الإشراف على مذاهب العلماء

96 - كتاب الأشربة
قال أبو بكر: محمد بن ايراهيم بن المنذر:
(ح 1647) ثبت أن (1) أحب الشراب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الحلو (2) البارد".
(ح 1648) "وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب الحَلْواء والعسل".
(ح 1649) وقال أنس: "لقد سقيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "بقدحي هذا الشراب كله: اللبن، والماء، والنبيذ، والعسل".
(ح 1650) وفي حديث أبي هريرة أن في الله قال: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصحَّ جسمك وأُرَوِّيَكَ من الماء البارد".
__________
(1) وفي الدار "أنه كان أحب الشراب".
(2) وفي الدار "الماء البارد".

(8/191)


(ح 1651) وقالت عائشة رضي الله عنها:" كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يستقى له الماء العذبُ من بيوت السقيا".

1 - باب آداب الشاربين
قال أبو بكر:
(ح 1652) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله.
وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - حديثين:
(ح 1653) أحدهما من حديث أنس بن مالك "أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان إذا شرب تنفس ثلاثاً".
(ح 1654) والحديث الثاني: عن أبي قتادة "أن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى أن يستنجي الرجل بيمينه، وأن يتنفس في الإناء".

(8/192)


(ح 1655) ودلّ خبر ثالث عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب، ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخره عن فيه، ثم ليتنفس".
على أن معنى شربه بثلاثة أنفاس غير معنى فيه عن أن يتنفس في الإناء، فرَّق حديث أبي هريرة بينهما.
م 5379 - ولا يجوز النفخ في الشراب:
(ح 1656) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه.
م 5380 - وإن نفخ نافخٌ في الشراب لم يحرم الشراب [2/ 327/ب] وكان النافخ في الشراب مسيئاً في فعله.
م 5381 - ويكره الشرب من في السقاء.
(ح 1657) لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه.
(ح 9658) وفي حديث ابن أنيس (1) أن النبي- صلى الله عليه وسلم - شرب من في السقاء (2).
__________
(1) في الأصلين "حديث أنس" والصحيح ما أثبته، كما ورد في سنن الترمذي، وفتح الباري.
(2) وفي الدار "من في سقاء معلق".

(8/193)


وهو معلق".
وقد قيل: إن النبي- صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن ذلك في تأديب لا تحريم وعلى أن السقاء المعلق لا تكاد الدواب تصل إليه، لأن في:
(ح 1659) حديث أبي سعيد الخدري: "أن رجلاً شرب من في السقاء، فانساب في بطنه حيان (1)، فنهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عن اختناث الأسقية".
(ح 1660) وقد أمر النبي- صلى الله عليه وسلم -بالتسمية عند إيكاء القرب، قال: فأوكوا قربكم، واذكروا اسم الله".
__________
(1) وفي الدار "حيات".

(8/194)


(ح 1661) وقال أبو حميد: وإنما أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - (1) بالأسقية أن تُوكى ليلاً، وبالأبواب أن تغلق ليلاً.

2 - باب الشرب قائما
قال أبو بكر:
م 5382 - اختلف أهل العلم في الشرب قائماً.
فروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر، وابن الزبير رضي الله عنهم: أنهم شربوا قياماً.
وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهم قالوا: لا بأس به.
وهذا قول سالم بن عبد الله، وطاووس، وسعيد بن جبير، والنخعي، وزاذان.
وبه قال أحمد بن حنبل، وإسحاق.
وكان أنس بن مالك يكره ذلك، وبه قال الحسن البصري.
__________
(1) "بالتسمية عند .. إلى قوله: إنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -" ساقط من الدار.

(8/195)


وقال الشعبى: إنما كره ذلك لأنه رديء.
قال أبو بكر: وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب حديثين.
(ح 1662) أحدهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يشرب الرجل وهو قائم".
(ح 1663) والحديث الثاني: أنه قال: "لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء".
قال أبو بكر: وليس للحديث الأول علة، وقد علل الخبر الثاني.
(ح 1664) وقد روينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - "أنه شرب قائماً من زمزم".
(ح 1665) وقال ابن عمر: "كنا نشرب ونحن قيام، ونأكل ونحن نمشي على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -".
وقد قال بعض أهل العلم: إن النهي عن الشرب قائماً

(8/196)


نهي اختيار، لأن الشرب جالساً أهدأ (1) وأمرأ من الشرب قائماً.
قال: ولو كان الشرب قائماً [2/ 328/ألف] يوجب مأثماً، ما شرب النبي- صلى الله عليه وسلم - قائماً.

3 - باب الشرب في آنية الذهب والفضة
قال أبو بكر:
(ح 1666) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشرب في آنية الذهب والففة، وعن الحرير، والديباج (2)، وقال: هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة".
(ح 1667) وقال: "إن الذي يشرب في إناء فضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم".
__________
(1) وفي الدار "أهنأ".
(2) "الذهب والفضة، وعن الحرير، والديباج" ساقط من الدار.

(8/197)


قال أبو بكر:
م 5383 - فالشرب في آنية الذهب والفضة محرم لنهي النبي- صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
وقال أبو هريرة: الذين يشربون في آنية الفضة إنما يجرجرون في بطونهم نار جهنم.
وقد روينا عن أنس أنه أتي بجام من ففة فيه خبيص، فحوله على رغيف، ثم أكله، وهذا قول سعيد بن جبير، وميسرة، وزاذان.
وقال شعبة: سألت معاوية بن قرة عن الشرب في قدح من فضة، فقال: لا بأس به.
قال أبو بكر: وهذا لا معنى له، وأحسن ما يوضع عليه قوله، أنّه لم يبلغه نهى النبي- صلى الله عليه وسلم - عنه.
م 5384 - وقد اختلفوا في الآنية المفضضة.
فكان ابن عمر لا يشرب في قدح فيه حلقة من فضة، ولا ضبة من فضة.
وكره (1) الشرب في المفضض علي بن الحسين رضي الله عنهما، وعطاء بن أي رباح، وسالم بن عبد الله، والمطلب بن عبد الله بن حنطب.
وكره الحسن البصري، ومحمد بن سيرين أن تضبب الأقداح بذهب أو ففة.
__________
(1) "وكره الشرب ... إلى قوله: والمطلب بن عبد الله بن حنطب" ساقط من الدار.

(8/198)


وقد روينا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: نُهي أن نضبب الآنية أو نحلقها بالفضة.
ورخصت طائفة في الشرب في [الإناء] (1) المفضض، وممن كان يشرب فيه سعيد بن جبير، وميسرة، وزاذان، وطاووس.
وكان عروة بن الزبير لا يشرب بإناء مضبب بفضة، ويشرب من قدح فيه حلقة من ورق.
وقيل لأحمد بن حنبل: أيشرب في قدح مفضض؟، قال: إذا لم يضع فمه على الفضة، فهو مثل العلم في الثوب.
وقال إسحاق كما قال، وقال- قد وضع عمر بن عبد العزيز فمه بين ضبتين، وبه قال أبو ثور.
قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشرب [2/ 328/ب] في آنية الذهب والفضة. والمفضض ليس بإناء من فضة ولا ذهب، وكذلك المضبب.
فالذي يحرم أن يشرب فيه ما نهى عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وليس بحرام ما لم يقع عليه النهي، ولو اتقى متق ما اتقاه ابن عمر كان حسنا، ولا يعصي من شرب فيما لم ينه عنه.

4 - باب الأنبذة التي كانت تنبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال أبو بكر:
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.

(8/199)


(ح 1668) في حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان ينبذ له في سقاء، فإن لم يوجد فتور من حجارة".
(ح 1669) وقالت عائشة رضي الله عنها: "كنا ننبذ لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - في سقاء
يُوكى عليه (1) أعلاه، وله غزلاء، ننبذه غدوة فيشربه عشياً، وننبذه عشياً فيشربه غدوة".
(ح 1670) وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان ينبذ له فيشربه من الغد ومن بعد الغد، فإذا كان اليوم الثالث أهريق".
قال أبو بكر:
م 5385 - أما ما (2) في حديث عائشة رحمها الله ورضي عنها، فالشراب في المدة التي ذكرناها يُشرب حلواً.
__________
(1) "عليه" ساقط من الدار.
(2) وفي الدار "أما في حديث عائشة".

(8/200)


وفي حديث ابن عباس يشربه من الغد، ومن بعد الغد، فإذا كان اليوم الثالث أهريق، يعني إذا على، وغير (1) جائز أن يظن أحد أن ذلك كان مسكراً، لأنه حُرِّم المُسكر، وقوله: أهريق، يعني ما على منه وحرم، لأنه نُهيَ عن إضاعة المال.

5 - باب النهي عن الخليطين
(ح 1671) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نهى عن البُسر والتمر أن يخلطا جميعاً، وعن
الزبيب والتمر أن يخلطا جميعاً".
(ح 1672) ونهى أن يجمع بين الرطب والبسر.
(ح 1673) وفي حديث أبي قتادة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجمعوا بين الزبيب والتمر ولا بين الزهو والرطب، وانتبذوا كل واحد منهما على حدة".
م 5386 - وقد اختلف أهل العلم فيما ذكرناه.
__________
(1) "وغير جائز أن يظن أحد ... إلى قوله: ونهى أن يجمع بين الرطب" ساقط من الدار.

(8/201)


فممن كان مذهبه أن يُنبذ كل واحد من ذلك على حدة أبو مسعود الأنصاري، وأنس بن مالك، وبمثل معناه قال جابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري.
وهذا مذهب طاوس، وعطاء. وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقد روينا [2/ 329/ألف] عن ابن عباس قولاً ثانياً: أنه كان يكره البسر وحده، وأن يجمع بينه وبين التمر، ولا يرى بالتمر والزبيب بأساً.
ويقول: حلال إن اجتمعا أو تفرقا.
وكان الحسن يكره أن يجمع بين التمر والزبيب.
وفيه قول ثالث وهو: أن لا بأس أن يخلطا نبيذ الزبيب ونبيذ التمر، ثم يشربان جميعاً، وإنما جاء الحديث في الكراهية أن ينبذا جميعاً، ثم يُشْربا، فذلك لأن أحدهما يشد صاحبه. هذا قول الليث بن سعد.
وقال ابن وهب- الراوي عن الليث هذه الحكاية-: وخالفه مالك فقال: لا أرى أن يخلط جميعاً لا عند شربه ولا عند انتباذه.
وقال سفيان الثوري في التمر والزبيب: لا بأس أن يجمعا إذا لم يسكر.
وذكر داود بن الزبرقان: أن أبا حنيفة سئل عن الخليطين

(8/202)


خليط البسر والتمر، والزبيب والتمر، فقال: حدثني حماد عن [إبراهيم] (1) أنه كان لا يرى بأساً.
قال أبو بكر: وبأخبار رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أقول. ولا تجوز معارضة أخبار رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ويجب أن يسلم لما جاء عن النبي- صلى الله عليه وسلم -.
وقال بعض من يخالف الأخبار: إذا حلا منفردين فليس بالجمع بينهما بأس.
قال: ولو عارض فهذا القائل معارض فقال ماله: إذا جاز نكاح المرأة ونكاح أختها منفردين فليس بالجمع بينهما بأس.
فإن قال: حرم الله جل ذكره الجمع بين الأختين. قيل: وكذلك حرم النبي- صلى الله عليه وسلم -[الجمع بين] (2) البسر والتمر أن يخلطا في حديث أبي قتادة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "انتبذوا كل واحد منهما على حدة".
والجواب في الجمع بين العمة وبنت أخيها، كالجواب في الجمع بين الأختين.
وقد بلغني عن الشافعي أنه سئل عن رجل شرب خليطين مُسكراً؟ فقال: هذا بمنزلة رجل أكل لحم خنزير ميت، فهو حرام
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.
(2) ما بين المعكوفين من الدار.

(8/203)


من جهتين: الخنزير حرام أكله، والميتة حرام أكلها. فلما اجتمع المعنيان في شيء واحد كان حراماً من جهتين.

6 - باب النهي عن الانتباذ في الدباء، والجرِّ، والنَّقير، والمزفت
قال أبو بكر:
(ح 1674) ثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "نهى عن الجر، والدباء، والنقير، والمزفّت، والحَنتم أن ينتبذ فيه".
" فأما الدبار: [2/ 329/ب] فإن أهل الطائف كانوا
يأخذون الدباء فيطرحون فيها عناقيد العنب، ثم يدفنوها حتى تهدر، ثم تموت.
وأما النقير: فإن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة، ثم يشدخون فيها الرطب والبسر، ثم يدعونه حتى يهدر، ثم يموت.
وأما الحنتم: فجرار خضر كانت تحمل إليهم.
قال أبو عبيد: أما الحديث فحمر، وأما في كلام العرب فخضر".

(8/204)


م 5387 - وقد اختلف أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم في نبيذ الأواني اللواتي ذكرناها.
فكان ابن عمر ينهى عن نبيذ الجرِّ والدبّاء.
وقال ابن عباس: لا تشربه وإن كان أحلى من العسل.
ونهى أبو هريرة عن نبيذ الجر، وروي معنى ذلك عن علي رضي الله عنه، وأنس بن مالك.
وكره مالك بن أنس أن ينبذ الرجل في المزفت والدباء، أو يطبخ فيه.
وقال أحمد بن حنبل، وقد سئل: ما يكره من الظروف؟
فقال: الذي نهي عنها الدباء، والحنتم. والنقير. وأحب إلي أن تتقى الأوعية كلها، وبه قال إسحاق.
وفيه قول ثان وهو: أن إباحة شرب نبيذ الجر رويت الرخصة فيه عن ابن مسعود، وقد كان يشرب نبيذ الجر.
وروي عن علي بن أبي طالب أنه كان ينبذ له نبيذ الَجّر أبيض.
ورويت الرخصة فيه عن قيس بن عباد، ومعقل بن يسار.
قال أبو بكر: وقد قال بكل قول من هذين القولين ناس من التابعين ومن تبعهم (1).
والذي به نقول: إن الأخبار التي رويناها عن النبي- صلى الله عليه وسلم - في نهيه عن الدباء، والحنتم، والنقر، والمزفت: أخبار صحاح ثابتة الأسانيد.
__________
(1) وفي الدار "ومن بعدهم".

(8/205)


وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك كما نهى عن زيارة القبور، ثم أذن فيه وفي زيارة القبور، وحرم كل مسكر.
[وكل شراب] (1) لا يسكر كثيرهُ، فهو حلال في أي جرة وظرف كان، إلا جلد ميتة، أو إناء نجس.
وكل شراب أسكر كثيره فالقليل منه حرام، في أي ظرف من هذه الظروف اتخذ، كالعسل لا يبالى في أي ظرف جعل، فهو حلال.
والمسكر محرم في أي إناء وسقاء كان.
(ح 1675) وفي حديث بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني كنت نهيتكم عن ثلاث،
وأنا آمركم بهن [2/ 330/ألف]، نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوها إلا في ظروف
__________
(1) ما بين المعكوفين من الدار.

(8/206)


الأدم، فاشربوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكراً، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوها (1) بعد ثلاث، فكلوها واستمتعوا بها في أسفاركم".
(ح 1676) وقال عبد الله بن مغفل: (2) "إني لآخذ بغصن من أغصان الشجرة التي بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس تحتها، فبايعناه على أن لا نَفِرَّ، وشهدته حين نهى عن نبيذ الجر، وشهدته حين أمر بشربه، وقال: اجتنبوا المسكر".

7 - باب تحريم الخمر (3)
قال أبو بكر: قال الله جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
(ح 1677) وثبت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - "حرم الخمر".
__________
(1) وفي الدار "أن تأكلوا منها".
(2) في الأصلين "عبد الله بن مغفل" والصواب ما أثبته، كما في مسند أحمد.
(3) وفي الدار "باب أبواب تحريم الخمر"

(8/207)


(ح 1678) وفي حديث ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الله لعن الخمر وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها وآكل ثمنها".
(ح 1679) وقال: "من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب منها، حرمها في الآخرة [فلم يُسقَها] ".

8 - باب ما يتخد منه الخمر وذكر تحريم ما أسكر من الأشربة كلها
قال أبو بكر:
(ح 1680) في حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة، والعنبة".
(ح 1681) وثبت (1) أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو مدمنها، لم يشربها في الآخرة".
__________
(1) "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... إلى قوله وثبت" ساقط من الدار.

(8/208)


(ح 1682) وروينا عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيرُه".
(ح 1683) وأنه قال: "ما أسكر الفَرْقُ منه، فملءُ (1) الكف منه حرامٌ".
وقال ابن عمر: "كل مسكر خمر"، وقال مرة: المسكر قليله وكثيره حرام.
م 5388 - وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: "كل مسكر حرام.
وهذا مذهب عطاء، وطاووس، ومجاهد، وقتادة، [2/ 330/ب] وعمر بن عبد العزيز.
وقال الحسن البصري: قليل الحمر وكثيرها سواء.
وهذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وأبي ثور.
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد رجلاً وجد منه ريح شراب.
وهذا مذهب ابن مسعود.
وقد روينا هذا القول عن جماعة من الأوائل.
__________
(1) وفي الدار "الفَرْقُ مثل الكف".

(8/209)


قال أبو بكر: وجاء أهل الكوفة بأخبار معلولة قد ذكرناها مع عللها في كتاب الأوسط.
فإذا اختلف الناس في الشيء وجب رد ذلك إلى كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فوجدنا الله عَزَّ وَجَلَّ قد حرم الخمر. فذلك على العموم، وحرم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قليل ما أسكر كثيره.
فوجب تحريم جميع الأشربة التي تسكر، لأنها داخلة في جملة الخمر.
ألا ترى إلى:
(ح 1684) قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: كلُّ مسكر خمر، وكلُّ خمر حرامٌ.

(8/210)


(ح 1685) و: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".
فلم يبق هذا الخبر مقالة لقائل، ولا حجة لمحتج.
فأما ما احتج به من روى عن بعض التابعين أنه شرب الشراب الذي يسكر كثيره: فللقوم ذنوب يستغفرون الله منها، وليس يخلو ذلك من أحد معنيين، إما مخطئ أخطأ في تأويل على حديث سمعة. أو رجل أتى ذنباً لعله أن يكثر الاستغفار منه.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الله على الأولين والآخرين من هذه الأمة.

9 - باب الطلاء
قال أبو بكر:
م 5389 - اختلف أهل العلم في الطلاء

(8/211)


فقال كثير من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأكثر أهل العلم: إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فشربه مباح. هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وبه قال علي بن أبي طالب، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ ابن جبل، وأبو طلحة، وأبو الدرداء، وأنس بن مالك.
وهو قول الحسن البصري، وعكرمة، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل.
وقال مالك: كنت أسمع إذا بقي له الثلث.
وهذا لا أعلمهم يختلفون في إباحة شربه، لأنه لا يسكر كثيره.
وفيه قول ثان: وهو قول من أباح أن يشرب على النصف، روينا هذا القول عن البراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبي جحيفة، وجرير.

(8/212)


وبه قال شريح، وعبيدة السلماني، وقيس بن أبي حازم، وابن الحنفية، وسعيد بن جبير، والنخعي.
وقال النعمان: ما طبخ [2/ 331/ألف] من العصير، فذهب ثلثاه فهو حلال.
وكان لا يرى بشرب النصف بأساً وبه قال يعقوب، وابن الحسن.
قال أبو بكر: والذي به نقول ظاهر قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:
(ح 1686) "ما أسكر كثيره فقليله حرام".
(ح 1687) وقوله: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام".
فإذا طبخ العصير وذهب منه الثلثان وبقي الثلث لم يسكر، وهذا مباح من الأشربة بإجماعهم.
وكل ما أسكر كثيره من ذلك من الأشربة، فهو حرام لظاهر قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.
وإذا كان الخمر عند من خالفنا لا يحل بالطبخ، فمعلوم أن الطبخ لا يحل حراما، والحلال من الأشربة ما لا يسكر كثيرُه.

(8/213)


10 - باب اتخاذ الخمر خلاً
قال أبو بكر:
م 5390 - اختلف أهل العلم في الخمر هل يجوز أن يعالج فيتخذ منه خلا أو لا يجوز.
فقالت طائفة: لا يجوز ذلك. روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبه قال الزهري.
وكرهت طائفة أن يتخذ العصير للخل، وقالت: لا يتخذ من العصر الخل، ولكن يصب الخل على العصير حتى يغلبه فلا يصير خمراً بحال. هذا مذهب أحمد بن حنبل، وبنحوه قال ابن المبارك.
وفيه قول ثان وهو: الرخصة في أن يتخذ الخمر خلا. هذا قول عطاء وعمرو بن دينار، وبه قال الحارث العكلي.
وقال مالك: لا أحب لمسلم ورث خمراً أن يحبسها يخللها، ولكن إن فسدت الخمر حتى تصير خلا، لم أر بأكلها بأسا.
وقال الليث بن سعد: لا أحرمه.
وقال النعمان: لا بأس أن يتخذ الخمر خلا.
م 5391 - وقد روينا عن جماعة من الأوائل أنهم اصطبغوا بخل الخمر، وليس في شيء من أخبارهم أن ذلك كان خمراً فاتخذ خلا، أو تحول الخمر خلا

(8/214)


من غير صنعة دخلت ذلك، أو كان عصراً فصب عليه من الخل ما يغلبه ولا يصير خمراً، ولكن جاءت الأخبار عنهم مبهمة.
روي هذا القول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبي الدرداء، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وابن عمر.
ورخص فيه ابن سيرين، والحسن البصري، [2/ 331/ب] وسعيد بن جبير.
وقد احتج غير واحد من أصحابنا في هذا الباب بحديث رويناه:
(ح 1688) عن أنس بن مالك "أن أبا طلحة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمراً فجعله خلاً؟ قال: لا فأهراقه".
قال أبو بكر: وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أنه حرم الخمر وثمن الخمر، وأمر بصبها مع نهيه عن إضاعة المال. فلو كان إلى اتخاذ الخمر خلا سبيل لأمر بذلك وأذن لأبي طلحة فيه، لأن حياطة اليتيم تجب، ويحرم تضييع ماله، إذ في حفظ ماله الصلاح وفي إضاعة ماله المأثم. فلما أمر بصبها دل على أنها ليست بمال، لأن من كان له مال فأتلفه كان مضيِّعاً لماله. ففي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإهراقه الخمر، أبين البيان على أنها ليس بمال يجوز الانتفاع به.

(8/215)


11 - باب شرب الفُقّاع (1)
قال أبو بكر:
م 5392 - قد ذكرنا فيما مضى أن الأشياء مباحة حتى توجد حجة في تحريم شيء بعينه، فيحرم ذلك الشي.
والفقاع مباح من وجوه:
أحدها: أنا لا نعلم في تحريمه حجة.
والثاني: أن الاستكثار منه لا يسكر.
والثالث: أنه إن ترك فسد على ما قيل لي.
وقد كان أحمد، وإسحاق يرخصان فيه.

(8/216)