الدرر البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية

 (الكتاب الثالث: كتاب الجنائز)

(1/419)


(3 - كتاب الجنائز)
(الفصل الأول: أحكام المحتضر)
( [دليل مشروعية زيارة المريض] :)
(من السنة عيادة المريض) : لأن الأحاديث في مشروعيتها متواترة، وقد جعلها الشارع من حقوق المسلم على المسلم.
ففي " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة، أن رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- قال: " حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس ".
وزاد مسلم: " النصيحة ".
وزاد البخاري من حديث البراء: " نصر المظلوم، وإبرار القسم ".
( [تلقين المحتضر] :)
(وتلقين المحتضر) ؛ وهو في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة.
(الشهادتين) : فوجب أن يحث على الذكر، والتوجه إلى الله - تعالى -؛

(1/421)


لتفارق نفسه وهي في غاشية من الإيمان، فيجد ثمرتها في معاده.
ودليله حديث أبي سعيد الثابت في " الصحيح "، عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ، قال: " لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله ".
وفي الباب أحاديث.
( [توجيه المحتضر للقبلة] :)
(وتوجيهه) (1) إلى القبلة؛ لحديث عبيد بن عمير، عن أبيه، أن رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- قال - وقد سأله رجل عن الكبائر؟ - فقال: " هن تسع: الشرك، والسحر، وقتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام: قبلتكم أحياء وأمواتا "؛ أخرجه أبو داود (2) ، والنسائي، والحاكم.
__________
(1) • ليس في الأحاديث الآتية ما يصلح أن يشهد له؛ فإن قصة البراء فيها ضعف وإرسال كما يأتي.
وقد نقل ابن الحاج في " المدخل " (3 / 229 - 230) عن مالك؛ أن توجيه المحتضر إلى القبلة لم يكن من عمل الناس، وكره أن يعمل ذلك استنانا. (ن)
قلت: وفرق بين توجيه الميت، وتوجيه المحتضر، فتأمل.
(2) • رواه أبو داود في (الوصايا) (2 / 13) والنسائي (تحريم الدم) (2 / 165) مختصرا، والحاكم في (التوبة) (4 / 259 - 260) - بتمامه؛ كأبي داود -، وكذا البيهقي (3 / 408 - 409) ؛ من طريق عبد الحميد بن سنان، عن عبيد، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي.
وهذا منه أمر عجيب؛ فإن ابن سنان هذا قد أورده الذهبي في " الميزان "، وقال:
لا يُعرف، قال البخاري: في حديثه نظر "؛ يعني: هذا الحديث.
ولا يُغتر بقول المنذري في " الترغيب " (1 / 266) : " ورواته ثقات "؛ لأن عمدته في توثيق ابن سنان هذا؛ إنما هو ابن حبان؛ فقد أورده في " الثقات "؛ وهو تساهل منه؛ كما هو معروف، وقد نص على ذلك ابن حجر في مقدمة " اللسان ". (ن)
قلت: ثم رجح شيخنا حسنه في بحث دقيق - له - في الإرواء " (690) ، فانظره.

(1/422)


وقد أخرج البغوي في " الجعديات " (1) من حديث ابن عمر نحوه؛ وفي إسناده أيوب بن عتبة، وهو ضعيف.
وقد استدل بهذا على مشروعية توجيه المريض إلى القبلة ليموت إليها؛ لقوله -[صلى الله عليه وسلم]-: " قبلتكم أحياء وأمواتا "، وفيه نظر؛ لأن المراد بقوله: " أحياء " عند الصلاة، وبقوله: " أمواتا " في اللحد، والمحتضر حي غير مصل، فلا يتناوله الحديث، وإلا لزم وجوب التوجه إلى القبلة على كل حي، وعدم اختصاصه بحال الصلاة! وهو خلاف الإجماع.
والأوْلى الاستدلال بما رواه الحاكم، والبيهقي، عن أبي قتادة: أن البراء بن معرور أوصى أن يُوجَّه إلى القبلة إذا احتضر، فقال رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-: " أصاب الفطرة ". (2)
__________
(1) (برقم: 3426) .
وانظر " التلخيص الحبير " (2 / 101) ، " ونصب الراية " (2 / 252) .
(2) قال المصنف في " نيل الأوطار " بعد ذكره: " وقد ذكر هذا الحديث في " التلخيص "، وسكت عنه ".
وهو في " المستدرك " للحاكم (1 / 353) من حديث يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه.
قال الحاكم: " هذا حديث صحيح ... ولا أعلم في توجه المحتضر إلى القبلة غير هذا الحديث "، وصححه أيضا الذهبي.
والذي أراه أنه حديث مرسل؛ لأن يحيى رواه عن أبيه، وأبوه تابعي.
وبعد البحث؛ تبين لي أن الخطأ إنما هو من الناسخين؛ فقد وجدت الحديث في " السنن الكبرى " للبيهقي: رواه عن الحاكم بإسناده، وفيه: " عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه ".
فالحديث - إذن - من حديث أبي قتادة، وليس حديثا مرسلا؛ والحمد لله. (ش)
• قلت: وهو في " البيهقي " (3 / 384) كما نقله المعلق؛ فالحديث مرسل، وفيه نعيم بن حماد؛ وهو ضعيف.
ولا يخفى أنه لا فرق بين هذه العبارة، وبين التي نقلها عن " المستدرك "، ولعل الصواب: " عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن أبي قتادة "؛ وهكذا على الصواب، ذكره الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 252) ، معزواً للحاكم. (ن)

(1/423)


وقد اختلف في الصفة التي يكون التوجه إلى القبلة عليها، فقيل: يكون مستلقيا ليستقبلها بكل وجهه، وقيل: على جنبه الأيمن؛ وهو الأولى.
أقول: وهو الصفة التي يوجه عليها في قبره، والصفة التي أمر -[صلى الله عليه وسلم]- النائم أن ينام عليها.
ومن ذلك فعل البتول - رضي الله عنها (1) -، ولا وجه لاختيار الاستلقاء، إلا وهم أنه أكمل.
( [تغميض عيني المحتضر إذا مات] :)
(وتغميضه إذا مات) : لحديث شداد بن أوس عند أحمد، وابن ماجة، والحاكم (2) ، والطبراني، والبزار، قال: قال رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-: " إذا حضرتم موتاكم؛ فأغمضوا البصر؛ فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرا؛ فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت ".
وأخرج مسلم في " صحيحه ": أن النبي -[صلى الله عليه وسلم]-
__________
(1) • قلت: هذا لم يثبت؛ ففي إسناد الرواية محمد بن إسحاق، وقد عنعنه، رواه عنه الإمام أحمد (6 / 461) ، وقد ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات "، وقال: " لا يصح، وكيف يصح الغسل للموت قبل الموت؟ ! هذا لا يصح إضافته إلى فاطمة وعلي؛ بل ينزهان عن مثل هذا " اه. " لآلي " (2 / 228) وقد تعقب بما لا يشفي؛ والله أعلم. (ن)
(2) • في " المسند " (4 / 125) ، و " السنن " (1 / 444) ، و " المستدرك " (1 / 352) ، وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وفيه نظر؛ لأن مداره على قزعة بن سويد، وقد ضعفه غير واحد، وجزم الحافظ بضعفه، وفي " الزوائد ": " إسناده حسن ".
قلت: وهو بمعنى حديث مسلم بعده؛ فإن فيه: " فقولوا خيرا؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ". (ن)

(1/424)


دخل على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: " إن الروح إذا قبض تبعه البصر ".
( [قراءة يس عند المحتضر] :)
(وقراءة يس عليه) : لحديث: " اقرأوا على موتاكم {يس} "؛ أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن حبان - وصححه - من حديث معقل بن يسار مرفوعا؛ وقد أعل (1) .
وقد أخرج نحوه صاحب " مسند الفردوس " من حديث أبي الدرداء، وأبي ذر.
وأخرج نحوه أيضا أبو الشيخ في " فضل القرآن " من حديث أبي ذر وحده (2) .
قال ابن حبان في " صحيحه ": المراد بقوله: " اقرأوا على موتاكم {يس} ": من حضرته المنية لا الميت، وكذلك: " لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله ".
( [المبادرة بتجهيز الميت] :)
(والمبادرة بتجهيزه إلا لتجويز حياته) : لما أخرجه أبو داود من حديث الحصين بن وحوح (3) : أن طلحة بن البراء مرض، فأتاه النبي -[صلى الله عليه وسلم]-
__________
(1) وصححه ابن حبان. (ش)
قلت: والصواب ضعفه، وانظر " أحكام الجنائز " (13) .
(2) انظر رسالتي " القول المبين في ضعف حديثي التلقين، و: اقرؤوا على موتاكم {يس} ".
(3) • بالتصغير، " وحوح " بمهلتين، على وزن جعفر، والحديث لا يصح؛ لأنه من طريق سعيد بن عثمان البلوي، عن عزرة - وفي رواية: عروة - بن سعيد الأنصاري، عن أبيه؛ وثلاثتهم مجاهيل.
والحديث رواه البيهقي أيضا (3 / 386) . (ن)

(1/425)


يعوده، فقال: " إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت؛ فآذنوني به وأعجلوا (1) ؛ فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ".
وأخرج أحمد، والترمذي (2) من حديث علي مرفوعا بلفظ: " ثلاث لا يؤخرن: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفأ ".
وأما إذا كان يظن أنه لم يمت؛ فلا يحل دفنه حتى يقع القطع بالموت؛ كصاحب البرسام وغيره.
( [المبادرة بقضاء دين الميت] :)
(والقضاء لدينه) : لحديث امتناعه -[صلى الله عليه وسلم]- من الصلاة على الميت الذي عليه دين، حتى التزم بذلك بعض الصحابة؛ والحديث معروف (3) ، وحديث: " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه "؛ أخرجه أحمد، وابن ماجة، والترمذي - وحسنه - من حديث أبي هريرة.
( [تسجية الميت] :)
(وتسجيته) : لما وقع من الصحابة من تسجية رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- عند موته ببرد حبرة، وهو في " الصحيحين " من حديث عائشة.
__________
(1) في " نيل الأوطار ": " وعجلوا ". (ش)
(2) وقد ضعفه شيخنا في تعليقه على " المشكاة " (605) .
(3) وصحح سنده شيخنا في تعليقه على " المشكاة " (2915) .

(1/426)


وذلك لا يكون إلا بجري العادة بذلك في حياته -[صلى الله عليه وسلم]-.
( [جواز تقبيل الميت] :)
(ويجوز تقبيله) : لتقبيله -[صلى الله عليه وسلم]- لعثمان بن مظعون وهو ميت، كما في حديث عائشة عند أحمد، وابن ماجة، والترمذي - وصححه -.
وفي " الصحيح " من حديثها، وحديث ابن عباس: أن أبا بكر قبل النبي [صلى الله عليه وسلم] بعد موته.
( [على المريض أن يحسن الظن بربه] :)
(وعلى المريض أن يحسن الظن بربه) ، والأحاديث في ذلك كثيرة، ولو لم يكن منها إلا حديث النهي عن أن يموت الميت؛ إلا وهو حسن الظن بربه (1) ، وحديث المريض الذي زاره النبي [صلى الله عليه وسلم] ، فقال: " كيف تجدك؟ " فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال: " ما اجتمعا في قلب امريء في مثل هذا الموطن؛ إلا دخل الجنة " (2) . - أو كما قال -.
( [على المريض أن يتوب من ذنوبه] :)
(ويتوب إليه) ، والآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة في ذلك لا يتسع
__________
(1) وفي " صحيح مسلم " (2877) عن جابر - مرفوعا -: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه ".
(2) انظر " صحيح سنن ابن ماجة " (3436) .

(1/427)


المقام لبسطها.
وفي " الصحيحين ": " أن الله يفرح بتوبة عبده "، وأن باب التوبة مفتوح لا يغلق.
( [على المريض أن يتخلص مما عليه من حقوق، وأقله بالوصية] :)
(ويتخلص عن كل ما عليه) ، ووجوب ذلك معلوم.
وإذا أمكن - بإرجاع كل شيء لمن هو له؛ من دين أو وديعة أو غصب أو غير ذلك -: فهو الواجب.
وإن لم يكن في الحال: فالوصية المفصلة هي أقل ما يجب.
وورد الأمر بالوصية، وأنه لا يحل لأحد أن يبيت إلا ووصيته عند رأسه؛ كما في الأحاديث الصحيحة.

(1/428)


(2 - فصل: غسل الميت)
( [وجوب غسل الميت على الأحياء] :)
(ويجب غسل الميت المسلم على الأحياء) ؛ وهو مجمع عليه، كما حكى ذلك النووي، والمهدي في " البحر ".
ومستند هذا الإجماع أحاديث الأمر بالغسل والترغيب فيه، كالأمر منه [صلى الله عليه وسلم] بغسل الذي وقصته (1) ناقته، وبغسل ابنته زينب؛ وهما في " الصحيح ".
( [القريب أولى بغسل قريبه] :)
(والقريب أولى بالقريب إذا كان من جنسه) : لحديث: " ليليه أقربكم إن كان يعلم، فإن لم يكن يعلم؛ فمن ترون عنده حظا من ورع وأمانة "؛ أخرجه أحمد (2) ، والطبراني، وفي إسناده جابر الجعفي، والحديث إن كان لا يصلح للاحتجاج به، ولكن للقرابة مزية وزيادة حنو وشفقة، توجب كمال العناية، ولا شك أنها وجه مرجح؛ مع علم القريب بما يحتاج إليه في الغسل.
( [أحد الزوجين أولى بالآخر] :)
(وأحد الزوجين بالآخر) أولى؛ لقوله [صلى الله عليه وسلم] لعائشة: " ما ضرك لو مت
__________
(1) الوقص: الكسر. (ش)
(2) • " المسند " (6 / 120، 122) . (ن)

(1/429)


قبلي فغسلتك وكفنتك، ثم صليت عليك ودفنتك؟ {" أخرجه أحمد، وابن ماجة، والدارمي، وابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، وفي إسناده محمد بن إسحاق، ولم ينفرد به؛ فقد تابعه عليه صالح بن كيسان (1) .
وأصل الحديث في " البخاري " (2) بلفظ: " ذاك لو كان وأنا حي؛ فأستغفر لك وأدعو لك ".
وقالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ ما غسل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلا نساؤه "؛ أخرجه أحمد وابن ماجة وأبو داود (3) .
وقد غسلت الصديق زوجته أسماء - كما تقدم في الغسل لمن غسل ميتا -؛ وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكروه (4) .
وغسل علي فاطمة؛ كما رواه الشافعي، والدارقطني، وأبو نعيم، والبيهقي بإسناد حسن.
__________
(1) • عند أحمد والنسائي؛ كذا في " التلخيص " (5 / 125) .
قلت: وهو عند أحمد (6 / 144) بلفظ: دخل علي رسول الله في اليوم الذي بريء فيه، فقلت: وارأساه} فقال: " وددت أن ذلك كان وأنا حي؛ فهيأتك ودفنتك ... " الحديث، وسنده صحيح على شرطهما، لكن ليس فيه ذكر الغسل كما ترى؛ فليس يصح كونه متابعا لابن إسحاق؛ إلا إن كانت رواية النسائي صريحة في ذلك، ولم أقف عليها في " سننه الصغرى "، فالظاهر أنها في " الكبرى " له. (ن)
قلت: هو في " السنن الكبرى " (7079 - 7081) .
(2) • في " المرضى ". (ن)
(3) صحيح؛ انظر " أحكام الجنائز " (ص 49) .
(4) رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (4 / 397) ، وضعفه؛ لكن: ذكر أن له شواهد. والله أعلم.

(1/430)


وقد ذهب إلى ذلك الجمهور.
قال في " المسوى ": " اتفقوا على جواز غسل المرأة زوجها، واختلفوا في غسل الزوج امرأته.
قالت الحنفية: لا يجوز، فإن لم يكن إلا الزوج يممها.
وقال الشافعي: يجوز؛ لما مر ".
( [غسل الميت ثلاثا أو خمسا أو أكثر] :)
(ويكون الغسل ثلاثا أو خمسا أو كثر بماء وسدر) (1) : لقوله [صلى الله عليه وسلم] للنسوة الغاسلات لابنته زينب: " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك - إن رأيتن - بماء وسدر، واجعلن في الأخيرة كافورا "؛ وهو في " الصحيحين " من حديث أم عطية.
وفي لفظ لهما أيضا: " اغسلنها وترا: ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك؛ إن رأيتن ".
وفيه دليل على تفويض عدد الغسلات إلى الغاسل.
قال في " الحجة ": " إنما أمر بالسدر وزيادة الغسلات؛ لأن المريض مظنة الأوساخ والرياح المنتنة ". اه.
(وفي الآخرة كافور) : لقوله [صلى الله عليه وسلم] : " واجعلن في الآخرة كافورا "، كما
__________
(1) السدر: ورق النبق. (ش)

(1/431)


سبق، وإنما أمر بالكافور في الآخرة؛ لأن من خاصيته أن لا يسرع التغير فيما استعمل [فيه] .
ويقال: من فوائده أنه لا يقرب منه حيوان مؤذ.
( [تقديم الميامن في غسل الميت] :)
(وتقدم الميامن) : ليكون غسل الموتى بمنزلة غسل الأحياء، وليحصل إكرام هذه الأعضاء.
ودليله قوله [صلى الله عليه وسلم] في حديث أم عطية هذا: " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ".
قال ابن القيم: " السنة الصحيحة الصريحة في ضفر رأس الميت ثلاث ضفائر، كقوله في " الصحيحين " في غسل ابنته: " اجعلوا رأسها ثلاثة قرون "، قالت أم عطية: ضفرنا رأسها وناصيتها وقرنيها، ثلاثة قرون، وألقيناه من خلفها.
فرد ذلك بأنه يشبه زينة الدنيا {وإنما يرسل شعرها شقتين على ثديها} !
وسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أحق بالاتباع. اه.
( [الشهيد لا يغسل] :)
(ولا يغسل الشهيد) : بل يدفن في ثيابه ودمائه؛ تنويها بما فعل، وليتمثل صورة بقاء عمله بادي الرأي، وهذا هو الحق؛ لما ثبت في شهداء أحد أنه

(1/432)


-[صلى الله عليه وسلم]- أمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، وهو في " الصحيح ".
وما قيل بأن الترك إنما كان لكثرة القتلى وضيق الحال: فمردود بما عند أحمد (1) في هذا الحديث عنه [صلى الله عليه وسلم] ، أنه قال في قتلى أحد: " لا تغسلوهم؛ فإن كل جرح أو كل دم؛ يفوح مسكا يوم القيامة ".
وأخرج أبو داود عن جابر، قال: رمي رجل بسهم في صدره - أو في حلقه -، فمات؛ فأدرج في ثيابه كما هو، ونحن مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؛ وإسناده على شرط مسلم.
وعن ابن عباس عند أبي داود، وابن ماجة، قال: أمر النبي [صلى الله عليه وسلم] بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم؛ وفي إسناده علي بن عاصم الواسطي، وقد تكلم فيه جماعة، وفيه أيضا عطاء بن السائب؛ وفيه مقال (2) .
وفي الباب أحاديث.
وبالجملة: فقد جرت السنة في الشهيد أن لا يغسل، ولم يرو أنه [[صلى الله عليه وسلم]] غسل شهيدا؛ وبه قال الجمهور.
وأما من أطلق عليه اسم الشهيد - كالمطعون والمبطون (3) والنفساء ونحوهم -: فقد حكى في " البحر " الإجماع على أنهم يغسلون.
__________
(1) في " المسند " (3 / 299) ؛ وسنده صحيح؛ كما في " الإرواء " (3 / 164) .
(2) ضعيف؛ " الإرواء " (709) .
(3) • أي: الذي يموت بمرض بطنه؛ كالاستسقاء ونحوه. " نهاية ".
وقيل: أراد هنا النفاس؛ وهو أظهر؛ قاله السيوطي في " حاشيته على النسائي " (ن)
قلت: والمقصود الشهادة الحكمية لا الحقيقية.

(1/433)


(3 - فصل: تكفين الميت)
( [تكفين الميت واجب ولو لم يملك غير الكفن] :)
(ويجب تكفينه) : الأصل في التكفين التشبه بحال النائم المسجى بثوبه.
أكمله في الرجل: إزار وقميص وملحفة أو حلة، وفي المرأة: هذه مع زيادة ما؛ لأنها يناسبها زيادة الستر.
(بما يستره) : لأمره -[صلى الله عليه وسلم]- بإحسان الكفن؛ كما في حديث: " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه "؛ وهو في " صحيح مسلم " وغيره من حديث أبي قتادة (1) ، والكفن الذي لا يستر ليس بحسن (2) .
(ولو لم يملك غيره) ؛ أي: الكفن؛ لأمره -[صلى الله عليه وسلم]- بتكفين مصعب بن عمير في النمرة (3) التي لم يترك غيرها؛ كما في
__________
(1) • إنما هو عند مسلم (3 / 50) من حديث جابر.
وأما حديث أبي قتادة؛ فرواه الترمذي، وابن ماجة. (ن)
(2) • بل هو الذي ورد الحديث بسببه كما في " المسند " (3 / 295) عن جابر: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] خطب يوما، فذكر رجلا من أصحابه قبض؛ فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلا، فزجر النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه؛ إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي [صلى الله عليه وسلم] : " إذا كفن ... " الحديث، وهو صحيح على شرط مسلم. (ن)
(3) النمرة - بفتح النون وكسر الميم -: شملة فيها خطوط بيض وسود، أو بردة من صوف يلبسها الأعراب. قاله في " القاموس ". (ش)

(1/434)


" الصحيحين " وغيرهما من حديث خباب بن الأرت.
( [جواز الزيادة في الكفن مع القدرة من دون مغالاة] :)
(ولا بأس بالزيادة مع التمكن من غير مغالاة) : لما وقع منه -[صلى الله عليه وسلم]- في كفن ابنته؛ فإنه كان يناول النساء ثوبا ثوبا؛ وهو عند الباب، فناولهن الحقو (1) ، ثم الدرع، ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر؛ أخرجه أحمد (2) ، وأبو داود من حديث ليلى بنت قائف الثقفية.
وقد كفن -[صلى الله عليه وسلم]- في ثلاثة اثواب سحولية (3) جدد يمانية، ليس فيها قميص ولا عمامة؛ أدرج فيها إدراجا "؛ وهو في " الصحيحين ".
وأخرج أبو داود (4) من حديث علي (5) : " لا تغالوا في الكفن؛ فإنه يسلب سريعا ".
__________
(1) • معقد الإزار. (ن)
(2) • في " المسند " (6 / 380) ، ومن طريقه أبو داود، وأخرجه البيهقي (6 / 4 - 7) ، وإسناده لا يصح، فيه نوح بن حكيم الثقفي؛ وهو مجهول، كما في " التقريب ".
وقال المنذري في " مختصره " (2028) : " ليس بمشهور ". (ن)
(3) بفتح السين وضمها؛ نسبة إلى سحول؛ قرية باليمن.
قال ابن الأعرابي وغيره: هي ثياب بيض نقية، لا تكون إلا من القطن. (ش)
(4) • في " سننه " (2 / 61 - 62) ، وعنه البيهقي (3 / 403) ؛ وفيه عمرو أبو مالك الجنبي؛ وهو ابن هشام؛ وهو لين الحديث، كما في " التقريب ". (ن)
(5) • مرفوعا. (ن)

(1/435)


أقول: أراد العدل بين الإفراط والتفريط، وأن لا ينتحلوا عادة الجاهلية في المغالاة.
والحاصل: أنه لا ريب في مشروعية الكفن للميت، ولا شك في عدم وجوب زيادة على الواحد، ولم يثبت عنه [صلى الله عليه وسلم] كون الكفن على صفة من الصفات، أو عدد من الأعداد؛ إلا ما كان منه [صلى الله عليه وسلم] في تكفين ابنته أم كلثوم.
وهذا الحديث - وإن كان فيه مقال - لكنه لا يخرج به عن حد الاعتبار.
فغاية ما يقال: إنه يستحب أن يكون كفن المرأة على هذه الصفة (1) ، وأما كفن الرجل؛ فلم يثبت عنه إلا الأمر بالتكفين في الثوب الواحد، كما في قتلى أحد، وفي الثوبين؛ كما في المحرم الذي وقصته ناقته.
وليس تكثير الأكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود؛ فإنه لولا ورود الشرع به: لكان من إضاعة المال؛ لأنه لا ينتفع به الميت، ولا يعود نفعه على الحي، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال: " إن الحي أحق بالجديد (2) "؛ لما قيل له عند تعيينه لثوب من أثوابه في كفنه: " إن هذا خلق " (3) .
__________
(1) • فيه أن الاستحباب حكم شرعي، وهو لا يثبت بمثل هذا الحديث الضعيف، فتأمل! لا سيما وهو بظاهره أقرب إلى المغالاة منه إلى العدل. (ن)
(2) • أخرجه البيهقي (3 / 399) عن عائشة: لما اشتد مرض أبي بكر بكيت ... فأفاق. . ثم قال: أي يوم توفي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؟ قالت: فقلت: يوم الاثنين، فقال: فأي يوم هذا؟ قلت: يوم الاثنين ... قالت: وقال: في كم كفنتم رسول الله؟ قال - كذا -: كنا كفناه في ثلاثة أثواب سحولية بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وبه درع زعفران أو مشق، واجعلوا معه ثوبين جديدين، فقالت عائشة: فقلت: إنه خلق، فقال لها: الحي أحوج إلى الجديد من الميت؛ إنما هو للمهلة.
وإسناده صحيح. (ن)
(3) بفتح اللام؛ وهو الثوب البالي. (ش)

(1/436)


والأولى أن يكون الكفن من الأبيض؛ لحديث: " البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم "؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والترمذي - وصححه -، والشافعي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وصححه ابن القطان.
وفي معناه أحاديث أخر عن عمران، وسمرة، وأنس، وابن عمر، وأبي الدرداء.
( [الشهيد يكفن في ثيابه التي قتل فيها] :)
(ويكفن الشهيد في ثيابه التي قتل فيها) : فقد كان ذلك صنعه -[صلى الله عليه وسلم]- في الشهداء المقتولين معه.
وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن ماجة من حديث ابن عباس، قال: أمر رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- يوم أحد بالشهداء؛ أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وقال: " ادفنوهم بدمائهم وثيابهم " (1) .
وأخرج أحمد من حديث عبد الله بن ثعلبة: أن النبي -[صلى الله عليه وسلم]- قال يوم أحد: " زملوهم في ثيابهم " (2) .
( [تطييب بدن الميت وكفنه سنة] :)
(وندب تطييب بدن الميت وكفنه) : لحديث جابر عند أحمد، والبيهقي (3) ،
__________
(1) ضعيف؛ " الإرواء " (709) .
(2) خرجه شيخنا في " أحكام الجنائز " (ص 80 - طبعة المعارف) ، ولكن من غير تصحيح.
(3) • في " سننه الكبرى " (3 / 405) ، وإسناده صحيح على شرط مسلم، لكن نقل البيهقي عن

(1/437)


والبزار - بإسناد رجاله رجال الصحيح -، قال: " قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " إذا أجمرتم الميت؛ فأجمروه (1) ثلاثا ".
ولقوله [صلى الله عليه وسلم] في حديث المحرم الذي وقصته ناقته: " ولا تمسوه بطيب "؛ وهو في " الصحيح " من حديث ابن عباس؛ فإن ذلك يشعر أن غير المحرم يطيب، ولا سيما مع تعليله [صلى الله عليه وسلم] بقوله: " فإنه يبعث ملبيا ".
قال في " الحجة ": " فوجب المصير إليه ".
وإلى هذه النكتة أشار النبي [صلى الله عليه وسلم] بقوله: " الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها (2) ".
وأما ما قيل: تتبع بالطيب مساجده {} فلعل وجه ما قاله ابن مسعود ومن بعده، تكريم هذه الأعضاء لكون الاعتماد عليها في أشرف طاعات الله وهي الصلاة، ولم يرد في ذلك من المرفوع شيء، ولكنه يحسن لستر ما لعله يظهر من روائح الميت التي يتأذى بها المتولون لتجهيزه.
__________
ابن معين، أنه قال: تفرد برفعه يحيى بن آدم.
وهذا لا يضر؛ فإن يحيى بن آدم ثقة حافظ فاضل، كما في " التقريب ".
وأخرجه البخاري (3 / 196 - 197) ، وأحمد (6 / 45) ، وابن سعد في " الطبقات " (3 ق / ص 139) ببعض اختصار، ولفظ الكتاب من البخاري.
وفي رواية أحمد، وابن سعد: أفلا تجعلها جددا كلها؟ فقال: لا.
قال الحافظ: " وظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الأكفان، ويؤيده قوله بعد ذلك: إنما هو للمهلة "، ثم ذكر حديث علي عند أبي داود، وقال: " ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين الكفن؛ فإنه يجمع بينهما بحمل التحسين على الصفة، وحمل المبالغة على الثمن، وقيل: التحسين حق الميت، فإذا أوصى بتركه اتبع؛ كما فعل الصديق " (ن)
(1) الإجمار: التبخير بالبخور. (ش)
(2) " الصحيحة " (1671) .

(1/438)


(4 - فصل صلاة الجنازة)
( [الصلاة على الجنازة فرض كفاية] :)
(وتجب الصلاة على الميت) : لأن اجتماع أمة من المؤمنين شافعين للميت؛ له تأثير بليغ في نزول الرحمة عليه.
والصلاة على الأموات ثابتة ثبوتا ضروريا من فعله [صلى الله عليه وسلم] وفعل أصحابه، ولكنها من واجبات الكفاية؛ لأنهم قد كانوا يصلون على الأموات في حياته [صلى الله عليه وسلم] ولا يؤذونه (1) ؛ كما في حديث السوداء التي كانت تقم (2) المسجد، فإنه لم يعلم النبي [صلى الله عليه وسلم] إلا بعد دفنها، فقال لهم: " ألا آذنتموني؟ ! "؛ وهو في " الصحيح "، وامتنع من الصلاة على من عليه دين، وأمرهم بأن يصلوا عليه.
( [يقف الإمام حذاء رأس الرجل، ووسط المرأة] :)
(ويقوم الإمام حذاء رأس الرجل، ووسط المرأة) : لحديث أنس بن مالك: أنه صلى على جنازة رجل، فقام عند رأسه، فلما رفعت أتي بجنازة امرأة، فصلى عليها، فقام وسطها، فسئل عن ذلك، وقيل له: هكذا كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقوم من الرجل حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت؟ قال: نعم؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي - وحسنه -، وابن ماجة.
__________
(1) أي: لا يعلمونه. (ش)
(2) تقم؛ أي: تجمع القمامة؛ وهي الكناسة. (ش)

(1/439)


ولفظ أبي داود: " هكذا كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يصلي على الجنازة كصلاتك؛ يكبر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم.
وفي " الصحيحين " من حديث سمرة، قال: صليت وراء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الصلاة وسطها ".
والخلاف في المسألة معروف، وهذا هو الحق.
أقول: الثابت عنه [صلى الله عليه وسلم] ؛ أنه كان يقف مقابلا لرأس الرجل، ولم يثبت عنه غير ذلك.
وأما المرأة؛ فروي أنه كان يقوم مقابلا لوسطها، وروي أنه كان يقوم مقابلا لعجيزتها، ولا منافاة بين الروايتين، فالعجيزة يصدق عليها أنها وسط.
وإيثار ما ثبت عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند أئمة الفن، الذين هم المرجع لغيرهم؛ واجب.
ولم يقل أحد من أهل العلم بترجيح قول أحد من الصحابة - أو من غيرهم - على قول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وفعله، وهذا مما لا ينبغي أن يخفى.
( [التكبير أربعا أو خمسا على الجنازة] :)
(ويكبر أربعا أو خمسا) : لورود الأدلة بذلك.
أما الأربع فثبتت ثبوتا متواترا من طريق جماعة من الصحابة: أبي

(1/440)


هريرة، وابن عباس، وجابر، وعقبة بن عامر، والبراء بن عازب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم -.
وأما الخمس؛ فثبتت في " الصحيح " من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا؛ وإنه كبر على جنازة خمسا، فسألته؟ فقال: كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يكبرها "؛ أخرجه مسلم، وأحمد، وأهل " السنن ".
وأخرج أحمد عن حذيفة: أنه صلى على جنازة، فكبر خمسا، ثم التفت، فقال: ما نسيت ولا وهمت، ولكن كبرت كما كبر النبي [صلى الله عليه وسلم] ، صلى على جنازة فكبر خمسا؛ وفي إسناده يحيى بن عبد الله الجابري؛ وهو ضعيف.
وقد اختلف الصحابة فمن بعدهم في عدد تكبير صلاة الجنازة: فذهب الجمهور إلى أنه أربع، وذهب جماعة من الصحابة فمن بعدهم إلى أنه خمس.
وقال القاضي عياض: اختلفت الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع.
قال ابن عبد البر: وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع، وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع؛ على ما جاء في الأحاديث الصحاح، وما سوى ذلك عندهم؛ فشذوذ لا يلتفت إليه (1) . اه.
وهذه الدعوى مردودة؛ فالخلاف في ذلك معروف بين الصحابة وإلى
__________
(1) انظر مناقشة ذلك في " أحكام الجنائز " (ص 143 - 147) لشيخنا.

(1/441)


الآن، ولا وجه لعدم العمل بالخمس بعد خروجها من مخرج صحيح مع كونها زيادة غير منافية؛ إلا أن يصح ما رواه ابن عبد البر في " الاستذكار " من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبيه: كان النبي -[صلى الله عليه وسلم]- يكبر على الجنائز أربعا وخمسا وسبعا وثمانيا، حتى جاء موت النجاشي، فخرج فكبر أربعا، ثم ثبت النبي -[صلى الله عليه وسلم]- على أربع، حتى توفاه الله - تعالى - (1) .
على أن استمراره على الأربع لا ينسخ ما وقع منه [صلى الله عليه وسلم] من الخمس؛ ما لم يقل قولا يفيد ذلك.
وقد أخرج الطبراني في " الأوسط " (2) عن جابر مرفوعا: " صلوا على موتاكم بالليل والنهار، والصغير والكبير، والدنيء والأمير؛ أربعا "؛ وفي إسناده عمرو بن هشام البيروتي؛ تفرد به عن ابن لهيعة، وما أحق هذا بأن لا يصح ولا يثبت!
وقد روى البخاري عن علي: أنه كبر على سهل بن حنيف ستا، وقال: إنه شهد بدرا.
وروى سعيد بن منصور عن الحكم بن عتيبة، أنه قال: كانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا.
__________
(1) وطرقه - كلها - ضعيفة؛ انظر " أحكام الجنائز " (ص 145) ، و " الاستذكار " (8 / 239) .
(2) (برقم: 1295 - " مجمع البحرين ") وضعفه الهيثمي في " المجمع " (3 / 35) .
وأوله في " سنن ابن ماجة " (1522) بنفس الإسناد.

(1/442)


( [بعد التكبيرة الأولى يقرأ الفاتحة وسورة] :)
(ويقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة وسورة) : لحديث ابن عباس عند البخاري وأهل " السنن ": أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنه من السنة.
ولفظ النسائي: فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر، فلما فرغ قال: سنة وحق.
وروى الشافعي في " مسنده " عن أبي أمامة بن سهل: أنه أخبره رجل من أصحاب النبي -[صلى الله عليه وسلم]-: أن السنة في الصلاة على الجنازة؛ أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه، ثم يصلي على النبي -[صلى الله عليه وسلم]-، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، ولا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرا في نفسه؛ قال في " الفتح ": وإسناده صحيح.
وقد أخرجه عبد الرزاق، والنسائي بدون قوله: بعد التكبيرة، ولا قوله: ثم يسلم سرا في نفسه.
قال في " الحجة ": " ومن السنة قراءة الفاتحة؛ لأنها خير الأدعية وأجمعها، علمها الله - تعالى - عباده في محكم كتابه " أهـ.
والحاصل: أن الموطن موطن دعاء، لا موطن قراءة قرآن، فيتوجه الاقتصار على ما ورد وهو الفاتحة وسورة، ويكون ذلك بعد التكبيرة الأولى، ويشتغل فيما بعدها بمحض الدعاء.

(1/443)


( [الأدعية المأثورة في الصلاة على الميت] :)
(ويدعو بين التكبيرات بالأدعية المأثورة) : منها ما أخرجه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه من حديث أبي هريرة، قال: كان النبي -[صلى الله عليه وسلم]- إذا صلى على جنازة قال: " اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم {من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ".
زاد أبو داود، وابن ماجه: " اللهم} لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده ".
وأخرجه أيضا النسائي، وابن حبان، والحاكم، قال: وله شاهد صحيح من حديث عائشة نحوه.
وأخرج هذا الشاهد الترمذي، وأعله بعكرمة بن عمار.
وأخرج مسلم وغيره من حديث عوف بن مالك، قال: سمعت النبي -[صلى الله عليه وسلم]- يقول: " اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر، وعذاب النار ".
وقد وردت أدعية متنوعة في أحاديث صحيحة؛ هي أولى من الاستحسانات التي ذكرها الفقهاء في كتبهم من عند أنفسهم، فإنهم لم يقصدوا أنها أولى من الثابت عنه [صلى الله عليه وسلم] ، ولكن فن الرواية هم عنه بمعزل، فضاقت عليهم المسالك؛ وهي واسعة.

(1/444)


قال في " الحجة البالغة ": ومن دعاء النبي [صلى الله عليه وسلم] على الميت: " اللهم {إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك؛ فقه من فتنة القبر وعذاب النار؛ وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم} اغفر له وارحمه؛ إنك أنت الغفور الرحيم " (1) .
وأما الصلاة على الجنائز في المساجد: فغاية ما استدل به من قال بالكراهة؛ ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " من صلى على جنازة في المسجد؛ فلا شيء عليه " (2) .
وأخرجه ابن ماجه بلفظ: " فليس له شيء ".
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأجوبة:
منها: أنه ضعيف؛ كما قاله جماعة من الحفاظ؛ فإن في إسناده صالحاً - مولى التوأمة - (3) .
ومنها: أن الذي في النسخ المشهورة الصحيحة من " سنن أبي داود " بلفظ: " فلا شيء عليه " كما تقدم.
وعلى فرض ثبوت الرواية باللفظ الآخر؛ فيجب تأويلها؛ لما ثبت من صلاته [صلى الله عليه وسلم] على ابني بيضاء في المسجد.
__________
(1) حديث صحيح؛ انظر " أحكام الجنائز " (ص 158) .
(2) هذه الرواية ضعيفة، والتي تليها هي الصحيحة؛ فانظر تفصيل ذلك - رواية ودراية - في " الصحيحة " (2351) .
(3) بل الحديث ثابت؛ فانظر التعليق السابق.

(1/445)


بل أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (1) : أن الصحابة صلوا على أبي بكر وعمر في المسجد.
وأما إنكار من أنكر على عائشة (2) فلا حجة فيه، ولا سيما وقد انقطع عند أن قامت عليه الحجة.
وأما الصلاة على الجنازة فرادى؛ فأقول: الاستدلال ممن قال باشتراط التجميع فيها بأنه [صلى الله عليه وسلم] ما صلى على جنازة إلا في جماعة: لا تتم به الحجة؛ لأن الأصل في كل صلاة مشروعة أن تكون كالصلوات الخمس في إجزائها فرادى كما تجزئ جماعة.
ومن زعم غير ذلك فعليه الدليل.
ولو كان فعلها منه [صلى الله عليه وسلم] في جماعة تقوم به الحجة؛ للزم في صلاة الفرائض الخمس أن لا تصح إلا جماعة؛ لأنه [صلى الله عليه وسلم] لم يؤدها إلا جماعة.
إذا تقرر هذا: فالاقتصار في الاستدلال لصحة صلاة الجنازة فرادى على ما ذكرناه مغن عن غيره؛ فإن تحقيق إجماع الصحابة على تجويز الصلاة عليه [صلى الله عليه وسلم] عند موته فرادى (3) ممنوع؛ لأنهم قد تفرقوا بعض تفرق في تلك الحال، وإن كان الباقون في المدينة جمهورهم وأكابرهم.
ثم لو فرض الإجماع على ذلك: فهو إجماع سكوتي، وانتهاضه
__________
(1) في " المصنف " (3 / 364) .
(2) كما في " صحيح مسلم " (973) في قصة جنازة سعد.
(3) انظر " مختصر الشمائل المحمدية " (333) لشيخنا.

(1/446)


للاحتجاج فيه ما لا يخفى على عارف بالأصول.
ثم هذا مبني على صدور ذلك، ولم يرد إلا بإسناد ضعيف أنهم فعلوا ذلك.
وأما ما يقال: إنه [صلى الله عليه وسلم] أوصاهم بأن يصلوا عليه فرادى، ففي إسناده عبد المنعم بن إدريس؛ وهو - كما قيل - كذاب، وصرح بعض الحفاظ بأن الحديث موضوع.
( [لا يصلى على الغال] :)
(ولا يصلى على الغال) (1) : لامتناعه [صلى الله عليه وسلم] في غزاة خيبر من الصلاة على الغال (2) ؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) هو الذي سرق من الغنيمة قبل قسمها. (ش)
(2) • في " المسند " (4 / 114) ، و (5 / 192) ، وهو في " السنن " في " الجهاد "؛ إلا النسائي ففي " الجنائز " (1 / 278) ، ومالك أيضا في " الجهاد " (2 / 14) بإسناد صحيح: أن رجلا من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؟ فقال: " صلوا على صاحبكم "، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: " إن صاحبكم غل في سبيل الله "، ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزا من خرز يهود؛ لا يساوي درهمين.
قلت: وإذا كان هذا لفظ الحديث، وفيه أمره - عليه السلام - أصحابه بالصلاة على الغال؛ فالاستدلال به حينئذ على ترك الصلاة ليس بالصواب، بل الحديث يدل على عكس ما ذهب إليه المصنف - رحمه الله -، فالحق قوله في " نيل الأوطار " (4 / 40) تحت هذا الحديث: " فيه جواز الصلاة على العصاة، وأما ترك النبي [صلى الله عليه وسلم] للصلاة عليه؛ فلعله للزجر عن الغلول، كما امتنع من الصلاة على المديون، وأمرهم بالصلاة عليه ". (ن)
قلت: وفي " الإرواء " (726) - كذلك - تضعيفه.
ولكن؛ ورد في " أحكام الجنائز " (ص 103) - وهي من أحدث وآخر تآليف الشيخ - أن للحديث شاهدين.

(1/447)


( [لا يصلى على قاتل نفسه] :)
(وقاتل نفسه) : لحديث جابر بن سمرة عند مسلم، وأهل " السنن ": أن رجلا قتل نفسه بمشاقص (1) ، فلم يصل عليه النبي [صلى الله عليه وسلم] .
( [لا يصلى على الكافر] :)
(والكافر) ، وذلك هو المعلوم منه [صلى الله عليه وسلم] ؛ فإنه لم ينقل عنه أنه صلى على كافر، وقد صرح بذلك القرآن الكريم، قال الله - عز وجل - {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} .
( [لا يصلى على الشهيد] :)
(والشهيد) ، وقد اختلفت الروايات في ذلك، وقد ثبت في " صحيح البخاري " من حديث جابر: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يصل على شهداء أحد.
وأخرجه أيضا أهل " السنن ".
وأخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي، والحاكم من حديث أنس أنه [صلى الله عليه وسلم] لم يصل عليهم.
أقول: لا يشك من له أدنى إلمام بفن الحديث؛ أن أحاديث الترك أصح إسنادا وأقوى متنا، حتى قال بعض الأئمة: إنه كان ينبغي لمن عارض أحاديث النفي بأحاديث الإثبات أن يستحي على نفسه، لكن الجهة التي جعلها المجوزون وجه ترجيح وهي الإثبات؛ لا ريب أنها من المرجحات الأصولية؛
__________
(1) جمع مشقص - كمنبر -: نصل عريض أو طويل، أو سهم فيه ذلك. (ش)

(1/448)


إنما الشأن في صلاحية أحاديث الإثبات لمعارضة أحاديث النفي؛ لأن الترجيح فرع المعارضة.
والحاصل: أن أحاديث الإثبات مروية من طرق متعددة؛ لكنها جميعا متكلم عليها.
وقد أطال الماتن الكلام على هذا في " شرح المنتقى "، وسرد الروايات المختلفة واختلاف أهل العلم في ذلك؛ فليرجع إليه؛ فإن هذا المقام من المعارك.
( [يصلى على القبر وعلى الغائب] :)
(ويصلى على القبر وعلى الغائب) : لحديث - أنه -[صلى الله عليه وسلم]- انتهى إلى قبر رطب، فصلى عليه، وصفوا خلفه، وكبر أربعا؛ وهو في " الصحيحين " من حديث ابن عباس.
وكذلك صلاته على قبر السوداء التي كانت تقم المسجد؛ وهو أيضا في " الصحيحين "، وغيرهما من حديث أبي هريرة.
وصلى على قبر أم سعد، وقد مضى لذلك شهر؛ أخرجه الترمذي (1) .
وصلى على النجاشي هو وأصحابه؛ كما في " الصحيحين " وغيرهما من حديث جابر، وأبي هريرة، وهو مات في دياره بالحبشة فصلى عليه النبي -[صلى الله عليه وسلم]- بالمدينة.
__________
(1) (رقم 1038) بسند مرسل!

(1/449)


والخلاف في الصلاة على القبر والغائب (1) معروف؛ ولم يأت المانع بشيء يُعتد به.
أقول: الأدلة ثابتة في الصلاة على القبر ثبوتا لا يقابله أهل العلم بغير القبول.
أما فيمن لم يصل عليه؛ فالأمر أوضح من أن يخفى، ولا تزال الصلاة مشروعة عليه؛ ما علم الناس أنه لم يصل عليه أحد.
وأما فيمن قد صُلي عليه: فلمثل حديث السوداء المتقدم، ومعلوم أن الميت لا يدفن في عصره [صلى الله عليه وسلم] بدون صلاة عليه.
وأما المانعون من الصلاة على القبر مطلقا: فأشف ما استدلوا به؛ ما روي عنه [صلى الله عليه وسلم] في حديث السوداء المذكور، أنه قال: " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم " (2) .
قالوا: فهذا يدل على اختصاصه [صلى الله عليه وسلم] بذلك.
وتُعقِّب بأنه [صلى الله عليه وسلم] لم ينكر على من صلى معه على القبور، ولو كان خاصا به لأنكر عليهم.
وأجيب عن هذا التعقب؛ بأن الذي يقع بالتبعية لا يصلح للاستدلال به على الفعل أصالة.
__________
(1) ولكن بشرط التأكد - أو غلبة الظن - أنه لم يصل عليه في البلد الذي مات فيه، وانظر " أحكام الجنائز " (ص 118 - 119) .
(2) انظر ما سيأتي - بعد -.

(1/450)


وأحسن ما يجاب به عن هذه الزيادة؛ بأنها مدرجة في هذا الحديث، كما بين ذلك جماعة من أصحاب حماد بن زيد (1) .
على أنه يمكن الجواب بأن كون الله ينور القبور بصلاة رسوله [صلى الله عليه وسلم] عليها لا ينفي مشروعية الصلاة من غيره تأسيا به، لا سيما بعد قوله [صلى الله عليه وسلم] : " صلوا كما رأيتموني أصلي ".
قال ابن القيم في " إعلام الموقعين ": " رُدت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها "، وهذا حديث صحيح، والذي قاله هو الذي صلى على القبر، فهذا قوله وهذا فعله، ولا يناقض أحدهما الآخر؛ فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر، فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان؛ بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه؛ فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين.
ولا فرق بين كونه على النعش وعلى الأرض، وبين كونه في بطنها؛ بخلاف سائر الصلوات؛ فإنها لم تشرع في القبور، ولا إليها؛ لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد.
وقد لعن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من فعل ذلك، فأين ما لعن فاعله وحذر منه، وأخبر أن أهله شرار الخلق - كما قال: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة
__________
(1) الزيادة في " صحيح مسلم " (957) ، وأصله في " صحيح البخاري " (1337) بدونها!
وانظر مناقشة المسألة وتحقيقها في " الفصل للوصل المدرج في النقل " (2 / 613) للخطيب، و " السنن الكبرى " (4 / 47) للبيهقي، و " الفتح " (1 / 553) للحافظ ابن حجر.

(1/451)


وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد " - إلى ما فعله [صلى الله عليه وسلم] مراراً متكررة؟ ! وبالله التوفيق ".

(1/452)


(5 - المشي بالجنازة)
( [المشي بالجنازة سريعا] :)
(ويكون المشي بالجنازة سريعاً) : لحديث أبي بكرة عند أحمد، والنسائي، وأبي داود، والحاكم، قال: لقد رأيتنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؛ وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا (1) .
وأخرج البخاري في " تاريخه " (2) ، قال: أسرع النبي [صلى الله عليه وسلم] ، حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة؛ قربتموها إلى الخير، وإن كان غير ذلك؛ فشر تضعونه عن رقابكم ".
وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسراع مستحب، وقال ابن حزم بوجوبه (3) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المستحب التوسط؛ لحديث أبي موسى، قال: مرت برسول الله [صلى الله عليه وسلم] جنازة تمخض مخض الزق، فقال رسول الله
__________
(1) الرمل - بفتح الميم -: المشي مسرعا مع هز المنكبين. (ش)
قلت: وقد صححه النووي في " المجموع " (5 / 272) .
(2) (7 / 402) بسند حسن.
(3) انظر " المحلى " (5 / 154) - له -.

(1/453)


[صلى الله عليه وسلم] : " عليكم القصد "؛ أخرجه أحمد، وابن ماجة، والبيهقي؛ وفي إسناده ضعف.
وأخرج الترمذي، وأبو داود من حديث ابن مسعود، قال: سألنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن المشي خلف الجنازة؟ فقال: " ما دون الخبب؛ فإن كان خيرا عجلتموه، وإن كان شرا؛ فلا يبعد إلا أهل النار "؛ وفي إسناده مجهول (1) .
ولا يخفاك أن حديث أبي موسى لا يصلح للاحتجاج به، على فرض عدم وجود ما يعارضه، فكيف وقد عارضه ما هو في " الصحيحين " بلفظ الأمر؟ !
وأما حديث ابن مسعود فلا ينافي الإسراع، لأن الخبب هو ضرب من العدو، وما دونه إسراع.
أقول: والحق هو القصد في المشي، فالأحاديث المصرحة بمشروعية الإسراع؛ ليس المراد بها الإفراط في المشي الخارج عن حد الاعتدال، والأحاديث التي فيها الإرشاد إلى القصد؛ ليس المراد بها الإفراط في البطء، فيجمع بين الأحاديث بسلوك طريقة وسطى بين الإفراط والتفريط، يصدق عليها أنه إسراع بالنسبة إلى الإفراط في البطء، وأنها قصد بالنسبة إلى الإفراط في الإسراع، فيكون المشروع دون الخبب، وفوق المشي الذي يفعله من يمشي في غير مهم.
ويدل على ذلك ما أخرجه الترمذي، وأبو داود (2) عن ابن مسعود، قال: سألنا رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- عن المشي خلف
__________
(1) " ضعيف سنن ابن ماجة " (322) .
(2) وقد ضعفاه.

(1/454)


الجنازة؟ فقال: ما دون الخبب.
وقد ضعفه جماعة بأبي ماجد المذكور في إسناده، قيل: إنه مجهول، وقيل: منكر الحديث، والراوي عنه يحيى الجابري؛ وهو ضعيف.
وأخرج أحمد، والنسائي، والحاكم عن أبي بكرة، قال: لقد رأيتنا مع رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-؛ وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا " (1) ؛ فمعنى: نكاد نرمل؛ أي: نقارب الرمل.
( [المشي مع الجنازة سنة] :)
(والمشي معها) سنة، وهو ظاهر لأنه -[صلى الله عليه وسلم]- كان يمشي مع الجنائز هو وأصحابه، كما يفيد ذلك الأحاديث المتقدمة في صفة المشي، والأحاديث الآتية في التقدم والتأخر على الجنازة، ولحديث أبي هريرة الثابت في " الصحيح ": " من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ... " الحديث.
( [حمل الجنازة سنة] :)
(والحمل لها سنة) : لحديث ابن مسعود، قال: من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها؛ فإنه من السنة، ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع؛ أخرجه ابن ماجة، وأبو داود الطيالسي، والبيهقي من رواية أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود عنه (2) .
__________
(1) هذا الحديث وحديث ابن مسعود كررهما الشارح في هذه المسألة بدون مناسبة! فقد ذكرهما أولا وتكلم عنهما. (ش)
(2) أبو عبيدة لم يسمع من أبيه؛ وهو معروف. (ش)
قلت: وبهذا جزم شيخنا في " أحكام الجنائز " (ص 121) .

(1/455)


وفي الباب عن جماعة من الصحابة (1) ، والأحاديث يقوي بعضها بعضا، ولا تقصر عن إفادة مشروعية الحمل.
( [المتقدم على الجنازة والمتأخر عنها سواء] :)
(والمتقدم عليها والمتأخر عنها سواء) : لما ثبت في " صحيح مسلم " وغيره: أن الصحابة كانوا يمشون حول جنازة ابن الدحداح (2) .
وأخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي - وصححه -، وابن حبان - وصححه أيضا -، والحاكم - وقال: على شرط البخاري (3) - من حديث المغيرة: أن النبي -[صلى الله عليه وسلم]- قال: " الراكب خلف الجنازة، والماشي أمامها؛ قريبا منها؛ عن يمينها أو عن يسارها ".
ولفظ أبي داود: " والماشي يمشي خلفها، وأمامها، وعن يمينها، وعن يسارها قريبا منها ".
وفي لفظ لأحمد، والنسائي، والترمذي: " الراكب خلف الجنازة،
__________
(1) أين؟!
(2) • قلت: الذي في " صحيح مسلم " (3 / 60) وغيره عن جابر بن سمرة، قال: أتي النبي [صلى الله عليه وسلم] بفرس معرورى، فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح، ونحن نمشي حوله.
فأنت ترى أن الحديث ورد في الانصراف من الجنازة، لا في اتباعها، فما أبعد ما استدل به المؤلف عليه} (ن)
قلت: والفرس المعرورى، هو: العاري عن السرج.
(3) • ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقد خرجته في " التعليقات الجياد " (ج 3 / فصل 26 / ص 20 - 27) ، ولم أجد عندهم الرواية الأولى باللفظ الذي أورده المؤلف، فلعله عند ابن حبان.
ومعناه عند أبي داود وغيره. (ن)

(1/456)


والماشي حيث شاء منها ".
وأخرج أحمد، وأهل " السنن "، والدارقطني، والبيهقي، وابن حبان - وصححه - من حديث ابن عمر: أنه رأى النبي -[صلى الله عليه وسلم]- وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المشي أمام الجنازة أفضل، وبعضهم إلى أن المشي خلفها أفضل.
أقول: فإذا لم يكن المشي أمام الجنازة أفضل: فأقل الأحوال أن يكون مساويا للمشي خلفها في الفضيلة، ولم يأت حديث صحيح ولا حسن؛ أن المشي خلف الجنازة أفضل، وأقوال الصحابة مختلفة، فالحق أن ذلك سواء.
ولا ينافيه رواية من روى أنه -[صلى الله عليه وسلم]- مشى أمامها أو خلفها؛ فذلك سواء؛ لأن المشي مع الجنازة إنما يكون أمامها أو خلفها أو في جوانبها، وقد أرشد إلى ذلك النبي -[صلى الله عليه وسلم]- كما تقدم، فكل مكان من الأمكنة المذكورة هو من جملة ما أرشد إليه.
قال في " الحجة ": " وهل يمشي أمام الجنازة أو خلفها؟ وهل يحملها أربعة أو اثنان؟ وهل يسل من قبل رجليه، أو من القبلة؟
المختار: أن الكل واسع، وأنه قد صح في الكل حديث أو أثر " (1) أه.
( [الركوب مع الجنازة مكروه] :)
(ويكره الركوب) : لحديث ثوبان، قال: خرجنا مع رسول الله -
__________
(1) وفي " أحكام الجنائز " (ص 94 و 190) اختيار في هذه المسألة وترجيح.

(1/457)


[صلى الله عليه وسلم]- فرأى ناسا ركبانا، فقال: " ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله على أقدامهم، وأنتم على ظهور الدواب "؛ أخرجه ابن ماجة، والترمذي (1) .
وأخرج أبو داود (2) من حديث ثوبان - أيضا -: أن رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- أتي بدابة وهو مع جنازة، فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتي بدابة، فركب، فقيل له؟ ! فقال: " إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت ".
وقد خرج -[صلى الله عليه وسلم]- مع جنازة ابن الدحداح ماشيا، ورجع على فرس؛ كما في حديث جابر بن سمرة عند الترمذي - وقال: صحيح -.
ولا يعارض الكراهة ما تقدم من قوله: " الراكب خلف الجنازة؛ لأنه يمكن أن يكون ذلك لبيان الجواز مع الكراهة، أو المراد بأن كون الراكب خلفها
__________
(1) ابن ماجة (1 / 450) ، والترمذي (2 / 138) بشرح " التحفة " من طريق أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن ثوبان.
وكذا أخرجه الحاكم (1 / 356) ، والبيهقي (4 / 230) ، وقد سكتوا عنه؛ إلا أن الترمذي قال: " قد روي موقوفا ".
قلت: أخرجه كذلك البيهقي أيضا، وقال: إنه أصح، وكذا قال البخاري.
قلت: ومداره - مرفوعا وموقوفا - على أبي بكر هذا؛ وهو ضعيف، كما قال في " التحفة "، لكن ذكر البيهقي أن ثور بن زيد رواه عن راشد بن سعد، عن ثوبان موقوفا، وهو يرجح الموقوف، كما قال البيهقي. (ن)
(2) في " السنن " (4 / 64) ، وكذا البيهقي (4 / 23) ، وكذا الحاكم (1 / 335) من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ثوبان، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. (ن)
قلت: وهو كما قالا.

(1/458)


أن يكون بعيدا على وجه لا يكون في صورة من يمشي مع الجنازة.
( [يحرم النعي على الميت] :)
(ويحرم النعي) : لحديث حذيفة عند أحمد، وابن ماجة، والترمذي - وصححه -: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن النعي (1) .
وحديث ابن مسعود، عن النبي [صلى الله عليه وسلم] : " إياكم والنعي؛ فإن النعي عمل الجاهلية "؛ أخرجه الترمذي؛ وفي إسناده أبو حمزة ميمون الأعور، وليس بالقوي.
وفي الباب أحاديث.
والذي في " الصحاح " و " القاموس " و " النهاية " وغيرها من كتب اللغة: أن النعي: الإخبار بموت الميت، فظاهره تحريم ذلك، وإن لم يصحبه ما يستنكر كما كانت تفعله الجاهلية من إرسال من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق.
ولكنه قد ثبت أنه [صلى الله عليه وسلم] نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه؛ أي: أخبرهم، وأخبر بقتلى مؤتة، وقال في السوداء التي كانت تقم المسجد: " ألا أخبرتموني بموتها؟ ! "؛ فدلت هذه الأحاديث على جواز الإعلام بمجرد الموت؛ لمن يحضر الغسل والتكفين والصلاة، والمنع منه لغير ذلك.
__________
(1) انظر " صحيح سنن ابن ماجة " (1203) .

(1/459)


( [تحرم النياحة على الميت] :)
(والنياحة) : لحديث: " من نيح عليه يعذب (1) بما نيح عليه "؛ وهو في " الصحيحين " وغيرهما من حديث المغيرة.
وعلى النياحة تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن البكاء، وأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه.
وفي " صحيح مسلم " من حديث ابن عمر، عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ، قال: " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ".
وأخرج أحمد، ومسلم من حديث أبي مالك الأشعري: " النائحة - إذا لم تتب قبل موتها - تقام يوم القيامة؛ وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب ".
وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي موسى بلفظ: أنا بريء مما بريء منه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ؛ فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بريء من الصالقة (2) ، والحالقة، والشاقة ".
__________
(1) • أي: يتألم ويتوجع، قال شيخ الإسلام في تفسير حديث أبي ذر - بعد أن قرر أن ليس على أحد من وزر غيره شيء، وأنه لا يستحق إلا ما سعاه -، قال: (2 / 209 - من المجموعة المنيرية) :
" وإن ظن بعض الناس أن تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ينافي الأول! فليس كذلك؛ إذ ذلك النائح يعذب بنوحه، لا يحمل الميت وزره، ولكن الميت يناله ألم من فعل هذا كما يتألم الإنسان من أمور خارجة عن كسبه، وإن لم يكن جزاء الكسب والعذاب أعم من العقاب، كما قال النبي [صلى الله عليه وسلم] : " السفر قطعة من العذاب ".
وانظر تفصيل هذا البحث في " تهذيب السنن " لابن القيم (4 / 290) ، وقد صرح فيه بخطأ تفسير هذا الحديث على هذا الوجه، فراجعه؛ فإنه مفيد. (ن)
(2) • صلق يصلق صلقا: رفع صوته عند المصيبة. " المعجم المدرسي ". (ن)

(1/460)


أقول: الأحاديث في هذا الباب قد اختلفت، فمنها ما فيه الإذن بمطلق البكاء، ومنها ما فيه النهي عن مطلق البكاء، ووردت أحاديث مصرحة بالنهي عن النوح، كما تقدم بعض ذلك؛ ولم يأت ما يدل على جوازه.
واختلف الناس في الجمع بين الأحاديث، فالذي يترجح: الجزم بتحريم نفس النوح؛ لأنه أمر زائد على البكاء.
وأما ما لا يستطاع دفعه من دمع العين، وما عجز الطبع عن كتمه من الصوت فلا مانع منه، وعليه تحمل أحاديث الإذن بالبكاء، وفيها ما يرشد إلى هذا؛ فليعلم.
( [يحرم اتباع الجنازة بنار] :)
(واتباعها بنار، وشق الجيب، والدعاء بالويل والثبور) : لحديث أبي بردة، قال: أوصى أبو موسى حين حضره الموت، فقال: لا تتبعوني بمجمر، قالوا: أو سمعت فيه شيئا؟ ! قال: نعم، من رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-؛ أخرجه ابن ماجة؛ وفي إسناده مجهول (1) .
وقد كان هذا الفعل من أفعال الجاهلية.
وفي " الصحيحين " وغيرهما من حديث ابن مسعود، أن النبي -[صلى الله عليه وسلم]
__________
(1) • قلت: كلا؛ ليس فيه مجهول؛ بل رجاله معروفون، كلهم ثقات؛ غير أن أبا حريز - واسمه عبد الله بن حسين - تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، ولذلك قال في " الزوائد ": " إسناده حسن ".
وله شاهد من حديث أبي هريرة، رواه مالك في " الموطأ "، وأبو داود، والحديث في " ابن ماجة (1 / 453) ، و " البيهقي " (3 / 395) ؛ ثم تبين لي أن الشارح تبع الشوكاني في " نيل الأوطار " في هذا الوهم؛ فانظر (4 / 63) . (ن)

(1/461)


قال: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ".
( [السنة أن لا يقعد المتبع للجنازة حتى توضع] :)
(ولا يقعد المتبع لها حتى توضع) : لحديث: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها، فمن اتبع؛ فلا يجلس حتى توضع "؛ وهو في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي سعيد.
وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة نحوه.
وقد وردت أحاديث صحيحة في القيام للجنازة إذا مرت بمن كان قاعدا، كحديث: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها، حتى تخلفكم أو توضع "؛ وهو في " الصحيحين " وغيرهما من حديث ابن عمر وغيره.
وأخرج مسلم من حديث علي، قال: قام النبي -[صلى الله عليه وسلم]-؛ يعني: في الجنازة؛ ثم قعد.
وفي رواية من حديثه، قال: كان رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- أمرنا بالقيام في الجنازة، ثم جلس بعد ذلك، وأمرنا بالجلوس؛ رواه أحمد، وابن ماجة، وأبو داود، وابن حبان.
وأخرج أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والبزار من حديث عبادة بن الصامت: أن يهوديا قال - لما كان النبي [صلى الله عليه وسلم] يقوم للجنازة -: هكذا نفعل، فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] : " اجلسوا وخالفوهم "؛ وفي إسناده بشر بن أبي رافع، وليس

(1/462)


بالقوي - كما قال الترمذي -، وقال البزار: تفرد به بشر وهو لين.
فأفاد ما ذكرناه:
( [القيام للجنازة منسوخ] :)
(أن القيام لها) إذا مرت (منسوخ) ، وأما قيام الماشي خلفها حتى توضع على الأرض: فمحكم لم ينسخ (1) .
قال القاضي عياض: ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي هذا.
أقول: وهذا الحديث - بلفظ: ثم قعد -؛ لا يصلح لنسخ الأحاديث الصحيحة المصرحة بأمره [صلى الله عليه وسلم] لنا بالقيام، وعلل ذلك بأن الموت فزع، وقام لجنازة، فقيل: إنها جنازة يهودي! فقال: " أليست نفسا؟ " (2) ؛ فغاية ما يدل عليه قعوده - من بعد - هو أن القيام ليس بواجب عليه، وقد تقرر في الأصول أنه إذا فعل فعلا - لم يظهر منه التأسي به فيه، وكان ذلك مخالفا لما قد أمر به الأمة أو نهاها عنه -؛ فإنه يكون مختصا به، ويبقى حكم الأمر أو النهي للأمة على حاله (3) .
__________
(1) • قلت: بل هو منسوخ أيضا؛ بما أخرجه الطحاوي من طريق إسماعيل بن مسعود بن الحكم الزرقي، عن أبيه، قال: شهدت جنازة بالعراق، فرأيت رجالا قياما ينتظرون أن توضع، ورأيت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يشير إليهم؛ أن اجلسوا؛ فإن النبي [صلى الله عليه وسلم] قد أمرنا بالجلوس بعد القيام، وسنده حسن، كما ذكرت في " التعليقات الجياد " (3 / 30 - 31) .
وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه، كما ذكره النووي، ونقلت كلامه هناك؛ فراجعه. (ن)
(2) رواه البخاري (1312) ، ومسلم (961) .
(3) كلا؛ بل فعله [صلى الله عليه وسلم] يجب التأسي به مطلقا فيما كان من الشرائع، والخصوصية لا تثبت إلا بدليل صريح. (ش)

(1/463)


ولفظ: أمرنا بالجلوس (1) ؛ إن بلغ إلى حد الاعتبار صلح للنسخ، ويؤيده حديث عبادة بن الصامت المتقدم - وفيه ما تقدم -، والمقام عندي من المضايق.
__________
(1) • قلت: سنده حسن كما بينته في المصدر السابق، فهو صالح للاحتجاج به. (ن)
قلت: وانظر " أحكام الجنائز " (ص 78)

(1/464)


(6 - فصل: دفن الميت)
( [مواراة الميت ثابت في الشريعة ثبوتا ضروريا] :)
(ويجب دفن الميت) ، أي: مواراة جيفته (في حفرة) قبر؛ بحيث لا تنبشه السباع، و (تمنعه من السباع) ، ولا تخرجه السيول المعتادة.
ولا خلاف في ذلك، وهو ثابت في الشريعة ثبوتا ضروريا.
وقال النبي [صلى الله عليه وسلم] : " احفروا وأعمقوا وأحسنوا "؛ أخرجه النسائي (1) ، والترمذي - وصححه -.
( [جواز الضرح واللحد، مع أن اللحد أولى] :)
(ولا بأس بالضرح، واللحد أولى) : لأن اللحد أقرب من إكرام الميت، وإهالة التراب على وجهه - من غير ضرورة - سوء أدب.
ودليله حديث: أن أبا عبيدة بن الجراح كان يضرح، وأن أبا طلحة كان يلحد "، وقد أخرجه ابن ماجة (2) من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف.
__________
(1) • في " سننه " (1 / 283) ، والترمذي (3 / 36 - بشرح " التحفة ") ، والبيهقي - أيضا - (4 / 34) من حديث هشام بن عامر؛ وذكر فيه خلافا لا يضر - إن شاء الله تعالى -.
ثم الحديث وارد في شهداء أحد؛ وفيه: " ادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر ". (ن)
(2) (1 / 498) ، وكذا البيهقي (3 / 407) ، وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس. (ن)

(1/465)


وأخرج أحمد، وابن ماجة من حديث أنس، قال: لما توفي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان رجل يلحد وآخر يضرح، فقالوا: نستخير ربنا، ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا له "، وإسناده حسن (1) .
فتقريره [صلى الله عليه وسلم] للرجلين في حياته 0 هذا يلحد وهذا يضرح -؛ يدل على أن الكل جائز.
وأما أولوية اللحد: فلحديث ابن عباس، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : اللحد لنا والشق لغيرنا "؛ أخرجه أحمد، وأهل " السنن "، وقد حسنه الترمذي، وصححه ابن السكن؛ مع أن في إسناده عبد الأعلى بن عامر؛ وهو ضعيف.
وأخرج أحمد، والبزار، وابن ماجة من حديث جرير نحوه، وفيه عثمان ابن عمير؛ وهو ضعيف (2) .
وقد ذهب إلى ذلك الأكثر.
وحكى النووي في " شرح مسلم " (3) اتفاق العلماء على جواز اللحد والشق.
وعلى كل حال: اللحد أولى للخروج من الريبة، وإن كان المقام مقام احتمال.
__________
(1) • وهو كما قال، وصححه في " الزوائد "، وأخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 45) .
وله شاهد من حديث عائشة عند ابن ماجة (1 / 472) ، وصححه البوصيري، وهو خطأ؛ فإن فيه رجلا مجهولا؛ وهو عبيد بن طفيل المقريء. (ن)
(2) قلت: فهو يقويه؛ وانظر " أحكام الجنائز " (ص 145) .
(3) وعبارته في " المجموع " (7 / 287) : " وأجمع العلماء ... ".

(1/466)


( [كيف يدخل الميت في قبره؟] :)
(ويدخل الميت من مؤخر القبر) : لحديث عبد الله بن يزيد: أنه أدخل ميتا من قبل رجلي القبر، وقال: هذا من السنة؛ أخرجه أبو داود (1)
وأخرج ابن ماجة (2) من حديث أبي رافع، قال: سل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سعد بن معاذ سلا.
وقد روى الشافعي من حديث ابن عباس، وأبو بكر النجاد (3) من حديث ابن عمر: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] سل من قبل رأسه سلا.
وقد روى البيهقي من حديث ابن عباس، وابن مسعود، وبريدة: أنهم أدخلوا النبي [صلى الله عليه وسلم] من جهة القبلة (4) ؛ وقد ضعفها البيهقي.
ولا يعارض السنة ما وقع من بعض الصحابة عند دفنه [صلى الله عليه وسلم]
( [كيف يوضع الميت في قبره؟] :)
(ويوضع على جنبه الأيمن مستقبلا) ؛ وهو مما لا أعلم فيه خلافا.
__________
(1) • ومن طريقه أخرجه البيهقي (4 / 54) ، وقال: " إسناد صحيح، وقد قال: هذا من السنة؛ فصار كالمسند " (ن)
(2) (برقم 1551) ، وفي سنده مندل العنزي؛ وهو ضعيف.
(3) • اسمه أحمد بن سليمان البغدادي، ولد سنة (253) هـ، ومات سنة (348) هـ، وهو من الرواة عن أبي داود، ترجمه الذهبي في " تذكرته " (3 / 79 - 81) . (ن)
قلت: وفي سند الشافعي إبهام، ولم أقف على سند النجاد.
(4) • وقد ذكر الشافعي في " الأم " (1 / 241) أن هذا غير ممكن؛ لأن قبر النبي [صلى الله عليه وسلم] كان عن يمين الداخل إلى البيت لاصقا بالجدار، وقد ألحد له [صلى الله عليه وسلم] تحته، وهو قبلة البيت؛ فهو مانع من إدخاله [صلى الله عليه وسلم] من جهة القبلة. (ن)

(1/467)


( [يستحب لكل حاضر الحثو ثلاثا] :)
(ويستحب حثو التراب من كل من حضر ثلاث حثيات) : لحديث أبي هريرة: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت، فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا؛ أخرجه ابن ماجة، وأبو داود؛ وإسناده صحيح، لا كما قال أبو حاتم (1) {
وأخرج البزار، والدارقطني من حديث عامر بن ربيعة: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] حثى على قبر عثمان بن مظعون - ثلاثا - (2) .
وفي الباب غير ذلك.
( [لا يرفع القبر زيادة على شبر] :)
(ولا يرفع القبر زيادة على شبر) : لحديث علي عند مسلم، وأحمد، وأهل " السنن ": أنه بعثه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على أن لا يدع تمثالا إلا طمسه، ولا قبرا مشرفا إلا سواه.
وفي " مسلم " - أيضا - وغيره - من حديث جابر: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى أن يبنى على القبر.
وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي من حديث جعفر بن محمد، عن
__________
(1) في " العلل " (1 / 348) ؛ حيث أعله بالإرسال} وهذا منه قول مرجوح.
(2) • وفيه ضعف كما بينته في " التعليقات الجياد " (3 / 34) ، لكن مجموع ما ورد في الباب صالح للاحتجاج به. (ن)

(1/468)


أبيه: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رش على قبر ابنه إبراهيم، ووضع عليه حصباء، ورفعه شبرا (1) .
أقول: الأحاديث الصحيحة وردت بالنهي عن رفع القبور، وقد ثبت من حديث أبي الهياج ما تقدم، فما صدق عليه أنه قبر مرفوع أو مشرف - لغة -: فهو من منكرات الشريعة التي يجب على المسلمين إنكارها وتسويتها؛ من غير فرق بين نبي وغير نبي، وصالح وطالح، فقد مات جماعة من أكابر الصحابة في عصره [صلى الله عليه وسلم] ، ولم يرفع قبورهم، بل أمر عليا بتسوية المشرف منها، ومات -[صلى الله عليه وسلم]- ولم يرفع قبره أصحابه، وكان من آخر قوله: " لعن الله اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، ونهى أن يتخذوا قبره وثنا.
فما أحق الصلحاء والعلماء أن يكون شعارهم هو الشعار الذي أرشدهم إليه -[صلى الله عليه وسلم]-!
وتخصيصهم بهذه البدعة المنهي عنها؛ تخصيص لهم بما لا يناسب العلم والفضل؛ فإنهم لو تكلموا لضجوا من اتخاذ الأبنية على قبورهم وزخرفتها؛
__________
(1) • قلت: هو مرسل؛ وفيه عند البيهقي (3 / 411) إبراهيم بن محمد - وهو الأسلمي -؛ وهو مكشوف الحال، كما قال ابن التركماني، لكن أخرجه البيهقي أيضا من طريق أخرى، عن جعفر مرسلا؛ إلا أنه ذكر أن ذلك فعل بقبر النبي [صلى الله عليه وسلم] ؛ ورجاله ثقات، وقد وصله ابن حبان في " صحيحه "، فأسنده من هذا الوجه عن جابر كما في " التلخيص " (5 / 224) .
(فائدة) : وهل يسطح القبر أو يسنم؟ فيه خلاف؛ والصواب الثاني، وفي ذلك أثران ظاهرهما التعارض، وقد ذهب إلى كل واحد منهما بعض، والحق أنه لا تعارض؛ كما أشار إلى ذلك ابن القيم في " الزاد "، وبيناه في " التعليقات الجياد " (3 / 37) . (ن)

(1/469)


لأنهم لا يرضون بأن يكون لهم شعار من مبتدعات الدين ومنهياته، فإن رضوا بذلك في الحياة - كمن يوصي من بعده أن يجعل على قبره بناء، أو يزخرفه -؛ فهو غير فاضل، والعالم يزجره علمه عن أن يكون على قبره ما هو مخالف لهدي نبيه -[صلى الله عليه وسلم]-.
فما أقبح ما ابتدعه جهلة المسلمين من زخرفة القبور وتشييدها {وما أسرع ما خالفوا وصية رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند موته، فجعلوا قبره على هذه الصفة التي هو عليها الآن}
وقد شد من عضد هذه البدعة؛ ما وقع من بعض الفقهاء من تسويغها لأهل الفضل، حتى دونوها في كتب الهداية، والله المستعان {
ومثل هذا التسويغ: الكتب على القبور بعد ورود صريح النهي عن ذلك في الأحاديث الصحيحة (1) ؛ كأنه لم يكف الناس ابتداعهم في مطعمهم ومشربهم وملبوسهم وسائر أمور دنياهم، فجعلوا على قبورهم شيئا من هذه البدع؛ لتنادي عليهم بما كانوا عليه حال الحياة، وتغالوا في ذلك حتى جعلوه مختصا بأهل العلم والفضل؛ اللهم غفرا}
__________
(1) روى الحاكم في " المستدرك " (جزء 1 ص 370) من حديث جابر: نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن تجصيص القبور، والكتاب فيهما، والبناء عليها، والجلوس عليها، ثم قال: " هذه الأسانيد صحيحة؛ وليس العمل عليها؛ فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم، وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف ".
قال الذهبي عقبه: " قلت: ما قلت طائلا! ولا نعلم صحابيا فعل ذلك؛ وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم، ولم يبلغهم النهي ". (ش)
قلت: وانظر - للفائدة - " أحكام الجنائز " (ص 263) .

(1/470)


وما جعلوه وجها لرفع القبور - وهو تمييزها لأجل الزيارة -: فهذا ممكن بوضع حجر على القبر، أو بوضع قضيب، أو نحو ذلك، لا بتشييد الأبنية، ورفع الحيطان والقبب، وتزويق الظاهر والباطن.
( [زيارة القبور مشروعة للرجال والنساء] :)
(والزيارة للموتى مشروعة) ، أي: زيارة القبور؛ لحديث: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه؛ فزوروها فإنها تذكر الآخرة "، أخرجه الترمذي - وصححه -؛ وهو في " صحيح مسلم ".
وفي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة بنحو ذلك.
وفي الباب أحاديث.
وقد قيل باختصاص ذلك بالرجال؛ لحديث أبي هريرة: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لعن زوارات القبور؛ أخرجه أحمد، وابن ماجة، والترمذي - وصححه -، وابن حبان في " صحيحه ".
وفي الباب عن حسان بن ثابت عند أحمد، وابن ماجة، والحاكم.
وعن ابن عباس عند أحمد، وأهل " السنن "، والحاكم، والبزار؛ بإسناد فيه صالح - مولى التوأمة -؛ وهو ضعيف.
وقد وردت أحاديث في نهي النساء عن اتباع الجنائز، وهي تقوي المنع من الزيارة.

(1/471)


وروى الأثرم في " سننه "، والحاكم (1) من حديث عائشة: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رخص لهن في زيارة القبور.
وأخرج ابن ماجة عنها مختصرا: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رخص في زيارة القبور.
فيمكن أنها أرادت الترخيص الواقع في قوله [صلى الله عليه وسلم] : " فزوروها "؛ كما سبق، فلا يكون في ذلك حجة؛ لأن الترخيص العام لا يعارض النهي الخاص.
لكنه يؤيد ما روته عائشة: ما في " صحيح مسلم " عنها، أنها قالت: يا رسول الله {كيف أقول إذا زرت القبور؟ قال: " قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين ... " الحديث.
وروى الحاكم: أن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة (2) .
ويجمع بين الأدلة: بأن المنع لمن كانت تفعل في الزيارة ما لا يجوز من نوح ونحوه، والإذن لمن لم تفعل ذلك.
__________
(1) • أخرجه في (الجنائز) (ج 1 / ص 376) عن عبد الله بن أبي مليكة: أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين} من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم؛ كان نهى، ثم أمر بزيارتها.
سقط تصحيحه من " المستدرك "! وقال الذهبي: " صحيح ". (ن)
قلت: وانظر " أحكام الجنائز " (ص 230) ؛ ففيه فائدة زائدة.
(2) رواه الحاكم (جزء 1: ص 377) من طريق سليمان بن داود، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، وقال: " رواته عن آخرهم ثقات ".
قال الذهبي: " هذا منكر جدا، وسليمان ضعيف ". (ش)

(1/472)


أقول: استدلوا للجواز بأحاديث الإذن العام بالزيارة، وغير خاف على عارف بالأصول؛ أن الأحاديث الواردة في النهي للنساء عن الزيارة، والتشديد في ذلك، حتى لعن [صلى الله عليه وسلم] من فعلت ذلك؛ بل وردت أحاديث صحيحة في نهيهن عن اتباع الجنائز (1) ، فزيارة القبور ممنوعة منهن بالأولى، وشدد في ذلك حتى قال للبتول - رضي الله عنها -: " لو بلغت معهم - يعني: أهل الميت - الكدى؛ ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك " (2) ؛ فهذه الأحاديث مخصصة لأحاديث الإذن العام بالزيارة.
لكنه يشكل على ذلك أحاديث أخر:
منها: حديث عائشة المتقدم: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] علمها كيف تقول إذا زارت القبور (3) .
ومنها: ما أخرجه البخاري: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] مر بامرأة تبكي على قبر، ولم ينكر عليها الزيارة.
__________
(1) • قلت: لكن في " البخاري " وغيره: أنه لم يعزم عليهن، فقول المؤلف: إن زيارتهن ممنوعة بالأولى؛ غير مسلم، وبيانه ليس هذا محله. (ن)
قلت: فانظر " أحكام الجنائز " (ص 90) .
(2) رواه الحاكم (جزء 1: ص 374) ، ولم يذكر فيه أن المرأة فاطمة، بل أبهم المرأة.
ونسبه الشوكاني في " نيل الأوطار " جزء (1: ص 160 - طبعتنا) لأبي داود.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. (ش)
• قلت: وليس كما قالا؛ بل إن الذهبي في بعض كتبه مال إلى أن الحديث موضوع، وقد تكلمت على ذلك مفصلا في " التعليقات " (3 / 55 - 57) .
(3) • قلت: وكذا حديثها عند الحاكم (1 / 376) .
وهذا هو الحق؛ كما بينته في " التعليقات " (3 / 53 - 57) . (ن)

(1/473)


قال القرطبي: اللعن المذكور في الحديث؛ إنما هو للمكثرات من الزيارة؛ لما تقتضيه الصيغة من المبالغة - يعني: لفظ " زوارات " -.
قال: ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج.
( [كيف يقف الزائر للقبور؟] :)
(ويقف الزائر مستقبلا للقبلة) : لحديث: أنه جلس رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مستقبل القبلة لما خرج إلى المقبرة؛ أخرجه أبو داود (1) من حديث البراء، وهو [صلى الله عليه وسلم] خرج في هذا الحديث مع جنازة؛ فأفاد مشروعية قعود من خرج مع الجنازة مستقبلا حتى يدفن، وكذلك مشروعية الاستقبال للزائر؛ لكونه قد خرج إلى المقبرة كما يخرج من معه جنازة، وقعد كما يقعد.
( [ماذا يقول الزائر للقبور؟] :)
وقد كان [صلى الله عليه وسلم] يقول عند الزيارة: " السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين {وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية "؛ فينبغي للزائر أن يقول كذلك.
وقال في " الحجة ": وفي رواية " السلام عليكم يا أهل القبور} يغفر الله لنا ولكم، وأنتم سلفنا ونحن بالأثر (2) "؛ والله - تعالى - أعلم.
__________
(1) • في " السنن " (2 / 69) بإسناد صحيح، وأخرجه النسائي أيضا، وابن ماجة.
وقد أعله بعضهم بما لا يضر، كما بينه ابن القيم في " التهذيب " (4 / 337) . (ن)
(2) رواه الترمذي (1053) ؛ وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان؛ والراجح ضعفه.

(1/474)


( [يحرم اتخاذ القبور مساجد] :)
(ويحرم اتخاذ القبور مساجد) ، الأحاديث في ذلك كثيرة ثابتة في " الصحيحين " وغيرهما، ولها ألفاظ منها:
" لعن الله اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
وفي لفظ: " قاتل الله اليهود ... " الحديث.
وفي لفظ: " لا تتخذوا قبري مسجدا ".
وفي آخر: " لا تتخذوا قبري وثنا ".
واتخاذ القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلاة إليها، أو بمعنى الصلاة عليها. (1)
وفي " مسلم ": " لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها، ولا عليها " (2) .
قال البيضاوي: " وأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا لتعظيم له، ولا لتوجه نحوه: فلا يدخل في ذلك الوعيد " {انتهى.
وتعقبه في " سبل السلام " وقال: قوله: لا لتعظيم له} يقال: اتخاذ
__________
(1) • يستفاد من هذا الحديث مسائل فقهية مهمة، بينتها بتفصيل في " التعليقات " (3 / 42) . (ن)
(2) • هذه الزيادة ليست في " صحيح مسلم " (3 / 62) ، ولا عند غيره - كأصحاب " السنن " الثلاثة وغيرهم -؛ وقد خرجت الحديث في " السترة " من كتاب " صفة صلاة النبي [صلى الله عليه وسلم] ".
وقد تبين لي سبب وهم المؤلف، وبيان ذلك لا يتسع له المقام. (ن)

(1/475)


المسجد بقربه، وقصد التبرك به تعظيم له، ثم أحاديث النهي مطلقة، ولا دليل على التعليل بما ذكر، والظاهر أن العلة سد الذريعة، والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان التي تعظم الجمادات التي لا تسمع، ولا تنفع، ولا تضر، ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية، ولأنه سبب لإيقاد السرج عليها، الملعون فاعله، ومفاسد ما بني على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر.
وقد أخرج أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة عن ابن عباس: لعن رسول الله -[صلى الله عليه وسلم] زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج (1) "؛ وقد حققنا ذلك في رسالة مستقلة. انتهى.
( [يحرم زخرفة القبور] :)
(وزخرفتها) : لحديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]-: " ما أمرت بتشييد المساجد "؛ أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان.
قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى (2) .
والتشييد: رفع البناء وتزيينه بالشيد، وهو الجص، والحديث ظاهر في الكراهة، أو التحريم؛ لقول ابن عباس: كما زخرفت اليهود والنصارى؛ فإن التشبه بهم محرم؛ وذلك أنه ليس المقصود من بناء المساجد إلا أن تكن الناس
__________
(1) والحديث ضعيف؛ وستأتي إشارة شيخنا لتضعيفه.
(2) • وهم الشارح - رحمه الله -، فرجع الضمير إلى " المساجد "؛ وهو خطأ؛ بدليل السياق، وبدليل قوله - بعد -: " وتسريجها "؛ فهنا لا يحتمل إرجاع الضمير إلا إلى " المساجد "؛ فتدبر. (ن)

(1/476)


من الحر والبرد، وتزيينه يشغل القلوب عن الإقبال على الطاعة، ويذهب الخشوع الذي هو روح جسم العبادة، والقول بأنه يجوز تزيين المحراب باطل!
قال المهدي في " البحر ": إن تزيين الحرمين لم يكن برأي ذي حل وعقد ولا سكوت رضا - أي: من العلماء -؛ وإنما فعله أهل الدول الجبابرة، من غير مؤاذنة لأحد من أهل الفضل، وسكت المسلمون والعلماء من غير رضا.
وهو كلام حسن.
وفي قوله -[صلى الله عليه وسلم]-: " ما أمرت ": إشعار بأنه لا يحسن؛ فإنه لو كان حسنا لأمره الله - تعالى - به -[صلى الله عليه وسلم]-.
وأخرج البخاري من حديث ابن عمر: أن مسجده -[صلى الله عليه وسلم]- كان على عهده مبنيا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر، وبناه على بنائه في عهد رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا، ثم غيره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جدرانه بالأحجار المنقشة، والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج.
قال ابن بطال: وهذا يدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تحسينه، فقد كان عمر - رضي الله تعالى عنه - مع كثرة الفتوحات في أيامه، وكثرة المال عنده؛ لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده؛ لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم قال عند عمارته: أكن

(1/477)


الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، ثم كان عثمان المال في زمنه أكثر، فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك أنكر بعض الصحابة عليه.
وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك، وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك؛ خوفا من الفتنة؛ فتأمل.
( [يحرم تسريج القبور] :)
(وتسريجها) : لحديث: " لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج "، أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي - وحسنه -، وفي إسناده أبو صالح باذام، وفيه مقال. (1)
وأخرج أحمد، ومسلم، وأهل " السنن " عن جابر، قال: نهى النبي -[صلى الله عليه وسلم]- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه.
وزاد الترمذي: وأن يكتب عليه، وأن يوطأ - وصححه -.
وأخرج النهي عن الكتابة - أيضا - النسائي.
وقال الحاكم: إن الكتابة - وإن لم يخرجها مسلم -: فهي على شرطه.
( [يحرم القعود على القبور] :)
(والقعود عليها) : لما أخرجه مسلم، وأحمد، وأهل " السنن " من حديث
__________
(1) • وقد بينت ذلك في " التعليقات الجياد " (3 / 53) . (ن)

(1/478)


أبي هريرة، (1) قال: " لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده: خير له من أن يجلس على قبر ". (2)
وأخرج أحمد بإسناد صحيح، (3) عن عمرو بن حزم، قال: رآني رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- متكئا على قبر، فقال: " لا تؤذ صاحب هذا القبر ".
قال في " الحجة البالغة ": ومعنى: أن لا يقعد عليه؛ قيل: أن يلازمه المزورون، وقيل: أن يطأوا القبور، وعلى هذا؛ فالمعنى إكرام الميت، فالحق التوسط بين التعظيم الذي يقارب الشرك، وبين الإهانة وترك الموالاة به.
( [يحرم سب الأموات] :)
(وسب الأموات) : لقوله [صلى الله عليه وسلم] : " لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا "؛ أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة.
وأخرج أحمد، والنسائي من حديث ابن عباس: " لا تسبوا أمواتنا؛ فتؤذوا أحياءنا "؛ وفي إسناده صالح بن نبهان؛ وهو ضعيف، ولكنه يشهد له ما ورد بمعناه من حديث سهل بن سعد، والمغيرة (3) .
__________
(1) ظاهر صنيع الشارح يوهم أن هذا الحديث من كلام أبي هريرة، وليس كذلك؛ بل هو حديث مرفوع.
وقوله: وأهل " السنن "؛ يشمل الترمذي، وليس كذلك؛ فإنه لم يروه: انظر " نيل الأوطار " (جزء 4: ص 135) . (ش)
• قلت: وقد خرجناه في " التعليقات " (3 / 57) . (ن)
(2) • وهو كما قال - تبعا للحافظ -؛ وقد خرجته في " الصحيحة " (2960) .
(3) فهو حسن بشواهده.

(1/479)


أقول: أما السباب للأموات من الشافعين لهم، القائمين بالصلاة عليهم: فما لهذا حمل الحاملون الجنازة إليهم؛ فإذا كان لا يستجيز الدعاء للميت، كمن يكون - مثلا - معلوم النفاق؛ فيدعو المصلي لنفسه، ولسائر المسلمين إذا ألجأته الضرورة إلى الصلاة عليه، و " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "؛ و " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "، طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس (1) .
قال بعض المقصرين لرجل من أهل العلم: ألا تلعن فلانا؟ {قال: وهل تعبدنا الله بذلك؟} قال: نعم، قال: فمتى عهدك بلعن الشيطان وفرعون؛ فإنهما من رؤوس هذه الطائفة التي زعمت أن الله تعبدك بلعنها؟ قال: لا أدري {قال: لقد فرطت فيما تعبدك الله به، وتركت ما هو أحق بما تفعل} فعرف ذلك المقصر خطأه (2) .
( [التعزية مشروعة بألفاظ مأثورة] :)
(والتعزية مشروعة) : لحديث: " من عزى مصابا فله مثل أجره "، أخرجه ابن ماجة، والترمذي، والحاكم من حديث ابن مسعود، وقد أنكر هذا الحديث على علي بن عاصم (3) .
__________
(1) قوله: " طوبى لمن ... "؛ لفظ حديث لا يثبت؛ وإن كان معناه صحيحا؛ فانظر " العلل المتناهية " (2 / 344) .
وما قبله: حديثان صحيحان.
(2) أقول: وهذا حال الغلاة الجدد؛ الذين لا ينقطع إطلاق القول بالتكفير عن ألسنتهم {
ألا ساء ما يزرون، وباطل ما كانوا يصنعون} !
(3) • وقد ذكر له الحافظ في " التلخيص " (5 / 251 - 252) متابعين، قال: " وكلهم أضعف منه بكثير، وليس فيها رواية يمكن التعلق بها إلا طريق إسرائيل، فقد ذكرها صاحب " الكمال " من طريق وكيع عنه، ولم أقف على إسنادها بعد "؛ ثم ذكر له ثلاثة شواهد منها حديث عمرو بن حزم الذي بعده. (ن)

(1/480)


وأخرج ابن ماجة من حديث عمرو بن حزم، عن النبي -[صلى الله عليه وسلم]- قال: " ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة؛ إلا كساه الله - عز وجل - من حلل الكرامة يوم القيامة "؛ ورجال إسناده ثقات (1) .
وأخرج الشافعي من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: لما توفي رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- وجاءت التعزية؛ سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا؛ فإن المصاب من حرم الثواب "؛ وفي إسناده القاسم بن عبيد الله بن عمرو؛ وهو متروك (2) .
وأخرج البخاري، ومسلم من حديث أسامة بن زيد، قال: كنا عند النبي [صلى الله عليه وسلم] ، فأرسلت إليه إحدى بناته؛ تدعوه وتخبره أن صبيا لها - أو ابنا لها - في الموت، فقال للرسول: " ارجع إليها، فأخبرها أن لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب ".
فينبغي التعزية بهذه الألفاظ الثابتة في " الصحيح "، ولا يعدل عنها إلى
__________
(1) • وكذا قال في " النيل " (4 / 81) إلا أنه استثنى، فقال: " إلا قيسا أبا عمارة؛ ففيه لين ".
فترك المصنف لهذا ليس من الأمانة العلمية في شيء {
ثم إن في الحديث انقطاعا أو إرسالا؛ بينته في " معجم الحديث " - لنا -. (ن)
(2) • قلت: لكن أخرجه الحاكم (ج 3 / ص 57) من طريق أخرى، وقال: " صحيح "، ووافقه الذهبي، وفي رواية: أن القائل هم الملائكة، وذكر له الحاكم شاهدا من حديث أنس، وفيه أن القائل هو الخضر - عليه السلام -} ولكنه منكر، وفي إسناده عباد بن عبد الصمد، قال فيه الذهبي: واه، قال البخاري: منكر الحديث، ووهاه ابن حبان، وقال أبو حاتم: ضعيف جدا ".
وفي سند الرواية الأولى عند الحاكم خالد بن إسماعيل، وهو كذاب؛ كما قاله الذهبي نفسه في " الميزان "، وانظر " التعليقات " (3 / 67) . (ن)

(1/481)


غيرها (1) .
( [إهداء الطعام لأهل الميت مشروع] :)
(وكذلك إهداء الطعام لأهل الميت) : لحديث عبد الله بن جعفر، قال: لما جاء نعي جعفر حين قتل؛ قال النبي [صلى الله عليه وسلم] : " اصنعوا لآل جعفر طعاما؛ فقد أتاهم ما يشغلهم "؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وصححه ابن السكن، وحسنه الترمذي. (2)
وأخرج نحوه أحمد، والطبراني، وابن ماجة من حديث أسماء بنت عميس - أم عبد الله بن جعفر -.
وأخرج أحمد، وابن ماجة بإسناد صحيح (3) من حديث جرير، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة.
ولا يعارض هذا ما قد ثبت (4) عن النبي -[صلى الله عليه وسلم] وشرف وكرم -.
__________
(1) لماذا لا يعدل عنها إلى غيرها؟ {هل ورد الأمر بها والنهي عما عداها؟} نعم؛ إن اتباع الوارد أفضل، ولكن هذا لا يمنع إباحة التعزية بكل ما يراه الإنسان نافعا لتخفيف المصاب؛ على أن لا يقول ما يغضب الرب، ولا يخالف المشروع. (ش)
قلت: كمثل قولهم: " البقية في حياتك " {}
(2) • قلت: وهو حسن لغيره - هو وحديث أسماء الذي بعده -، وقد تكلمت عليهما في " التعليقات " (3 / 71) . (ن)

(3) • قلت: وهو على شرط الشيخين، ولم أجده في " مسند أحمد " كما ذكرت في " التعليقات " (3 / 71) .
ثم وجدته في " المسند " برقم (6905) ، أورده في مسند أنس، على خلاف العادة. (ن)
(4) لعله - رحمه الله - يريد حديث: " اصنعوا لآل جعفر طعاما ... " - المتقدم -؛ فهو - حقا - لا يعارضه.

(1/482)