الإشراف
على مذاهب العلماء 86 - كتاب أحكام
السراق (1)
1 - باب ما يجب فيه قطع يد السارق
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا
أَيْدِيَهُمَا} الآية.
(ح 1409) ودل قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:" لا تُقطعُ يدُ السارق
إلا في رُبعِ دينار فصاعداً".
على أن الله عَزَّ وَجَلَّ إنما أراد بقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} بعض السراق دون بعض، فلا يجوز قطع يد السارق
إلا في ربع دينار، أو في ما قيمته ربع دينار، فأكثر من ذلك، مما يجوز ملكه.
ويكون السارق مع ذلك عالماً بتحريم الله عَزَّ وَجَلَّ السرقة.
فإذا كان كذلك: وجب قطع يد السارق، إذا سرق من حرز.
م 4590 - واختلفوا فيما يجب فيه قطع يد السارق.
__________
(1) كذا في الأصل، والأوسط 4/ 182/ألف، وفي الدار "كتاب الحدود، باب أحكام
السراق وما يجب فيه .. الخ".
(7/187)
فقالت طائفة بظاهر حديث رسول الله- صلى
الله عليه وسلم -: "لا تُقطعُ يدُ السارقِ إلا في رُبعِ دينارٍ فصاعداً".
روينا هذا القول عن عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، وبه قالت عائشة رضي
الله عنها، وعمر بن العزيز، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن اليد يقطع في ربع دينار، وفي ثلاثة دراهم فإن سرق
درهمين وهو ربع دينار لانخفاض (1) الصرف، لم تقطع يده.
هذا قول مالك، وقال: السلع لا يقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم قل (2)
الصرف أو كثر.
وقال أحمد وإسحاق في السلع: تقوم:
(ح 1410) على حديث ابن عمر [2/ 236/ب] رضي الله عنهما.
فإن سرق ذهبا فربع دينار، وإن سرق من غير الذهب والفضة فكانت قيمته ربع
دينار أو ثلاثة دراهم قطع.
وفيه قول رابع: وهو أن الخمس لا تقطع إلا في خمس، روي ذلك عن عمر، وبه قال
سليمان بن يسار، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة.
__________
(1) وفي الدار "لانتقاص الصرف".
(2) وفي الدار "على الصرف" وهو خطأ.
(7/188)
وقال أنس بن مالك: قطع أبو بكر رضي الله
عنه في مجن قيمته خمسة دراهم.
وفيه قول خامس: وهو أن اليد لا تقطع إلا في عشرة دراهم، هذا قول عطاء، وهو
قول النعمان، وصاحبيه.
وفيه قول سادس: وهو أن اليد تقطع في أربعة دراهم فصاعداً، روي هذا القول عن
أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري.
وفيه قول سابع: وهو أن اليد تقطع في درهم فما فوقه، هذا قول عثمان البتي.
وفيه قول ثامن: وهو أن اليد تقطع في كل مالهُ قيمةٌ، على ظاهر الآية، هذا
قول الخوارج.
وقد روي هذا القول عن الحسن البصري، إحدى الروايات الثلاث (1) عنه، والقول
الثاني (2): كما قال سليمان بن يسار.
والقول الثالث: حكاية قتادة عنه أنه قال: تذاكرناه على عهد زياد، فاجتمع
رأينا على درهمين.
__________
(1) "الثلاث" ساقط من الدار.
(2) "والقول الثاني ... إلى قوله: قتادة عنه أنه" ساقط من الدار.
(7/189)
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
(ح 1411) للثابت بن عن النب - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تُقطعُ
يدُ السارقِ إلا في رُبعِ
دينارٍ فصاعداً".
2 - باب الرجلين يسرقان ما إذا سرقه الرجل
الواحد قطعت يده
قال أبو بكر:
م 4591 - واختلفوا في الرجلين، يسرقان مقدار ما تقطع فيه اليد.
فإن مالك، وأحمد، وأبو ثور يقولون: عليهما القطع.
وشبه بعضه ذلك بالرجلين يقطعان يد الرجل معاً (1)، أن عليهما جميعاً القطع.
وكان سفيان الثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي يقولون: لا قطع عليهما
حتى تكون حصة كل واحد منهما، ما تقطع فيه اليد.
م 4592 - وإذا سرق الرجل من رجلين شيئاً يسوى ما تقطع فيه اليد.
قطعت يده، في قول مالك، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 4593 - وإذا قال السارق، سرقت من الرجلين ثوباً، فقال أحدهما: غصبتنيه
(2).
__________
(1) وفي الدار "جميعاً" بدل "معاً"
(2) وفي الدار "غصبته".
(7/190)
أو: كنت أودعتك (1) وديعة.
قطعت يده، في قول أبي ثور بإقراره.
وقال أصحاب الرأي: لا تقطع.
م 4594 - وإذا كان الثوب عند رجل وديعة، أو عارية، أو بإجارة، فسرقه [2/
237/ألف] سارق من حرز: قطع في قول مالك، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
3 - باب السارق يسرق منه المتاع
قال أبو بكر:
م 4595 - واختلفوا في السارق، يسرق منه المتاع الذي سرقه.
فقال مالك: على كل واحد منهما القطع، وبه قال إسحاق، وأبو ثور.
وقال الثوري: القطع عن الأول، ويغرم الآخر.
وكذلك قال أصحاب الرأي، وقالوا: وإن غصب رجل من رجل شيئاً فجاء لص، فسرقه
منه، قطع.
م 4596 - وكان مالك، والشافعي ينظران إلى قيمة السرقة يوم سرقها، رخصت بعد
أو غلت.
__________
(1) وفي الدار "أودعته".
(7/191)
4 - باب السارق يقر بالسارقة، أو تثبت عليه
بها (1) بينة وصاحب المتاع غائب
قال أبو بكر:
م 4597 - واختلفوا في السارق يقر بالسرقة، والمسروق منه غائب، أو تثبت عليه
بينة.
فقال مالك: يقطع، وهذا قول ابن أبي ليلى، وأبي ثور.
وقال الشافعي، والنعمان، ويعقوب: لا يقطع حتى يحضر رب الشيء.
وقال يعقوب: في نفسي منه شيء.
قال أبو بكر: كقطع يده.
5 - باب مسألة (2)
قال أبو بكر:
م 4598 - واختلفوا في الرجل، يسرق من الرجل الذي له عليه دين، عروضاً بقدر
حقه.
فروينا عن الشعبي أنه قال: لا حد عليه.
وبه قال أبو ثور، وذكر أنه على قول الشافعي.
__________
(1) "بها" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "مسائل".
(7/192)
وقال أصحاب الرأي: يقطع؟، وإن قال: أردت
أخذه رهناً بحقي: درأنا عنه الحد.
قال أبو بكر: قول أبي ثور صحيح.
6 - باب السارق يذكر أن رب المنزل (1) أمره بالدخول
قال أبو بكر:
م 4599 - واختلفوا في السارق تثبت عليه البينة أنه سرق، فيدّعي (2) أن رب
المترل أمره بالدخول.
فقالت طائفة: تقطع يده، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا تقطع.
وقال أحمد، وإسحاق: إذا شهدوا عليه أنه سرق: تقطع يده.
7 - باب القطع بعد حين من الزمان
قال أبو بكر:
م 4600 - واختلفوا في القطع في السرقة بعد حين من الزمان.
فقالت طائفة: تقطع يده، هذا قول مالك، والثوري، وأبي ثور.
__________
(1) وفي الدار "رب المال".
(2) وفي الدار "فيه غير" وهو تصحيف واضح.
(7/193)
وقال أصحاب الرأي: لا تقطع [2/ 237/ب]
وقالوا: إن كان قذفاً أو جرحاً أمضى فيه الحكم.
قال أبو بكر: أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بجلد الزاني والقاذف، وقطع السارق،
وأمر بإقامة الحدود، فما أمر الله عَزَّ وَجَلَّ به فهو واجب إنفاذه، طالت
الأيام أو لم تطل.
م 4601 - وقال أبو ثور: إذا سرق الرجل مراراً، ثم أتي به في آخر مرة، فقطع
بها، ثم أتي به في بعض تلك السرقات، القياس أن يقطع، إلا أن يمنع منه
إجماع.
وفي قول الشافعي، وأصحاب الرأي: إذا زنى الرجل مراراً، ثم أتي به، لم يجب
عليه غير حد واحد، وكذلك السرقة.
م 4602 - وإذا سرق الرجل المتاع، فقطعت يده، ورد المتاع إلى صاحبه، ثم سرق
ذلك المتاع مرة.
قطع في قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا يقطع.
قال أبو بكر: يقطع؛ لأن (1) الله عَزَّ وَجَلَّ أمر بقطع يد السارق، ولا
معنى لترك ظاهر الآية بغير حجة.
م 4603 - وإذا سرق السارق، فأخذ، ورد السرقة على أهلها، ثم رفع إلى الإمام،
قطع، هذا قول أبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا يقطع.
__________
(1) "يقطع الآن" ساقط من الدار.
(7/194)
قال أبو بكر: تقطع [يد السارق، ولا معنى
لترك ظاهر- الآية بغير حجة] (1).
م 4604 - وقد اختلفوا فيمن أصاب حداً، ثم تاب.
فكان الشافعي يقول: يسقط عنه الحد، قياساً على المحارب.
وفيه قول ثان: وهو أن يقام عليه الحد.
قال أبو بكر: وهذا أصح.
8 - باب من سرق عبداً صغيراً، أو صغيراً حراً قال أبو بكر:
م 4605 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن من سرق عبداً صغيراً،
من الحرز: أن عليه (2) القطع، كذلك قال مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأبو ثور.
وروينا ذلك عن الشعبي، وبه قال الحسن البصري.
وقال النعمان، ومحمد كذلك، إذا كان صغيراً لا يتكلم ولا يعقل، وقالا: إن
كان يتكلم ويعقل لم يقطع سارقه (3).
وقال الزهري: يقطع إذا كان أعجمياً لا يفقه.
وقال يعقوب: يستحسن ألا يقطع.
__________
(1) ما بين القوسين من الدار.
(2) "أن عليه" ساقط من الدار.
(3) وفي الدار "لم تقطع يده".
(7/195)
قال أبو بكر: قطع يده يجب على ظاهر الكتاب.
م 4606 - واختلفوا في السارق، يسرق صبياً حراً، من حرزه (1).
فقال مالك، وإسحاق: يقطع؛ لأن الحر، ديته أكثر من الثمر.
وبه قال الحسن البصري، والشعبي.
وقال سفيان الثوري، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا قطع عليه، م 4607 -
وقال النعمان: إن كان على الصبي المسروق مائة مثقال حلي (2)، لم يقطع.
وخالفه يعقوب فقال: يقطع.
قال أبو بكر: لا يطع سارق الحر، وإذا كان عليه حلي تبلغ [2/ 238/ألف] قيمته
ربع دينار: قطع. وخالف النعمان ظاهر الكتاب؛ لأن سارقه سارق صبي، وسارق
مال.
9 - باب السارق يسرق من بيت المال، أو من الخمس
قال أبو بكر:
م 4608 - واختلفوا فيما يجب على من سرق من بيت المال، فكان النخعي،
والشعبي، والحكم، والشافعي، وأصحاب الرأى يقولون: لا قطع عليه.
__________
(1) "من حرزه" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "مائة دينار حلي".
(7/196)
وقال حماد بن أبي سليمان، ومالك، وأبو ثور:
عليه القطع.
قال أبو بكر: يقطع ظاهر الكتاب.
10 - باب الفاكهة الرطبة تُسرق
قال أبو بكر:
46109 - واختلفوا في القطع (1) في الفاكهة الرطبة، والخبز، واللحم، وما
أشبه ذلك.
فقالا مالك، عليه القطع في الفاكهة الرطبة، والطعام، والبطيخ، واللحم،
والقثاء، والبقل.
واحتج بأن الأترُجّة التي قطع فيها عثمان، كانت أترجة تؤكل.
وهذا على مذهب الشافعي، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا قطع في اللحم، والخبز، ولا في شيء من الفاكهة،
والبقل، والريحان، والنورة (2)، والجص، والزرنيخ، والنبيذ، واللبن.
وقال الثوري، فيما يفسد من يومه مثل الثريد، واللحم وما أشبه ذلك: لا قطع
عليه (3) فيه، ولكن يُعزّر (4).
__________
(1) "في القطع "ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "اللوز".
(3) "عليه" ساقط من الدار.
(4) وفي الدار "يغرم".
(7/197)
وقال النعمان: لا أقطع في الحجارة،
والفخار، والملح، والنورة، والجص، والزجاج، والتوابل، والقصب، والحطب،
والجذوع، وما أشبه ذلك، وأقطع فيما سواه.
وقال يعقوب: أقطع في جميع هذا.
وقال النعمان: لا أقطع في شيء من الطير، ولا في شيء من الصيد، وأقطع في
الفاكهة اليابسة، التي تبقى في أيدي الناس.
م 4610 - وقال في سارق الصليب من الذهب والفضة، من حرز: لأقطع عليه فيه.
ومن سرق الدراهم التي فيها التماثيل، قطع فيها، لأن هذا لا يعبد، وذلك
يعبد.
قال أبو بكر: القطع في هذا كله يجب لظاهر الكتاب.
11 - باب القطع في الثمر المعلق
قال أبو بكر:
(ح 1412) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا قْطعَ
في ثمرٍ، ولا كثر"
(7/198)
قال أبو بكر: والكثر: جُمّار النخل.
م 4611 - واختلفوا في قطع الثمر من رؤوس الأشجار.
فقالت طائفة: لا قطع [2/ 238/ب] في الثمار التي في رؤوس النخل.
روينا معنى هذا القول عن ابن عمر.
وبه قال عطاء بن أبي رباح، ومالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي.
وكان أبو ثور يقول: إذا سرق ثمراً من نخل، أو شجر، أو عنباً من كرم، أو
فسيلاً (1) من أرض قائم، وكان محرزاً، وكان قدر ما تقطع فيه اليد: قطعت
يده.
قال أبو بكر: هكذا أقول، إن لم يصح خبر رافع بن خديج، ولا أحسبه (2)
ثابتاً.
12 - باب القطع في الطير يسرق
قال أبو بكر:
م 4612 - واختلفوا فيمن سرق طيراً.
فكان مالك، وأبو ثور يقولان: يقطع.
__________
(1) وفي الدار "فصيلاً" وهو خطأ، وجاء في حاشية المخطوطة: والفسيل: صفار
النخل.
(2) وفي الدار "أراه".
(7/199)
وهذا مذهب الشافعي إذا كانت قيمته ربع
دينار.
وقال أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي: لا قطع فيه.
قال أبو بكر: بالقول الأول أقول.
13 - باب سرقة المواشي من الحرز، وغير الحرز
قال أبو بكر:
(ح 1413) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس في شيء
من الماشية قطعٌ، إلا فيما آواهُ المُراحُ، فبلغ ثمنَ المجنِّ، ففيه قطعُ
اليد".
م 4613 - وهذا قال عطاء، ومالك، والشافعي.
وقال مالك، والشافعي في البعير يُحلُّ من القطر، يقطع.
وقال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، في البعير يُسْرقُ من
المرعى: لا قطع فيه.
قال أبو بكر: وبه نقول.
14 - باب سارق المصحف
قال أبو بكر:
م 4614 - واختلفوا فيما على سارق المصحف.
فكان الشافعي، وابن القاسم، صاحب مالك، ويعقوب، وأبو ثور يقولون: يقطع إذا
كانت قيمته ما تقطع فيه اليد.
(7/200)
وقال النعمان: لا أقطع (1) من سرق مصحفاً.
قال أبو بكر: يقطع سارق المصحف.
15 - أبواب الحرز (2)
قال أبو بكر:
(ح 1414) جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ليس في شي
من الماشية قطع، إلا ما آواه المُراحُ، فبلغَ ثمنَ المجنّ، ففيه قطعُ
اليدِ".
قال أبو بكر:
م 4615 - وقول عوام أهل العلم: أن القطع إنما يجب على من سرق ما يجب فيه
قطع اليد، من حرز.
وهذا مذهب عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وعمر بن عبد العزيز، والزهري.
وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
واختلف فيه عن الحسن البصري.
فروي عنه: أنه قال فيمن جمع المتاع في البيت: عليه القطع.
وحُكي عنه قول يوافق قول [2/ 239/ألف] سائر أهل العلم.
__________
(1) وفي الدار "لا قطع على من".
(2) في الأصل "باب أبواب الحرز".
(7/201)
قال أبو بكر: ليس في هذا الباب خبر ثابت لا
مقال فيه لأهل العلم.
وبقول عوام أهل العلم نقول، وهوكالإجماع من أهل العلم.
م 4616 - وإذا دخل السارق الدار، وأخذ المتاع، ورمى به إلى السدة، ثم خرج
فأخذ المتاع، قطع في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 4617 - وإذا دخل السارق الدار وأخذ المتاع، وناوله رجلاً خارجاً من
الدار.
ففي قول مالك: إذا أخرجه الداخل من حرزه فناوله الخارج، قطع الداخل، وهذا
على مذهب الشافعي، وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: إذا أخذها وهو في الدار، فناولها رجلاً على باب الدار،
لم يقطع واحد منهما.
قال أبو بكر: يقطع الذي أخرجه من الحرز.
م 4618 - واختلفوا فيمن نقب بيتاً، فأدخل يده، فأخرج ثوباً.
فكان مالك يقول: يقطع، ولو أدخل قصبة فأخرجه قطع، وبه قال أبو ثور وهو يشبه
مذهب الشافعي، وبه قال يعقوب.
وقال النعمان: لا يقطع.
قال أبو بكر: يقطع، لأنه سرق متاعاً من حرز.
(7/202)
م 4619 - وإذا كانا اثنين، فنقبا البيت،
ودخل أحدهما فأخرج المتاع، فلما خرجا به حملاه معاً، فالقطع على الذي أخرج
المتاع ويعزر الآخر في قول الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
وبه نقول.
م 4620 - واختلفوا في النفر، يدخلون الدار ويجمعون المتاع، ويحملونه على
أحدهم، وخرج به.
فقالت طائفة: القطع على الذي أخرج المتاع، كذلك قال الشافعي، وأبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: ينبغي أن يكون ذلك القياس، وفي الاستحسان يقطعون كلهم،
وبه يأخذ النعمان، ويعقوب، ومحمد.
وقد اختلف عن مالك: فحكي عنه القولان جميعاً.
قال أبو بكر: القول الأول أصح.
م 4621 - واختلفوا فيما على من سرق باب دار، أو باب مسجد، وقد كان مغلقاً
مسدوداً كما تسد الأبواب.
فكان ابن القاسم، صاحب مالك، وأبو ثور يقولان: يقطع، وهو مذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: لا قطع عليه.
قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول؛ لأن الناس هكذا يحرزون أبوابهم.
م 4622 - واختلفوا في السارق، يسرق من بيت الحمّام.
فقال أصحاب الرأي: لا قطع عليه، وقال أحمد: أرجو ألا يكون عليه قطع.
(7/203)
وقال مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: يقطع،
إذا كان مع المتاع من يحفظه.
قال أبو بكر: [2/ 239/ب] هذا أولى.
م 4623 - واختلفوا في النباش يسرق الكفن.
فروي عن ابن الزبير أنه قطع نباشاً، وبه قال عمر بن عبد العزيز، والحسن
البصري، والشعبي، وقتادة، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان (1).
وهو قول مالك، والشافعي، وعبد الملك الماجشون، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي
يوسف.
وقال أحمد: هو أهل أن يقطع.
وكان الثوري، والنعمان، ومحمد يقولون: لا قطع عليه، وفي القبر، عندهم،
بحرز.
قال أبو بكر: يقطع.
واختلفوا فيمن سرق من الفسطاط شيئاً قيمته ما تقطع فيه اليد.
ففي قول الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: يقطع.
قال أبو بكر: وبه أقول، ولا أحفظ في ذلك خلافاً.
م 4625 - واختلفوا فيمن سرق الفسطاط من مكانه.
__________
(1) "وحماد بن أبي سليمان" ساقط من الدار.
(7/204)
فقال الشافعي، وأبو ثور: يقطع، إذا كان
صاحبه قد اضطجع فيه.
وقال أصحاب الرأي: لا يقطع.
م 4626 - وقال أصحاب الرأي: إن سرق من جوالق على ظهر بعير، أو دابة، وصاحبه
واقف عنده، فسرق منه ثوباً، قطع، وإن سراق الجوالق كما هو: لم يقطع.
قال أبو بكر: يقطع في ذلك كله.
م 4627 - وكان مالك، والشافعي، وأبو ثور يقولون في الدار يكون فيها
الحُجَر، كل إنسان منهم يُغلق عليه بابه: من سرق من بيوت تلك الدار شيئاً.
يجب فيه القطع، فخرج به إلى الدار، فقد أخرجه من حرزه إلى غير حرزه، فعليه
القطع، وبه قال النعمان.
وقال يعقوب، ومحمد (1): لا قطع عليه.
16 - باب ما لا تقطع فيه اليد
قال أبو بكر:
م 4628 - اختلف أهل العلم في الرجل يستعير ما يجب في مثل القطع، ثم يجحده.
فقال كثير من أهل العلم: لا قطع عليه.
__________
(1) وفي الدار "النعمان، ومحمد، وقال يعقوب".
(7/205)
كذلك قال مالك، وأهل المدينة، والثوري،
والنعمان، وأهل الكوفة، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو قول عوام أهل العلم
من علماء الأمصار وروي ذلك عن عطاء.
وقال إسحاق: عليه القطع، وقال أحمد: لا أعلم شيئاً يدفعه.
(ح 1415) واحتجا بحديث عائشة رضي الله عنها: "أن امرأة مخزوميةً، كنت
تستَعيرُ المتاعَ وتجحدُهُ، فأمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع
يدها".
قال أبو بكر: في بعض الأخبار:
(ح 1416) "إنها كانت تستعير المتاع وتجحده فسرقت، فأمر النبي- صلى الله
عليه وسلم - بقطع
يدها" [2/ 240/ألف].
قال أبو بكر: وهذا قول يوافق عامة العلماء.
قال أبو بكر: وبه نقول.
قال أبو بكر:
(ح 1417) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على الخائن،
والمختلسِ قطعٌ".
(7/206)
وممن روينا عنه أنه قال: لا قطع في الخلسة،
عمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما.
وبه قال عطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، والشعبي،
وعمرو بن دينار، وقتادة، والنخعي، والزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقد روينا عن إياس بن معاوية أنه قال: أقطعه.
م4629 - واختلفوا في الطرّار يطرُّ، النفقة من الكم.
فقالت طائفة: يقطع، من داخل الكم طرّ أو من خارج، هذا قول مالك، والأوزاعي،
وأبي ثور، ويعقوب.
وقال أحمد: إن كان يطرُ سراً قطع، وإن إختلس لم يقطع.
وفيه قول ثان: وهو إن كانت الدراهم مصرورة في ظاهر كمه، فطرّها فسرقها (1)،
لم يقطع، وإن كانت مصرورة إلى داخل الكم، فأدخل يده فسرقها، قطع، هذا قول
إسحاق، والنعمان (2)، ومحمد.
وقال الحسن: يقطع.
قال أبو بكر: يقطع على أي جهة طرّ.
__________
(1) "فسرقها" ساقط من الدار.
(2) "والنعمان" ساقط من الدار.
(7/207)
م 4630 - وأجمع عوام أهل العلم على أن لا
قطع على الخائن.
روينا هذا القول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وشريح، والوليد بن عد
الملك، وأبي هاشم، ومنصور بن زاذان (1)، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح،
والزهري، ومالك، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4631 - واختلفوا فيمن دخل دار قوم، فأخذ شاتهم فذبحها، وأخرجها فكان
مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور يقولون: تقطع يده.
وقال أصحاب الرأي: لا قطع عليه.
قال أبو بكر: عليه القطع.
م 4632 - وكان مالك، والشافعي، وأبو ثور، وغيرهم من أصحابنا يقولون (2):
على مخرج الثوب الذي شقه في داخل دار الرجل القطع، إذا كان يسوى ما تقطع
فيه اليد، وإن أخرجه وهو مشقوق لا يسوى ما تقطع فيه اليد، لم يقطع، وغرم ما
نقص الثوب.
17 - باب السرقة من الآباء والأبناء والأزواج
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا
أَيْدِيَهُمَا} الآية.
__________
(1) في الأصل "أبي منصور بن زاذان" والتصحيح من الدار.
(2) وفي الدار "لا يرون".
(7/208)
قال أبو بكر:
م 4633 - فعلى كل سارق سرق ما تقطع (1) فيه اليد القطع، على ظاهر كتاب الله
عز وجل، [2/ 240/ب] إلا أن يجمع أهل العلم على شيء، فيجب استثناء ذلك من
ظاهر الكتاب.
وكل مختلف فيه فمردود إلى الكتاب، لأن الله عَزَّ وَجَلَّ أمرهم إذا
تنازعوا أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله - صلى
الله عليه وسلم -.
دخل في ذلك الأبناء، والآباء، والأزواج، وسائر الناس.
م 4634 - واختلفوا فيمن سرق من مال والديه.
فكان الحسن البصري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي يقولون: لا
يقطع، وبه قال الثوري.
وفيه قول ثان: وهو أن قطع يده يجب، هذا قول مالك، وأبي ثور.
وكذلك قالا إن زنى بجارية أبيه: عليه الحد.
م 4635 - وكان مالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي
يقولون: إن سرق الأبوان من مال ابنهما لم يقطعا.
م 4636 - واختلفوا فيمن سرق من ذوات المحارم، مثل العمة، والخالة، والأخت،
وغيرهن.
فكان الثوري يقول: لا تقطع يده (2).
__________
(1) وفي الدار "ما يجب فيه القطع".
(2) "يده" ساقط من الدار.
(7/209)
وبه قال أصحاب الرأي قالوا: لا يقطع إذا
سرق من ذي رحم محرم منه.
وفي قول الشافعي، وإسحاق، وأحمد (1): يقطع من سرق من هؤلاء.
وقال أبو ثور: يقطع كل سارق سرق ما تقطع فيه اليد، إلا أن يجمعوا على شيء،
فيسلم للإجماع.
م 4637 - واختلفوا في الزوجين، يسرق كل واحد منهما من صاجه.
فقال أصحاب الرأي: لا قطع عليهما إذا سرق كل واحد منهما صاحبه (2).
وبه قال الشافعي، وقال: على الاحتياط.
وقد حكي عن الشافعي أنه قال: تقطع المرأة إذا سرقت من مالك زوجها، مما قد
أحرزه عنها.
قال أبو بكر: هذا أصح قوليه.
وفيه قول ثان: وهو أن عليهما القطع، هذا قول مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي
ثور.
__________
(1) "وأحمد" ساقط من الدار.
(2) "كل واحد منهما صاحبه" ساقط من الدار.
(7/210)
18 - باب الإقرار
الذي يوجب القطع
قال أبو بكر:
م 4638 - اختلف أهل العلم في الإقرار الموجب للقطع.
فقالت طائفة: لا تقطع يد السارق حتى يقر مرتين، هذا قول ابن أبي ليلى،
ويعقوب، وأحمد، وإسحاق.
وفيه قول ثان: وهو أن السارق إذا أقر أنه سرق مرة، وجب قطع يده هذا قول
عطاء، وسفيان الثوري، والشافعي، والنعمان، ومحمد، وأبي ثور.
قال أبو بكر: وبه نقول، لأن المعترف مرة معترف، ولا نعلم حجة توجب ما قاله
من زعم أن اعتراف مرة لا يوجب قطع اليد.
م 4639 - وأجمع كل من نحفظ عنه [2/ 241/ألف] من أهل العلم على أن السارق
مرات إذا قدم إلى الحاكم في آخر السرقات: أن قطع يده يجزئ من ذلك كله.
كذلك قال عطاء، والزهري، ومالك، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور.
والنعمان، ويعقوب.
ويشبه هذا مذهب الشافعي.
والجواب في الرجل يزني مراراً، في أن عليه حداً واحداً، هكذا.
(7/211)
وكذلك الرجل ينكح المرأة نكاحاً فاسداً، أن
الذي يجب عليه مهر واحد، وإن كان وطئها مرات،
م 4640 - ولكن لو كان قطع السارق، ثم سرق ثانياً، أو جلد في الزنى ثم زنى
ثانياً، أو فرق بين الرجل والمرأة ثم نكحها ثانياً، فعلى السارق إذا سرق
بعد القطع القطع (1)، وكذلك الزاني إذا جلد ثم زنى ثانياً، وذلك الرجل ينكح
المرأة ثانياً ويطؤها عليه مهر ثان.
19 - باب الشهادة على السرقة
قال أبو بكر:
م 4641 - أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن قطع يد السارق يجب إذا
شهد عليه بالسرقة شاهدان، حران، مسلمان، عدلان، ووصفا ما يوجب القطع.
م 4642 - فإن شهدا بذلك ثم غابا، أو ماتا.
وجب قطع يد السارق، في قول أبي ثور، وهو يشبه مذهب الشافعي.
وقال النعمان: إذا غابا لم يقطع إلا بمحضرهما، ثم رجع بعد ذلك فقال: تقطع
يده، وبه قال يعقوب ومحمد.
قال أبو بكر: يقطع إذا غابا، أو ماتا.
__________
(1) "القطع" ساقط من الدار.
(7/212)
م 4643 - وإذا اختلفا، فقال أحدهما: سرق
ثوراً، وقال الآخر: سرق بقرة، أو قال أحدهما: كانت حمراء، وقال الآخر: كنت
بيضاء، لم يقطع، في قول الشافعي، وأبي ثور، ويعقوب، ومحمد.
وقال النعمان: لا تجوز شهادتهما إذا قال أحدهما: سرق ثوراً، وقال الآخر:
سرق بقرة، وقال: وإن اختلفوا في لونها قطع.
قال أبو بكر: لا فرق بينهما، بل اللون (1) أولى ألا يقطع، لأن ذلك لا يكاد
يخفى على الناظر، ومعرفة الذكر والأنثى تخفى على كثير من الناظرين، إلا أن
يتفقّد ذلك.
م 4644 - وإذا اختلفا، فقال أحدهما: سرق يوم الخميس، وقال الآخر: يوم
الجمعة.
لم يقطع، في قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، في أصحاب الرأي.
قال أبو بكر: وبه نقول.
م 4645 - وإذا شهدا على رجل، فقطعت يده، ثم جاءا بآخر، فقالا: هذا الذي سرق
وقد أخطأنا بالأول.
فقول كل من نحفظ عنه من أهل العلم: أنهما يغرمان دية اليد، ولا تقبل
شهادتهما على الثاني.
روينا ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال ابن شبرمة، والشافعي،
وأبو ثور، وأصحاب [2/ 241/ب] الرأي.
__________
(1) وفي الدار "الفرق".
(7/213)
20 - باب صفة (1) قطع يد السارق
قال أبو بكر:
م 4646 - اختلف أهل العلم فيما يجب قطعه من السارق.
فقالت طائفة: إذا سرق قطعت يده اليمنى، إذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى،
وإذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى، فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى،
فإذا سرق الخامسة عزر وحبس.
هذا قول مالك، وأهل المدينة، وبه قال قتادة، والشافعي، وأصحابه، وكذلك قال
(2) أبو ثور.
وقد ثبت عن أبي بكر الصديق، وعمر رضي الله عنهما أنهما قطعا في السرقة اليد
بعد اليد والرجل.
وفيه قول ثان: وهو أن تقطع يده اليمنى، ثم رجله اليسرى في السرقة الثانية،
فإن سرق بعد ذلك حبس، روي هذا القول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال الزهري: لم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل، وبه قال حماد بن أبي
سليمان، واحد بن حنبل.
__________
(1) "صفة" ساقط من الدار.
(2) "كذلك قال" ساقط من الدار.
(7/214)
م 4647 - واختلفوا في اليد والرجل، من أين
تقطع؟
فروينا عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا: من المفصل، قال عمر:
القدم من مفصلها، وقال عثمان: اليد من المفصل.
وبه قال الشافعي في اليد والرجل.
وقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: تقطع الرجل من شطر
القدم، ويترك له عقبها.
وقال إسحاق: اليد من الرسغ، والرجل من المفصل، ويترك العقب.
وقال أبو ثور: قول علي أرفق وأحب إليّ.
(ح 1418) وقد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقطع يد رجلٍ،
وقال: احسموها".
وفي إسناده مقال.
م 4648 - واستحب ذلك جماعة، منهم: الشافعي، وأبو ثور، وغيرهما.
وهذا أحسن، وهو أقرب للبرء وأبعد من من التلف.
م 4649 - واختلفوا في السارق، تكون يمينه شلاء.
فقال الزهري: تقطع يمينه، لأنها جمال، وبه قال إسحاق، وأبو ثور.
وقال أحمد: إذا كان يحركها، أوكانت قائمة: تقطع.
(7/215)
واختلف قول أصحاب الرأي في هذا الباب،
فقالوا: إذا كان أشل اليد اليمنى، ويده الشمال صحيحة: تقطع اليمنى.
وإن كانت يده الشمال شلاء يابسة واليمنى صحيحة: لم تقطع اليمنى (1)، فإن
كانت يداه شلاوين يابستين: لم تقطع.
وإن كانت يداه صحيحتين، ورجله الشمال شلاء يابسة: قطعت يده اليمنى.
وإن كانت رجله اليمنى يابسة، والشمال صحيحة: لم تقطع يده اليمنى؛ لأنه يكون
من شقٍ (2) ليس له يد ولا رجل [2/ 242/ألف].
قال أبو بكر: أوجب الله عَزَّ وَجَلَّ قطع يد السارق في
كتابه (3)، فقطع يد السارق يجب: شلاء كانت أو صحيحة.
وليس لقول من ترك ظاهر الكتاب معنى، واتباع كتاب الله عز وجل يجب.
م 4650 - واختلفوا في السارق يسرق، ويشهد عليه بذلك بينة، ويداه ورجلاه
صحيحتان، فيحبسه الحاكم ليسأل عن الشهود، فعدا عليه رجل، فقطع يده اليمنى.
فقال أصحاب الرأي: يقتص له منه، لأن الحد لم يكن وجب بعد، فإن زكي الشهود:
لم يقطع ثانياً، لأن اليد التي كان فيها الحد قد ذهبت.
__________
(1) "وإن كان يده الشمال ... إلى قوله: لم تقطع اليمنى" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "موسر" وهو تصحيف.
(3) "قطع يد السارق في كتابه" تكرر في الدار.
(7/216)
وإن لم تقطع يده اليمنى الأولى (1) ولكن
قطعت يده اليسرى، قال: أقتص من قاطعه، ولا أقطعه في السرقة، لأني أكره أن
أدعه بغير يد.
وقال أبو ثور: فيها قولان:
أحدهما: أن لا شيء عليه.
والثاني: أن قطع رجله يجب.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، لأن اليد لا تخلو من أحد معنيين: إما أن
يكون قد وجب قطعها، فلا شيء على قاطعها، إلا الأدب إذا كانت البينة عادلة.
أو لا تكون عادلة، فعلى القاطع القود أو الدية (2).
وقال قتادة - في رجل سرق، فعدا عليه رجل فقطع يده- قال: تقطع يد الذي عدا
عليه، وتقطع رجل السارق.
م 4651 - وإذا حكم عليه الحكم بأن تقطع يده فعدا عليه رجل (3)، فقطع يمينه
التي وجب قطعها.
فقال مالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا شيء على السارق، ولا على القاطع،
ويؤدبه السلطان.
م 4652 - وقال الثوري: إذا قطع رجل السارق، أو قتل الزاني (4)، قبل أن
يبلغه السلطان، فعليه القصاص، وليس على السارق غير ذلك.
ولا شيء على من قتل المرتد قبل أن يرفع إلى السلطان.
__________
(1) "الأول" ساقط من الدار.
(2) "أو الدية، وقال ... إلى قوله: تقطع يده قال: "ساقط من الدار.
(3) "بأن تقطع يده، فعدا عليه رجل" ساقط من الدار.
(4) وفي الدار "الوالي" وهو خطأ فاحش.
(7/217)
قال أبو بكر: إذا وجب قطع يد السارق، أو
وجب الرجم على رجل، فعدا رجل فقتل الزاني، وقطع السارق، فلا شيء عليه، ويؤد
به الحاكم، حيث فعل ما ليس إليه.
م 4653 - واختلفوا في الحاكم، يأمر بقطع يمين السارق، فتقطع يساره.
فقال قتادة: قد أقيم عليه، لا يزاد عليه، وبه قال مالك إذا أخطأ القاطع
فقطع شماله، وبه قال أصحاب الرأي استحساناً.
وقال أبو ثور: عليه الحد، أو الدية، لأنه أخطأ، وتقطع يمينه، إلا أن يمنع
منه إجماع.
قال أبو بكر: ليس يخلو قطع يسار السارق من أحد معنيين.
إما أن يكون القاطع عمد (1) ذلك، فعليه القود، أو يكون أخطأ، فديه يده على
عاقلة القاطع.
وقطع يمين السارق يجب في السرقة، ولا يجوز إزالة (2) ما أوجب الله عَزَّ
وَجَلَّ بتعدي متعد، أو خطأ مخطئ.
م 4654 - واختلفوا في الجذّاذ يقول للسارق: أخرج يمينك، فأخرج شماله،
فقطعها.
فقال قتادة، والشعبي: لا شيء على القاطع، وحسبه ما قطع منه.
وقالت طائفة: تقطع يمينه إذا برأ، وذلك أنه هو أتلف يساره.
__________
(1) وفي الدار "غير ذلك".
(2) وفي الدار "له" مكان "إزاله".
(7/218)
وقال أصحاب الرأي: ليس على الجذاذ شيء.
وهذا قياس قول الشافعي: إن لا شيء على القاطع، وتقطع يمينه إذا برأت شماله
(1).
وقال الثوري في الذي يقتص منه في يمينه، فيقدم شماله، فتقطع، قال: تقطع
يمينه أيضاً.
قال أبو بكر: هذا صحيح.
21 - باب إقامة الحد في الحر الشديد، والبرد
الشديد وغير ذلك
قال أبو بكر:
م 4655 - اختلف أهل العلم في إقامة الحد على المريض، أو في الحر والبرد.
فقالت طائفة: يقام الحد، ولا يؤخر ما أوجبه الله عز وجل بغير حجة.
هذا قول أحمد، وإسحاق، واحتجا بحديث عمر: أنه أقام الحد على قدامة، وهو
مريض، وقال: أخشى أن يموت، وبه قال أبي ثور.
وقالت طائفة: إذا كان مريضاً يخاف عليه فيه، لم يُقم عليه حتى يبرأ.
كذلك قال مالك، والشافعي.
__________
(1) "شماله" ساقط من الدار.
(7/219)
وكذلك قال النعمان، ومجاهد، ومحمد في الحر
والبرد.
م 4656 - واختلفوا في الرجل يقر بسرقة عند الإمام، وثبت عليه أنه قتل رجلاً
عمداً.
ففي قول الشافعي، تقطع يده، ثم يقتل قوداً إن طلب ذلك الوالي، وبه قال أبو
ثور.
وقال أصحاب الرأي: يقتل، ويدرأ عند القطع.
قال أبو بكر: أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بقطع السارق، وأوجب القصاص، فلا يجوز
أن نعطل شيئاً مما أمر الله عَزَّ وَجَلَّ به بغير حجة.
م 4657 - واختلفوا في السارق يسرق، ويقطع يمين رجل.
فقالت طائفة: تقطع يمينه للسرقة، ولا شيء للمقطوعة يده، حكى ابن القاسم هذا
القول عن مالك.
وفي قول الشافعي: غير المقطوعة يده بين القصاص، أو دية اليد، فإن اختار
القصاص قطعت يده للقصاص وللسرقة، وإن أراد الدية أعطي ذلك، وقطعت يده
للسرقة، وبه قال أبو ثور.
وقال أصحاب الرأي: أبدأ بالقصاص وأدرأ عنه الحد.
(7/220)
22 - أبواب (1) قطع العبيد
قال أبو بكر: قال الله تبارك وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية.
قال أبو بكر: دخل في ظاهر الكتاب الأحرار والعبيد، وبه قال عوام أهل العلم.
م 4658 - وممن رأى أن العبد المعترف بالسرقة [2/ 243/ألف] تقطع يده عمر (2)
وابن عمر رضي الله عنهما، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، والقاسم،
وعروة بن الزبير، والنخعي،
وقتادة.
وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ويعقوب (3).
وفي قول ثان: وهو أن لا قطع عليه، روينا ذلك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن
العاص، ومروان بن الحكم في الآبق.
قال أبو بكر: إتباع ظاهر القرآن يجب.
__________
(1) وفي الدار "باب قطع العبيد".
(2) "عمر" ساقط من الدار.
(3) "ويعقوب" ساقط من الدار.
(7/221)
23 - باب سرقة العبد
من مولاه
قال أبو بكر:
م 4659 - أجمع أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لا قطع على العبد إذا
سرق من مال مولاه.
ثبت ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابن مسعود.
وبه قال مالك، وعبد الملك، والثوري، والنعمان، ومن وافقهم.
وكذلك قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
م 4660 - وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق في المكاتب ومولاه، أيهما سرق من
صاحبه، لا قطع عليه، وكذلك قال أصحاب الرأي.
م 4661 - وقال أصحاب الرأي في العبد يقر بالسرقة من مولاه، أو ابن مولاه،
أو أب مولاه (1)، أو ابن ابن مولاه، أو جد مولا، أو جدة مولاه، أو ذي رحم
محرم لمولاه، أو من امرأة لمولاه، قالوا: لا يقطع في شيء من ذلك.
وكذلك المكاتب، والمدبر، وأم الولد.
وإذا أقر الرجل أنه سرق من مكاتبه، أو من عبد له تاجر عليه دين: لم يقطع.
وقال أبو ثور: يقطع العبد إذا سرق من أي هؤلاء سرق، إلا من مال مولاه فإنه
لا قطع عليه.
__________
(1) " أو أب مولاه" ساقط من الدار.
(7/222)
م 4662 - واختلفوا في عبد الرجل يسرق من
مال زوجته، أو عبد المرأة يسرق من مال زوجها.
ففي قول الشافعي: لا قطع على واحد منهما.
وقال مالك: على كل واحد منهما القطع.
قال أبو بكر: قول مالك صحيح.
24 - باب وجوب رد المتاع المسروق إلى أهله
وتضمين المتلف لذلك قيمته
قال أبو بكر:
م 4663 - أجمع عوام أهل العلم على أن السارق إذا وجب قطع يده، فقطعت، ووجد
المتاع بعينه عنده، أن ردّ ذلك يجب، على المسروق منه.
م 4664 - وقد اختلفوا فيه إذا قطع والمتاع مستهلك.
ففي قول الشافعي، وأبي ثور: إن كان للشيء المتلف مثل أخذ مثله، وإن لم يكن
له مثل أخذ قيمته من السارق.
وهذا مذهب النخعي، وحماد بن أبي سليمان، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق.
وقال آخرون: [2/ 243/ب] إن وجد المتاع بعينه أخذ منه، وإن استهلكه السارق
غرم قيمته إن كان له مال، فإن كان معدماً بطل عنه، ولم يكن ديناً عليه، هذا
قول مالك.
(7/223)
وفيه قول ثالث: وهو أن لا غرم على السارق
بعد أن تقطع يده، إلا أن يوجد شيء منه بعينه، فيؤخذ منه.
هذا قول عطاء بن أبي رباح، وابن سيرين، والشعبي، ومكحول.
وقال الثوري: قول الشعبي أحب إليّ.
وبه قال النعمان، وأصحابه.
وقال النعمان في الرجل يسرق مرات، ثم يؤتى به في آخر مرة، فإنه يقطع، ويضمن
كل السرقات إلا الآخرة.
وقال يعقوب: لا أضمنه.
قال أبو بكر: القول الأول أصح، لأن الله عَزَّ وَجَلَّ حرم الأموال في
كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأجمع أهل العلم على
تحريمه، فلا يحل شىء منه بغير حجة.
وإذا أجمعوا على وجب ردّ الشيء المسروق إن كان موجوداً، ومعنى القطع غير
معنى المال، لأنهم قد أمروا برد الشيء مع قطع اليد، إذا كان رد ذلك يجب وإن
قطعت يده، وجب قيمة ما استهلك منه، لأنه (1) مال لمسلم أتلفه.
(ح 1419) ولا يثبت حديث عبد الرحمن بن عوف
__________
(1) "لأنه" ساقط من الدار.
(7/224)
25 - باب سرقة الخمر
من المسلم ومن النصراني
قال أبو بكر: حرم الله عَزَّ وَجَلَّ الخمر في يهابه، وعلى لسان نبيه - صلى
الله عليه وسلم -.
(ح 1420) وحرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الخمر وثمنها.
م 4665 - وأجمع أهل العلم على تحريم الخمر.
م 4666 - وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسلم إذا سرق من أخيه
المسلم خمراً: أنه لا قطع عليه.
هذا قول عطاء، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.
م 4667 - وكذلك الخنزير، إذا سرقه: لا قطع عليه.
م 4668 - واختلفوا في المسلم يسرق من النصراني خمراً.
فقال عطاء: تقطع يده.
وقال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: لا قطع عليه.
وفيه قول ثالث: وهو ألا تقطع يده، ولكن يضمن، لأنه عندهم له ثمن.
واحتج بأن شريحاً قضى بذلك [هذا قول إسحاق] (1).
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(7/225)
قال أبو بكر: كما قال الشافعي أقول، لأن
الله عز وجل حرم الخمر، ولا يجوز قطع يد المسلم فيما لا قيمة له إذ هو
محرم.
26 - باب سرقة الحربي والذمي
قال أبو بكر:
م 4669 - واختلف أهل العلم في الحربي يدخل دار الإِسلام بأمان (1) ويسرق
[2/ 244/ألف].
فقال الشافعي، والنعمان، وابن الحسن: لا قطع عليه، ويضمن السرقة.
وروينا عن ابن عباس: انه كان لا يرى على أهل الذمة قطعاً.
وقال أبو ثور: تقطع يده إذا لم يعذر بالجهالة.
وقال مالك: يقطع إذا سرق، ولا يقام عليه حد الزنى.
قال أبو بكر: ليس بينهما فرق.
27 - باب إقامة الحدود في أرض الحرب
قال أبو بكر:
م 4670 - واختلفوا في إقامة الحدود في أرض الحرب.
فقالت طائفة: تقام الحدود، ولا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام.
__________
(1) "بأمان" ساقط من الدار.
(7/226)
هكذا قال الشافعي، وبه قال مالك، والليث بن
سعد.
وقال الأوزاعي: يقيم من غزا على جيش، وإن لم يكن أمير مصر (1) من الأمصار
الحدود في عسكره في القطع، فإذا قفل قطع.
وقال النعمان: إذا غزا الجند أرض الحرب، وعليهم أمير، فإنه لا يقيم الحدود
في عسكره، إلا أن يكون إمام مصر، أو الشام، أو العراق، أو ما أشبهه، فيقيم
الحدود في عسكره.
28 - باب حد البلوغ
قال أبو بكر: قال الله عز وجل: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ
الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} الآية.
وقال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}
الآية، وبلوغ النكاح هو الحلم.
(ح 1421) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "رُفع القلمُ عن
الصبي حتى
يحتلم".
م 4671 - وأجمع أهل العلم على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل.
__________
(1) وفي الدار "أمر مضى" وهو تصحيف.
(7/227)
م 4672 - وأجمع أهل العلم على أن الفرائض
تجب على المرأة بظهور الحيض فيها، فهي والرجل في حكم الاحتلام سواء.
م 4673 - واختلفوا في خصال سوى الاحتلام.
فمما اختلفوا فيه: بلوغ خمسة عشرة سنة.
فممن رأى أن الغلام إذا كمل له خمس عشرة سنة أنه بالغ: الشافعي، والأوزاعي،
وأحمد.
وفيه قول ثان: وهو أنه بالغ إذا كمل له أربع عشرة سنة وطعن في الخمس عشرة،
هذا قول إسحاق.
وأما مالك، وأهل المدينة، وأهل الكوفة، فليس يرون ذلك ولا يعتبرون به.
م 4674 - واختلفوا في الإنبات.
فجعلت فرقة الإنبات حد البلوغ، هذا قول القاسم، وسالم (1)، وأحمد، وإسحاق،
وأبي ثور.
(ح 1422) واحتجوا بحديث عطية القرظي.
__________
(1) "وسالم" ساقط من الدار.
(7/228)
والشافعي لا يقول به، إلا في أهل الشرك
الذين لا يوفقون على أسنانهم.
وقد روينا عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما [2/ 244/ب]،
وابن الزبير أنهم جعلوا حد البلوغ: بلوغ ستة أشبار، وبه قال إسحاق.
وقال عطاء بن أبي رباح، والحكم، والزهري: لا قطع على من لم يحتلم.
وخالف النعمان ذلك كله، فقال: حد البلوغ في الغلام استكمال ثماني عشرة سنة،
إلا أن يحتلم قبل ذلك وفي الجارية استكمال سبع عشرة، إلا أن تحيض قبل ذلك
(1).
قال أبو بكر: لا شك أن الاحتلام حد البلوغ، وقد يكون حد البلوغ استكمال خمس
عشرة سنة، ويكون الإنبات كذلك حد البلوغ.
م 4676 - وليس على من بلغ مغلوباً على عقله شيء من الفرائض.
29 - باب تلقين السارق ما يزال به عنه القطع
قال أبو بكر:
م 4677 - ثبت أن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - قال: "ادرؤوا
__________
(1) "وفي الجارية استكمال سبع عشرة، إلا أن تحيض قبل ذلك" ساقط من الدار.
(7/229)
الحدود ما استطعتُم".
وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أنه أُتي برجلٍ، فسأله: أسرقتَ؟
قل: لا، فقال: فتركه (1) ".
وروينا معنى ذلك عن أبي بكر الصديق، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وأبي مسعود
(2)، رضي الله عنهم.
وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
واحتج بعضهم:
(ح 1423) بقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: "لعلك قبّلت، أو غمَزتَ، فقال:
لا".
قال: وإنما قال ذلك ليدرأ عنه الحد.
وقال غيرهم: إذا وجب الحد، لم تجز إزالته بوجه.
ولعل ما روي عن الأوائل في هذا الباب: إنما هو قبل الإقرار، فإذا جاء
الإقرار وجب إقامة ما أوجبه الله عز وجل.
__________
(1) وفي الدار "أبي الزناد" وهو خطأ، والتصويب من الأوسط 4/ 196/ب، وكذا
عند "عب " 10/ 225 رقم 18922.
(2) في الأصلين "ابن مسعود"، والتصويب من الأوسط 4/ 196 /ب، وكذا عند "عب"
10/ 225 رقم 18921، و"بق" 8/ 276.
(7/230)
30 - باب الستر على
المسلمين، والشفاعة في الحدود
قال أبو بكر:
(ح 1424) جاء الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من سترَ
على مسلمٍ
عورةً (1) ستر الله عليه في الدنيا و (2) الآخرة.
م4678 - والذي يجب أن يستر المسلم على أخيه: إذا رآه على فاحشة، أو سوء،
طلب ثواب الله عز وجل.
وعلى من أصاب حداً أن يستتر بستر الله عز وجل، وينزع عن ذلك، ويحدث توبة
نصوحاً، وهو ألا يعود في الذنب أبداً، إذا بلغ الإمام ذلك: لم يسعه إلا
إقامة الحد:
(ح 1425) لحديث النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "تعافوا الحدود فيما
بينكُم، فما بلغني
من حدّ فقد وجبَ".
م 4679 - وقد اختلفوا في الشفاعة في الحدود قبل وصول ذلك إلى الإمام.
__________
(1) "عورة" ساقط من الدار.
(2) "الدنيا و" ساقط من الدار.
(7/231)
فممن [2/ 245/ألف] رأى أن يشفع في الحد
ليدرأ به (1) عمن وجب ذلك عليه، قبل الوصول إلى الإمام: الزبير بن العوام،
وقال: يفعل ذلك دون السلطان، إذا بلغ الإمام فلا أعفاه الله إن أعفاه.
وممن رأى ذلك: عمار بن ياسر، وابن عباس، وسيد بن جبير، والزهري، والأوزاعي،
وأحمد.
وكرهت طائفة الشفاعة في الحدود، وقال ابن عمر: "من حالت شفاعتُه دون حدٍ من
حدود الله فقد ضادّ الله في حكمه".
وفرّق مالكٌ بين من لم يعرف منه أذى للناس، فقال: لا بأس أن يشفع له ما لم
يبلغ الأمام، واً ما من عرف بشر وفساد فلا أحب أن يشفع له أحد، ولكن يترك
حتى يقام عليه الحد.
قال أبو بكر: الأخبار الثابتة تدل على أن الشفاعة المنهي عنها: أن يشفع إلى
الإمام في حد قد وصل إليه علمه، فمن ذلك:
(ح 1426) أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال لأسامة لما كلمه في أمر
المخزومية التي سرقت: "أتشفعُ في حدّ من حدودِ الله".
مُنكراً عليه لمّا شفع في أمرها.
__________
(1) "به" ساقط من الدار.
(7/232)
31 - باب السارق
يملك ما سرق قبل وصوله إلى الإمام وبعد ذلك
قال أبو بكر:
م 4680 - كان مالك، والشافعي يقولان: تقطع يد السارق، وإن وهب المسروق منه
الشيء للسارق قبل قطع يده.
وقال أصحاب الرأي: إذا ردّ السرقة إلى أهلها قبل أن يرفع إلى الأمام، ثم
أني به إلى الإمام، وشهد عليه الشهود: لم يقطع.
قال أبو بكر: القطع إذا وجب لم تجز (1) إزالته بوجه.
وفي السرقة (2) شيئان: حد الله تعالى، ومال لآدمي فما كان لله تعالى
فالقائم بإقامته السلطان، وما كان لنبي آدم فذلك إليهم: إن شاؤوا طالبوا
به، وإن شاؤوا تركوه.
__________
(1) وفي الدار "لم يجب".
(2) وفي الدار "السارق".
(7/233)
|