قلت لعمَّار:
أَرَأَيْتُم صنيعكم هَذَا الَّذِي صَنَعْتُم فِي أَمر عَليّ أرأيا
رَأَيْتُمُوهُ أم (شَيْء) عَهده إِلَيْكُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فَقَالَ: مَا عهد إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَيْئا لم يعهده إِلَى النَّاس كَافَّة،
وَلَكِن حُذَيْفَة أَخْبرنِي عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -: فِي أَصْحَابِي اثْنَا عشر منافقا، فيهم ثَمَانِيَة لَا يدْخلُونَ
الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط، ثَمَانِيَة مِنْهُم (تميتهم)
الدُّبَيْلَة - وَأَرْبَعَة لم أحفظ مَا قَالَ شُعْبَة فيهم ".
وَفِي حَدِيث آخر: " تكفيكهم الدُّبَيْلَة سراج من النَّار يظْهر فِي
أكتافهم حَتَّى ينجم من صُدُورهمْ ".
رَوَاهُ مُسلم: من طَرِيق شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن أبي نَضرة، عَن قيس
بن عباد، عَن عمار، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ شُعْبَة: أَحْسبهُ قَالَ: حَدثنِي حُذَيْفَة - يَعْنِي عمارا.
وَمن سُورَة التغابن
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى، ثَنَا مُحَمَّد بن يُوسُف، أبنا
إِسْرَائِيل، أبنا سماك بن حَرْب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس "
وَسَأَلَهُ رجل عَن هَذِه الْآيَة:
(4/226)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم
وَأَوْلَادكُمْ عدوا لكم فاحذروهم} قَالَ: هَؤُلَاءِ رجال أَسْلمُوا من أهل
مَكَّة، وَأَرَادُوا أَن يَأْتُوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَأبى أَزوَاجهم وَأَوْلَادهمْ أَن يَدعُوهُم أَن يَأْتُوا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلَمَّا أَتَوا
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَأَوْا النَّاس قد
فقهوا فِي / الدَّين؛ هموا أَن يعاقبوهم فَأنْزل الله - عز وَجل -: {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوا لكم فاحذروهم}
الْآيَة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمن سُورَة التَّحْرِيم
مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن حَاتِم، ثَنَا حجاج بن مُحَمَّد، أبنا ابْن
جريج، أَخْبرنِي عَطاء، أَنه سمع عبيد بن عُمَيْر يخبر؛ أَنه سمع عَائِشَة
تخبر؛ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يمْكث
عِنْد زَيْنَب ابْنة جحش فيشرب عِنْدهَا عسلا قَالَت: فَتَوَاطَأت أَنا
وَحَفْصَة أَن أَيَّتنَا مَا دخل عَلَيْهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلْتَقُلْ إِنِّي أجد مِنْك ريح مَغَافِير، أكلت
مَغَافِير؟ فَدخل على إِحْدَاهمَا فَقَالَت لَهُ ذَلِك. فَقَالَ: بل شربت
عسلا عِنْد زَيْنَب ابْنة جحش، وَلنْ أَعُود لَهُ. فَنزل: {لم تحرم مَا أحل
الله لَك} إِلَى {إِن تَتُوبَا إِلَى الله} لعَائِشَة وَحَفْصَة {وَإِذا
أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} لقَوْله: بل شربت عسلا ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو كريب وَهَارُون بن عبد الله قَالَا: ثَنَا أَبُو
أُسَامَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل،
(4/227)
فَكَانَ إِذا صلى الْعَصْر دَار على
نِسَائِهِ فيدنو مِنْهُنَّ، فَدخل على حَفْصَة فاحتبس عِنْدهَا أَكثر مَا
كَانَ يحتبس، فَسَأَلت عَن ذَلِك فَقيل لي: أَهْدَت لَهَا امْرَأَة من
قَومهَا عكة من عسل فسقت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- مِنْهُ شربة. فَقلت: أما وَالله لنحتالن لَهُ، فَذكرت ذَلِك لسودة،
وَقلت: إِذا دخل عَلَيْك سيدنو مِنْك، فَقولِي لَهُ: يَا رَسُول الله، أكلت
مَغَافِير؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَك: لَا. فَقولِي لَهُ: مَا هَذِه الرّيح؟
_ وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يشْتَد
عَلَيْهِ أَن يُوجد مِنْهُ الرّيح - فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَك: سقتني
حَفْصَة شربة عسل، فَقولِي لَهُ: جرست نحله العرفط، وسأقول ذَلِك لَهُ،
وقوليه أَنْت يَا صَفِيَّة، فَلَمَّا دخل على سَوْدَة قَالَت: تَقول
سَوْدَة: وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لقد كدت أَن أبادئه بِالَّذِي
قلت لي، وَإنَّهُ لعلى الْبَاب فرقا مِنْك، فَلَمَّا دنا رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت: يَا رَسُول الله، أكلت
مَغَافِير؟ قَالَ: لَا. قَالَت: فَمَا هَذِه الرّيح؟ قَالَ: سقتني حَفْصَة
شربة عسل. قَالَت: جرست نحله العرفط. فَلَمَّا دخل عَليّ قلت لَهُ مثل
ذَلِك، ثمَّ دخل على صَفِيَّة فَقَالَت بِمثل ذَلِك / فَلَمَّا دخل على
حَفْصَة قَالَت: يَا رَسُول الله، أَلا أسقيك مِنْهُ؟ قَالَ: لَا حَاجَة لي
بِهِ. قَالَت: تَقول سَوْدَة: سُبْحَانَ الله وَالله لقد حرمناه (قَالَ)
قلت لَهَا: اسكتي ".
البُخَارِيّ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، أخبرنَا هِشَام بن يُوسُف،
عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن عَائِشَة قَالَت: "
كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يشرب عسلا عِنْد
زَيْنَب بنت جحش وَيمْكث عِنْدهَا، فواطأت أَنا وَحَفْصَة على أَيَّتنَا
دخل عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ: أكلت مَغَافِير؟ إِنِّي أجد مِنْك ريح
مَغَافِير. قَالَ: لَا وَلَكِنِّي كنت أشْرب عسلا عِنْد زَيْنَب بنت جحش،
فَلَنْ أَعُود إِلَيْهِ، وَقد حَلَفت لَا
(4/228)
تُخْبِرِي بذلك أحدا. (يَبْتَغِي بذلك
مرضات أَزوَاجه) ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن عون، أبنا هثيم، عَن حميد، عَن أنس قَالَ:
قَالَ عمر: " اجْتمع نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فِي الْغيرَة عَلَيْهِ، فَقلت لَهُنَّ: عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن
يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن. فَنزلت هَذِه الْآيَة ".
الْبَزَّار: حَدثنَا بشر، أبنا ابْن رَجَاء، عَن إِسْرَائِيل، عَن
مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس: " {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله
لَك} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي سريته ".
إِسْنَاد مُتَّصِل.
وَمن سُورَة ن والقلم
البُخَارِيّ: حَدثنَا آدم، ثَنَا اللَّيْث، عَن خَالِد بن يزِيد، عَن سعيد
بن أبي هِلَال، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد قَالَ:
سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " يكْشف
رَبنَا عَن سَاقه فَيسْجد لَهُ كل مُؤمن ومؤمنة، وَيبقى كل من كَانَ يسْجد
فِي الدُّنْيَا رِيَاء وَسُمْعَة فَيذْهب يسْجد فَيَعُود ظَهره طبقًا
وَاحِدًا ".
وَمن سُورَة المعارج
ابْن أصبغ قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة، ثَنَا جَعْفَر بن
مُحَمَّد، ثَنَا يزِيد بن
(4/229)
خَالِد بن موهب، ثَنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي
عَمْرو بن الْحَارِث، عَن دَاوُد، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -: " {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} فَقلت: مَا أطول هَذَا؟
! فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَالَّذِي
نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليخفف عَن الْمُؤمن حَتَّى يكون عَلَيْهِ أخف من
الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة يُصليهَا فِي الدِّينَا ".
قَالَ: وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة، ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد،
ثَنَا إِسْحَاق / بن يسَار، ثَنَا أَحْمد بن صَالح، ثَنَا ابْن وهب بِهَذَا
الْإِسْنَاد قَالَ: " {كَالْمهْلِ} كَعَكرِ الزَّيْت، فَإِذا قرب إِلَيْهِ
سَقَطت فَرْوَة وَجهه فِيهِ ".
وَمن سُورَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام
البُخَارِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، نَا هِشَام، عَن ابْن جريج،
وَقَالَ عَطاء: عَن ابْن عَبَّاس: " صَارَت الْأَوْثَان الَّتِي كَانَت فِي
قوم نوح فِي الْعَرَب بعد، أما ود فَكَانَت لكَلْب بدومة الجندل، وَأما
سواع فَكَانَت لهذيل، وَأما يَغُوث فَكَانَت لمراد ثمَّ لبني غطيف بالجرف
عِنْد سبأ، وَأما [يعوق] فَكَانَت لهمدان، وَأما نسر فَكَانَت لحمير، لآل
ذِي الكلاع، ونسر أَسمَاء رجال صالحين من قوم نوح، فَلَمَّا هَلَكُوا أوحى
الشَّيْطَان إِلَى قَومهمْ؛ أَن انصبوا إِلَى مجَالِسهمْ الَّتِي كَانُوا
يَجْلِسُونَ أنصابا وسموها بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا فَلم تعبد حَتَّى
إِذا هلك أُولَئِكَ وتنسخ الْعلم عبدت ".
(4/230)
وَمن سُورَة الْجِنّ
عبد بن حميد: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر، أبنا يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة، عَن ابْن مَسْعُود؛ أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " بت اللَّيْلَة أَقرَأ على
الْجِنّ بالحجون ".
مُسلم: حَدثنَا شَيبَان بن فروخ، حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن أبي بشر، عَن
سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " مَا قَرَأَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْجِنّ وَلَا رَآهُمْ، انْطلق
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي طَائِفَة من
أَصْحَابه إِلَى سوق عكاظ، وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر
السَّمَاء، وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب، فَرَجَعت الشَّيَاطِين إِلَى قَومهمْ
فَقَالُوا: مَا لكم؟ قَالُوا: حيل بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء، وَأرْسلت
[علينا] الشهب. قَالُوا: مَا ذَاك إِلَّا من شَيْء حدث، فاضربوا مَشَارِق
الأَرْض وَمَغَارِبهَا فانظروا مَا هَذَا الَّذِي حَال بَيْننَا وَبَين خبر
السَّمَاء. فَانْطَلقُوا يضْربُونَ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا فَمر
النَّفر الَّذين أخذُوا نَحْو تهَامَة وَهُوَ بِنَخْل عَامِدين إِلَى سوق
عكاظ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر، فَلَمَّا سمعُوا
الْقُرْآن اسْتَمعُوا لَهُ وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَال بَيْننَا وَبَين
خبر السَّمَاء. فَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا: يَا قَومنَا، إِنَّا
سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ وَلنْ نشْرك بربنا
أحدا. فَأنْزل الله على نبيه مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -: {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} ".
/ ذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ من قَول ابْن عَبَّاس " أَن الشَّيَاطِين
رموا بالنجوم، وحيل بَينهم وَبَين خبر السَّمَاء، ذكرُوا ذَلِك لإبليس
فَقَالَ لَهُم: مَا هَذَا إِلَّا أَمر قد حدث فِي الأَرْض. فَبعث جُنُوده
فوجدوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَائِما
يُصَلِّي بَين جبلين
(4/231)
فَأتوهُ فأخبروه، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي
حدث فِي الأَرْض ".
رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن يحيى، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، عَن إِسْرَائِيل،
عَن أبي إِسْحَاق، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذَا
الحَدِيث.
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن مثنى، ثَنَا عبد الْأَعْلَى، عَن دَاوُد، عَن
عَامر قَالَ: " سَأَلت عَلْقَمَة: هَل كَانَ ابْن مَسْعُود شهد مَعَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْجِنّ؟ قَالَ:
فَقَالَ عَلْقَمَة: أَنا سَأَلت ابْن مَسْعُود هَل شهد أحد مِنْكُم مَعَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْجِنّ؟
قَالَ: لَا. وَلَكِن كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - ذَات لَيْلَة ففقدناه فالتمسناه فِي الأودية والشعاب
فَقُلْنَا: استطير أَو اغتيل. قَالَ: فبتنا بشر لَيْلَة بَات بهَا قوم،
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذا هُوَ جَاءَ من قبل حراء. قَالَ: فَقُلْنَا: يَا
رَسُول الله، فقدناك فالتمسناك فَلم نجدك فبتنا بشر لَيْلَة بَات بهَا قوم.
فَقَالَ: أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ، فَذَهَبت مَعَه فَقَرَأت عَلَيْهِم
الْقُرْآن. قَالَ: فَانْطَلق بِنَا وأرانا آثَارهم وآثار نيرانهم، وسألوه
الزَّاد فَقَالَ: لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم
أوفر مَا يكون لَحْمًا، وكل بَعرَة علفا لدوابكم. فَقَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فَلَا تستنجوا بهَا فَإِنَّهَا
طَعَام إخْوَانكُمْ ".
وحَدثني بِهِ عَليّ بن حجر، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن دَاوُد
بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَى قَوْله: " آثَار نيرانهم ".
قَالَ الشّعبِيّ: " وسألوه الزَّاد وَكَانُوا من جن الجزيرة ... " إِلَى
آخر الحَدِيث من قَول الشّعبِيّ مفصلا من حَدِيث عبد الله.
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد بن حميد، حَدثنِي أَبُو الْوَلِيد، ثَنَا أَبُو
عوَانَة، عَن أبي بشر، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قَول
الْجِنّ لقومهم: {لما
(4/232)
قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ
عَلَيْهِ لبدا} قَالَ: لما رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابه يصلونَ
بِصَلَاتِهِ فيسجدون بسجوده. قَالَ: فعجبوا من طواعية أَصْحَابه لَهُ
قَالُوا / لقومهم: {لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ
لبدا} ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمن سُورَة المدثر
البُخَارِيّ: حَدثنَا يحيى بن بكير، حَدثنَا اللَّيْث، عَن عقيل، عَن ابْن
شهَاب.
وحَدثني عبد الله بن مُحَمَّد، ثَنَا عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن
الزُّهْرِيّ، أَخْبرنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن جَابر بن عبد
الله: " سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ
يحدث عَن فَتْرَة الْوَحْي فَقَالَ فِي حَدِيثه: فَبينا أَنا أَمْشِي إِذْ
سَمِعت صَوتا من السَّمَاء فَرفعت رَأْسِي، فَإِذا الْملك الَّذِي جَاءَنِي
بحراء جَالس على كرْسِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، [فجثئت] مِنْهُ رعْبًا
فَرَجَعت فَقلت: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَدَثَّرُونِي فَأنْزل الله - عز
وَجل -: {يَا أَيهَا المدثر. قُم فَأَنْذر} إِلَى {وَالرجز فاهجر} قبل أَن
تفرض الصَّلَاة - وَهِي الْأَوْثَان ".
الْبَزَّار: حَدثنَا الْعَبَّاس بن جَعْفَر، ثَنَا منْجَاب بن الْحَارِث،
ثَنَا شريك، عَن
(4/233)
عمار [الدهني] ، عَن عَطِيَّة، عَن أبي
سعيد، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
{سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: جبل من نَار يُقَال لَهُ صعُودًا، إِذا وضع
يَده عَلَيْهَا ذَابَتْ، فَإِذا رَفعهَا عَادَتْ ".
رَوَاهُ سُفْيَان عَن عمار، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد وَلم يرفعهُ.
قَالَ: لَا نعلم رَفعه عَن عمار إِلَّا شريك.
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَبُو غَسَّان مَالك بن يحيى الْهَمدَانِي وَمُحَمّد
بن بَحر بن مطر الْبَغْدَادِيّ قَالَا: ثَنَا [عبد] الْوَهَّاب بن عَطاء،
أخبرنَا [سعيد بن أبي عرُوبَة] ، عَن قَتَادَة، عَن صَفْوَان بن مُحرز؛ أَن
حَكِيم بن حرَام قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - مَعَ أَصْحَابه إِذْ قَالَ لَهُم: هَل تَسْمَعُونَ مَا أسمع؟
قَالُوا: مَا نسْمع من شَيْء يَا رَسُول الله. قَالَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنِّي لأسْمع أطيط السَّمَاء وَمَا تلام
أَن تئط. قَالَ: وَمَا فِيهَا مَوضِع قدم إِلَّا وَعَلِيهِ ملك إِمَّا ساجد
وَإِمَّا قَائِم ".
وَمن سُورَة الْقِيَامَة
البُخَارِيّ: حَدثنَا [عبيد الله] بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، عَن مُوسَى
بن
(4/234)
أبي عَائِشَة " أَنه سَأَلَ سعيد بن جُبَير
عَن قَوْله: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ
يُحَرك بِهِ شَفَتَيْه إِذا نزل عَلَيْهِ، فَقيل لَهُ: {لَا تحرّك بِهِ
لسَانك} يخْشَى أَن ينفلت / مِنْهُ {إِن علينا جمعه} أَن نجمعه فِي
صدرك {وقرآنه} أَن تَقْرَأهُ {فَإِذا قرأناه} يَقُول: أنزل عَلَيْهِ
{فَاتبع قرآنه. ثمَّ إِن علينا بَيَانه} أَن نبينه على لسَانك ".
النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن مَنْصُور النَّسَائِيّ وَأحمد بن
عُثْمَان بن حَكِيم [الأودي] قَالَا: ثَنَا مُحَمَّد بن الصَّلْت
الْكُوفِي، ثَنَا أَبُو كُدَيْنَة يحيى بن الْمُهلب الْكُوفِي، عَن
عَطاء بن السَّائِب، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن
عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: " مر يَهُودِيّ برَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يحدث أَصْحَابه قَالَ: قَالَت
قُرَيْش: يَا يَهُودِيّ، إِن هَذَا يزْعم أَنه نَبِي. قَالَ: لأسألنه
عَن شَيْء لَا يعمله إِلَّا نَبِي. فجَاء حَتَّى جلس فَقَالَ: يَا
مُحَمَّد، مِم يخلق الْإِنْسَان؟ قَالَ: يَا يَهُودِيّ، من كل يخلق؛ من
نُطْفَة الرجل، وَمن نُطْفَة الْمَرْأَة، فَأَما نُطْفَة الرجل فنطفة
غَلِيظَة فَمِنْهَا الْعظم والصلب، وَأما نُطْفَة الْمَرْأَة فنطفة
رقيقَة فَمِنْهَا اللَّحْم وَالدَّم ". اللَّفْظ لِأَحْمَد.
الْبَزَّار: حَدثنَا السكن بن سعيد، أبنا أَبُو عَامر عبد الْملك بن
عَمْرو، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن مُسلم، [عَن] مُجَاهِد، عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: " أَتَى
(4/235)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - نفر من الْيَهُود فَقَالُوا: إِن أخبرنَا بِمَا نَسْأَلهُ
فَهُوَ نَبِي. فَقَالُوا: من أَيْن يكون الشّبَه يَا مُحَمَّد؟ قَالَ:
إِن نُطْفَة الرجل غَلِيظَة ونطفة الْمَرْأَة صفراء رقيقَة، فَأَيّهمَا
علت صَاحبهَا فالشبه لَهُ، وَإِن اجْتمعَا كَانَ مِنْهَا وَمِنْه.
قَالُوا: صدق ".
فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس [هَذَا] زِيَادَة لَيست فِي غَيره.
وَمن سُورَة عبس
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سعيد بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي، حَدثنِي أبي
قَالَ: هَذَا مَا عرضنَا على هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن
عَائِشَة قَالَت: " أنزل {عبس وَتَوَلَّى} فِي ابْن أم مَكْتُوم
الْأَعْمَى أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَجعل يَقُول: يَا رَسُول الله، أَرْشدنِي. وَعند رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل من عُظَمَاء الْمُشْركين، فَجعل
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعرض عَنهُ،
وَيقبل على الآخر وَيَقُول: أَتَرَى بِمَا أَقُول بَأْسا؟ [فَيُقَال] :
لَا. فَفِي هَذَا أنزل ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن / غَرِيب، وروى بَعضهم هَذَا
الحَدِيث عَن هِشَام، عَن أَبِيه، وَلم يذكر عَائِشَة.
وَمن سُورَة إِذا الشَّمْس كورت
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري، ثَنَا
عبد الرَّزَّاق، أَخْبرنِي عبد الله بن بحير، عَن عبد الرَّحْمَن -
وَهُوَ ابْن يزِيد الصَّنْعَانِيّ - قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يَقُول:
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من سره
أَن ينظر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ رَأْي عين فليقرأ: {إِذا
الشَّمْس كورت} و {إِذا السَّمَاء انفطرت} و {إِذا السَّمَاء انشقت} ".
هَذَا حَدِيث حسن.
(4/236)
وروى هِشَام بن يُوسُف وَغَيره هَذَا
الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد وَقَالَ: " من سره أَن ينظر إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة كَأَنَّهُ رَأْي عين فليقرأ {إِذا الشَّمْس كورت} " وَلم
يذكر " {إِذا السَّمَاء انفطرت} و {إِذا السَّمَاء انشقت} ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُسَدّد، أبنا عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار،
حَدثنَا عبد الله بن الداناج، حَدثنِي أَبُو سَلمَة، عَن أبي
هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " الشَّمْس وَالْقَمَر مكوران يَوْم الْقِيَامَة ".
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، أبنا ابْن أبي زَائِدَة،
ثَنَا أبي، عَن عَامر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ: " الوائدة والموءودة فِي النَّار ".
قَالَ ابْن أبي زَائِدَة: قَالَ أبي: فَحَدثني أَبُو إِسْحَاق [أَن]
عَامِرًا حَدثهُ بذلك عَن عَلْقَمَة، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا عُبَيْدَة بن حميد، عَن دَاوُد بن أبي
هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن عَلْقَمَة، عَن قيس، عَن سَلمَة بن يزِيد
قَالَ: " أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنا
وَأخي فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِن أمنا كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة
تقري الضَّيْف وَتصل الرَّحِم وَتفعل وَتفعل؛ ينفعها بذلك شَيْئا؟
قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِنَّهَا وَأَدت أُخْتا لنا فِي الْجَاهِلِيَّة،
فَهَل ينفع ذَلِك أُخْتنَا شَيْئا؟ قَالَ: لَا. الوائدة والموءودة فِي
النَّار، إِلَّا أَن يدْرك الوائدة الْإِسْلَام فيعفو الله عَنْهَا ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْبَغْدَادِيّ، ثَنَا خلف
بن خَليفَة، عَن أبي هَاشم، عَن سعيد بن جُبَير، عَن / ابْن عَبَّاس "
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ: من
فِي الْجنَّة؟ قَالَ: النَّبِي فِي الْجنَّة، والشهيد فِي الْجنَّة،
والمولود فِي الْجنَّة، والموءودة فِي الْجنَّة ".
(4/237)
وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى بِهَذَا
اللَّفْظ عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد.
وَمن سُورَة المطففين
النَّسَائِيّ: أخبرنَا قُتَيْبَة، ثَنَا اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان،
عَن الْقَعْقَاع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن العَبْد إِذا
أَخطَأ خَطِيئَة نكتت فِي قلبه نُكْتَة، فَإِن هُوَ نزع واستغفر
وَتَابَ [صقلت] ، وَإِن عَاد زيد فِيهَا حَتَّى تعلو قلبه، فَهُوَ
الران الَّذِي ذكر الله - تَعَالَى - {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ} ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا صَفْوَان، عَن ابْن
عجلَان، عَن الْقَعْقَاع [بن] حَكِيم، عَن أبي صَالح، عَن أبي
هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ: " إِذا أذْنب الْمُؤمن كَانَت نُكْتَة سَوْدَاء فِي قلبه، فَإِن
تَابَ وَنزع واستغفر صقلت، وَإِن عَاد زَادَت حَتَّى يسود الْقلب،
فَذَلِك الران الَّذِي جعل الله - تَعَالَى - {كلا بل ران على قُلُوبهم
مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ".
وَمن سُورَة البروج
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان وَعبد بن حميد - الْمَعْنى
وَاحِد - قَالَا:
(4/238)
حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن
ثَابت الْبنانِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن، بن أبي ليلى، عَن صُهَيْب
قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِذا صلى الْعَصْر هَمس - والهمس فِي بعض قَوْلهم تحرّك شَفَتَيْه
كَأَنَّهُ يتَكَلَّم - فَقيل لَهُ: إِنَّك يَا رَسُول الله إِذا صليت
الْعَصْر همست. قَالَ: إِن نَبيا من الْأَنْبِيَاء كَانَ (من أمته)
فَقَالَ: من يقوم لهَؤُلَاء؟ فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن خَيرهمْ بَين
أَن أنتقم مِنْهُم وَبَين أَن أسلط عَلَيْهِم عدوهم، فَاخْتَارُوا
النقمَة، فَسلط عَلَيْهِم الْمَوْت، فَمَاتَ مِنْهُم فِي يَوْم سبعين
ألفا. قَالَ: وَكَانَ إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث حدث بِهَذَا الحَدِيث
الآخر. قَالَ: وَكَانَ ملك من الْمُلُوك، وَكَانَ لذَلِك الْملك كَاهِن
يكهن لَهُ فَقَالَ الكاهن: / انْظُرُوا لي غُلَاما فهما - أَو قَالَ:
فطنا لقنا - فَأعلمهُ علمي هَذَا؛ فَإِنِّي أَخَاف أَن أَمُوت
فَيَنْقَطِع مِنْكُم هَذَا الْعلم وَلَا يكون فِيكُم من يُعلمهُ.
قَالَ: فنظروا لَهُ على مَا وصف، فَأمره أَن يحضر ذَلِك الكاهن وَأَن
يخْتَلف إِلَيْهِ فَجعل يخْتَلف إِلَيْهِ، وَكَانَ على طَرِيق
الْغُلَام رَاهِب فِي صومعة - قَالَ معمر: أَحسب أَن أَصْحَاب الصوامع
كَانُوا يَوْمئِذٍ مُسلمين - قَالَ: فَجعل الْغُلَام يمْكث يسْأَل
الراهب كلما مر بِهِ، فَلم يزل بِهِ حَتَّى أخبرهُ فَقَالَ: إِنَّمَا
أعبد الله. قَالَ: فَجعل الْغُلَام يمْكث عِنْد الراهب ويبطئ على
الكاهن، فَأرْسل الكاهن إِلَى أهل الْغُلَام إِنَّه لَا يكَاد [يحضرني]
، فَأخْبر الْغُلَام الراهب بذلك، فَقَالَ لَهُ الراهب: إِذا قَالَ لَك
الكاهن أَيْن كنت؟ فَقل: عِنْد أَهلِي. وَإِذا قَالَ لَك أهلك: أَيْن
كنت؟ فَأخْبرهُم أَنَّك كنت عِنْد الكاهن. قَالَ: فَبينا الْغُلَام على
ذَلِك إِذْ مر بِجَمَاعَة من النَّاس كثير قد حبستهم دَابَّة - فَقَالَ
بَعضهم: إِن تِلْكَ الدَّابَّة كَانَت أسدا - قَالَ: فَأخذ الْغُلَام
حجرا، قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَا يَقُول الراهب حَقًا فأسألك أَن
أَقتلهُ. قَالَ: ثمَّ رمى فَقتل الدَّابَّة، فَقَالَ لَهَا النَّاس: من
قَتلهَا؟ فَقَالُوا: الْغُلَام. فَفَزعَ النَّاس وَقَالُوا: لقد علم
هَذَا الْغُلَام علما لم يُعلمهُ أحد. قَالَ: فَسمع بِهِ أعمى فَقَالَ
لَهُ: إِن أَنْت رددت بَصرِي فلك كَذَا وَكَذَا. قَالَ لَهُ: لَا
أُرِيد مِنْك هَذَا، وَلَكِن إِن رَجَعَ إِلَيْك بَصرك تؤمن بِالَّذِي
رده إِلَيْك. قَالَ: نعم. قَالَ: فَدَعَا
(4/239)
الله فَرد عَلَيْهِ بصرة فَآمن الْأَعْمَى،
فَبلغ ذَلِك الْملك فَبعث إِلَيْهِم، فَأتي بهم فَقَالَ: لأقتلن كل
وَاحِد مِنْكُم قتلة لَا أقتل بهَا صَاحبه، فَأمر بِالرَّاهِبِ وَالرجل
الَّذِي كَانَ أعمى فَوضع الْمِنْشَار على مفرق أَحدهمَا فَقتله، وَقتل
الآخر بقتلة أُخْرَى، ثمَّ أَمر بالغلام فَقَالَ: [انْطَلقُوا] بِهِ
إِلَى جبل كَذَا وَكَذَا فألقوه من رَأسه. فَانْطَلقُوا بِهِ إِلَى
ذَلِك الْجَبَل فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى ذَلِك الْمَكَان الَّذِي
أَرَادوا أَن يلقوه مِنْهُ؛ جعلُوا يتهافتون من ذَلِك الْجَبَل ويتردون
حَتَّى لم يبْق مِنْهُم إِلَّا الْغُلَام. قَالَ: ثمَّ رَجَعَ فَأمر
بِهِ الْملك أَن ينطلقوا بِهِ إِلَى الْبَحْر فيلقونه فِيهِ، فَانْطَلق
بِهِ إِلَى الْبَحْر فغرق الله الَّذين كَانُوا مَعَه / وأنجاه،
فَقَالَ الْغُلَام للْملك: إِنَّك لَا تقتلني حَتَّى تصلبني وترميني
وَتقول إِذا رميتني: باسم الله رب هَذَا الْغُلَام. قَالَ: فَأمر بِهِ
فصلب ثمَّ رَمَاه فَقَالَ: باسم الله رب هَذَا الْغُلَام. قَالَ: فَوضع
الْغُلَام يَده على صُدْغه حِين رمي ثمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّاس: لقد
علم هَذَا الْغُلَام علما مَا علمه أحد، فَإنَّا نؤمن بِرَبّ هَذَا
الْغُلَام. قَالَ: فَقيل للْملك: أجزعت أَن خالفك ثَلَاثَة نفر،
فَهَذَا الْعَالم كلهم قد خالفوك. قَالَ: فَخدَّ أُخْدُودًا، ثمَّ
ألْقى فِيهَا الْحَطب وَالنَّار، ثمَّ جمع النَّاس فَقَالَ: من رَجَعَ
عَن دينه تَرَكْنَاهُ، وَمن لم يرجع ألقيناه فِي هَذِه النَّار. فَجعل
يُلقيهِمْ فِي تِلْكَ الخدود. قَالَ: يَقُول الله: {قتل أَصْحَاب
الْأُخْدُود. النَّار ذَات الْوقُود} حَتَّى بلغ {الْعَزِيز الحميد}
قَالَ: فَأَما الْغُلَام فَإِنَّهُ دفن، فَيذكرُونَ أَنه أخرج فِي زمن
عمر ابْن الْخطاب وإصبعه على صُدْغه كَمَا وَضعهَا حِين قتل ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
(4/240)
وَمن سُورَة الْفجْر
الْبَزَّار: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، ثَنَا [عمر] بن حَفْص بن غياث،
عَن أَبِيه، عَن الْعَلَاء بن خَالِد، عَن شَقِيق، عَن عبد الله، عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي قَول الله -
تبَارك وَتَعَالَى -: {وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم} . قَالَ: جِيءَ بهَا
تقاد بسبعين [ألف] زِمَام، مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك ".
الْعَلَاء بن خَالِد هَذَا مَشْهُور، قَالَه أَبُو بكر الْبَزَّار.
وَمن سُورَة الْبَلَد
الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله بن مُبشر، ثَنَا أَحْمد
بن سِنَان الْقطَّان، حَدثنَا أَبُو أَحْمد الزبيرِي، حَدثنَا عِيسَى
بن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، حَدثنِي طَلْحَة ابْن مصرف، عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْسَجَة، عَن الْبَراء قَالَ: " جَاءَ رجل إِلَى
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: دلَّنِي على
عمل يقربنِي من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار. قَالَ: لَئِن كنت
أقصرت الْخطْبَة لقد أَعرَضت [الْمَسْأَلَة] ، أعتق النَّسمَة وَفك
الرَّقَبَة. [فَقَالَ: يَا رَسُول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَو ليسَا وَاحِدًا؟ فَقَالَ: لَا، عتق النَّسمَة أَن
تفرد بِعتْقِهَا وَفك الرَّقَبَة] أَن تعين فِي ثمنهَا، والمنحة
الوكوف، والفيء على [ذِي]
(4/241)
الرَّحِم الظَّالِم، فَإِن لم تطق فَكف
لسَانك إِلَّا من خير ".
وَمن سُورَة وَالشَّمْس وَضُحَاهَا
/ البُخَارِيّ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا وهيب، ثَنَا
هِشَام، عَن أَبِيه، أَنه أخبرهُ عبد الله بن زَمعَة " أَنه سمع
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب وَذكر النَّاقة
وَالَّذِي عقر فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ -: {إِذْ انْبَعَثَ أشقاها} انْبَعَثَ لَهَا رجل عَزِيز [عَارِم]
منيع فِي رهطه مثل أبي زَمعَة. وَذكر النِّسَاء فَقَالَ: يعمد أحدكُم
فيجلد امْرَأَته جلد العَبْد فَلَعَلَّهُ يضاجعها من آخر يَوْمه. ثمَّ
[وعظهم] فِي (ضحك) [من] الضرطة فَقَالَ: لم يضْحك أحدكُم مِمَّا يفعل
".
وَمن سُورَة الضُّحَى وألم نشرح
مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع، ثَنَا إِسْحَاق، [ثَنَا يحيى] بن
آدم، ثَنَا زُهَيْر، عَن الْأسود بن قيس قَالَ: سَمِعت جُنْدُب بن
سُفْيَان يَقُول: " اشْتَكَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فَلم يقم لَيْلَتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا فَجَاءَتْهُ
امْرَأَة فَقَالَت: يَا مُحَمَّد، إِنِّي لأرجو أَن يكون شَيْطَانك قد
تَركك، لم أره قربك لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. قَالَ: فَأنْزل الله
(4/242)
{وَالضُّحَى. وَاللَّيْل إِذا سجى. مَا
وَدعك رَبك وَمَا قلى} ".
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي دَاوُد، حَدثنَا عبد الله بن
عبد الْوَهَّاب الحَجبي.
وَحدثنَا أَحْمد بن دَاوُد بن مُوسَى، ثَنَا أَبُو الرّبيع الزهْرَانِي
قَالَ: ثَنَا حَمَّاد بن زيد، ثَنَا عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن
جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " سَأَلت رَبِّي - عز وَجل - مَسْأَلَة وددت
أَنِّي لم أكن سَأَلته، قلت: أَي رب، قد كَانَت قبلي أَنْبيَاء مِنْهُم
من قد سخرت لَهُ الرّيح. ثمَّ ذكر سُلَيْمَان بن دَاوُد، وَمِنْهُم من
كَانَ يحيى الْمَوْتَى. ثمَّ ذكر عِيسَى ابْن مَرْيَم - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[وَمِنْهُم] وَمِنْهُم من - يذكر مَا أعْطوا -
قَالَ: ألم أجدك يَتِيما فآويت؟ قلت: بلَى أَي رب. قَالَ: ألم أجدك
ضَالًّا فهديت؟ قلت: بلَى أَي رب. قَالَ: ألم أجدك عائلا فأغنيت؟ قلت:
بلَى أَي رب. قَالَ: ألم أشرح لَك صدرك وَوضعت عَنْك وزرك؟ قلت: بلَى
أَي رب ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر
وَابْن أبي عدي، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس بن
مَالك، عَن مَالك بن صعصعة - رجل من قومه - أَن نَبِي الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " بَيْنَمَا أَنا عِنْد الْبَيْت
/ بَين النَّائِم وَالْيَقظَان إِذْ سَمِعت قَائِلا يَقُول: أحد [بَين]
الثَّلَاثَة فَأتيت بطست من ذهب فِيهَا مَاء زَمْزَم، فشرح صَدْرِي
إِلَى كَذَا وَكَذَا - قَالَ قَتَادَة: قلت لأنس: مَا يَعْنِي؟
(4/243)
قَالَ: إِلَى أَسْفَل بَطْني - فاستخرج
قلبِي فَغسل قلبِي بِمَاء زَمْزَم ثمَّ أُعِيد مَكَانَهُ، ثمَّ حشي
إِيمَانًا وَحِكْمَة " وَفِي الحَدِيث قصَّة طَوِيلَة.
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمن سُورَة اقْرَأ باسم رَبك
البُخَارِيّ: حَدثنَا يحيى بن بكير، ثَنَا اللَّيْث، عَن عقيل، عَن
ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: " أول مَا بُدِئَ بِهِ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّؤْيَا
الصَّالِحَة، فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ: {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي
خلق. خلق الْإِنْسَان من علق. اقْرَأ وَرَبك الأكرم} ".
مُسلم: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ وَمُحَمّد بن الْأَعْلَى الْقَيْسِي
[قَالَا] : ثَنَا الْمُعْتَمِر، عَن أَبِيه، حَدثنِي نعيم بن أبي
هِنْد، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " قَالَ أَبُو جهل:
هَل يعفر مُحَمَّد وَجهه بَين أظْهركُم؟ قَالَ: فَقيل: نعم. فَقَالَ:
وَاللات والعزة لَئِن رَأَيْته يفعل ذَلِك لَأَطَأَن على رقبته أَو
لأُعَفِّرَنَّ وَجهه. قَالَ: فَأتى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي - زعم ليَطَأ على رقبته -
قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ إِلَّا وَهُوَ يَنْكص على عَقِبَيْهِ
وَيَتَّقِي بيدَيْهِ. قَالَ: فَقيل لَهُ مَا لَك؟ قَالَ: إِن بيني
وَبَينه لَخَنْدَقًا من نَار وَهولا وَأَجْنِحَة. فَقَالَ رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَو دنا مني لَاخْتَطَفَتْهُ
الْمَلَائِكَة عضوا عضوا. قَالَ: فَأنْزل الله تَعَالَى - لَا نَدْرِي
فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَو شَيْء بلغه - {كلا إِن الْإِنْسَان
ليطْغى. أَن رَآهُ اسْتغنى. إِن إِلَى رَبك الرجعى. أَرَأَيْت الَّذِي
ينْهَى. عبدا إِذا صلى. أَرَأَيْت إِن كَانَ على الْهدى أَو أَمر
بالتقوى. أَرَأَيْت إِن كذب وَتَوَلَّى} يَعْنِي أَبَا
(4/244)
جهل {ألم يعلم بِأَن الله يرى. كلا لَئِن
لم ينْتَه لنسفعا بالناصية. نَاصِيَة كَاذِبَة خاطئة. فَليدع نَادِيه.
سَنَدع الزَّبَانِيَة. كلا لَا تطعه} ".
زَاد عبيد الله فِي حَدِيثه قَالَ: " وَأمره بِمَا أمره بِهِ ".
وَزَاد ابْن عبد الْأَعْلَى: " {فَليدع نَادِيه} يَعْنِي قومه ".
قَالَ التِّرْمِذِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث: " لَو فعل لَأَخَذته
الْمَلَائِكَة عيَانًا ".
وروى التِّرْمِذِيّ: أَيْضا قَالَ: حَدثنَا أَبُو سعيد، حَدثنَا أَبُو
خَالِد / عَن دَاوُد ابْن أبي هِنْد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يُصَلِّي فجَاء أَبُو جهل فَقَالَ: ألم أَنْهَك عَن هَذَا، ألم أَنْهَك
عَن هَذَا؟ فَانْصَرف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فزبره. فَقَالَ أَبُو جهل: إِنَّك لتعلم مَا بهَا نَاد أَكثر مني.
فَأنْزل الله - عز وَجل -: {فَليدع نَادِيه. سَنَدع الزَّبَانِيَة}
قَالَ ابْن عَبَّاس: [فوَاللَّه لَو دَعَا نَادِيه] لَأَخَذته
زَبَانِيَة الله ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، وَفِيه عَن أبي
هُرَيْرَة.
وَمن سُورَة الْقدر
الْبَزَّار: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، ثَنَا جرير، عَن الْأَعْمَش،
عَن مُسلم البطين والمنهال، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: " أنزل الله الْقُرْآن إِلَى
(4/245)
سَمَاء الدُّنْيَا لَيْلَة الْقدر جملَة
وَاحِدَة، كَانَ جِبْرِيل [ينزله] على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَمن سُورَة إِذا زلزلت الأَرْض
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سُوَيْد بن نصر، أبنا عبد الله بن الْمُبَارك،
أبنا سعيد بن أبي أَيُّوب، عَن يحيى بن أبي سُلَيْمَان، عَن سعيد
المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذِه الْآيَة {يَوْمئِذٍ تحدث
أَخْبَارهَا} قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا؟ قَالُوا: الله
وَرَسُوله أعلم. قَالَ: فَإِن أَخْبَارهَا أَن تشهد على كل عبد أَو أمة
بِمَا عمل على ظهرهَا، تَقول: عمل يَوْم كَذَا كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ
أَخْبَارهَا ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب.
وَمن سُورَة الْكَوْثَر
البُخَارِيّ: حَدثنَا آدم، ثَنَا شَيبَان، ثَنَا قَتَادَة، عَن أنس بن
مَالك: " لما عرج بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِلَى السَّمَاء قَالَ: أتيت على نهر حافتاه قباب اللُّؤْلُؤ مجوف
فَقلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَر ".
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا هناد، ثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن عَطاء بن
السَّائِب، عَن محَارب بن دثار، عَن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْكَوْثَر نهر
فِي الْجنَّة حافتاه من ذهب وَمَجْرَاهُ على الدّرّ والياقوت، تربته
أطيب من الْمسك،
(4/246)
وماؤه أحلى من الْعَسَل وأبيض من الثَّلج
".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمن سُورَة الْفَتْح
مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى، حَدثنِي عبد الْأَعْلَى / ثَنَا
دَاوُد، عَن عَامر، عَن مَسْرُوق، عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكثر من قَول: سُبْحَانَ
الله وَبِحَمْدِهِ أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ. [قَالَت] :
فَقلت: يَا رَسُول الله، أَرَاك تكْثر من قَول سُبْحَانَ الله
وَبِحَمْدِهِ أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ. فَقَالَ: أَخْبرنِي
رَبِّي - عز وَجل - أَنِّي سأرى عَلامَة فِي أمتِي فَإِذا رَأَيْتهَا
أكثرت من قَول: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ أسْتَغْفر الله وَأَتُوب
إِلَيْهِ. فقد رَأَيْتهَا {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فتح مَكَّة
{وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا. فسبح بِحَمْد
رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا} ".
البُخَارِيّ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، ثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن
أبي بشر، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ عمر
يدخلني مَعَ أَشْيَاخ بدر، فَكَأَن بَعضهم وجد فِي نَفسه فَقَالَ: لم
يدْخل هَذَا مَعنا وَلنَا أَبنَاء مثله؟ فَقَالَ عمر: إِنَّه من (قد)
علمْتُم. فَدَعَاهُ ذَات يَوْم فَأدْخلهُ مَعَهم، فَمَا رئيت أَنه
دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ. قَالَ: مَا تَقولُونَ فِي قَول
الله - عز وَجل -: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فَقَالَ بَعضهم:
أمرنَا بِحَمْد الله وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا نصرنَا وَفتح علينا. وَسكت
بَعضهم فَلم يَقُولُوا شَيْئا. فَقَالَ: أَكَذَلِك تَقول يَا ابْن
عَبَّاس؟ فَقلت: لَا. فَقَالَ: فَمَا تَقول؟ قلت: هُوَ أجل رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعلمهُ (لَك) قَالَ: {إِذا
جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح}
(4/247)
وَذَلِكَ عَلامَة أَجلك {فسبح بِحَمْد رَبك
وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا} . فَقَالَ عمر: مَا أعلم
مِنْهَا إِلَّا مَا تَقول ".
مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَهَارُون بن عبد الله وَعبد بن
حميد. قَالَ عبد: أَنا. وَقَالَ الْآخرَانِ: ثَنَا جَعْفَر بن عون،
ثَنَا أَبُو عُمَيْس، عَن عبد الْمجِيد بن [سُهَيْل] ، عَن عبيد الله
بن عبد الله بن عتبَة قَالَ: " قَالَ لي ابْن عَبَّاس: تعلم - وَقَالَ
هَارُون: تذكر - آخر سُورَة نزلت من الْقُرْآن جَمِيعًا؟ قلت: نعم
{إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} . قَالَ: صدقت ".
وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: " تعلم أَي سُورَة " وَلم يقل: " آخر
".
عبد بن حميد: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق، عَن هِشَام بن حسان، عَن
مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: " لما
نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله} قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -: أَتَاكُم أهل الْيمن هم أرق قلوبا، الْإِيمَان يمَان،
الْفِقْه يمَان، الْحِكْمَة يَمَانِية ".
أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة،
سمع أَبَا البخْترِي، يحدث عَن أبي سعيد / الْخُدْرِيّ قَالَ: " لما
نزلت هَذِه الْآيَة {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَرَأَهَا رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى خَتمهَا ثمَّ
قَالَ: أَنا وأصحابي خير وَالنَّاس خير، لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح ".
أَبُو البخْترِي اسْمه سعيد بن فَيْرُوز، ثِقَة مَشْهُور، وَفِي
الْبَاب عَن رَافع بن خديج.
(4/248)
وَمن سُورَة تبت
البُخَارِيّ: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، ثَنَا أبي، ثَنَا
الْأَعْمَش، أبنا عَمْرو بن مرّة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: " لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} صعد النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الصَّفَا فَجعل يُنَادي: يَا
بني فهر، يَا بني عدي. لبطون من قُرَيْش، حَتَّى اجْتَمعُوا، فَجعل
الرجل إِذا لم يسْتَطع أَن يخرج أرسل رَسُولا لينْظر (مَا هَؤُلَاءِ) .
فجَاء أَبُو لَهب وقريش. فَقَالَ: أَرَأَيْتكُم لَو أَخْبَرتكُم أَن
خيلا بالوادي تُرِيدُ أَن تغير عَلَيْكُم كُنْتُم تصدقوني؟ قَالُوا:
نعم، مَا جربنَا عَلَيْك إِلَّا صدقا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِير لكم بَين
يَدي عَذَاب شَدِيد. فَقَالَ أَبُو لَهب: تَبًّا لَك سَائِر الْيَوْم
أَلِهَذَا جمعتنَا؟ ! فَنزلت {تبت يدا أبي لَهب وَتب} ".
وَمن سُورَة الْإِخْلَاص
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، ثَنَا أَبُو سعد (الصغاني) ،
عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أبي الْعَالِيَة،
عَن أبي بن كَعْب " أَن الْمُشْركين قَالُوا لرَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: انسب لنا رَبك. فَأنْزل الله {قل هُوَ
الله أحد. الله الصَّمد. لم يلد وَلم يُولد} لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء
يُولد إِلَّا سيموت، وَلَا شَيْء يَمُوت
(4/249)
إِلَّا سيورث - وَإِن الله - سُبْحَانَهُ -
لَا يَمُوت وَلَا يُورث {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} قَالَ: لم يكن لَهُ
شَبيه وَلَا عدل وَلَيْسَ كمثله شَيْء ".
حَدثنَا عبد بن حميد، ثَنَا عبيد الله بن مُوسَى، عَن أبي جَعْفَر
الرَّازِيّ، عَن الرّبيع، عَن أبي الْعَالِيَة " أَن النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذكر آلِهَتهم فَقَالُوا: انسب لنا رَبك.
قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيل بِهَذِهِ السُّورَة {قل هُوَ الله أحد} ...
" فَذكر نَحوه، وَلم يذكر فِيهِ عَن أبي بن كَعْب، وَهَذَا أصح من
حَدِيث أبي سعد؛ وَأَبُو سعد اسْمه مُحَمَّد ابْن ميسر، وَأَبُو
جَعْفَر اسْمه عِيسَى، وَأَبُو الْعَالِيَة اسْمَع رفيع، وَكَانَ عبدا
أَعتَقته امْرَأَة سائبة.
وَمن سُورَة المعوذتين
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، ثَنَا عبد الْملك بن
عَمْرو الْعَقدي، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن الْحَارِث / بن عبد
الرَّحْمَن، عَن أبي سَلمَة [بن] عبد الرَّحْمَن، عَن عَائِشَة " أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نظر إِلَى الْقَمَر
فَقَالَ: يَا عَائِشَة، اسْتَعِيذِي من شَرّ هَذَا؛ فَإِن هَذَا
الْغَاسِق إِذا وَقب ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
البُخَارِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَاصِم وَعَبدَة،
عَن زر: " سَأَلت أبي بن كَعْب عَن المعوذتين فَقَالَ: سَأَلت رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
(4/250)
وَقَالَ الْحميدِي عَن سُفْيَان فِي هَذَا
الحَدِيث: " قيل لي: قل. فَنحْن نقُول كَمَا قَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
بَاب
عبد بن حميد: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن قَتَادَة قَالَ: "
أنزل من الْقُرْآن بِالْمَدِينَةِ: الْبَقَرَة، وَآل عمرَان،
وَالنِّسَاء، والمائدة، والأنعام، والأنفال، وَبَرَاءَة، والرعد،
والنحل، وَالْحج، والنور، وَسورَة مُحَمَّد، وَالْفَتْح، والحجرات،
وَالْحَدِيد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، وَالْجُمُعَة،
والمنافقون، والتغابن، وَالنِّسَاء الصُّغْرَى، وَالتَّحْرِيم، وَلم
يكن، وَإِذا جَاءَ نصر الله، وَقل هُوَ الله أحد، ويشك فِي: أَرَأَيْت
الَّذِي يكذب بِالدّينِ. وَنزل سَائِر الْقُرْآن بِمَكَّة ".
الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك الوَاسِطِيّ، ثَنَا طلق بن
غَنَّام، ثَنَا قيس، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة،
عَن عبد الله قَالَ: " كل شَيْء نزل {يَا أَيهَا النَّاس} فَهُوَ
بِمَكَّة، وكل شَيْء نزل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فَهُوَ
بِالْمَدِينَةِ ".
وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ غير قيس [مُرْسلا] وَلَا نعلم أحدا أسْندهُ
إِلَّا قيس.
الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَبُو أُميَّة، ثَنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم
الْحَرَّانِي - يَعْنِي سحيما - ثَنَا زُهَيْر، ثَنَا أَبُو إِسْحَاق،
عَن عبد الله بن حبيب أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، سَمِعت ابْن
مَسْعُود يَقُول: " أنزل الله - عز وَجل - على رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمفصل بِمَكَّة
(4/251)
فَكُنَّا حجَجنَا نقرؤه لَا ينزل غَيره ".
الْبَزَّار: حَدثنَا أَبُو كريب، أخبرنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو، عَن
سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يعرف خَاتِمَة السُّورَة حَتَّى
تنزل " بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَإِذا أنزلت " بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم " علم أَن السُّورَة قد ختمت، واستقبلت - أَو
ابتدأت - سُورَة أُخْرَى ".
/ وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ عَن عَمْرو من حَدِيث سُفْيَان جمَاعَة
مُرْسلا.
تمّ كتاب التَّفْسِير بِحَمْد الله وعونه يتلوه إِن شَاءَ الله
تَعَالَى كتاب تَعْبِير الرُّؤْيَا.
(4/252)
|