الأدلة الرضية لمتن الدرر البهية في المسائل الفقهية

الكتاب الأول: كتاب الطهارة
[الباب الأول] : باب [أقسام المياه]
الماء طاهر مطهر1، لا يخرجه عن الوصفين2، إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه من النجاسات3، وعن الثاني4 ما أخرجه عن اسم الماء المطلق من المغيرات الطاهرة5. ولا
__________
1 لا خلاف في ذلك، وقد نطق بذلك الكتاب: قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] . وبه أفصحت السنة.
أخرج البخاري "2/ 227- مع الفتح" ومسلم "5/ 96- بشرح النووي" وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبَّر في الصلاة سكت هنيَّةً قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟، قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد".
وأخرج أبو داود "1/ 152-مع العون"، والترمذي "1/ 224- مع التحفة"، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه "1/ 136 رقم 386" وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه "1/ 67 رقم 309" والنسائي "1/ 50-رقم 59"، وغيرهم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته".
2 أي عن وصف كونه طاهرًا وعن وصف كونه مطهرًا.
3 بدليل الإجماع. قال ابن المنذر في كتابه "الإجماع" ص33 رقم "10" "وأجمعوا على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت الماء طعمًا، أو لونًا، أو ريحًا، إنه نجس ما دام كذلك". ونقل الإجماع ابن الملقن في مختصر البدر المنير ص18، والمهدي في البحر"1/ 31" والنووي في المجموع "1/ 110" وابن قدامة في المغني "1/ 53".
4 أي كونه مطهرًا.
5 كالصابون، والعجين، والزعفران، أو غير ذلك من الأشياء الطاهرة التي يستغنى عنها عادة فيصبح الماء طاهرًا في نفسه غير مطهر لغيره.

(1/23)


فرق بين قليل وكثير1، وما فوق القلتين وما دونهما2، ومستعمل وغير مستعمل3.
__________
1 قال الإمام البغوي في شرح السنة "2/ 59-60: "وقدر بعض أصحاب الرأي الماء الكثير الذي لا ينجس بأن يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع، وهذا تحديد لا يرجع إلى أصل شرعي يعتمد عليه".
قلتُ: أما الحديث الذي أخرجه ابن ماجه "2/ 831 رقم 2486"، والدارمي "2/ 273" عن عبد الله ابن مغفل عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا لماشيته"، وهو حديث حسن، "انظر الصحيحة" للألباني رقم: 251"، فلا دليل فيه على تحديد الماء الكثير الذي لا ينجس بأن يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع؛ لأن الواضح من الحديث أن حريم البئر من كل جانب أربعون ذراعًا. انظر: "فتح العناية بشرح كتاب النقاية" للمحدث على القاري تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة "1/ 109" اهـ.
ثم قال الإمام البغوي: "وحدَّه بعضُهم بأن يكون في غدير عظيم بحيث لو حرك منه جانب، لم يضطرب منه الجانب الآخر، وهذا في غاية الجهالة لاختلاف أحوال المحركين في القوة والضعف" اهـ. وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار "1/ 30": وللناس في تقدير القليل والكثير أقوال ليس عليها أثارة من علم" اهـ.
2 قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" وهو بذيل السنن الكبرى للبيهقي "1/ 265": "قد اختلف في تفسير القلتين اختلافًا شديدًا. ففسرنا بخمس قرب، وبأربع، وبأربع وستين رطلًا وباثنتين وثلاثين، وبالجرتين مطلقًا، وبالجرتين بقيد الكبر، وبالخابيتين، والخابية الجب فظهر بهذا جهالة مقدار القلتين فتعذر العمل بها" اهـ.
قلت: أما حديث ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء" فهو حديث ضعيف بهذه الزيادة: "من قلال هجر". أخرجه ابن عدي في الكامل "6/ 2358" في ترجمة "المغيرة بن سقلاب". وقال عنه: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال ابن حجر في التلخيص "1/ 29" عن المغيرة هذا: منكر الحديث ثم قال: "1/ 30" والحديث غير صحيح؛ يعني: بهذه الزيادة.
3 الماء المستعمل هو الماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ أو المغتسل.
والدليل على أن الماء المستعمل طاهر في نفسه. ما أخرجه البخاري "1/ 301- مع الفتح، ومسلم "3/ 1234 رقم 1616" وغيرهما، عن جابر بن عبد الله قال: "جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودني وأنا مريض لا أعْفِك فتوضأ وصب وضوءه علي".
وأما الدليل على أن الماء المستعمل مطهر لغيره، ما أخرجه أبو داود "1/ 91 رقم 130" عن ابن عقيل عن الربيع بنت معوذ "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح برأسه من فضل ماء كان في يده" وهو حديث حسن فهذا يدل على أن الماء المستعمل طاهر مطهر، فلو كان غير مطهر لما استعمله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فرض الوضوء وهو مسح الرأس.
ولحديث أبي جحيفة قال: "خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهاجرة، فأتى بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به.." أخرجه البخاري رقم "187".

(1/24)


ومتحرك وساكن1.
__________
1 لا دليل على الفرق بين الماء الساكن والمتحرك في التطهير. أما الحديث الذي أخرجه مسلم"1/ 236 رقم 283" وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب". فقالوا: يا أبا هريرة، كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولًا. وفي لفظ لأحمد "2/ 316"، وأبي داود "1/ 56 رقم70": "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من جنابة" وفي لفظ البخاري "1/ 346- مع الفتح": "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"، وفي لفظ الترمذي "1/ 100 رقم 68": "ثم يتوضأ منه".
ففي الحديث نهي عن أن يبول في الماء الدائم، ثم يغتسل منه، وليس ذلك لأن الماء تنجس بحلول ذلك البول فيه، وإن لم يغير أحد أوصافه، والقول بالتنجيس يحتاج إلى دليل شرعي وليس لنا دليل يفيد ذلك فبقي الحديث على النهي للبائل أن يغتسل أو يتوضأ، وله الانتفاع به ما عدا ذلك. وغير البائل مباح له الاغتسال والوضوء. انظر: طرح التثريب "2/ 32"، وإحكام الأحكام "1/ 21". قال ابن حزم في المحلي "1/ 184": وأما قولهم إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن انغماس الجنب في الماء الدائم لكن لا يصير مستعملًا فباطل "اهـ.

(1/25)


[الباب الثاني: النجاسات]
[الـ]ـفصل [الأول: أحكام النجاسات]
والنجاسات1 هي غائط الإنسان مطلقًا2 وبوله3......................
__________
1 النجاسات: جمع نجاسة: وهي كل شيء يستقذره أهل الطبائع السليمة ويتحفظون عنه، ويغسلون الثياب إذا أصابها كالعذرة والبول.
2 صغيرًا أو كبيرًا. والدليل على نجاسة الغائط أحاديث، "منها": ما أخرجه أحمد "3/ 20"، وأبو داود "2/ 353- مع العون" وغيرهما.
من حديث أبي سعيد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثًا فليمسحه بالأرض، ثم ليصل فيهما" وهو حديث حسن.
ومنها: ما أخرجه أبو داود رقم 386 وابن خزيمة رقم "292" والحاكم "1/ 166" وابن حبان رقم 249- موارد" عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب". وللحديث شاهدان صحيحان يتقوى بهما: الأول: من حديث أبي سعيد عند أحمد والخلاصة، أن حديث أبي هريرة صحيح لغيره.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 323 رقم 220" وأبو داود "1/ 263 رقم 380"، والترمذي "1/ 275 رقم 147" والنسائي "1/ 175" وابن ماجه "1/ 176 رقم 529" عن أبي هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دعوه، وهريقوا على بوله سجلًا من ماء -أو: "ذنوبًا من ماء"- فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين".

(1/25)


إلا الذكر الرضيع1، ولعاب كلب2، وروث3، ودم حيض4، ولحم خنزير5، وفيما عدا ذلك خلاف6.
والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم يعارضه ما يساويه
__________
1 وبول الذكر الرضيع نجس. إلا أن تطهيره من الثوب بالنضح. للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 262 رقم 376" والنسائي "1/ 158 رقم304" وابن ماجه "1/ 175 رقم526" وغيرهم.
قلتُ: وحسَّنه البخاري، نقل ذلك عن ابن حجر في التلخيص "1/ 50"، عن أبي السمح قال: كنت قلت: وسحنه البخاري، نقل ذلك ابن حجر في التلخيص "1/ 50". عن أبي السمح قال كنت أخدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان إذا أراد أن يغتسل قال: "ولني قفاك" فأوليه قفاي فأستره به، فأتى بحسن أو حسين رضي الله عنهما فبال على صدره، فجئت أغسله فقال: "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام".
2 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 234 رقم279" والنسائي "1/ 176-177" وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرار".
3 ما لا يؤكل لحمه، للحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه "1/ 256 رقم 156". والترمذي "1/ 82-مع التحفة"، والنسائي "1/ 39". وابن ماجه "1/ 114 رقم 314" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغائط فأمرني أن آتيه بثلاث أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا رِكْس.
ركس: بكسر الراء، وإسكان الكاف. فقيل: هي لغة في رجس بالجيم، ويدل عليه رواية ابن ماجه، وابن خزيمة في هذا الحديث، فإنها عندهم بالجيم.
وقيل: الركس: الرجيع رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة. قاله الخطابي وغيره. والأولى أن يقال: "رد من حالة الطعام إلى حالة الروث ... " اهـ "فتح الباري 1/ 258".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 410- مع الفتح" ومسلم "1/ 240 رقم 291" وأبو داود "1/ 255 رقم 360 و361 و362". والترمذي "1/ 254-255 رقم 138"، والنسائي "1/ 155" وابن ماجه "1/ 206 رقم 629" وغيرهم.
عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: سألت امرأة رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة، كيف تصنع؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرضه ثم لتنضحه بماء ثم لتصلي فيه".
5 لا دليل على نجاسة الخنزير بل الدليل على تحريم أكله. وأما الاستدلال بقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ} [الأنعام: 145] . قلنا: المراد بالرجس هنا الحرام كما يفيد سياق الآية، والمقصود منها، فإنها وردت فيما يحرم أكله لا فيما هو نجس.
6 مثل: "المني" و"الميتة" و"الدم المسفوح" و"الخمر" و"المذي" و"الودي" و"المشرك".
أما المني، فالأرجح طهارته، وهو ماء الرجل. للحديث الذي أخرجه ابن خزيمة في صحيحه "1/ 147 رقم290"، وذكره ابن حجر في الفتح "1/ 333" وسكت عنه. عن عائشة رضي الله عنها:=

(1/26)


أو يقدم عليه.
__________
= "إنها كانت تحت المني من ثواب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي". قلت: وهو حديث حسن. وذكره ابن حجر في تلخيص الحبير "1/ 44" وقال: رواه ابن خزيمة، والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي" ثم أورد لفظ كل منهم فانظره إن شئت.
وفي رواية لمسلم رقم "109/ 290" عن عائشة قالت: " ... لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يابسًا بظفري".
وأما الميتة، فالأرجح نجاستها؛ للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 277 رقم366" وغيره، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" ففي هذا الحديث دلالة على أن جلد الميتة نجس يطهره الدباغ، ويلزم من ذلك أن الميتة نجسة.
الإهاب ككتاب: الجلد ما لم يدبغ. القاموس المحيط ص77.
وأما الدم المسفوح، فالأرجح طهارته، ولا دليل على نجاسته، أما السنة فلم يصح منها شيء في نجاسة كل الدم -إلا نجاسة دم الحيض- وأما الاستدلال في الكتاب العزيز في قوله سبحانه: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] . فالآية لم تسق لبيان الطهارة والنجاسة، بل لبيان ما يحل ويحرم. وقد أخرج الطبراني في "الكبير" رقم "9219" وعبد الرزاق في "المصنف" رقم "459" و"460" وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" "2/ 58" وقال: رجاله ثقات. عن محمد ابن سيرين، عن يحيى الجزار قال: صلى ابن مسعود وعلى بطنه فرث ودم من جزور نحرها ولم يتوضأ".
وكذلك أخرج ابن جرير في "جامع البيان" "5/ ج8/ 71" عن عائشة قالت: "كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر" وهو أثر صحيح غريب؛ قاله ابن كثير في "تفسير" "3/ 352".
وأما الخمر، فالأرجح طهارته؛ مع القطع بتحريمه. قال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] . والرجس هنا: النجس المعنوي لا الحقيقي؛ لأن لفظ "رجس" خبر عن الخمر وما عطف عليها، وهو لا يوصف بالنجاسة الحسية قطعًا. قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [سورة الحج: 30] ، فالأوثان رجس معنوي لا تنجس من مسها. انظر جامع البيان للطبري "10/ 155".
وأما المذي، فالأرجح نجاسته. "وهو ما خرج من الذكر عند الملاعبة". للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 379-مع الفتح": عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاء فأمرت رجلًا أن يسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لمكان ابنته- فسأل فقال: "توضأ، واغسل ذكرك".
وأما الودي، فنجس: "وهو ما خرج بعد البول": ودليله الإجماع، قال النووي في المجموع "2/ 552": أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي" اهـ.
وأما المشرك، فالأرجح طهارته. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] . والنجس هنا: النجس المعنوي لا الحقيقي؛ لأن الله تعالى أحل طعامهم وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله وقوله ما يفيد=

(1/27)


[الـ]ـفصل [الثاني: تطهير النجاسات]
ويطهر ما يتنجس بغسله1 حتى لا يبقى لها [عين] ولا لون ولا ريح ولا طعم. والنعل بالمسح2. والاستحالة مطهرة؛ لعدم وجود الوصف المحكوم عليه3، وما لا يمكن غسله فبالصب عليه4 أو النزح منه حتى لا يبقى للنجاسة أثر.
والماء هو الأصل في التطهير5 ولا يقوم غيره مقامه إلا بإذن من الشارع6.
__________
= عدم نجاسة ذواتهم. فأكل في آنيتهم وشرب منها وتوضأ فيها -قلت: الأصح أمر بالتوضأ منها- وأنزلهم في مسجده ... انظر فتح القدير للشوكاني "2/ 349".
وأما نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل إذا ذبح: فنجس لحديث سلمة بن الأكوع قال: لما أمسى اليوم الذي فتحت عليهم فيه خيبر أوقدوا نيراناً كثيرة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما هذه النار؟ على أي شيء توقدون"؟ قالوا: على لحم، قال: "على أي لحم"؟ قالوا: على لحم الحمر الإنسية، فقال: "أهريقوها واكسروها" فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها؟ فقال: "أو ذاك"، وفي لفظ فقال: اغسلوا"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "4/ 48" والبخاري رقم "4196" ومسلم رقم "1802".
ولحديث أنس قال: أصبنا من لحم الحمر: يعني يوم خيبر، فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر؛ فإنها رجس أو نجس" وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "3/ 115"، والبخاري رقم "5528" ومسلم رقم "1940". هذا الحديثان يدلان على نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل، وإن ذبح؛ لأن الأمر بكسر الآنية أولًا، ثم الغسل ثانيًا، ثم قوله: فإنها رجس أو نجس ثالثًا، يدل على النجاسة. ولكن الحديثين نص في الحمر الإنسية، وقياس في غيرهما مما لا يؤكل بجامع عدم الأكل.
قلت: انظر باب النجاسات في كتابنا: "إرشاد الأمة" إلى فقه الكتاب والسنة" جزء "الطهارة" إذا رمت التفصيل والرد على من خالف ما اعتمدناه والله ولي التوفيق.
1 أي بإسالة الماء عليه كما ورد في الشرع، كتطهر الثوب من دم الحيض انظر هامش "ص26". وتطهير الإناء من ولغ الكلب. انظر هامش "ص26".
2 انظر هامش "ص25".
3 قال الشوكاني في السيل الجرار "1/ 170" بتحقيقي: "إذا استحال ما هو محكوم بنجاسته إلى شيء غير الشيء الذي كان محكومًا عليه بالنجاسة كالعذرة تستحل ترابًا. أو الخمر يستحيل خلا فقد ذهب ما كان محكومًا بنجاسته ولم يبق الاسم الذي كان محكومًا عليه بالنجاسة، ولا الصفة التي وقع الحكم لأجلها وصار كأنه شيء آخر وله حكم آخر ... اهـ.
4 كصب الماء على بول الأعرابي. انظر هامش "ص25".
5 كتطهر الإناء والثوب. انظر هامش "ص26".
6 كتطهير النعل بالدلك. انظر هامش "ص25".

(1/28)


[الباب الثالث] : باب قضاء الحاجة
على المتخلي الاستتار حتى يدنو [من الأرض] 1، والبعد2، أو دخول الكنيف، وترك الكلام3 - والملامسة لما له حرمة4، وتجنب الأمكنة التي منع عن التخلي فيها شرع5 -أو عرف- وعدم الاستقبال والاستدبار للقبلة6 وعليه الاستجمار بثلاثة
__________
1 لحديث ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" وهو حديث صحيح لغيره. أخرجه أبو داود رقم "14" والترمذي له رقم "14" والدارمي "1/ 171"، وانظر "الصحيحة" رقم "1071"، ولعموم الأدلة الدالة على وجوب ستر العورة عمومًا وخصوصًا إلا عند الضوررة، ومنها قضاء الحاجة، أما حديث: "من أتى الغائط فليستتر" فضعيف.
2 للحديث الحسن الذي أخرجه أبو داود "1/ 14 رقم 1" والترمذي "1/ 31-32 رقم 20" والنسائي "1/ 18 رقم 17" وابن ماجه "1/ 120 رقم 331" من حديث المغيرة بن شعبة "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا ذهب المذهب أبعد".
وللحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري رقم "363" ومسلم رقم "75/ 274" عن المغيرة بن شعبة قال: قال لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خذ الإداوة" فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته.
3 حديث أبي سعيد المرفوع: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عورتهما ... " ضعيف واعلم أنه لا يجوز إثبات الحكم بالحديث الضعيف.
4 حديث أنس المرفوع: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل الخلاء ينزع خاتمه" ضعيف.
5 للأحاديث الآتية:
1- أخرج مسلم "1/ 226 رقم 68/ 269" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "اتقوا اللعانَيْن" قالوا: وما اللعَانان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلي في طريق الناس أو في ظلهم".
2- أخرج أبو داود "1/ 28 رقم26" وابن ماجه "1/ 119 رقم328" وغيرهما عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل" وهو حديث حسن بشواهده.
3- أخرج مسلم "1/ 235 رقم 94/ 281" والنسائي "1/ 34" وابن ماجه، "1/ 124 رقم343": عن جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه نهى أن يبال في الماء الراكد".
4- أخرج أبو داود "1/ 30 رقم 28" والنسائي "1/ 34 رقم 238" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله" وهو حديث صحيح.
أما حديث عبد الله بن سرجس قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبال في الجحر ... " فضعيف. وكذا حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه" ضعيف.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 498 رقم 394" ومسلم "1/ 224 رقم 264" وغيرهما. عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا". قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قِبَل القبلة، فننحرف ونستغفر الله تعالى. مراحيض: جمع مرحاض. وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان. أي للتغوط. وجاء في المصباح: موضع الرحض وهو الغسل وكني به عن المستراح؛ لأنه موضع غسل النجو.

(1/29)


أحجار طاهرة1، أو ما يقوم مقامها2، وتندب الاستعاذة عند الشروع؛ [والاستغفار] والحمد بعد الفراغ3.
__________
1 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 223 رقم 57/ 262": عن سلمان رضي الله عنه: قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل شيء حتى الخراءة. قال، فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار. أو أن نستنجي برجيع أو بعظم".
الخراءة: اسم لهيئة الحدث. وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمد، مع فتح الخاء وكسرها.
أجل: معناها: نعم. الغائط: أصله المطمئن من الأرض. ثم صار عبارة عن الخارج المعروف من دبر الآدمي. الرجيع: الروث والعذرة.
2 من جامد طاهر مزيل للعين، وليس له حرمة، ولا هو جزء من حيوان مثل الخشب، والخرق، والآجُرِّ، والخزف ... وهذا مذهب الجمهور؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يستنجى بعظم أو روث، فيفهم من ذلك أن ما لم ينه عنه يجوز الاستنجاء به إذا حصل به الإنقاء لم يكن محرمًا "المجموع شرح المذهب للنووي "2/ 112-113"، والمغني لابن قدامة "1/ 178-179".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 242 رقم 142" ومسلم "1/ 283 رقم 375" عن أنس قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
الخلاء: موضع قضاء الحاجة. الخبث والخبائث: الخبث بضم الباء وإسكانها، وهما وجهان مشهوران في رواية هذا الحديث. قال الخطابي: الخبث جمع الخبيث. والخبائث جمع الخبيثة. قال: يريد ذكران الشياطين وإناثهم.
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 30 رقم 30" والترمذي "1/ 12 رقم 7" وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه "1/ 110 رقم 300" عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا خرج من الغائط قال: "غفرانك" وهو حديث صحيح.
أما حديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" فهو حديث ضعيف. وكذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من الخلاء قال: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" ضعيف.
وقد فات المؤلف أن يذكر: وجوب الاستنزاه من البول، والنهي عن الاستنجاء باليمين، وجواز البول قائمًا.
أما وجوب الاستنزاه من البول: فقد أخرج البخاري رقم "216" ومسلم رقم "292" وغيرهما عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بقبرين فقال: "إنما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة". وهو حديث صحيح.=

(1/30)


[الباب الرابع] : باب الوضوء
[الفصل الأول: فرائض الوضوء]
يجب على كل مكلف أن يسمي1 إذا ذكر ويتمضمض ويستنشق2، ثم يغسل
__________
= وأما النهي عن الاستنجاء باليمين، فللحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري رقم "154" ومسلم رقم "63/ 267" وغيرهما، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه".
وأما جواز البول قائمًا: فللحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري رقم "225" ومسلم رقم "73/ 273" وغيرهما عن حذيفة قال: كنت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانتهى إلى سباطة قوم، فبال قائمًا فتنحيت. فقال: "ادنه" فدنوت حتى قمت عند عقبيه. فتوضأ، فمسح على خفيه.
أما أحاديث النهي عن البول قائمًا فكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة.
وأما حديث عائشة الذي أخرجه الترمذي رقم "12" والنسائي "29" وابن ماجه رقم "307" وفيه شريك بن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ، لكن تابعه: سفيان عند أحمد "6/ 136، 192" وأبو عوانة "1/ 198" والحاكم "1/ 181" بسند صحيح. قالت عائشة: "من حدثك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال قائمًا فلا تصدقه، أنا رأيته يبول قاعدًا".
قلتُ: والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها، فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة ... وقد ثبت عن عمر، وعلي، وزيد بن ثابت أنهم بالوا قيامًا. وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، والله أعلم. "فتح الباري: 1/ 330".
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 75 رقم 101" وابن ماجه "1/ 140 رقم 399" وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه". قلتُ: وفي سنده مجهولان: يعقوب بن سلمة وأبوه. ولكن الحديث حسن بمجموع طرقه والله أعلم.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 236 رقم 162" ومسلم "1/ 212 رقم 20/ 237" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينتثر.." وللحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 266 رقم 164" ومسلم "1/ 204 رقم 3/ 266" عن حمران مولى عثمان بن عفان، أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل ثلاثًا، ثم قال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ نحو وضوئي هذا وقال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه".

(1/31)


جميع وجهه1، ثم يديه مع مرفقيه2 ثم يمسح رأسه3 مع أذنيه4 ويجزئ مسح بعضه والمسح على العمامة5، ثم يغسل رجليه6 مع الكعبين7، وله المسح على
__________
1 لقوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ، ولحديث حمران مولى عثمان بن عفان المتقدم في هامش"ص31".
2 لقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ، ولحديث حمران مولى عثمان بن عفان المتقدم في هامش "ص31".
وللحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 216 رقم 34/ 246" عن نعيم بن عبد الله المجمر قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ. فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد. ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق. ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق. ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ. وقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله".
الغرة: بياض في جبهة الفرس. والتحجيل: بياض في يديها ورجليها. قال العلماء: سمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة، غرة وتحجيلًا. تشبيهًا بغرة الفرس.
3 لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] . ولحديث حمران مولى عثمان بن عفان المتقدم في هامش "31".
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 93 رقم 134"، والترمذي "1/ 53 رقم 37" وابن ماجه "1/ 152 رقم 444". عن أبي أمامة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الأذنان من الرأس"، وهو حديث صحيح بطرقه الكثيرة. وانظرها في "الصحيحة" للمحدث الألباني "1/ 47-57 رقم 36" فقد أجاد وأفاد.
5 للحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه "1/ 308 رقم 205" عن عمرو بن أمية الضمري قال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على عمامته وخفيه".
6 لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] . ولحديث حمران مولى عثمان بن عفان المتقدم في هامش "ص31".
7 لحديث نعيم بن عبد الله المجمر قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق. ثم قال: "هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ ... " أخرجه مسلم "1/ 216 رقم 34/ 246" وقد تقدم بتمامه في الهامش "2".
وتخليل أصابع اليدين والرجلين: لحديث لقيط بن صبرة ... قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال: "أسبع الوضوء، وخلل بين الأصابع" وهو حديث صحيح. أخرجه أبو داود "142".
ولحديث المستورد بن شداد قال: "رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ خلل أصابع رجليه بخنصره" وهو حديث صحيح. أخرجه أبو داود رقم "148" والترمذي رقم 40، وابن ماجه رقم 446، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ...
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" في نهاية شرح الحديث "25/ 187" بتحقيقي: "والأحاديث قد صرحت بوجوب التخليل، وثبت من قوله وفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا فرق بين إمكان وصول الماء بدون تخليل وعدمه، ولا بين أصابع اليدين والرجلين، فالتقييد بأصابع الرجلين أو بعدم إمكان وصول الماء لا دليل عليه" اهـ.

(1/32)


الخفين1 ولا يكون وضوءًا شرعيًّا إلا بالنية2 [[لاستباحة الصلاة]] (*) .
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 494 رقم 387" ومسلم "1/ 287 رقم 72/ 272" عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبد الله بال، ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى، فسئل، فقال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع مثل هذا. قال إبراهيم فكان يعجبهم؛ لأن جريرًا كان من آخر من أسلم.
يشترط في المسح على الخفين: أن يكون أدخل رجليه فيهما وهما طاهرتان؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 309 رقم 206" ومسلم "1/ 23 رقم 79/ 274" عن المغيرة بن شعبة، قال: كنت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة في مسير. فقال لي: "أمعك ماء"؟ قلت: نعم. فنزل عن راحلته. فمشى حتى توارى في سواد الليل. ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه. وعليه جبة من صوف. فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها. حتى أخرجهما من أسفل الجبة. فغسل ذراعيه. ومسح برأسه. ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: "دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين" ومسح عليهما.
يمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن. للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 232 رقم 676" وغيره عن شريح بن هانئ، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين: فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله. فإنه كان يسافر مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسألناه فقال: جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر. ويومًا وليلة للمقيم.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 9 رقم 1"، ومسلم "3/ 1515 رقم 1907" وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
__________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: ما بين [[المعكوفين المزدوجين]] زدته على أصل النسخة الإلكترونية، نقلا عن ط دار الهجرة - صنعاء (الطبعة الأولى - 1411 هـ - 1991 م)

(1/33)


[الـ]ـفصل [الثاني: مستحبات الوضوء]
ويستحب التثليث1 في غير الرأس2،
__________
1 أي غسل كل عضو ثلاثًا؛ للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 207 رقم 9/ 230" وغيره، عن أبي أنس، أن عثمان توضأ بالمقاعد. فقال: ألا أريكم وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا. وزاد قتيبة في روايته: قال سفيان: قال أبو النصر عن أبي أنس قال: وعنده رجال من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
المقاعد: قيل: هي دكاكين عند دار عثمان بن عفان. وقيل: درج، وقيل: موضع بقرب المسجد اتخذه للقعود فيه لقضاء حوائج الناس والوضوء ونحو ذلك.
3 قلتُ: يستحب التثليث في مسح الرأس، للحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود "1/ 79 رقم 107" عن حمران قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ ... وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثًا ... ثم قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ هكذا، وقال: "من توضأ دون هذا كفاه".

(1/33)


وإطالة الغرة والتحجيل1، وتقديم السواك [استحبابًا] 2، وغسل اليدين إلى الرسغين ثلاثًا قبل الشروع في غسل الأعضاء المتقدمة3.
__________
= وللحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود "1/ 81 رقم 110" عن شقيق بن سلمة قال: رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل هذا.
وقد قال الحافظ في "الفتح" "1/ 260": "وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة" اهـ. وذكر الحافظ في "التلخيص" "1/ 85": أن ابن الجوزي مال في "كشف المشكل" إلى تصحيح التكرير. واختار الأمير الصنعاني في "سبل السلام" "1/ 93". وأيده الألباني في "تمام المنة" ص91: لأن رواية المرة الواحدة وإن كثرت لا تعارض رواية التثليث؛ إذ الكلام في أنه سنة، ومن شأنها أن تفعل أحيانًا وتترك أحيانًا.
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 235 رقم 136" ومسلم "1/ 216 رقم 35/ 246" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 374 رقم 887" ومسلم "1/ 220 رقم 252" وغيرهما. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لولا أن أشق على المؤمنين -وفي حديث زهير: "على أمتي" - لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
السِّواك: بكسر السين، يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به. يقال: ساك فمه بسوكه سوكًا. فإن قلت: استاك لم يذكر الفم. وجمع السواك سوك. بضمتين، ككتاب وكتب.
3 لحديث حمران مولى عثمان بن عفان المتقدم في هامش "ص31".
وقد فات المؤلف أن يذكر بقية مستحبات الوضوء:
منها: تقديم اليمنى على اليسرى: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه التيمن في تنعله، وترجيله، وطهوره، وفي شأنه كله". وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري رقم "168" ومسلم رقم "268" وغيرهما.
ومنها: الدلك: لحديث عبد الله بن زيد قال: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بثلثي مد فجعل يدلك ذراعيه وهو حديث حسن. أخرجه ابن خزيمة رقم "118" بسند صحيح، والحاكم "1/ 144" وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه الحاكم أيضًا "1/ 161" وقال: وهو حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
ومنها: تخليل اللحية: لحديث أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال: "هكذا أمرني ربي عز وجل"، وهو حديث صحيح لغيره. أخرجه أبو داود رقم "145"، والبغوي رقم "214"، وفيه عامر بن شقيق لين الحديث ولكن للحديث شواهد انظر تخريجها في تحقيقي لنيل الأوطار عند الحديث رقم "16/ 178".

(1/34)


[الـ]ـفصل [الثالث: نواقض الوضوء]
وينتقض الوضوء بما خرج من الفرجين من عين أو ريح1، وبما يوجب الغسل، ونوم المضطجع2، وأكل لحم الإبل3، والقيء [ونحوه] 4
__________
= قال الشوكاني في "نيل الأوطار" في نهاية شرح الحديث "17/ 179" بتحقيقي: " ... والإنصاف أن أحاديث الباب بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج، وصلاحيتها للاستدلال لا تدل على الوجوب؛ لأنها أفعال، وما ورد في بعض الروايات من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هكذا أمرني ربي" لا يفيد الوجوب على الأمة؛ لظهوره في الاختصاص به" اهـ.
ومنها: الدعاء بعد الوضوء: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"، وهو حديث صحيح. أخرجه مسلم رقم " 17/ 234"، والترمذي رقم "55"، وزاد: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين". وعن أبي سعيد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم طبع بطابع، فلا يكسر إلى يوم القيامة" وهو حديث صحيح. أخرجه الحاكم "1/ 564" وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 234 رقم 135"، ومسلم "1/ 204 رقم 225". عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ" قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 140 رقم 203" وابن ماجه "1/ 161 رقم 477". عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وِكَاءُ السَّهِ العينان، فمن نام فليتوضأ". وهو حديث حسن. وكاء: هو الخيط الذي يربط به الكيس وغيره. السه: الدبر. والمعنى: أن اليقظة تحفظ ما في داخل الإنسان من الخروج؛ لأنه يحس بذلك، فإذا نام كان نومه مظنة لخروج شيء منه [انظر نيل الأوطار "1/ 190-191"] .
3 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 275 رقم 360" عن جابر بن سمرة، أن رجلًا سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ" قال: "أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم فتوضأ من لحوم الإبل". قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم" قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا".
4 المراد بنحوه: القلس والرعاف. القلس: ما خرج من الجوف "النهاية: 4/ 200".
استدل الشوكاني رحمه الله على نقض الوضوء بالقيء بحديث أبي الدرداء الذي أخرجه الترمذي "1/ 142 رقم87" وأبو داود "2/ 777 رقم2381" وغيرهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له، فقال: صدق أنا صببت له وضوءًا". وهو=

(1/35)


ومس الذكر1.
__________
= حديث صحيح، قلت: الحديث لا يدل على نقض الوضوء بالقيء؛ لأنه مجرد فعل منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأصل أن الفعل لا يدل على الوجوب، وغايته أن يدل على مشروعية التأسي به في ذلك، وأما الوجوب فلا بد له من دليل خاص، وهذا ما لا وجود له هنا. وقد ذهب كثير من المحققين إلى أن القيء لا ينقض الوضوء، منهم ابن تيمية في "الفتاوى" له وغيرها. [الإرواء للمحدث الألباني "1/ 148"] . لم يأت من قال بأن الرعاف -خروج الدم- ناقض للوضوء بشيء يصلح للتمسك به. [انظر السيل الجرار للشوكاني "1/ 98"] .
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 125 رقم 181" والترمذي "1/ 126 رقم 82" والنسائي "1/ 100" وابن ماجه "1/ 161 رقم 479" وغيرهم عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من مس ذكره فليتوضأ". وهو حديث صحيح.
وحديث طلق بن علي، قال: قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعد أن يتوضأ؟ فقال: "وهل هو إلا بضعة منك" وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود رقم "182" والترمذي رقم "85" والنسائي "1/ 100" وابن ماجه رقم "483" وغيرهم.
قال المحدث الألباني في "تمام المنة" "ص103": وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما هو بضعة منك" فيه إشارة لطيفة إلى أن المس الذي لا يوجب الوضوء إنما هو الذي لا يقترن معه شهوة؛ لأنه في هذه الحالة يمكن تشبيه مس العضو بمس عضو آخر من الجسم. بخلاف ما إذا مسه بشهوة فحينئذ لا يشبه مسه مس العضو الآخر؛ لأنه لا يقترن عادة بشهوة وهذا أمر بيِّن كما ترى، وعليه فالحديث ليس دليلًا للحنفية الذين يقولون بأن المس مطلقًا لا ينقض الوضوء، بل هو دليل لمن يقول: بأن المس بغير شهوة لا ينقض الوضوء، وأما المس بالشهوة فينقض، بدليل حديث بسرة. وبهذا يجمع بين الحديثين" اهـ.

(1/36)


[الباب الخامس] : باب الغسل
[الفصل الأول: متى يجب الغسل]
يجب بخروج المني بشهوة ولو بتفكر1، وبالتقاء الختانين2،
__________
1 للحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي "1/ 193 رقم 114" وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه "1/ 168 رقم 504" عن علي رضي الله عنه قال: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المذي؟ فقال: "من المذي الوضوء، ومن المني الغسل".
المذي: وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة، أو تذكر الجماع أو إرادته.
2 الختانين: مثنى ختان، وهو موضع الختن، وهو عند الصبي: الجلدة التي تغطي رأس الذكر قبل الختن، وعند الأنثى: جلدة في أعلى القبل مجاورة لمخرج البول، والمراد بالتقاء الختانين تحاذيهما، ويكون ذلك بدخول الحشفة في الفرج، وهو كناية عن الجماع. والدليل ما أخرجه البخاري "1/ 395 رقم 291" ومسلم "1/ 271 رقم 348". عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل". وفي رواية لمسلم: "وإن لم ينزل". شعبها الأربع: اختلف العلماء في المراد بالشعب الأربع؛ فقيل: هي اليدان والرجلان، وقيل: الرجلان والفخذان، وقيل: الرجلان والشفران، واختار القاضي عياض أن المراد شعب الفرج الأربع. والشعب النوامي واحدتها شعبها. وأما من قال: أشعبها. فهو جمع شعب. جهدها: حفزها، كذا قال الخطابي. وقال غيره: بلغ مشقتها. يقال: جهدته وأجهدته وبلغت مشقته. قال القاضي عياض: الأولى أن يكون جهدها بمعنى بلغ جهده في العمل فيها، والجهد طاقة. وهو إشارة إلى الحركة وتمكن صورة العمل. وهو نحو قول من قال: حفرها. أي كدها بحركته، وإلا فأي مشقة بلغ بها في ذلك؟

(1/36)


وبالحيض1 وبالنفاس2 وبالاحتلام مع وجود بلل3، وبالموت4، وبالإسلام5.
__________
1 لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] . وللحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 409 رقم 306" ومسلم "1/ 262 رقم 333" عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟، فقال: "لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي".
2 للإجماع [انظر المجموع للنووي "2/ 148"] .
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 388 رقم 282" ومسلم "1/ 251 رقم 313" وغيرهما، عن أم سلمة أنها قالت: جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم إذا رأت الماء"، احتلمت: رأت في نومها أنها تجامع.
4 أي يجب على الأحياء أن يغسلوا من مات؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم 1195- البغا" ومسلم "2/ 646 رقم 939" عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين توفيت ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورًا، أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني" فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه، فقال: أشعرنها إياه تعني إزاره.
حقوه: إزاره، والحقو في الأصل معقد الإزار، فأطلق على ما يشد عليه. أشعرنها من الإشعار، وهو إلباس الثوب الذي يلي بشرة الإنسان، ويسمى شعارًا؛ لأنه يلامس شعر الجسد.
62 للحديث الذي أخرجه الترمذي "2/ 502 رقم 605" وقال: هذا حديث حسن. والنسائي "1/ 109 رقم 188"، وأبو داود "1/ 251 رقم 355" وغيرهم: عن قيس بن عاصم، قال: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماء وسدر" وهو حديث حسن.

(1/37)


[الـ]ـفصل [الثاني: أركان الغسل وسننه]
والغسل الواجب هو أن يفيض الماء على جميع بدنه1 أو ينغمس فيه2، مع المضمضة والاستنشاق3، والدلك لما يمكن دلكه4، ولا يكون شرعيًّا إلا بالنية لرفع موجبه5، وندب تقديم غسل أعضاء الوضوء إلا القدمين6 ثم التيامن7.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 360 رقم 248" ومسلم "1/ 253 رقم 316" عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض على جلده كله".
2 انظر هامش "ص24".
3 انظر هامش "ص31".
4 لحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ فجعل يدلك ذراعيه: أخرجه ابن حبان "3/ 363" رقم "1082" تخريج الشيخ شعيب، وأخرجه الطيالسي "ص148 رقم 10999" ومن طريقه أحمد "4/ 39" وإسناده صحيح.
5 انظر الهامش "ص33".
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 368 رقم 257" ومسلم "1/ 254 رقم 317"، عن ابن عباس قال: قالت ميمونة: وضعت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء للغسل، فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا، ثم أفرغ على شماله، فغسل مذاكيره، ثم مسح يده بالأرض ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم أفاض على جسده، ثم تحول من مكانه فغسل قدميه".
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 269 رقم 168". عن عائشة قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله".

(1/38)


[الـ]ـفصل [الثالث: متى يسن الغسل]
ويشرع لصلاة الجمعة1،
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "2/ 356 رقم 877" ومسلم "2/ 579 رقم 844" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل".
وصرفه عن الوجوب ما أخرجه أبو داود "1/ 251 رقم354" والنسائي "3/ 94 رقم 1380" والترمذي "2/ 369 رقم 497" وقال حديث حسن، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت؛ ومن اغتسل فالغسل أفضل" وهو حديث حسن بمجموع طرقه.

(1/38)


وللعيدين1، ولمن غسل ميتًا2، وللإحرام3، ولدخول مكة4.
__________
1 قال البزار: لا أحفظ في الاغتسال في العيدين حديثًا صحيحًا. [تلخيص الحبير "2/ 81"] قلتُ: أخرج مالك في الموطأ "1/ 177 رقم 2" والشافعي في الأم "1/ 265" عن ابن عمر أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى"، وهو أثر صحيح.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 511 رقم 3161" والترمذي "3/ 318 رقم 993" وقال: حديث حسن، وابن ماجه "1/ 470 رقم 1463" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ" وهو حديث صحيح، وصرفه عن الوجوب ما أخرجه البيهقي "3/ 398" والحاكم "1/ 386" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه؛ فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم" وهو حديث حسن.
3 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 869 رقم 109/ 1209" عن عائشة رضي الله عنها قالت: نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر يأمرها أن تغتسل، وتهل. نفست: أي ولدت.
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 919 رقم 227/ 1259" عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى، حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارًا، يذكر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه فعله.
وقد فات المؤلف أن يذكر بقية ما يسن له الغسل:
منها: غسل المستحاضة لكل صلاة، أو للظهر والعصر جميعًا غسلًا، وللمغرب والعشاء جميعًا غسلًا. وللفجر غسلًا. لحديث عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت: قلت: يا رسول الله إن فاطمة بنت حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هذا من الشيطان لتجلس في مركن، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلًا واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلًا واحدًا، وتغتسل للفجر غسلًا، وتتوضأ فيما بين ذلك"، وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود رقم "296".
ومنها: الاغتسال بعد الإغماء: لحديث عائشة قالت: ثقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "أصلى الناس "؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب" قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق، فقال: "أصلى الناس"؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب" قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق، قال: "أصلى الناس"؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فذكرت إرساله إلى أبي بكر ... الحديث، وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد "6/ 251" والبخاري رقم "687" ومسلم رقم "418".
ومنها: الاغتسال من دفن المشرك: لحديث علي أنه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أبا طالب مات. فقال: "اذهب فواره". قال: إنه مات مشركًا، قال: "اذهب فواره". فلما ورايته رجعت إليه. فقال لي: "اغتسل" وهو حديث صحيح. أخرجه أبو داود رقم "3214" والنسائي رقم "190" والبيهقي "3/ 398".
ومنها: الاغتسال عند كل جماع: لحديث أبي رافع: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف ذات ليلة على نسائه يغتسل عند هذه، وعند هذه، قال: فقلت: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ألا تجعله واحدًا. قال: "هذا أزكى وأطيب وأطهر"، وهو حديث حسن أخرجه أبو داود رقم "218" وابن ماجه رقم "590".

(1/39)


[الباب السادس] : باب التيمم 1
يستباح به ما يستباح بالوضوء والغسل2، لمن لا يجد الماء3، أو خشي الضرر من استعماله4 وأعضاؤه الوجه ثم الكفان يمسحها مرة بضربة
__________
1 التيمم: القصد. وفي الشرع: القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين، بنية استباحة الصلاة، ونحوها. "ابن حجر" القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا. سعدي أبو جيب ص394.
2 لأن حكم التيمم مع العذر المسوغ، له حكم الوضوء لمن لم يكن جنبًا، وحكم الغسل لمن كان جنبًا؛ أخرج البخاري "1/ 431 رقم 334" ومسلم "1/ 279 رقم 367". عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء -أو بذات الجيش- انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس؛ وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فخذي، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته".
وأخرج البخاري [رقم: "341" البغا] ، ومسلم "1/ 474 رقم682" عن عمران بن حصين الخزاعي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلًا معتزلًا، لم يصل في القوم، فقال: "يا فلان، ما منعك أن تصلي في القوم" فقال: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء قال: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك".
3 لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] .
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود1/ 239 رقم 336؛ عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل: فمات، فلما قدمنا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بذلك، فقال: "قتلوه قتلهم الله؛ ألا سألوا إذا لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر -أو يعصب "شك موسى"- على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده". وهو حديث حسن بشواهده. العي: قصور الفهم، وشفاء هذا المرض: بالسؤال عما جهله ليعرف.

(1/40)


واحدة1، ناويًا2 مسميًا3، ونواقضه نواقض الوضوء4.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 443 رقم 338" ومسلم "1/ 280 رقم 386" عن عبد الرحمن بن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء. فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصلِّ، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان يكفيك هكذا"، فضرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
2 تقدم، انظر هامش "ص45".
3 تقدم، انظر هامش "ص35".
4 لأنه بدل عنه. انظر هوامش "ص51، 52، 53، 54، 55".

(1/41)


[الباب السابع] باب الحيض [والنفاس]
[الفصل الأول] : الحيض
لم يأت في تقدير أقله وأكثره ما تقوم به الحجة، وكذلك الطهر1، فذات العادة المتقررة تعمل عليها2، وغيرها ترجع إلى القرائن3، فدم الحيض يتميز عن غيره4، فتكون حائضًا إذا رأت دم الحيض، ومستحاضة إذا رأت غيره5، وهي كالطاهرة6 وتغسل أثر الدم7 وتتوضأ لكل صلاة8.
__________
1 وهو كما قال؛ لأن ما ورد في تقدير أقل الحيض والطهر وأكثرهما إما موقوف لا تقوم به الحجة، أو مرفوع لا يصح.
2 فقد صح في غير حديث اعتبار الشارع للعادة. كالحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 409 رقم 306" عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله إني لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: $"إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قذرها فاغسلي عندك الدم وصلي".
3 أي القرائن المستفادة من الدم.
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 213 رقم 304" والنسائي "1/ 123 رقم 215" عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي".
5 أي غير دم الحيض.
6 أي تعامل المستحاضة كالطاهرة.
7 لحديث عائشة المتقدم في الهامش "6".
8 لحديث فاطمة بنت أبي حبيش المتقدم في الهامش "8".
هذا ما اختاره الشوكاني أيضًا في "الداري" "1/ 165" بتحقيقي، و"النيل" "1/ 322" ولكنه قال في "السيل" "1/ 351" بتحقيقي: "وكما أنه ليس في إيجاب الغسل عليها لكل صلاة، وللصلاتين ما تقوم به الحجة".

(1/41)


والحائض لا تصلي ولا تصوم1، ولا توطأ حتى تغتسل بعد الطهر2، وتقضي الصيام3.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 405 رقم 304" عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أضحى -أو في فطر- إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: "يا معشر النساء تصدقن؛ فإني أريتكن أكثر أهل النار". فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن". قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"؟ قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"؟ قلن: بلى. قال: "فذلك من نقصان دينها".
2 لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ، وللحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 246/ 302" عن أنس رضي الله عنه، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت. فسأل أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح".
لم يجامعوهن في البيوت: أي لم يخالطون في بيت واحد.
قلت: يباح الاستمتاع بالحائض فيما دون الفرج؛ لحديث أنس أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد "3/ 132" ومسلم رقم "16/ 302" وأبو داود رقم "258" والترمذي رقم "2977" والنسائي "1/ 187" وابن ماجه رقم "644". وأما من أتى زوجته وهي حائض فعليه كفارة: لحديث ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينار، أو بنصف دينار" وهو حديث صحيح أخرجه أحمد "1/ 229" وأبو داود رقم "264" والنسائي "1/ 153" والترمذي رقم "137" وابن ماجه رقم 640" وغيرهم.
والتخيير في الحديث راجع إلى التفريق بين أول الدم وآخره؛ لما روي عن ابن عباس موقوفًا: "إن أصابها في فور الدم تصدق بدينار، وإن كان في آخره فنصف دينار" وهو أثر صحيح أخره أبو داود رقم "265".
93 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 421 رقم 321" ومسلم "1/ 265 رقم 69/ 335" عن معاذة قالت: "سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية. ولكني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
أحرورية أنت؟: نسبة إلى حروراء، وهي قرية بقرب الكوفة. قال السمعاني: هو موضع على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به. قال الهروي: تعاقدوا في هذه القرية فنسبوا إليها. فمعنى قول عائشة رضي الله عنها إن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض. وهو خلاف إجماع المسلمين. وهذا الاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام إنكاري. أعد هذه طريقة الحرورية، وبئست الطريقة.

(1/42)


[ال] فصل [الثاني: النفاس]
والنفاس1 أكثره أربعون يومًا2، ولا حد لأقله3، وهو كالحيض4.
__________
1 النفاس: مدة تعقب الوضع؛ لتعود فيها الرحم والأعضاء التناسلية إلى حالتها السوية قبل الحمل وشرعًا: هو الدم الخارج عقب الولادة.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "1/ 217 رقم311" والترمذي "1/ 256رقم139" وغيرهما عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كانت النفساء على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقعد بعد نفاسها أربعين يومًا، أو أربعين ليلة، وكنا نطلي على وجوهنا الورس، تعني من الكلف". وهو حديث حسن.
الورس: بفتح الواو وإسكان الراء، وهو نبت أصفر يصبغ به، ويتخذ منه حمرة للوجه لتحسن اللون. الكلف: بالكاف واللام المفتوحتين، حمرة كدرة تعلو الوجه، أو هو لون بين السواد والحمرة.
3 لأنه لم يأتِ في ذلك دليل. واعلم أنه إذا انقطع الدم قبل الأربعين انقطع عنها حكم النفاس وإذا جاوز دمها الأربعين عاملت نفسها معاملة المستحاضة.
4 أي في تحريم الوطء وترك الصلاة والصيام، ولا خلاف في ذلك. انظر هامش "ص42"، وكذلك لا تقضي النفساء الصلاة وتقضي الصيام. انظر هامش "ص42".

(1/43)