الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف

§جِمَاعُ أَبْوَابِ الْأَمَانِ

(11/255)


§ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ دَمَ الْكَافِرِ يَحْرُمُ بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْأَمَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَامَّةِ غَيْرَ الْإِمَامِ

(11/255)


6657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، وَأَبُو خَالِدٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَجَارَ رَجُلًا وَهُوَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عَمْرٌو -[256]- وَخَالِدٌ: لَا يُجِيرُ مَنْ أَجَارَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بَلَى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ "

(11/255)


6658 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ "

(11/256)


§ذِكْرُ خَبَرٍ يُوَافِقُ ظَاهِرَ خَبَرِ أَبِي عُبَيْدَةَ بِإِجَازَةِ أَمَانِ كُلِّ مُسْلِمٍ كَانَ أَدْنَاهُمْ أَوْ أَفْضَلَهُمْ

(11/256)


6659 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَقْصَاهُمْ "

(11/256)


§ذِكْرُ إِجَازَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ

(11/257)


6660 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى عَلِيٍّ أَنَا وَرَجُلٌ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا بِمَ يَعْهَدُهُ إِلَى أَحَدٍ ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مَا فِي قِرَابِي هَذَا، قَالَ: فَأَخْرَجَ كِتَابًا، فَإِذَا فِي كِتَابِهِ ذَلِكَ: " §الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوِ آوَى مُحْدِثًا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ "

(11/257)


6661 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ §مَا كَانَ حَلِيفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، تُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدِهِمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُؤْمِنِ، وَلَا جَنَبَ وَلَا جَلَبَ ، وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ "

(11/257)


6662 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عِنْدَنَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابٍ شَيْءٌ إِلَّا كِتَابَ اللهِ، وَشَيْءٌ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ: " §ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ " قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَالْعَدْلُ: هِيَ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، وَالصَّرْفُ: صَلَاةُ التَّطَوُّعِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَيُقَالُ: الْعَدْلُ: الْفِدْيَةُ، وَالصَّرْفُ: التَّوْبَةُ

(11/258)


§ذِكْرُ أَمَانِ الْعَبْدِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ أَمَانَ وَالِي الْجَيْشِ أَوِ الرَّجُلِ الْحُرِّ الَّذِي يُقَاتِلُ جَائِزٌ عَلَى جَمْعِهِمْ . وَاخْتَلَفُوا فِي أَمَانِ الْعَبْدِ فَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ، مِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:

(11/258)


6663 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَالِ، قَالَ: حَدَّثَنِي فُضَيْلٌ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: حَاصَرْنَا حِصْنًا يُقَالُ لَهُ: صَهْرَتَاجُ، فَحَاصَرْنَاهُمْ، فَقُلْنَا: نَرُوحُ إِلَيْهِمْ، فَكَتَبَ عَبْدٌ مِنِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَهْمٍ فِي أَمَانِهِمْ، فَرَمَى بِهِ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجْنَا إِلَيْهِمْ فِي مَوَانِهِ إِلَيْنَا فَكَفَفْنَا عَنْهُمْ، وَكَتَبْنَا فِي ذَلِكَ -[259]- إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ: " §أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ، أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ذِمَّتُهُ ذِمَّتُهُمْ فَوفَّيْنَا لَهُمْ " وَمِمَّنْ أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ وَلَمْ يَشْرِطْ كَانَ مِمَّنْ يُقَاتِلُ أَوْ لَمْ يَكُنْ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَرَى أَنْ يُجَازَ جِوَارُهُ، أَوْ رُدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَانُ الْعَبْدِ إِذَا كَانَ يُقَاتِلُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقَاتِلُ، وَإِنَّمَا يَخْدِمُ مَوْلَاهُ، فَأَمَّنَهُمْ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمَانًا لَهُمْ، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ، وَيَعْقُوبَ، ثُمَّ قَالَا: وَأَمَّا الْأَجِيرُ، أَوِ الْوَكِيلُ، أَوِ الْمُسْتَوْفِي إِذَا كَانُوا أَحْرَارًا، فَأَمَانُهُمْ جَائِزٌ، قَاتِلُوا، أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّازِمُ إِذَا كَانَ يُجِيزُونَ أَمَانَ الْأَجِيرِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَكَانَ فِي خِدْمَةِ صَاحِبِهِ، أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ أَمَانُ الْعَبْدِ يَلْزَمُ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي الْعَبْدِ أَنْ يُقَاتِلَ، فَالْأَجِيرُ الَّذِي لَا يُقَاتِلُ، لَمْ يَجُزْ أَمَانُهُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِظَاهِرِ خَبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقُولُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ " قَوْلُهُ: " يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ " وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ قَاتَلَ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَكَذَلِكَ لَمَّا أَجَازَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَانَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، لَمْ يَذْكُرْ قَاتَلَ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ -[260]- فَرْقٌ لَذَكَرَهُ، وَهُمْ قَدْ يُجِيزُونَ أَمَانَ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ، وَأَمَانَ الرَّجُلِ الْمَرِيضِ، وَالْجَبَانِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا، وَقَوْلُهُمْ: خَارِجٌ عَنْ ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، مُخَالِفٌ لَهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ

(11/258)


§ذِكْرُ أَمَانِ الْمَرْأَةِ

(11/260)


6664 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ ابْنَةَ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلَى أَنَّهُ قَاتِلٌ مَنْ أَجَرْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ "

(11/260)


6665 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِذَلِكَ

6666 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي مُرَّة مولى عقيل بن أبي طالب، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَجَرْتُ حَمْوَيْنِ لِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَتَفَلَّتَ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا، وَقَالَ: لَمْ تُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ، لَا تَقْتُلْهُمَا حَتَّى تَبْدَأَ بِي قَبْلَهُمَا، فَخَرَجْتُ، وَقُلْتُ: أَغْلِقُوا دُونَهُ الْبَابَ، -[261]- وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " مَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ §أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتَ، وَأَجَرَنَا مَنْ أَجَرْتَ "

(11/260)


6667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، أُسِرَ بِطَرِيقِ الشَّامِ، فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا قَدْ §أَجَرْنَا مَنْ أَجَارَتْ "

(11/261)


§ذِكْرُ مَا حَفِظْنَاهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ أَجْمَعَ عَامَّةُ مَنْ تَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ جَائِزٌ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ " فَيَجُوزُ

(11/261)


6668 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَأْخُذُ عَلَى الْقَوْمِ تَقُولُ: " §تُجِيرُ عَلَيْهِمْ " -[262]- وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . وَكَذَلِكَ نَقُولُ: وَدَلَّتِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ إِجَارَةُ أُمِّ هَانِئٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمْضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا ذَلِكَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، إِلَّا شَيْئًا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ صَاحِبُ مَالِكٍ، لَا أَحْفَظُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، سُئِلَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنِ الْأَمَانِ إِلَى مَنْ هُوَ ؟ فَقَالَ: ذَاكَ إِلَى الْأَئِمَّةِ، وَوَالِي الْجَيْشِ، وَوَالِي السَّرِيَّةِ، وَالْجَيْشِ، قِيلَ: فَمَا جَاءَ أَنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَمَا جَاءَ مِنْ أَمْرِ أُمِّ هَانِئٍ، وَمَنْ أَجَارَتْ، فَقَالَ: لَعَلَّ الَّذِي جَاءَ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ بَعْدَمَا بَاتَتْ وُجُوهُهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَوْلَى، وَهُوَ الْمُصْلِحُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَاصَّةً، فَأَمَّا أَمْرُ الْأَمَانِ، فَهُوَ إِلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ فِيمَا أَعْلَمُ مِنْ أَعْظَمِ مَا اسْتَعْمَلَ لَهُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتْرُكُ ظَاهِرَ الْأَخْبَارِ بِأَنْ يُكَرِّرَ " لَعَلَّ " فِي كَلَامِهِ، وَقَلَّ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ يَحْتَمِلُ " لَعَلَّ " وَتَرْكُ ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْعِلَلِ، وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ "، دَلِيلٌ عَلَى إِغْفَالِ هَذَا الْقَائِلِ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ خِلَافُ خَبَرِ أُمِّ هَانِئٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخِلَافُ قَوْلِ عَائِشَةَ، وَخِلَافُ مَا قَالَ أُسْتَاذُهُ مَالِكٌ، وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ، وَبِخَبَرِ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، كَانَ يَجُوزُ

(11/261)


§ذِكْرُ أَمَانِ الذِّمِّيِّ أَجْمَعَ أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَمَانَ الذِّمِّيِّ لَا يَجُوزُ، كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ " كَالدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يُجِيرُ عَلَيْهِمْ، لَكَانَ مَذْهَبًا . وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَشْيَاخًا يَقُولُونَ: لَا جِوَارَ لِلصَّبِيِّ، وَالْمُعَاهِدِ، فَإِنْ أَجَارُوا، فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ، فَإِنْ أَحَبَّ أَمْضَى جِوَارَهُمْ، وَإِنْ أَحَبَّ رَدَّهُ، فَإِنْ أَمْضَاهُ، فَهُوَ مَاضٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْضِهِ تَعَيَّنَ رَدَّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ . وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ غَزَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَجْرَاهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ

(11/263)


§ذِكْرُ أَمَانِ الصَّبِيِّ وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَمَانَ الصَّبِيِّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَمِمَّنْ حَفِظْتُ عَنْهُ ذَلِكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ

(11/263)


§ذِكْرُ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ

(11/264)


6669 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " §وَاللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ، أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى مُشْرِكٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَتَلَهُ لَقَتَلْتُهُ بِهِ " وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: الْإِشَارَةُ بِالْأَمَانِ أَمَانٌ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ، قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَمْ أُؤَمِّنْهُمْ بِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا، فَلَيْسُوا بِآمِنِينَ، إِلَّا أَنْ يُجَدِّدَ لَهُمُ الْوَالِي أَمَانًا، وَعَلَى الْوَالِي إِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ، أَوْ قَالَ: وَهُوَ حَيُّ لَمْ أُؤَمِّنْهُمْ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى مَأْمَنِهِمْ، وَيَنْبِذَ إِلَيْهِمْ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْإِشَارَةُ بِالْأَمَانِ إِذَا فُهِمَ عَنِ الْمُشِيرِ، يَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَشَارَ إِلَى الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْقُعُودِ، فَقَعَدُوا

(11/264)


§ذِكْرُ إِعْطَاءِ الْأَمَانِ بِأَيِّ لُغَةٍ تُفْهَمُ أَعْطُوا بِهَا الْأَمَانَ

(11/264)


6670 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، -[265]- حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَنَحْنُ مُحَاصِرُوا قَصْرٍ، فَقَالَ: " §إِذَا حَاصَرْتُمْ قَصْرًا، فَلَا تَقُولُوا لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللهِ وَحُكْمِنَا، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا حُكْمُ اللهِ، وَلَكِنِ انْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ، ثُمَّ احكُمُوا فِيهِمْ مَا شِئْتُمْ، وَإِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ، فَقَالَ: مَتْرَسْ ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِذَا قَالَ: لَا تَخَفْ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِذَا قَالَ: لَا تَدْهَلْ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ "

(11/264)


6671 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ أَبُو مُوسَى تُسْتَرَ، §وَأَتَى بِالْهُرْمُزَانِ أَسِيرًا، فَقَدِمْتُ بِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَكَلَّمْ، فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: بِلِسَانِ مَيِّتٍ أَتَكَلَّمُ أَمْ بِلِسَانِ حَيٍّ ؟ فَقَالَ: تَكَلَّمْ، فَلَا بَأْسَ، فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعَاشِرَ الْعَرَبِ كَفَانَا مَا خَلَّى اللهُ بَيْنَنَا، وَبَيْنَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَكُمْ بِنَا يَدَانِ، فَلَمَّا كَانَ اللهُ مَعَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَنَا لَكُمْ يَدَانِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: كَانَ اللهُ مَعَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ قَدْ أَمَّنْتُهُ، قَالَ: كَلَّا، وَلَكِنَّكَ ارْتَشَيْتَ مِنْهُ، وَفَعَلْتَ، وَفَعَلْتَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَيْسَ إِلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أَسْتَحْيِيهِ بَعْدَ قَتْلِهِ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، وَمَجْزَأَةَ بْنَ ثَوْرٍ، ثُمَّ قَالَ: هَاتِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا تَقُولُ، فَقَالَ -[266]- الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: قَدْ قُلْتُ لَهُ تَكَلَّمْ، فَلَا بَأْسَ، فَدَرَأَ عَنْهُ عُمَرُ الْقَتْلَ، وَأَسْلَمَ، فَفَرَضَ لَهُ مِنَ الْعَطَاءِ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ أَلْفَيْنِ، شَكَّ هُشَيْمٌ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَذَكَرَ مَالِكٌ قِصَّةَ الْهُرْمُزَانِ مُخْتَصَرًا، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سُئِلَ أَظُنُّهُ الثَّوْرِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الْعِلْجَ، فَيَقُولُ لَهُ: قُمْ، أَوْ أَلْقِ سِلَاحَكَ، فَفَعَلَ، قَالَ: رَفَعَ عَنْهُ الْقَتْلَ، أَوْ يُلْقَى فِي الْمُقْسِمِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ، كَأَنَّهُ قَدْ أَمَّنَهُ لِهَذَا الْقَوْلِ، قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ . وَقَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ، فَهُوَ أَمَانٌ . قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ: إِذَا قَالَ: قِفْ، أَوْ قُمْ، أَوْ أَلْقِ سِلَاحَكَ، وَنَحْوَ هَذَا بِلِسَانِهِ أَوْ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَوَقَفَ، فَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ، وَيُبَاعُ إِلَّا أَنْ يِدَّعِيَ أَمَانًا، وَيَقُولُ: إِنَّمَا رَجَعْتُ، أَوْ وَقَفْتُ لِنِدَاكَ، فَهُوَ آمِنٌ، وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِعِلْجٍ، وَهُوَ فِي حِصْنِهِ: اخْرُجْ، فَخَرَجَ، قَالَ: لَا تَعْرِضْ لَهُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ: أَنْتَ آمِنٌ، أَوْ قَالَ: قَدْ أَمَّنْتُكَ، أَوْ قَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، أَوْ قَالَ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: مَتْرَسْ، أَوَ قَدْ أَمِنْتَ، فَهُوَ آمِنٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ

(11/265)


§ذِكْرُ أَمَانِ الْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ فِي أَمَانِ الْأَسِيرِ، وَالتَّاجِرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضَ الْحَرْبَ يْؤَمِّنَانِ الْمُشْرِكِينَ: لَا يَجُوزُ أَمَانُهُمَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ . -[267]- وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَمَانِ الْأَجِيرِ جَائِزٌ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: لَوْ أَنَّ أَسْرَى فِي عَمُّورِيَّةَ نَزَلَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونِ، فَقَالَ الْأَسْرَى: أَنْتُمْ آمِنُونَ يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ الْقُرْبَةَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: يَرْحَلُونَ عَنْهُمْ

(11/266)


§ذِكْرُ الْمُشْرِكِ يَطْلُبُ الْأَمَانَ لَيَسْمَعَ كِتَابَ اللهِ، وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، أَيُرَدُّ هَذَا، وَمَنْ أَشْبَهَهُ إِلَى مَأْمَنِهِ قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } [التوبة: 6] الْآيَةَ . رُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: { حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ } [التوبة: 6] أَيْ كِتَابَ اللهِ، فَإِنْ أَمِنَ، فَهُوَ الَّذِي دَنَا إِلَيْهِ، وَإِنْ أَبَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ: إِذَا قَالَ حَيْثُ أَسْمَعُ كَلَامَ اللهِ لَمْ يُؤْذَنْ بِحَرْبٍ، حَتَّى يُسْمَعَ مَا حَالُهُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى النَّاسِ . وَرُوِّينَا عَنْ مَكْحُولٍ مِثْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ: " { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } [التوبة: 6] الْآيَةَ، وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَمَا كَانَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ،

(11/267)


أَوْ حَيْثُ مَا اتَّصَلَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ قَرَبَ ذَلِكَ أَوْ بَعُدَ، قَالَ: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ مِنْكَ، أَوْ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ عَلَى دِينِكَ مِمَّنْ يُطِيعُكَ، لَا أَمَانَةَ مِنْ غَيْرِكَ مِنْ عَدُوِّكَ أَوْ عَدُوِّهِ الَّذِي لَا يَأْمَنُهُ وَلَا يُطِيعُكَ، فَإِذَا أَبْلَغَهُ الْإِمَامُ أَدْنَى بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا فَقَدْ بَلَّغَهُ مَأْمَنَهُ الَّذِي كَلَّفَهُ، إِذَا أَخْرَجَهُ سَالِمًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ عَهْدِهِمْ، قَالَ: فَإِنْ قُطِعَ بِهِ بِلَادَنَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ كُلِّفَ الْمَشْيَ وَرَدَّهُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَإِنْ عَرَضَ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كُلِّفَ الْمَشْيَ وَزُوِّدَ، أَوْ حُمِّلَ وَلَمْ يَقِرَّ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَأُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ عَشِيرَتُهُ الَّتِي يَأْمَنُ فِيهَا بَعِيدًا، فَأَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ أَبْعَدَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَأْمَنَانِ، فَعَلَى الْإِمَامِ إِلْحَاقُهُ بِحَيْثُ كَانَ يَسْكُنُ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِلَادَا شِرْكٍ يَسْكُنْهُمَا مَعًا، أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَمَتَى سَأَلَهُ أَنْ يُجِيرَهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ، ثُمَّ يُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ وَغَيْرَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ مَوْضِعَهُ الَّذِي اسْتَأْمَنَهُ مِنْهُ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ

(11/268)


§ذِكْرُ الْحَرْبِيِّ يُصَابُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: جِئْتُ مُسْتَأْمَنًا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْحَرْبِيِّ يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَيَقُولُ: جِئْتُ مُسْتَأْمَنًا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا وُجِدَ لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ فَأَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ، إِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَحْيَاهُ،

(11/268)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا قَالَ: جِئْتُ رَسُولًا، أَوْ نُرِيدُ إِلَى إِمَامِكُمْ إِنْ وُجِدَ ظَاهِرًا، وَكَانَ مَعَهُ كِتَابٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَهُوَ آمِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ كِتَابٌ، وَقَالَ: جِئْتُ رَسُولًا، قَالَ: إِنْ وُجِدَ ظَاهِرًا أُمِّنَ أَوْ رُدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَقَدْ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ ؟ فَعَلَى الْقَاتِلِ دِيَتُهُ . وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، وَقَالَ: جِئْتُ رَسُولًا مُبَلِّغًا، قَبْلَ مِنْهُ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ، فَإِنِ ارْتَبْتَ بِهِ حُلِّفَ، فَإِذَا حَلَفَ تُرِكَ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ سِلَاحٌ، وَكَانَ مُنْفَرِدًا لَيْسَ فِي جَمَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِثْلُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ . قَالَ: وَإِذَا أَتَى الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ، عَقَدَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَرَادَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ، فَهَذِهِ الدَّارُ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِمُؤْمِنٍ، أَوْ مُعْطِي الْجِزْيَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قِيلَ لَهُ: أَدِّ الْجِزْيَةَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ إِلَى مَأْمَنِكَ، فَإِنِ اسْتُنْظِرَ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَلَّا يُنْظَرَ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللهَ جَعَلَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسِيحُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُجْعَلُ لَهُ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ الْحَوْلُ ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ فِي حَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَلَا يُنْظَرُ، إِلَّا دُونَ الْحَوْلِ، وَإِذَا دَخَلَ الْقَوْمُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِتِجَارَةٍ ظَاهِرِينَ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ حَالَ هَؤُلَاءِ حَالُ مَنْ لَمْ يَزَلْ يُؤَمَّنُ مِنَ التُّجَّارِ، وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ مُشْرِكًا، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مَالِهِ، وَلَوْ قَاتَلَ فَأُسِرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُوَ فَيْءٌ وَمَالُهُ، وَلَا سَبِيلَ عَلَى دَمِهِ لِلْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَسْلَمَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ، أَحْرَزَ لَهُ إِسْلَامُهُ

(11/269)


دَمَهُ وَمَالَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رِقٌّ، وَهَكَذَا إِنْ صَلَّى فَالصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ، أَمْسَكَ عَنْهُ . وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي الرَّجُلِ يُوجَدُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ عَهْدٍ: إِذَا جَاءَ عَلَى وَجْهِ فِدَاءِ أُسَارَى، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، رُدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي رَجُلٍ دَخَلَ أَرْضَ الْمُسْلِمِينَ تَاجِرًا: لَا يُقْتَلُ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالُهُ . وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أُخِذَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ عَهْدٍ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، إِذَا قَالَ: جِئْتُ أَسْتَأْمَنُ . وَقَالَ النُّعْمَانُ وَيَعْقُوبُ: إِذَا قَالَ: أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ إِلَى وَالِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ دَخَلْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولٌ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَصَارَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُ هَدَايَا، فَذَكَرَ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ أَرْسَلَ بِهَا مَعَهُ هَدِيَّةً إِلَى وَالِي الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَصَارَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ فَهُوَ آمِنٌ كَانَ دَخَلَ بِأَمَانٍ أَوْ غَيْرِ أَمَانٍ، وَلَا يَعْرِضُ لَهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ مَتَاعًا، أَوْ سِلَاحًا، أَوْ رَقِيقًا، فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ لِوَالِي الْمُسْلِمِينَ . وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْعِلْجِ يُلْقَى فِي بِلَادِ الرُّومِ مُحْتَمِلًا إِلَيْنَا، فَإِذَا أُخِذَ قَالَ: جِئْتُ أَطْلُبُ الْأَمَانَ، أَتَرَى أَنْ تُصَدِّقَ ؟ قَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ وَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَرَ اللهُ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدِّيَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ، فَمَنْ وُجِدَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ، أَوْ إِنَّهُ دَخَلَ بِأَمَانٍ، سُئِلَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَقَامَهَا حَقَنَ دَمَهُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَإِنْ لَمْ

(11/270)


يُقِمْهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ، يُظْفَرُ بِهِمْ، إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَرَقَّ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ قَالَ مَنْ خَالَفَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي دِينِ أَهْلِ الشِّرْكِ، إِنَّ دَمَهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْأَصْلِ، حَتَّى يُعْلَمَ انْتِقَالُهُ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فَكَذَلِكَ هَذَا الْحَرْبِيُّ دَمُهُ مُبَاحٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ يُوجَدُ، حَتَّى يُعْلَمَ لَهُ حَالَةٌ يَجِبُ الْوُقُوفُ عَنْ قَتْلِهِ بِهَا

(11/271)


§ذِكْرُ أَمَانِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ ثُمَّ يَخْفَى وَيَشْتَبِهُ ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلْجِ يُشْرِفُ مِنْ حِصْنٍ، فَيُؤَمَّنُ، ثُمَّ لَمَّا فُتِحَ الْبَابُ، ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ الَّذِي أُمِّنَ . فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَنَقَضَ بَعْضُهُمُ الصُّلْحَ، وَاخْتَلَطُوا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ لَمْ يَغْدِرْ، وَقَدْ كَانَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ اعْتَزَلَتْ، أَمْسَكَ عَنْ كُلِّ مَنْ شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَمْ يَسُبَّ ذُرِّيَّتَهُ، وَلَمْ يَغْنَمْ مَالَهُ، وَقَتَلَ وَسَبَى ذُرِّيَّةَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَدَرَ، وَغَنَمَ مَالَهُ " . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِهِ: " أَمْسَكَ عَنْ كُلِّ مَنْ شَكَّ فِيهِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ، مَا يَجِبُ الْوُقُوفُ عَنْ قَتْلِ جَمِيعِ أَهْلِ الْحِصْنِ إِذَا خَفِيَ الَّذِي أُمِّنَ بِعَيْنِهِ .

(11/271)


وَحُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي حِصْنٍ نَزَلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ فَتَحُوا الْحِصْنَ، فَادَّعَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ الَّذِي أَسْلَمَ وَهُمْ عَشْرَةٌ، قَالَ: يَسْعَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي قِيمَتِهِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ، وَيُتْرَكُ لَهُ عُشْرُ قِيمَتِهِ

(11/272)


§ذِكْرُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بِهَا مَالٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بِهَا مَالٌ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ . فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُتْرَكُ لَهُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَرَقِيقِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَوَلَدٍ صِغَارٍ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ فَهُوَ فَيْءٌ، وَامْرَأَتُهُ فَيْءٌ إِذَا كَانَتْ كَافِرَةً، وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى فَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ . وَخَالَفَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، فَقَالَ: كَانَتْ مَكَّةُ دَارَ حَرْبٍ ظَهَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فَلَمْ يَقْبِضْ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارًا، وَلَا أَرْضًا، وَلَا امْرَأَةً، وَأَمَّنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَعَفَا عَنْهُمْ، وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ وَالْأَوْزَاعِيَّ فِي قَوْلِهِ، وَخَالَفَهُ فِي الْحُجَّةِ، فَقَالَ: قَوْلُ الْأَوْزَاعِيُّ، كَمَا قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ، سَيَأْتِي احْتِجَاجُهُ بِمَكَّةَ، قَالَ: وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا أَنَّ ابْنَيْ شُعْبَةَ الْقُرَظِيَّانِ خَرَجَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَسْلَمَا، فَأَحْرَزَ لَهُمَا إِسْلَامَهُمَا دِمَاءَهُمَا، وَجَمِيعَ أَمْوَالِهِمَا مِنَ النَّخْلِ وَالدُّورِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ .

(11/272)


قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَغْنُومًا بِحَالٍ، فَأَمَّا وَلَدُهُ الْكِبَارُ وَزَوْجَتُهُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَجْرِي عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْقَتْلِ وَ السَّبْيِ، وَإِنَّ سُبِيَتِ امْرَأَةٌ حَامِلًا مِنْهُ، فَلَيْسَ إِلَى إِرْقَاقِ ذِي بَطْنِهَا سَبِيلٌ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَلَا يَجُوزُ السِّبَاءُ عَلَى مُسْلِمٍ

(11/273)


§مَسْأَلَةٌ قَالَ النُّعْمَانُ فِي الْمُسْتَأْمَنِ إِذَا مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَرَكَ مَالًا، وَوَرَثَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ: يُوقَفُ حَتَّى يَقْدَمَ وَرَثَتُهُ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ جَاءَ الْوَرَثَةُ مُسْتَأْمَنِينَ بِكِتَابٍ مِنْ مَلِكِ أَرْضِهِمْ أَنَّهُمْ مِنَ الْوَرَثَةِ، هَلْ يَقْبِضُ ذَلِكَ ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الشُّهُودُ عِنْدَهُ، قَالَ: لَا يُقْبَلُ . قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا كَانُوا أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُعْطِيَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ بِكِتَابِ مَلِكِهِمْ أَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ، وَشَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِيرَاثًا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَادِلَةٍ، فَأَمَّا شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَغَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَيُوقَفُ الشَّيْءُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْوَرَثَةُ

(11/273)


§ذِكْرُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى أَمَانِ الْحَرْبِيِّ . فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنِّي قَدْ أَمَّنْتُهُمْ، جَازَ أَمَانَةً عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَيَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ " وَلَمْ يَقُلْ إِنْ جَاءُوا عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا أَمَانَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، هَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ . وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ اثْنَانِ: قَدْ كُنَّا أَمَّنَّاهُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا وَذَلِكَ بَعْدَمَا صَارُوا فِي الْقِسْمَةِ، لَمْ يُصَدَّقُوا عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوِ امْرَأَةٌ: قَدْ أَمَّنْتُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ آمِنُونَ، وَإِنْ صَارُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ: قَدْ أَمَّنْتُهُمْ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ إِنْ قَامَ شَاهِدَانِ فَشَهِدَا أَنَّ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمَّنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا أَسْرَى فَهُمْ آمِنُونَ أَحْرَارٌ، وَإِذَا أَبْطَلْنَا شَهَادَةَ الَّذِي أَمَّنَهُ، فَحَقُّهُ مِنْهُمْ بَاطِلٌ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَقَدْ زَعَمَ أَنْ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ

(11/274)


§ذِكْرُ الْعِلْجِ يُضْمَنُ لَهُ أَنْ يُعْطَى كَذَا عَلَى أَنْ يُفْتَحَ بَابُ حِصْنٍ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ الْوَفَاءِ لَهُ بِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا قَالَ الْعِلْجُ لِلْإِمَامِ: أَفْتَحُ لَكُمْ بَابَ هَذَا الْحِصْنِ

(11/274)


عَلَى أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا الشَّيْءَ يَذْكُرُهُ، فَمِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ مَعْلُومًا فَفَتَحَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفِيَ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ لَقِيتُهُ فِي هَذَا خِلَافًا . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّهُ صَالَحَ دِهْقَانًا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ وَيُؤَمِّنَ مِائَةً مِنْ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَ عَهْدَ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ . وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: فِي عِلْجٍ دَلَّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَلْعَةٍ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْقَلْعَةِ صَالَحُوا صَاحِبَ الْقَلْعَةِ عَلَى أَنْ يَفْتَحَهَا لَهُمْ، وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ، فَإِذَا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ، قَالَ: فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ: إِنْ رَضِيتَ الْعِوَضَ عَوَّضْنَاكَ قِيمَتَهَا، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْعِوَضَ فَقَدْ أَعْطَيْنَا مَا صَالَحْنَاكَ عَلَيْهِ غَيْرَكَ، فَإِنْ رَضِيَ الْعِوَضَ أُعْطِيَهُ، وَتَمَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعِوَضَ، قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ: قَدْ صَالَحْنَا هَذَا عَلَى شَيْءٍ صَالَحْنَاكَ عَلَيْهِ بِجَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ، فَإِنْ سَلَّمْتَهُ إِلَيْهِ عَوَّضْنَاكَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْهُ نَبَذْنَا إِلَيْكَ وَقَاتَلْنَاكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْجَارِيَةُ قَدْ أَسْلَمْتَ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِهَا فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهَا، وَيُعْطَى قِيمَتَهَا، وَإِنْ مَاتَتْ عُوِّضَ مِنْهَا بِالْقِيمَةِ، وَلَا يُبَيَّنُ فِي الْمَوْتِ كَمَا يُبَيَّنُ إِذَا أَسْلَمَتْ

(11/275)


§مَسْأَلَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُشْرِكِ يَخْرُجُ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، ثُمَّ يُسْلِمُ فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الدَّارَ، فَأَصَابُوا أَهْلَهُ وَمَالَهُ . فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَيْءُ الْمُسْلِمِينَ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِثْلَهُ فِي صِبْيَةٍ صِغَارٍ، وَكِبَارٍ تَرَكَهُ الرَّجُلُ الَّذِي أَتَى فَأَسْلَمَ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ، قَالَ: مَا أَرَاهُمْ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمَاعَةٍ أَسْلَمُوا فِيهَا مِثْلُ الْإِسَارِ: حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ، وَأَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ، إِلَّا مَا حَوَى قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، وَكَانُوا أَحْرَارًا، وَلَمْ يُسْبَى مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدٌ صَغِيرٌ، فَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمُ الْبَالِغُونَ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ فِي الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ لَا حُكْمُ الْأَبِ وَالزَّوْجِ . وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، قَالَهُ النُّعْمَانُ، قَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ، أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَرَقِيقِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ حَامِلًا، وَهِيَ كَافِرَةٌ، كَانَتْ فَيْئًا، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ بِمَنْزِلَتِهَا . وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: أَيُّمَا أَرْضٍ افْتُتِحَتْ عَنْوَةً، فَأَسْلَمَ أَهْلُهَا قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوا، فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَمَا لَهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَهَكَذَا أَرْضُ السَّوَادِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِ عَدُوِّهِمْ مُسْلِمًا مَعَهُ امْرَأَةٌ وَأَمَةٌ وَوَلَدٌ، فَقَالَ: امْرَأَتِي وَوَلَدِي وَمَالِي

(11/276)


وَأَمَتِي ابْتَعْتُهَا، إِنْ كَانُوا فِي يَدَيْهِ صَدَقَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لِلْعَدُوِّ

(11/277)


§ذِكْرُ الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ أَوْ يَزْنِي أَوْ يُصِيبُ حَدًّا وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ، أَوْ يَقْذِفُ، أَوْ يَزْنِي، أَوْ يُصِيبُ بَعْضَ الْحُدُودِ، فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: ذَلِكَ وَجْهَانِ مَا كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ لَا حَقَّ لِلْآدَمَيِّينَ فِيهِ، يَكُونُ لَهُمْ عَفْوُهَا، وَإِكْذَابُ شُهُودٍ لَوْ شَهِدُوا لَهُمْ بِهِ، فَهُوَ مُعَطَّلٌ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِ، إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَمْ تُؤَمَّنُوا عَلَى هَذَا، فَإِنْ كَفَفْتُمْ وَإِلَّا رَدَدْنَا عَنْكُمُ الْأَمَانَ وَأَلْحَقْنَاكُمْ بِمَأْمَنِكُمْ، فَإِنْ فَعَلُوا أَلْحَقُوهُمْ بِمَأْمَنِهِمْ وَنَقَضُوا الْأَمَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِّ الْآدَمِيِّينَ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا قَتَلْنَاهُمْ، فَإِذَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَنْ يُقِيدَ مِنْهُمْ حَدُّ الْقَتْلِ، لِأَنَّهُ لِلْآدَمَيِّينَ كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ كُلَّ مَا دُونَهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلَ الْقِصَاصِ فِي الشَّجَّةِ وَأَرْشِهَا، وَمَثَلَ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ . وَالْقَوْلُ فِي السَّرِقَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَطَّعُوا وَيُغَرَّمُوا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُغَرَّمَ الْمَالَ، وَلَا يُقَطَّعُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْآدَمَيِّينَ وَالْحَدَّ لِلَّهِ " . وَاحْتُجَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حُدُودِ اللهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِآيَةِ الْمُحَارِبِ . وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا زَنَى بَعْضُهُمْ، أَوْ سَرَقَ، أَوْ قَذَفَ مُسْتَعْلِنِينَ بِهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِينَا، أَوْ فِي أَهْلِ ذِمَّتِنَا، أُخِذُوا بِالْحُدُودِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤَمَّنُوا عَلَى إِتْيَانِهَا فِينَا، وَإِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ،

(11/277)


وَقَالَ النُّعْمَانُ، وَيَعْقُوبُ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مُسْتَأْمَنِينَ لِتِجَارَةٍ، فَزَنَى بَعْضُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ سَرَقَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ

(11/278)


§ذِكْرُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْ ذَلِكَ

(11/278)


6672 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: " §أَصَابَ أَمِيرُ الْجَيْشِ، وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ شَرَابًا فَسَكِرَ، فَقَالَ النَّاسُ لِأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَوِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: أَقِيمَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَا: لَا نَفْعَلُ، نَحْنُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَنَكْرَهُ أَنْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ، فَتَكُونَ جُرْأَةٌ مِنْهُمْ عَلَيْنَا وَضَعْفٌ بِنَا وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ بِأَرْضِ الرُّومِ، قَالَ: تُؤَخَّرُ إِقَامَتُهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَقَالَ فِي الْأَسِيرِ يُصِيبُ حَدًّا، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْإِسْلَامِ: يُقَامُ عَلَيْهِ إِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ عَدْلٍ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ غَزَا عَلَى جَيْشٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ مِصْرَ، وَلَا شَامٍ، وَلَا عِرَاقَ، وَأَقَامَ الْحُدُودَ فِي الْقَذْفِ، وَالْخَمْرِ، وَيَكُفُّ عَنِ الْقَطْعِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَدُوِّ، فَإِذَا فَصَلَ مِنَ الْحَرْبِ قَافِلًا قُطِعَ، -[279]- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمُسْلِمَ يَسْبِيهِ الْعَدُوُّ، فَيَقْتُلُ هُنَاكَ مُسْلِمًا، أَوْ يَزْنِي، قَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا يُقَامُ عَلَيْهِ إِذَا خَرَجَ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْجَيْشِ، قَالَ: لَا، حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ . قَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى إِقَامَةَ ذَلِكَ أَحْسَنَ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقَامُ الْحُدُودُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ كَمَا تُقَامُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ، وَحَدِّ الزَّانِي، وَالْقَاذِفِ، وَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ فِي كِتَابِهِ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا يُقِيمُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءً، وَغَيْرُ جَائِزٍ الْمَنْعُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِإِقَامَتِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَلَا نَعْلَمُ حُجَّةً خَصَّتْ بِذَلِكَ أَرْضًا دُونَ أَرْضٍ، وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُرَادٌ، لَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى رَسُولِهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ . قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَيْشِ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، أَوْ شَرِبُوا الْخُمُورَ، أَوْ زَنَوْا: يُقِيمُ عَلَيْهِمُ الْحُدُودَ أَمِيرُ الْجَيْشِ كَمَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الْحَقِّ . وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا فَرَّطَ فِيهِ الْوَالِي وَأَخَّرَهُ حَتَّى يَقْدَمُوا أَرْضَ الْإِسْلَامِ، أَرَى أَنْ يُقَامَ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَأْمَنِينَ، أَوْ أَسْرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ، فَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أُسْقِطَ عَنْهُمْ لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إِذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ، وَلَا يُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا، كَمَا لَا يُسْقِطُ صَوْمًا، وَلَا صَلَاةً، وَلَا زَكَاةً، وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا هُوَ مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ، أُقِيمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْحَقَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ -[280]- بِدَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادَعُونَ، وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهُ . وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا، وَلَا سَمِعْتُ أَنَّهُ يَرُدُّ حَدًّا أَنْ يُقِيمَهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا إِذَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ . وَقَالَ فِي الْأُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ: يَجْعَلُونَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِيهِمْ إِذَا خُلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ . وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الدَّارُ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ، وَالْخَمْرُ، وَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَدَارِ الْحَرْبِ، وَيُحْكَمُ عَلَى مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حُكْمَ اللهِ فِي كُلِّ دَارٍ وَمَكَانٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ، لَا يَبْطُلُ حُكْمُ اللهِ إِلَّا بِكِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ . وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَزَنَى هُنَاكَ وَخَرَجَ، فَأَقَرَّ بِهِ: لَمْ يُحَدَّ ؛ لِأَنَّهُ زَنَى حَيْثُ لَا تَجْرِي أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَخَلَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَزَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ هُنَاكَ، لَمْ أَحُدَّهُ، وَإِذَا كَانَ فِي عَسْكَرٍ فَهُوَ كَذَلِكَ، لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ وَلَا الْقِصَاصَ إِلَّا أَمِيرُ مِصْرَ، يُقِيمُ عَلَى أَهْلِهِ الْحُدُودَ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُقِيمُ حَدًّا وَلَا قِصَاصًا . وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الرَّجُلِ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَيَدْخُلُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيَقْتُلُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ، فَإِنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ إِلَيْنَا، ثُمَّ قَتَلَهُ هَاهُنَا فَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَيَأْخُذُهَا الْإِمَامُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ . -[281]- قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، إِذَا عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ عَمْدًا، وَكَانَ لَهُ أَوْلِيَاءُ يَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ، فَلَهُمُ الْقِصَاصُ، وَهُمْ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا الْقِصَاصَ، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ . وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الرَّجُلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ يَدْخُلَانِ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، قَالَ: عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: عَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ إِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ، إِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ . وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي أَسِيرَيْنِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ كَفَّارَةٌ . وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ الدِّيَةُ أَيْضًا . فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ

(11/278)


§ذِكْرُ إِسْلَامِ رَقِيقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْمَعَ عَامَّةُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا أَسْلَمُوا بِيعُوا عَلَيْهِمْ . رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَمِيلُ إِلَى أَنْ لَا يَجِبَ بَيْعُهُمْ عَلَيْهِمْ

(11/281)


وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْ

6673 - جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا الْمَجَازِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِي ، قَالَ: " §ابْتَاعَنِي رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ وَادِي الْقُرَى فَابْتَاعَنِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي، حَتَّى قَدِمَ بِي، وَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَأَكْبَبْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقَبِّلُ الْخَاتَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَبْكِي، فَقَالَ: تَحَوَّلْ، قَالَ: فَحَوَّلَنِي فَأَجْلَسَنِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَدَّثْتُهُ مِنْ شَأْنِي، قَالَ: ثُمَّ أَنِّي أَسْلَمْتُ فَشَغَلَنِي مَا كُنْتُ فِيهِ، فَفَاتَنِي بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَاتِبْ "، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي الْكِتَابَةَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أَجِيءَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَعَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ وَرِقٍ "

(11/282)


§ذِكْرُ الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَطْلُعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَيْنُ الْمُشْرِكِينَ، قَدْ كَتَبَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَرَى فِيهِ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي جَاسُوسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ أَبَى عَاقَبَهُ الْإِمَامُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً، ثُمَّ غَرَّبَهُ إِلَى بَعْضِ الْآفَاقِ وَضُمِّنَ الْحَبْسَ .

(11/282)


قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنْ كَانَ مُسْلِمًا عَاقَبَهُ الْإِمَامُ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً، وَغَرَّبَهُ إِلَى بَعْضِ الْآفَاقِ فِي وَثَاقٍ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قُتِلَ، فَإِنَّهُ قَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ حَرْبٍ بَعَثُوا إِلَيْهِمْ بِأَمْوَالٍ عَلَى مُنَاصَحَتِهِمْ، قَبَضَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ، فَوَضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ . وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُوجَعُ عُقُوبَةً، وَيُطَالُ حَبْسُهُ . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ: أَمَّا مَنْ جَهِلَ الْجَهَالَةَ وَقَدْ عُرِفَ بِسُوءِ الْوَعْدِ وَفَسَادِ الطَّرِيقَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِغَفْلَتِهِ مِنْهُ تَأَبُّدٌ، وَلَا إِوَاءٌ يُخْشَى عَوْرَةٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمَرَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الضَّغْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فُطِنَ بِهِ الْجَهْلُ، أَدَّبَهُ الْأَدَبَ الْغَلِيظَ، وَجَعَلَهُ نَكَالًا لِمَنْ سِوَاهُ، وَإِذَا وَجَدْتَ مَنْ قَدْ أَعَادَ ذَلِكَ، وَعُرِفَ مِنْهُ، وَتَوَاطَأَ بِهِ عَلَيْهِ اللِّسَانُ وَالذِّكْرُ، فَهُوَ الْجَاسُوسُ الْمُخْتَانُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ . وَسُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ دَمُ مَنْ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، إِلَّا أَنْ يَقْتُلَ، أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ يَكْفُرَ كُفْرًا بَيِّنًا بَعْدَ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَثْبُتُ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَيْسَ الدَّلَالَةُ عَلَى عَوْرَةِ مُسْلِمٍ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحُجَّةُ فِيهِ السُّنَّةُ الْمَنْصُوصَةُ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ "

(11/283)


6674 - أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ، فَقَالَ: " انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ "، فَخَرَجْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا، -[284]- فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا حَاطِبُ ؟ "، فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ "، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَضْرِبُ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ، وَمَا يُدْرِيكَ §لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "، وَنَزَلَتْ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } [الممتحنة: 1] الْآيَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ مَا وَصَفْتُ لَكَ طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَاطِبٌ كَمَا قَالَ، وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَصَحَّ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا احْتَمَلَ فِعْلَهُ، وَحُكْمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا -[285]- أَتَى فِي مِثْلِ هَذَا أَعْظَمَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَايِنٌ فِي عَظَمَتِهِ لِجَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ بَعْدَهُ، وَإِذَا كَانَ مَنْ خَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللهِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عُزْلَتَهُمْ فَصَدَّقَهُ عَلَى مَا عَابَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ مِمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ، فَيَكُونُ لِذَلِكَ مَقْبُولًا، كَانَ مَنْ بَعْدَهُ فِي أَقَلِّ مِنْ حَالِهِ وَأَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ مَا قِيلَ فِيهِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنَ الرَّجُلِ ذِي الْهَيْئَةِ بِجَهَالَةٍ، كَمَا كَانَ هَذَا مِنْ حَاطِبٍ بِجَهَالَةٍ، وَكَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، أَحْبَبْتُ أَنْ يُتَجَافَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذِي الْهَيْئَةِ كَانَ لِلْإِمَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، تَعْزِيرُهُ

(11/283)


§ذِكْرُ الْمُسْتَأْمَنِ يَطْلُعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلْمُشْرِكِينَ يَكْتُبُ إِلَيْهِمْ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَا مَضَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قُتِلَ، فَإِنَّهُ قَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ . قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الَّذِي يَكْتُبُ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُخْبِرُ عَنْهُمْ، بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدُوِّ شَيْئًا، لِيَحْذَرُوهُ يُعَزَّرُ هَؤُلَاءِ، وَيُحْبَسُونَ عُقُوبَةً، وَلَيْسَ هَذَا يَنْقُضُ لِلْعَهْدِ، يُحِلُّ سَبْيَهُمْ، وَلَا أَمْوَالَهُمْ، وَلَا دِمَاءَهُمْ، وَإِذَا صَارَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِهَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، فَلَيْسَ

(11/285)


يَنْقُضُ لِلْعَهْدِ، وَيُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَقَالَ فِي الرُّهْبَانِ: إِذَا دَلُّوا عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ يُعَاقَبُونَ وَلَا يُعْزَلُونَ مِنَ الصَّوَامِعِ، وَيَكُونُ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ إِخْرَاجُهُمْ إِلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ، فَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَيُقِيمُونَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُتْرَكُونَ يَرْجِعُونَ، فَإِنْ عَادُوا أَوْدَعَهُمُ السِّجْنَ، وَعَاقَبَهُمْ مَعَ السِّجْنِ، قِيلَ: فَإِنْ أَعَانُوهُمْ بِالْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ وَالْمَالِ ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ قَاتَلَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْإِسْلَامِ رَاهِبٌ أَوْ ذَمِّيٌّ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ حَلَّ قَتْلُهُ وَسِبَاهُ وَسَبْيُ ذُرِّيَّتِهِ، فَأَمَّا مَا دُونَ الْقِتَالِ فَيُعَاقَبُونَ بِمَا وَصَفْتُ، وَلَا يُقْتَلُونَ وَلَا تُغْنَمْ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا يُسْبَوْنَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَوْ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكَاتَبُ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُوجِعَهُ عُقُوبَةً، وَيُطِيلَ حَبْسَهُ، حَتَّى يُظْهِرَ تَوْبَةً، أَوْ إِقْلَاعًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَقْتُلَهُ

(11/286)


§ذِكْرُ أُمِّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ تُسْلِمُ وَتَخْرُجُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ يَوْمَ الطَّائِفِ -[287]- مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ رَقِيقِ الْمُشْرِكِينَ، وَذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بِهِ . وَاخْتَلَفُوا فِي أُمِّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ تُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ تَخْرُجُ إِلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ النُّعْمَانُ يَقُولُ: إِنَّهُ تَزَوَّجَ إِنْ شَاءَتْ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَيُّ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إِلَى اللهِ بِدِينِهَا , فَحَالُهَا كَحَالِ الْمُهَاجِرَاتِ، لَا تُزَوَّجُ، حَتَّى تَقْضِيَ عِدَّتَهَا . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ، لَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ

(11/286)


§مَسْأَلَةٌ قَالَ النُّعْمَانُ فِي امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَخَرَجَتْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَتْ بِحُبْلَى: إِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَوْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمُهَاجِرَاتِ قَدِمْنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجُهُنَّ بِمَكَّةَ مُشْرِكُونَ، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، فَأَدْرَكَ امْرَأَتَهُ فِي عِدَّتِهَا، رَدَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ الْعِدَّةُ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْعِدَّةُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ، لَا يَتَزَوَجْنَ، حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ، وَلَا سَبِيلَ لِأَزْوَاجِهِنَّ، وَلَا لِمَوَالِيهِنَّ إِلَيْهِنَّ آخِرَ الْأَبَدِ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمَةٌ، وَزَوْجُهَا كَافِرٌ يُقِيمُ بِدَارِ الْحَرْبِ: لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قَدِمَ

(11/287)


زَوْجُهَا حُرًّا مُسْلِمًا قِيلَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا

(11/288)


§ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ السَّفَرِ، بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْمُشْرِكِ

(11/288)


6675 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَمَالِكٌ , وَغَيْرُهُمَا، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ §نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ "

(11/288)


6676 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَهَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: §نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْمُشْرِكُونَ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُسَافَرُ الرَّجُلُ بِالْمُصْحَفِ ؟ فَقَالَ: أَمَّا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَلَا، وَأَمَّا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَنَعْمَ . وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْزُوَ الرَّجُلُ مَعَهُ مُصْحَفٌ . -[289]- قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَخَالَفَ النُّعْمَانُ الْخَبَرَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ

(11/288)


§ذِكْرُ وَطْءِ الرَّجُلِ جَارِيَةً يَشْتَرِيهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاخْتَلَفُوا فِي وَطْءِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ الَّتِي يَبْتَاعُهَا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ وَطْأَهَا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ: " { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [المؤمنون: 6] الْآيَةِ، وَمَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْجَارِيَةَ فِي أَرْضِ الرُّومِ مِنَ الْفَيْءِ يَطَؤُهَا بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَذَلِكَ، وَقَالَ: فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ وَطِئُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابُوا مِنَ السَّبَايَا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَبْلَ أَنْ يَقْفِلُوا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ وَطِئَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، وَعَرَّسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ غَيْرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّبْيُ قَدْ جَرَى عَلَيْهِمُ الرِّقُّ، وَانْقَضَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ يَمْلِكُهُمْ بِنِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ .

(11/289)


وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي أَمَةٍ يَشْتَرِيهَا الْمَرْءُ مِنْهُمْ: أَيَطَؤُهَا ؟ قَالَ: نَعَمْ . وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَطَؤُهَا، وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَمَتَهُ , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا . وَقَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ النُّعْمَانُ: لَا يَطَؤُهَا، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ هَذَا أَشَدَّ النَّهْيِ، وَيَقُولُ: قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُ الشِّرْكِ، وَلَوْ أَعْتَقُوهَا مَا جَازَ عِتْقُهُمْ، وَلِذَلِكَ لَا يَطَؤُهَا مَوْلَاهَا، وَلَيْسَ هَذِهِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلِيدِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الْأَمَةَ، وَلَا يَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلِيدِ وَلَا الْمُدَبَّرَةِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْجَوَّابُ فِيمَا أَجَابَ بِهِ يَعْقُوبُ حَيْثُ قَالَ مُحْتَجًّا لِقَوْلِهِمْ: وَلَوْ أَعْتَقُوهَا جَازَ عِتْقُهَا، لَيْسَ كَمَا ذَكَرْتُ، بَلِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِتْقَهُمْ غَيْرُ جَائِزٍ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ "، وَلِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ "، فَأَمَّا أَنْ يَجْعَلَ يَعْقُوبُ مَسْأَلَةً قَدْ خُولِفَ فِيهَا، فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ كَفِعْلِهِ، وَالْحُجَّةُ أَنْ يَفْزَعَ الْمُحْتَجُّ إِلَى كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ

(11/290)


§ذِكْرُ وَطْءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ اللَّتَيْنِ قَدْ سَبَاهُمَا الْعَدُوُّ وَاخْتَلَفُوا فِي وَطْءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَطْؤُهُمَا وَهُمَا بِأَيْدِي الْعَدُوِّ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهُمَا إِذَا لَقِيَهُمَا، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ . وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا أَحْرَزَهُمْ عَدُوٌّ كَانُوا أَقْدَرَ عَلَى فُرُوجِهِنَّ سِرًّا وَجَهْرًا مِنْهُ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ أَنْ يَطَأَ فَرْجًا يَتَعَاوَرَهُ رَجُلَانِ، يَطَؤُهَا هُوَ فِي السِّرِّ، وَزَوْجُهَا الْكَافِرُ فِي الْعَلَانِيَةِ، وَلَوْ لَقِيَهَا وَلَيْسَتْ بِذَاتِ زَوْجٍ فِيهِمْ، مَا لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا , فَيَخْرُجُ بِهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ

(11/291)


§ذِكْرُ الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَيَغْدِرُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ فِي الْحَرْبِ، أَوِ الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَمْ لَا ؟ فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ فِي أَمَانِهِمْ إِيَّاهُ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهِ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لَهُمْ، أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ آمِنِينَ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ ؛ قَالَ: الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِخَتَّارٍ، وَلَا غَدَّارٍ، يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لِلْغَادِرِ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ "، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا غَدَرَ بِأَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي سَيْرِهِمْ، فَقَتَلَهُمْ، وَأَقْبَلَ بِأَسْلَابِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ أَخْذَهَا مِنْهُ، وَحَمَّلَهُ مِنْهُ مَا يُحَمَّلُ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ .

(11/291)


وَكَانَ النُّعْمَانُ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ , فَقَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ غَضِبَ مِنْهُمْ مَتَاعًا، وَرَقِيقًا، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ اسْتَأْمَنُوا وَصَارُوا ذِمَّةً، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرُدُّ عَلَيْهِمْ، قِيلَ: فَلَوْ غَدَرَ بِهِمْ فَأَخَذَ مَالًا، وَرَقِيقًا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ , فَاشْتَرَى رَجُلٌ مُسْلِمٌ مِنْ أُولَئِكَ الرَّقِيقِ شَيْئًا، قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَهُوَ آمِنٌ بِأَمَانِهِمْ، وَهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِهِ , وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْدِرَ بِهِمْ، وَلَا يُخَوِّنَهُمْ، وَلَا يَغْتَالَهُمْ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ رَدَّ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ وَلَا يُتْلِفَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ، وَقَدْ كَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا , فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ " . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْغَدْرُ لَا يَجُوزُ، وَالْأَمَانَاتُ مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُؤْمِنِ، وَالْمُشْرِكِ . وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ مَالِكٌ: تَدْفَعُ دِيَتَهُ إِلَى وَرَثَتِهِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي رَجُلٍ مِنَ الْعَدُوِّ اسْتَأْمَنَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلَهُ بَعْدَ أَمَانِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، قَالَ: إِنْ كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، ثُمَّ يُوقَفُ عَقْلُهُ، فَإِنْ جَاءَ لَهُ وَلِيٌ يُثْبِتُ، دَفَعَ إِلَيْهِ عَقْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا عَاقَبَهُ الْإِمَامُ، وَجَعَلَ عَقْلَهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، فَإِنْ جَاءَ لَهُ وَلِيٌ دَفَعَ إِلَيْهِ

(11/292)


§مَسْأَلَةٌ قَالَ النُّعْمَانُ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ دَيْنًا، ثُمَّ خَرَجَا إِلَيْنَا، خَرَجَ الْحَرْبِيُّ مُسْتَأْمِنًا , فَأَرَادَ الْحَرْبِيُّ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَالِهِ . قَالَ: لَا يُقْضَى لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ أَدَانَ الْحَرْبِيَّ دَيْنًا، كَانَ سَوَاءً، وَلَمْ يُقْضَ لَهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ بِدَيْنٍ . وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: يَقْضِي بِالْمَالِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ أَقُولُ

(11/293)


§جِمَاعُ أَبْوَابِ الصُّلْحِ وَالْعُهُودِ الْجَائِزَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ سِوَى أَهْلِ الْكِتَابِ

(11/293)


§ذِكْرُ مُصَالَحَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الشِّرْكِ عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا مَالَهُمْ , وَلَا يَتَعَرَّضُوا لِأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ مِنْ غَيْرِ مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَلَا جِزْيَةٍ

(11/293)


6677 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ، §قَلَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ ، وَأَشْعَرَهُ ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالَ: إِنَّ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ -[294]- قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِشَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأَحَابِيشَ , وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا كَثِيرَةً وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ، فَإِنْ قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْزُونِينَ، وَإِنْ نَجَوْا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللهُ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُمْ قَاتَلْنَاهُ ؟ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، يَا نَبِيَّ اللهِ , إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَلَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَرُوحُوا إِذًا " قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ . قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ: فَرَاحُوا يَعْنِي حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ "، فَوَاللهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلَأَتْ، -[295]- فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ "، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا "، ثُمَّ زَجَرَهَا , فَوَثَبَتْ بِهِ , قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ، إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ، فَشَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشَ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ أَعْدَادَ مِيَاهَ الْحُدَيْبِيَةِ، مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا هَادَنْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرَ، وَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا ، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمْرَهُ "، فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: ذَوُوا الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ . يَقُولُ: قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، -[296]- فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ: أَيْ قَوْمِ , أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ ؟ قَالُوا: بَلَى . قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ ؟ قَالُوا: بَلَى . قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي ؟ قَالُوا: لَا . قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيْكُمْ، جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي ؟ قَالُوا: بَلَى . قَالَ: فَإِنْ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ . قَالَ: فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ , أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ، وَإِنِ الْأُخْرَى، فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ، فَقَالَ: مَنْ ذَا ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِ بِهِ لَأَجَبْتُكَ . قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ السَّيْفُ، وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ بِيَدِهِ بِنَصْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَقَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ . قَالَ: أَيْ غُدَرُ، أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَغَدَرَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ , فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ " ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ صَحَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[297]- بِعَيْنِهِ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، فَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ . قَالَ: فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلَكًا يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ , فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا فُلَانٌ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ "، فَبُعِثَتْ لَهُ , وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ . قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَصْدُرُوا عَنِ الْبَيْتِ قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ . قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ , فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ: دَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ "، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ سَهَّلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ " . -[298]- قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدُعِيَ الْكَاتِبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا هِيَ، وَلَكِنِ اكْتُبُ بِاسْمِكَ اللهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ "، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ "، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُهُ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ "، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: " لَا تَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ، إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا "، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ "، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: وَاللهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ، كَيْفَ يَرُدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، حَتَّى رَمَى نَفْسَهُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا نُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ "، قَالَ: فَوَاللهِ إِذًا لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَجِزْهُ لِي " . قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ، قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ، -[299]- قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَقَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ , أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلَا تَرَوْنَ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاللهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ حَقًّا ؟ قَالَ: بَلَى "، قُلْتُ: أَلَسْتَ عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ، قَالَ: بَلَى "، قَالَ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي "، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ وَعَدْتَنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفَ بِهِ، قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ "، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ "، فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا ؟، قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَفَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، فَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَوَ لَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ ؟، قَالَ: فَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِ الْعَامَ ؟، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا . قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا "، قَالَ: فَوَاللهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ -[300]- مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ اخْرُجْ , ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ فَخَرَجَ، وَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَ النِّسْوَةُ مُؤْمِنَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٌ } [الممتحنة: 10] حَتَّى بَلَغَ: { بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } [الممتحنة: 10] الْآيَةُ، فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ ابْنُ أُمَيَّةَ . ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ يَا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ، فَقَالَ: أَجَلْ وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ، حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: " لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا "، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ ، وَقَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، -[301]- فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ "، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ، إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا يَسْمَعُونَ بَعِيرٍ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ، إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللهِ وَالرَّحِمِ، إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ } [الفتح: 24]، حَتَّى بَلَغَ: { حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } [الفتح: 26]، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ "

(11/293)


6678 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو زُمَيْلٍ، سِمَاكُ الْحَنَفِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: " §كَاتِبُ الْكِتَابِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . -[302]- قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعَانِي أَحْرُفٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: الْغَمِيمِ، قَالَ: هُوَ مَا بَيْنَ عُسْفَانَ وَضَجَنَانَ، وَقَوْلُهُ: قَتَرَةُ الْجَيْشِ، الْقَتَرَةُ هُوَ الْغُبَارُ، يُرِيدُ غَبَرَةَ الْجَيْشِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: " { وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ } [يونس: 26]، الْآيَةَ، قَالَ: الْقَتَرُ الْغُبَارُ . وَقَوْلُهُ: فَأَلَحَّتْ، يُرِيدُ لَزِمَتْ مَكَانَهَا، أَوْ لَمْ تَبْرَحْ، يُقَالُ: أَلَحَّ الْجَمَلُ، وَخَلَدَتِ النَّاقَةُ، وَحَرَنَ الْفَرَسُ، وَالثَّمَدُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ، وَجَمْعُهُ ثِمَادٌ، وَيُقَالُ: مَاءٌ مَثْمُودٌ، إِذَا كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى يَفْنَى، وَرَجُلٌ مَثْمُودٌ، وَقَدْ ثَمِدَتْهُ النِّسَاءُ، إِذَا نَزَفَتْ مَاءَهُ لِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ . وَقَوْلُهُ: يَتَبَرَّضُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، أَيْ يَأْخُذُونَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا، يُقَالُ: بَرَضْتُ لَهُ بَرْضًا إِذَا أَعْطَيْتُهُ شَيْئًا يَسِيرًا . وَقَوْلُهُ: مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ أَيْ يَرْتَفِعُ مَاؤُهُ . وَقَوْلُهُ: إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ , قَوْلُهُ: عَيْبَةُ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ: يَعْنِي مَوْضِعَ سِرِّهِ، وَمَنْ يُسْتَنْصَحُ وَيُؤُتَمَنُ عَلَى أَمْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي . وَقَوْلُهُ: مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، يُرِيدُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَالْعُوذُ جَمْعُ عَائِذٍ . وَقَوْلُهُ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ يُنْفِذَنَّ اللهُ أَمَرَهُ، وَالسَّالِفَتَانِ نَاحِيَتَا مُقَدَّمِ الْعُنُقِ مِنْ بَدَنِ مُعَلَّقِ الْقُرْطِ إِلَى التَّرْقُوَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَزَالُ أُجَاهِدُ حَتَّى أَنْفُذَ لِأَمْرِ اللهِ وَأُبَلِّغَهُ، أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ رَأْسِي وَجِسْمِي . -[303]- وَقَوْلُهُ: فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا، وَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ، خَلِقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، قَالَ: هُمُ الْأَخْلَاطُ مِنَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْأَوْبَاشُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَضَمَّنَ خَبَرُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَدَدَ أَبْوَابٍ مِنْ كِتَابِ الْمَنَاسِكِ، وَالْجِهَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَالْآدَابِ أَحْبَبْتُ إِثْبَاتَ مَا حَضَرَنِي مِنْ ذَلِكَ بِعَقِبِ حَدِيثِهِمَا، فَمِنْ ذَلِكَ . أَنَّ نَبِيَّ اللهِ سَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتًا لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَ سَنَّ الْمَوَاقِيتَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ . وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْأَفْضَلَ وَالْأَعْلَى الْإِحْرَامُ مِنَ الْمَوَاقِيتِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَأَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ أَفْضَلُ مِنْ إِحْرَامِ الرَّجُلِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ قَبْلِ الْمَوَاقِيتِ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ مَحْظُورٌ , وَقَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتِّبَاعُ السُّنَنِ أَفْضَلُ، وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ } [البقرة: 196] الْآيَةُ، أَنْ يُحْرِمَ الْإِنْسَانُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ مَعْنَى الْآيَةِ لَكَانَ أَشَدُّ النَّاسِ لَهُ اسْتِعْمَالًا مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ , وَفُرِضَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ، فَفِي إِحْرَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَتَرْكِهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَنْزِلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ لَيْسَ كَمَا تَأَوَّلَهُ أُولَئِكَ . -[304]- وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ . الْحَدِيثُ، يَأْمُرُهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ مَوَاقِيتِهِمْ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ مَنْ قَالَ: تَمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْمَوَاقِيتِ، وَبَيْنَ مَكَّةَ، اسْتِدْلَالًا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَهُنَّ فَمَهِلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا أَحْسَبُهُ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ كَانَ كَاتِبَ الْكِتَابِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ خَبَرُهُ الَّذِي:

(11/301)


6679 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو، نُعَيْمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ، يَعْلَى: قَالَ عَلِيٌّ: " §إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْدَى، وَالَّذِي هُوَ أَنْقَى، وَالَّذِي هُوَ أَتْقَى، فَإِذَا كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَأْمُرُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ التَّأْوِيلُ أَنْ يُظَنَّ بِأَخْبَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ أَهْدَى، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسُنُّهُ لِأُمَّتِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَخَالَفَهُ " وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ سَنَّ إِشْعَارَ الْبُدْنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِأَعْوَامٍ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ خَالَفَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِشْعَارَ مُثْلَةٌ، مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ، وَنَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُثْلَةِ إِنَّمَا كَانَ عَامَ خَيْبَرَ، وَإِشْعَارُ الْبُدْنِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزَاهُ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ . -[305]- وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُشْعِرَ الْمَرْءُ بَدَنَتِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، فَأَعْلَمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَغْفَلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَنْ قَلَّدَ فَقَدْ أَحْرَمَ، لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ، وَأَحْرَمَ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَهُ كَانَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ، وَالْإِشْعَارِ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَدْ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّقْلِيدِ: أَحْرَمَ بَعْدَ ذِكْرِ التَّقْلِيدِ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَدْخُلُ عَلَى إِحْرَامٍ قَبْلَهُ إِلَّا حَيْثُ دَلَّتِ السُّنَّةُ مِنْ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ . وَمِنْ ذَلِكَ السُّنَّةُ فِي تَقْلِيدِ الْهَدْيِ، وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ فِي الْعَامِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، ذَكَرَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ كَانَ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ، حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَكُونُ بِالتَّقْلِيدِ مُحْرِمًا . وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْأَئِمَّةِ الطَّلَائِعَ وَالْعُيُونَ بَيْنَ يَدَيِ الْجُيُوشِ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ، أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ، مَعَ مَا يَجْمَعُ , فَاعِلٌ ذَلِكَ مِنَ الْحَزْمِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ عُيُونِ الْعَدُوِّ وَبَغَتَاتِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي بَابِ الِاسْتِعْدَادِ وَالتَّأَهُّبِ لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ , وَرُبَّمَا ظَفِرَتِ الطَّلِيعَةُ بِ الْعِلْجِ يَدُلُّ عَلَى غَفَلَاتِ الْعَدُوِّ وَعَوَرَاتِهِ، وَيُخْبِرُ عَنْ قُرْبِ الْعَدُوِّ وَبُعْدِهِ، وَمَوْضِعِ نُزُولِهِ، وَمَا يُدَبِّرُ مِنْ كَيَدِ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَيَحْتَرِزُ الْإِمَامُ مِنْ مَكَائِدِهِ وَيَغْتَنِمُ غَفَلَاتِهِ، فَرُبَّمَا ظَفِرَ بِالْحِيلَةِ، وَرُبَّمَا نَجَا بِالتَّيَقُّظِ . -[306]- وَمِنْ ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ خَبَرَهُ حُجَّةٌ يَلْزَمُ قَبُولُهَا، إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ ثِقَةٍ، لِأَنَّ طَلِيعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَبْعَثَ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنِ الْعَدُوِّ بِخَبَرٍ، إِلَّا مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْنَاهُ، فَلَا مَعْنَى لِلْبَعْثَةِ، وَلَا فَائِدَةَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ . وَمِنْ ذَلِكَ الرُّخْصَةُ فِي مَسِيرِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ طَلِيعَةً لِجَيشٍ، لِأَنَّ الْخُزَاعِيَّ قَدْ مَضَى وَحْدَهُ سَائِرًا، بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الْوِحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ أَبَدًا فِي غَيْرِ بَابِ الضَّرُورَةِ، وَالْحَرْبِ، لَا لِحَاجَةٍ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لَهُمَا السَّيْرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ خَبَرُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ وَلِصَاحِبٍ لَهُ: " إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا، وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا " فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ " , فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَدْ عَارَضَهُ خَبَرُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَإِذَا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ رُجِعَتِ الْأُمُورُ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، حَتَّى نَعْلَمَ حَظْرًا، يَعْنِي خَبَرًا يُعَارِضُهُ . وَمِنْ ذَلِكَ الرُّخْصَةُ فِي هُجُومِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ الْعَدَدِ مِنَ الْعَدُوِّ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَيْنَهُ الْخُزَاعِيَّ، عَيْنًا وَحْدَهُ إِلَى عَدُوٍّ -[307]- كَثِيرٍ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ: " مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ " ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ ؟ أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ "، وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ فِيمَا مَضَى . وَفِيهَا السُّنَّةُ فِي مُشَاوَرَةِ الْإِمَامِ أَصْحَابَهُ فِيمَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ مِنْ أَمَرِ عَدُوِّهِمْ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا قَالَ حِينَ جَاءَهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ، يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ وَجَمْعِهِمْ لَهُ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى قِتَالِهِ، وَصَدِّهِ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ: " أَشِيرُوا عَلَيَّ "، وَقَدْ فَعَلَ هَذَا قَبْلَ ذَلِكَ بِبَدْرٍ، اسْتَشَارَ مَنِ اسْتَشَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أَمَرِ الْأُسَارَى، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ مَا أَشَارَا بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِيمَا مَضَى، وَكُلُّ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ اللهِ، وَلْيَتَأَدَّبْ بِهِ الْأَئِمَّةُ، قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } [آل عمران: 159] الْآيَةُ . كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: قَدْ عَلِمَ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ إِلَيْهِمْ حَاجَةٌ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهِ بَعْدَهُ . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا شَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أَمْرِهِمْ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَا أَمَرَ اللهُ بِالْمَشُورَةِ إِلَّا لَمَّا عَلِمَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ، وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّهَا نِصْفُ الْعَقْلِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الْأَخْبَارَ فِي -[308]- هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ مِمَّا يُدْرِكُ بِهِ مِنَ الصَّوَابِ، قَدْ أُمِرَ بِذَلِكَ، فَمَنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَبِدَّ أَحَدُهُمْ بِرَأْيٍ دُونَ أَصْحَابِهِ، لِأَنَّ الصَّوَابَ رُبَّمَا أَجْرَاهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ مَنْ دُونَ الْإِمَامِ فِي الْعِلْمِ، وَالرَّأْيِ، يُقَالُ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُشَاوِرُ حَتَّى الْمَرْأَةِ . وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَشُورَةَ لَا تُؤَدِّي إِلَّا إِلَى خَيْرٍ، وَعَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ بَعْدَ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ أَعْذَرُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُسْتَبِدِّ بِرَأْيِهِ دُونَهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ يَجِبُ قَبُولُهُ مِمَّنْ أَشَارَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا "، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ , أَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ , اخْرُجْ , ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ فَخَرَجَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ "، فَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْإِمْرَةِ، لِأَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ لَمَّا تُوُفِّيَ وَلَّوْا أَمَرَهُمُ امْرَأَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ " عَلَى مَعْنَى الْإِمْرَةِ لَا عَلَى مَعْنَى الْمَشُورَةِ

(11/304)


6680 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ بَعْدَ مَشُورَةٍ " -[309]- وَمِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى إِبَاحَةِ سَبْيِ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ، قَبْلَ قَتْلِ الرِّجَالِ إِذَا خَرَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَوْنًا لِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِهِ: " أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ عَلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، لَمَّا كَانَ سَبْيُ ذَرَارِيِّ الْقَوْمِ وَتَرْكُ ذَلِكَ مُبَاحًا . وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ قِتَالِ الْمُحْرِمِ مَنْ صَدَّهُ عَنِ الْبَيْتِ، وَعَنْ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ، مَوْجُودٌ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ . وَقَوْلُهُ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا "، تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَأَضْمَرَ ذَلِكَ وَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ فَاعِلٌ فِعْلًا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إِلَّا عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، قَالَ اللهُ: { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ } [الكهف: 24] الْآيَةُ، أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ اللهَ لَمَّا أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مُعْطِيهِمْ كُلَّ خُطَّةٍ دَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللهِ، تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، لَمَّا أَعْلَمُهُ اللهُ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَعَ أَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَمَا صَالَحَهُمْ وَتَرْكَهُ قِتَالَهُمْ فِي الْحَرَمِ مِنْ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ أَهْلِهِ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتْحَ اللهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ: " إِنَّ اللهَ حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكَّةَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ " . -[310]- وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْ لَا تَبْدَؤا فِيهَا بِقِتَالٍ، لَا أَنَّ مُحَارَبَةَ مَنْ حَارَبَهُمْ لَا يَجُوزُ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ , فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } [البقرة: 191] الْآيَةُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ: " أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، فَيَكُونُوا مُقَاتِلِينَ إِذَا بُدِئُوا بِالْقِتَالِ، لَا مُبْتَدِئِينَ قِتَالًا فِي الْحَرَمِ . وَمِنْ ذَلِكَ انْتِزَاعُهُ السَّهْمَ مِنْ كِنَانَتِهِ، لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ الْعَطَشَ، وَأَمْرُهُ إِيَّاهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي الْمَاءِ، وَذَلِكَ أَحَدُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللهُ لِيَتَحَقَّقَ عِنْدَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ أَمَرُهُ، وَإِنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلِيَزْدَادُوا مِنْ أَمْرِهِ وَصِدْقِهِ بِذَلِكَ بَصِيرَةً . وَمِنْ ذَلِكَ الْإِبَاحَةُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَةَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، عَلَى غَيْرِ مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانَ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَقِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَإِنَّمَا فَرَضَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَطَاقَ قِتَالَهُمْ، دُونَ مَنْ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ مِمَّنْ يَعْجَزُ عَنْ قِتَالِهِمْ، إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَرْجُو أَنْ يَقْوَى إِلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، إِذَا مِنْ يُخَلِّفُ عَنِ الْقِتَالِ لِلْعُذْرِ غَيْرُ آثَمٍ، وَلَا حَرَجَ، وَقَدْ وَادَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ نَاسًا عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَخَذَهُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ أَحْوَطَ لِلْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَةُ عَدُوِّهِمْ إِلَى مُدَّةٍ يَقْوَوْنَ بِانْقِضَائِهَا عَلَيْهِمْ، فَهَادَنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ، يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيُقَالُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [الفتح: 1]

(11/308)


6681 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يُخَالِطُونَ الْحُزْنَ وَالْكَآبَةَ ، وَقَدْ §حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ ، وَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ، فَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا، قَالَ: فَلَمَّا تَلَاهَا نَبِيُّ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَنِيئًا مَرِيًّا لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ بَيَّنَ اللهُ لَكَ مَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدَهَا: { لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [الفتح: 5] إِلَى قَوْلِهِ: " { وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا } [الفتح: 5] الْآيَةُ "

(11/311)


6682 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، { §إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [الفتح: 1] الْآيَةُ، قَالَ: خَيْبَرُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ كِتَابِ اللهِ , وَظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ . -[312]- وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى جِهَةِ النَّظَرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى لِكَثْرَةِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى مَنْعِهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، وَطَلَبًا لِلتَّفَرُّغِ لِقِتَالِ غَيْرِهِمْ، وَأَمْنًا لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِيَتَقَوَّى لِحَرْبِهِمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ مُهَادَنَةُ الْعَدُوِّ عَلَى النَّظَرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، لَا يَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ إِلَى غَيْرِ مُدَّةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُمْ عَلَى الْأَبَدِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّ قِتَالَهُمْ مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ يَجِبُ إِذَا كَانُوا أَهْلَ أَوْثَانٍ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَقِتَالُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَجِبُ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَإِذَا هَادَنَهُمْ عَلَى غَيْرِ مُدَّةٍ، كَانَ ذَلِكَ عَقْدًا خِلَافَ ظَاهِرِ كِتَابِ اللهِ، وَذَلِكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ اللهَ أَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا خِلَافَ أَمَرِ اللهِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَالَحَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ قِتَالِهِمْ، أَلَا تَرَاهُ أَخْبَرَ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ، لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنْهُ، وَأَكْثَرُ عَدَدًا وَعُدَّةً مِنْهُ، بَلْ طَمَعًا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ . وَفِي مُهَادَنَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الشِّرْكِ مُدَّةً أَطْوَلَ مِنْ مُدَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادِنَ قَوْمًا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْصَى مَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ هَادَنَ قَوْمًا، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا هَادَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ، كَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ مَعَ الْعُذْرِ الْمَوْجُودِ أَقْصَى مُدَّةً، يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَ إِلَى مِثْلِهَا عَلَى الصَّلَاحِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ أَقُولُ . -[313]- وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ , يُصَالِحُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى فِيهِ الصَّلَاحُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ . وَمَتَى أَبَحْنَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ قَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا، وَاحْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ يَمْدُدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا إِلَى مُدَّةٍ ثَانِيَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَنْ يَقْوَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا صَالَحَهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَائِمَةٌ حِينَ صَالَحَهُمُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِحَاجَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى ذَلِكَ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ إِذَا رَأَى مُصَالَحَةَ عَدُوٍّ وَمُهَادَنَتَهُمْ أَنْ يَبْدَأَ هُوَ فَيَعْرِضُ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ فَقَالَ لِبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، فَإِنْ شَاؤُوا هَادَنْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرَ، فَإِنْ شَاؤُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمَعُوا، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمَرَهُ " وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاقَدَةَ بَعْضِ وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ الْإِمَامَ عَنْ أَصْحَابِهِ جَائِزٌ، لِأَنَّ الَّذِي عَقَدَ الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، إِنَّمَا عَقَدَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحْدَهُ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ أَصْحَابِهِ . وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ الْوُقُوفِ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ فِي حَالِ الْحَرْبِ عِنْدَ مَجِيءِ رَسُولِ الْعَدُوِّ بِالسُّيُوفِ، تَرْهِيبًا لِلْعَدُوِّ، وَحِرَاسَةً لِلْإِمَامِ , أَنْ يُنَالَ بِمَكْرُوهٍ، وَهَذَا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، اسْتِدْلَالًا بِقِيَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ يَدَهُ، -[314]- فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَهِ الْحَالِ وَبَيْنَ الْحَالِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، مَغْنُومَةً إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ قَهْرًا، فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ بِالْأَمَانِ لَهُمْ عَلَيْهَا، مَرْدُودَةٌ إِلَى أَرْبَابِهَا، إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ فِي حَالِ الْأَمَانِ لَهُمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ: أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ " وَإِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُغِيرَةِ لِأَمْنِهِمْ لَمَّا صَحِبُوهُ، وَقَدْ أَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ، عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَكَانَ سَفْكُهُ دِمَاءَهُمْ وَأَخَذُهُ أَمْوَالَهُمْ فِي الْوَقْتِ غَدْرًا مِنْهُ بِهِمْ، وَالْغَدْرُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْأَمَانَاتُ مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ . وَمِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى طَهَارَةِ النُّخَامَةِ، لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ لِأَصْحَابِهِ، مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَوْلُهُ: فَوَاللهِ لَمَا يَتَنَخَّمُ رَسُولُ اللهِ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَهَذَا يُلْزِمُ النَّخَعِيَّ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ الْبُزَاقَ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ أُهْرَاقَ الْمَاءُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى طَهَارَةِ الْبُزَاقِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ . وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِحْبَابُ الْفَأْلِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَ عِكْرِمَةُ: قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ "، لَمَّا أَقْبَلَ سُهَيْلٌ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ

(11/311)


6683 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ ، وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ " وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ فِيمَا يُصَالِحُ عَلَيْهِ مَنْ رَأَى صُلْحَهُ صَلَاحًا بَعْضَ مَا فِيهِ الْغَيْمُ وَالضَّعْفُ، فِيمَا يَشْرُطُهُ الْعَدُوُّ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي صُلْحِهِمْ، إِذَا كَانَ يَرْجُو فِيمَا يُسْتَقْبَلُ عَاقِبَةَ نَفْعِ ذَلِكَ، بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا يُعْطِيهِمْ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ، فَمِمَّا أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَرْكُهُ كِتَابَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَكَتَبَ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، وَكِتَابَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ مَكَانَ رَسُولِ اللهِ، وَالِانْصِرَافَ عَنْهُمْ عَامَهُ عَلَى غَيْرِ تَمَامِ الْعُمْرَةِ، وَرَدَّهُ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا إِلَيْهِمْ، وَقَدْ ضَاقَ بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاضْطَرَبُوا مِنْهُ، وَعَجِبُوا إِذْ لَمْ تَحْتَمِلْ عُقُولُهُمْ، وَأَنَّ لَهُمْ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانَ مَحْمُودًا فِي الْعَاقِبَةِ غَيْرَ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ خُصَّ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْرِفَةِ صَوَابِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ

(11/315)


6684 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: " §اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَرُدُّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِي اجْتِهَادًا، وَاللهِ مَا آلُو عَنِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ -[316]- اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، فَقَالُوا: إِذًا صَدَّقْنَاكَ بِمَا تَقُولُ، وَلَكِنْ نَكْتُبُ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، بِاسْمِكَ اللهُمَّ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَيْتُ عَلَيْهِمْ حَتَّى قَالَ لِي: " يَا عُمَرُ أَتُرَانِي رَضِيتُ وَتَأْبَى أَنْتَ ؟ "، قَالَ: فَرَضِيتُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدَّهُمْ لَهُ خَشْيَةً، وَلِأَمْرِهِ تَعْظِيمًا، وَلِدِينِهِ إِعْزَازًا، وَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ كَانَ عَنْ أَمَرِ رَبِّهِ، بَلْ لَا شَكَّ فِيهِ، لِقَوْلِهِ لِعُمَرَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِلَّهِ مَعْصِيَتُهُ "، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: " بِاسْمِكَ اللهُمَّ، كَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُخَاطَبَةٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، مَعَ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُغَيِّرُ مَعْنَى النُّبُوَّةِ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى أَبِيهِ صِدْقًا وَحَقًّا، وَلَيْسَ فِي رَدِّ مَنْ رَدَّ مِنْهُمِ فِيمَا شَرَطُوهُ فِي الْكِتَابِ أَكْثَرُ مِنْ تَخَوُّفِ الْفِتْنَةِ عَلَى مَنْ رَدَّ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ، وَقَدْ وَضَعَ اللهُ الْحَرَجَ عَنْ مَنْ فُتِنَ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ، فَأَعْطَى بِلِسَانِهِ مُكْرَهًا خِلَافَ مَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، فَإِمَّا مُعْطِيًا بِلِسَانِهِ عَلَى الْإِكْرَاهِ مَا لَا يَضُرُّهُ، أَوْ صَابِرًا عَلَى الْمَكْرُوهِ حَتَّى يُقْتَلَ شَهِيدًا، عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَرُدُّونَ إِمَّا إِلَى أَبٍ أَوْ إِلَى أَخٍ، أَوْ ذَوِي رَحِمٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ مَكْرُوهًا، لِأَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ مِنْ أَهَالِيهِمْ أُشْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُسْلِمُوهُ لِلْمَكْرُوهِ، وَقَدْ أَمْضَى اللهُ لِنَبِيِّهِ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَمَّاهُ فَتْحًا مُبِينًا

(11/315)


قَالَ الزُّهْرِيُّ: انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ، يَعْنِي غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَافِلًا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ: { §إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [الفتح: 1] الْآيَةُ .

6685 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَبَيَّنَ صَلَاحُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا جَنْدَلٍ صَارَ مِنْ أَمْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ جِيءَ بِأَبِي بَصِيرٍ، وَاجْتَمَعَتِ الْعِصَابَةُ الَّتِي اجْتَمَعَتْ، وَصَارَ مِنْ أَمْرِهِمْ أَنَّ قُرَيْشًا أَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللهِ وَالرَّحِمِ، إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا مَنِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، وَوَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُرِيدُوا إِلَّا عَزَّ الدِّينِ، وَكَرِهُوا دُخُولَ الضَّعْفِ وَالْوَهَنِ عَلَى الْإِسْلَامِ، مَعَ أَنَّ الْأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ وَالْأَفْضَلَ تَسْلِيمُ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ، لِمَا سَلَّمَ لَهُ رَسُولُ اللهِ مِنْ ذَلِكَ، وَرَضِيَ بِهِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ، قَالَ عُمَرُ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا ؟ قَالَ: بَلَى "، قَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟ قَالَ: بَلَى "، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا ؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي "، قُلْتُ: أَوَ لَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ ؟، قَالَ: أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ "، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا ؟، قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟، قَالَ: بَلَى، -[318]- قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ؟، قَالَ: أَيْهِ الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، لَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كَانَ عُدَّتُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ، قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيَهُ الْعَامَ ؟ قَالَ: لَا، وَقَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَفَعَلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا . فَفِي جَوَّابِ أَبِي بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَحْكَامِ اللهِ، وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ بَعْدَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي قَوْلِهِ: " إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَجَابَ إِلَى مَا أَجَابَ بِهِ بِأَمْرِ اللهِ . وَيَدُلُّ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، بَعْدَمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ، عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا لَمْ يَجْعَلْ لِذَلِكَ وَقْتًا: أَنَّ وَقْتَ ذَلِكَ جَمِيعُ حَيَاتِهِ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ إِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَفِي إِجَابَةِ أَبِي بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا، لَهُ أَجَلُ الْمَوْلَى، خِلَافَ ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ . وَمِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ كِتَابِ الْكَاتِبِ، هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَعَلَى إِغْفَالِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ " هَذَا مَا " نَفْيٌ، وَلَيْسَ بِإِثْبَاتٍ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ كَاتِبَ: هَذَا مَا -[319]- اشْتَرَى " يُنْفَى بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى شَيْئًا يَجْعَلُهُ فِي مَوْضِعِ جَحْدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إِغْفَالِ هَذَا الْقَائِلِ بَيِّنٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ } [التوبة: 35] الْآيَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ جَحْدٌ لِمَا أَعَادَ مِنْ ذِكْرِ الْكَنْزِ، وَأَوَّلُ الْكَلَامِ وَآخِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى: { هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ } [التوبة: 35]، هَذَا الَّذِي كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْجَحْدِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ: { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ } [ص: 53] الْآيَةُ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ إِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ يُحِلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّ وَنَحَرَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُحْصِرُوا فِيهِ فِي الْحِلِّ عَلَى سَاعَةٍ مِنَ الْحَرَمِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ . وَمِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ النِّسْوَةِ الْمُؤْمِنَاتِ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٌ } [الممتحنة: 10] حَتَّى بَلَغَ: { بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } [الممتحنة: 10] الْآيَةُ، فَطَلَّقَ عُمَرُ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، -[320]- وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الزَّوْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، وَقَدْ بَيَّنْتُ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، فَكَرِهْتُ إِعَادَةَ ذَلِكَ هَهُنَا . وَمِنْ ذَلِكَ قَتْلُ أَبِي بَصِيرٍ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ دَفَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا لِيَرُدَّاهُ إِلَى مَكَّةَ، فَفِي عِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَتَرَكَهُ إِنْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ عَنِ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَشَبَهُهُ إِذَا لَمْ يَحْضُرْ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ، اقْتِدَاءَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يَنْعَقِدِ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ قَطُّ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، فَاحْتَجَّ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ، وَقَالَ غَيْرُهُمُ: انْعَقَدَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ فِي خَبَرِ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، قَالُوا: فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: " أَحَدٌ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، قَالُوا: ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ: { إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ } [الممتحنة: 10] الْآيَةُ، فَامْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنْ يَرُدَّهُنَّ إِلَيْهِمْ، -[321]- وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْطَاهُمْ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمُ الرِّجَالَ مِنْهُمْ وَالنِّسَاءَ، فَأَبْطَلَ اللهُ الشَّرْطَ فِي النِّسَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَعْطَى شَرْطًا خِلَافَ كِتَابِ اللهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَبْطُلُ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ "، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَمِيلُونَ أَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَنْعَقِدْ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ . وَفِي قَوْلِهِ: " وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الْإِمَامِ الَّذِي عَقَدَ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهُ إِلَيْهِمُ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ خَرَجَ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا يَسْمَعُونَ بَعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ، إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللهِ وَالرَّحِمِ إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنَ جَاءَ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الْإِمَامِ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهُ

(11/317)


§ذِكْرُ إِبَاحَةِ مُوَادَعَةِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ

(11/321)


6686 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُدْلِجِيُّ، هُوَ ابْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ، يَقُولُ: جَاءَتْنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةً كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِمَنْ قَتَلَهُمَا -[322]- أَوْ أَسَرَهُمَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجَالِسِ قَوْمِي مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ آنِفًا أَسْوِدَةٌ بِالسَّاحِلِ، أَرَاهُمَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ: أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا، وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بُغَاةً، قَالَ: ثُمَّ مَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ إِلَّا سَاعَةً، حَتَّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تُخْرِجَ لِي فَرَسِي مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ تَحْبِسُهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزَجِّي الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ الرُّمْحِ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي، فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ بِي، حَتَّى رَأَيْتُ أَسْوَدَتَهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، عَثُرَتْ فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي عَلَى كِنَانَتِي ، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ أَلَا أَضُرُّهُمْ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ بِي مِنْهُمْ أَيْضًا، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، §سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي حَتَّى بَلَغَتِ الرِّكَابَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَزَجَرْتُهَا ، فَمَا كَادَتْ تَخْرُجُ يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا الْأَثَرُ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِنَ الدُّخَانِ . قَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، مَا الْعُثَانُ ؟ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: هُوَ الدُّخَانُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ أَلَّا أَضُرَّهُمَا، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ، فَوَقَفَا، وَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ -[323]- مِنْهُمْ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَمَرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ دِيَةً، وَأَخْبَرْتُهُمْ مِنْ أَخْبَارِ سَفَرِهِمْ، وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَؤُنِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسْأَلُونِي إِلَّا أَنْ أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَهُ لِي فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ، ثُمَّ مَضَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَنَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، خُزَاعَةَ، وَمُدْلِجٍ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

(11/321)


6687 - وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §دَعَا بَنِي النَّضِيرِ إِلَى أَنْ يُعْطُونَهُ عَهْدًا يُعَاهِدُونَهُ عَلَيْهِ، فَأَبَوْا فَقَاتَلَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

(11/323)


§ذِكْرُ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ

(11/323)


6688 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ، أَخْبَرَهُمْ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، -[324]- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، أَقْبَلَ بِكِتَابٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِيَ الْإِسْلَامُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي وَاللهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ، وَلَا أَحْبِسُ الْبَرْدَ، وَلَكِنِ ارْجِعْ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ الَّذِي فِي قَلْبِكَ الْآنَ فَارْجِعْ "، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنِّي أَقْبَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، قَالَ بُكَيْرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ قِبْطِيًّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، مَا لَمْ يَنْقُضُ الْعَدُوُّ، فَإِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ جَازَ نَقْضُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُهُ فِي ذَلِكَ مَذْمُومًا اسْتِدْلَالًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: { فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ } [التوبة: 7] الْآيَةَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقَدَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَّةِ، فَلَمَّا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ الْعَهْدَ سَارَ إِلَيْهِمْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْوَفَاءُ بِكُلُّ عَهْدٍ لَا يُخَالِفُ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً، فَأَمَّا مَا خَالَفَ مِنْهُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةٍ، فَنَقْصُ ذَلِكَ يَجِبُ، وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ عُقِدَ خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ

(11/323)


§ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ التَّأَهُّبِ لِقِتَالِ مَنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ مُدَّةً حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ

(11/325)


6689 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّايِغُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَيْضِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَغْزُوَهُمْ فَجَعَلَ يَتَهَيَّأُ ، قَالَ: فَجَعَلَ رَجُلٌ بِأَرْضِ الرُّومِ عَلَى بِرْذَوْنٍ لَهُ يَقُولُ: وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ، قَالَ: فَدَعَاهُ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحِلَّ عَقْدَهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يُنْبَذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ "

(11/325)


6690 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " §لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ "

(11/325)


6691 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §الْغَادِرُ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ "

(11/326)


§ذِكْرُ تَخَوُّفِ الْفِتْنَةِ وَظُهُورِ الْقَتْلِ إِذَا نُقِضَ الْعَهْدُ

(11/326)


6692 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ، وَلَا ظَهَرَتْ فَاحِشَةٌ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ، وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا حُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطْرُ "

(11/326)


§ذِكْرُ إِبَاحَةِ دَمِ الْمُعَاهَدِ، وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِ، وَأَخْذِ أَمْوَالِهِ إِذَا نَقَضَ الْعَهْدَ

(11/326)


6693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنْ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقُرَيْظَةَ، -[327]- حَارَبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَّمَ نِسَاءَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللهِ فَأَمَّنَهُمْ، وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ، بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، يَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ مَنْ خَافَ خِيَانَتَهُ بِالْحَرْبِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَجِدَ دَلَالَةً قَوِيَّةً تَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قُرَيْظَةَ: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبُذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } [الأنفال: 58] الْآيَةُ، كَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً } [الأنفال: 58] مُجَازُ فَأَمَّا فَإِنْ تَخَافَنَّ، وَمَعْنَاهَا فَإِمَّا تُوقِنَنَّ مِنْهُمْ خِيَانَةً، وَغَدْرًا، أَوْ خِلَافًا، وَغِشًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي غَيْرِهِ: السَّوَاءُ الْعَدْلُ، وَأَنْشَدَ لِبَعْضِهِمْ:
[البحر الرجز]

فَاضْرِبْ وُجُوهَ الْغَدْرِ الْأَعْدَاءِ ... حَتَّى يُجِيبُوكَ إِلَى السَّوَاءِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ { فَانْبُذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } [الأنفال: 58] أَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ قَدْ حَارَبْتَهُمْ حَتَّى يَصِيرُوا مِثْلَكَ فِي الْعِلْمِ، فَذَلِكَ السَّوَاءُ

(11/326)


§ذِكْرُ مَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَمَا لَا يَكُونُ نَقْضًا لَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَتْ قُرَيْظَةُ قَدْ عَاهَدَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، أَتَى حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّصْرِيُّ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ، صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَجَابَهُ إِلَى نَقْضِ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَخَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ لِيَنْظُرُوا صِحَّةَ ذَلِكَ، فَجَاؤُوا وَأَخْبَرُوا بِخَبَرِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَغَطَفَانَ، عَنِ الْمَدِينَةِ، سَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَاصَرَهُمْ، وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَحَكَمَ بِأَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيَّهُمْ . وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِنْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَخَبَّرَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَلَّ عَلَيْهَا، وَآوَى عُيُونَهُمْ، فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَخَرَجَ مِنْ ذِمَّتِهِمْ، إِنْ شَاءَ الْوَالِيُّ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ، وَإِنْ كَانَ مُصَالِحًا، لَمَّا يَدْخُلْ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ نَبَذَ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَمَرِ الْحَبَشَةِ: أَرَى أَنْ يَنْظُرَ وَيَتَبَيَّنَ، فَإِنْ كَانُوا أَسْوَأَ قُتِلُوا، وَلَا يَهْجُمْ عَلَيْهِمُ الْإِمَامُ، إِلَّا بِأَمْرَيْنِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمَّا اسْتَحَلَّ رَسُولُ اللهِ دِمَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمُظَاهَرَتِهِمُ الْأَحْزَابَ عَلَيْهِ، وَكَانُوا فِي عَهْدٍ مِنْهُ، فَرَأَى ذَلِكَ نَكْثًا لِعَهْدِهِمْ،

(11/328)


وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَقْتُلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، وَنَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَعْنِي فَفِي قَوْلِهِ: { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ } [الأحزاب: 26] الْآيَةُ

(11/329)


6694 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عِمْرَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ ، قَالَ: فَأَتَى بِالرَّبِيعِ وَكِنَانَةَ ابْنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَحَدُهُمَا عَرُوسٌ بِصَفِيَّةَ، قَالَ: فَلَمَّا أُتِيَ بِهِمَا، قَالَ: " §أَيْنَ آنِيَتُكُمَا الَّتِي كَانَ تُسْتَعَارُ فِي أَعْرَاسِ الْمَدِينَةِ "، قَالَا: أَخْرَجْتَنَا، وَأَجْلَيْتَنَا، فَأَنْفَقْنَاهَا، قَالَ: انْظُرَا مَا تَقُولَانِ فَإِنَّمَا إِنْ كَتَمْتُمَانِي اسْتَحْلَلْتَ بِذَلِكَ دِمَاءَكُمَا وَذُرِّيَّتَكُمَا "، قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى مَكَانِ كَذَا، إِلَى نَخْلِ كَذَا، فَانْظُرْ نَخْلَةً فِي رَأْسِهَا رُقْعَةٌ، فَانْزِعِ الرُّقْعَةُ، فَاسْتَخْرِجْ تِلْكَ الْآنِيَةَ، فَائْتِ بِهَا، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى جَاءَ بِهَا، قَالَ: فَقَدَّمَهُمَا رَسُولُ اللهِ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمَا، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ إِلَى ذُرِّيَّتِهِمَا، وَأَتَى بِصَفِيَّةَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ

(11/329)


6695 - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي رُقْيَةَ، وَكَانَ، مِمَّنِ افْتَتَحَ مِصْرَ، قَالَ: افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: " §مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ فَلْيَأْتِنَا بِهِ، قَالَ: فَأُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَبَعَثَ إِلَى عَظِيمِ أَهْلِ الصَّعِيدِ، فَقَالَ: الْمَالُ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَالٌ، فَسَجَنَهُ، وَكَانَ عَمْرٌو يَسْأَلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ، هَلْ تَسْمَعُونَهُ يَذْكُرُ أَحَدًا ؟، قَالُوا: نَعَمْ، رَاهِبًا بِالطُّورِ، فَبَعَثَ عَمْرٌو، فَأَتَى بِخَاتَمِهِ فَكَتَبَ كِتَابًا عَلَى لِسَانِهِ بِالرُّومِيَّةِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولٍ مِنْ قِبَلِهِ إِلَى الرَّاهِبِ، قَالَ: فَأَتَى بِقُلَّةٍ مِنْ نُحَاسٍ مَخْتُومَةٍ بِرَصَاصٍ، فَإِذَا فِيهَا كِتَابٌ، وَإِذَا فِيهِ، يَا بَنِيَّ إِنْ أَرَدْتُمْ مَالَكُمْ فَاحْفُرُوا تَحْتَ الْفِسْقِينَةِ، قَالَ: فَبَعَثَ عَمْرٌو الْأُمَنَاءَ فَحَفَرُوا فِيهَا، فَاسْتَخْرَجُوا خَمْسِينَ إِرْدَبًّا دَنَانِيرَ، فَضَرَبَ عُنُقَ النَّبَطِيَّ وَصَلَبَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عَمْرًو كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُونَ أَمْوَالَهُمْ، كَحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ابْنِي أَبِي الْحُقَيْقِ . وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: أَهْلُ الْعَهْدِ إِذَا نَقَضُوا، تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ أَمْ لَا ؟، قَالَ: كُلُّ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ النَّقْضِ يُسْبَوْنَ، وَمَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُسْبَوْنَ . -[331]- وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَإِذَا جَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَمْ يُوَفِّ أَهْلُ الْهُدْنَةِ بِجَمِيعِ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَنْبُذَ إِلَيْهِمْ، يُلْحِقُهُ بِمَأْمَنِهِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَهَ، فَإِنْ قَالَ إِمَامٌ: أَخَافُ خِيَانَةَ قَوْمٍ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى خِيَانَتِهِمْ مِنْ خَبَرٍ وَلَا عِيَانٍ فَلَيْسَ لَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، نَقْضُ مُدَّتِهِمْ إِذَا كَانَتْ صَحِيحَةً . وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا، فَأَغَارُوا عَلَى قَوْمٍ مُوَادِعِينَ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ، أَوْ مُسْلِمَيْنَ، فَقَتَلُوا، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرُوا نَقْضَ الصُّلْحِ، فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ، وَقَتْلُهُمْ، وَسَبَاهُمْ، وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ، لَزِمَهُمْ مَنْ قَتَلُوا أَوْ جَرَحُوا أَوْ أَخَذُوا مَالَهُ الْحُكْمُ كَمَا يَلْزَمُهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ قَوْدٍ وَعَقْلٍ وَضَمَانٍ قَالَ: وَإِذَا أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْ قَوْمٍ فَقَطَعَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الطَّرِيقَ، أَوْ قَاتَلُوا رَجُلًا مُسْلِمًا فَضَرَبُوهُ، أَوْ ظَلَمُوا مُسْلِمًا، أَوْ مُعَاهِدًا، أَوْ زَنَا مِنْهُمْ زَانٍ، أَوْ أَظْهَرَ فَسَادًا فِي مُسْلِمٍ، أَوْ مُعَاهِدٍ، حَدَّ فِيهَا الْحَدَّ، وَعُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً فِيمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ يُحِلُّ دَمَهُ، لَا يَكُونُ نَقْضُ الْعَهْدِ إِلَّا مَنْعَ الْجِزْيَةِ، أَوِ الْحُكْمَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالِامْتِنَاعَ بِذَلِكَ . وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي الَّذِي يَكْتُبُ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ بِخَبَرٍ عَنْهُمْ، بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدُوِّ شَيْئًا، لِتَحْذَرُوهُ الْمُسْتَأْمَنَ أَوِ الْمُوَادِعَ، أَنْ يَمْضِيَ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا عَنْهُمْ، فَقَالَ: يُعَزَّرُ هَؤُلَاءِ، وَيُحْبَسُونَ -[332]- عُقُوبَةً، وَلَيْسَ هَذَا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ يُحِلُّ سَبْيَهُمْ، وَلَا أَمْوَالَهُمْ، وَلَا دِمَاءَهُمْ، إِذَا صَارَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، فَقَالُوا: لَمْ نُرِدْ بِهَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، فَلَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْعَهْدٍ، وَيُعَزَّرُ، وَيَحْبِسُ . وَقَالَ النُّعْمَانُ: فِي الْمَلِكِ مِنَ الْمُلُوكِ يُصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَيَصِيرُ لَهُمْ ذِمَّةٌ، ثُمَّ جَعَلَ يُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا، وَيُؤْوِي عَيْنَهُمْ إِلَيْهِ لَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعَاقِبُوهُ، وَيَحْبِسُوهُ، وَإِنْ قَتَلَ هُوَ وَبَعْضُ مَنْ صَارَ ذِمَّةً رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَيْضًا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَلَكِنْ يَنْظُرُونَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، قُتِلَ بِهِ

(11/330)


§ذِكْرُ الصُّلْحِ وَ الْهُدْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ إِلَى مُدَّةٍ مِنَ الْمُدَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ

(11/332)


فَفِي خَبَرِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ قُرَيْشًا §هَادَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَالَحَتْهُ عَلَى سِنِينَ أَرْبَعٍ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَكَانَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللهُ بِهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، يَكُونُ النَّظَرُ لَهُمْ فِيهِ مُهَادَنَةُ الْعَدُوِّ، وَأَلَّا يُهَادِنَهُ إِلَّا فِي مُدَّةٍ، وَلَا تَجَاوَزَ بِالْمُدَّةِ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، كَانَتِ النَّازِلَةُ مَا كَانَتْ، فَإِنْ هَادَنَهُمْ أَكْثَرَ -[333]- مِنْهَا فَالْهُدْنَةُ مُنْتَقِضَةٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فَرْضُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أَهْلَ الْجِزْيَةِ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ صَالَحَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْجِزْيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ، لَمْ نَعْمَدْ مُصَالَحَتَهُمْ، قَدْ صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ خَرَاجٍ يُؤَدُّنَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، أَهْلُ حِصْنٍ، وَأَهْلُ مَدِينَةٍ، أَوْ أَهْلُ عَسْكَرٍ، أَوْ أَهْلُ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ سَأَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوَادِعُوهُمْ سِنِينَ مَعْلُومَةً، عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ، وَعَلَى أَنْ لَا تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَخَشِيَ الْمُسْلِمُونَ إِنْ لَمْ يُوَادِعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَقْوَوْا عَلَيْهِمْ وَادَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ وَادَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ لَهُمْ قُوَّةً، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَنْبُذُوا إِلَيْهِمْ، ثُمَّ يُقَاتِلُوهُمْ . وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ ثُمَّ نَقَضُوهُ الْعَامَ الرَّابِعَ لِلْحُدَيْبِيَةِ، حَكَى ابْنُ حِزَامٍ هَذَا الْقَوْلَ، قَالَ: قِيلَ لِي ذَلِكَ . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا سَأَلَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُهَادَنَةً، فَلِلْإِمَامِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَتُهُمْ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، لَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ } [التوبة: 1] الْآيَةَ، فَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مُدَّةً بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِمَا وَصَفْتُ -[334]- مِنْ فَرْضِ اللهِ فِيهِمْ، وَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ أَنْ يُهَادِنَ إِلَّا عَلَى النَّظَرِ، وَيَجُوزُ لَهُ فِي النَّظَرِ لِمَنْ رَجَا إِسْلَامَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى بِلَادٍ، وَقَدْ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِصَفْوَانَ حِينَ خَرَجَ هَارِبًا إِلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ مُدَّتُهُ، وَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِهَذَا مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبُذَ إِلَيْهِ، مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَيُوَفِّيَهُ الْمُدَّةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَفِي بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا جَاوَزَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

(11/332)


§ذِكْرُ مُصَالَحَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الشِّرْكِ عَلَى مَالٍ يَقْبِضُهُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمْ، وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا لَا يَجُوزُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، جَازَ لَهُمُ الْكَفُّ عَنْهُمْ، وَمُهَادَنَتُهُمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُعْطِيَهُمُ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا بِحَالٍ، عَلَى أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ مُشْرِكًا عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، إِلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَأُخْرَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنْ يَلْتَحِمَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُصْطَلَمُوا لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ، أَوْ خِلَّةٍ فِيهِمْ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، عَلَى أَنْ يَخْلُصُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّهُ

(11/334)


مِنْ مَعَانِي الضَّرُورَاتِ يَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، أَوْ يُوسِرُ مُسْلِمٌ فَلَا يُخَلَّى إِلَّا بِفِدْيَةٍ، فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ بِرَجُلَيْنِ

(11/335)


6696 - أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُوَادَعَةِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى فِدْيَةٍ أَوْ جِزْيَةٍ يُؤَدِّيهَا الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، وَشُغْلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ حَرْبِهِمْ عَنْ قِتَالِ عَدُوِّهِمْ، أَوْ فِتْنَةٍ شَمَلَتِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ . وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى عِدَّةِ سَبْيٍ يُؤَدُّونَهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الرُّوسُ وَالْفِدْيَةُ وَالسَّبْيُ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَحْرَارِهِمْ يَبْعَثُ بِهِ مَلِكُهُمْ إِلَيْهِ ؟، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ مِنْ أَحْرَارِهِمْ كَانَ ذَلِكَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، إِذَا كَانَ الصُّلْحُ لَيْسَ بِصُلْحِ ذِمَّةٍ وَخَرَاجٍ يُقَاتِلُ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ . وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُصَالِحُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى أَلْفِ رَأْسٍ كُلَّ سَنَةٍ، فَكَانَ يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ يُؤَدُّونَهُ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ يَجِيءُ بِهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ . وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِمْ مِائَةَ رَأْسٍ كُلَّ سَنَةٍ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ يُؤَدُّونَهَا مِنْ أَبْنَائِهِمْ، فَلَا خَيْرَ فِي الصُّلْحِ عَلَى هَذَا، وَلَا يَنْبَغِي -[336]- لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدًا لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى ذَرَارِيِّهِمْ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ حِصْنٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَزَلَ بِهِ الْعَدُوُّ، فَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ بِهِ طَاقَةٌ، أَلَهُمْ أَنْ يُصَالِحُوهُمْ، عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ سِلَاحَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَكِرَاعَهُمْ، عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا عَنْهُمْ ؟، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمُوا أَنْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِمْ، وَسَأَلَهُمُ الْعَدُوُّ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ، قَالَ: فَلَا يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ، وَلْيُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَمُوتُوا . وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِنْ أَرَادُوا مُصَالَحَةَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِمْ أَهْلَ الْحَرْبِ كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، عَلَى أَنَّ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ، أَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَالِحُوهُمْ عَلَى ذَاكَ ؟، قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ

(11/335)


§ذِكْرُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، وَمَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَخْبَارِ

(11/336)


6697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: §صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ؛ مَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ يَدْخُلُوهَا مِنْ قَابِلٍ، فَيُقِيمُونَ -[337]- بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ، وَالْقَوْسِ، وَالسَّيْفِ، وَنَحْوِهِ، فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجِلُ فِي قُيُودِهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ

(11/336)


6698 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحُوا أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيُقِيمُ بِهَا ثَلَاثًا، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يَمْكُثَ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا "، فَكَتَبَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، §هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا، فَقَالَ عَلِيُّ: وَاللهِ لَا أَمْحَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: أَرِنِي مَكَانَهَا "، فَأَرَاهُ، فَمَحَاهَا، وَكَتَبَ " ابْنُ عَبْدِ اللهِ "، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثِ، قَالُوا لِعَلِيٍّ: إِنَّ هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجَ

(11/337)


6699 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدْعُوهُ، وَذَكَرَ بَعْضَ -[338]- الْحَدِيثِ، قَالَ: فَكَتَبَ: " §هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَهْلَ مَكَّةَ، أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ ، وَأَنْ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدٌ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ فَلْيَخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(11/337)


§ذِكْرُ نِسَاءِ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الممتحنة: 10] الْآيَةُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ: { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا } [الممتحنة: 10] مِنَ النَّفَقَاتِ، وَاحْتَمَلَ الصَّدَاقَ الَّذِي أَعْطَوهُ، فَوَجَدْنَا قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، أَنَّ ذَلِكَ الصَّدَاقُ، كَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَا ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ إِلَى الْكُفَّارِ فَلْيُعْطِهِمُ الْكُفَّارُ صَدُقَاتِهِنَّ وَأَمْسَكُوهُنَّ، وَمَا ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ الْكُفَّارِ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَمِثْلِ ذَلِكَ، هَذَا فِي صُلْحٍ كَانَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَقُرَيْشٍ

(11/338)


وَأَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " §وَإِذَا جَاءَتْنَا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مِنْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مَسْلَمَةً مُهَاجِرَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ، فَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا، مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ، وَإِذَا طَلَبَهَا زَوْجُهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ طَلَبَهَا غَيْرُهُ لِوِكَالَتِهِ مُنِعَهَا، وَفِيهَا قَوْلَانِ ؛ أَحَدُهُمَا يُعْطَى الْعِوَضَ، وَالْعِوَضُ مَا قَالَ اللهُ: { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، قَالَ: قَالَ: وَمِثْلُ مَا أَنْفَقُوا يَحْتَمِلُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، مَا دَفَعُوا بِالصَّدَاقِ، لَا النَّفَقَةَ غَيْرَهُ، وَلَا الصَّدَاقَ كُلَّهُ، إِنَّ كَانُوا لَمْ يَدْفَعُوهُ، قَالَ: وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْعِوَضَ بِحَالٍ، إِلَّا أَنْ يَطْلُبَهَا إِلَى الْإِمَامِ أَوْ إِلَى وَالٍ يُخَلِّفُهُ بِبَلَدِهِ، فَإِنْ طَلَبَهَا إِلَى مَنْ دُونَ الْإِمَامِ مِنْ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، أَوْ إِلَى مَنْ يُوَلِّيهِ الْإِمَامُ هَذَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ بِهِ الْعِوَضُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكَ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مَسْلَمَةً الْعِوَضَ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ بِرَدِّ النِّسَاءِ كَانَ الشَّرْطُ مُنْتَقِضًا، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إِنَّ شَرْطَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، إِذْ دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ، وَكَانَ النِّسَاءُ مِنْهُمْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا، فَنَسَخَهُ اللهُ، ثُمَّ رَسُولُهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا نُسِخَ مِنْهُ الْعِوَضَ، وَلَمَّا قَضَى اللهُ، ثُمَّ رَسُولُهُ، أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ رَدُّهُنُّ، وَلَا عَلَيْهِ عِوَضٌ فِيهِنَّ، لِأَنَّ شَرْطَ مَنْ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءِ بَعْدَ نَسْخِ اللهِ ثُمَّ رَسُولِهِ لَهَا بَاطِلٌ، وَلَا يُعْطَى بِالشَّرْطِ الْبَاطِلِ شَيْءٌ، قَالَ: وَكَانَ أَشْبَهُهُمَا أَنْ يُعْطُوا عِوَضًا، وَالْآخَرُ كَمَا وَصَفْتُ، يُعْطَوْنَ فِيهِ الْعِوَضَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ -[340]- إِلَّا الْخَلِيفَةُ، أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ، لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا، فَمَنْ عَقَدَهُ غَيْرُ الْخَلِيفَةِ فَعَقْدُهُ مَرْدُودٌ

(11/339)


6700 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: إِنَّ الْمُهَاجِرَاتِ كُنَّ إِذَا قَدِمْنَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُنَّ: " §أُبَايِعْكُنَّ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللهِ "، وَيَتْلُو عَلَيْهِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا، فَإِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ، قَالَ: قَدْ بَايَعْتُكُنَّ فَارْتَفَعْنَ "، وَلَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ: مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إِلَّا امْرَأَةً أَحَلَّهَا اللهُ لَهُ، أَوْ مِنْ قَرَابَتِهِ، قَالَ: وَكُنَّ إِذَا أَقْرَرْنَ بِهَذَا الْكَلَامِ فَهِيَ الْمِحْنَةُ، قَالَ وَكَتَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ: إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَإِذًا أَدُّوا إِلَيْنَا صَدَاقَ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْ نِسَائِنَا اللَّاتِي أَقَمْنَ عِنْدَكُمْ، وَاسْأَلُونَا الصَّدَاقَ مَنْ نَكَحْنَا مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي هَاجَرْنَ إِلَيْنَا، قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ: لَا وَاللهِ مَا نَعْلَمُ لَكُمْ عِنْدَنَا حَقًّا فَنُعْطِيَكُمْ، فَإِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّ لَنَا عِنْدَكُمْ حَقًّا فَأَعْطُونَا، فَأَنْزَلَ اللهُ: { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، قَالَتْ: فَتَعَاطَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ حُقُوقِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ نِسَائِهِمُ الَّذِينَ نَكَحُوا بِمَكَّةَ، بِقَدْرِ مَا أَمْسَكُوا عَنْهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: قَدْ أَنْكَحْتُكَ امْرَأَتَهُ بِمَكَّةَ -[341]- لَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا ، وَقَدْ نَكَحَ هَذَا امْرَأَتَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، هَلُمَّ إِلَى حَقِّكَ فَخُذْهُ، قَالَتْ: فَهَذَا الْعَقِبُ الَّذِي قَالَ اللهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ } [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، قَالَ: بَعْدَ الصُّلْحِ وَالْعَهْدِ، { فَعَاقَبْتُمْ } [الممتحنة: 11]، قَالَ: اقْتَصَصْتُمْ أَصَبْتُمْ مَغْنَمًا مِنْ قُرَيْشٍ، أَوْ غَيْرِهِمْ، { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، صَدُقَاتِهِنَّ عِوَضًا

(11/340)


§ذِكْرُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " { وَإِنَّ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ } [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، يَقُولُ: إِلَى كُفَّارٍ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ عَهْدٌ يَأْخُذُونَ بِهِ، { فَعَاقَبْتُمْ } [الممتحنة: 11]، وَهِيَ الْغَنِيمَةُ إِذَا أَغْنَمُوا أَنْ يُعْطُوا زَوْجَهَا صَدَاقَهُ الَّذِي كَانَ سَاقَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، ثُمَّ يُقَسِّمُ الْغَنِيمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحَكَمُ وَهَذَا الْعَهْدُ فِي " بَرَاءَةَ "، فَنُبِذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُهُ . قَالَ عَطَاءٌ: لَا يُعَاضُ زَوْجُهَا مِنْهَا شَيْءٌ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ عَهْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ . -[342]- قَالَ الزُّهْرِيُّ: انْقَطَعَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يُعَاضُ زَوْجُهَا مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يُعْمَلُ بِهِ الْيَوْمَ

(11/341)


§ذِكْرُ إِبَاحَةِ إِعْطَاءِ الْإِمَامِ الْعَهْدَ وَالْأَمَانَ مَنْ قَدْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِيهِمْ، وَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَى فَتْحِ حُصُونِهِمْ

(11/342)


6701 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ وَغَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ، فَصَالَحُوهُ أَنْ يُخَلُّوا عَلَيْهَا، وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ ، وَلِرَسُولِ اللهِ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْجُعْلَةُ، وَهِيَ السِّلَاحُ، كَذَا قَالَ، وَالصَّحِيحُ الْحَلْقَةُ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا، وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا، فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مِسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيُّ لَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْيَةَ عَمِّ حُيَيٍّ: مَا فَعَلَ مِسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ ؟ "، فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فَقَالَ: الْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ "، فَقَدْ كَانَ حُيَيُّ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ، -[343]- فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ سَعْيَةَ إِلَى الزُّبَيْرِ، أَشَمَّهُ بِعَذَابٍ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَهُنَا، يَنْظُرُ فِيهَا، فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمِسْكَ فِي الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ، كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، وَسَبَا رَسُولُ اللهِ ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، وَقَبِلُوا أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا ، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْهَا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا، وَنَقُومُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ، وَلَا لِأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ عَلَيْهَا، وَكَانُوا لَا يَفْرُغُونَ أَنْ يَقُومُوا هُمْ، فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ نَخْلٍ وَزَرْعٍ وَشَيْءٍ، مَا بَدَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْتِيهِمْ فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ شِدَّةَ خَرْصِهِ، وَأَرَادُوا أَنْ يُرْشُوهُ، فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللهِ، أَتُطْعِمُونِي السُّحْتَ ، وَاللهِ لَقَدْ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَا يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لَا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَالَ: وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِ صَفِيَّةَ خَضِرَةً، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذِهِ الْخَضِرَةُ ؟ "، فَقَالَتْ: كَانَ رَأْسِي فِي حِجْرِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي، وَقَالَ: تَمَنِّينَ مُلْكَ يَثْرِبَ، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَيَّ، قَتَلَ زَوْجِي، وَأَخِي، وَأَبِي، فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكِ أَلَّبَ عَلَيَّ الْعَرَبَ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ . قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ سَلَبِهِ كُلَّ عَامٍ سِتِّينَ وَسْقًا مِنْ حِنْطَةٍ ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي، وَلَا أَحْسِبُهُ -[344]- إِلَّا غَلَطًا، إِنَّمَا هُوَ تَمْرٌ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ، غَالَوْا فِي الْمُسْلِمِينَ وَغَشُّوهُمْ، وَأَلْقَوَا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ، فَفَرَغُوا يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ خَبِيرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نُقَسِّمَهَا بَيْنَهُمْ، فَقَسَّمَهَا عُمَرُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَئِيسُهُمْ: لَا تُخْرِجْنَا، دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتُرَاهُ سَقَطَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ، كَيْفَ بِكَ إِذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا فَقَسَّمَهَا عُمَرُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ

(11/342)


§ذِكْرُ مَا يُصَالِحُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَهْلَ الذِّمَّةِ قَبْلَ مُحَارَبَتِهِمْ

(11/344)


6702 - أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: " §إِنَّ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ، وَلَا رِكَابٍ ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ خَالِصًا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً -[345]- فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: يَحْبِسُ نَفَقَةَ سَنَةٍ

(11/344)


6703 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ، قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ، وَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَا لَهُمْ بِرَضْخٍ ، فَاقْسِمْ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُرْ بِذَلِكَ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَهُ مَوْلَاهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ: هَذَا عُثْمَانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: وَلَا أَدْرِي ذَكَرَ طَلْحَةَ أَوْ لَا ؟ يَسْتَأْذِنُونَ عَلَيْكَ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ، قَالَ: ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَذَا الْعَبَّاسُ، وَعَلِيُّ يَسْتَأْذِنَانِ عَلَيْكَ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُمَا، فَلَمَّا دَخَلَ الْعَبَّاسُ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَتَخَاصَمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: اقْضِ بَيْنَهُمَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرِحْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَقَدْ طَالَتْ خُصُومَتُهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " §لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ "، قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَا: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّى سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ هَذَا الْفَيْءِ ، إِنَّ اللهَ خَصَّ نَبِيَّهُ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ، -[346]- فَقَالَ: { مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } [الحشر: 6] الْآيَةُ، فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللهِ خَاصَّةً، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا اخْتَارَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ قَسَّمَهَا اللهُ بَيْنَكُمْ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً، وَرُبَّمَا قَالَ: يَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ بِجَعْلِ مَالِ اللهِ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ بَعْدَهُ، وَأَعْمَلُ فِيهَا مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ، فَقَالَ: وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا ظَالِمًا فَاجِرًا، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ وُلِّيتُهَا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، فَعَمِلْتُ فِيهَا مَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنِّي فِيهَا ظَالِمٌ فَاجِرٌ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا صَادِقٌ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي، جَاءَنِي هَذَا، يَعْنِي الْعَبَّاسَ، يَسْأَلُنِي مِيرَاثَهُ مِنَ ابْنِ أَخِيهِ، وَجَاءَنِي هَذَا، يَعْنِي عَلِيًّا، يَسْأَلُنِي مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ "، ثُمَّ بَدَا بِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكُمَا، فَأَخَذْتُ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَنَا مَا وُلِّيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا عَلَى ذَلِكَ، -[347]- أَتُرِيدَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ هَذَا، وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، لَا أَقْضِي فِيهَا بَيْنَكُمَا بِقَضَاءٍ غَيْرِ هَذَا، إِنْ كُنْتُمَا عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، قَالَ: فَغَلَبَهُ عَلِيُّ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ بِيَدِ عَلِيٍّ: ثُمَّ بِيَدِ حَسَنٍ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: ثُمَّ بِيَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا هَؤُلَاءِ، يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ

(11/345)