الإقناع
لابن المنذر كتاب الوديعة
قَالَ اللَّه جل ذكره: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] .
والأمانات يجب أداؤها إِلَى الأبرار والفجار، وعلى المودع حفظ الوديعة
وإحرازها، وليس عليه غرم فيما تلف من الحرز.
وإذا كانت الوديعة دراهم فاختلطت بدراهم المودع فلا ضمان عليه، وإن خلطها
المودع بدراهم ولم يتميز فتلفت ضمن.
وإذا قَالَ المودع: ضاعت الوديعة وأنكر ذَلِكَ، فالقول قول المودع مع
يمينه، وكذلك القول، قوله إذا قَالَ: رددتها عليك وأنكر ذَلِكَ ربها.
وإذا أخرج المودع الوديعة من مكانها ثم ردها إِلَى حيث كانت لغير عذر وتلفت
ضمن.
وأجمع أهل العلم عَلَى أن المودع ممنوع من استعمال الوديعة ومن إتلافها،
وعلى إباحة استعمال الوديعة بإذن مالكها.
وإذا تعدى المودع فِي الوديعة واشترى بها شيئا نظر، فإن اشترى السلعة بعين
المال فالشراء فاسد، ولم يملك السلعة، فإن اشترى السلعة بغير عينها فالشراء
صحيح، ويضمن مثل المال الذي أتلف والربح لَهُ، وإن كانت الوديعة دابة فأنفق
عَلَيْهَا المودع بغير إذن ربها لم يرجع بشيء لأنه متطوع.
(2/405)
كتاب العارية
أجمع أهل العلم عَلَى أن المستعير لا يملك بالعارية الشيء المستعار، وعلى
أن لَهُ أن يستعمل مَا استعار فيما أذن لَهُ أن يستعمله فِيهِ، وعلى أن
المستعير إن أتلف الشيء المستعار أن عليه ضمانه، كل هذا مجمع عليه،
واختلفوا فِي وجوب الضمان عليه إن تلفت العارية من غير جناية.
لا يضمن عندي لأني لا أعلم لمن ضمنه حجة أخبار صفوان مختلف فِي أسانديها،
ومتونها، لا تقوم بها الحجة.
(2/406)
وإذا استعار الرجل من الرجل الأرض عَلَى أن
يغرس فيها ويبني، ولم يوقت فيها وقتًا، أو وقت وقتًا، فلرب الأرض إخراجه
منها متى شاء، وليس عَلَى رب الأرض قيمة البناء وَلا الغرس، وَلا أعلم مع
من أوجب قيمة الغراس والبناء عَلَى رب الأرض حجة، وإذا استعار رجل من رجل
دابة فقضى حاجته ثم ردها ولم يلق صاحبها فربطها فِي معلف صاحبها، وتلفت ضمن
لأن عليه أن يردها إِلَى من أخذها منه، أو عَلَى من يقوم مقامه.
وإذا قَالَ المستعير: أعرتني الدابة إِلَى بلد كذا، وقال رب الدابة: بل
أعرتك عَلَى بلد كذا، فالقول قول رب الدابة، وعليه كراء المثل فيما ركب مما
زاد عَلَى مَا أقر به رب الدابة.
وإذا قَالَ المستعير: أعرتني.
وقال رب الدابة: أكريتك.
فالقول قول رب الدابة وعليه كراء المثل فيما ركب.
(2/407)
كتاب اللقطة
135 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،
وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، أَنَّ
رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَهُمْ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى
الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ:
أَتَى رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا
مَعَهُ فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا
وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلا
فَشَأْنُكَ بِهَا» .
قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ
(2/409)
لِلذِّئْبِ» .
قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: «مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا
تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا»
وبهذا نقول، وَلا فرق عندي بين اللقطة اليسيرة أو الكثيرة إلا مثل التمرة
التي قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لولا أن تكون
صدقة لأكلتها» .
والذي نرى أن تعرف اللقطة إذا وجدت بغير مكة سنة عَلَى ظاهر حديث زيد بن
خالد، ثم لَهُ إذا عرفها سنة ولم يأت صاحبها الانتفاع بها، لقول النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وإلا فشأنك بها» .
لا فرق بين الموسر والمعسر فِيهِ، وله أن يتصدق بها، وله أن يمسكها لا
ينتفع بها وَلا يتصدق، فمن انتفع بها أو تصدق بها ثم جَاءَ صاحبها ضمن لَهُ
مثلها إن كَانَ لها مثل، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل، وله أن يعرفها فِي
كل موضع إلا فِي المساجد، لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وقد سمع رجلا ينشد ضالة: «لا أداها اللَّه إليك، فإن المساجد لم
تبن لهذا» .
ويشهد عَلَى
(2/410)
اللقطة ذوي عدل وَلا يكتم وَلا يغيب.
وإذا جَاءَ من يخبر بصفتها وجب دفعها إليه للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها
ووكائها فادفعها إليه» .
والعفاص الوكاء والطرف التي تكون فِيهِ النفقة، والوكاء: الخيط الذي يشد
به.
وإذا أخذ المرء اللقطة ليحفظها عَلَى ربها فضاعت فلا ضمان عليه، وإن أخرها
ليذهب بها فضاعت ضمن، وَلا يجوز أخذ ضالة الإبل أين وجدها من الأرض، وكذلك
ضالة البقر، فأما ضالة الغنم توجد بالبراري فمباح أخذها، وليس لَهُ أن يأخذ
مَا يجد بالقرى منها، لأنه سبق قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لك أو لأخيك أو للذئب» .
دليل عَلَى أن الذي أبيح من أخذها، مَا يوجد حيث تكون الذئاب.
وإذا وجد رجل ضالة أو التقط لقطة فجاء بها إِلَى صاحبها، وطلب جعلا فلا شيء
لَهُ كَانَ الواجد ممن يعرف بطلب الضوال أو لم يكن كذلك.
وإذا وجد رجل عنبرًا عَلَى ساحل البحر أخذها وَلا شيء عليه فيها
(2/411)
كتاب اللقيط
حر عند عوام أهل العلم وحكمه حكم المسلمين إذا وجد فِي بلاد الإسلام، وليس
عَلَى الذي وجد اللقيط نفقته، فإن أنفق عليه بغير أمر حاكم فهو متطوع وَلا
شيء لَهُ، وإن أنفق عليه بأمر الإمام ففي قول: الثَّوْرِيّ، والشافعي،
والكوفي، يلزم ذَلِكَ اللقيط إذا بلغ وكانت النفقة بالمعروف.
وإذا كَانَ اللقيط حيث لا إمام فِيهِ وجب عَلَى المسلمين إحياؤه، فإذا
أحيوه لم يرجعوا عليه بشيء منه، فإذا ادعى الذي التقطه أنه ابنه لحق به،
ولو ادعت امرأة أن اللقيط ابنها لم يقبل قولها فِي قول: الثَّوْرِيّ،
والشافعي، والكوفي، وإذا ادعى الذي وجده أنه عبده لم يقبل منه قوله لأن
اللقيط حر.
وإذا قتل اللقيط فأمره إِلَى الإمام إن شاء قتل قاتله، وإن شاء أخذ ديته
ووضعه فِي بيت المال، لأن السلطان ولي من لا ولي لَهُ، وإذا قتل اللقيط
خطأ، فعلى عاقلة القاتل دية توضع فِي بيت المال.
وإذا مات اللقيط قبل أن يبلغ فميراثه فِي بيت مال المسلمين يصرفه الإمام
حيث يجب، فإن بلغ ونكح وولد لَهُ ثم مات، فميراثه بين ورثته عَلَى فرائض
اللَّه، وإذا وجد مَعَهُ مال فهو لَهُ.
(2/412)
باب أحكام الإباق
136 - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَشَفَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فِي الدُّنْيَا،
كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ»
فمن معونة المسلم أخاه المسلم حفظ عبيده عليه، وما خاف عليه أن يضيع من
أمواله، وإذا كَانَ ذَلِكَ واجبًا عليه فلا جعل لَهُ فيما يجب عليه أن يقوم
به.
وإذا قَالَ الرجل: من جَاءَ بعبد فلان الآبق فله دينار، فجاء به رجل فله
دينار، وإذا أخذ عبدًا آبقًا ليرده إِلَى مولاه فهو متطوع، وَلا يرجع عليه
بشيء.
وإذا أعتق الرجل عبده الآبق وقع عليه العتق، وإذا جنى العبد الآبق أو جني
عليه أو قذف أو زنى أو سرق أو شرب الخمر حكم عليه فِي جميع مَا ذكرناه
كالحكم عَلَى من ليس بآبق.
(2/413)
|