السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الجنايات
5992 - عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
أخرجاه في الصحيحين (1).

5993 - وفي لفظ لمسلم (2): "والذي لا إله غيره، لا يحل دم رجل مسلم ... " فذكر نحوه. قال الأعمش: فحدثت به إبراهيم، فحدثني عن الأسود عن عائشة بمثله.

5994 - عن أبي أمامة بن سهل وعبد الله بن عامر بن ربيعة قالا: "كنا مع عثمان -رضي الله عنه- وهو محصور (وكنا) (3) إذا دخلنا مدخلا نسمع كلام من بالبلاط (4)، فدخل عثمان يومًا، ثم خرج فقال: إنهم ليواعدوني بالقتل. قلنا: يكفيكهم الله. قال: ولم يقتلوني؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس. فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا تمنيت أن لي
__________
(1) البخاري (12/ 209 رقم 6878)، ومسلم (3/ 1302 - 1303 رقم 1676).
(2) صحيح مسلم (3/ 1303 رقم 1676/ 26).

5994 - خرجه الضياء في المختارة (1/ 442 - 444 رقم 318، 319، 1/ 490 - 491 رقم 363).
(3) من سنن النسائي.
(4) البلاط: موضع بالمدينة مبلط بالحجارة بين مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين سوق المدينة. معجم البلدان (1/ 565).

(5/346)


بديني بدلاً منذ هداني الله، ولا قتلت نفسًا، فبم يقتلوني؟! ".
رواه الإمام أحمد (1) والنسائي (2) -وهذا لفظه- ق (3) ت (4) وقال: حديث حسن.

5995 - عن ابن عمر أن عثمان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عمداً فعليه القَوَد (5)، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل".
رواه الإمام أحمد (6) والنسائي (7).

5996 - عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى ثلاث خصال: زان محصن يُرجم، ورجل قتل متعمداً فيُقتل (أو رجل يخرج من الإسلام يُحارب الله -عز وجل- ورسوله فيُقتل) (8) أو يُصلب أو يُنفى من الأرض".
رواه أبو داود (9) والنسائي (10) وهذا لفظه.
__________
(1) المسند (1/ 61).
(2) سنن النسائي (7/ 91 - 92 رقم 4031) وقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي من حديث أبي أمامة بن سهل عن عثمان -رضي الله عنه- فقط، ليس عندهم رواية عبد الله بن عامر عن عثمان -رضي الله عنه-.
(3) سنن ابن ماجه (2/ 847 رقم 2533).
(4) جامع الترمذي (4/ 400 رقم 2158).

5995 - خرجه الضياء في المختارة (1/ 497 - 498 رقم 367، 368).
(5) القود: القصاص وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادة واستقدت الحاكم: سألته أن يقيدني، واقتدت منه أقتاد. النهاية (4/ 119).
(6) المسند (1/ 63).
(7) سنن النسائي (3/ 107 رقم 4068).
(8) من سنن النسائي.
(9) سنن أبي داود (4/ 126 رقم 4353).
(10) سنن النسائي (7/ 101 - 102 رقم 4059).

(5/347)


5997 - عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقتل".
أخرجاه في الصحيحين (1).
وفي لفظ للترمذي (2): "إما أن يعفو، وإما أن يقتل".

5998 - عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من (أصيب) (3) بدم أو خَبْل (4) -والخبل الجراح- فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن (أراد) (3) الرابعة فخذوا على يديه: أن يقتل، أو يعفو، أو يأخذ الدية، فمن فعل شيئًا من ذلك فعاد فإن له نار جهنم خالدا مخلدًا فيها أبداً".
رواه الإمام أحمد (5) د (6) ق (7) واللفظ له.
وللترمذي (8): "فمن قُتل له قتيل بعد اليوم فأهله بين خيرتين: ما أن يقتلوا، أو يأخذوا العَقْل (9) "، وقال: حديث حسن صحيح.
__________
(1) البخاري (5/ 104 - 105 رقم 2434)، ومسلم (2/ 988 رقم 1355).
(2) جامع الترمذي (4/ 14 رقم 1405).
(3) من سنن ابن ماجه.
(4) الخَبْل -بسكون الباء- فساد الأعضاء، يقال: خبَل الحُب قلبه: إذا أفسده، يَخْبله ويخبُله خَبْلًا، ورجل خَبِل ومختبل: أي من أُصيب بقتل نفس أو قطع عضو، يقال. بنو فلان يُطالبون بدماء وخبل: أي بقطع يد أو رجل. النهاية (2/ 8).
(5) المسند (4/ 13).
(6) سنن أبي داود (4/ 169 رقم 4496).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 876 رقم 2623).
(8) جامع الترمذي (4/ 14 رقم 1406).
(9) العقل: هو الدية، وأصله: أن القاتل كان إذا قتل قتيلًا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول، أي: شدها في عُقُلها ليسلمها إليهم ويقبضوها منه، فسُميت الدية عقلاً بالمصدر، يقال: عقل البعير يعقله عقلاً، وجمعها عقول، وكان أصل الدية الإبل، ثم قومت بعد ذلك بالذهب والفضة والبقر والغنم وغيرها. النهاية (3/ 278).

(5/348)


5999 - عن مجاهد بن جبر قال: سمعت ابن عباس يقول: "كان في بني إسرائيل القصاص، ولم يكن فيهم الدية، فقال الله -تبارك وتعالى- لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) (1) فالعفو أن يقبل الرجل الدية في العمد (فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) أن يطلب هذا بمعروف، ويؤدي هذا بإحسان (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) (1) مما كتب على من كان قبلكم {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} (1) قتل بعد قبول الدية". رواه البخاري (2).

1 - باب المسلمون تتكافأ دماؤهم
6000 - عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويرد على أقصاهم".
رواه ابن ماجه (3)، حنش بن قيس (4) تُكلم فيه.

6001 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يد المسلمين على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويجير على المسلمين أدناهم، ويرد على المسلمين أقصاهم".
رواه الإمام أحمد (5) د (6) ق (7).
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 178.
(2) صحيح البخاري (8/ 25 رقم 4498).
(3) سنن ابن ماجه (2/ 895 رقم 2683).
(4) هو حسين بن قيس الرحبي، ولقبه حَنَش. ترجمته في التهذيب (6/ 465 - 468).
(5) المسند (2/ 180).
(6) سنن أبي داود (4/ 181 رقم 4531).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 895 رقم 2685).

(5/349)


6002 - عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون يد على من سواهم، تتكافأ دماؤهم".
رواه ق (1) من رواية عبد السلام بن أبي الجنوب (2)، وقد تُكلم فيه.

2 - باب لا يُقتل مسلم بكافر والتشديد في قتل الذمي وما جاء في الحر بالعبد
6003 - عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال: "قلت لعلي -رضي الله عنه-: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهم (3) يعطيه الله رجلاً في القرآن (و) (4) ما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر". رواه البخاري (5).

6004 - وعن علي -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهدٍ في عهده".
رواه الإمام أحمد (6) وأبو داود (7) والنسائي (8).
__________
(1) سنن ابن ماجه (2/ 895 رقم 2684).
(2) ترجمته في التهذيب (18/ 63 - 64).
(3) كذا لأبي ذر بالرفع، ولغيره بالنصب. إرشاد الساري (5/ 166).
(4) من صحيح البخاري.
(5) صحيح البخاري (6/ 193 رقم 3047).
(6) المسند (1/ 119).
(7) سنن أبي داود (4/ 180 - 181 رقم 4530).
(8) سنن النسائي (8/ 19 رقم 4749).

(5/350)


6005 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى أن لا يقُتل مسلم بكافر".
رواه الإمام أحمد (1) ت (2) وابن ماجه (3).
وفي لفظٍ للإمام أحمد (4) وأبي داود (5): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يُقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهدٍ في عهده".

6006 - عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يُقتل مؤمن بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده".
رواه ق (6) وحنش (7) متكلم فيه.

6007 - عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا".
رواه البخاري (8).

6008 - عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا يرح ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عامًا".
رواه ت (9) ق (10) وهذا لفظه.
__________
(1) المسند (2/ 180).
(2) جامع الترمذي (4/ 18 رقم 1413)، وقال الترمذي: حديث حسن.
(3) سنن ابن ماجه (2/ 887 رقم 2659).
(4) المسند (2/ 180).
(5) سنن أبي داود (3/ 80 - 81 رقم 2751).
(6) سنن ابن ماجه (2/ 887 - 888 رقم 2660).
(7) هو حسين بن قيس الرحبي، ترجمته في التهذيب (6/ 465 - 466).
(8) صحيح البخاري (6/ 311 رقم 3166).
(9) جامع الترمذي (4/ 13 رقم 1403).
(10) سنن ابن ماجه (2/ 896 رقم 2687).

(5/351)


وعند الترمذي: "وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله؛ فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد (من) (1) مسيرة سبعين خريفًا"، وقال: حديث حسن صحيح.

6009 - عن القاسم بن مخيمرة، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) (2) أنه قال: "من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة -أو لم يجد ريح الجنة. منصور (3) الشاك- وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاماً".
رواه الإمام أحمد (4).

6010 - وروى (5) عن هلال بن يساف، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) (2) قال: "سيكون قوم لهم عهد، فمن قتل رجلاً منهم لم يرح ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عامًا".

6011 - عن الحسن عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه".
رواه الإمام أحمد (6) د (7) س (8) ق (9) ت (10) وقال: حديث حسن غريب. وفي لفظٍ لأبي داود (11) والنسائي (12): "ومن خصى عبده خصيناه".
__________
(1) تكررت في "الأصل".
(2) من المسند.
(3) منصور هو ابن المعتمر أحد رواة الحديث.
(4) المسند (5/ 369).
(5) المسند (4/ 61، 5/ 374)، وقد تحرف في الموضع الثاني إلى هلال بن يسار.
(6) المسند (5/ 10).
(7) سنن أبي داود (4/ 176 رقم 4515).
(8) سنن النسائي (8/ 21 رقم 4751، 4752).
(9) سنن ابن ماجه (2/ 888 رقم 2663).
(10) جامع الترمذي (4/ 19 رقم 1414).
(11) سنن أبي داود (4/ 176 رقم 4516).
(12) سنن النسائي (8/ 20 - 21 رقم 4750).

(5/352)


6012 - عن إسماعيل بن عياش، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده "أن رجلاً قتل عبده متعمدًا فجلده النبي - صلى الله عليه وسلم - (مائة جلدة) (1) ونفاه سنة، ومحا سهمه من المسلمين، ولم يقده به، وأمره أن يعتق رقبة".
رواه الدارقطني (2)، وإسماعيل بن عياش قد تقدم القول فيه إذا روى عن الشاميين (3)، ورواه ابن ماجه (4) إلى قوله: "من المسلمين" من رواية إسماعيل بن عياش، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين (عن أبيه) (5)، عن علي -رضي الله عنه- وعن إسحاق، عن عمرو بن شعيب.
قال الحافظ أبو عبد الله -رحمه الله-: وإسحاق بن (أبي) (5) فروة (6) متروك الحديث.

3 - باب من أمن رجلاً على دمه فقتله
6013 - عن عمرو بن الحمق الخزاعي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أمن رجلاً على دمه فقتله، فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة".
رواه الإمام أحمد (7) س (8) ق (9) وهذا لفظه.
__________
(1) من سنن الدارقطني.
(2) سنن الدارقطني (3/ 143 - 144 رقم 187).
(3) عند الحديث رقم (4945).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 888 رقم 2664).
(5) سقطت من "الأصل".
(6) ترجمته في التهذيب (2/ 446 - 454).
(7) المسند (5/ 223، 224).
(8) السنن الكبرى (5/ 225 رقم 8739).
(9) سنن ابن ماجه (2/ 896 رقم 2688).

(5/353)


4 - باب فيمن مثل بعبده
6014 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صارخًا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لك؟ فقال: سيدي (رآني) (1) أقبل جارية له فجَبَّ (2) مذاكيري. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: عليَّ بالرجل. فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذهب فأنت حر. قال: على من نُصرتي يا رسول الله؟ قال: يقول: إن استرقني مولاي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على كل مؤمن أو مسلم".
رواه ق (3).

6015 - عن زنباع "أنه قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أخصى غلامًا له، فأعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمثلة (4) ".
رواه ق (5) من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وقد قال يحيى بن معين (6): كذاب.
__________
(1) من سنن ابن ماجه.
(2) الجَبُّ: القطع. النهاية (1/ 233).
(3) سنن ابن ماجه (2/ 894 رقم 2680).
(4) مَثَلْت بالقتيل: إذا جدعت أنفه وأذنه ومذاكيره، أو شيئاً من أطرافه، والاسم: المُثْلة، فأما مثَّل -بالتشديد- فهو للمبالغة. النهاية (4/ 294).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 894 رقم 2679).
(6) الجرح والتعديل (1/ 228).

(5/354)


5 - باب قتل الرجل بالمرأة والقتل بغير السيف والنهي عن المثلة
6016 - عن أنس "أن جارية وجد رأسها قد رُضَّ (1) بين حجرين، فسألوها من صنع هذا بك؟ فلان، فلان؟ حتى ذكروا يهوديًّا فأومأت برأسها، فأُخذ اليهودي فأقر، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرضّ رأسه بالحجارة".
أخرجاه في الصحيحين (2)، وهذا لفظ مسلم.

6017 - عن حَمَل بن مالك بن النابغة قال: "كنت بين امرأتين، فضربت إحداهما الأخرى بمِسْطَح (3)؛ فقتلتها وقتلت جنينها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرةٍ، وأن تُقتل".
رواه الإمام أحمد (4) د (5) س (6) ق (7) وهذا لفظه.

6018 - عن شداد بن أوس قال: "ثنتان حفظتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
رواه م (8).
__________
(1) الرَّصُّ: الدق الجريش. النهاية (2/ 229).
(2) البخاري (5/ 186 رقم 2413)، ومسلم (3/ 1300 رقم 1672).
(3) المِسطح -بالكسر-: عود من أعواد الخباء. النهاية (3/ 365).
(4) المسند (4/ 79 - 80).
(5) سنن أبي داود (4/ 191 رقم 4572).
(6) سنن النسائي (8/ 21 - 22 رقم 4753).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 882 رقم 2641).
(8) صحيح مسلم (3/ 1548 رقم 1955).

(5/355)


6019 - عن بريدة بن الحصيب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّرَ أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله (فاقتلوا) (1) من كفر باللَّه، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً".
رواه مسلم (2).

6020 - عن أنس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث في خطبته على الصدقة، وينهى عن المثلة".
رواه النسائي (3).

6021 - عن يعلى بن مرة الثقفي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله -عز وجل-: لا تمثلوا بعبادي".
رواه الإمام أحمد (4).

6022 - وروى (5) عن المغيرة بن شعبة قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المثلة".

6023 - عن سمرة بن جندب وعمران بن حصين قالا: "كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يحثنا على الصدقة، وينهانا عن المثلة".
رواه الإمام أحمد (6) د (7).
__________
(1) تكررت في "الأصل"، وفي صحيح مسلم: قاتلوا.
(2) صحيح مسلم (3/ 1357 رقم 1731).

6020 - خرجه الضياء في المختارة (7/ 67 - 68 رقم 2474، 2475). ونقل عن الدارقطني إعلاله.
(3) سنن النسائي (7/ 101 رقم 4058).
(4) المسند (4/ 173).
(5) المسند (4/ 246).
(6) المسند (4/ 428، 436).
(7) سنن أبي داود (3/ 53 رقم 2667).

(5/356)


6 - باب لا يُقتل والدٌ بولده
6024 - عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقتل بالولد الوالد".
رواه ابن ماجه (1) -وهذا لفظه- والترمذي (2) وقال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث إسماعيل بن مسلم المكي، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه.
وقد رواه الدارقطني (3) من غير رواية إسماعيل بن مسلم، وكذلك حديث عمر رواه (4) من غير رواية حجاج.

6025 - عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقتل الوالد بالولد".
رواه الإمام (5) والترمذي (6) وابن ماجه (7) من رواية حجاج بن أرطأة (8)، وقد تكلم فيه.

7 - باب في الحامل يجب عليها القود
6026 - عن معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن
__________
(1) سنن ابن ماجه (2/ 888 رقم 2661).
(2) جامع الترمذي (4/ 12 رقم 1401).
(3) سنن الدارقطني (3/ 142 رقم 184).
(4) سنن الدارقطني (3/ 140 - 141 رقم 179).
(5) الإماد أحمد في مسنده (1/ 16، 22).
(6) جامع الترمذي (4/ 12 رقم 1400) وسكت عليه.
(7) سنن ابن ماجه (2/ 888 رقم 2662).
(8) ترجمته في التهذيب (5/ 420 - 428).

(5/357)


أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحامل إذا قتلت عمداً لا تُقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملاً، وحتى يكفل ولدها، وإن زنت حتى تضع ما في بطنها وحتى يكفل ولدها".
رواه ق (1) من رواية عبد الرحمن بن أنعم (2) وعبد الله بن لهيعة (3)، وكلاهما متكلم فيه.

8 - باب لا قود إِلا بالسيف
6027 - عن جابر، عن أبي عازب، عن النعمان بن بشير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا قود إلا بالسيف" (4).
جابر هو الجعفي، قال يحي بن معين (5): ليس بشيء. وقال النسائي (6): متروك.

6028 - عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا قود إلا بالسيف" (7).
رواه ابن ماجه (8).
__________
(1) سنن ابن ماجه (2/ 898 رقم 2694).
(2) ترجمته في التهذيب (17/ 102 - 110).
(3) ترجمته في التهذيب (15/ 487 - 503).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 889 رقم 2667).
(5) تاريخ الدوري (3/ 286 رقم 1356).
(6) كتاب الضعفاء والمتروكين (71 رقم 100).
(7) قال أبو حاتم: هذا حديث منكر. علل الحديث (1/ 461 رقم 1388). وانظر نصب الراية (4/ 341 - 343)، والتلخيص الحبير (4/ 38 - 39).
(8) سنن ابن ماجه (2/ 889 رقم 2668).

(5/358)


9 - باب شبه العمد (1)
6029 - عن ابن عمر "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يوم فتح مكة- وهو على درج الكعبة- فحمد الله وأثنى عليه، وقال: الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن قتيل الخطأ -قتيل السوط والعصا- فيه مائة من الإبل، منها أربعون خَلِفة (2) في بطونها أولادها، ألا إن كل مَأثُرَة (3) كانت في الجاهلية ودم تحت قدمَي هاتين، إلا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا إني قد أمضيتها لأهلها كما كانا".
رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) والنسائي (6) وابن ماجه (7) وهذا لفظه.

6030 - عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قتيل الخطأ شبه العمد -قتيل السوط والعصا- مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها الأولاد".
(أخرجوه) (8) أربعتهم (9) أيضًا.
__________
(1) شبه العمد: أن ترمي إنسانًا بشيء ليس من عادته أن يقتل مثله، وليس من غرضك قتله، فيصادف قضاءً وقدراً فيقع في مقتل فيقتل، فتجب فيه الدية دون القصاص. النهاية (2/ 442).
(2) الخَلِفَة بفتح الخاء، وكسر اللام-: الحامل من النوق. النهاية (2/ 68).
(3) مآثَر العرب: مكارمها ومفاخرها التي تُؤثر عنها، أي: تُروى وتُذكر. النهاية (1/ 22).
(4) المسند (2/ 11).
(5) سنن أبي داود (4/ 185 - 186 رقم 4549).
(6) سنن النسائي (8/ 42 رقم 4813).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 878 رقم 2628).
(8) في "الأصل": أخرجوهم.
(9) الإمام أحمد في المسند (2/ 164، 166)، وأبو داود (4/ 185 رقم 4547، 4548)، والنسائي (8/ 40 رقم 4805)، وابن ماجه (2/ 877 رقم 2627).

(5/359)


6031 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزو (1) الشيطان بين الناس، فتكون دماء (2) في (عميا في) (3) غير ضغينة (4) ولا حمل سلاح".
رواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6).

10 - باب فيمن أمسك رجلاً وقتله آخر
6032 - عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يُقتل الذي قتل، ويُحبس الذي أمسك".
رواه الدارقطني (7).

6033 - عن علي -رضي الله عنه- "أنه قضى في رجل قتل رجلاً متعمدًا،
__________
(1) النزو: الوثوب والتسرع إلى الشر. عون المعبود (12/ 308).
(2) فتكون دماءٌ: ضبط في بعض النسخ بضم الهمزة، أي: فتوجد دماء، فكلمة "تكون" تامة، وفي بعض النسخ "فيكون دمًا" بالإفراد والنصب، ولا يظهر وجهه اللَّهم إلا أن يقال: إن ضمير "يكون" راجع إلى نزو الشيطان، وهو اسمه "ودمًا" خبره، والمعنى يكون نزو الشيطان بين الناس دمًا، أي: سبب دم، وفيه تكلف كما لا يخفى. عون المعبود (12/ 308).
(3) من سنن أبي داود، والعميا -بالكسر والتشديد والقصر- فعيلي من العمى، كالرِّميا من الرمي، والمعنى: أن يوجد بينهم قتيل يعمى أمره ولا يتبين قاتله، فحكمه حكم قتيل الخطأ تجب فيه الدية. النهاية (3/ 305).
(4) الضغن: الحقد والعداوة والبغضاء، وكذلك الضغينة، وجمعها: الضغائن. النهاية (3/ 19).
(5) المسند (2/ 183، 217).
(6) سنن أبي داود (4/ 190 رقم 4565).

6032 - خرجه الضياء في المختارة (5/ ق 207 - أ).
(7) سنن الدارقطني (3/ 140 رقم 176).

(5/360)


وأمسكه آخر، قال: يُقتل القاتل، ويُحبس الآخر في السجن حتى يموت".
رواه الإمام الشافعي (1).

6034 - عن مرثد بن عبد الله، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القاتل والآمر، قال: قسمت النار سبعين جزءًا فللآمر تسع وستون، وللقاتل جزء، وحسبه".
رواه الإمام أحمد (2).

11 - باب القصاص في السن
6035 - عن أنس "أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله، أتكسر ثنية الربيع، لا والذي بعثك بالحق (لا) (3) تكسر ثنيتها (4). فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أنس، كتاب الله القصاص. فرضي القوم؛ فعفوا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره".
رواه البخاري (5) -وهذا لفظه- ومسلم (6) ولفظه: عن أنس "أن أخت الربيع
__________
(1) لم أجده في مسند الشافعي المطبوع، والله أعلم.
(2) المسند (5/ 362).
(3) من صحيح البخاري.
(4) قال الطيبي: لم يقله ردًّا للحكم، بل نفي وقوعه لما كان له عند الله من اللطف به في أموره والثقة بفضله أن لا يخيبه فيما حلف به ولا يخيب ظنه فيما أراده بأن يلهمهم العفو، وقد وقع الأمر على ما أراد. فتح الباري (12/ 234).
(5) صحيح البخاري (8/ 26 رقم 4500).
(6) صحيح مسلم (2/ 1303 رقم 1675).

(5/361)


أم حارثة جرحت إنسانًا، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: القصاص القصاص. فقالت أم الربيع: يا رسول الله، أيقتص من فلانة، والله لا يقتص منها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: سبحان الله يا أم الربيع (1)، القصاص كتاب الله. قالت: لا واللَّه لا يقتص منها أبداً. قال: فما زالوا حتى قبلوا الدية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره".

12 - باب القصاص من الجراحة والضرب بالسوط ونحوه
6036 - عن رجل من قريش من بني سهم عن رجل منهم -يقال له: ماجدة، وفي رواية: ابن ماجدة السهمي- قال: "عارَمْتُ (2) غلاماً بمكة؛ فعض أذني فقطع منها -أو عضضت أذنه فقطعت منها- فلما قدم علينا أبو بكر (حاجًّا رفعنا) (3) إليه، فقال: انطلقوا بهما إلى عمر بن الخطاب، فإن كان الجارح بلغ أن يقتص منه فليقتص. فلما انتهى إلى عمر نظر إلينا، فقال: نعم قد بلغ هذا أن يقتص منه،
__________
(1) هذه رواية مسلم، وهي مخالفة لرواية البخاري من وجهين: أحدهما أن في رواية مسلم أن الجارحة أخت الربيع، وفي رواية البخاري أنها الربيع بنفسها. والثاني: أن في رواية مسلم أن الحالف لا تكسر ثنيتها هي أم الربيع -بفتح الراء-، وفي رواية البخاري أنه أنس بن النضر. قال العلماء: المعروف في الروايات رواية البخاري، وقد ذكرها من طرقه الصحيحة -كما ذكرنا عنه- وكذا رواه أصحاب كتب السنن. قال النووي: قلت: إنهما قضيتان، أما الجارحة في رواية البخاري وأخت الجارحة في رواية مسلم- فهي بضم الراء، وفتح الباء، وتشديد الياء- وأما أم الربيع والحالفة في رواية مسلم- فبفتح الراء، وكسر الباء، وتخفيف الياء. شرح صحيح مسلم (7/ 178 - 179).
(2) أي: خاصمت وفاتنت. النهاية (3/ 323).
(3) تحرفت في "الأصل" والمثبت من المسند.

(5/362)


ادعوا لي حجامًا. فلما ذكر الحجام، قال: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قد أعطيت خالتي غلامًا، وإني أرجو أن يبارك الله -عز وجل- لها فيه، وقد نهيتها أن تجعله حجامًا أو صائغًا أو قَصَّابًا (1) " (2).
رواه الإمام أحمد (3).

6037 - عن أبي سعيد قال: "بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسمًا (أقبل رجل) (4) فأكب عليه، فطعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرجون كان معه، فجرح بوجهه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تعال فاستقد. قال: بل عفوت يا رسول الله".
رواه الإمام أحمد (5) -وهذا لفظه- وأبو داود (6) والنسائي (7).

6038 - عن أبي فراس قال: "خطب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ... " فذكر حديثًا فقال فيه: "ألا إني واللَّه ما أرسل عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إليَّ، فوالذي نفسي بيده إذًا لأقصنه منه. فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين، أفرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعية فأدب رعيته إنك لمقتصه منه؟ قال: إي والذي نفس عمر (8) بيده إذًا لأقصنه منه
__________
(1) القَّصَّاب: الجَزَّار، وحرفته: القِصابة. لسان العرب (5/ 3640).
(2) رواه أبو داود في سننه (3/ 267 - 268 رقم 3440).
(3) المسند (1/ 17).
(4) من المسند.
(5) المسند (3/ 28).
(6) سنن أبي داود (4/ 182 رقم 4536).
(7) سنن النسائي (8/ 32 رقم 4787).

6038 - خرجه الضياء في المختارة (8/ 211 - 219 رقم 116).
(8) في "الأصل": محمد. والمثبت من المسند.

(5/363)


(أنَّى لا أقصه منه) (1) وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص من نفسه؟! ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم (2) فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض (فتضيعوهم) (3) " (4).
رواه الإمام أحمد (5) وروى أبو داود (6) والنسائي (7) "قد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص من نفسه". أبو فراس اسمه ربيع بن زياد بن أنس الحارثي (8).

6039 - عن ابن عباس "أن رجلاً وقع في أب كان له في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه فقالوا: ليلطمنه كاللطمة. فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فصعد المنبر فقال: (أيها) (9) الناس أي أهل الأرض تعلمون أكرم على الله -عز وجل-؟ قالوا: أنت. قال: فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا. فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك، استغفر لنا".
رواه النسائي (10).

6040 - عن أبي هريرة قال: "كنا نقعد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فإذا
__________
(1) ليست في المسند.
(2) تَجْمير الجيش: جمعهم في الثغور وحبسهم عن العود إلى أهلهم. النهاية (1/ 292).
(3) في "الأصل": فتطعنوهم. والمثبت من المسند، والغياض: جمع غيضة، وهي الشجر الملتف، وقوله: "لا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم"؛ لأنهم إذا نزلوها تفرقوا فيها فتمكن منهم العدو. النهاية (3/ 204).
(4) قال الإمام علي بن المديني: إسناده بصري حسن. مسند الفاروق (2/ 544).
(5) المسند (1/ 14).
(6) سنن أبي داود (4/ 183 رقم 4537).
(7) سنن النسائي (8/ 34 رقم 4791).
(8) وقيل غير ذلك، وانظر ترجمة أبي فراس في التهذيب (34/ 183 - 185).
(9) في "الأصل": أي. والمثبت من سنن النسائي.
(10) سنن النسائي (8/ 33 - 34 رقم 4789).

(5/364)


قام قمنا، فقام يومًا فقمنا معه، حتى بلغ وسط المسجد أدركنا رجل، فجبذ بردائه من ورائه -وكان رداؤه خشنًا- فحمر رقبته، فقال: يا محمد، احمل لي على بعيريَّ هذين، فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا، وأستغفر الله لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي. فقال الأعرابي: لا، واللَّه لا (أقيدك) (1). فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يقول: واللَّه لا (أقيدك) (1). فلما سمعنا قول الأعرابي، أقبلنا إليه سراعًا، فالتفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: عزمت على من سمع كلامي ألا يبرح مقامه حتى آذن له. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل من القوم: يا فلان، احمل له على بعير شعيراً، وعلى بعير تمراً. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرفوا".
رواه أبو داود (2) والنسائي (3) واللفظ له.
وقال البخاري (4) بغير إسناد: وأقاد أبو بكر وابن الزبير وعلي وسويد بن مقرن -رضي الله عنهم- من لطمة، وأقاد عمر من ضربة بالدرة، وأقاد علي -رضي الله عنهما- من ثلاثة أسواط، واقتص شريح من سوط وخموش (5).

13 - باب في فدية الشجة
6041 - عن عائشة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقًا (6)
__________
(1) في "الأصل": أفديك.
(2) سنن أبي داود (4/ 247 رقم 4775).
(3) سنن النسائي (8/ 33 - 34 رقم 4790).
(4) صحيح البخاري (12/ 236)، كتاب الديات، باب: إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أم يقتص منهم كلهم.
(5) الخموش -بضم المعجمة- هي: الخدوش وزنًا ومعنى. مختار الصحاح.
(6) في "الأصل" مصدوقاً. والمثبت من سنن أبي داود، والمصدق: هو جامع الصدقة. النهاية (3/ 18).

(5/365)


فلاجَّه (1) رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: القود يا رسول الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لكم كذا وكذا. فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا. فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا. فرضوا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم. فقالوا: نعم. فخطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟ قالوا: لا. فهم المهاجرون بهم فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفوا عنهم فكفوا عنهم، ثم دعاهم فزادهم، فقال: أرضيتم؟ فقالوا: نعم. قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم. قالوا: نعم. فخطب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أرضيتم؟ قالوا: نعم".
رواه د (2) -وهذا لفظه- س (3) ق (4).

14 - باب الجُبَار (5)
6042 - عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العجماء جرحها جُبَار (6)،
__________
(1) اللاجّة: المنازعة والتحادي في الخصومة، بتشديد الجيم، وتقرأ بالحاء المهملة قريب منها. مختار الصحاح.
(2) سنن أبي داود (4/ 181 - 182 رقم 4534).
(3) السنن الكبرى (4/ 228 رقم 6980).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 881 رقم 2638).
(5) جُبَار -بضم الجيم، وتخفيف الباء- أي: هدر لا طلب فيه. مشارق الأنوار (1/ 138).
(6) العجماء -بالمد- هي كل الحيوان سوى الآدمي، وسميت البهيمة عجماء لأنها لا تتكلم، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "العجماء جرحها جبار" محمول على ما إذا أتلفت شيئًا بالنهار، أو أتلفت باليل بغير تفريط من مالكها، أو أتلفت شيئًا وليس معها أحد، فهذا غير مضمون، وهو مراد الحديث. شرح صحيح مسلم (7/ 254).

(5/366)


والبئر جُبَارَ (1) والمعدن جُبَار (2)، وفي الركاز (3) الخمس".
أخرجاه في الصحيحين (4).
رواه أبو داود (5) قال: العجماء المنفلتة التي لا يكون معها أحد، وتكون بالنهار ولا تكون بالليل.

6043 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "النار جبار" (6).
رواه د (7) س (8) ق (9).

6044 - عن عبادة بن الصامت قال: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المعدن جبار،
__________
(1) قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والبئر جبار" معناه: أن يحفرها في ملكه أو في موات فيقع فيها إنسان أو غيره فلا ضمان، فأما إذا حفر البئر في طريق المسلمين، أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها إنسان فيجب ضمانه على عاقلة حافرها، والكفارة في مال الحافر، وإن تلف بها غير الآدمي وجب ضمانه في مال الحافر. شرح صحيح مسلم (7/ 255).
(2) المَعْدِن: الموضع الذي تستخرج منه جواهر الأرض كالذهب والفضة والنُّحاس وغير ذلكَ. النهاية (3/ 192). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والمعدن جبار" معناه: أن الرجل يحفر معدنًا في ملكه أو في موات فيمر به مارٌّ فيسقط فيها فيموت، أو يستأجر أجراء يعملون فيها فيقع عليهم فيموتون فلا ضمان في ذلك. شرح صحيح مسلم (7/ 255).
(3) الركاز: هو دفين الجاهلية عند جمهور العلماء. شرح صحيح مسلم (7/ 255)، وقد تقدم في كتاب الزكاة ذكر الخلاف في تحديده.
(4) البخاري (3/ 426 رقم 1499)، ومسلم (3/ 1334 رقم 1710).
(5) سنن أبي داود (4/ 196 - 197 رقم 4593).
(6) قال الإمام أحمد: ليس بشيء، لم يكن في الكتب، باطل ليس هو بصحيح. سنن الدارقطني (3/ 153 رقم 211).
(7) سنن أبي داود (4/ 197 رقم 4594).
(8) السنن الكبرى (3/ 413 رقم 5789).
(9) سنن ابن ماجه (2/ 891 رقم 2676).

(5/367)


والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار. والعجماء: البهيمة من الأنعام وغيرها، والجبار: الهدر الذي لا يغرم".
رواه ق (1) وعبد الله بن أحمد في المسند (2) عن غير أبيه.

15 - باب فيمن عض رجل فانتزعها فسقطت ثنيته (3)
6045 - عن عمران بن حصين قال: "قاتل يعلى بن مُنية (4) -أو ابن أمية- رجلاً فعض أحدهما صاحبه، فانتزع يده من فمه؛ فنزع ثنيته -وفي لفظٍ: ثنيتيه- فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أيَعض أحدكم كما يَعَض الفحل! لا دية له".
أخرجاه أيضاً (5) واللفظ لمسلم.
وفي لفظٍ لمسلم (6): عن عمران بن حصين "أن رجلاً عض يد رجل، فانتزع يده فسقطت ثنيته -أو ثناياه- فاستعدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تأمرني، تأمرني (أن آمره) (7) أن يدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل، ادفع يدك حتى يقضمها (8) ثم انتزعها".
__________
(1) سنن ابن ماجه (2/ 891 رقم 2675).
(2) المسند (5/ 326 - 327) ثم رواه عبد الله عن أبيه وقال بنحوه.
(3) الثنايا: مقدم الأسنان، وهي أربع: اثنتان من فوق، واثنتان من أسفل. مشارق الأنوار (1/ 132).
(4) مُنْية: بضم الميم، وإسكان النون، وبعدها ياء مثناة تحت، وهي أم يعلى، وقيل: جدته، وأما أمية فهو أبوه، فيصح أن يقال يعلى بن أمية، ويعلى ابن منية.
(5) البخاري (12/ 299 رقم 6892)، ومسلم (3/ 1300 رقم 1673/ 18).
(6) صحيح مسلم (3/ 1301 رقم 1673/ 21).
(7) من صحيح مسلم.
(8) في صحيح مسلم: يعضها.

(5/368)


6046 - عن صفوان بن يعلى "أن أجيرًا ليعلى بن منية (1) عض رجل ذراعه فجذبها فسقطت ثنيتا -يعني: الذي عضه- قال: فأبطلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: أردت أن تقضمه كما يقضم الفحل".
أخرجاه (2) وهذا لفظ مسلم.

16 - باب فيمن اطلع في بيت قوم بغير إِذنهم
6047 - عن أنس بن مالك "أن رجلاً اطلع من حُجْرٍ في (3) حُجَر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه بمِشْقَص (4) -أو مشاقص- وجعل يَخْتِله (5) لِيَطْعُنَه".
أخرجاه (6) واللفظ للبخاري.

6048 - عن سهل بن سعد الساعدي "أن رجلاً اطلع في حجر في باب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدرى (7) يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله
__________
(1) في هذه الرواية أن المعضوض هو أجير يعلى لا يعلى، قال الحفاظ: الصحيح المعروف أنه أجير يعلى، ويحتمل أنهما قضيتان جرتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين. شرح صحيح مسلم (7/ 176).
(2) البخاري (12/ 229 رقم 6893)، مسلم (3/ 1301 رقم 1674/ 20).
(3) في "الأصل": من. والمثبت من صحيح البخاري، قال القسطلاني في إرشاد الساري (10/ 67): وسقط لغير أبي ذر "من حجر" وثبت لأبي ذر عن الكشميهني: "في بعض حجر النبي".
(4) المِشْقص: نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض، ويجمع على مشاقص. النهاية (2/ 490).
(5) أي: يداوره ويطلبه من حيث لا يشعر. النهاية (2/ 10). وزاد في "الأصل": ليطلع. وليست في الصحيح.
(6) البخاري (12/ 253 رقم 6900)، ومسلم (3/ 1699 رقم 2157).
(7) المِدْرى والمِدْرَاة: شيء يُعمل من حديد أو خشب على شكل سنن من أسنان المشط وأطول منه، يُسرح به الشعر المتلبد، ويستعمله من لا مشط له. النهاية (2/ 115).

(5/369)


- صلى الله عليه وسلم - قال: لو أعلم أنك تنتظرني لطعنت بها عينك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما جُعل الإذن من قِبَلِ البصر".
أخرجاه (1) أيضاً.

6049 - عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن، فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح".
أخرجاه (2) واللفظ فيه وحديث سهل للبخاري.
وفي لفظٍ لمسلم (3): قال: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه".
وفي لفظٍ للإمام أحمد (4) والنسائي (5): "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه فلا دية (له) (6) ولا قصاص".

17 - باب النهي عن الاقتصاص قبل الاندمال (7) في الأطراف
6050 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رجلاً طعن رجلاً بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أقدني. فقال: حتى تبرأ. ثم جاء إليه،
__________
(1) البخاري (12/ 253 رقم 6901)، ومسلم (3/ 1698 رقم 2156).
(2) البخاري (12/ 253 رقم 6902)، ومسلم (3/ 1699 رقم 2158).
(3) صحيح مسلم (3/ 1699 رقم 2158/ 43).
(4) المسند (2/ 385).
(5) سنن النسائي (8/ 601 رقم 4875).
(6) من المسند وسنن النسائي.
(7) اندمل الجرح: إذا صَلُح. النهاية (2/ 134).

(5/370)


فقال: أقدني. فأقاده، ثم جاء إليه فقال: يا رسول الله، عرجت. فقال: قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله (1) وبطل عرجك. ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه".
رواه الإمام أحمد (2) والدارقطني (3).

6051 - عن جابر "أن رجلاً جرح فأراد أن يستقيد، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح".
رواه الدارقطني (4).

18 - باب ما لا قود فيه
6052 - عن نمران بن جارية عن أبيه "أن رجلاً ضرب رجلاً على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل، فاستعدى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر له بالدية، فقال: يا رسول الله، إني أريد القصاص. فقال: خذ الدية، بارك الله لك فيها. ولم يقفله بالقصاص". رواه ابن ماجه (5).

6053 - عن العباس بن (عبد) (6) المطلب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا قود في المأمومة (7) ولا الجائفة (8) ولا المنقلة (9) ".
__________
(1) في "الأصل": فأبعدك. فقط.
(2) المسند (2/ 217).
(3) سنن الدارقطني (3/ 88 رقم 24).
(4) سنن الدارقطني (3/ 88 رقم 25).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 880 رقم 2636).
(6) سقطت من "الأصل".
(7) المأمومة والآمة: الشجة التي بلغت أم الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ، يقال: رجل أَمِم ومأموم. النهاية (1/ 68).
(8) الجائفة: هي الطعنة التي تنفذ إلى الجوف، يقال: جُفته: إذا أصبت جوفه، وأجفته الطعنة وجُفته بها، والمراد بالجوف كل ما له قوة محيلة كالبطن والدماغ. النهاية (1/ 317).
(9) المنقلة: هي التي تخرج منها صغار العظام، وتنتقل عن أماكنها، وقيل: التي تنقل=

(5/371)


رواه ق (1) من رواية رشدين بن سعد (2)، وهو متكلم فيه.

6054 - عن عمران بن حصين أن غلامًا لأناسٍ فقراء قطع أذن غلام لأناسٍ أغنياء، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يجعل لهم شيئاً".
رواه الإمام أحمد (3) د (4) س (5).

19 - باب أن الدم لجميع الورثة من الرجال والنساء
6055 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعقل المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثوا منها إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، فهم يقتلون قاتلها".
رواه الإمام أحمد (6) وأبو داود (7) والنسائي (8) وابن ماجه (9) وهذا لفظه.

6056 - عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "وعلى المقتتلين أن ينحجزوا (10) الأول فالأول وإن كانت امرأة".
__________
=العظم: أي تكسره. النهاية (5/ 110).
(1) سنن ابن ماجه (2/ 881 رقم 2637).
(2) ترجمته في التهذيب (9/ 191 - 195).
(3) المسند (4/ 438).
(4) سنن أبي داود (4/ 196 رقم 4590).
(5) سنن النسائي (8/ 25 - 26 رقم 4765).
(6) المسند (2/ 224).
(7) سنن أبي داود (4/ 189 - 190 رقم 4564).
(8) سنن النسائي (8/ 42 - 43 رقم 4815).
(9) سنن ابن ماجه (2/ 884 رقم 2647).
(10) أي يكفوا عن القود، وكل من ترك شيئاً فقد انحجز عنه، والمعنى أن لورثة القتيل أن يعفوا عن دمه، رجالهم ونساؤهم، أيهم عفا -وإن كانت امرأة- سقط القود واستحقوا الدية. النهاية (1/ 345).

(5/372)


رواه أبو داود (1) والنسائي (2).

20 - باب الأمر بالعفو والشفاعة فيه
6057 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقصت صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد للَّه إلا رفعه الله".
رواه مسلم (3).

6058 - عن أنس قال: "ما رفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو".
رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) والنسائي (6) وابن ماجه (7).

6059 - عن أنس بن مالك قال: "أتى رجل بقاتل وليه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: اعف. فأبى، فقال: خذ أرشك (8). فأبى، قال: اذهب فاقتله فإنك مثله. قال: فلُحق، فقيل له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اقتله فإنك مثله. فخلى سبيله، قال: فرئي يجر نسعته (9) ذاهبًا إلى أهله. قال: كأنه قد كان
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 183 رقم 4538).
(2) سنن النسائي (8/ 39 رقم 4802).
(3) صحيح مسلم (4/ 2001 رقم 2588).

6058 - خرجه الضياء في المختارة (6/ 314 - 315 رقم 2336 - 2339).
(4) المسند (2/ 213، 252).
(5) سنن أبي داود (4/ 169 رقم 4497).
(6) سنن النسائي (8/ 37 - 38 رقم 4798).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 898 رقم 2692).

6059 - خرجه الضياء في المختارة (5/ 123 - 124 رقم 1746، 1747).
(8) في "الأصل": أرش. والمثبت من سنن ابن ماجه، والأرش -بوزن العرش- دية الجراحات. مختار الصحاح.
(9) النِّسعة -بالكسر-: سير مضفور يُجعل زماماً للبعير وغيره. والجمع نُسْع ونِسَع=

(5/373)


أوثقه". قال ابن شوذب عن عبد الرحمن بن القاسم: فليس لأحدٍ بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن) (1) يقول: اقتله فإنك مثله.
رواه س (2) ق (3) وهذا لفظه.

6060 - عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من رجل يجرح في جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفر الله -عز وجل- عنه مثلما تصدق به".
رواه الإمام أحمد (4).

6061 - عن المحرر بن أبي هريرة، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أُصيب بشيءٍ في جسده فتركه للَّه -عز وجل- كان كفارة".
رواه الإمام أحمد (5).

6062 - عن أبي السفر قال: "دق رجل من قريش سنن رجل من الأنصار، فاستعدى عليه، فقال لمعاوية: يا أمير المؤمنين، إن هذا دق سني. فقال معاوية: إنا سنرضيك. وألح على معاوية فأبرمه (فلم يرضه) (6)، فقال له معاوية: شأنك بصاحبك. وأبو الدرداء جالس عنده، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من رجل يُصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به
__________
= وأنْساع. النهاية (5/ 48).
(1) من سنن ابن ماجه.
(2) سنن النسائي (8/ 17 رقم 4744).
(3) سنن ابن ماجه (2/ 897 - 898 رقم 2691).
(4) المسند (5/ 316).
(5) المسند (5/ 412).
(6) من جامع الترمذي.

(5/374)


درجة، وحط عنه به خطيئة. فقال الأنصاري: أنت سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي. قال: فإني أذرها له. قال معاوية: لا جرم لا أُخيبك. فأمر له بمالٍ".
رواه الإمام أحمد (1) -وعنده: "أو حط عنه (2) "، وآخره: "يعني: فعفا عنه"- والترمذي (3) وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا أعرف لأبي السفر سماعًا من أبي الدرداء، وأبو السفر اسمه سعيد بن أحمد -ويقال: ابن محمد- الثوري.
وروى منه ابن ماجه (4) المسند منه (5) وعنده: "من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله درجة أو حط عنه به خطيئة. سمعته أذناي، ووسماه قلبي".

6063 - عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث والذي نفس محمد بيده إن كنت حالفاً عليهن: لا ينقص مال من صدقةٍ؛ فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله -عز وجل- إلا زاده أللَّه بها عزًّا يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب فقرٍ".
رواه الإمام أحمد (6) من رواية قاص أهل فلسطين قال: سمعت عبد الرحمن ابن عوف.
__________
(1) المسند (6/ 448).
(2) في المسند المطبوع: وحط عنه.
(3) جامع الترمذي (4/ 8 - 9 رقم 1393).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 898 رقم 2693).
(5) كذا في "الأصل".
(6) المسند (1/ 193).

(5/375)


21 - باب الإِقرار بالقتل وثبوت القصاص
6064 - عن وائل بن حجر قال: "إني لقاعد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة، فقال: يا رسول الله، هذا قتل أخي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقتلته؟ فقال: إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة. قال: نعم قتلته. قال: كيف قتلته؟ قال: كنت أنا وهو نختبط (1) من شجرة، فسبني فأغضبني؛ فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل لك من شيء تؤديه عن نفسك؟ قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي. قال: فترى قومك يشترونك؟ قال: أنا أهون على قومي من ذلك. فرمى إليه بنسعته، وقال: (دونك صاحبك. فانطلق به الرجل، فلما ولى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن قتله فهو مثله (2). فرجع فقال: يا رسول الله، إنه) (3) بلغني أنك قلت: إن قتله فهو مثله. وأخذته بأمرك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك (4). قال: يا نبي الله -لعله. قال-
__________
(1) في "الأصل": نحتطب. والمثبت من صحيح مسلم، والخبط: هو ضرب الشجرة بالعصا ليتناثر ورقها. النهاية (2/ 7).
(2) قال النووي: الصحيح في تأويله أنه مثله في أنه لا فضل ولا منة لأحدهما على الآخر؛ لأنه استوفى حقه منه، بخلاف ما لو عفا عنه؛ فإنه كان له الفضل والمنة وجزيل الثناء في الدنيا، وقيل: هو مثله في أنه قاتل، وإن اختلفا في التحريم والإباحة؛ لكونهما استويا في طاعتهما الغضب ومتابعة الهوى، لا سيما وقد طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - منه العفو؛ وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال بهذا اللفظ الذي هو صادق فيه لإيهام لمقصود صحيح، وهو أن الولي ربما خاف فعفا، والعفو مصلحة للولي والمقتول في دينهما؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يبوء بإثمك وإثم صاحبك" وفيه مصلحة للجاني، وهو إنقاذه من القتل، فلما كان العفو مصلحة توصل إليه بالتعريض. شرح صحيح مسلم (7/ 191).
(3) من صحيح مسلم.
(4) قال النووي: قيل: معناه يتحمل إثم المقتول بإتلاف مهجته، وإثم الولي لكونه فجعه في أخيه، ويكون قد أوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الرجل خاصة، ويحتمل أن معناه يكون عفوك عنه سباً لسقوط إثمك وإثم أخيك المقتول، والمراد إثمهما السابق بمعاصٍ لهما=

(5/376)


بلى. قال: فإن ذاك كذلك. قال: فرمى بنسعته وخلى سبيله".
رواه مسلم (1) وفي لفظٍ له (2): قال: "أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل قتل رجلاً، فأقاد ولي المقتول منه، فانطلق به -وفي عنقه نسعة يجرها- فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القاتل والمقتول في النار (3). فأتى رجلٌ الرجلَ، فقال له مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فخلى عنه" قال إسماعيل بن سالم: فذكرت ذلك لحبيب بن أبي ثابت فقال: حدثني ابن أشوع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما سأله أن يعفو عنه، فأبى.
وفي لفظٍ لأبي داود (4) قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بحبشي فقال: إن هذا قتل (أخي) (5). قال: كيف قتلته؟ قال: ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قلته. قال: هل لك ما تؤدي ديته؟ قال: لا. قال: أفرأيت إن أُرسلت تسأل الناس تجمع ديته. قال: لا. قال: فمواليك يعطونك ديته؟ قال: لا. قال للرجل: خذه. فخرج به ليقتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إنه إن قتله كان مثله. فبلغ ذلك الرجل حيث سمع قوله، فقال: هو ذا، فمر فيه ما شئت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرسله يبوء بإثم صاحبه وإثمه فيكون من أصحاب النار".
__________
=متقدمة لا تعلق لها بهذا القاتل، فيكون معنى يبوء: يسقط، وأطلق هذا اللفظ عليه مجازاً. شرح صحيح مسلم (7/ 192).
(1) صحيح مسلم (3/ 1307 رقم 1680/ 32).
(2) صحيح مسلم (3/ 1308 رقم 1680/ 33).
(3) قال النووي: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "القاتل والمقتول في النار" فليس المراد به في هذين، فكيف تصح إرادتهما مع أنه إنما أخذ ليقتله بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل المراد غيرهما، وهو إذا التقى المسلمان بسيفيهما في المقاتلة المحرمة؛ كالقتال عصبية ونحو ذلك، فالقاتل والمقتول في النار، والمراد به التعريض كما ذكرناه، وسبب قوله ما قدمناه لكون الولي يفهم منه دخوله في معناه، ولهذا ترك قتله فحصل المقصود، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (7/ 192).
(4) سنن أبي داود (4/ 170 رقم 4501).
(5) في سنن أبي داود: ابن أخي.

(5/377)


قال ابن قتيبة (1): معنى قوله: "كان مثله" يعني: قتل نفسًا كما أن الأول قتل نفسًا إلا أنه يأثم (2) بقتله. وقيل: قصد ردعه عن قتله؛ لدعواه أنه لم يقصد قتله، فلو قتله الولي كان في وجوب القود عليه مثله لو قصد القتل، ويدل عليه ما روى أبو هريرة قال: "قتل رجل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفع القاتل إلى وليه، فقال القاتل: يا رسول الله، والله ما أردت قتله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إنه إن كان صادقًا فقتلته دخلت النار. فخلاه الرجل، قال:. وكان مكتوفًا بنسعة قال: فخرج يجر نسعته، قال: فكان يُسمى ذا النسعة".
رواه د (3) ق (4) ت (5) -وهذا لفظه- وقال: حديث حسن صحيح.

6065 - عن عبد الله بن بريدة عن أبيه "أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن هذا قتل أخي. قال: اذهب فاقتله كما قتل أخاك. قال له الرجل: اتق الله واعف عني، فإنه أعظم لأجرك، وخير لك ولأخيك يوم القيامة. قال: فخلى عنه. قال: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فأخبره بما قال له فأعنفه (6)، أما إنه كان خيرًا مما هو صانع بك يوم القيامة يقول: رب سل هذا فيم قتلني".
رواه النسائي (7).
__________
(1) لم أقف عليه في "غريب الحديث" لابن قتيبة، وانظر "تأويل مختلف الحديث" له (ص 267 - 268).
(2) كذا في "الأصل" وظاهر السياق أن الصواب "إلا أنه لا يأثم بقتل" والله أعلم.
(3) سنن أبي داود (4/ 169 رقم 4498).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 897 رقم 4690).
(5) جامع الترمذي (4/ 15 رقم 1407).
(6) فأعنفه: من أعنف -بالنون والفاء- إذا وبخ، كعنف بالتشديد، وهذه قضية أخرى غير قضية صاحب النسعة، ولعله - صلى الله عليه وسلم - علم بوحي أن القتل في حق هذا القاتل خير بخلاف القاتل في الواقعة السابقة، والله تعالى أعلم. قاله السندي في حاشية سنن النسائي (8/ 18).
(7) سنن النسائي (8/ 17 - 18 رقم 4745).

(5/378)


22 - باب ثبوت القتل بشاهدين
6066 - عن رافع بن خديج قال: "أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولًا، فانطلق أولياؤه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا ذلك له، فقال: لكم شاهدان على قتل صاحبكم؟ فقالوا: يا رسول الله يجترءون لم يكن ثَمَّ أحد من المسلمين، وإنما هم يهود قد يجترءون على أعظم من هذا. فاختاروا (منهم) (1) خمسين فاستحلفهم (فأبوا) (2) فوداه النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده".
رواه أبو داود (3).

6067 - عن عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن (ابن) (4) محيصة الأصغر أصبح قتيلاً على أبواب خيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليكم برمته. قال: يا رسول الله، ومن أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلاً على أبوابهم. قال: فتحلف خمسين قسامة؟ فقال: يا رسول الله، كيف تستحلفهم وهم اليهود؟ فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديته عليهم، وأعانهم بنصفها".
رواه النسائي (5).

23 - باب القَسامة (6)
6068 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار -مولى ميمونة زوج
__________
(1) في "الأصل": منها. والمثبت من سنن أبي داود.
(2) من سنن أبي داود.
(3) سنن أبي داود (4/ 179 رقم 4524).
(4) من سنن النسائي.
(5) سنن النسائي (8/ 12 رقم 4734).
(6) القسامة -بالفتح- اليمين، كالقسم، وحقيقتها أن يقسم من أولياء الدم خمسون نفرًا=

(5/379)


النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين ناسٍ من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود".
رواه مسلم (1) وفي لفظٍ له (1): عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار، عن ناسٍ من الأنصار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل حديث ابن جريج. يعني: الذي تقدم.

6069 - عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج "أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقوا (2) قبل خيبر فتفرقا في النخل فَقُتِلَ عبد الله بن سهل، فاتهموا اليهود، فجاء أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة ومحيصة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه -وهو أصغر منهم- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كبر الكبر -أو قال: ليبدأ الأكبر- في أمر صاحبهما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته. قالوا: أمر لم نشهده، كيف نحلف؟! قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم. قالوا: يا رسول الله قوم كفار قال: فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قِبَلِه. قال سهل: فدخلت مربداً لهم يوماً فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها".
أخرجاه (3)، واللفظ لمسلم.
__________
=على استحقاقهم دم صاحبهم، إذا وجدوه قتيلاً بين قوم ولم يُعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودون خمسين يمينًا، ولا يكون فيهم صبي ولا امرأة ولا مجنون ولا عبد، أو يقسم بها المتهمون على نفي القتل عنهم، فإن حلف المُدَّعون استحقوا الدية، وإن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية. النهاية (2/ 62).
(1) صحيح مسلم (3/ 1295 رقم 1670).
(2) في صحيح مسلم: انطلقا.
(3) البخاري (10/ 552 رقم 6142، 6143)، ومسلم (3/ 1292 رقم 1669/ 2).

(5/380)


6070 - وعن سهل بن أبي حثمة عن رجال من كبراء قومه "أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله ابن سهل قد قُتل وطرح في عين أو فَقيرٍ (1) فأتى يهود، فقال: أنتم واللَّه قتلتموه. قالوا: واللَّه ما قتلناه. ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم، ثم أقبل هو وأخوه حويصة -وهو أكبر منه- وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم -وهو الذي كان بخيبر- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمحيصة: كبر كبر -يريد السنن- فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب. فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم في ذلك، فكتبوا إنا واللَّه ما قتلناه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحويصة ومحيصة: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم. قالوا: لا. قال: فيحلف لكم يهود. قالوا: ليسوا (بمسلمين) (2) فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده، فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء".
أخرجاه (3) أيضًا، وهذا لفظ مسلم.
وعند البخاري (4): عن سهل بن أبي حثمة هو ورجال من كبراء قومه، وعنده "وعبد الرحمن بن سهل فذهب ليتكلم وهو الذي كان بخيبر" وفي آخره: "فواده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده مائة ناقة حتى أدخلت الدار. قال سهل: فركضتني منها ناقة".
__________
(1) أي: بئر، وقيل: هي القليلة الماء، والفقير أيضًا: فَم القناة، وفقير النخلة: حفرة تحفر للفسيلة إذا حُولت لتغرس فيها. النهاية (3/ 463).
(2) في "الأصل": منكن. والمثبت من صحيح مسلم.
(3) البخاري (10/ 552 رقم 6142، 6143)، ومسلم (3/ 1294 - 1295 رقم 1669/ 6).
(4) صحيح البخاري (13/ 196 رقم 7192).

(5/381)


وفي لفظٍ (1): فقال لهم: تأتوني بالبينة على من قتله. قالوا: ما لنا بينة. قال: فيحلفون. قالوا: لا نرضى بايمان اليهود. فكره رسؤل الله أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة (2) ".
كذا رواه البخاري، وذكر مسلم (3) إسناد هذا الحديث فذكر بعضه قال: وساق الحديث، وقال فيه: "فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل دمه؛ فوداه مائة من إبل الصدقة".
وفي رواية الإمام أحمد (4): "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينًا ثم نسلمه".

6071 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار، عن رجل (5) من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لليهود -وبدأ بهم-: يحلف منكم خمسون رجلاً. فأبوا، فقال للأنصار: استحقوا. قالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟! فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية) (6) على اليهود لأنه
__________
(1) صحيح البخاري (12/ 239 رقم 6898).
(2) قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (7/ 161): وأما قوله في الرواية الأخيرة: "من إبل الصدقة" فقد قال بعض العلماء: إنها غلط من الرواة؛ لأن الصدقة المفروضة لا تصرف هذا المصرف، بل هي الأصناف سماهم الله تعالى. وقال الإمام أبو إسحاق المروزي -من أصحابنا- بجواز صرفها من إبل الزكاة لهذا الحديث، فأخذ بظاهره، وقال جمهور أصحابنا وغيرهم: معناه اشتراه من أهل الصدقات بعد أن ملكوها، ثم دفعها تبرعًا إلى أهل القتيل، وحكى القاضي عن بعض العلماء أنه يجوز صرف الزكاة في مصالح العامة، وتأويل هذا الحديث عليه.
(3) صحيح مسلم (3/ 1294 رقم 5/ 1969).
(4) المسند (3/ 4).
(5) في سنن أبي داود: عن رجالٍ.
(6) من سنن أبي داود.

(5/382)


وجد بين أظهرهم".
رواه أبو داود (1).

6072 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر إلا في القسامة".
رواه الدارقطني (2).

6073 - عن أبي رجاء من آل بني قلابة قال: حدثني أبو قلابة: "أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يومًا للناس، ثم أذن لهم، فدخلوا، فقال: ما تقولون في القسامة؟ قال (3): نقول: القسامة القود بها حق، وقد أقادت بها الخلفاء. قال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونصبني للناس، فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رءوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل منهم محصن أنه قد زنى لم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا. قال: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل منهم بحمص أنه قد سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. قلت: فواللَّه، ما قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا قط إلا في إحدى ثلاث خصال: رجل بجريرة نفسه فَقَتَل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام. فقال القوم: أو ليس قد حدث أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع في السرقة وسمر الأعين، ثم نبذهم في الشمس؟ فقلت: أنا أحدثكم حديث أنس حدثني أنس أن نفراً من عكل ثمانية، قدموا على رسول
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 179 رقم 4526).
(2) سنن الدارقطني (3/ 111 رقم 99).
(3) أي: قال قائل منهم، كما في النسخة اليونينية وفرعها، وفي غيرهما: قالوا. إرشاد الساري (10/ 63).

(5/383)


الله - صلى الله عليه وسلم -، فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا (1) الأرض (فسَقِمت) (2) أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أفلا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها؟ قالوا: بلى. فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحُّوا، فقتلوا راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَطْردوا النعم (3)، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل في آثارهم، فأُدركوا فجيء بهم، وأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا. قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء؟! ارتدوا عن الإسلام، وسرقوا وقتلوا. فقال عنبسة بن سعيد: واللَّه إن سمعت كاليوم قط. فقلت: أترد عليَّ حديثي يا عنبسة. فقال: لا ولكن جئت بالحديث على وجهه، والله لا يزال هذا الجند بخير ما عاش هذا الشيخ بين أظهرهم. قلت: وقد كان في هذا سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليه نفر من الأنصار فتحدثوا عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم، فقُتل، فخرجوا بعده فإذا بصاحبهم يتشحط في الدم فرجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله، صاحبنا كان تحدث معنا فخرج بين أيدينا فإذا نحن به يتشحط في الدم. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من تظنون -أو تُرون- قتله؟ قالوا: نُرى أن اليهود قتلته. فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال: آنتم قتلتم هذا؟ قالوا: لا. قال: أترضون نفل (4) خمسين من اليهود ما قتلوه؟ فقالوا: ما يبالون
__________
(1) أي: استثقلوها، ولم يوافق هواؤها أبدانهم. النهاية (5/ 164).
(2) في "الأصل": فسمت. والمثبت من صحيح البخاري.
(3) أي: ساقوها أمامهم، والنعم: الإبل. مشارق الأنوار (1/ 318).
(4) يقال: نفَّلته فنفل: أي: حلفته فحلف، ونفل وانتفل: إذا حلف، وأصل النَّفْل: النفي، يقال: نفلت الرجل عن نسبه، وانفل عن نفسك إن كنت صادقاً، أي: انف عنك ما قيل فيك، وسُميت اليمين في القسامة نفلاً؛ لأن القصاص ينفى بها. النهاية (5/ 99 - 100).

(5/384)


أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون (أجمعين) (1). قال: أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ قالوا: ما كنا لنحلف. فواده من عنده".
(قال الحافظ أبو عبد الله -رحمه الله-) (2): وقد كانت هذيل خلعوا حليفًا (3) لهم في الجاهلية، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء، فانتبه له (4) رجل منهم، فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني، فرفعوه إلى عمر بالموسم، فقالوا: قتل صاحبنا قد (خلعوه) (5)، فقال: يقسم خمسون من هذيل ما (خلعوه) (5). قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلاً، وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يقسم، (فافتدى) (6) يمينه منهم بألف درهم، فأدخلوا مكانه رجلاً آخر، فدفعوه إلى أخي المقتول، فقرنت يده بيده، قال: فانطلقا والخمسون الذين أقسيوا حتى إذا كانوا بنخلة (7) أخذتهم السماء، فدخلوا في غار في الجبل،
__________
(1) ليست في صحيح البخاري.
(2) كذا في "الأصل" جعله من كلام المؤلف -رحمه الله- وإنما الذي في صحيح البخاري: "قلت" قال ابن حجر: وهي قصة موصولة بالسند المذكور إلى أبي قلابة. فتح الباري (12/ 251).
(3) كانت العرب يتعاهدون ويتعاقدون على النصرة والإعانة وأن يُؤخذ كل منهم بالآخر، فإذا أْرادوا أن يتبرءوا من إنسان قد حالفوه أظهروا ذلك إلى الناس، وسموا ذلك الفعل خَلْعًا، والمتبرأ منه خليعًا: أي مخلوعًا، فلا يُؤخذون بجنايته ولا يؤخذ بجنايتهم، فكأنهم قد خلعوا اليمين التي كانوا قد لبسوها معه، وسموه خَلْغا وخليعًا مجازًا واتساعًا. النهاية (2/ 64 - 65).
(4) قال القاضي عياض: "فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف" كذا للجرجاني وعند المروزي وكافة الرواة "فانتهب" بتقديم الهاء، وهو وهم. مشارق الأنوار (2/ 3).
(5) تشبه أن تكون في "الأصل": طعنوه. والمثبت من صحيح البخاري.
(6) في "الأصل": فافتدوا. والمثبت من صحيح البخاري.
(7) بلفظ واحدة النخيل، وهو موضع على ليلة من مكة. قاله ابن حجر في الفتح (12/ 252) وانظر معجم البلدان (5/ 320 - 321).

(5/385)


فانْهَجَم (1) الغار على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعًا، وأفلت القرينان واتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول، فعاش حولاً ثم مات. وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلاً بالقسامة، ثم ندم بعد ما صنع، فأمر بالخمسين الذين أقسموا فمحوا من الديوان، وسيرهم إلى الشام".
كذا رواه البخاري (2)، وروى مسلم (3) منه حديث أنس في العرنيين.

6074 - عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم، كان رجل من بني هاشم استأجر رجلاً من قريش من فخذ أخر فانطلق معه في إبله، فمر رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه، فقال أغثني بعقال أسد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل. فأعطاه عقالًا فسد به عروة جوالقة، فلما نزلوا عُقِلَت الإبل إلا بعيرًا واحدًا ليس له عقال، قال: فأين عقاله؟ فحذفه بعصا كان فيها أجله، فمر به رجل من أهل اليمن، فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد وربما شهدته (قال هل:) (4) أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر. قال: نعم. قال: فكتب (5) إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش، فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم، فإن أجابوك غسل عن أبي طالب، فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال. ومات المستأجر، فلما قدم الذي استأجره، أتاه أبو طالب، فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه، ووليت دفنه. قال: قد كان أهل ذاك
__________
(1) بسكون النون، وفتح الهاء والجيم، أي: سقط، وللأصيلي: فانهدم. إرشاد الساري (10/ 66).
(2) صحيح البخاري (12/ 239 - 240 رقم 6899).
(3) صحيح مسلم (3/ 1296 - 1298 رقم 1671).
(4) في "الأصل": على. والمثبت من صحيح البخاري.
(5) بالمثناة ثم الموحدة، ولغير أبي ذر والأصيلي بضم الكاف وسكون النون ثم المثناة، والأول أوجه. فتح الباري (7/ 193).

(5/386)


منك. فمكث حينًا، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم، فقال: يا آل قريش. قالوا: هذه قريش. قال: يا آل بني هاشم. قالوا: هذه بنو هاشم. قال: أين أبو طالب؟ قال: هذا أبو طالب. قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانًا قتله في عقال. فأتاه أبو طالب، فقال: اختر منا إحدى ثلاث: أن تؤدي مائة من الإبل؛ فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به. قال: فأتى قومه فأخبرهم، فقالوا: نحلف. فأتته امرأة من بني هاشم - (كانت) (1) تحت رجل منهم قد ولدت منه- فقالت: يا أبا طالب، أحب أن تجيز (2) ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر (3) الأيمان. ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب، أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مائة من الإبل، نصيب كل رجل منهم بعيران، هذان البعيران فاقبلهما مني، ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان. فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا. قال ابن عباس: فوالذي (نفسي) (4) بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرِف (5) ".
رواه البخاري (6).
__________
(1) في "الأصل": كان. والمثبت من صحيح البخاري.
(2) بالجيم والزاي، أي: تهبه ما يلزمه من اليمين. فتح الباري (7/ 193).
(3) بالمهملة ثم الموحدة، أصل الصبر الحبس والمنع، ومعناه في الأيمان الإلزام، تقول: صبرته: أي ألزمته أن يحلف بأعظم الأيمان حتى لا يسعه أن لا يحلف. فتح الباري (7/ 193).
(4) سقطت من نسخة الصحيح المطبوعة مع الفتح، وهي ثابتة في نسخة الفتح نفسه.
(5) بكسر الراء، أي: تتحرك. فتح الباري (7/ 193).
(6) صحيح البخاري (7/ 190 - 191 رقم 3845).

(5/387)


24 - باب هل يستوفى القصاص الحدود بالحرم أم لا
6075 - عن أنس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل، فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. قال: اقتلوه".
أخرجاه في الصحيحين (1).

6076 - عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: "لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، قال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. فأما عبد الله بن خطل فأُدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارًا -وكان أشب الرجلين- فقتله، وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف (2)، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا (فإن) (3) آلهتكم لا تغني عنكم ها هنا. فقال عكرمة: واللَّه لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، لا ينجيني في البر غيره، اللَّهم لك عليَّ عهد إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوًّا كريمًا. فجاء فأسلم، وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فلما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة جاءوا به حتى أوقفوه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله. قال: فرفع
__________
(1) البخاري (4/ 71 رقم 1846) ومسلم (2/ 989 - 990 رقم 1357).

6076 - خرجه الضياء في المختارة (3/ 248 - 251 رقم 1054، 1550).
(2) أي: ريح شديد. النهاية (3/ 248) وحاشية السندي (7/ 106).
(3) في "الأصل": إيمان. والمثبت من سنن النسائي.

(5/388)


رأسه إليه ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله. قالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك. قال: إنه لا ينبغي لنبي أن يكون (له) (1) خائنة الأعين (2) ".
رواه د (3) والنسائي (4) وهذا لفظه.

6077 - عن أبي هريرة "أن خزاعة قتلوا رجلاً -وفي لفظ أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلاً- من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية (فقام) (5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله -عز وجل- حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه، حرام لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى، وإما أن يقاد. فقام رجل من أهل اليمن -يقال له: أبو شاه- فقال: اكتب لي يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اكتبوا لأبي شاه. ثم قام رجل من قريش فقال: يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إلا الإذخر".
__________
(1) من سنن النسائي.
(2) أي يضمر في نفسه غير ما يظهره، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سميت خائنة الأعين، ومنه قوله تعالى: (يعلم خائنة الأعين) أي: ما يخونون فيه من مسارقة النظر إلى ما لا يحل، والخائنة بمعنى الخيانة، وهي من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعل كالعافية. النهاية (2/ 89).
(3) سنن أبي داود (3/ 59 رقم 2683).
(4) سنن النسائي (7/ 105 - 106 رقم 4078).
(5) في "الأصل": فقال. والمثبت من صحيح البخاري.

(5/389)


أخرجاه (1) ولفظه للبخاري.

6078 - عن أبي شريح أنه قال لعمرو بن سعيد -وهو يبعث البعوث إلى مكة-: "ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به (النبي - صلى الله عليه وسلم -) (2) الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به، حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس؛ فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دمًا، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب. فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، لا يُعيذ عاصيًا، ولا فارًّا بدم، ولا فارًا بخربة".
أخرجاه (3) أيضًا واللفظ للبخاري.

6079 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح -فتح مكة-: "لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا. وقال يوم الفتح -فتح مكة-: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحدٍ قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها. فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر فإنه (لقينهم) (4) ولبيوتهم. فقال: إلا الإذخر".
__________
(1) البخاري (12/ 213 رقم 6880)، ومسلم (2/ 988 - 989 رقم 1355).
(2) من صحيح البخاري.
(3) البخاري (1/ 238 - 239 رقم 104)، ومسلم (2/ 987 - 988 رقم 1354).
(4) القين: هو الحداد والصائغ. النهاية (4/ 135).

(5/390)


أخرجاه (1) واللفظ لمسلم.

6080 - وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبغض الناس إلى الله -تعالى- ثلاثة: ملحد (2) في الحرم، ومبتغي في الإسلام سنة الجاهلية (3)، ومُطَّلِب (4) دم امرئ بغير حق ليهريق دمه".
رواه البخاري (5).

6081 - عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أعتى (6) الناس على الله -عز وجل- مَنْ قتل في الحرم، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول (7) الجاهلية".
رواه الإمام أحمد (8).

6082 - وروى (9) عن أبي شريح الخزاعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مِنْ أعتى
__________
(1) البخاري (4/ 56 رقم 1834)، ومسلم (2/ 986 - 987 رقم 1353).
(2) أصل الملحد هو المائل عن الحق، والإلحاد: العدول عن القصد، وهذه الصيغة في العرف مستعملة للخارج عن الدين، فإذا وُصف بها من ارتكب معصية كان في ذلك إشارة إلى عظمها، وقيل: إيراده بالجملة الاسمية مشعر بثبوت الصفة، ثم التنكير للتعظيم؛ فيكون إشارة إلى عظم الذنب. فتح الباري (12/ 219).
(3) سنة الجاهلية: اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه من أخذ الجار بجاره، والحليف بحليفه، ونحو ذلك، ويلتحق بذلك ما كانوا يعتقدونه -والمراد به ما جاء الإسلام بتركه- كالطيرة والكهانة وغير ذلك. فتح الباري (12/ 219 - 220).
(4) بالتشديد، مفتعل من الطلب، فأبدلت التاء طاءً وأدغمت، والمراد من يبالغ في الطلب. فتح الباري (12/ 220).
(5) صحيح البخاري (12/ 219 رقم 6882).
(6) العتو: التجبر والتكبر، وقد عتا يعتو عتوًّا فهو عاتٍ. الهاية (3/ 181).
(7) الذَّحْل: الوتر وطلب المكافأة بجناية جُنيت عليه من قُتلٍ أو جُرح ونحو ذلك، والذحل: العداوة أيضاً. النهاية (2/ 155).
(8) المسند (2/ 187).
(9) المسند (4/ 32).

(5/391)


الناس على الله: من قتل غير قاتله، أو طلب بدم الجاهلية من أهل الإسلام، أو بصر عينيه في النوم ما لم تُبصر".

25 - باب التشديد في القتل وهل للقاتل توبة أم لا
6083 - عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".
أخرجاه في الصحيحين (1).

6084 - وعن عبد الله -يعني ابن مسعود- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم كِفْل (2) من ذنبها؛ لأنه كان أول من سن القتل".
أخرجاه (3) أيضًا.

6085 - عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما (فقتل أحدهما الآخر صاحبه) (4) فالقاتل والمقتول في النار (5). قيل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: (إنه) (6) قد أراد قتل صاحبه".
أخرجاه (7).
__________
(1) البخاري (12/ 194 رقم 6864)، ومسلم (3/ 1304 رقم 1678).
(2) الكِفل -بالكسر- الحظ والنصيب. النهاية (4/ 192).
(3) البخاري (12/ 198 رقم 6867)، ومسلم (3/ 1303 - 1304 رقم 1677).
(4) كذا وقعت هذه الجملة في "الأصل"، ولم أقف عليها في الصحيحين، والله أعلم.
(5) قال الخطابي: هذا الوعيد لمن قاتل على عداوة دنيوية أو طلب ملك مثلاً، فأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل فقتل فلا يدخل في هذا الوعيد؛ لأنه مأذون له في القتال شرعًا. فتح الباري (12/ 205 - 206).
(6) من صحيح مسلم.
(7) البخاري (13/ 35 رقم 7083)، ومسلم (4/ 2213 - 2214 رقم 2888).

(5/392)


6086 - عن جندب البجلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فأخذ سكينًا، فحز بها يده، فما رقأ (1) الدم حتى مات، قال الله -تعالى-: (بادرني عبدي) (2) بنفسه حرمت عليه الجنة".
أخرجاه (3).

6087 - عن المقداد بن عمرو الكندي -حليف بني زهرة، وكان شهد بدرًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يا رسول الله، إن لقيت كافراً فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ بشجرة، وقال: أسلمت للَّه. آقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله. قال: يا رسول الله، فإنه طرح إحدى يدَيَّ، ثم قال ذلك بعدما قطعها آقتله؟ قال: لا تقتله؛ فإن قتلته فهو بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال".
أخرجاه (4)، واللفظ للبخاري.

6088 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها (5) في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلداً فيها أبدًا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبداً".
أخرجاه (6) أيضًا.
__________
(1) يقال: رَقَأ الدمع والدم والعرق يرقأ رُقُوءاً -بالضم- إذا سكن وانقطع النهاية (2/ 248).
(2) في "الأصل": بادأني. والمثبت من صحيح البخاري، واللفظ له.
(3) البخاري (6/ 572 رقم 1364)، ومسلم (1/ 107 رقم 113).
(4) البخاري (12/ 194 رقم 6865)، ومسلم (1/ 95 - 96 رقم 95).
(5) أي: يطعن ويشق. مشارق الأنوار (2/ 279).
(6) البخاري (10/ 258 رقم 5778)، ومسلم (1/ 103 - 104 رقم 109).

(5/393)


6089 - عن أسامة بن زيد بن حارثة قال: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، قال: فلما غشيناهم قال: لا إله إلا الله. قال: فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟! قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذاً. قال: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال: فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم".
أخرجاه (1)، ولفظه للبخاري.

6090 - عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".
أخرجاه (2).

6091 - وعن جرير: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "استنصت الناس، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".
أخرجاه (3)، واللفظ لمسلم، والذي قبله للبخاري.

6092 - وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يزال (4) المؤمن في فسحة من دينه (ما) (5) لم يصب دقًا حرامًا".
رواه البخاري (6).
__________
(1) البخاري (7/ 590 رقم 4269)، مسلم (1/ 96 - 97 رقم 96).
(2) البخاري (12/ 198 رقم 6868)، ومسلم (1/ 82 رقم 66).
(3) البخاري (1/ 262 رقم 121)، ومسلم (1/ 81 - 82 رقم 65).
(4) في "الأصل": لم يزل. والمثبت من صحيح البخاري.
(5) من صحيح البخاري.
(6) صحيح البخاري (12/ 194 رقم 6862).

(5/394)


وفي لفظٍ له (1) عن عبد الله بن عمر أنه قال: "إن من وَرْطات (2) الأمور التي (3) لا مخرج (4) لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغيبر حله".

6093 - عن عبادة بن الصامت قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس، فقال: تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه".
أخرجاه (5)، ولفظه لمسلم.
وفي لفظٍ (6) قال: "بايعناه على أن لا نشرك باللَّه شيئًا، ولا نزني، ولا نسرق، ولا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا ننتهب ولا نعصي، فالجنة إن فعلنا ذلك، فإن غشينا من ذلك شيئًا كان قضاء ذلك إلى الله -تعالى". لفظ مسلم.

6094 - عن عقبة بن مالك "أن سرية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غشوا أهل ماء صبحًا، فبرز رجل من أهل الماء، فحمل عليه رجل من المسلمين، فقال: إني مسلم. فقتله، فلما قدموا أخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فما بال المسلم يقتل الرجل و (هو) (7)
__________
(1) صحيح البخاري (12/ 194 رقم 6863).
(2) بسكون الراء، أي: شدائدها وما لا يتخلص منه، وكل شيء غامض ورطة، قال الخليل: الورطة: البلية يقع فيها الإنسان. مشارق الأنوار (2/ 283).
(3) في "الأصل": الذي. والمثبت من صحيح البخاري.
(4) زاد بعدها في "الأصل": له. وليست هذه الزيادة في صحيح البخاري.
(5) البخاري (1/ 81 رقم 18)، ومسلم (3/ 1333 رقم 1709/ 41).
(6) البخاري (7/ 260 رقم 3893)، ومسلم (3/ 1333 - 1334 رقم 1709/ 44).
(7) من المسند.

(5/395)


يقول: إني مسلم. فقال الرجل: إنما قالها متعوذاً. فصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهه، ومد يده اليمني، فقال: أبى الله على من قتل مسلمًا -ثلاث مرات" (1).
وفي لفظٍ (2) "من قتل مؤمنا".
رواه أحمد د (3).

6095 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أعان على قتل مؤمنٍ بشطر كلمةٍ لقي الله -عز وجل- مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله".
رواه الإمام أحمد (4) ق (5).

6096 - عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا".
رواه النسائي (6).

6097 - عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم".
رواه النسائي (7) والترمذي (8) مرفوعًا وموقوفاً، وذكرا أن الموقوف أصح.

6098 - عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق".
__________
(1) المسند (4/ 110) واللفظ له.
(2) المسند (4/ 110، 5/ 289).
(3) سنن أبي داود (3/ 41 رقم 2627) مختصرًا.
(4) لم أقف عليه في المسند.
(5) سنن ابن ماجه (2/ 874 رقم 2620).
(6) سنن النسائي (7/ 83 رقم 4001).
(7) سنن النسائي (7/ 82 - 83 رقم 3997 - 4000).
(8) جامع الترمذي (4/ 10 رقم 1395).

(5/396)


رواه ق (1).

6099 - عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا".
رواه الإمام أحمد (2) -واللفظ له- والنسائي (3).

6100 - عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لقي الله -عز وجل- لا يشرك به شيئًا، لم يَتَنَدَّ (4) بدم حرام دخل الجنة".
رواه ابن ماجه (5).

6101 - عن يزيد الرقاشي، ثنا أبو الحكم البجلي قال: سمعت أبا سعيد الخدري وأبا هريرة يذكران عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار".
رواه الترمذي (6) وقال: حديث غريب، وأبو الحكم البجلي هو عبد الرحمن ابن أبي نُعم.
قال الحافظ أبو عبد الله: ويزيد الرقاشي (7) متكلم فيه، قال الإمام أحمد (8): منكر الحديث. وقال النسائي (9): متروك الحديث.
__________
(1) سنن ابن ماجه (2/ 874 رقم 2619).
(2) المسند (4/ 99).
(3) سنن النسائي (7/ 81 رقم 3955).
(4) أي: لم يصب منه شيئاً، ولم ينله منه شيء، كأنه نالته نداوة الدم وبلله. النهاية (5/ 38).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 873 رقم 2618).
(6) جامع الترمذي (4/ 11 رقم 1398).
(7) ترجمته في التهذيب (32/ 64 - 77).
(8) الجرح والتعديل (9/ 251 - 252).
(9) كتاب الضعفاء والمتروكين (253 رقم 673).

(5/397)


6102 - عن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنًا متعمدًا من توبة؟ قال: لا. فتلوت عليه هذه الآية التي في الفرقان {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} (1) إلى آخر الآية. قال: هذه آية مكية نسختها آية مدنية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} (2) " وفي لفظٍ "فتلوت الآية التي في الفرقان (إِلاَّ مَن تَابَ) (3).
أخرجاه (4)، ولفظه لمسلم.

6103 - عن سالم بن أبي الجعد "أن ابن عباس (سُئل) (5) عمن قتل مؤمنًا متعمدًا ثم تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى، فقال ابن عباس: وأنى له التوبة، سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول: يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل تشخب (6) أوداجه دمًا، فيقول: أي رب، سل هذا فيم قتلني؟ ثم قال: واللَّه لقد أنزلها عز وجل ثم ما نسخها".
رواه الإمام أحمد (7) ق (8) س (9) وهذا لفظه.

6104 - وعن عَمْرو، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجيء المقتول
__________
(1) سورة الفرقان، الآية: 68.
(2) سورة النساء، الآية: 39.
(3) سورة الفرقان، الآية: 90.
(4) البخاري (8/ 351 رقم 4763)، ومسلم (4/ 2318 رقم 3023).

6103 - خرجه الضياء في المختارة (10/ 45 - 47 رقم 40 - 42).
(5) من سنن النسائي.
(6) الشَّخْب: السيلان، وقد شخب يَشْخُب ويشْخَب، وأصل الشخب: ما يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة وعصرة لضرع الشاة. النهاية (2/ 450).
(7) المسند (1/ 222، 240، 294، 364).
(8) سنن ابن ماجه (2/ 874 رقم 2621).
(9) سنن النسائي (7/ 85 رقم 4010، 8/ 63 رقم 4881).

6104 - خرجه الضياء في المختارة (15/ 13 رقم 13).

(5/398)


متعلقًا بالقاتل يوم القيامة، ناصيته ورأسه في يده، وأوداجه تشخب دمًا، يقول: يا رب قتلني. حتى يدنيه من العرش. قال: فذكروا لابن عباس التوبة، فتلا هذه الآية (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) (1) قال: ما نسخت منذ أنزلت، وأنى له التوبة".
رواه النسائي (2) والترمذي (3)، وقال: حديث حسن (4).

6105 - في زيد بن ثابت قال: "نزلت هذه الآية (وَمَن يَقْتلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا ... ) (1) الآية كلها؛ بعد الآية التي نزلت في الفرقان بستة أشهر". وفي لفظٍ: "بثمانية أشهر".
رواه د (5) س (6) واللفظ له.

6106 - وله (7) عن زيد بن ثابت قال: "نزلت (وَمَن يَقْتُلْ مؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فيهَا ... ) (1) أشفقنا منها، فنزلت التي في الفرقان (وَالَّذِينَ لَا يَدْعونَ مَعَ الَلَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) (8) ".

6107 - عن جابر -هو ابن عبد الله - قال: "لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة
__________
(1) سورة النساء، الآية: 93.
(2) سنن النسائي (7/ 87 رقم 4016).
(3) جامع الترمذي (5/ 224 رقم 3029).
(4) زاد الترمذي: وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن ابن عباس نحوه، ولم يرفعه.
(5) سنن أبي داود (4/ 104 رقم 4272).
(6) سنن النسائي (7/ 87 رقم 4018).
(7) سنن النسائي (7/ 87 - 88 رقم 4019).
(8) سورة الفرقان، الآية: 68.

(5/399)


هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا (1) المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع بها براجمه (2) فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيحه حسنة ورآه مغطياً يده، فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم وليديه فأغفر".
رواه مسلم (3).

6108 - عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على راهبٍ، فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبةٍ؟ فقال: لا. فقتله وكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على رجلٍ عالمٍ، فقال إنه قتل مائة نفسٍ فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها (أناسًا) (4) يعبدون الله؛ فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نَصَفَ (5) الطريق أتاه الموت، فاختصمت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي،
__________
(1) أي: أصابهم الجوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها. النهاية (1/ 318).
(2) البراجم: العقد التي في ظهور الأصابع، يجتمع فيها الوسخ، الواحدة: بُرجمة بالضم. النهاية (1/ 113).
(3) صحيح مسلم (1/ 108 - 109 رقم 116).
(4) في "الأصل": إنسانًا. والمثبت من صحيح مسلم.
(5) أي: بلغ نصفه. النهاية (5/ 66).

(5/400)


فجعلوه بينهم (فقال) (1) قيسوا ما بين الأرضين؛ فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. قال قتادة: فقال الحسنُ: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره" (2).

6109 - وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفسًا، فجعل يسأل هل له من توبة؟ فأتى راهبًا فسأله، فقال له الراهب: ليست لك توبة. فقتل الراهب ثم جعل يسأل، ثم خرج من قرية إلى قرية فيها قوم صالحون، فلما كان في بعض الطريق أدركه الموت، فنأى بصدره، ثم مات، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبرٍ، فجُعل من أهلها" (3).
وفي لفظٍ (4): "فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقربي".
أخرجاه (5)، وهذا لفظ مسلم.

6110 - عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن رجلاً كان ممن كان قبلكم قتل تسعة وتسعين نفسًا كلها يقتلها ظلمًا، ثم أتاه رجل (6) فقال: إن الآخر قتل تسعة وتسعين نفسًا كلها ظلمًا، فهل تجد له من توبة؟ فقال: واللَّه لئن قلت: إن الله لا يتوب على من تاب فقد كذبتك، ها هنا دير كان فيه قوم متعبدون، فائته فاعبد الله معهم؛ فعسى الله أن يتوب عليه. قال: فتوجه
__________
(1) في "الأصل": فقالوا فيه. والمثبت من صحيح مسلم.
(2) صحيح مسلم (4/ 2118 رقم 2766/ 46).
(3) صحيح مسلم (4/ 2119 رقم 2766/ 47).
(4) صحيح مسلم (4/ 2119 رقم 2766/ 48).
(5) البخاري (6/ 591 رقم 3470).
(6) في "الأصل": رجلاً.

(5/401)


الرجل ذاهبًا معه إليهم، فبينا هو كذلك إذ مات، فحضرته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فاختصمت فيه، فبعث الله -تبارك وتعالى- ملكًا أن يقيسوا بين المكانين؛ فأيهم كان أقرب إليه فهو منهم، فقاسوه فوجدوه أقرب إلى دير التوابين بأنملة، فغفر له فأدخله الجنة".
وفي لفظٍ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كان رجل يعمل السيئات وقتل تسعة وتسعين نفسًا كلها يقتلها ظلمًا بغير حق، فخرج فأتى ديراني (1) فقال: يا ديراني، إن الآخر لم يدع من الشر شيئًا إلا قد عمله مع أنه قد قتل تسعة وتسعين نفسًا، كلها يقتلها ظلمًا بغير حق، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فضربه فقتله (ثم أتى آخر فقال له مثل ذلك، فقال: ليست لك توبة) (2) ثم أتى راهبًا آخر فقال: إن الآخر لم يدع من الشر شيئًا إلا قد عمله، مع أنه قتل مائة نفس كلها يقتلها ظلمًا بغير حق، فهل له توبة؟ فقال: واللَّه لئن قلت لك أن الله لا يتوب على من تاب فقد كذبتك ... " فذكر نحوه.
رواه أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل في كتاب التوبة -وهذا لفظه- وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في معجمه (3) بنحوه.

6111 - عن المقدام بن معدي كرب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم بدا له أن يتوب، فأتى عالماً من علماء بني إسرائيل فقال: (هل) (4) له من توبة. فقال: وما عملت؟ قال: قتلت تسعة وتسعين نفسًا، ثم بدا لي أن أتوب. قال: فوالله لئن لم تكن له توبة لأتممن بك المائة. قال: فقتله، ثم بدا له أن يتوب، قال: فأتى عالماً من علماء بني إسرائيل، فقال: هل لي
__________
(1) الديراني: صاحب الدير الذي يسكنه ويعمره. لسان العرب (2/ 1466).
(2) كذا وقعت هذه العبارة في "الأصل".
(3) المعجم الكبير (19/ 369 رقم 867).
(4) ليست في "الأصل".

(5/402)


من توبة؟ قال: وما عملت؟ قال: قتلت مائة نفس، فقال: أتيت أمرًا عظيماً. فهل لي من توبة؟ قال: نعم، قال: ائت إلى قرية بني فلان؛ فإن فيهم قومًا يتعبدون؛ فتعبد معهم حتى تموت. فانطلق الرجل حتى كان بالنَّصَف مات فيه، فاختصم فيه ملكاه، فقال صاحب اليمين: تائب. وقال صاحب الشمال: ليس بتائب. فبعث الله ملكًا يحكم بينهم، فقال: قيسوا بين مخرجه من عند العالم إلى قرية التوبة، فإلى أيهم كان أقرب فهو منها. فوجدوه أقرب إلى قرية التوبة بذراع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فضلت التوبة بذراع مرتين، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على يده".
رواه أبو بكر أحمد بن أبي عاصم في كتاب التوبة.

6112 - عن واثلة بن الأسقع قال: "أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صاحب لنا أوجب -يعني: النار- بالقتل، فقال: أعتقوا عنه؛ يعتق الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار".
رواه الإمام أحمد (1) د (2).

26 - باب دية الأعضاء والنفس
6113 - عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذه وهذه سواء -يعني. الخنصر والإبهام".
رواه البخاري (3).

6114 - عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتابًا فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث
__________
(1) المسند (3/ 149).
(2) سنن أبي داود (4/ 29 رقم 3964).
(3) صحيح البخاري (12/ 235 رقم 6895).

(5/403)


به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل (اليمن) (1) هذه نسختها: من محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين (2)، أما بعد. وكان في كتابه: أن من اعتبط مؤمنًا (3) قتلاً عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وأن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه (4) الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصُّلب الدية (5)، وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السنن خمس من الإبل، وفي الموضحة (6) خمس من الإبل، وأن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار" (7).
__________
(1) بياض بالأصل، والمثبت من سنن النسائي.
(2) أي: ملكها، وهي قبيلة من اليمن تنسب إلى ذي رعين، وهو هن أذواء اليمن وملوكها. النهاية (4/ 133).
(3) أي: قتله بلا جناية كانت منه ولا جريرة توجب قتله؛ فإن القاتل يُقاد به ويُقتل، وكل من مات بغير علة فقد اعتُبط، ومات فلان عَبْطَته: أي شابًّا صحيحاً، وعبطتُ الناقة واعتبطها إذا ذبحتها بغير مرض. النهاية (3/ 172).
(4) أي: قطع جميعه. النهاية (5/ 205).
(5) أي: إن كسر الظهر فحدب الرجل ففيه الدية؛ وقيل: أراد إن أصيب صلبه بشيء حتى أذهب منه الجماع، فسُمي الجماع صلباً؛ لأن المني يخرج منه. النهاية (3/ 44).
(6) هي التي تُبدي وضح العظم: أي بياضه، والجمع المواضح، والتي فُرض فيها خمس من الإبل هي ما كان منها في الرأس والوجه، فأما الموضحة في غيرهما ففيهما الحكومة. النهاية (5/ 196).
(7) سنن النسائي (8/ 57 - 58 رقم 4868).

(5/404)


وفي لفظٍ (1): قال: "في العين الواحدة نصف الدية، وفي اليد الواحدة والرجل الواحدة نصف الدية".
رواه النسائي وقال: روي هذا الحديث عن يونس مرسلاً.

6115 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الأنف إذا جدع كله بالعقل كاملاً، وإذا جدعت أرنبته فنصف العقل، وقضى في العين نصف العقل -خمسين من الإبل، أو عدلها ذهبًا أو ورقًا، أو مائة بقرة، أو ألف شاة- والرجل نصف العقل، واليد نصف العقل، والمأمومة ثلث العقل -ثلاث وثلاثون من الإبل، أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء- والجائفة ثلث العقل، والمنقلة خمس عشرة من الإبل، والموضحة خمس من الإبل، والأصابع سواء، والأسنان سواء".
رواه الإمام أحمد (2).
وفي لفظٍ: "في كل أصبع عشر من الإبل، وفي كل سن خمس من الإبل، والأصابع سواء، والأسنان سواء".
رواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والنسائي (5) وابن ماجه (6).
__________
(1) سنن النسائي (8/ 59 رقم 4869)، وقال: وهذا أشبه الصواب، واللَّه أعلم -وسليمان ابن أرقم متروك الحديث.
قلت: في إسناد هذا الحديث كلام طويل، انظر إرشاد الفقيه (2/ 275 - 278) والتلخيص الحبير (3/ 34 - 36) وغيرهما.
(2) المسند (2/ 217).
(3) المسند (2/ 182).
(4) سنن أبي داود (4/ 189 - 190 رقم 4564).
(5) سنن النسائي (8/ 57 رقم 4865، 4866).
(6) سنن ابن ماجه (2/ 886 رقم 2653).

(5/405)


6116 - عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "في دية الأصابع: اليدين والرجلين سواء، عشرة من الإبل لكل أصبع".
رواه ت (1)، وقال: حديث حسن صحيح غريب.

6117 - وعن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأسنان سواء، الثنية والضرس سواء". رواه أبو داود (2) وابن ماجه (3).

6118 - عن أبي موسى قال: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأصابع سواء عشرًا عشرًا من الإبل".
رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) والنسائي (6) واللفظ له.

6119 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "في المواضح: خمس خمس من الإبل" (7).
رواه الإمام أحمد (8) وأبو داود (9) والنسائي (10) وابن ماجه (11).
__________
6116 - خرجه الضياء في المختارة (12/ 322 - 323 رقم 356).
(1) جامع الترمذي (4/ 8 رقم 1391).

6117 - خرجه الضياء في المختارة (12/ 221 - 222 رقم 240 - 242).
(2) سنن أبي داود (4/ 188 رقم 4559).
(3) سنن ابن ماجه (2/ 885 رقم 2650).
(4) المسند (4/ 397، 398، 404).
(5) سنن أبي داود (4/ 187 - 188 رقم 4556).
(6) سنن النسائي (8/ 56 رقم 4860).
(7) رواه الترمذي (4/ 7 رقم 1390) وقال: هذا حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم، وهو قول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق أن في الموضحة خمسًا من الإبل.
(8) المسند (2/ 189، 207).
(9) سنن أبي داود (4/ 190 رقم 4566).
(10) سنن النسائي (8/ 57 رقم 4867).
(11) سنن ابن ماجه (2/ 886 رقم 2655).

(5/406)


6120 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في العين العوراء السادة لمكانها إذا طمست ثلث ديتها، وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السنن السوداء إذا نزعت بثلث ديتها".
رواه النسائي (1)، وروى منه أبو داود (2) "في العين الدائمة السادة لمكانها بثلث الدية".

6121 - عن عمر -روي الله عنه- "أنه قضى في رجل ضرب رجلاً فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله؛ بأربع ديات" (3).
ذكره عبد الله بن أحمد (4) عن أبيه.

27 - باب في دية أهل الذمة
6122 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين. وهم اليهود والنصارى".
رِواه الإمام أحمد (5) وابن ماجه (6) والنسائي (7) واللفظ له.
وفي لفظ: "دية الكافر نصف دية المسلم".
__________
(1) سنن النسائي (8/ 55 رقم 4855).
(2) سنن أبي داود (190/ 4 رقم 4567).
(3) رواه ابن أبي شيبة (9/ 167 رقم 6943) والبيهقي (8/ 86، 98) عن أبي المهلب -عم أبي قلابة- عن عمر -رضي الله عنه-.
(4) مسائل عبد الله بن أحمد (ص 417 رقم 1456).
(5) المسند (2/ 183).
(6) سنن ابن ماجه (2/ 883 رقم 2644).
(7) سنن النسائي (8/ 45 رقم 4820).

(5/407)


رواه الإمام أحمد (1) والترمذي (2) ولفظه "دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن" وقال: حديث حسن، وكذلك رواية النسائي (3).
وفي لفظ لأبي داود (4): "كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانمائة دينار، ثمانية آلاف درهمٍ، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم، قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر -رضي الله عنه- فقام خطيبًا فقال: إن الإبل قد غلت. قال: ففرض عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية".

6123 - عن سعيد بن المسيب قال: "كان عمر -رضي الله عنه- يجعل دية اليهود والنصراني أربعة آلاف، والمجوسي (ثمانمائة) (5) ".
رواه الإمام الشافعي (6) والدارقطني (7).

28 - باب في دية المرأة في النفس وما ودنها
6124 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) المسند (2/ 180).
(2) جامع الترمذي (4/ 18 رقم 1413).
(3) سنن النسائي (8/ 45 رقم 4821).
(4) سنن أبي داود (4/ 184 رقم 4542).
(5) في "الأصل": ثمانية. والمثبت من وسنن الدارقطني.
(6) مسند الشافعي (ص 354).
(7) سنن الدارقطني (3/ 170 - 171 رقم 257).

(5/408)


"عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها" (1).
رواه النسائي (2) والدارقطني (3).

6125 - عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: "سألت سعيد بن المسيب كم في أصبع (المرأة؟ فقال: عشر من الإبل. فقلت: كم في أصبعين؟ قال: عشرون من الإبل. فقلت: كم في ثلاث) (4) قال: ثلاثون من الإبل. قلت: فكم في أربع أصابع؟ قال: عشرون من الإبل. قلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها! قال سعيد: أعراقي أنت؟ قال: بل عالم مُتثبت أو جاهل متعلم. قال: هي السنة يا ابن أخي".
رواه الإمام مالك في الموطأ (5).

29 - باب في دية الجنين
6126 - عن أبي هريرة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرةٍ عبدٍ أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت (6)، فقضى
__________
(1) حديث ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج، ورواية إسماعيل ابن عياش عن غير الشاميين لا يُحتج بها عند جمهور الأئمة، وهذا منها. إرشاد الفقيه (2/ 272 - 273).
(2) سنن النسائي (8/ 44 - 45 رقم 4819).
(3) سنن الدارقطني (3/ 91 رقم 38).
(4) من الموطأ.
(5) الموطأ (2/ 671 - 672) كتاب العقول، باب ما جاء في عقل الأصابع.
(6) قال النووي: قال العلماء هذا الكلام قد يوهم خلاف مراده، فالصواب أن المرأة التي ماتت هي المجني عليها أم الجنين، لا الجانية، وقد صرح به في الحديث بعده بقوله: "فقتلتها وما في بطنها" فيكون المراد بقوله: "التي قضى عليها بالغرة" أي: التي قضى لها بالغرة، فعبر بـ "عليها" عن "لها" وأما قوله: "والعقل على عصبتها" فالمراد عصبة القاتلة: شرح صحيح مسلم (7/ 195 - 196).

(5/409)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها" (1)
وفي لفظٍ (2): قال: "اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما (الأخرى) (3) بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى أن دية جنينها غرة: عبد أو وليدة، وقضى دية المرأة على عاقلتها".
أخرجاه في الصحيحين (4)، وزاد مسلم: "وورثها ولدها ومن معهم، فقال حَمَل بن النابغة الهذلي: يا رسول الله، كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل (5)؛ فمثل ذلك يطل (6). فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما هو من إخوان الكهان (7). من أجل سجعه الذي سجع".
__________
(1) صحيح البخاري (12/ 263 رقم 6909).
(2) صحيح البخاري (12/ 263 رقم 6910).
(3) من صحيح البخاري.
(4) صحيح مسلم (3/ 1310 رقم 1681/ 36).
(5) استهلال الصبي: تصويته عند ولادته. النهاية (5/ 271).
(6) روي في الصحيحين وغيرهما بوجهين: أحدهما "يُطل" بضم الياء المثناة، وتشديد اللام، ومعناه يُهدر ويُلغى ولا يُضمن. والثاني: "بَطَلَ" يفتح الباء الموحدة، وتخفيف اللام، على أنه فعل ماضي من البطلان، وهي بمعني الملغي أيضاً. شرح صحيح مسلم (7/ 197).
(7) قال النووي: قال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين: أحدهما: أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله. والثاني: أنه تكلفه في مخاطبته. وهذان الوجهان من السجع مذمومان، وأما السجع الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله في بعض الأوقات -وهو مشهور في الحديث- فليس من هذا؛ لأنه لا يُعارض به حكم الشرع، ولا يتكلفه؛ فلا نهي فيه بل هو حسن، ويؤيد ما ذكرناه من التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كسجع الأعراب" -يعني: في حديث المغيرة الآتي (6128) - فأشار إلى أن بعض السجع هو المذموم، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (7/ 197).

(5/410)


6127 - عن المغيرة بن شعبة، عن عمر -رضي الله عنه- "أنه استشارهم في إملاص المرأة (1) - وفي لفظ عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر -رضي الله عنه-نشد الناس من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في السقط- قال المغيرة بن شعبة: أنا سمعته قضى فيه بغرةٍ عبدٍ أو أمة. فقال: أين من يشهد معك على هذا؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا".
أخرجاه (2) واللفظ للبخاري.

6128 - عن المغيرة بن شعبة قال: "ضربت امرأةٌ (ضَرَّتها بعمود فسطاط وهي حبلى، فقتلتها) (3) قال: وإحداهما لحيانية. قال: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عصبة القاتلة، وغرة لما في بطنها، فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم دية من لا أكل ولا شرب ولا استهل؛ فمثل ذلك يطل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أسجع كسجع الأعراب! قال: وجعل عليها الدية".
رواه مسلم (4).

6129 - عن عكرمة عن ابن عباس قال: "كانت امرأتان جارتان كان بينهما صخب (5)، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فأسقطت غلامًا قد نبت شعره ميتًا، وماتت المرأة، فقضى على العاقلة الدية، فقال عمها: إنها قد أسقطت يا
__________
(1) هو إزلاقها الولد قبل حينه، يقال: أملصت المرأة الجنين، وأملصت به، وملص هو -بفتح اللام وكسرها- يملص ويملص، وامَّلص -بتشديد الميم- إذا زلق، وكذلك غيره. مشارق الأنوار (1/ 380).
(2) البخاري (12/ 257 رقم 6907، 6908)، ومسلم (3/ 1311 رقم 1683).
(3) في "الأصل": امرأة. والمثبت من صحيح مسلم.
(4) صحيح مسلم (3/ 1310 - 1311 رقم 1682).

6129 - خرجه الضياء في المختارة (12/ 55 - 56 رقم 56).
(5) الصخب والسخب: الضجة واضطراب الأصوات للخصام. النهاية (3/ 14).

(5/411)


رسول الله غلامًا قد نبت شعره. فقال أبو القاتلة: إنه كاذب، واللَّه ما استهل ولا شرب ولا أكل، فمثله يُطل. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أسجع الجاهلية وكهانتها، إن في الصبي غرة. قال ابن عباس: إحداهما مليكة، والأخرى أم غطيف".
رواه أبو داود (1) والنسائي (2) وهذا لفظه.

6130 - عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه "أن امرأة خذفت امرأة، فأسقطت، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ولدها (خمسمائة) (3) شاة، ونهى يومئذ عن الخذف".
رواه النسائي (4) وقال: أرسله أبو نعيم.
قال الحافظ -رحمه الله-: ورواه عن عبد الله بن بريدة "أن امرأة خذفت امرأة ... " فذكره وقال: وهذا وهم، وينبغي أن يكون أراد مائة من الغنم.
ورواه أبو داود (5) بنحوه وقال: كذا الحديث "خمسمائة شاة" والصواب المائة شاة.

30 - باب من قتله المسلمون في المعركة ولا يعرفونه
6131 - عن عائشة قالت: "لما كان يوم أحد هُزم المشركون، فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم. فرجعت أولاهم، فاجتلدت (6) هي وأخراهم، فنظر حذيفة
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 192 رقم 4574).
(2) سنن النسائي (8/ 51 - 52 رقم 4843).
(3) في سنن النسائي: خمسين.
(4) سنن النسائي (8/ 46 - 47 رقم 4828).
(5) سنن أبي داود (4/ 193 رقم 4578).
(6) الجلاد: هو الضرب بالسيف في القتال، يقال: جَلَدْته بالسيف والسوط ونحوه إذا ضربته به. النهاية (1/ 285).

(5/412)


فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله، أبي أبي. قالت: فواللَّه ما احتجزوا (1) حتى قتلوه، قال حذيفة: غفر الله لكم. قال عروة: فما زالت في حذيفة منه بقية (2) حتى لحق باللَّه -عز وجل".
رواه البخاري (3).

6132 - عن محمود بن لبيد قال: "اختلفت سيوف المسلمون على اليمان أبي حذيفة يوم أحد -ولا يعرفونه- فقتلوه، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين".
رواه الإمام أحمد (4).

31 - باب في مسألة الزبية (5) وغيرها
6133 - عن حنش بن المعتمر، عن علي قال: "بعثني رسول الله عليَ - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فانتهينا إلى قوم قد بنوا زُبية للأسد، فبينا هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل، فتعلق بآخر، ثم تعلق الرجل بآخر، حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الأسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله، وماتوا من جراحتهم كلهم، فقام أولياء
__________
(1) بالحاء المهملة الساكنة، ثم الفوقية والجيم المفتوحتين، والزاي، أي: ما انفصلوا، أو ما انكفوا عنه، أو ما تركوه. إرشاد الساري (10/ 56).
(2) لأبي ذر والأصيلي: "بقية خير". إرشاد الساري (10/ 57) والمراد أنه حصل له خير بقوله للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ: "غفر الله لكم" واستمر ذلك الخير فيه إلى أن مات، ويؤخذ منه أن فعل الخير تعود بركته على صاحبه في طول حياته. فتح الباري (7/ 165، 11/ 156).
(3) صحيح البخاري (12/ 227 رقم 6890).
(4) المسند (5/ 429).
(5) الزبية: حفيرة تحفر للأسد والصيد ويُغطى رأسها بما يسترها ليقع فيها. النهاية (2/ 295).

(5/413)


(الأول) (1) إلى أولياء الآخر، فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم علي -رضي الله عنه- على تَفِئة ذلك (2)، فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي؟! إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم به فهو القضاء، وإلا حجر بعضكم على بعض تأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكون هو الذي يقضي بينكم، فمن عدا بعد ذلك فلا حق له، اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة، فللأول ربع الدية؛ لأنه هلك من فوقه ثلاثة، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية كاملة. فأبوا أن يرضوا، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند مقام إبراهيم عليه السلام- فقصوا عليه القصة، (فقال: أنا أقضي بينكم. واحتبى، فقال رجل من القوم: إن عليًّا قضى فينا. فقصوا عليه القصة) (3) فأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
رواه الإمام أحمد (4).
وفي لفظٍ (5): "وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا".
حنش بن المعتمر قال البخاري (6): يتكلمون في حديثه.

6134 - عن علي بن رباح اللخمي "أن أعمى كان ينشد في الموسم في خلافة عمر وهو يقول:
يا أيها الناس لقيت منكرا
__________
(1) من المسند.
(2) أي: على أثره. النهاية (1/ 192).
(3) من المسند.
(4) المسند (1/ 77).
(5) المسند (1/ 152).
(6) التاريخ الكبير (3/ 99).

(5/414)


هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معًا كلاهما تكسرا
وذلك أن أعمى كان يقوده بصير، فوقعا في بئر فوقع الأعمى على البصير، فمات البصير، فقضى عمر -رضي الله عنه- بعقل البصير على الأعمى".
رواه الدارقطني (1).
6134 م- وروى في حديث "أن رجلاً أتى أهل أبيات، فاستسقاهم، فلم يسقوه حتى مات، فأغرمهم عمر ديته".
حكاه الإمام أحمد في رواية ابن منصور عنه، وقال: أقول به.

32 - باب أجناس الدية وأسنان إِبلها
6135 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلَاثون حقة، وعشرة بني لبون ذكور. قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقومها على أهل القرى أربعمائة (2) دينار أو عدلها من الورق، ويقومها على أهل الإبل إذا غلت رفع في قيمتها، وإذا هانت نقص من (قيمتها) (3) على نحو الزمان ما كان، فبلغ قيمتها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الأربعمائة دينارٍ إلى ثمانمائة دينارٍ، أو عدلها من الورق (4) وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من كان عقله في البقر على أهل البقر مائتي بقرة، ومن كان عقله في الشاء ألفي شاة، وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) سنن الدارقطني (3/ 98 - 99 رقم 62).
(2) في "الأصل": مائة. والمثبت من سنن النسائي.
(3) من سنن النسائي.
(4) زاد بعدها في "الأصل": ويقودها على أهل الإبل. وهي زيادة مقحمة.

(5/415)


أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم، فما فضل فللعصبة، وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعقل المرأة - صلى الله عليه وسلم - من كانوا، ولا يرثون منه شيئًا لا ما (1) فضل عن ورثتها، وإن قُتلت فعقلها بين ورثتها، وهم يقتلون قاتلها".
روى الإمام أحمد (2) بعضه، ورواه النسائي (3) بطوله، وروى بعضه أيضًا أبو داود (4) وابن ماجه (5).

6136 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل متعمد دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد القتل".
رواه ابن ماجه (6) والترمذي (7) -وهذا لفظه- وقال: حديث حسن غريب.

6137 - عن عبادة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في دية المغلظة: ثلاثين ابنة لبون، وثلاثين حقة، وأربعين خلفة. وقضى في دية الصغرى: ثلاثين ابنة لبون، وثلاثين حقة، وعشرين ابنة مخاض، وعشرين بني مخاض ذكور. ثم غلت الإبل بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهانت الدراهم فقوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إبل الدية ستة آلاف درهم، حساب أوقية بكل بعير، ثم غلت الإبل وهانت الورق فزاده عمر بن الخطاب ألفين حساب، أوقيتين لكل بعير، ثم غلت الإبل وهانت
__________
(1) في "الأصل": من.
(2) المسند (2/ 217).
(3) سنن النسائي (8/ 42 - 43 رقم 4815).
(4) سنن أبي داود (4/ 184 رقم 4541).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 878 رقم 2630).
(6) سنن ابن ماجه (2/ 877 رقم 2626).
(7) جامع الترمذي (4/ 6 رقم 1387).

(5/416)


الدراهم فأتمها عمر اثني عشر ألفًا، حساب ثلاث أواق لكل بعير، قال: فزاد ثلث الدية في الشهر الحرام، وثلث آخر في البلد الحرام، قال: فتمت دية الحرمين عشرين ألفًا، قال: فكان يؤخذ من أهل البادية من ماشيتهم، لا يكلفون الورق ولا الذهب، ويؤخذ من كل قوم مالهم قيمة العدل من أموالهم".
رواه عبد الله بن أحمد في المسند (1) عن غير أبيه.

6138 - عن حجاج، عن زيد بن جبير، عن خشف بن مالك قال: سمعت ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية الخطأ: عشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض ذكور، وعشرين بنت لبون، وعشرين جذعة، وعشرين حقة".
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) والترمذي (4) والنسائي (5) وابن ماجه (6)، ولفظه للنسائي، الحجاج هو ابن أرطأة قال الإمام أحمد (7) ويحيى بن معين (8) والدارقطني (9): لا يُحتج به.
__________
(1) المسند (5/ 326 - 327) ثم رواه عن أبيه وقال: بنحوه.
(2) المسند (1/ 450).
(3) سنن أبي داود (4/ 184 - 185 رقم 4545).
(4) جامع الترمذي (4/ 5 رقم 1386) وقال: حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه؛ وقد رُوي عن عبد الله موقوفاً.
(5) سنن النسائي (8/ 43 - 44 رقم 4815).
(6) سنن ابن ماجه (2/ 879 رقم 2631).
(7) روى العقيلي في الضعفاء (1/ 280) عن الحسن بن علي قال: سُئل أحمد بن حنبل: يُحتج بحديث حجاج بن أرطاة؟ فقال: لا.
(8) تاريخ الدوري (4/ 60 رقم 3142)، والجرح والتعديل (3/ 156).
(9) علل الدارقطني (5/ 347).

(5/417)


6139 - عن عطاء بن أبي رباح "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر (مائتي) (1) بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل (2) مائتي حلة".
رواه أبو داود (3) هكذا.
6139 م- وروى (4) من طريق محمد بن إسحاق قال: ذكر عطاء عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره مثل حديث موسى. يعني: شيخه.

6140 - عن عكرمة عن ابن عباس قال: "قتل رجل رجلاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفًا، وذلك قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} (5) في أخذ الدية".
رواه أبو داود (6) والترمذي (7) وابن ماجه (8) والنسائي (9) -وهذا لفظه-
__________
(1) في "الأصل": مائة. والمثبت من سنن أبي داود.
(2) هي برود اليمن، واحدتها: حُلة، ولا تُسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد. النهاية (1/ 432).
(3) سنن أبي داود (4/ 184 رقم 4543).
(4) سنن أبي داود (4/ 184 رقم 4544).
(5) سورة التوبة، الآية: 74.
(6) سنن أبي داود (4/ 185 رقم 4546) وقال أبو داود: رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر ابن عباس.
(7) جامع الترمذي (4/ 6 - 7 رقم 1388) ثم رواه من طريق ابن عيينة مرسلاً، وقال: ولا نعلم أحدًا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد بن مسلم.
(8) سنن ابن ماجه (2/ 878 رقم 2629، 2/ 879 رقم 2632).
(9) سنن النسائي (8/ 44 رقم 4817) وسقط من "الأصل" لفظة: "النسائي".

(5/418)


وروى (1) أيضًا منه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باثني عشر ألفًا. (يعني: في) (2) الدية".
وقد رُوي عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً.

6141 - عن عقبة بن أوس، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، فقال: ألا إن قتيل الخطأ (شبه) (3) العمد بالسوط والعصا والحجر مائة من الإبل منها أربعون ثنية إلى بازل عامها كلهن خلفة" (4).
وفي لفظٍ (5): "مائة من الإبل مغلظة".
رواه الإمام أحمد (6) وأبو داود (7) وابن ماجه (8) والنسائي (9) وهذا لفظه.

6142 - وعن عقبة بن أوس، عن عبد الله -هو ابن عمرو بن العاص- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها".
هو الحديث الذي قبله، بعض الرواة سماه عبد الله بن عمرو، وقد رواه القاسم بن ربيعة عن ابن عمر، وقد تقدم (10).
__________
(1) سنن النسائي (8/ 44 رقم 4818).
(2) في "الأصل": من. والمثبت من سنن النسائي.
(3) من سنن النسائي.
(4) سنن النسائي (8/ 41 رقم 4808).
(5) سنن النسائي (8/ 41 رقم 4809) عن عقبة بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(6) المسند (3/ 410).
(7) سنن أبي داود (4/ 185 رقم 4547، 4548) عن ابن عمرو.
(8) سنن ابن ماجه (2/ 877 رقم 2627) عن ابن عَمرو.
(9) سنن النسائي (8/ 41 رقم 4807) عن ابن عمرو.
(10) الحديث رقم (6029).

(5/419)


33 - باب في العاقلة (1) وما تحمله
6143 - عن جابر -هو ابن عبد الله- قال: "كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كل بطن عُقُوله، ثم كتب أنه لا يحل أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه".
رواه مسلم (2).

6144 - عن عبادة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى لحمل بن مالك الهذلي بميراثه عن امرأته التي قتلتها الأخرى، وقضى في الجنين المقتول بغرة عبد أو أمة. قال: فورثها بعلها وبنوها. قال: فكان له من امرأتيه كلتيهما ولد، فقال أبو القاتلة المقضي عليه: يا رسول الله، كيف أغرم من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل؛ فمثل ذلك يطل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا من الكهان".
رواه عبد الله بن أحمد (3) عن غير أبيه.

6145 - عن جابر "أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى، ولكل واحدة منهما زوج وولد، قال: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عاقلة القاتلة، وبرأ زوجها وولدها قال: فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا، ميراثها لزوجهما وولدها".
رواه أبو داود (4).

6146 - وعن عمران بن حصين "أن غلامًا لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس
__________
(1) العاقلة هي العَصَبة والأقارب من قبَل الأب الذين يُعطون دية قتيل الخطأ، وهي صفة جماعة عاقلة، وأصلها اسم، فاعلة من العَقْل، وهي من الصفات الغالبة. النهاية (4/ 278).
(2) صحيح مسلم (2/ 1146 رقم 1507).
(3) المسند (5/ 326 - 327) ثم رواه عن أبيه، وقال بنحوه.
(4) سنن أبي داود (4/ 192 رقم 4575).

(5/420)


أغنياء، فأتى أهله النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا نبي الله، إنا أناس فقراء. فلم يجعل عليه شيئًا".
رواه الإمام أحمد (1)، رواه أبو داود (2) والنسائي (3) وهذا لفظ أبي داود.

34 - باب لا يجني أحد على أحد
6147 - عن عمرو بن الأحوص "أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده".
رواه الإمام أحمد (4) وابن ماجه (5) والترمذي (6) وقال: حديث صحيح (7).

6148 - عن الخشخاش (8) العنبري قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعي ابن لي، فقال: ابنك هذا؟ فقلت: نعم. قال: لا يجني عليك، ولا تجني عليه".
رواه الإمام أحمد (9) ق (10).
__________
(1) المسند (4/ 438).
(2) سنن أبي داود (4/ 196 رقم 4590).
(3) سنن النسائي (8/ 26 رقم 4765).
(4) المسند (3/ 498 - 499).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 890 رقم 2669، 2/ 1015 رقم 3055).
(6) جامع الترمذي (4/ 401 رقم 2159، 5/ 255 - 256 رقم 3087).
(7) كذا في تحفة الأشراف (8/ 132 رقم 10691)، وفي جامع الترمذي وعارضة الأحوذي (9/ 5) وتحفة الأحوذي (8/ 484 رقم 3282) وتحفة الأشراف (8/ 133 رقم 10693): حديث حسن صحيح.
(8) تحرفت في "الأصل" والمثبت من المسند وسنن ابن ماجه، والخشخاش العنبري صحابي، ليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث. ترجمته في التهذيب (8/ 248).
(9) المسند (4/ 344، 345، 5/ 18).
(10) سنن ابن ماجه (2/ 890 رقم 2671).

(5/421)


6149 - عن أبي رمثة قال: "خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأيت برأسه ردع حناء، وقال لأبي: هذا ابنك؟ قال: نعم. قال: أما إنه لا يجني عليك، ولا تجني عليه. وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرَى) (1) ".
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) والنسائي (4) وليس عنده: "وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".

6150 - عن ثعلبة بن زهدم اليربوعي قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجاء ناس من الأنصار، فقالوا (5): يا رسول الله، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، قتلوا فلانًا في الجاهلية. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهتف بصوته: لا تجني نفس على أخرى".
رواه الإمام أحمد (6) والنسائي (7) -وهذا لفظه- وليس في رواية الإمام أحمد تسميته بل عن رجل من بني يربوع، وهو كذلك عند النسائي (8) في بعض ألفاظه.

6151 - عن طارق المحاربي "أن رجلاً قال: يا رسول اللهْ، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، الذين قتلوا فلانًا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا. فرفع -يعني: يديه- حتى
__________
(1) سورة الأنعام، الآية: 164.
(2) المسند (4/ 163).
(3) سنن أبي داود (4/ 168 رقم 4495).
(4) سنن النسائي (8/ 53 رقم 4847).
(5) في "الأصل": فقال. والمثبت من سنن النسائي.
(6) المسند (4/ 64 - 65، 5/ 377).
(7) سنن النسائي (8/ 53 رقم 4848).
(8) سنن النسائي (8/ 54 رقم 4850 - 4853).

(5/422)


رأينا بياض إبطيه، وهو يقول: لا تجني أم على ولد. مرتين".
رواه النسائي (1).

6152 - عن عمر -رضي الله عنه- قال: "العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة" (2).
رواه الدارقطني (3).
6152 م- وقال الزهري: "مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئًا من دية العمد إلا أن يشاءوا". رواه مالك في الموطأ (4).

35 - باب الحدود ورجم المحصن وجلد البكر وتغريبه (5)
6153 - عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: "جاء رجل إلى النبي
__________
(1) سنن النسائي (8/ 55 رقم 4854).
(2) قال ابن كثير: هذا منقطع، وعبد الملك -يعني: ابن حسين- هذا يُضعف، قال البيهقي: والمحفوظ رواية ابن إدريس عن مطرف عن الشعبي قوله. إرشاد الفقيه (2/ 450).
ومعنى الأثر: أن كل جناية عمد فإنها من مال الجاني خاصة، ولا يلزم العاقلة منها شيء، وكذلك ما اصطلحوا عليه من الجنايات في الخطأ، وكذلك إذا اعترف الجاني بالجناية من غير بينة تقوم عليه، وإن ادعى أنها خطأ لا يقبل مته ولا تُلزم بها العاقلة، وأما العبد فهو أن يجني على حرٍّ فليس على عاقلة مولاه شيء من جناية عبده، وإنما جنايته في رقبته، وهو مذهب أبي حنيفة، وقيل: هو أن يجني حر على عبدٍ فليس على عاقلة الجاني شيء، إنما جنايته في ماله خاصة، وهو قول ابن أبي ليلى، وهو موافق لكلام العرب، إذ لو كان المعنى على الأول لكان الكلام "لا تعقل العاقلة على عبد"، ولم يكن "لا تعقل عبدًا" واختاره الأصمعي وأبو عبيد. النهاية (3/ 279).
(3) سنن الدارقطني (3/ 177 رقم 276).
(4) الموطأ (2/ 675) كتاب العقول، باب ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله.
(5) التغريب: النفي عن البلد الذي وقعت فيه الجناية، يقال: أَغْربته وغرَّبته: إذا نحيته=

(5/423)


- صلى الله عليه وسلم -، فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله. فقام خصمه -وكان أفقه منه- فقال: صدق، اقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي يا رسول الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قل. فقال: إن ابني كان عسيفاً (1) في أهل هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، وإني سألت رجالاً من أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم. فقال: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، المائة والخادم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، ويا أُنيس اغد على امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها. فاعترفت فرجمها".
أخرجاه (2) واللفظ للبخاري.
وفي لفظٍ (3): "إن ابني كان عسيفاً على هذا".

6154 - عن الشعبي "أن عليًّا حين رجم المرأة ضربها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
كذا ذكره أبو مسعود في "الأطراف" (4) والحميدي في "الجمع بين الصحيحين" (5) وقالا: رواه البخاري. ولم أره في البخاري (6) إلا عن الشعبي عن علي -رضي الله عنه- حين رجم المرأة يوم الجمعة قال: "رجمتها بسنة
__________
=وأبعدته، والغَرْب: البعد. النهاية (3/ 349).
(1) أي: أجيرًا. النهاية (3/ 237).
(2) البخاري (12/ 192 - 193 رقم 6859، 6860)، ومسلم (3/ 1324 - 1325 رقم 1697، 1698).
(3) صحيح البخاري (12/ 140 رقم 6827، 6828).
(4) وكذا ذكره المزي في تحفة الأشراف (7/ 391 رقم 10148).
(5) وكذا ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (3/ 540 رقم 1852).
(6) صحيح البخاري (12/ 119 رقم 6812).

(5/424)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". ويحتمل أن يكون في بعض النسخ كما ذكروا، والله أعلم.

6155 - عن أبي هريرة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيمن زنى ولم يحصن ينفى عامًا (1) بإقامة (2) الحد عليه".
رواه البخاري (3).
6155 م- وروى (4) عن عروة بن الزبير "أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- غرَّب، ثم لم تزل تلك السنة".

6156 - عن ابن عمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب وغرَّب، وأن أبا بكر ضرب وغرَّب، وأن عمر ضرب وغرَّب".
رواه النسائي (5) والترمذي (6) وقال: حديث حسن غريب (7).

6157 - عن عبادة بن الصامت قال: "كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه كَرَب (8)
__________
(1) في صحيح البخاري: بنفي عامٍ.
(2) أي: ملتبسًا بها جامعاً بينهما فالباء بمعنى "مع" وفي رواية النسائي: "أن ينفى عامًا مع إقامة الحد عليه" وكذا خرجه الإسماعيلي. إرشاد الساري (10/ 26).
(3) صحيح البخاري (12/ 162 رقم 6833).
(4) صحيح البخاري (12/ 162 رقم 6832).

6156 - خرجه الضياء في المختارة (5/ ق 231 ب) ونقل عن الدارقطني أن الصواب أنه موقوف على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ليس فيه ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
(5) السنن الكبرى (4/ 323 رقم 7342).
(6) جامع الترمذي (4/ 35 رقم 1438) وذكر الترمذي أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما.
(7) كذا في تحفة الأشراف (6/ 142 رقم 7924) والمختارة، وفي جامع الترمذي وعارضة الأحوذي (6/ 215) وتحفة الأحوذي (4/ 712 رقم 1462): حديث غريب. فقط.
(8) أي: أصابه الكرب، فهو مكروب. النهاية (4/ 161).

(5/425)


لذلك، وتربد (1) له وجهه، قال: فأنزل عليه ذات يوم فلقي كذلك، فلما سُرِّي عنه (2)، قال: خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب، والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة، ثم رجم (3) بالحجارة، والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة" (4).
وفي لفظٍ (5): "خذوا عني، خذوا عني". رواه مسلم.

6158 - عن سلمة بن المحبق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".
رواه الإمام أحمد (6).

6159 - عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو جالس على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله بعث محمدًا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله. وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف".
أخرجاه (7)، وهذا لفظ مسلم.
__________
(1) أي: تغير إلى الغُبرة، وقيل: الرُّبدة لون بين السواد والغُبرة. النهاية (2/ 183).
(2) أي: كُشِف عنه. النهاية (2/ 364).
(3) في "الأصَل": رجمًا. والمثبت من صحيح مسلم.
(4) صحيح مسلم (3/ 1316 - 1317 رقم 1690/ 13).
(5) صحيح مسلم (3/ 1316 رقم 1690/ 12).
(6) المسند (3/ 476، 5/ 313).
(7) البخاري (12/ 140 رقم 6829)، ومسلم (3/ 1317 رقم 1169/ 15).

(5/426)


6160 - عن جابر بن عبد الله "أن رجلاً زنى بامرأة، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فجلد الحد، ثم أخبره أنه محصن، فأمر به فرجم".
رواه د (1).

6161 - عن جابر بن سمرة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعز بن مالك". ولم يذكر جلدًا.
رواه الإمام أحمد (2).

36 - باب في رجم أهل الكتاب
6162 - عن عبد الله بن عمر أنه قال: "إن اليهود جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم، ويُجلدون. قال عبد الله ابن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدقت يا محمد فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما، فرأيت الرجل يحني (3) على المرأة يقيها الحجارة".
أخرجاه (4) وهذا لفظ البخاري.
وفي لفظٍ (5): قال: "أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل وامرأة من اليهود قد زنيا،
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 151 رقم 4438).
(2) المسند (5/ 92).
(3) اختلف في ضبط هذه اللفظة على عشرة وجوه، انظر فتح الباري (12/ 176). ومشارق الأنوار (1/ 156 - 157).
(4) البخاري (12/ 172 - 173 رقم 6841)، ومسلم (3/ 1326 رقم 1699).
(5) صحيح البخاري (13/ 525 - 526 رقم 7543).

(5/427)


فقال لليهود: وما تصنعون بهما؟ قالوا: نُسخِّم وجوههما (1)، ونخزيهما. قال: فائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فجاءوا، فقالوا لرجلٍ ممن يرضون أعور: اقرأ. فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها، فوضع يده عليه، قال: ارفع يدك. فرفع يده؛ فإذا آية الرجم تلوح، فقال: يا محمد إن فيها آية الرجم، ولكنا نتكاتمه بيننا. فأمر بهما فرجما، فرأيته يجانئ (عليها الحجارة) (2) ".
وفي لفظٍ (3): "إن اليهود جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل وامرأة زنيا، (فأمر بهما) (2) فرجما قريبًا من موضع الجنائز، قُرب المسجد".
وفي لفظٍ (4): قال: "أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعًا، فقال: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية (5). قال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة ... " فذكر الحديث "فرجما عند البلاط، فرأيت اليهودي أجنأ عليها".
هذه ألفاظ البخاري.
وفي مسلم (6): "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بيهودي ويهودية قد زنيا،
__________
(1) أي: نسودهما، والسخام: سواد القدر، والسخام أيضاً الفحم. مشارق الأنوار (2/ 210).
(2) من صحيح البخاري.
(3) صحيح البخاري (3/ 237 رقم 1329).
(4) صحيح البخاري (12/ 131 رقم 6819).
(5) جاء تفسيره في الحديث: أنهما يجلدان، ويحمم وجوههما، ويحملان على بعير ويخالف بين وجوههما، قال الحربي: وكذلك فسره الزهري، وحكى نحوه ثابت عن الزهري، قال: وقد يكون معناه التعيير والإغلاظ في المقالة، يقال: جبهت الرجل: أي قابلته بما يكره. مشارق الأنوار (1/ 138).
(6) صحيح مسلم (3/ 1326 رقم 1699).

(5/428)


فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاء يهود، فقال: ما تجدون في التوراة على من زنى؟ قالوا: نسود وجوههما ونحممهما -وفي نسخة: ونحملهما (1) - ونخالف بين وجوههما، ويطاف بهما. قال: فائتوا بالتوراة إن كنتم صادقين. فأتوا بالتوراة، فقرءوها، حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبد الله بن سلام -وهو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مره فليرفع يده. (فرفعها) (2) فإذا تحتها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمهما. قال عبد الله بن عمر: كنت فيمن رجمهما فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه".
وفي لفظ الإمام أحمد (3): "وجاءوا بقارئ لهم أعور، يقال له: ابن صوريا".

6163 - عن البراء بن عازب قال: "مُرَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - بيهودي محممًا مجلودًا، فدعاهم، فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟! قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: أنشدك باللَّه الذي أنزل التوراة، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع،
__________
(1) قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ "نحملهما" بالحاء واللام، وفي بعضها: "نجملهما" بالجيم، وفي بعضها: "نحممهما" بميمين، وكله متقارب، فمعنى الأول نحملهما على حمل، ومعنى الثاني: نجملهما جميعًا على الجمل، ومعنى الثالث: نسود وجوههما بالحُمم -بضم الحاء، وفتح الميم- وهو الفحم، وهذا الثالث ضعيف؛ لأنه قال قبله نسود وجوههما. شرح صحيح مسلم (7/ 233 - 234).
(2) تكررت في "الأصل".
(3) المسند (2/ 5).

(5/429)


فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأمر به فرجم، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} إلى قوله: (إِنْ {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} (1) يقول: ائتوا محمدًا؛ فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله -عز وجل-: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (2) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (3) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (4) في الكفار كلها".
رواه مسلم (5).

6164 - عن جابر بن عبد الله قال: "رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من أسلم، ورجلاً من اليهود وامرأة".
رواه مسلم (6).

6165 - عن جابر بن سمرة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديًّا ويهودية".
رواه الإمام أحمد (7) ق (8) ت (9) وقال: حديث حسن غريب.
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 41.
(2) سورة المائدة، الآية: 44.
(3) سورة المائدة، الآية: 45.
(4) سورة المائدة: الآية: 47.
(5) صحيح مسلم (3/ 1327 رقم 1700).
(6) صحيح مسلم (3/ 1328 رقم 1701).
(7) المسند (5/ 96، 97، 104).
(8) سنن ابن ماجه (2/ 854 رقم 2557).
(9) جامع الترمذي (4/ 34 - 35 رقم 1437).

(5/430)


6166 - عن محمد بن مسلم -هو الزهري- قال: سمعت رجلاً من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه -ونحن عند ابن المسيب- (فحدثنا) (1) عن أبي هريرة قال: "زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوابنا إلى هذا النبي؛ فإنه نبي بُعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها، واحتججنا بها عند الله؛ قلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -وهو جالس في المسجد في أصحابه- فقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مِدْراسهم (2) فقام على الباب، فقال: أنشدكم باللَّه الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد -والتجبية: أن يُحمل الزانيان على حمار، وتقابل أقفيتهما، ويُطاف بهما- قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - سكت أَلَظَّ به النِّشدة (3) فقال: اللَّهم، إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل من أسرة من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه، وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى نجيء بصاحبكم فنرجمه. فأصلحوا هذه العقوبة بينهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فأنا أحكم بما في التوراة. فأمر بهما فرجما. قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} (4) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم".
رواه د (5).
__________
(1) من سنن أبي داود.
(2) هو البيت الذي يدرسون فيه. النهاية (2/ 113).
(3) أي: ألح في سؤاله وألزمه إياه. النهاية (4/ 252).
(4) سورة المائدة، الآية: 44.
(5) سنن أبي داود (4/ 155 - 156 رقم 4450).

(5/431)


وفي لفظٍ له (1): عن الزهري قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدث سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة قال: "زنى رجل وامرأة من اليهود -وقد أُحصنا- حين قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وقد كان الرجم مكتوبًا عليهم في التوراة، فتركوه، وأخذوا بالتجبية -يضرب مائة بحبل مطلي بقار، ويُحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار- فاجتمع أحبار من أحبارهم، فبعثوا قومًا آخرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: سلوه عن حد الزاني ... " وساق الحديث قال فيه: "ولم يكونوا من أهل دينه، فحكم بينهم فخير في ذلك، قال: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (2) ".

6167 - عن جابر بن عبد الله قال: "جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم. فأتوه بابني صوريا فنشدهما (3)، كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة؛ رُجما. قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا؛ فكرهنا القتل. فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشهود، فجاءوا أربعة، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجمهما".
رواه أبو داود (4) من رواية مجالد، ورواه (5) عن غيره مرسلاً بنحوه ولم يذكر "فدعا بالشهود فشهدوا".
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 156 رقم 4451).
(2) سورة المائدة، الآية: 42.
(3) في "الأصل": فنشهدهما. والمثبت من سنن أبي داود.
(4) سنن أبي داود (4/ 156 رقم 4452).
(5) سنن أبي داود (4/ 157 رقم 4453، 4454).

(5/432)


37 - باب تكرار إِقرار الزاني أربعًا
6168 - عن أبي هريرة قال: "أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من الناس -وهو في المسجد- فناداه: يا رسول الله، إني زنيت -يريد نفسه- فأعرض عنه، فتنحى بشق وجهه الذي أعرض قِبله، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أبك جنون؟ قال: لا يا رسول الله. فقال: أحصنت؟ قال: نعم يا رسول الله. قال: اذهبوا به فارجموه".
قال ابن شهاب: (أخبرني) (1) من سمع جابرًا قال: فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته (2) الحجارة جَمَز (3) حتى أدركناه بالحرة، فرجمناه".
أخرجاه (4) واللفظ للبخاري.

6169 - عن ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لماعز بن مالك: أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان. قال: نعم. قال: فشهد أربع شهادات، ثم أمر به فرجم".
رواه مسلم (5).
وفي لفظٍ لأبي داود (6): قال: "جاء ماعز بن مالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاعترف بالزنا مرتين، فطرده، ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين، قال: شهدت على نفسك أربع مرات، اذهبوا به فارجموه".
__________
(1) من صحيح البخاري.
(2) أي: بلغت منه الجهد حتى قلق. النهاية (2/ 165).
(3) أي: أسرع هاربًا من القتل، يقال: جمز يَجْمِز جمزًا. النهاية (1/ 294).
(4) البخاري (12/ 139 رقم 6825، 6826)، ومسلم (3/ 1318 رقم 1691).
(5) صحيح مسلم (3/ 1320 رقم 1693).
(6) سنن أبي داود (4/ 147 رقم 4426).

(5/433)


6170 - عن جابر بن سمرة قال: "رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل قصير أعْضَل (1)، ليس عليه رداء، فشهد علي أربع مرات أنه زنى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلعلك (2). قال: لا والله إنه قد زنى الأخِر (3). قال: فرجمه، ثم خطب فقال: ألا كما نفرنا في سبيل الله، خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس (4)، يمنح إحداهن (5) الكُثبة (6)، أما والله إن يمكني من أحدهم لأنكلنه (7) عنه".
وعند أبي داود (8) "إلا نكلته عنهن".
__________
(1) الأَعْضَل والعَضِل: المكتنز اللحم، والعضلة في البدن: كل لحمة صلبة مكتنزة، ومنه عضلة الساق، ويجوز أن يكون أراد أن عضلة ساقيه كبيرة. النهاية (3/ 253).
(2) قال النووي: معنى هذا الكلام الإشارة إلى تلقينه الرجوع عن الإقرار بالزنا، واعتذاره بشبهة يتعلق بها، كما في الرواية الأخرى: "لعلك قبلت أو غمزت" فاقتصر في هذه الرواية على "لعلك" اختصارًا وتنبيهًا واكتفاءً بدلالة الكلام والحال على المحذوف، أي: لعلك قبلت أو نحو ذلك، ففيه استحباب تلقين المقر بحد الزنا والسرقة وغيرهما من حدود الله تعالى. شرح صحيح مسلم (7/ 216 - 217).
(3) قال النووي: هو بهمزة مقصورة، وخاء كسورة، ومعناه: الأرذل والأبعد والأدنى، وقيل: اللئيم، وقيل: الشقي، وكله متقارب، ومراده نفسه، فحقرها وعابها لا سيما وقد فعل هذه الفاحشة، وقيل: إنها كناية يكنى بها عن نفسه وعن غيره إذا أخبر عنه بما يستقبح. شرح صحيح مسلم (7/ 217).
(4) هو صياحه عند إرادة السفاد ونحوه. مشارق الأنوار (2/ 2).
(5) في صحيح مسلم: أحدهم. قال النووي: وفي بعض النسخ: "إحداهن" بدل "أحدهم"
شرح صحيح مسلم (217/ 7).
(6) أي: بالقليل من اللبن، والكثبة: كل قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك، والجمع: كُثَب. النهاية (4/ 151).
(7) أي: لأمنعنه. النهاية (5/ 117).
(8) سنن أبي داود (4/ 146 - 147 رقم 4422).

(5/434)


رواه مسلم (1).

6171 - عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه "أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني. فرده، فلما كان من الغد (أتاه) (2) فقال: يا رسول الله، إني قد زنيت. فرده الثانية، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومه، فقال: تعلمون بعقله بأساً، تنكرون منه شيئاً؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى. فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضًا فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة، ثم أمر به فرُجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله، إني زنيت فطهرني. وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله، لم تردني، لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فواللَّه إني لحبلى. فقال: إمَّا لا (3) فاذهبي حتى تلدي. فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته. قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه. فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله، قد فطمته، وقد أكل الطعام. فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم (أمر) (4) بها فحُفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضح (5) الدم على وجه خالد؛
__________
(1) صحيح مسلم (3/ 1319 رقم 1692).
(2) من صحيح مسلم.
(3) هو بكسر الهمز من "إمَّا" وتشديد الميم وبالإمالة، ومعناه: إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك. شرح صحيح مسلم (7/ 227).
(4) من صحيح مسلم.
(5) روي بالحاء المهملة وبالمعجمة، والأكثرون على المهملة، ومعناه: ترشش وانصب. شرح صحيح مسلم (7/ 227).

(5/435)


فسبها، فسمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - سبه إياها، فقال: مهلاً يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكس (1) لغُفر له. ثم أمر بها فصَلَّى عليها، ودفنت".
كذا رواه مسلم (2) من رواية بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه.
وبشير بن المهاجر (3) تكلم فيه الإمام أحمد (4) وأبو حاتم الرازي (5) مع رواية مسلم في الصحيح عنه.
ورواه مسلم (6) من رواية سليمان (بن) (7) بريدة، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه وفيه "قالت: إنها حبلى من الزنا، فقال: آنت؟ قالت: نعم. فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك. قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت (8)، قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: قد وضعت الغامدية. فقال إذًا لا نرجمها
__________
(1) المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس، وهو العَشّار. النهاية (4/ 349)، قال النووي: فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها. شرح صحيح مسلم (7/ 227).
(2) صحيح مسلم (3/ 1323 - 1324 رقم 1695/ 23).
(3) ترجمته في التهذيب (4/ 176 - 178).
(4) قال فيه: منكر الحديث، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب. الجرح والتعديل (2/ 378).
(5) قال فيه: يكتب حديثه، ولا يُحتج به. الجرح والتعديل (2/ 379).
(6) صحيح مسلم (1/ 1323 - 1323 رقم 1695/ 22).
(7) سقطت من "الأصل" وأثبتها من صحيح مسلم.
(8) أي: قام بمؤنتها ومصالحها. شرح صحيح مسلم (7/ 225).

(5/436)


و (ندع) (1) ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه؟ فقام رجل من الأنصار، فقال: إليَّ رضاعه يا نبي الله. قال: فرجمها".

6172 - عن بريدة قال: "كنا نتحدث أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ماعز بن مالك لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم يرجمه، وإنما رجمه عند الرابعة".
رواه الإمام أحمد (2).

6173 - وعن بريدة قال: "كنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما -أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما- لم يطلبهما، وإنما رجمهما بعد الرابعة" (3).

38 - باب استفسار المقر بالزنا
6174 - عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "لما أتى ماعز بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت. قال: لا يا رسول الله. قال: أنكتها -لا يكني- قال: فعند ذلك أمر برجمه عليه السلام".
رواه البخاري (4).

6175 - عن أبي هريرة قال: "جاء الأسلميُّ نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم -، فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حرامًا أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه، فأقبل في الخامسة
__________
(1) في "الأصل": نضع. والمثبت من صحيح مسلم.
(2) المسند (5/ 347).
(3) رواه أبو داود (4/ 149 رقم 1434)، والنسائي في كتاب الرجم من السنن الكبرى - كما في تحفة الأشراف (2/ 78 رقم 1948).
(4) صحيح البخاري (12/ 138 رقم 6824).

(5/437)


فقال: أنكتها؟ قال: نعم. حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم. قال: كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر؟ قال: نعم. قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً. قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني. فأمر به فرجم، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب. فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله. قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار. فقالا: يا نبي الله، من يأكل من هذا؟ قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفًا أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها".
رواه أبو داود (1).

6176 - عن الشعبي "أن عليًّا قال لشراحة: لعلك استكرهت، لعلك زوجك أتاك، لعلك (لعلك) (2). قالت: لا. قال: فلما وضعت ما في بطنها جلدها، ثم رجمها، فقيل له: جلدتها ثم رجمتها؟ قال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
رواه الإمام أحمد (3).
وفي لفظٍ (4): "لعلك رأيت في منامك، لعلك استُكرهت. فكل ذلك تقول: لا".
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 148 رقم 4428).
(2) من المسند.
(3) المسند (1/ 141).
(4) المسند (1/ 140).

(5/438)


39 - باب من أقر بحدٍّ لم يسمه
6177 - عن أنس بن مالك قال: "كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا؛ فأقمه عليَّ. ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً؛ فأقم فيَّ كتاب الله. قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم. قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك -أو قال: حدك".
أخرجاه (1)، ولفظه للبخاري.

6178 - عن أبي أمامة قال: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد -ونحن قعود معه- إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا؛ فأقمه عليَّ. قال: فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أعاد، فقال: يا رسول الله، أصبت حدًّا؛ فأقمه عليَّ. فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقيمت الصلاة، فلما انصرف نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو أمامة: فاتبع الرجلُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف -واتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنظر ما يرد الرجل- فلحق الرجلُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا؛ فأقمه. فقال أبو أمامة: فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: ثم شهدت الصلاة معنا؟ فقال: نعم يا رسول الله. قال: فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإن الله قد غفر لك حدَّك -أو قال: ذنبك".
رواه مسلم (2).
__________
(1) البخاري (12/ 137 رقم 6823)، ومسلم (4/ 2117 رقم 2764).
(2) صحيح مسلم (4/ 2117 - 2118 رقم 2765).

(5/439)


40 - باب في تسمية الذنب الذي لا حدَّ فيه
6179 - عن ابن مسعود "أن رجلاً من الأنصار أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، قال: فنزلت {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (1) قال: قال الرجل: ألي هذه يا رسول الله؟ قال: لمن عمل بها من أمتي".
أخرجاه (2)، وهذا لفظ مسلم.
وفي لفظٍ له (3): "أنه أصاب من امرأة إما قبلة أو مسًّا بيدٍ أو شيئًا، كأنه يسأل عن كفارتها، قال: فأنزل الله -عز وجل".

6180 - وعن ابن مسعود قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني عالجت (4) امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض فيَّ ما شئت. فقال له عمر: قد سترك الله، لو سترت على نفسك. قال: ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً دعاه، وتلا عليه هذه الآية {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (1) فقال رجل من القوم: يا نبي الله، هذه له خاصة؟ قال: بل للناس كافة".
رواه مسلم (5).
__________
(1) سورة هود، الآية: 114.
(2) البخاري (8/ 206 رقم 4687)، ومسلم (4/ 2113 - 2114 رقم 2763/ 39).
(3) صحيح مسلم (4/ 2116 رقم 2763/ 40).
(4) أي: تناولت ذلك منها بملاطفة، والمعالجة المصارعة والملاطفة، ومنه علاج المريض، يريد أنه أصاب منها ما دون الفاحشة. مشارق الأنوار (2/ 83).
(5) صحيح مسلم (4/ 2116 - 2117 رقم 2763/ 42).

(5/440)


41 - باب في رد الحد عن المعترف إِذا رجع
6181 - عن أبي هريرة قال: "جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنه قد زنى. فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاء من شقه الآخر، فقال: يا رسول الله، إنه قد زنى. فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة، فرجم بالحجارة، فلما وجد من الحجارة فرّ يشتد، حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به، وضربه الناس حتى مات، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه (فرَّ) (1) حين وجد مس الحجارة ومس الموت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هلا تركتموه".
رواه الإمام أحمد (2) وابن ماجه (3) والترمذي (4) -وهذا لفظه- وقال: حديث حسن.

6182 - عن جابر في قصة ماعز قال: "كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه، فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم، ردوني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قومي قتلوني، وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير قاتلي. فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرناه، قال: فهلا تركتموه وجئتموني به. ليستثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، فأما ترك حد فلا".
رواه أبو داود (5).
__________
(1) من جامع الترمذي.
(2) المسند (2/ 450).
(3) سنن ابن ماجه (2/ 854 رقم 2554).
(4) جامع الترمذي (4/ 27 - 28 رقم 1428).
(5) سنن أبي داود (4/ 145 - 146 رقم 4420).

(5/441)


42 - باب في ترك الحد عن مستكرهة
6183 - عن علقمة بن وائل الكندي، عن أبيه "أن امرأة خرجت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تريد الصلاة، فتلقاها رجل فتجللها، فقضى حاجته منها، فصاحت، فانطلق، ومر عليها رجل، فقالت: إن ذلك الرجل فعل بي كذا وكذا. ومرت بعصابة من المهاجرين، فقالت: إن ذلك الرجل فعل بي كذا وكذا. فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها، فقالت: (نعم) (1) هو هذا. فأتوا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أمر به ليرجم، قام صاحبها الذي وقع عليها، فقال: يا رسول اللَّهْ، أنا صاحبها. فقال لها: اذهبي قد غفر الله لك. وقال للرجل قولاً حسنًا، وقال للرجل الذي وقع عليها: ارجموه. وقال: لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم".
وعند أبي داود (2): " (وقال) (3) للرجل الذي وقع عليها: ارجموه. فقال: لقد تاب توبة ... " الحديث.
وعند ابن ماجه (4) قال: "استكرهت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدرأ عنها الحد، وأقامه على الذي أصابها، ولم يذكر أنه جعل لها مهرًا".
وقال الترمذي (5): حديث حسن غريب (6).
__________
(1) من جامع الترمذي.
(2) سنن أبي داود (4/ 134 رقم 4379).
(3) في "الأصل": فقالوا. والمثبت من سنن أبي داود.
(4) سنن ابن ماجه (2/ 866 - 867 رقم 2598).
(5) جامع الترمذي (4/ 45 - 46 رقم 1454) واللفظ له.
(6) في جامع الترمذي وعارضة الأحوذي (6/ 237)، وتحفة الأحوذي (5/ 18 رقم 1478): حسن غريب صحيح. وجمع المزي في التحفة (9/ 87 رقم 11770) القولين فقال: وقال -يعني: الترمذي-: حسن غريب. وفي بعض النسخ: حسن صحيح غريب.

(5/442)


43 - باب في سقوط الحد بالشبهات ولا يجب بالتهمة
6184 - عن القاسم بن محمد قال: "ذكر عبد الله بن عباس المتلاعنين، فقال عبد الله بن شداد: (هي التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:) (1) لو كنت راجماً امرأة من غير بينة. قال: لا تلك امرأة أعلنت".
أخرجاه (2)، واللفظ للبخاري.
وعند مسلم: "لو كنت راجماً (امرأة من غير) (3) بينة لرجمتها".

6185 - وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت راجماً أحداً بغير بينة رجمت فلانة؛ فقد ظهر فيها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها".
رواه ابن ماجه (4).

6186 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا".
رواه ابن ماجه (5).

6187 - عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم؛ فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة".
رواه الترمذي (6) وقال: رواه وكيع ولم يرفعه، ورواية وكيع أصح، وقد روي
__________
(1) من صحيح البخاري.
(2) البخاري (12/ 187 رقم 6855)، ومسلم (2/ 1134 - 1135 رقم 1497).
(3) في صحيح مسلم: أحدًا بغير.
(4) سنن ابن ماجه (2/ 855 رقم 2559).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 850 رقم 2545).
(6) جامع الترمذي (4/ 25 رقم 1424).

(5/443)


نحو هذا عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا مثل ذلك.

44 - باب كراهية الشفاعة في الحد إِذا رفع إِلى الإِمام والحث على إِقامة الحد إِذا وجب
6188 - عن عائشة "أن قريشًا أهمتهم (1) المرأة المخزومية التي سرقت، قالوا: من يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! (فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (2) فقال: أتشفع في حد من حدود الله. ثم قام فخطب، قال: يا أيها الناس، إنما ضل من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" (3).
أخرجاه (4)، وهذا لفظ البخاري.

6189 - عن جابر -هو ابن عبد الله- "أن امرأة من بني مخزوم سرقت، فأُتي بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعاذت بأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو كانت فاطمة لقطعت يدها. فقطعت". رواه مسلم (5).
__________
(1) أي: أجلبت إليهم هماً، أو صيرتهم ذوي همٍّ، بسبب ما وقع منها، يقال: أهمني الأمر، أي: أقلقني. فتح الباري (12/ 90).
(2) من صحيح البخاري.
(3) لو حرف امتناع الامتناع، أي: امتناع جواب الشرط لامتناع فعل الشرط، وإنما خص - صلى الله عليه وسلم - فاطمة ابنته بالذكر لأنها أعز أهله عنده؛ ولأنه لم يبق من بناته حينئذ غيرها، فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحد على كل مكلف وترك المحاباة في ذلك. فتح الباري (12/ 97).
(4) البخاري (12/ 89 رقم 6788)، ومسلم (3/ 1315 رقم 1688).
(5) صحيح مسلم (3/ 1316 رقم 1689).

(5/444)


6190 - عن صفوان بن أمية "أن رجلاً سرق (برده، فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -) (1) فأمر بقطعه، فقال: يا رسول الله، قد تجاوزت (2) عنه. قال: فلولا (3) كان هذا قبل أن تأتيني به يا أبا وهب. فقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
رواه الإمام أحمد (4) -وهذا لفظه- وأبو داود (5) والنسائي (6) وابن ماجه (7).

6191 - عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فهو مضاد الله في أمره".
رواه الإمام أحمد (8) وأبو داود (9).

6192 - عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحًا".
أخرجه النسائي (10) وابن ماجه (11) -وهذا لفظه- وعند النسائي: "إقامة حد في الأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة".
__________
(1) من المسند.
(2) في "الأصل": تجاوز. والمثبت من المسند.
(3) في "الأصل": فلو. والمثبت من المسند.
(4) المسند (3/ 401، 6/ 465).
(5) سنن أبي داود (4/ 138 رقم 4394).
(6) سنن النسائي (8/ 69 - 71 رقم 4896 - 4899).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 865 رقم 2595).

6191 - خرجه الضياء في المختارة (5/ ق 238 ب- 239 أ).
(8) المسند (2/ 70، 82).
(9) سنن أبي داود (3/ 305 رقم 3597).
(10) سنن النسائي (8/ 76 رقم 4920).
(11) سنن ابن ماجه (2/ 848 رقم 2538).

(5/445)


وفي لفظٍ للإمام أحمد (1) والنسائي (2): "حدٌّ يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحًا".

6193 - عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إقامة حدٍّ من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله -عز وجل".
رواه ابن ماجه (3).

6194 - عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم".
رواه ق (4).

6195 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن (5) عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تعافوا (6) الحدود فيما بينكم، فما بلغني (7) من حدٍّ فقد وجب".
رواه أبو داود (8) والنسائي (9)، وفي لفظٍ له (10): "تعافوا الحدود قبل أن
__________
(1) المسند (2/ 402).
(2) سنن النسائي (8/ 75 - 76 رقم 4919).

6193 - خرجه الضياء في المختارة (5/ ق 194 - ب).
(3) سنن ابن ماجه (2/ 848 رقم 2537).

6194 - خرجه الضياء في المختارة (8/ 280 - 281 رقم 343 - 345) مطولاً.
(4) سنن ابن ماجه (2/ 849 رقم 2540).
(5) زاد بعدها في "الأصل": "جده عن" وهي زيادة مقحمة ليست في سنني أبي داود والنسائي.
(6) أي: تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إليَّ؛ فإني متى علمتها أقمتها. النهاية (3/ 265).
(7) في "الأصل": بلغكم. والمثبت من سنني أبي داود والنسائي.
(8) سنن أبي داود (4/ 133 رقم 4376).
(9) سنن النسائي (8/ 70 رقم 4901).
(10) سنن النسائي (8/ 70 رقم 4900).

(5/446)


تأتوني، فما أتاني من حدٍّ فقد وجب".

6196 - عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن "أن الزبير بن العوام لقي رجلاً قد أخذ سارقاً، وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان، فشفع له الزبير ليرسله، فقال: لا، حتى أبلغ به السلطان. فقال الزبير: إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع".
رواه الإمام مالك في الموطأ (1).

6197 - عن عامر الشعبي قال: "كان لشراحة زوج غائب بالشام، وإنها حملت، فجاء بها مولاها إلى علي، فقال: إن هذه زنت واعترفت (2)، فجلدها يوم الخميس مائة، ورجمها يوم الجمعة، وحفر لها (إلى) (3) السرة -وأنا شاهد- ثم قال: الرجم سنة سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد يشهد، ثم يتبع شهادته حجره، ولكنها أقرت، فأنا أول من رماها (فرماها) (3) بحجر، ثم رمى الناس -وأنا فيهم- قال: فكنت واللَّه فيمن قتلها".
رواه الإمام أحمد (4) بهذا اللفظ من رواية مجالد (5) عن الشعبي، ومجالد متكلم فيه.

45 - باب الحفر للمرجوم
6198 - عن أبي سعيد "أن رجلاً من أسلم -يقال له: ماعز بن مالك- أتى
__________
(1) الموطأ (2/ 652 رقم 29).
(2) في المسند: فاعترفت.
(3) من المسند.
(4) المسند (1/ 121).
(5) ترجمته في التهذيب (27/ 219 - 225).

(5/447)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني أصبت فاحشة فأقمة عليَّ. فرده النبي - صلى الله عليه وسلم - مرارًا، ثم سأل قومه، فقالوا: ما نعلم به بأسًا إلا أنه أصاب شيئًا، يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد. قال: فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرنا أن نرجمه، قال: فخرجنا به إلى بقيع الغرقد، قال: فما أوثقناه ولا حفرنا، له فرميناه بالعظام والمدر والخزف (1)، قال: (فاشتد واشتددنا) (2) خلفه حتى أتى عُرض (3) الحرة، فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد (4) الحرة -يعني الحجارة- حتى سكت. قال: ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا من العشي، قال: أو كما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلف رجل في عيالنا، له نبيب كنبيب التيس، على أن لا أوتى برجل فعل ذلك إلا نكلت به. قال: فما استغفر له ولا سبه".
رواه مسلم (5)، وقد تقدم (6) حديث بريدة -من رواية بشير بن المهاجر- أنه حفر له حفرة"، وكذلك ذكر الغامدية: "ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها" (7).

6199 - عن خالد بن اللجلاج أن أباه حدثه قال: "بينما نحن في السوق إذ مرت امرأة تحمل صبيًّا، فثار الناس، وثرت معهم، فانتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقول لها: من أبو هذا؟ فسكتت (8)، فقال شاب بحذائها: يا رسول الله،
__________
(1) قال أهل اللغة: الخزف: قطع الفخار المنكسر. شرح صحيح مسلم (7/ 220).
(2) في "الأصل": فاشتدوا اشتدادًا. والمثبت من صحيح مسلم.
(3) بضم العين، أي: جانبها. شرح صحيح مسلم (7/ 220).
(4) أي: الحجارة الكبار، واحدها جَلمَد -بفتح الجيم والميم، وجُلمود- بضم الجيم. شرح صحيح مسلم (7/ 220 - 221).
(5) صحيح مسلم (3/ 1320 - 1321 رقم 1694).
(6) الحديث رقم (6171).
(7) رواه مسلم (3/ 1323 - 1324 رقم 1695/ 23).
(8) تحرفت في "الأصل" والمثبت من المسند.

(5/448)


إنها حديثة السن، حديثة عهد بجزية، وإنها لن تخبرك، وأنا أبوه يا رسول الله. فالتفت إلى من عنده كأنه (1) يسألهم عنه، فقالوا: ما علمنا إلا خيرًا. ونحو ذلك، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أحصنت؟ قال: نعم. فأمر برجمه، فذهبنا، فحفروا له حتى أمكنا، ورميناه بالحجارة حتى هدأ، ثم رجعنا إلى مجالسنا، فبينما نحن كذلك إذا أنا بشيخ يسأل عن الخبيث، فقال: مه، لهو أطيب عند الله ريحًا من المسك. قال: فذهبنا فأعناه على غسله وحنوطه وتكفينه، وحفرنا له. ولا أدري أذكر الصلاة أم لا".
رواه الإمام أحمد (2) -وهذا لفظه- وأبو داود (3) والنسائي (4).

46 - باب تأخير الرجم والجلد إِذا كان له عذر
6200 - عن عمران بن حصين "أن امرأة من جهينة أتت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله، أصبت حداً فأقمه عليَّ. فدعا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وليها، فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فائتني بها. ففعل فأمر (5) بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فشكت عليها ثيابها (6)، ثم أمر بها فرُجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت! قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل (وجدت توبة) (7) أفضل (من) (7) أن
__________
(1) في "الأصل": كأنهم. والمثبت من المسند.
(2) المسند (3/ 479).
(3) سنن أبي داود (4/ 150 رقم 4435).
(4) السنن الكبرى (4/ 282 - 283 رقم 7184، 7185).
(5) في "الأصل": فما أمر. والمثبت من صحيح مسلم.
(6) أي: جمعت أطرافها لتستر، وخللت عليها بعيدان وشوك ونحوهما، يقال: شككته بالرمح إذا نظمته به. مشارق الأنوار (2/ 252).
(7) من صحيح مسلم.

(5/449)


جادت بنفسها للَّه".
رواه مسلم (1).

6201 - عن أبي عبد الرحمن قال: "خطب علي -رضي الله عنه- فقال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم، ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت؛ فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أحسنتَ، اتركها (2) حتى تماثل".
رواه مسلم (3).
وقد تقدم (4) حديث بريدة في تأخير المرأة الحامل حتى تضع ما في بطنها.

6202 - عن أبي الزبير عن جابر "أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إني زنيت؛ فأقم عليَّ الحد. فقال: انطلقي حتى تفطمي ولدك. فلما فطمت ولدها أتته، فقالت: إني زنيت؛ فأقم عليَّ الحد. فقال: هاتِ من يكفل ولدك. فقام رجل فقال: أنا أكفل ولدها يا رسول الله. فرجمها".
رواه الدارقطني (5).
__________
(1) صحيح مسلم (3/ 1324 رقم 1696).
(2) في "الأصل": اتركوها. والمثبت من صحيح مسلم.
(3) صحيح مسلم (3/ 1330 رقم 1705).
(4) الحديث رقم (6171).
(5) سنن الدارقطني (3/ 122 رقم 134).

(5/450)


47 - باب جلد من به مرض لا يرجى برؤه وصفة سوط الجلد
6203 - عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: "كان بين أبياتنا رويجل ضعيف مخدج (1)، فلم يُرع (2) الحي إلا وهو على أمَةٍ من إمائهم يخبث بها، قال: فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم -وكان ذلك الرجل مسلمًا- فقال: اضربوه حدَّه. قالوا: يا رسول الله، إنه أضعف مما تحسب؛ لو ضربناه مائة قتلناه. فقال: خذوا له عثكالًا (3) فيه مائة شِمْرَاخ (4)، ثم اضربوه به ضربة واحدة. قال: ففعلوا" (5).
رواه الإمام أحمد (6) وابن ماجه (7).

6204 - عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار "أنه اشتكى رجل منهم حتى أُضْني (8)، فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهشَّ لها (9)؛ فوقع عليها، فلما دخل عليه
__________
(1) أي: ناقص الخلق. النهاية (2/ 13).
(2) أي: لم يشعروا. النهاية (2/ 278).
(3) العِثْكال: العِذق من أعذاق النخل الذي يكون فيه الرُّطب، يقال: عِثكال وعُثكول، وإثكال وأُثكوَل. النهاية (3/ 183).
(4) كل غصن من أغصان العذق شمروخ، وهو الذي عليه البسر. النهاية (2/ 500).
(5) ورواه النسائي في الكبرى (4/ 313 رقم 7309) أيضًا.
(6) المسند (5/ 222).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 859 رقم 2574).
(8) أي: أصابه الضنى، وهو شدة المرض حتى نحل جسمه. النهاية (3/ 104).
(9) يقال: هشَّ الأمر يَهَش هشاشة: إذا فرح به واستبشر، وارتاح له وخف. النهاية (5/ 264).

(5/451)


رجال من قومه يعودونه، أخبرهم بذلك، وقال: استفتوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (وقال) (1): قد وقعت على جارية دخلت عليَّ. فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: ما رأينا بأحدٍ من الناس من الضُّرِّ مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذوا مائة شمراخ، فيضربوه بها ضربة واحدة".
رواه أبو داود (2).

6205 - عن زيد بن أسلم "أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط (فأُتي بسوط) (3) مكسور، فقال: فوق هذا. فأُتي بسوط جديد لم تُقطع ثمرته، فقال: (بين هذين) (4). فأُتي بسوط قد لان وركب به، فأمر به فجُلِد".
رواه الإمام مالك في الموطأ (5).

6206 - عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: "مرض فينا رجل حتى صار جلدًا على عظم، فدخلت عليه جارية تعوده فوقع عليها، فقال للقوم الذين (6) يعودونه: (سلوا لي) (7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إني قد وقعت على امرأة حرامًا؟ ليقم عليَّ الحد ليطهرني. فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: والله لو حمل إليك لتفسخت عظامه، ولو ضُرِب لمات. قال: خذوا مائة شمراخ
__________
(1) في سنن أبي داود: فإني.
(2) سنن داود (4/ 161 رقم 4472).
(3) من الموطأ.
(4) في الموطأ: دون هذا.
(5) الموطأ (2/ 645 رقم 12).
(6) في "الأصل": الذي.
(7) في "الأصل": سيرو إلى. والمثبت من سنن النسائي.

(5/452)


-أثكول- فاضربوه به ضربة واحدة".
رواه النسائي (1).

6207 - عن أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد "أن مقعدًا (أُحيبن) (2) ذكر منه زمانة، كان عند جدار أم سعد، فظهر بامرأة حمل، فسُئِلَت فقالت: هو منه. فسُئِل، فاعترف، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجلد بإثكال، عذق النخل".
رواه الدارقطني (3).

48 - باب من وقع على ذات محرم
6208 - عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه".
رواه الإمام أحمد (4).

6209 - عن البراء بن عازب قال: "لقيت خالي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، أن أضرب عنقه -أو أقتله- وآخذ ماله".
رواه الإمام أحمد (5) وهذا لفظه.

6210 - ورواه (5) أيضًا: "مرَّ بي عمي الحارث بن عمرو، ومعه لواء قد عقده له
__________
(1) السنن الكبرى (4/ 312 - 313 رقم 7307، 7308) بتغير طفيف.
(2) من سنن الدارقطني، والأحيبن: تصغير الأحبن؛ المستسقي، من الحَبَن -بالتحريك- وهو عظم البطن. النهاية (1/ 335).
(3) سنن الدارقطني (3/ 100 رقم 66) بتغير طفيف.
(4) المسند (1/ 300).
(5) المسند (4/ 292).

(5/453)


النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت له: أي عم، أين بعثك النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه؛ فأمرني أن أضرب عنقه".

6211 - ورواه (1) أيضًا عن البراء بن عازب قال: "إني لأطوف على إبلٍ ضلت لي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنا أجول في أبيات، فإذا أنا بركب وفوارس إذ جاءوا فطافوا بفنائي فاستخرجوا رجلاً، فما سألوه ولا كلموه حتى ضربوا عنقه، فلما ذهبوا سألت عنه، فقالوا: عرس بامرأة أبيه".

6212 - ورواه (2) أيضًا عن البراء قال: مر (بنا) (3) ناس منطلقون، فقلنا: أين تذهبون؟ فقالوا: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل يأتي امرأة أبيه أن نقتله".

6213 - ورواه (4) أيضًا قال: "لقيت خالي معه راية، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل من بني تميم تزوج امرأة أبيه من بعده فأمرنا أن نقتله (ونأخذ ماله) (3)، قال: ففعلوا".

6214 - وروى أبو داود (5) قال: "لقيت عمي ومعه راية، قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه، وآخذ ماله".

6215 - ورواه (6) أيضًا قال: "بينما أنا أطوف على إبلٍ لي ضلت، إذ أقبل ركبٌ -أو فوارس- معهم لواء، فجعل الأعراب يطيفون بي، لمنزلتي من النبي - صلى الله عليه وسلم -،
__________
(1) المسند (4/ 295).
(2) المسند (4/ 292).
(3) من المسند.
(4) المسند (4/ 295) وقال عبد الله بن الإمام أحمد: ما حدث أبي عن أبي مريم عبد الغفار إلا هذا الحديث لعلته.
(5) سنن أبي داود (4/ 157 رقم 4457).
(6) سنن أبي داود (4/ 157 رقم 4456).

(5/454)


إذ أتوا قبة، فاستخرجوا منها رجلاً فضربوا عنقه، فسألت عنه، فذكروا أنه عرس بامرأة أبيه".

6216 - ورواه النسائي (1) عن البراء قال: "لقيت خالي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ فقال: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، أن أضرب عنقه أو أقتله".

6217 - ورواه (2) أيضًا قال: "أصبت عمي ومعه راية، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله".

6218 - رواه الترمذي (3) عن البراء قال: "مر بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء، فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه، أن آتيه برأسه".
وقال: حديث حسن غريب.
ورواه النسائي (4) عن البراء: "لقيت خالي .. " فذكر نحوه.
ورواه (5) قال: "أصبت عمي ومعه راية .. " فذكره.

6219 - وروى (6) "إني لأطوف على إبل ضلت لي في تلك الأحياء -في عهد
__________
(1) سنن النسائي (6/ 109 رقم 3331).
(2) سنن النسائي (6/ 109 - 110 رقم 3332).
(3) جامع الترمذي (3/ 643 رقم 1362).
(4) سنن النسائي (6/ 109 رقم 3331) وتقدم لفظه.
(5) سنن النسائي (6/ 109 - 110 رقم 3332) وتقدم أيضاً.
(6) السنن الكبرى (4/ 295 رقم 7220).

(5/455)


النبي صلى الله عليه وسلم -إذ جاءهم رهط معهم لواء ... " الحديث.

6220 - ورواه ابن ماجه (1): "مر بي خالي -سماه هشيم في حديثه، الحارث بن عمرو- وقد عقد له النبي - صلى الله عليه وسلم - لواءً، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، فأمرني أن أضرب عنقه".
قال الحافظ: إنما سماه هشيم في حديثه لما قال: "عمي، لم يقل "خالي"، ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عمه وخاله، بدليل رواية البراء "إذ أنا بركب وفوارس" فإنه لم يكن شخص واحد (2)، واللَّه أعلم.

6221 - عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: "بعثني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه، أن أضرب عنقه".
رواه ابن ماجه (3) -وهذا لفظه- والنسائي (4)، ولفظه: عن معاوية بن قرة (عن أبيه) (5) "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث (أباه -جد) (6) معاوية- إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه، وخمس ماله".

49 - باب فيمن عَمِل عَمَل قوم لوط أو أتى بهيمة
6222 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من وجدتموه يعمل عمل
__________
(1) سنن ابن ماجه (2/ 869 رقم 2607).
(2) كذا في "الأصل"، ولعل في الكلام سقطًا.
(3) سنن ابن ماجه (2/ 870 رقم 2608).
(4) السنن الكبرى (4/ 296 رقم 7224).
(5) من سنن النسائي.
(6) في "الأصل": أبا. والمثبت من سنن النسائي.

6222 - خرجه الضياء في المختارة (12/ 212 - 216 رقم 231 - 235) بلفظ "لعن الله من وقع على بهيمة، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط".

(5/456)


قوم لوط فاقتلوا، الفاعل والمفعول به".
رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والترمذي (3) وابن ماجه (4).
قال الترمذي: وروى محمد بن إسحاق عن عمرو بن أبي عمرو فقال: "ملعون من عمل بعمل قوم لوط"، ولم يَذكُر فيه القتل، وذكر فيه: "ملعون من أتى بهيمة".

6223 - عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس "في البكر يوجد على اللوطية، قال: يُرجم".
رواه أبو داود (5).

6224 - عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابرًا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط".
رواه الإمام أحمد (6) ق (7) ت (8)، وقال: حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه.
وعبد الله بن محمد تقدم القول فيه (9).
__________
(1) المسند (1/ 300).
(2) سنن أبي داود (4/ 158 رقم 4462).
(3) جامع الترمذي (4/ 47 رقم 1456).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 856 رقم 2561).
(5) سنن أبي داود (4/ 159 رقم 4463).
(6) المسند (3/ 382).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 856 رقم 2563).
(8) جامع الترمذي (4/ 48 رقم 1457).
(9) عند الحديث رقم (1255).

(5/457)


6225 - عن عمرو بن أبي (عمرو) (1) عن عكرمة عنْ ابن عباس قال: قال رسول- الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه. قال: قلت له: ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه إلا قال ذلك أنه كره أن يؤكل لحمها، وقد عمل بها ذلك العمل".
رواه الإمام أحمد (2) -ولم يذكر قول ابن عباس- د (3) -وهذا لفظه- والنسائي (4) ت (5) وعنده: "فقيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ فقال: (ما) (6) سمعت (من) (6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ولكن أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره أن يؤكل لحمها، أو ينتفع بها، وقد عُمل بها ذلك العمل".
وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي (عمرو) (7) عن عكرمة عن ابن عباس.

6226 - عن عاصم عن أبي (رزين) (8) عن ابن عباس قال: "ليس على الذي يأتي البهيمة حدٌّ".
رواه أبو داود (9) -وقال: حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي
__________
(1) في "الأصل": عمر. والمثبت من المسند والسنن، وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، ترجمته في التهذيب (22/ 168 - 171).
(2) المسند (1/ 269).
(3) سنن أبي داود (4/ 159 رقم 4464).
(4) السنن الكبرى (4/ 322 رقم 7340).
(5) جامع الترمذي (4/ 46 رقم 1455).
(6) من جامع الترمذي.
(7) في "الأصل": عاصم. والمثبت من جامع الترمذي.
(8) في "الأصل": زر. والمثبت من سنن أبي داود وجامع الترمذي، وأبو رزين هو مسعود ابن مالك الأسدي، ترجمته في التهذيب (27/ 477 - 480).
(9) سنن أبي داود (4/ 159 رقم 4465).

(5/458)


عمرو- والترمذي (1) وقال: هذا أصح من الحديث الأول.

50 - باب في الرجل يقع على جارية امرأته
6227 - عن قتادة عن حبيب بن سالم قال: "رُفِع إلى النعمان بن بشير رجل وقع على جارية امرأته، فقال: لأقضين فيها بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لَئِن كانت أحلتها له لأجلدنه مائة، وإن لم تكن أحلتها له رجمته".
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) والترمذي (4) -وهذا لفظه- والنسائي (5) وابن ماجه (6).
ولفظ أبي داود: " (أن) (7) رجلاً يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته، فرفع إلى النعمان بن بشير -وهو أمير على الكوفة- فقال: لأقضين فيك بقضية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة. فوجدوه أحلتها له، فجلده مائة".
رواه أبو داود عن قتادة، عن خالد (ابن) (8) عرفطة، عن حبيب بن سالم. قال قتادة: كتبت إلى حبيب بن سالم فكتب إليَّ بهذا.

6228 - عن سلمة بن المحبق "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في رجل وقع على
__________
(1) جامع الترمذي (4/ 46 - 47).
(2) المسند (4/ 272، 277).
(3) سنن أبي داود (4/ 157 - 158 رقم 4458).
(4) جامع الترمذي (4/ 44 رقم 1451).
(5) سنن النسائي (6/ 124 رقم 3362).
(6) سنن ابن ماجه (2/ 853 رقم 2551).
(7) في "الأصل": كان. والمثبت من سنن أبي داود.
(8) في "الأصل": عن. والمثبت من سنن أبي داود.

(5/459)


جارية امرأته، إن كان استكرهها فهي حرة وعليه (لسيدتها) (1) مثلها، وإن كانت طاوعته فهي له، وعليه لسيدتها مثلها".
رواه الإمام أحمد (2) د (3) -وهذا لفظه- والنسائي (4) وابن ماجه (5).

51 - باب ما يجلد الرقيق
6229 - عن الحسن بن سعد عن أبيه "أن يحنس وصفية كانا من (سبي) (6) الخمس، فزنت صفية برجل من الخمس، فولدت غلامًا فادَّعاه الزاني (و) (6) يحنس، فاختصما إلى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فردهما (7) إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الولد للفراش وللعاهر الحجر. وجلدهما خمسين خمسين".
رواه الإمام أحمد (8).

230 - وعن علي قال: "أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أمةٍ له سوداء زنت لأجلدها الحد، قال: فوجدتها في دمها، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فقال لي: إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين".
رواه عبد الله بن أحمد في المسند (9).
__________
(1) في "الأصل": لسيده. والمثبت من سنن أبي داود.
(2) المسند (3/ 476، 5/ 6).
(3) سنن أبي داود (4/ 158 رقم 4460).
(4) سنن النسائي (6/ 124 - 125 رقم 3363).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 853 رقم 2551).
(6) من المسند.
(7) في المسند: فرفعهما.
(8) المسند (1/ 104).
(9) المسند (1/ 136).

(5/460)


6231 - عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: "أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد (1) من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا".
رواه الإمام مالك في الموطأ (2).

52 - باب إِقامة السيد الحد على رقيقه
6232 - عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحد ولا يثرب عليها (3)، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها، ولو بحبل من شعر".
أخرجاه في الصحيحين (4).
وفي لفظٍ لمسلم (5): "إذا زنت ثلاثًا ثم ليبعها في الرابعة".

6233 - عن أبي هريرة وزيد بن خالد "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن الأمة إذا زنت ولم تُحصَن، قال: إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير".
قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة.
__________
(1) أي: إماء، والواحد: وليدة. النهاية (5/ 225).
(2) الموطأ (2/ 646 رقم 16).
(3) أي: لا يُوبخها ولا يُقَرِّعها بالزنا بعد الضرب، وقيل: أراد: لا يقنع في عقوبتها بالتثريب، بل يضربها الحد؛ فإن زنا الإماء لم يكن عند العرب مكروهًا ولا منكرًا، فأمرهم بحد الإماء، كما أمرهم بحد الحرائر. النهاية (1/ 209).
(4) البخاري (12/ 171 رقم 6839)، ومسلم (3/ 1328 رقم 1703/ 30).
(5) صحيح مسلم (3/ 1328 - 1329 رقم 1703/ 31).

(5/461)


أخرجاه (1) أيضًا، وفي لفظ مسلم: قال ابن شهاب: والضفير الحبل.

6234 - عن أبي عبد الرحمن قال: "خطب علي فقال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم (ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس فخشيت) (2) إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أحسنت، اتركها حتى تماثل". رواه مسلم (3).

6235 - وعن علي -رضي الله عنه- قال: "فجرت جارية لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا علي، انطلق فأقم عليها الحد. فانطلقت فإذا بها دم يسيل لم ينقطع، فأتيته فقال: يا علي، أفَرَغتَ؟ قلت: أتيتها ودمها يسيل. فقال: دعها حتى ينقطع دمها، ثم أقم عليها الحد، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم".
رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5)، وهذا لفظه.

6236 - عن عباد بن تميم عن عمه -وكان قد شهد بدرًا- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا زنت الأمَةُ فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير".
رواه النسائي (6) والدارقطني (7) -وهذا لفظه- وقال النسائي: أبو أُويس (8)
__________
(1) البخاري (12/ 168 رقم 6837، 6838)، ومسلم (3/ 1329 رقم 1703/ 32).
(2) من صحيح مسلم.
(3) صحيح مسلم (3/ 1330 رقم 1705).
(4) المسند (1/ 95، 135، 136، 145).
(5) سنن أبي داود (4/ 161 رقم 4473).
(6) السنن الكبرى (4/ 298 رقم 7238).
(7) سنن الدارقطني (3/ 197 رقم 340).
(8) وقع في "الأصل" في هذا الموضع وما بعده: "أوس" مكبرًا، والمثبت من السنن الكبرى=

(5/462)


ليس بالقوي.
قال الحافظ أبو عبد الله: وأبو أُويس اسمه عبد الله بن عبد الله بن أُويس ابن أبي عامر الأصبحي، رواه مسلم (1).

53 - باب في حد السرقة
6237 - عن ابن عمر "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع في مِجَنِّ (2) ثمنه ثلاثة دراهم".
أخرجاه (3)، وفي لفظ لمسلم: "قطع سارقًا في مجن قيمته ثلاثة دراهم".

6238 - عن عائشة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تُقطع اليد في ربع دينارٍ فصاعدًا".
أخرجاه (4)، وفي لفظٍ للبخاري (5) قال: "تقطع يد السارق في ربع دينار".
ولفظ مسلم (6): أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعداً".

6239 - وعنها قالت: "لم تكن تقطع يد السارق في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
__________
=وهو الصواب، وأبو أويس هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك الأصبحي، ابن عم الإمام مالك، ترجمته في التهذيب (15/ 166 - 171).
(1) قال المزي في التهذيب (15/ 171): روى له الجماعة سوى البخاري.
(2) المِجَنُّ -بكسر الميم، وفتح الجيم، وتشديد النون، التُّرس؛ سُمي بذلك لأنه يستتر به، ويقال له: جنة أيضاً، وجمعه: جنن. مشارق الأنوار (1/ 156).
(3) البخاري (12/ 99 رقم 6795)، ومسلم (3/ 1313 رقم 1686).
(4) البخاري (12/ 99 رقم 6789)، ومسلم (3/ 1312 - 1313 رقم 1684).
(5) صحيح البخاري (12/ 99 رقم 6790).
(6) صحيح مسلم (3/ 1313 رقم 1684/ 4).

(5/463)


أدنى (من) (1) ثمن المجن: ترس أو حَجَفة (2) وكان كل واحدٍ منهما ذا ثمن".
أخرجاه (3)، وهذا لفظ البخاري.
وفي لفظٍ قال: "اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك. وكان ربع الدينار (يومئذ ثلاثة) (4) دراهم فالدينار اثني عشر درهمًا".
رواه الإمام أحمد (5).
وفي لفظٍ للنسائي (6): "لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجَن. قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار".

6240 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله السارق يسرق البيضة؛ فتقطع يده، ويسرق الحبل؛ فتقطع يده".
أخرجاه (7)، وفي رواية البخاري: قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أنه منها ما يساوي دراهم.
وفي لف لمسلم (8) يقول: "إن سرق حبلاً، وإن سرق بيضة".
ذكر عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب "غريب الحديث" (9) هذا الحديث
__________
(1) من صحيح البخاري.
(2) الحجفة: التُّرس.
(3) البخاري (12/ 99 رقم 6794)، ومسلم (3/ 1313 رقم 1685).
(4) تكررت في "الأصل".
(5) المسند (6/ 80).
(6) سنن النسائي (8/ 81 رقم 4950).
(7) البخاري (12/ 83 رقم 6783)، ومسلم (3/ 1314 رقم 1687).
(8) صحيح مسلم (4/ 1313 رقم 1687).
(9) غريب الحديث (1/ 4 رقم 1) وفيه سقط، وانظر "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة (156 - 157 رقم 33) فقد ذكر نحوه، ونقل ابن حجر في الفتح (12/ 84) قطعة من كلام ابن قتيبة في غريب الحديث.

(5/464)


وقال أهل العلم جميعًا على أنه لا يقطع فيما دون المجن المذكور قيمته، والخوارج تخالفهم، وتوجب عليه القطع في كل شيء قل أو كثر؛ لقول الله -عز وجل-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) (1) فإن احتج عليهم محتج بحديث المجن، عارضوه بهذا الحديث مع ظاهر الكتاب، وقد كنت حضرت يومًا مجلس يحيى بن أكثم بمكة فرأيته يذهب إلى أن البيضة في هذا الحديث بيضة الحديد التي تُجعل في الرأس في الحرب، وإلى أن الحبل من حبال السفن، قال: وكل واحدة من هذين يبلغ دنانير كثيرة، ويعجب بهذاء التأويل، ويُبدئ فيه ويُعيد، ويرى أنه قد قطع به حجة الخصم، وهذا إنما يجوز على من لا معرفة له باللغة ومخارج الكلام، وليس هذا موضع تكثير لما يأخذه السارق، فيصرفه إلى بيضة تساوي دنانير، وحبل لا يقدر على حمله السارق، ولا من عادة العرب والعجم أن يقولوا: قبح الله فلانًا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر، وتعرض لعقوبة الغلول في جراب مسك، وإنما العادة في مثل هذا أن يقال: لعنه الله يعرض لقطع اليد في حبل رث، أو كبة شعر، أو (رداء) (2) خلق، وكل ما كان من هذا أحقر كان أبلغ، والوجه في الحديث أن الله -عز وجل- لما أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (1) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده". على ظاهر ما نزل في ذلك الوقت، ثم أعلمه الله بعدُ أن القطع لا يكون إلا في ريع دينار فما فوقه، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم من حكم الله إلا ما علمه الله -تعالى- ولا كان الله يعرفه ذلك جملة، بل أنزله شيئًا بعد شيء، ويأتيه جبريل -رضي الله عنه- بالسنن
__________
(1) سورة المائدة، الآية: 38.
(2) في "الأصل": إداوة. والمثبت من فتح الباري (12/ 84).

(5/465)


كما كان يأتيه بالقرآن.
قلت: ويحتمل أن يكون سرقة البيضة والحبل سبب للقطع؛ لأن السارق ربما سرق الشيء اليسير، ثم يسرق بعد ذلك ما له قيمة فتقطع يده، والله أعلم، ومما يستدل به على ذلك قول الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقونَ) (1) فإن القصاص يرح الناس عن القتل؛ فيكون سبب الحياة.

6241 - عن ابن عباس قال: "قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد رَجُل في مجن قيمته دينار، أو عشرة دراهم". رواه د (2).

6242 - عن نصر بن (باب) (3)، عن الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطع فيما دون عشرة دراهم".
رواه الإمام أحمد (4) عن نصر بن باب عن الحجاج -هو ابن أرطأة- أما الحجاج (5) قال الإمام أحمد (6): لا يحتج به. وقال يحيى (7): ضعيف. وقال (8) مرةً: لا يحتج بحديثه. وأما نصر بن باب (9): قال يحيى بن معين (10): ليس
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 179.

6241 - خرجه الضياء في المختارة (11/ 192 - 193 رقم 180، 181) بنحوه.
(2) سنن أبي داود (4/ 136 رقم 4387).
(3) في "الأصل": ثابت. والمثبت من المسند، وسيأتي على الصواب.
(4) المسند (2/ 204).
(5) ترجمته في التهذيب (5/ 420 - 428).
(6) ضعفاء العقيلي (1/ 280).
(7) الكامل لابن عدي (2/ 518).
(8) تاريخ الدوري (4/ 60 رقم 3142)، والجرح والتعديل (3/ 156).
(9) ترجمته في التاريخ الكبير (8/ 105 - 106)، والجرح والتعديل (8/ 469)، وضعفاء العقيلي (4/ 302)، والكامل لابن عدي (8/ 282 - 285) وغيرها.
(10) في رواية الدورقي عنه، كما في الكامل لابن عدي (8/ 282 - 283).

(5/466)


بثقة. وقال النسائي (1): متروك. وقال البخاري (2): يرمونه بالكذب.

6243 - وروى (3) عن ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده "أن قيمة المجن كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم".

6244 - عن أيمن قال: "لم يقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا (في) (4) ثمن المجن. قال: وثمن المجن يومئذ قيمته دينار" رواه النسائي مرفوعًا (5) وموقوفًا (6).
والأحاديث التي تقدمت أصح وأولى.

54 - باب لا قطع في ثمر ولا كَثَر (7) واعتبار الحرز
6245 - عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا قطع في ثمرٍ ولا كَثَرٍ".
رواه الإمام أحمد (8) -وعنده: قال: سمعت شعبة، قلت ليحيى بن سعيد: (ما الكثر؟ قال: الجمار"- وأبو داود (9) والنسائي (10) وابن ماجه (11) والترمذي (12).
__________
(1) الكامل لابن عدي (8/ 283).
(2) التاريخ الكبير (8/ 106).
(3) المسند (2/ 180).
(4) من سنن النسائي.
(5) سنن النسائي (8/ 82 رقم 4958).
(6) سنن النسائي (8/ 82 رقم 4959).
(7) الكَثَر -بفتحتين- جُمَّار النخل، وهو شحمه الذي وسط النخل. النهاية (4/ 152).
(8) المسند (3/ 464).
(9) سنن أبي داود (4/ 136 - 137 رقم 4388، 4389).
(10) سنن النسائي (8/ 87 - 88 رقم 4976 - 4985).
(11) سنن ابن ماجه (2/ 865 رقم 2593).
(12) جامع الترمذي (4/ 42 - 43 رقم 1449) وذكر أن في إسناده اختلافًا.

(5/467)


6245 م- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطع في ثمر ولا كثر".
رواه ابن ماجه (1) من رواية سعد بن سعيد) (2) بن أبي سعيد المقبري (3). قال ابن عدي (4): عامة أحاديثه لا يُتابع عليها. وقال ابن حبان (5): لا يحل الاحتجاج به.

6246 - عن عَمْرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: يا رسول الله، جئت أسألك عن الضالة من الإبل. قال: معها حذاؤها وسقاؤها، تأكل الشجر وترد الماء، فدعها حتى يأتيها باغيها. قال: الضالة من الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب، تجمعها حتى يأتي باغيها. قال: الحريسة (6) التي توجد في مراتعها؟ قال: فيها ثمنها مرتين وضرب نكال، وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن. قال: يا رسول الله، فالثمار وما أُخِذ منها من أكمامها (7)؟ قال: من أخذ بفمه ولم يتخذ خُبْنة (8) فليس عليه شيء، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضربًا ونكالًا، وما أخذ
__________
(1) سنن ابن ماجه (2/ 865 رقم 2594).
(2) سقطت من "الأصل".
(3) ترجمته في التهذيب (10/ 261 - 262).
(4) الكامل (4/ 392).
(5) كتاب المجروحين (1/ 353).
قلت: وقد رواه سعد بن سعيد المقبري عن أخيه عبد الله بن سعيد المقبري، وعبد الله هذا قال البخاري: تركوه. ترجمته في التهذيب (15/ 31 - 35).
(6) يقال للشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مُراحها: حريسة، وفلان يأكل الحرسات: إذا سرق أغنام الناس وأكلها، والاحتراس: أن يسرق الشيء من المرعى. قاله شمر. النهاية (1/ 367).
(7) جمع: كِم -بالكسر- وهو غلاف الثمر والحب قبل أن يظهر. النهاية (4/ 200).
(8) الخُبْنَة: مَعْطف الإزار وطرف الثوب، أي: لا يأخذ منه في ثوبه، يقال: أخبن الرجل: إذا خبأ شيئًا في خُبنة ثوبه أو سراويله. النهاية (2/ 9).

(5/468)


من أجرانه (1) ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن".
رواه الإمام أحمد (2) -وهذا لفظه- والنسائي (3) وروى أبو داود (4) وابن ماجه (5) بعضه، وفي رواية النسائي في آخره: "وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه، وجلدات نكال".

6247 - عن عمرة بنت عبد الرحمن "أن سارقًا سرق أترجة في زمن عثمان، فأمر بها عثمان أن تُقوَّم، فقوِّمت بثلاثة دراهم، من صرف اثني عشر بدينارٍ، فقطع عثمان يده".
رواه الإمام مالك في الموطأ (6).

55 - باب ذكر الحرز (7)
6248 - عن صفوان بن أمية قال: "كنت نائمًا في المسجد على خميصة لي ثمن (8) ثلاثين درهمًا، فجاء رجل فاختلسها مني، فأُخذ الرجل، فأُتي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر به ليقطع، فأتيته، فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا، أنا أبيعه
__________
(1) الجرين: موضع تجفيف التمر، وهو له كالبيدر للحنطة، ويجمع على جُرُن بضمتين. النهاية (1/ 263).
(2) المسند (2/ 180).
(3) سنن النسائي (8/ 86 رقم 4974).
(4) سنن أبي داود (2/ 136 - 137 رقم 1710 - 1713).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 865 - 866 رقم 2596).
(6) الموطأ (2/ 650 رقم 23).
(7) يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازًا: إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن لأخذ. النهاية (1/ 366).

6248 - خرجه الضياء في المختارة (8/ 18 - 20 رقم 7 - 10).
(8) في سنن النسائي: ثمنها.

(5/469)


وأنسئه ثمنها. قال: فهلاَّ كان قبل أن تأتيني به" (1).
وفي لفظٍ (2): "يا رسول الله، قد تجاوزت عنه. فقال: أبا وهب، أفلا كان قبل أن تأتينا به؟ فقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
رواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) والنسائي -وهذا لفظه- وابن ماجه (5).
وفي لفظٍ -هو لفظ النسائي (6) أيضًا-: "ثم لف رداءً له من برد، فوضعه تحت رأسه (فنام، فأتاه لص فاستله) (7) من تحت رأسه".

6249 - عن عبد الله بن عمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع يد سارق سرق ترسًا من صُفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم" (8).
رواه الإمام أحمد (9) وأبو داود (10) والنسائي (11).

56 - باب في ذكر من يستعير الشيء ويجحده
6250 - عن عائشة قالت: "كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر
__________
(1) سنن النسائي (8/ 69 - 70 رقم 4898).
(2) سنن النسائي (8/ 68 رقم 4893).
(3) المسند (3/ 401، 6/ 465، 466).
(4) سنن أبي داود (4/ 138 رقم 4394).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 865 رقم 2595).
(6) سنن النسائي (8/ 69 رقم 4896).
(7) تحرفت في "الأصل" والمثبت من سنن النسائي.
(8) رواه مسلم (3/ 1314 رقم 1686) وتقدم أنه متفق عليه بنحوه، رقم (6237).
(9) المسند (2/ 145).
(10) سنن أبي داود (4/ 136 رقم 4386).
(11) سنن النسائي (8/ 77 رقم 4924).

(5/470)


النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة فكلموه، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ... ".
رواه مسلم (1)، ثم ذكر نحو حديث الليث ويونس.
قال الحافظ: وفي حديث يونس: عن عائشة "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأُتي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم (2) أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت (فقطعت) (3) يدها. فقالت عائشة: فحسنت توبتها بعد، وتزوجت، فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
وحديث يونس رواه البخاري (4) ومسلم (5) وهذا لفظه.

6251 - عن ابن عمر قال: "كانت امرأة مخزومية تستعير متاعًا على ألسنة
__________
(1) صحيح مسلم (6/ 1313 رقم 1688/ 10).
(2) في "الأصل": قبلهم. والمثبت من صحيح مسلم.
(3) في "الأصل": لقطعت. والمثبت من صحيح مسلم.
(4) صحيح البخاري (5/ 302 رقم 2648).
(5) صحيح مسلم (5/ 1313 رقم 1688/ 9).

(5/471)


جاراتها وتجحده، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها".
رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والنسائي (3)، وهذا لفظه.
وفي لفظٍ له (4): "أن امرأة كانت تستعير الحلي للناس، ثم تمسكه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لتتب هذه المرأة إلى الله ورسوله، وترد ما تأخذ على القوم. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قم يا بلال، فخذ بيدها فاقطعها".
قال أبو داود: رواه ابن عَنَج عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قال: "فشهد عليها" يعني صفية عن عبد ابقَه بن عُمَر. والله أعلم.

6252 - عن عائشة قالت: "استعارت امرأة -تعني حليًّا- على ألسنة الناس يُعرفون، ولا تُعرف هي، فباعته، فأُخِذت، فأتي بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر بقطع يدها -وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد، وقال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال".
رواه أبو داود (5) -وهذا لفظه- والنسائي (6) وعنده: فباعته، وأخذت ثمنه".

57 - باب ما جاء في الخائن والمختلس والمنتهب
6253 - عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على خائق ولا منتهب ولا مختلس قطع".
__________
(1) المسند (2/ 151).
(2) سنن أبي داود (4/ 139 رقم 4395).
(3) سنن النسائي (8/ 70 - 71 رقم 4903).
(4) سنن النسائي (8/ 71 رقم 4904).
(5) سنن أبي داود (4/ 139 رقم 4396).
(6) سنن النسائي (8/ 73 رقم 4913).

(5/472)


رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) والنسائي (3) وابن ماجه (4) والترمذي (5)، وقال: حديث حسن صحيح.
وعند أبي داود (6) وابن ماجه (7): "ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا".

6254 - عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "وليس على المختلس قطع".
رواه ابن ماجه (8).

58 - باب التلقين في الحدود وذكر الحسم (9)
6255 - عن أبي أمية المخزومي "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي بلصٍّ اعترف اعترافاً، ولم يُوجد معه متاع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما إخالك (10) سرقت.
__________
(1) المسند (3/ 380).
(2) سنن أبي داود (4/ 138 رقم 4391 - 4393) وقال أبو داود: هذان الحديثان لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعهما ابن جريج من ياسين الزيات. قال أبو داود: وقد رواهما المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن - صلى الله عليه وسلم -.
(3) سنن النسائي (8/ 88 - 89 رقم 4986، 4987) وقال النسائي: لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير.
(4) سنن ابن ماجه (2/ 864 رقم 2591).
(5) جامع الترمذي (4/ 42 رقم 1448).
(6) سنن أبي داود (4/ 138 رقم 4391).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 1298 رقم 3935).
(8) سنن ابن ماجه (2/ 864 رقم 2592).
(9) الحسم: قطع الدم بالكي. النهاية (1/ 386).
(10) أي: ما أظنك، يقال: خِلت إخال، بالكسر والفتح، والكسر أفصح وأكثر استعمالاً، والفتح القياس. النهاية (2/ 93).

(5/473)


قال: بلى. فأعاد عليه مرتين -أو ثلاثاً- فأُمِر به فقُطِع، وجيء به، فقال: استغفِر اللَّهَ، وتُبْ إليه. فقال: أستغفر الله، وأتوبُ إليه. فقال: اللَّهم تب عليه. ثلاثاً".
رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) -وهذا لفظه- والنسائي (3) وابن ماجه (4)، وعنده: "ما إخالك سرقت. قال: بلى. ثم قال: ما إخالك سرقت. قال: بلى. وعنده: "اللَّهم تب عليه. مرتين". وليس عند النسائي "مرتين أو ثلاثاً".

6256 - عن أبي هريرة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بسارق قد سرق شملة، فقال: يا رسول الله، إن هذا قد سرق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما إخاله سرق. فقال السارق: بلى يا رسول الله. قال) (5): اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه، ثم ائتوني به. فقطع فأتي به، فقال: تب إلى الله. فقال: قد تبت إلى الله. فقال: تاب الله عليك".
رواه الدارقطني (6).

59 - باب في تعليق يد السارق في عنقه
6257 - عن عبد الرحمن بن محيريز قال: "سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في العنق للسارق أَمِنَ السُّنَّة؟ قال: أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسارقٍ، فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه".
__________
(1) المسند (5/ 293).
(2) سنن أبي داود (4/ 134 - 135 رقم 4380).
(3) سنن النسائي (8/ 67 رقم 4892).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 866 رقم 2597).
(5) ليست في سنن الدارقطني.
(6) سنن الدارقطني (3/ 102 رقم 71).

(5/474)


رواه أبو داود (1) والنسائي (2) وابن ماجه (3) والترمذي (4)، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن علي عن الحجاج بن أرطأة، وعبد الرحمن أخو عبد الله بن محيريز.
وقال النسائي: والحجاج بن أرطأة ضعيف، ولا يُحتج بحديثه.

60 - باب لا تقطع الأيدي في الغزو
6258 - عن جنادة بن أبي أمية قال: "كنا مع بسر بن أبي أرطأة في البحر، فأتي بسارق -يقال له: مصدر- قد سرق بختية، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تقطع الأيدي في السفر. ولولا ذلك لقطعته".
رواه الإمام أحمد (5) وأبو داود (6) -وهذا لفظه- والترمذي (7) والنسائي (8).
وعند الإمام أحمد: "لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القطع في الغزو لقطعتك. فجلد، ثم خطأ سبيله".
وعند الترمذي: عن بسر بن أرطأة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقطع الأيدي في الغزو" وقال: حديث غريب، ويقال: بسر بن أبي أرطأة أيضًا.
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 143 رقم 4411).
(2) سنن النسائي (8/ 92 رقم 4998).
(3) سنن ابن ماجه (2/ 863 رقم 2587).
(4) جامع الترمذي (4/ 41 - 42 رقم 1447).
(5) المسند (4/ 118).
(6) سنن أبي داود (4/ 142 رقم 4408).
(7) جامع الترمذي (4/ 43 رقم 1450).
(8) سنن النسائي (8/ 91 رقم 4994).

(5/475)


وعند النسائي: عن بسر بن أبي أرطأة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقطع الأيدي في السفر".

6259 - عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جاهدوا الناس في الله -تبارك وتعالى- القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لائم، وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر".
رواه الإمام أحمد (1) من رواية أبي بكر بن أبي مريم (2)، وقد ضعفه الإمام أحمد (3) ويحيى بن معين (4) وأبو حاتم (5) وأبو زرعة (5) والنسائي (6)، وفي رواية عن يحيى (7): هو صدوق.
وقد روى عبد الله بن أحمد في المسند (8) عن غير أبيه من غير رواية أبي بكر بن أبي مريم نحو هذا الحديث وفيه: "وجاهدوا في سبيل الله -تعالى- القريب والبعيد في الحضر والسفر؛ فإن الجهاد باب من أبواب الجنة؛ إنه لينجي الله -تبارك وتعالى- به من الهم والغم، وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا يأخذكم في الله لومة لائم".
__________
6259 - خرجه الضياء في المختارة (8/ 272 - 273 رقم 334، 335، 8/ 280 - 281 رقم 343 - 345).
(1) المسند (5/ 316).
(2) ترجمته في التهذيب (33/ 108 - 111).
(3) العلل ومعرفة الرجال (3/ 99 رقم 4370)، والجرح والتعديل (2/ 405).
(4) تاريخ الدوري (4/ 437 رقم 5173)، والجرح والتعديل (2/ 5، 4).
(5) الجرح والتعديل (2/ 405).
(6) كتاب الضعفاء والمتروكين (262 رقم 699).
(7) لم أقف على هذه الرواية.
(8) المسند (5/ 330).

(5/476)


61 - باب في السارق يسرق مرارًا
6260 - عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: "جيء بسارق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: اقتلوه. (فقالوا) (1): يا رسول الله، إنما سرق. فقال: اقطعوه. قال: فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق. قال: اقطعوه. قال: فقُطِع، ثم جيء به الثالثة، فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق. فقال: اقطعوه. ثم أتي به في الرابعة، فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق. قال: اقطعوه. فأتي به في الخامسة، فقال: اقتلوه. قال: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه، فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة".
رواه أبو داود (2) -وهذا لفظه- والنسائي (3)، وقال: هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت (4) ليس بالقوي في الحديث.

6261 - عن الحارث بن حاطب "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بلصٍّ، فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق. ثم قال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق. قال: اقطعوا يده. قال: ثم سرق، فقُطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر حتى قطعت قوائمه كلها، ثم سرق أيضًا الخامسة، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بهذا حين قال: اقتلوه. ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه، منهم عبد الله بن الزبير -وكان يحب الإمارة- فقال:
__________
(1) في "الأصل": فقال. والمثبت من سنن أبي داود.
(2) سنن أبي داود (4/ 142 رقم 4410).
(3) سنن النسائي (8/ 90 - 91 رقم 4993).
(4) ترجمته في التهذيب (28/ 18 - 22).

6261 - خرجه الضياء في المختارة (1/ 127 - 128 رقم 40، 41).

(5/477)


أمِّروني عليكم. فأمروه عليهم، وكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه".
رواه النسائي (1).

6262 - عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه "أن رجلاً من أهل اليمن -أقطع اليد والرجل- قدم فنزل على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه، فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر: وأبيك، ما ليلك بليل سارقٍ. ثم إنهم افتقدوا حليًّا لأسماء بنت عميس -امرأة أبي بكر- فجعل يطوف معهم، ويقول: اللهم عليك بمن بيَّت (2) أهل هذا البيت الصالح. فوجدوا الحليَّ عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به، فاعترف الأقطع -أو شُهِد عليه- فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى. وقال أبو بكر: والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي عليه من سرقته".
رواه الإمام مالك في الموطأ (3).
قال الحافظ: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق لا أراه أدرك زمان جده، وإنما يروي من الصحيح عن عمته عائشة وابن عمر وابن عباس.

62 - باب في السارق يعترف
6263 - عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري عن أبيه "أن عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إني سرقت جملاً (لبني فلان فطهرني. فأرسل إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إنا افتقدنا
__________
(1) سنن النسائي (8/ 89 - 90 رقم 4992).
(2) كل ما فُكِّر فيه ودُبِّر بليلٍ فقد بُيِّت. النهاية (1/ 170).
(3) الموطأ (2/ 652 - 653 رقم 30).

(5/478)


جملاً) (1) لنا فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطعت يده. قال ثعلبة: أنا انظر إليه حين وقعت يده، وهو يقول: الحمد للَّه الذي طهرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النار".
رواه ابن ماجه (2) من رواية عبد الله بن لهيعة، وقد تقدم القول فيه (3).

63 - باب في الرجل يأخذ مال ابنه
6264 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "أتى أعرابيٌّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن أبي (يريد أن) (4) يجتاح مالي. قال: أنت ومالك لوالدك؛ إن أطيب ما أكلتم من كسبكم؛ وإن أموال أولادكم من كسبكم؛ فكلوه هنيئًا".
رواه الإمام أحمد (5) -وهذا لفظه- وأبو داود (6) وابن ماجه (7).

64 - باب في العبد يسرق
6265 - عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سرق العبد فبيعوه ولو بنش. يعني: نصف أوقية".
رواه الإمام أحمد (8) وأبو داود (9) وابن ماجه (10) والنسائي (11) وقال: عمر بن
__________
(1) من سنن ابن ماجه.
(2) سنن ابن ماجه (2/ 863 رقم 2588).
(3) عند الحديث رقم (60).
(4) تحرفت في "الأصل" والمثبت من المسند.
(5) المسند (2/ 179).
(6) سنن أبي داود (3/ 289 رقم 3530).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 769 رقم 2292).
(8) المسند (2/ 337).
(9) سنن أبي داود (4/ 143 رقم 4412).
(10) سنن ابن ماجه (2/ 864 رقم 2589).
(11) سنن النسائي (8/ 91 رقم 4995).

(5/479)


أبي سلمة (1) ليس بالقوي في الحديث. وعند الإمام أحمد "فبعه ولو بنش".

6266 - عن ابن عباس: "أن عبدًا من رقيق الخمس سرق من الخمس، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يقطعه، وقال: مال الله -عز وجل- سرق بعضه بعضاً".
رواه ابن ماجه (2) من رواية حجاج بن تميم (3) وجبارة (بن) (4) المغلس (5)، وكلاهما ينسب إلى الضعف.

6267 - عن السائب بن يزيد "أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد هذا؛ فإنه سرق. فقال عمر: ماذا سرق؟ قال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهمًا. فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع؛ خادمكم سرق متاعكم" (6).
رواه الإمام مالك في الموطأ (7).

65 - باب قطع النباش
6268 - عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر. قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه
__________
(1) ترجمته في التهذيب (21/ 375 - 379).
(2) سنن ابن ماجه (2/ 864 رقم 2590).
(3) ترجمته في التهذيب (5/ 428 - 429).
(4) من سنن ابن ماجه.
(5) ترجمته في التهذيب (4/ 489 - 493).
(6) رواه أبو داود في كتاب "حديث مالك" عن القعنبي عن مالك. كما في التهذيب (15/ 374 - 375).
(7) الموطأ (2/ 656 رقم 33).

(5/480)


بالوصيف (1) -يعني: القبر- قلت: الله ورسوله أعلم -أو ما خار الله لي ورسوله- قال: عليك بالصبر -أو قال: تصبر".
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) -وهذا لفظه- وابن ماجه (4).
وقال أبو داود: قال حماد بن أبي سليمان: يُقطع النباش؛ لأنه دخل على الميت بيته.

66 - باب في الامتحان بالحبس والضرب
6269 - عن أزهر بن عبد الله الحرازي "أن قومًا من الكلاعيين (5) سُرق لهم متاع؛ فاتهموا ناسًا من الحاكة، فأتوا النعمان بن بشير -صاحب النبي صلى الله عليه وسلم- فحبسهم أيامًا، ثم خلَّى سبيلهم، فأتوا النعمان، فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان. قال النعمان: ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم (فإن خرج) (6) متاعكم فذاك، وإلا أخذت من ظهوركم مثل ما أخذت من ظهورهم. فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: هذا حكم الله، وحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
رواه أبو داود (7) والنسائي (8).
__________
(1) الوصيف: العبد، والأمة: وصيفة، وجمعهما: وصفاء ووصائف، يريد يكثر الموت حتى يصير موضع قبرٍ يُشترى بعبدٍ، وقبر الميت: بيته. النهاية (3/ 191).
(2) المسند (5/ 149، 163).
(3) سنن أبي داود (4/ 142 رقم 4409).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 1308 رقم 3958).
(5) في "الأصل": العلاكين. والمثبت من سنني أبي داود والنسائي، والكلاعي -بفتح الكاف، وفي آخره العين المهملة- هذه النسبة إلى قبيلة، يقال لها: كلاع. الأنساب (5/ 118).
(6) في "الأصل": فأخرج. والمثبت من سنن أبي داود.
(7) سنن أبي داود (4/ 135 رقم 4382) واللفظ له.
(8) سنن النسائي (8/ 66 رقم 4889).

(5/481)


6270 - عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلاً في تهمةٍ، ثم خلَّى عنه".
رواه الإمام أحمد (1) والترمذي (2) والنسائي (3)، واللفظ للترمذي، وقال: حديث حسن.

67 - باب
6271 - عن المسور بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يغرم صاحب سرقةٍ إذا أُقيم عليه الحد".
رواه النسائي (4)، وقال: هذا مرسل، وليس بثابت.
يعني: أن المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن (5) لم يسمع من جده (6).

68 - باب النهي عن الدعاء على السارق
6272 - عن عائشة قالت: "سرقها سارق فدعت عليه، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تُسبِّخي عنه (7) " (8).
__________
(1) المسند (5/ 2).
(2) جامع الترمذي (4/ 20 رقم 1417).
(3) سنن النسائي (8/ 67 رقم 4891).
(4) سنن النسائي (8/ 93 رقم 4999).
(5) ترجمته في التهذيب (27/ 578 - 579).
(6) قال الدارقطني في سننه (3/ 183): المسور بن إبراهيم لم يدرك عبد الرحمن بن عوف، وإن صح إسناده كان مرسلاً، والله أعلم.
(7) أي: لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة. النهاية (2/ 332).
(8) المسند (6/ 45).

(5/482)


وفي لفظٍ (1) قالت: "سرقت مِخْنَقتي (2) فدعوت (3) على صاحبها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تسبخي عليه، دعيه بذنبه".
رواه الإمام أحمد -وهذا لفظه- وأبو داود (4)، وعنده: "سُرقت ملحَفة لها، فجعلت تدعو على من سرقها، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تسبخي يا عائشة عنه".

69 - باب في حد الخمر
6273 - عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " (لا) (5) يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن".
أخرجاه (6)، وهذا لفظ البخاري.

6274 - عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن".
رواه البخاري (7).

6275 - عن أنس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين".
__________
(1) المسند (6/ 215).
(2) المِخْنَقة والخِناق: القلادة. لسان العرب (2/ 1281).
(3) في "الأصل": فدعت. والمثبت من المسند.
(4) سنن أبي داود (2/ 80 رقم 1497).
(5) سقطت من "الأصل".
(6) البخاري (12/ 59 رقم 6772)، ومسلم (1/ 76 رقم 57).
(7) صحيح البخاري (12/ 82 رقم 6782).

(5/483)


أخرجاه (1) أيضًا وزاد مسلم: "ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر -ودنا الناس من الريف والقرى- قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن نجعلها كأخف الحدود. قال: فجلد عمر ثمانين".
وفي لفظٍ (2): "فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين. فأمر به عمر".

6276 - عن أبي هريرة: "أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ قد شرب، قال: اضربوه. قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله. قال: لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان".
رواه البخاري (3).
وفي لفظٍ (4): "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".
رواه أبو داود (5) وزاد فيه: قال بعد الضرب: "ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بِكِّتوه (6). فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله، ما خشيت الله، وما استحييت من رسول الله! ثم أرسلوه". وقال في آخره: ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".

6277 - عن السائب بن يزيد قال: "كنا نُؤتى بالشارب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإمرة أبي بكر (و) (7) صدرًا من خلافة عمر -رضي الله عنهما- فنقوم
__________
(1) البخاري (12/ 64 رقم 6773)، ومسلم (3/ 1331 رقم 1706/ 36).
(2) صحيح مسلم (3/ 1330 رقم 1706/ 35).
(3) صحيح البخاري (12/ 67 رقم 6777).
(4) صحيح البخاري (12/ 77 رقم 6781).
(5) سنن أبي داود (4/ 163 رقم 4478).
(6) التبكيت: التقريع والتوبيخ، يقال له: يا فاسق أما استحييت، أما اتقيت الله. قال الهروي: وقد يكون باليد والعصا ونحوه. النهاية (1/ 148).
(7) من صحيح البخاري.

(5/484)


إليه بأيدينا وبنعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر فجعله أربعين، حتى (إذا) (1) عتوا وفسقوا جلد ثمانين".
رواه البخاري (2).

6278 - عن عقبة بن الحارث: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي بالنعيمان -أو بابن النعيمان- وهو سكران فشق عليه، وأمر من في البيت أن يضربوه بالجريد والنعال، فكنت أنا فيمن ضربه".
رواه البخاري (3).

6279 - عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- "أن رجلاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله، وكان يلقب: حِمارًا، وكان يضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا فأمر به فجلد، قال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى (به) (1). فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تلعنوه (4)، فوالله ما علمت إنه (5) يحب الله ورسوله".
رواه البخاري (6).

6280 - عن عمير بن سعيد النخعي قال: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "ما كنت لاقيم حدًّا على أحدٍ فيموت، فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر،
__________
(1) من صحيح البخاري.
(2) صحيح البخاري (12/ 67 رقم 6779).
(3) صحيح البخاري (12/ 67 رقم 6775).
(4) تحرفت في "الأصل" إلى: تعلنوه.
(5) كذا للأكثر بكسر همزة "إن" ويجوز على رواية ابن السكن الفتح والكسر. فتح الباري (12/ 79)، وقد أفاض الحافظ في توضيح المعنى، وذكر الخلاف في شرح هذا القسم. فراجعه.
(6) صحيح البخاري (12/ 77 رقم 6780).

(5/485)


فإنه لو مات وديته (1)، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لم) (2) يسنه".
أخرجاه في الصحيحين (3).

6281 - عن حُضَيْن بن المنذر أبو (4) ساسان قال: شهدتُ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أُتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا علي، قم فاجلده. فقال علي: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولِّ حارها من تولى قارها (5). -فكأنه وجد عليه- فقال: يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده. فجلده، وعلي يعدُّ حتى بلغ أربعين، فقال: أمْسِك. ثم قال: جلد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة، وهذا أحب إليَّ".
رواه مسلم (6).

6282 - عن عُبيد الله بن عدي بن الخيار "أنه قال لعثمان: قد أكثر الناس في (شأن) (7) الوليد ... " فذكر كلامًا وفيه " ... فأما ما ذكرت في شأن الوليد بن
__________
(1) أي: أعطيت ديته لمن يستحق قبضها. فتح الباري (12/ 69).
(2) من الصحيحين، وقوله: "وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسنه" أي: لم يسن فيه عددًا معينًا. فتح الباري (12/ 69).
(3) البخاري (12/ 67 رقم 6778)، ومسلم (3/ 1332 رقم 1707/ 39).
(4) كذا في "الأصل": ولها وجه، والله أعلم.
(5) جعل الحرَّ كناية عن: الشر والشدة، والبرد كناية عن: الخير والهَيْن، والقارُّ: فاعل من الِقُرِّ: البرد، أراد: وَلِّ شرها من تولى خيرها، وولِّ شديدها من تولى هَيْنَها. النهاية (4/ 38).
(6) صحيح مسلم (3/ 1331 - 1332 رقم 1707/ 38).
(7) من صحيح البخاري.

(5/486)


عقبة فسنأخذ فيه -إن شاء الله- بالحق، قال: فجلد الوليد أربعين جلدة، وأمر عليًّا أن يجلده، فكان هو يجلده".
كذا رواه البخاري (1).
وفي لفظٍ له (2): "ثم دعا عليًّا -رضي الله عنه- فجنده ثمانين".

6283 - عن أبي سعيد الخدري قال: "أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل نَشْوان (3)، فقال: إني لم أشرب خمرًا، إنما شربت زبيبًا وتمرًا في دُبَّاءة. قال: فأمر به فَنُهِزَ (4) بالأيدي وخفق بالنعال، ونهى عن الدُّباء (5)، ونهى عن الزبيب والتمر -يعني: أن يُخلطا".
رواه الإمام أحمد (6).

6284 - عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وهو يتخلل الناس، يسأل عن رحل خالد بن الوليد، فأُتي بسكران، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان عنده أن يضربوه بما كان في أيديهم، فمنهم من ضربه بنعله، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بسوط، وحثا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب".
__________
(1) صحيح البخاري (7/ 226 رقم 3872).
(2) صحيح البخاري (7/ 66 رقم 3696).
(3) الانتِشاء: أول السُّكر ومقدماته، وقيل: هو السُّكر نفسه، ورجل نشوان: بيِّن النَّشْوة. النهاية (5/ 60).
(4) نهزه نهزًا: دفعه وضربه، مثل نكزه ووكزه. لسان العرب (6/ 4557).
(5) الدُّباء: القرع، واحدها دباءة، كانوا ينتبذون فيها فتُسرع الشدة في الشراب، وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام ثم نسخ وهو المذهب، وذهب مالك وأحمد إلى بقاء التحريم. النهاية (2/ 96).
(6) المسند (3/ 34).

(5/487)


رواه الإمام أحمد (1) -وهذا لفظه- وأبو داود (2)، وفي لفظٍ له (3) قال: "أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بشارب -وهو بحنين- فحثى في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم، وما كان في أيديهم (حتى) (4) قال لهم: ارفعوا. فرفعوا، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين، ثم جلد عمر أربعين صدرًا من إمارته، ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، ثم جلد عثمان الحدين كليهما (5) ثمانين وأربعين، ثم أثبت معاوية الحد ثمانين".

6285 - عن ابن عباس: "أن الشرَّاب كانوا يُضرَبُونَ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأيدي والنعال والعصي، حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر بعد فجلدهم كذلك أربعين، حتى أتى برجل من المهاجرين الأولين، وقد شرب (فأمر به أن يجلد) (6) فقال: لِمَ تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله (فقال عمر: وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك؟ فقال له:) (6) يقول الله تعالى في كتابه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (7) الآية، فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، (والله يحب المحسنين) (6) شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرًا وأُحدًا
__________
(1) المسند (4/ 88، 350) وكأن لفظ "الأصل" مجموع من حديثين، والله أعلم.
(2) سنن أبي داود (4/ 165 - 166 رقم 4487).
(3) سنن أبي داود (4/ 166 رقم 4488).
(4) من سنن أبي داود.
(5) في "الأصل": كلاهما. والمثبت من سنن أبي داود.

6285 - خرجه الضياء في المختارة (11/ 307 - 308 رقم 310) مختصرًا، ولفظه عن ابن عباس قال: "كان الشراب يضربون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأيدي والنعال والعصي".
(6) من سنن الدارقطني.
(7) سورة المائدة، الآية: 39.

(5/488)


والخندق والمشاهد. فقال عمر: ألا تردون عليه ما يقول؟ فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرًا (للماضين) (1) وحجة على الناس (2)؛ لأن الله -تعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِر) (3) الآية. ثم قرأ حتى أنفذ الآية الأخرى فإن كان من (الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الآية فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر. فقال عمر: صدقت، ماذا ترون؟ قال علي -رضي الله عنه--: إنه إذا شرب (سكر، و) (4) إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة. فأمر به عمر -رضي الله عنه- فجلد ثمانين".
رواه الدارقطني (5).

6286 - عن ابن عمر قال: "أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسكران فضربه الحد ثم قال: ما شرابك؟ قال: زبيب وتمر. فقال: لا تخلطوهما، يكفي (كل) (6) واحد منهما من صاحبه".
رواه الإمام أحمد (7).

70 - باب فيمن جلد بوجود ريح المسكر منه
6287 - عن علقمة قال: "كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أنزلت. قال: قرأت على رسول الله، فقال: أحسنت. فوجد
__________
(1) في "الأصل": لمن صبر. والمثبت من سنن الدارقطني.
(2) في سنن الدارقطني: المنافقين.
(3) سورة المائدة، الآيتان: 90، 91.
(4) في "الأصل" سكرًا. والمثبت من سنن الدارقطني.
(5) سنن الدارقطني (3/ 166 رقم 245).
(6) من المسند.
(7) المسند (2/ 58).

(5/489)


منه ريح الخمر، فقال: أتجمع أن تُكذِّب بكتاب الله وتشرب الخمر. فضربه الحد".
أخرجاه (1)، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: عن عبد الله قال: "كنت بحمص فقال لي بعض القوم: اقرأ علينا. فقرأت عليهم سورة يوسف، قال: فقال رجل من القوم: واللَّه ما هكذا أنزلت. قال: قلت: ويحك، واللَّه لقد قرأتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: أحسنت. فبينا أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر. قال: فقلت: أتشرب الخمر وتُكذِّب بالكتاب، لا تبرح حتى أجلدك. قال: فجلده (2) الحد".

6288 - عن السائب بن يزيد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- "أنه جلد رجلاً وجد منه ريح شراب الحد تامًّا".
رواه الدارقطني (3).

71 - باب الأمر بقتل شارب الخمر بعد الرابعة وذكر نسخه
6289 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من (4) سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه. قال الزهري: فأُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل سكران في الرابعة فخلى سبيله" (5).
__________
(1) البخاري (8/ 662 رقم 5001)، ومسلم (1/ 551 - 552 رقم 801).
(2) في صحيح مسلم: فجلدته.
(3) سنن الدارقطني (4/ 248 رقم 6).
(4) في المسند: إن.
(5) المسند (2/ 129).

(5/490)


وفي لفظٍ (1): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، فإن شرب في الرابعة فاقتلوه".
رواه الإمام أحمد -وهذا لفظه- وأبو داود (2) والنسائي (3) وابن ماجه (4).

6290 - وعن معاوية بن أبي سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في شارب الخمر: "إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في الثالثة فاجلدوه، ثم إذا شرب الرابعة فاضربوا عنقه".
رواه الإمام أحمد (5) -وهذا لفظه- وأبو داود (6) وابن ماجه (7) والترمذي (8)، وقال: وإنما كان هذا في أول الأمر ثم نُسِخ بعد، هكذا روى محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد (في الرابعة) (9) فاقتلوه. ثم أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله". وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا، قال: "فرُفع القتل، وكانت رخصة".

6291 - رواه أبو داود (10) عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شرب
__________
(1) المسند (2/ 280).
(2) سنن أبي داود (4/ 164 - 165 رقم 4484).
(3) سنن النسائي (8/ 314 رقم 5678).
(4) سنن ابن ماجه (2/ 859 رقم 2572).
(5) المسند (4/ 96).
(6) سنن أبي داود (4/ 164 رقم 4482).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 859 رقم 2573).
(8) جامع الترمذي (4/ 39 - 40 رقم 1444).
(9) تكررت في "الأصل".
(10) سنن أبي داود (4/ 165 رقم 4485).

(5/491)


الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه. فأُتي برجل قد شرب فجلده، ثم أُتي به فجلده، ثم أُتي به فجلده (ثم أُتي به فجلده) (1) ورُفع القتل وكانت رخصة".
قال سفيان: حَدَّث الزهري بهذا الحديث وعنده منصور بن المعتمر ومخول ابن راشد، فقال لهما: كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث.
قلت: وقبيصة بن ذؤيب (2) ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه لم يصحبه.

6292 - عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن شربها فاجلدوه، فإن شربها فاجلدوه. فقال في الخامسة أو الرابعة: فاقتلوه".
رواه الإمام أحمد (3) -وهذا لفظه- وأبو داود (4).

6293 - عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخمر إذا شربوها فاجلدوهم، ثم إذا شربوها فاجلدوهم، ثم إذا شربوها فاقتلوهم عند الرابعة".
رواه الإمام أحمد (5)، وفي لفظٍ له (6): قال عبد الله: "ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم عليَّ أن أقتله".

6294 - عن شرحبيل بن أوس -وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه".
__________
(1) من سنن أبي داود.
(2) ترجمته في التهذيب (23/ 476 - 481).

6292 - خرجه الضياء في المختارة (5/ ق 219 - ب).
(3) المسند (2/ 136).
(4) سنن أبي داود (4/ 164 رقم 4483).
(5) المسند (2/ 166).
(6) المسند (2/ 191).

(5/492)


رواه الإمام أحمد (1).

6295 - عن ديلم الحميري قال: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، إنا بأرض نعالج فيها عملاً شديدًا، وإنا نتخذ شرابًا من القمح نتقوى به على أعمالنا، وعلى برد بلادنا. قال: هل يُسكر؟ قال: نعم. قال: فاجتنبوه. قال: ثم جئت من بين يديه، فقلت له مثل ذلك، فقال: هل يُسكر؟ قلت: نعم. قال: فاجتنبوه. قلت: إن الناس غير تاركيه. قال: فإن لم يتركوه فاقتلوهم".
رواه الإمام أحمد (2).

6296 - عن عمرو بن الشريد، أن أباه حدثه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا شرب الرجل فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه -أربع مرار، أو خمس مرار- ثم إذا شرب فاقتلوه".
رواه الإمام أحمد (3).

72 - باب
6297 - عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَقِتْ (4) في الخمر حداً قال ابن عباس: (شرب رجل فسكر، فلُقي يميل في فجٍّ، فانطلق به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: " فلما حاذى بدار عباس) (5) انفلت فدخل على عباس، فالتزمه من ورائه، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فضحك، وقال: قد فعلها.
__________
(1) المسند (4/ 234).
(2) المسند (2/ 232).
(3) المسند (4/ 388 - 389).

6297 - خرجه الضياء في المختارة (12/ 253 - 254 رقم 282 - 284).
(4) أي: لم يُقدره ولم يحده بعددٍ مخصوص. النهاية (5/ 212).
(5) من المسند.

(5/493)


ثم لم يأمرهم فيه بشيء".
رواه الإمام أحمد (1) -وهذا لفظه- وأبو داود (2)، وقال: هذا مما تفرد به أهل المدينة.

73 - باب في حد القذف
6298 - عن عمرة (3)، عن عائشة قالت: "لما نزل عذري قام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وذكر ذلك، وتلا -يعني القرآن- فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم".
رواه الإمام أحمد (4) وأبو داود (5) والنسائي (6) وابن ماجه (7) والترمذي (8)، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق. وهذا لفظ أبي داود.
وروى (9) من رواية محمد بن إسحاق بهذا الحديث لم يذكر عائشة قال:
__________
(1) المسند (1/ 322).
(2) سنن أبي داود (4/ 162 رقم 4476).
(3) في "الأصل": عمرو. والمثبت من المسند والسنن، وعمرة هي بنت عبد الرحمن بن سعد ابن زرارة الأنصارية، وكانت في حجر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه. ترجمتها في التهذيب (35/ 124 - 243).
(4) المسند (6/ 35).
(5) سنن أبي داود (4/ 162 رقم 4474).
(6) السنن الكبرى (4/ 325 رقم 7351).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 857 رقم 2567).
(8) جامع الترمذي (5/ 314 رقم 3181).
(9) سنن أبي داود (4/ 162 رقم 4475).

(5/494)


"فأمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة".
قال النفيلي (1): ويقولون: المرأة حمنة بنت جحش.

74 - باب في التعزير (2)
6299 - عن أبي بُردة (3) الأنصاري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله".
أخرجاه في الصحيحين (4).

6300 - عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال الرجل للرجل: يا يهودي. فاضربوه عشرين، وإذا قال: أي (5) مخنث. فاضربوه عشرين، ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه".
رواه الترمذي (6) -وهذا لفظه- وابن ماجه (7) قال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن إسماعيل -هو ابن أبي حبيبة- يُضعف في الحديث.
__________
(1) هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل أبو جعفر النفيلي، شيخ أبي داود. ترجمته في التهذيب (16/ 88 - 92).
(2) أصل التعزيز: المنع والرد، وقيل للتأديب الذي هو دون الحد تعزير؛ لأنه يمنع الجاني أن يعاود الذنب. النهاية (3/ 228).
(3) هو أبو بردة بن نيار البلوي حليف الأنصار - رضي الله عنه - شهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترجمته في التهذيب (33/ 71 - 72).
(4) البخاري (12/ 182 رقم 6848)، ومسلم (3/ 1332 - 1333 رقم 1708).
(5) في جامع الترمذي: يا.
(6) جامع الترمذي (4/ 51 رقم 1462).
(7) سنن ابن ماجه (2/ 857 - 858 رقم 2568).

(5/495)


ولفظ ابن ماجه: "إذا قال الرجل للرجل: يا مخنث. فاجلدوه عشرين، وإذا قال الرجل للرجل: يا لوطي. فاجلدوه عشرين".

6301 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعزروا فوق عشرة أسواط".
رواه ابن ماجه (1) من رواية إسماعيل بن عياش (2) عن عباد بن كثير (3)، وكلاهما قد تُكلم فيه.

75 - باب كراهية إِقامة الحدود في المساجد
6302 - عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد فيها".
رواه الإمام أحمد (4) -وهذا لفظه- وأبو داود (5).

6303 - عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقام الحدود في المساجد".
رواه ابن ماجه (6) والترمذي (7)، وقال: هذا حديث لا نعرفه بهذا الإسناد مرفوعًا إلا من حديث إسماعيل بن مسلم (8)، واسماعيل بن مسلم المكي قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه.
__________
(1) سنن ابن ماجه (2/ 867 - 868 رقم 2602).
(2) ترجمته في التهذيب (3/ 163 - 181).
(3) ترجمته في التهذيب (14/ 145 - 150).
(4) المسند (3/ 434).
(5) سنن أبي داود (4/ 167 رقم 4490).
(6) سنن ابن ماجه (2/ 867 رقم 2599).
(7) جامع الترمذي (4/ 12 رقم 1401).
(8) ترجمته في التهذيب (3/ 198 - 204).

(5/496)


6304 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن جلد (1) الحد في المسجد".
رواه ابن ماجه (2) من رواية ابن لهيعة، وقد تقدم (3) القول فيه.

76 - باب الحد كفارة
6305 - عن عبادة بن الصامت قال: "أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ على النساء -ألا نشرك باللَّه شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا يعضه (4) بعضنا بعضًا، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أتى منكم حدًّا فأقيم عليه فهو كفارته، ومن ستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" (5). رواه مسلم (6).

6306 - عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أذنب في الدنيا ذنبًا فعُوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبًا في الدنيا فستر الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم أن يعود في شيء قد عفا عنه".
رواه الإمام أحمد (7) وابن ماجه (8) والترمذي (9) وقال: حديث حسن
__________
(1) في سنن ابن ماجه: إقامة.
(2) سنن ابن ماجه (2/ 867 رقم 2600).
(3) عند الحديث رقم (60).
(4) أي: لا يرميه بالعَضِيهة، وهي البهتان والكذب. النهاية (3/ 254).
(5) تقدم هذه الحديث وأنه متفق عليه، برقم (6093).
(6) صحيح مسلم (3/ 1333 رقم 1709).

6306 - خرجه الضياء في المختارة (2/ 384 - 385 رقم 767 - 770).
(7) المسند (1/ 99).
(8) سنن ابن ماجه (2/ 868 رقم 2604).
(9) جامع الترمذي (5/ 17 - 18 رقم 2626).

(5/497)


غريب (1)
سُئِل عنه الدارقطني (2) فقال: روي موقوفاً ومرفوعًا. قال: ورفعه صحيح.

77 - باب في المحاربين
6307 - عن أبي قلابة الجرمي، عن أنس قال: "قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - نفر من عكل، فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا؛ فصحوا، وارتدوا وقتلوا رعاءها، واستاقوا (الإبل) (3) فبعث في آثارهم، فأُتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَلَ (4) أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا" (5).
وفي لفظٍ (6): عن أنس قال: "قدم رهط من عكل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانوا في الصفة، فاجتووا المدينة، فقالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبغنا رِسْلاً (7)؟ قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأتوها فشربوا من ألبانها
__________
(1) كذا في تحفة الأشراف (7/ 457 رقم 10312) وتحفة الأحوذي (7/ 378 رقم 2761) والمختارة، وفي جامع الترمذي وعارضة الأحوذي (10/ 93): حديث حسن غريب صحيح.
(2) العلل الواردة في الأحاديث (3/ 128 - 129 رقم 316).
(3) من صحيح البخاري.
(4) أي: فقأها بحديدة مُحماة أو غيرها، وقيل: هو فقؤها بالشوك، وهو بمعنى السَّمْر، وإنما فعل بهم ذلك لأنهم فعلوا بالرعاة مثله وقتلوهم، فجازاهم على صنيعهم بمثله، وقيل: إن هذا كان قبل أن تنزل الحدود، فلما نزلت نهى عن المثلة. النهاية (2/ 403).
(5) صحيح البخاري (12/ 111 رقم 6802).
(6) صحيح البخاري (12/ 113 رقم 6804).
(7) الرِّسْل: هو اللبن. النهاية (2/ 222).

(5/498)


وأبوالها، حتى صحوا وسمنوا، وقتلوا الراعي واستاقوا الذَّوْد (1)، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصريخ، فبعث الطلب في آثارهم، فما تَرجَّل النهار (2) حتى اُتي بهم، فأمر بمسامير أحميت فكحلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم، وما حسمهم، ثم أُلقوا في الحرة يستسقون، فما سقوا حتى ماتوا.
قال أبو قلابة: سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله".
أخرجاه (3) واللفظ فيهما للبخاري.
وفي لفظٍ له (4): قال قتادة: "بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذاك كان يحث على الصدقة، وينهى عن المثلة".
وفي لفظٍ له (5) أيضًا: "قال قتادة: فحدثني ابن سيرين أن ذلك قبل أن تنزل الحدود".
وفي لفظٍ لمسلم (6): عن عبد العزيز بن صهيب وحميد عن أنس بن مالك: "أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة، فتشربوا من ألبانها وأبوالها. ففعلوا فصحوا، ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام،
__________
(1) الذَّوْد من الإبل: ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى العشر، واللفظة مؤنثة، ولا واحد لها من لفظها كالنعم، وقال أبو عبيد: الذود من الأناث دون الذكور. النهاية (2/ 171).
(2) أي: ما ارتفع النهار، تشبيهًا بارتفاع الرَّجُل عن الصبى. النهاية (2/ 203).
(3) مسلم (3/ 1296 - 1298 رقم 1671).
(4) صحيح البخاري (7/ 524 رقم 4192).
(5) صحيح البخاري (10/ 149 رقم 5686).
(6) صحيح مسلم (3/ 1296 رقم 9/ 1671).

(5/499)


واستاقوا ذود رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فبعث في أثرهم، فأُتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا".
وفي لفظٍ له (1): عن معاوية بن قرة، عن أنس قال: "أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من عرينة، فأسلموا وبايعوا، وقد وقع بالمدينة المُوم (2) وهو البرْسام (3) "، وفيه: "وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين، فأرسلهم إليهم، وبعث معهم قائفًا يقتص آثارهم".
وله (4): عن سليمان التيمي، عن أنس قال: "إنما سمل (5) النبي - صلى الله عليه وسلم - أعين أولئك؛ لأنهم سملوا (5) أعين الرعاة".
6307 م- وعن أبي قلابة، عن أنس بن مالك بهذا الحديث قال فيه: "فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبهمِ قافة، فأُتي بهم، قال: فأنزل الله -تبارك وتعالى- في ذلك {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (6) الآية".
رواه أبو داود (7).
__________
(1) صحيح مسلم (3/ 1298 رقم 1671/ 13).
(2) في "الأصل": الموت. والمثبت من صحيح مسلم، والمُوم: هو البرْسام مع الحُمَّى، وقيل: هو بثر أصغر من الجُدري. النهاية (4/ 373).
(3) بكسر الباء، وسين مهملة، وهو مرض معروف، وورم في الدماغ يغير من الإنسان ويهذي به. مشارق الأنوار (1/ 85).
(4) صحيح مسلم (3/ 1298 رقم 14/ 1671).
(5) وقعتا في "الأصل" بالشين المعجمة.
(6) سورة المائدة، الآية: 33.
(7) سنن أبي داود (4/ 131 رقم 4366).

(5/500)


وله (1): عن ثابت وقتادة وحميد عن أنس بن مالك ذكر هذا الحديث قال أنس: "لقد رأيت أحدهم يَكدِم (2) الأرض بفيه عطشًا حتى ماتوا".
وله (3): عن قتادة عن أنس بن مالك بهذا الحديث نحوه زاد: "ثم نهى عن المثلة".

6308 - عن أبي الزناد، عن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، عن ابن عمر: "أن ناسًا أغاروا على إبل النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا، فبعث في آثارهم، فأُخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، قال: ونزلت فيهم آية المحاربة، وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج حين سأله".
رواه أبو داود (4) -وهذا لفظه- والنسائي (5).

6309 - ولهما (6) عن أبي الزناد: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قطع الذين سرقوا لقاحه، وسمل أعينهم بالنار، عاتبه الله -تبارك وتعالى- في ذلك؛ فأنزل الله - تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} (7) الآية".
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 131 رقم 4367).
(2) بفتح الياء، وكسر الدال، أي: يعضها بفيه من شدة الألم أو شدة العطش. مشارق الأنوار (1/ 337).
(3) سنن أبي داود (4/ 131 رقم 4368).

6308 - خرجه الضياء في المختارة (5/ ق 169 - ب).
(4) سنن أبي داود (4/ 131 رقم 4369).
(5) سنن النسائي (7/ 100 رقم 4052) مختصرًا.
(6) أبو داود (4/ 131 - 132 رقم 4370)، والنسائي (7/ 100 رقم 4053).
(7) سورة المائدة، الآية: 33.

(5/501)


6310 - عن عكرمة، عن ابن عباس قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} إلى {غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يُقام فيه الحد الذي أصابه".
رواه أبو داود (2) -وهذا لفظه- والنسائي (3).

6311 - وعن ابن عباس "في قطاع الطريق: إذا قَتَلوا وأخذوا المال قُتِلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قُتِلوا ولم يصلبوا، إذا أخذوا المال ولم يقتلوا قُطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، إذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نُفوا من الأرض".
رواه الإمام الشافعي (4).

78 - باب في البغاة والخوارج
6312 - عن سويد بن غفلة قال علي -رضي الله عنه-: "إذا حدثتكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا، فواللَّه لأن أخِرّ من السماء أحب إليَّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة (5)، وإني سمعت
__________
6310 - خرجه الضياء في المختارة (12/ 318 - 319 رقم 350، 351).
(1) سورة المائدة، الآيتان: 33، 34.
(2) سنن أبي داود (4/ 132 رقم 4372).
(3) سنن النسائي (7/ 101 رقم 4057).
(4) مسند الشافعي ص (336).
(5) قال القاضي عياض: قوله "الحرب خدعة" بفح الخاء وسكون الدال، كذا للهروي وأكثر الرواة للصحيحين، وضبطها الأصيلي بضم الخاء، وهما صحيحان، قال أبو ذر=

(5/502)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: سيخرج قوم في آخر الزمان (1) حُدَّاث (2) الأسنان سفهاء (3) الأحلام يقولون من خير قول البرية (4)، (لا) (5) يجاوز إيمانهم حناجرهم،
__________
=الهروي: وبفتحها لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبالفتح وحده قالها الأصمعي وغيره، وحكى يونس فيها الوجهين، ووجها ثالثاً: "خُدَعة" بالضم وفتح الدال، ورابعًا: "خَدَعة" بفتحهما، فمن قال خَدْعة -بفتح الخاء وسكون الدال- أي: ينقضي أمرها بخدعة واحدة، أي: من خُدع فيها خدعة زلت قدمه ولم يُقل، فلا يؤمن شرها، وليتحفظ من مثل هذا. ومن قاله بضم أولها وسكون ثانيها فمعناه: أنها تخدع أهل الحرب ومباشريها، ومن قاله بضم الأول وفتح الثاني فمعناه: أنها تخدع من اطمأن إليها، وأن أهلها كذلك. ومن فتحهما بهذا المعنى، أي: أهلها بهذه الصفة فلا يطمأن إليهم، فحذف أهلها وأقام الحرب مقامهم، كما قال: (وَسْئَل القرية) وخَدَعة جمع: خادع، وقد يرجع خدعة إلى صفة الحرب نفسها، أي: أن أمورها وتدبيراتها كذلك، وأصل الخداع: إظهار خلاف ما يكتم، ومنه خبر الذي كان يُخدع في البيوع، أي: يُكتم عيوب ما يشتري أو قيمته. مشارق الأنوار (1/ 231).
(1) وهذا قد يخالف حديث أبي سعيد الخدري الآتي رقم (6317) ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان: زمان النبوة؛ فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعًا "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا". وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وعشرين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -. فتح الباري (12/ 300).
(2) بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين، وبعد الألف مثلثة، أي: شبان صغار السن، ولأبي ذر عن الكشميهني: أحداث الأسنان. إرشاد الساري (10/ 85).
(3) في "الأصل": سماه. وسفاه وسفهاء جمع سفيه، لكن الرواية في صحيح البخاري: "سفهاء" والأحلام: جمع الحلم -بكسر الحاء المهملة- وهو العقل، أي: عقولهم رديئة. إرشاد الساري (10/ 85).
(4) البريَّة -بتشديد التحتية-: الناس، قيل: المراد من قول خير البرية، أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو من باب المقلوب، وقال في الكواكب أي: خير أقوال الناس أو خير من قول البرية يعني: القرآن. قال في العمدة: فعلى هذا ليس بمقلوب، والمراد القول الحسن في الظاهر والباطن على خلاف ذلك. إرشاد الساري (10/ 85).
(5) في "الأصل": لم. والمثبت من صحيح البخاري.

(5/503)


يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (1)، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة".
أخرجاه (2)، وهذا لفظ البخاري.

6313 - عن زيد بن وهب الجهني "أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي -رضي الله عنه- الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي: أيها الناس، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء (ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء (3) يقرءون القرآن، يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لاتَّكلوا عن العمل، وآية ذلك أن (فيهم) (4) رجلاً له عضد، ليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض. فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم، والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم؛ فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح (5) الناس، فسيروا على اسم الله. قال سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلًا منزلًا (6)، حتى قال: مررنا على قنطرة، فلما
__________
(1) أي: يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه، كما يخرق السهمُ الشيءَ المرمي به ويخرج منه. النهاية (4/ 320).
(2) البخاري (12/ 295 رقم 6930)، ومسلم (2/ 746 - 747 رقم 1066).
(3) من صحيح مسلم.
(4) في "الأصل": فيه. والمثبت من صحيح مسلم.
(5) السرح: الإبل والمواشي التي تسرح بالغداة، وهي السارحة. مشارق الأنوار (2/ 212).
(6) في صحيح مسلم: منزلاً. مرة واحدة، قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ "منزلاً" مرة واحدة، وفي نادر منها "منزلا منزلا" مرتين، وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، وهو وجه الكلام، أي: ذكر لي مراحلهم بالجيش منزلًا منزلًا حتى بلغ=

(5/504)


التقينا، وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي، فقال لهم: ألقوا رماحكم، وسلوا سيوفكم من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، شرجعوا فوَّحشوا (1) برماحهم، وسلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم، قال: وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من الناس (2) يومئذ إلا رجلان، فقال علي -رضي الله عنه-: التمسوا فيهم المخدج. فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي بنفسه حتى أتى أناسًا قد قُتل بعضهم على بعض، فقال: أخرجوهم (3). فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر، ثم قال: صدق الله، وبَلَّغ رسوله. قال: فقام إليه عَبيدة السلْماني، فقال: يا أمير المؤمنين، أللَّه الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: إي والذي لا إله إلا هو. حتى استحلفه (4) ثلاثًا وهو يحلف له".
رواه مسلم (5).

6314 - عن عبيدة، عن علي قال: "ذكر الخوارج، فقال: فيهم رجل مخدج
__________
=القنطرة التي كان القتال عندها، وهي قنطرة الدبرجان، كذا جاء مبيناً في سنن النسائي، وهناك خطبهم علي - رضي الله عنه - وروى لهم هذه الأحاديث. شرح صحيح مسلم (5/ 32).
(1) بتشديد الحاء، أي: رموا بها بعيداً، بدليل قوله بعد: "واستلوا السيوف". مشارق الأنوار (2/ 281).
(2) يعني: من أصحاب علي -رضي الله عنه-. شرح صحيح مسلم (5/ 32 - 33).
(3) في صحيح مسلم: أخروهم.
(4) قال النووي: إنما استحلفه ليُسمع الحاضرين، ويؤكد ذلك عندهم، ويُظهر لهم المعجزة التي أخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويظهر لهم أن عليًّا وأصحابه أولى الطائفتين بالحق، وأنهم محقون في قتالهم وغير ذلك مما في هذه الأحاديث من الفوائد. شرح صحيح مسلم (5/ 33).
(5) صحيح مسلم (2/ 748 - 749 رقم 1066/ 156).

(5/505)


اليد -أو مُودَن اليد، أو مثدون اليد (1) - لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: أنت سمعته من محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة".
رواه مسلم (2).

6315 - وروى (3) عن عُبيد الله بن أبي رافع -مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- "أن الحرورية لما خرجت -وهو مع علي بن أبي طالب- قالوا: لا حكم إلا للَّه. فقال علي -رضي الله عنه-: كلمة حق أُريد بها باطل، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف ناسًا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم -وأشار إلى حلقه- مِن أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طُبْي (4) شاة -أو حلمة ثدي- فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال: انظروا. فنظروا فلم يجدوا شيئًا، فقال: ارجعوا، فواللَّه ما كَذَبت ولا كُذِبت -مرتين أو ثلاثًا- ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم، وقول علي فيهم".

6316 - عن أبي سلمة وعطاء بن يسار "أنهما أتيا أبا سعيد الخدري، فسألاه عن
__________
(1) قال النووي: أما المخدج: فبضم الميم، وإسكان الخاء المعجمة، وفتح الدال، أي: ناقص اليد، والمُودَن: بضم الميم، وإسكان الواو، وفتح الدال، ويقال بالهمز وبتركه، وهو ناقص اليد، ويقال أيضًا: ودين. والمَثْدون: بفتح الميم، وثاء مثلثة ساكنة، وهو صغير اليد مجتمعها، كثندوة الثدي -وهو بفتح الثاء بلا همز، وبضمها مع الهمز، وكان أصله: مثنود، فقدمت الدال على النون: كما قالوا: جبذ وجذب، وعاث في الأرض وعثا. شرح صحيح مسلم (5/ 31 - 32).
(2) صحيح مسلم (2/ 747 رقم 1066/ 155).
(3) صحيح مسلم (2/ 749 رقم 1066/ 157).
(4) بضم الطاء، وسكون الباء بواحدة، هو ثديها. مشارق الأنوار (1/ 318).

(5/506)


الحرورية: هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرها؟ قال: لا أدري مَنْ الحرورية، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يخرج في هذه الأمة -ولم يقل منها- قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، فيقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم -أو حناجرهم (1) - يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه، إلى نصله، إلى رصافه (2)، فيتمارى في الفوقة (3) هل علق بها من الدم شيء".
أخرجاه (4)، واللفظ لمسلم.

6317 - وعن أبي سلمة، عن أبي سعيد قال: "بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقسم (5) جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله. فقال: ويلك، من يعدل إذا لم أعدل؟ قال عمر بن الخطاب: (ائذن لي فأضرب) (6) عنقه. قال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى قذذه (7) فلا يوجد فيه شيء، (ثم ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم
__________
(1) قال القاضي: فيه تأويلان: أحدهما: معناه لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه، ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق، إذ بهما تقطيع الحروف. والثاني: لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل. شرح صحيح مسلم (5/ 18).
(2) بكسر الراء، هي العقبة التي تلوى على مدخل النصل من السهم. مشارق الأنوار (1/ 293).
(3) الفُوق -بضم الفاء- موضع الوتر من السهم، وقد يُعبر به عن السهم نفسه، يقال: فوق وفوقة. مشارق الأنوار (2/ 165).
(4) البخاري (12/ 293 - 296 رقم 6931)، ومسلم (2/ 743 - 744 رقم 1064/ 147).
(5) بفتح أوله من القسمة، كذا هنا بحذف المفعول، ووقع في رواية الأوزاعي: "يقسم ذات يوم قسمًا". فتح الباري (12/ 305).
(6) هذه رواية أبي ذر، ولغيره: دعني أضرب. إرشاد الساري (10/ 87).
(7) القُذَذ: ريش السهم، واحدتها قذة. النهاية (4/ 28).

(5/507)


ينظر إلى نضيه (1) فلا يوجد فيه شيء (2) قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل إحدى يديه -أو قال: ثدييه- مثل ثدي المرأة -أو قال: مثل البَضعة تدردر (3) - يخرجون على حين (4) فرقة من الناس. قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن عليًّا -رضي الله عنه- قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فنزلت فيهم (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) (5) ".
أخرجاه (6)، وهذا لفظ البخاري، وفي بعض نسخه "خير فرقة" وعند مسلم: "على حين فرقة" وليس عنده: قال: "فنزلت فيهم".
__________
(1) النضي: نصل السهم، وقيل: هو السهم قبل أن يُنحت إذا كان قدحًا، وهو أولى؛ لأنه قد جاء ذكر النصل بعد النضي، وقيل: هو من السهم ما بين الريش والنصل، وقالوا: سمي نضيًّا لكثرة البري والنحت، فكأنه جعل نضوًّا: أي هزيلاً. النهاية (5/ 73).
(2) من صحيح البخاري.
(3) البضعة بفتح الباء لا غير، وهي القطعة من اللحم، وتدردر: معناه تضطرب وتذهب وتجيء. شرح صحيح مسلم (5/ 25).
(4) بكسر الحاء المهملة وبعد التحتية نون، وضم فاء فرقة، أي: زمان افتراق الناس، ولأبي ذر عن المستملي: "على خير فرقة" بالخاء المعجمة وبعد التحتية راء، وفرقة بكسر الفاء. إرشاد الساري (10/ 88).
وقال القاضي عياض: "يخرجون على حين فرقة" كذا لجمهور الرواة بالحاء المهملة، وآخره نون، وضم الفاء، وعند السمرقندي والجرجاني: "خير فِرقة" بفتح الخاء المعجمة، وآخره راء، وكسر الفاء، وكلاهما صحيح في الرواية والمعنى؛ لأنهم خرجوا حين افتراق الناس بين علي ومعاوية، وحرب صفين، و"على خير فرقة من الناس" إما أن يريد الصدر الأول من الصحابة الذين خرجوا في زمانهم وعليهم، أو يريد فرقة علي -رضي الله عنه- لأنهم على إمامته خرجوا، وهو الذي قاتلهم، ويرجح هذه الرواية قوله في الحديث الآخر: "تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق". مشارق الأنوار (1/ 219).
(5) سورة التوبة، الآية: 58.
(6) البخاري (12/ 303 رقم 6933)، ومسلم (2/ 744 - 745 رقم 1064/ 148).

(5/508)


وعندهما (1): "ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت (2) إن لم أعدل".

6318 - عن عبد الرحمن بن أبي نعم: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: "بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر (3)، والأقرع بن حابس وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل (4)، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق (5) بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟! يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً. قال: فقام رجل غائر العينين (6)، مشرف الوجنتين (7)، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار. فقال: يا رسول الله، اتق الله. فقال:
__________
(1) البخاري (6/ 714 رقم 3610)، ومسلم (2/ 744 - 745 رقم 1064/ 148).
(2) قال النووي: رُوي بفتح التاء في "خبت وخسرتَ" وبضمها فيهما، ومعنى الضم ظاهر، وتقدير الفتح: لقد خبتَ أنت أيها التابع إذا كنت لا أعدل؛ لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل، والفتح أشهر، واللَّه أعلم. شرح صحيح مسلم (5/ 17).
(3) في صحيح مسلم المطبوع: عيينة بن حصن. قال النووي: في بعض النسخ: عيينة بن حصن. وفي معظمها: عيينة بن بدر. وكله صحيح؛ فحصن أبوه، وبدر جد أبيه. شرح صحيح مسلم (5/ 20).
(4) قال النووي: قال العلماء: ذكر عامر هنا غلط ظاهر؛ لأنه تُوفي قبل هذا بسنين، والصواب الجزم بأنه علقمة بن علاثة؛ كما هو مجزوم به في باقي الروايات، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (5/ 21 - 22).
(5) زاد بعدها في "الأصل": من.
(6) أي غير جاحظتين بل داخلتان في نقرتهما، والعرب تسمي العظمين اللذين فيهما المقلتان الغارين. مشارق الأنوار (2/ 140).
(7) أي: عالي عظام الخدين. مشارق الأنوار (2/ 280).

(5/509)


ويلك، أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله. قال: ثم ولَّى الرجل، فقال خالد ابن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا، لعله أن يكون يصلي. (قال خالد: وكم من مصلٍّ) (1) يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم. قال: ثم نظر إليه وهو مقف (2) فقال: إنه يخرج من ضئضئ (3) هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. قال: أظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود".
أخرجاه (4)، وهذا لفظ مسلم، وفيه ألفاظ ليست في البخاري وقد أخرجاه (5) من رواية عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد أيضًا، وفيه: "يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد". وليس فيه ذكر عامر بن الطفيل.
وللبخاري (6) من حديث معبد بن سيرين (عن) (7) أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج ناس من قِبل المشرق، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه. قيل: ما سيماهم؟ قال: سيماهم التحليق -أو قال: التسبيد (8) ".
__________
(1) من صحيح مسلم.
(2) أي: مول قد أعطانا قفاه. شرح صحيح مسلم (5/ 22).
(3) بكسر الضادين المعجمتين، وهمزة ساكنة بينهما، أي: من أصله، والضئضئ: أصل الشيء ومعدنه، وقيل: نسله. مشارق الأنوار (2/ 55).
(4) البخاري (7/ 665 - 666 رقم 4351)، ومسلم (2/ 742 رقم 1064/ 144).
(5) البخاري (13/ 426 رقم 7432)، ومسلم (2/ 741 - 742 رقم 1064/ 143).
(6) صحيح البخاري (13/ 545 رقم 7562).
(7) في "الأصل": به. والمثبت من صحيح البخاري.
(8) هو الحلاق للرءوس، كما جاء في اللفظ الآخر: "آيتهم التحليق" قيل: التسبيد: الحلق=

(5/510)


وفي لفظٍ لمسلم (1): "فقام إليه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؛ قال: لا. (ثم أدبر) (2) فقام إليه خالد -سيف الله - فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه. قال: لا".
وفي لفظٍ له (3) أيضًا: عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر قومًا يكونون في أمته، يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحالق، قال: هم شر الخلق -أو من شر الخلق- يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق (4). قال: قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق".
وفي لفظٍ له (5): "بل قتلهم أولاهم بالحق".
وفي لفظٍ له (6): "يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق (4) ".

6319 - عن يُسير بن عمرو قال: "قلت لسهل بن حنيفٍ: هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الخوارج شيئاً؟ قال: سمعته يقول -وأهوى بيده قبل العراق-: يخرج منه قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية".
أخرجاه (7)، وهذا لفظ البخاري، وعند مسلم: "قال: سمعته -وأشار بيده
__________
=واستئصال الشعر، وهذا قول الأصمعي، وقيل: ترك التدهن وغسل الرأس، وهذا قول أبي عبيد، والأول أظهر لموافقة الرواية الأخرى بالتحليق. مشارق الأنوار (2/ 204).
(1) صحيح مسلم (2/ 743 رقم 1064/ 145).
(2) من صحيح مسلم.
(3) صحيح مسلم (2/ 745 رقم 1065/ 149).
(4) في "الأصل": الخلق. والمثبت من صحيح مسلم.
(5) صحيح مسلم (2/ 746 رقم 1065/ 151).
(6) صحيح مسلم (2/ 746 رقم 1065/ 153).
(7) البخاري (12/ 303 رقم 6934)، ومسلم (2/ 750 رقم 1068/ 159).

(5/511)


نحو المشرق-: قوم يقرءون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
وفي لفظٍ له (1): عن أسير (2) بن عمرو، عن سهل بن حنيف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتيه (3) قوم قبل المشرق محلقة رءوسهم".

6320 - عن عبد الله بن عُمَر وذكر الحرورية، فقال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية".
رواه البخاري (4).

6321 - عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بعدي من أمتي -أو سيكون بعدي من أمتي- قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، (هم) (5) شر الخلق والخليقة. فقال ابن الصامت: فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم الغفاري، قلت: ما حديث سمعته من أبي ذر: كذا وكذا؟ فذكرت له الحديث، فقال: وأنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
رواه مسلم (6).
__________
(1) صحيح مسلم (2/ 750 رقم 1068/ 160).
(2) في الرواية المتقدمة: يُسير. وهو هو، يُسير: بضم الياء المثناة من تحت، وفتح السين المهملة، وأُسير مثله لا أنه بهمزة مضمومة، وكلاهما صحيح؛ يقال له: يُسير وأُسير. شرح صحيح مسلم (5/ 35).
(3) أي: يذهبون عن الصواب وعن طريق الحق، يقال: تاه إذا ذهب ولم يهتد لطريق الحق، واللَّه أعلم. شرح صحيح مسلم (5/ 35).
(4) صحيح البخاري (12/ 296 رقم 6932).
(5) من صحيح مسلم.
(6) صحيح مسلم (2/ 750 رقم 1067).

(5/512)


6322 - عن جابر بن عبد الله قال: "أتى رجل (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (1) بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبض منها، يعطي الناس، فقال: يا محمد، اعدل. قال: ويلك، ومَنْ يعدل إذا لم أكن أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية".
رواه مسلم (2).

6323 - عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
رواه ابن ماجه (3) والترمذي (4) -وهذا لفظه- وقال: حديث حسن صحيح.

6324 - عن عبيد الله بن عياض بن عَمْرو القاري قال: "جاء عبد الله بن شداد، فدخل على عائشة -ونحن عندها جلوس- مرجعه من العراق، ليالي قتل علي -رضي الله عنه- فقالت له: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه، تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي؟ قال: وما لي لا أصدقك. قالت: فحدثني عن قصتهم. قال: فإن عليًّا لما كاتب معاوية وحكم (الحكمين) (5)
__________
(1) من صحيح مسلم.
(2) صحيح مسلم (2/ 740 رقم 1063).
(3) سنن ابن ماجه (1/ 59 رقم 168).
(4) جامع الترمذي (4/ 417 - 418 رقم 2188).

6324 - خرجه الضياء في المختارة (2/ 222 - 226 رقم 605).
(5) في المسند والمختارة: الحكمان.

(5/513)


خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها: حروراء، من جانب الكوفة، وإنهم عتبوا عليه، فقالوا: انسلخت من قميص ألبسكه الله -تعالى- واسم سماك الله -تعالى- به، ثم انطلقت فحكمت في دين الله، فلا حكم إلا لله -تعالى. فلما أن بلغ عليًّا ما عتبوا عليه وفارقوه عليه، فأمر مؤذنًا فأذن: ألا يدخل على أمير المؤمنين رجل إلا قد حمل القرآن. فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس، دعا بمصحف إمام عَظيم فوضعه بين يديه، فجعل يصكه بيده، ويقول: أيها المصحف حدِّث الناس. فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه، إنما هو مداد في ورق، ونحن نتكلم بما روينا منه فما تريد؟ قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله، يقول الله -تعالى- في كتابه في امرأة ورجل {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (1) فأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم دمًا وحرمة من امرأة ورجل، ونقموا عَلَيَّ أن كاتبت معاوية: كتب علي بن أبي طالب. وقد جاءنا سهيل بن عَمْرو (2) -ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية حين صالح قومه قريشًا- فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: كيف نكتب؟ فقال: اكتب باسمك اللهم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتب محمد رسول الله. فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك. فكتب: هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشًا. يقول الله -تعالى- في كتابه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة
__________
(1) سورة النساء، الآية: 35.
(2) تحرفت في "الأصل" إلى: عمير.

(5/514)


لِمَن كَمانَ يَرْجو اللَّهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ) (1). فبعث " (إليهم) (2) علي عبد الله بن عباس فخرجت معه، حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكواء، فخطب الناس، فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به، هذا ممن نزل فيه وفي قومه (قَوْمٌ خَصِمُونَ) (3) فردوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله، فقام خطباؤهم، فقالوا: والله لنواضعنه كتاب الله، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله. فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف، كلهم تائب فيهم ابن الكواء، حتى أدخلهم على علي الكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بيننا وبينكم ألا تسفكوا دمًا حرامًا، أو تقطعوا سبيلاً، أو تظلموا ذمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء، إن الله لا يحب الخائنين. فقالت له عائشة -رضي الله عنها-: يا ابن شداد، فقد قتلهم. فقال: والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة. فقالت: اللَّه؟ فقال: أللَّه الذي لا إله إلا هو لقد كان. قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق ويتحدثونه، يقولون: ذو الثدي، وذو الثدي؟ قال: قد رأيته وقمت مع علي عليه في القتلى، فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي، ولم يأتوا فيه (بتثبيت) (4) يعرف إلا ذلك. قالت: فما قول علي حين قام عليه كما
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية: 21.
(2) من المسند.
(3) سورة الزخرف، الآية: 58.
(4) في المسند: بثبت.

(5/515)


يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله. قالت: هل سمعت منه أنه قال غير ذلك؟ قال: اللهم لا. قالت: أجل صدق الله ورسوله، يرحم الله عليًّا، إنه كان من كلامه لا يرى شيئًا يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله. فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدون عليه في الحديث".
كذا رواه الإمام أحمد (1).

6325 - عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم قال: "إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد، نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيرًا، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي -رضي الله عنه- مع الناس، وقد كسوته برنسًا لي. قال أبو مريم: فكان المخدج يسمى نافعًا ذا الثدية، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حملة الثدي، عليه شعيرات مثل سبالة (2) السنور".
رواه أبو داود (3).

6326 - عن شريك بن شهاب قال: "كنت أتمنى أن ألقى رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أسأله عن الخوارج، فلقيت أبا (4) برزة في يوم عيد في نفر من أصحابه، فقلت له: هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الخوارج؟ قال: نعم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذني، ورأيته بعيني، أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمالٍ فقسمه، فأعطى من عن يمينه، ومن (عن) (5) شماله، ولم يعط من وراءه شيئاً،
__________
(1) المسند (1/ 86 - 87).
(2) السَّبَلة -بالتحريك- الشارب، والجمع السِّبال، قاله الجوهري، وقال الهروي: هي الشعرات التي تحت اللحي الأسفل، والسَّبَلة عند العرب مقدم اللحية وما أسبل منها على الصدر. النهاية (2/ 339).
(3) سنن أبي داود (4/ 245 رقم 4770).
(4) في "الأصل": أبو.
(5) من سنن النسائي.

(5/516)


فقام رجل من ورائه، فقال: يا محمد، ما عدلت في القسمة. رجل أسود مطموم الشعر (1)، عليه ثوبان أبيضان، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضبًا شديدًا، وقال: والله لا تجدون بعدي رجلاً هو أعدل مني. ثم قال: يخرج في آخر الزمان قوم -كأن هذا منهم- يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة".
رواه النسائي (2).

6327 - عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس -كان مع الخوارج ثم فارقهم- قال (3): "دخلوا قرية فخرج عبد الله بن خباب ذعرًا، يجر رداءه، فقالوا: لَمْ تُرَعْ؟ قال: واللَّه لقد رعتموني. قالوا: أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. قالوا: فهل سمعت من أبيك حديثًا يحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحدثنا به؟ قال: نعم، سمعته يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قال: فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول -قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: ولا تكن عبد الله القاتل- قالوا: أنت سمعت هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. قال: فقدموه على ضفة النهر فضربوا عنقه، فسأل دمه كأنه شراك نعل، ما ابذقر (4)، وبقروا أم
__________
(1) طَمَّ شعره: أي جزه واستأصله. النهاية (3/ 139).
(2) سنن النسائي (7/ 119 - 120 رقم 4114) وقال النسائي: شريك بن شهاب ليس بذلك المشهور.
(3) في "الأصل": قالوا. والمثبت من المسند.
(4) رواه بعضهم بالميم "امذقر"، وهو بمعناه، قال أبو عبيد: أي ما امتزج بالماء، وقال=

(5/517)


ولده عما في بطنها".
رواه الإمام أحمد (1) وفي لفظٍ (1) قال: ما ابذقر -يعني: لم يتفرق- وقال: لا تكن عبد الله القاتل".

6328 - عن حميد بن هلال، عن عبادة (2) بن قرص "أنه غزا غزاة، فمكث فيها ما شاء الله، ثم رجع حتى (إذا) (3) كان قريباً من الأهواز سمع صوت أذان، فقال: والله ما لي عهد بصلاة في جماعة المسلمين منذ زمان. فقصد نحو الأذان يريد الصلاة، فإذا هو بالأزارقة، قالوا له: ما جاء بك يا عدو الله (قال: و) (3) ما أنتم إخوتي؟! قالوا: أنت أخو الشيطان، لنقتلنك. قال: فما ترضون مني ما رضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني؟ قالوا: وأي شيء رضي منك؟ قال: أتيته وأنا كافر فشهدت أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، فخل عني. فأخذوه فقتلوه".
رواه الطبراني (4) بإسناده.

6329 - وأخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد الصيدلاني بأصبهان، أن أبا علي الحداد أخبرهم -وهو حاضر- أبنا أحمد بن عبد الله، أبنا عبد الله بن جعفر، أبنا إسماعيل بن عبد الله -يُعرف بسمويه- ثنا عبد الملك بن عبد العزيز (5)
__________
=شمِر: الامذقرار: أن يجتمع الدم ثم يتقطع قطعاً ولا يختلط بالماء. النهاية (4/ 312).
(1) المسند (5/ 110).
(2) في المعجم الأوسط: عمارة. ونبه محققه أن الصواب "عبادة" كما هنا.
(3) من المعجم الأوسط.
(4) المعجم الأوسط (8/ 255 - 256 رقم 8559).
(5) غير واضحة في "الأصل"، وهو عبد الملك بن عبد العزيز النسائي، أبو نصر التمار الدقيقي، ترجمته في التهذيب (18/ 354 - 358) وروى هذا الحديث عنه أحمد بن منيع في مسنده -كما في المطالب العالية (5/ 34 رقم 4400/ 1)، إتحاف الخيرة (4/ 218 رقم 3450/ 1) - ورواه ابن عدي في الكامل (7/ 218) من طريقه.

(5/518)


أبو نصر، حدثني كوثر بن حكيم، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا ابن أم عبد، هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: لا يُجهز (1) على جريحها، ولا يُقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسم فيئها".
كوثر بن حكيم قال الإمام أحمد (2): أحاديثه بواطيل، ليس بشيء. وقال البخاري (3): منكر الحديث. وقال أبو زرعة (4): ضعيف الحديث.
روى ابن عدي (5) هذا الحديث وغيره، من رواية كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر. قال: وهذه الأحاديث غير محفوظة.

6330 - عن مروان بن الحكم قال: "صرخ صارخ لعلي -رضي الله عنه- يوم الجمل: لا يقتلن مدبر، ولا يذفف (6) على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن".
رواه سعيد بن منصور (7).

79 - باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم
6331 - عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه
__________
(1) يقال: أجهز على الجريح يُجْهر: إذا أسرع قتله وحرره. النهاية (10/ 322).
(2) العلل ومعرفة الرجال (2/ 156 رقم 1857).
(3) التاريخ الكبير (7/ 245).
(4) الجرح والتعديل (7/ 176).
(5) الكامل في الضعفاء (7/ 217 - 221).
(6) تذفيف الجريح: الإجهاز عليه وتحرير قتله. النهاية (2/ 162).
(7) سنن سعيد بن منصور (2/ 337 - 338 رقم 4947).

(5/519)


فليصبر عليه؛ فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية" (1).
وفي لفظٍ (2): قال: "من كره من أميره شيئًا فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية".
أخرجاه (3) واللفظ للبخاري.

6332 - عن عبد الله -هو ابن مسعود- قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سترون بعدي أثرة أمورم تنكرونها (4). قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم".
أخرجاه (5) لفظ البخاري.
وفي لفظٍ (6): "ستكون أثرة وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله -عز وجل- الذي لكم".

6333 - عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم (7) الأنبياء، كما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، فأعطوهم حقهم، فإن الله
__________
(1) صحيح البخاري (13/ 7 رقم 7054).
(2) صحيح البخاري (13/ 7 رقم 7053).
(3) مسلم (3/ 1477 رقم 1849).
(4) في صحيح البخاري: "أثرة وأمورًا تنكرونها" قال ابن حجر: قوله: "وأمورًا تنكرونها" يعني: في أمور الدين، وسقطت الواو من بعض الروايات فهذا بدل من أثرة. فتح الباري (13/ 8).
(5) البخاري (13/ 7 رقم 7052)، ومسلم (3/ 1472 رقم 1843).
(6) صحيح البخاري (6/ 708 رقم 3603).
(7) أي: تتولى أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية، والسياسية: القيام على الشيء بما يصلحه. النهاية (2/ 421).

(5/520)


سائلهم عما استرعاهم". أخرجاه (1).

6334 - عن جنادة بن أبي أمية قال: "دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، قلنا: أصلحك الله، حدِّث بحديث ينفعك الله به، سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا (2) ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا (3)، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله -عز وجل- فيه برهان".
أخرجاه (4) لفظ البخاري، وعند مسلم: "فقلنا: حدثنا -أصلحك الله- بحديث ينفع الله به".

6335 - عن عرفجة بن شريح قال: سمعت رسول اللَّة - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنه ستكون هنات (5) وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف، كائنًا من كان" (6).
وفي لفظٍ (6): "فاقتلوه".
__________
(1) البخاري (6/ 571 رقم 3455)، ومسلم (3/ 1471 - 1472 رقم 1842).
(2) المنشط: مفعل من النشاط، وهو الأمر الذي تنشط له وتخف إليه، وتُؤثر فعله، وهو مصدر بمعنى النشاط. النهاية (5/ 57).
(3) المراد أن طواعيتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم. فتح الباري (13/ 10).
(4) البخاري (13/ 7 رقم 7055، 7056)، ومسلم (3/ 1470 - 1471 رقم 1709/ 42).
(5) أي: شرور وفساد، يقال: في فلان هنات. أي خصال شر، وواحدها: هَنْت. وقيل: واحدها: هَنَة. النهاية (5/ 279).
(6) صحيح مسلم (3/ 1479 رقم 1852/ 59).

(5/521)


وفي لفظٍ (1): "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يُريد أن يشق عصاكم -أو يُفرق جماعتكم- فاقتلوه".
رواه مسلم.

6336 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، ثم مات مات ميتة جاهلية، ومن قتل تحت راية عِمِّيَّة (2)، يغضب للعصبة، ويقاتل للعصبة؛ فليس من أمتي، ومن خرج من أمتي (على أمتي) (3) يضرب بَرَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدها؛ فليس مني".
رواه مسلم (4).

6337 - عن حذيفة قال: "قلت: يا رسول الله، إنا كنا بشر، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله (إن) (3) أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع الأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع" (5).
رواه مسلم (6).
__________
(1) صحيح مسلم (3/ 1480 رقم 1852/ 60).
(2) قيل: هو فعيلة من العماء: الضلالة، كالقتال في العصبية والأهواء. النهاية (3/ 403).
(3) من صحيح مسلم.
(4) صحيح مسلم (3/ 1477 رقم 1848/ 54).
(5) رواه البخاري (13/ 38 - 39 رقم 7084) بنحوه.
(6) صحيح مسلم (3/ 1476 رقم 1847/ 52).

(5/522)


6338 - وروى (1) عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، (لا) (2) ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولى عليه (والٍ) (3) فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة".

6339 - عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سَلِم، ولكن من رضي وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا".
رواه مسلم (4).

6340 - عن عبد الله (5) قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من خلع يداً من طاعةٍ لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعةٌ مات ميتةً جاهليةً".
رواه مسلم (6).

6341 - عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قُتل تحت رايةٍ عميةٍ، يدعو عصبية، أو ينصر عصبية، فقتلة جاهلية".
__________
(1) صحيح مسلم (3/ 1483 رقم 1855/ 66).
(2) من صحيح مسلم.
(3) في "الأصل": السلام. والمثبت من صحيح مسلم.
(4) صحيح مسلم (3/ 1480 رقم 1854/ 62).
(5) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنها.
(6) صحيح مسلم (3/ 1478 رقم 1851).

(5/523)


رواه مسلم (1).

6342 - عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف أنتم وأئمةٌ من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟ قلت: إذًا والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك. قال: أو لا أدلك على خير من ذلك، تصبر حتى تلقاني".
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وهذا لفظه.

6343 - عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه".
رواه النسائي (4).

6344 - عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من فارق الجماعة شبرًا خلع ربقة الإسلام (5) من عنقه".
رواه الإمام أحمد (6) وأبو داود (7).
__________
(1) صحيح مسلم (3/ 1478 رقم 1850).
(2) المسند (5/ 179 - 180).
(3) سنن أبي داود (4/ 241 - 242 رقم 4759).

6343 - خرجه الضياء في المختارة (4/ 176 رقم 391) وقال: قال أبو حاتم الرازي: زيد -يعني: ابن عطاء رواية- ليس بالمعروف.
(4) سنن النسائي (7/ 108 رقم 4035).
(5) مفارقة الجماعة ترك السنة واتباع البدعة، والرِّبقة في "الأصل": عروة من حبل تُجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، وفاستعارها للإسلام، يعني: ما يشد به المسلم نفسه من عرى الإسلام: أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه، وتجمع الربقة على رِبَق، مثل كِسرة وكِسَر. النهاية (2/ 190).
(6) المسَند (5/ 180).
(7) سنن أبي داود (4/ 241 رقم 4758).

(5/524)


80 - باب في حدِّ الساحر وذم السحر والكهانة
6345 - عن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَدُّ الساحر ضربة بالسيف".
رواه الترمذي (1) والدارقطني (2)، وقال الترمذي: لا نعرفه (مرفوعًا) (3) إلا من هذا الوجه، وإسماعيل (بن مسلم) (3) المكي يُضعف من قِبَل حفظه، والصحيح عن جندب موقوف.

6346 - عن بجالة (4) قال: "كنت كاتبًا (لجَزْء) (5) بن معاوية -عم الأحنف بن قيس- فأتانا كتاب عمر -رضي الله عنه- قبل موته بسنة: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وفرقوا بين كل (ذي) (6) محرم من المجوس، وانهوهم عن الزَّمْزَمة (7). فقتلنا (ثلاثة) (8) سواحر، وجعلنا نفرق بين الرجل و (بين) (6) حريمته في كتاب الله، وصنع جزء طعامًا كثيراً -وعرض السيف على فخذه- ودعا المجوس، فألقوا وِقْرَ
__________
(1) جامع الترمذي (4/ 49 - 50 رقم 1460).
(2) سنن الدارقطني (3/ 114 رقم 112).
(3) من جامع الترمذي.
(4) غير واضحة في "الأصل"، والمثبت من المسند وسنن أبي داود، وهو بجالة بن عبدة التميمي، ترجمته في التهذيب (4/ 8 - 9).
(5) تشبه أن تكون في "الأصل": لخبر عن. والمثبت من المسند وسنن أبي داود، وكذا هو في صحيح البخاري، وجَزْء. بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة، هكذا يقوله المحدثون، وضبطه أهل النسب بكسر الزاي، ثم بعدها تحتانية ساكنة، ثم همزة، ومن قاله بلفظ التصغير فقد صحف، وهو ابن معاوية بن حصين بن عبادة التميمي السعدي، عم الأحنف بن قيس، وهو معدود في الصحابة، وكان عامل عمر على الأهواز. قاله ابن حجر في الفتح (6/ 301).
(6) من المسند.
(7) هي كلام يقولونه عند أكلهم بصوت خفي. النهاية (2/ 313).
(8) في "الأصل": ثلاث. والمثبت من المسند وسنن أبي داود.

(5/525)


بغل أو بغلين من ورق (1)، وأكلوا من غير زمزمة، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر" (2).
روى البخاري (3) منه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس (أهل) (4) هجر". يعني: الجزية.
ورواه بطوله الإمام أحمد (5) -وهذا لفظه- وأبو داود (6).

6347 - عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه "أن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جارية لها سحرتها، وكانت قد دبَّرتها (7)، فأمرت بها فقُتلت".
رواه الإمام مالك في الموطأ (8).

6348 - وقال البخاري (9): وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب "سُئل أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟ قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد
__________
(1) الوِقر -بكسر الواو- الحِمْل، وكثر ما يُستعمل في حمل البغل والحمار، يريد: حمل بغل أو بغلين أخِلَّةً من الفضة، كانوا يأكلون بها الطعام، فأعطوها ليُمكنوا من عادتهم من الزمزمة. النهاية (5/ 213).
(2) في "الأصل": هجير. والمثبت من المسند وسنن أبي داود.
(3) صحيح البخاري (6/ 297 رقم 3157).
(4) ليست في صحيح البخاري.
(5) المسند (1/ 190 - 191).
(6) سنن أبى داود (3/ 168 رقم 3043).
(7) يقال: دبَّرت العبد: إذا علقت عتقه بموتك. النهاية (2/ 98).
(8) الموطأ (2/ 680 رقم 14).
(9) صحيح البخاري (6/ 319) كتاب الجزية والموادعة، باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر.

(5/526)


صُنِع له ذلك فلم يقتل مَنْ صنعه، وكان من أهل الكتاب".

6349 - عن عائشة قالت: "سحر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ من بني زُريق -يقال له: لَبِيد بن الأعصم- حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُخيَّل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله (1)،
__________
(1) قوله: "حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله"، قال المازري: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز ذلك يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع، إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أن يرى جبريل وليس هو ثم، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء، قال المازري: وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض؛ فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما إلا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين. قال: وقد قال بعض الناس إن المراد بالحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن، وهذا كثيرًا ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة. قلت: وهذا قد ورد صريحًا في رواية ابن عيينة -يعني التالية في الأصل- ولفظه "حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن". قال عياض: فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده. قلت: ووقع في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند ابن سعد "فقالت أخت لبيد بن الأعصم: إن يكن نبيًّا فسيُخبر، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله". قلت: فوقع الشق الأول كما في هذا الحديث الصحيح. وقد قال بعض العلماء: لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت، فلا يبقى على هذا للملحد حجة. وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك، كما هو شأن المعقود. ويؤيد جميع ما تقدم أنه لم ينقل عنه في خبر من الأخبار أنه قال قولاً فكان بخلاف ما أخبر به. وقال المهلب: صون النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشياطين لا يمنع إراداتهم كيده، فقد مضى في الصحيح أن شيطانًا أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله=

(5/527)


حتى إذا كان ذات يوم -أو ذات ليلة- وهو عندي، لكنه دعا ودعا، ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله -عز وجل- أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب (1). قال: ومَنْ طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في مُشط ومُشاطة (2)، وجف (3) طلع نخلة (ذكر) (4). قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان (5). فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناس من أصحابه، فجاء
__________
=منه، فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما يدخل نقصًا على ما يتعلق بالتبليغ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام، أو عجز عن بعض الفعل، أو حدوث تخيل لا يستمر، بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين.
انتهى بتصرت واختصار من فتح الباري (10/ 237 - 238).
وقال ابن القيم في زاد المعاد (4/ 113): قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنوه نقصًا وعيباً، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه - صلى الله عليه وسلم - من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما. اهـ.
وانظر كتاب "ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر" للشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله.
(1) أي: مسحور، والطب السحر، وهو من الأضداد، والطب علاج الداء، وقيل: كنوا بالطب عن السحر تفاؤلًا، كما سموا اللديغ سليمًا. مشارق الأنوار (1/ 317).
(2) هو ما يمشط من الشعر ويخرج من الامتشاط به، والمشط الآلة المعروفة. مشارق الأنوار (1/ 388).
(3) ويروى "جُب" بالجيم المضمومة والباء، والباء للمروزي والسمرقندي، والفاء للجرجاني والعذري، وكلاهما بضم الجيم، وهو قشر الطلع وغشاؤه الذي يكون فيه. مشارق الأنوار (1/ 138).
(4) من صحيح البخاري.
(5) كذا لكافة الرواة للبخاري، بفتح الذال المعجمة بعدها راء ساكنة، وعند كافة رواة مسلم: "ذي أروان" بكسر الذال بعدها ياء وزيادة الألف. مشارق الأنوار (1/ 117)، وانظر فتح الباري (10/ 240).

(5/528)


فقال: يا عائشة، كأن ماءها نُقاعة (1) الحنَّاء، وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله، فكرهت أن أُثَوِّر على الناس فيه شرًّا. فأمر بها فدُفنت".
أخرجاه (2)، وهذا لفظ البخاري.
وله (3) في لفظٍ: عن عائشة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُحِر، حتى كان يرى يأتي النساء ولا يأتيهن -قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا- فقال: يا عائشة، أعلمت أن الله -عز وجل- قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان (فقعد) (4) أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومَن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم - (رجل) (4) من بني زريق حليف ليهود، وكان منافقًا- قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاقة. قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت رَعُوفة (5) في بئر ذروان. قالت: فأتى (النبي - صلى الله عليه وسلم -) (6) البئر حتى استخرجه. فقال: هذا البئر التي أُريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رءوس الشياطين. قال: فاستخرج. قالت: فقلت: أفلا -أي تنشرت (7) -؟ فقال: أما الله فقد شفاني (وكرهت أن أثير على
__________
(1) بضم النون وتخفيف القاف، والحناء معروف، وهو بالمد، أي: أن لون ماء البئر لون الماء الذي ينقع فيه الحناء. فتح الباري (10/ 241).
(2) البخاري (10/ 232 رقم 5763)، ومسلم (4/ 1719 - 1721 رقم 2189).
(3) صحيح البخاري (10/ 243 رقم 5765).
(4) من صحيح البخاري.
(5) هي صخرة تُترك في أسفل البئر إذا حفرت تكون ناتئة هناك، فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي عليها، وقيل: هي حجر يكون على رأس البئر يقوم المستقي عليه. النهاية (2/ 235).
(6) من صحيح البخاري.
(7) النشرة -بالضم- ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يُظن أن به مسًّا من=

(5/529)


الناس شرًّا فأمرت بها فدفنت) (1) ".

6350 - عن زيد بن أرقم قال: "سَحَر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أيامًا، فأتاه جبريل -رضي الله عنه- فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك؛ عقد لك عقدًا في بئر كذا وكذا. فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستخرجها (فحلها) (2)، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما نشط (3) من عقال. فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه قط".
رواه الإمام أحمد (4) والنسائي (5) واللفظ له.

6351 - عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر (6)، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر".
رواه الإمام أحمد (7).

6352 - عن الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من عقد عقدة
__________
=الجن، سُميت نشرة لأنه يُنشر به عنه ما خامره من الداء: أي يُكشف ويزال. وقال الحسن: النشرة من السحر، وقد نَشَّرْت عنه تنشرًا. النهاية (5/ 54).
(1) في صحيح البخاري: "وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًّا". فاخشى أن يكون وقع سقط في "الأصل" والله أعلم.
(2) في سنن النسائي: فجيء بها.
(3) قال ابن الأثير في النهاية (5/ 57): في حديث السحر: "كأنما أُنشط من عقال" أي: حُلَّ، وقد تكرر في الحديث، وكثيراً ما يجيء في الرواية "كأنما نشط من عقال" وليس بصحيح، يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها، وأنشطتها وانتشطتها: إذا حللتها.
(4) المسند (4/ 367).
(5) سنن النسائي (7/ 112 - 113 رقم 4091).
(6) هو الذي يُعاقر شربها ويلازمه ولا ينفك عنه. النهاية (2/ 135).
(7) المسند (4/ 399).

(5/530)


ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وُكِّل إليه (1) ".
رواه النسائي (2).
قال الحافظ أبو عبد الله: الحسن لم يسمع من أبي هريرة (3).

6353 - عن صفية بنت أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".
رواه مسلم (4).

6354 - عن عائشة قالت: "سأل أناس النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكهان (5)، فقال لهم
__________
(1) التعلق يكون بالقلب، ويكون بالفعل، ويكون بهما جميعاً، أي من تعلق شيئاً بقلبه، أو تعلقه بقلبه وفعله "وكل إليه" أي: وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلقت نفسه بالله، وأنزل حوائجه بالله، والتجأ إليه، وفوض أمره كله إليه؛ كفاه الله مؤنه، وقرب إليه كل بعيد، ويسر له كل عسير، ومن تعلق بغيره، أو سكن إلى علمه وعقله ودوائه وتمائمه، واعتمد على حوله وقوته، وكله الله إلى ذلك وخذله، وهذا معروف بالنصوص والتجارب، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد". (ص 169 - 170).
(2) سنن النسائي (7/ 112 رقم 4090).
(3) انظر المراسيل لابن أبي حاتم (ص 34 - 36).
(4) صحيح مسلم (4/ 1751 رقم 2230).
(5) الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة، كشق وسَطِيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن ورئيًّا يُلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف، كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، والحديث الذي فيه "من أتى كاهنًا" قد يشتمل على إتيان الكاهن والعَرَّاف والمنجم، وجمع الكاهن: كهنة وكهَّان. النهاية (4/ 214 - 215).

(5/531)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليسوا بشيء (1). قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم يحدثون أحيانًا بالشيء يكون حقاً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة (2) فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة".
أخرجاه (3) وفي لفظٍ: "الكلمة من الجن يحفظها (4) ".

6355 - عن معاوية بن الحكم السلمي قال: "قلت يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان. قال: فلا تأتهم. قال: ومنا رجالاً يتطيرون (5). قال: ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم. قال: قلت: ومنا رجالًا يخطون (6) قال: كان نبي من الأنبياء يخط
__________
(1) أي ليس قولهم بشيء يعتمد عليه، والعرب تقول لمن عمل شيئاً ولم يحكمه: ما عمل شيئًا. فتح الباري (10/ 230).
(2) القَرُّ: ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه، تقول: قررته فيه أقره قرًّا، وقر الدجاجة: صوتها إذا قطعته، يقال: قرت تقر قرًّا وقريرًا، فإن رددته قلت: قرقرت قرقرة، ويروى: كقرِّ الزجاجة" بالزاي: أي كصوتها إذا صب فيها الماء. النهاية (4/ 39).
(3) البخاري (10/ 227 رقم 5762، 13/ 545 رقم 7561)، ومسلم (4/ 1750 رقم 2228).
(4) هذه رواية الكشميهني: "يحفظها" بتقديم الفاء، بعدها ظاء معجمه. فتح الباري (10/ 230)، وإرشاد الساري (10/ 479).
(5) الطِّيَرة -بكسر الطاء، وفتح الياء، وقد تسكن- هي التشاؤم بالشيء، وهو مصدر تطير، يقال: تطير طيرة، وتخير خيرة، ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما، وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع، وأبطله ونهى عنه، واْخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر. النهاية (3/ 152).
(6) فسروه بالخط في الرمل أو التراب للحساب ومعرفة ما يدل عليه الخط فيه. مشارق الأنوار (1/ 235).

(5/532)


فمن وافق خطه فذاك (1) ".
رواه مسلم (2) وفي لفظٍ له (3): "يا رسول الله، أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان. قال: فلا تأتوا الكهان. قال: قلت: كنا نتطير. قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم".

6356 - عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -".
و (4) رواه الإمام أحمد (5).

6357 - أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد الصيدلاني بأصبهان -فيما أُرى- أن محمود بن إسماعيل الصيرفي أخبرهم -قراءة عليه وهو حاضر- أبنا عبد الله بن
__________
(1) قال النووي: اختلف العلماء في معناه، فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة، فلا يُباح، والمقصود أنه حرام؛ لأنه لا يُباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها، وإنما قال النهي - صلى الله عليه وسلم -: "فمن وافق خطه فذاك"، ولم يقل: هو حرام؛ لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا، فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته، ولكن لا علم لكم بها، وقال الخطابي: هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذا كان علمًا لنبوة ذاك النبي، وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك. وقال القاضي عياض: المختار: أن معناه من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول، لا أنه أباح ذلك لفاعله. قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا. فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن. شرح صحيح مسلم (3/ 189).
(2) صحيح مسلم (1/ 381 - 382 رقم 537/ 33).
(3) صحيح مسلم (4/ 1748 - 1749 رقم 537/ 121).
(4) كذا في "الأصل".
(5) المسند (2/ 329).

(5/533)


شاذان، أبنا عبد الله بن محمد (القباب) (1)، أبنا أحمد بن عَمْرو (2) بن أبي عاصم، ثنا عقبة بن سنان، ثنا غسان بن (مضر) (3) عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى عرافًا فصدقه بها يقول فقد كفر بها أنزل على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -".

6358 - عن عائشة قالت: "كان لأبي بكر -رضي الله عنه- غلام (4) يخرج له الخراج (5)، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيءٍ، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية -وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته- فلقيني، فأعطاني بذلك (6) فهذا الذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه".
رواه البخاري (7).
__________
(1) تحرفت في "الأصل" وعبد الله بن محمد القباب هو الإمام الكبير المقرئ مسند أصبهان. ترجمته في السير (16/ 257 - 258).
(2) تحرفت في "الأصل" إلى: عُمَر.
(3) مشتبهة في "الأصل" وغسان بن مضر هو أبو مضر البصري، روى عن سعيد بن يزيد الأزدي، وعنه عقبة بن سنان بن عقبة الهدادي، ترجمته في التهذيب (23/ 108 - 111).
(4) في "الأصل": غلاماً. والمثبت من صحيح البخاري.
(5) في "الأصل": الخوارج. والمثبت من صحيح البخاري، "ويُخرج له الخراج" أي: يأتيه بما يكسبه، والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه. فتح الباري (7/ 190).
(6) أي: عوض تكهني له. فتح الباري (7/ 190).
(7) صحيح البخاري (7/ 183 رقم 3842).

(5/534)


81 - باب الحكم فيمن يسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وصرح بذلك دون من عَرَّض (1)
6359 - عن الشعبي، عن علي -رضي الله عنه-: "أن يهودية كانت تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمها".
رواه أبو داود (2).

6360 - عن عكرمة قال: ثنا ابن عباس "أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه، فأخذ المِعْوَل (3) فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمع الناس، فقال: أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام. قال: فقام الأعمى يتخطى الناس -وهو يتزلزل (4) - حتى قعد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع
__________
(1) انظر كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه لا مثل له في بابه.

6359 - خرجه الضياء في المختارة (2/ 169 رقم 547).
(2) سنن أبي داود (4/ 129 رقم 4362).

6360 - خرجه الضياء في المختارة (12/ 157 - 158 رقم 177، 178).
(3) المِغْول -بالكسر- شبه سيف قصير، يشتمل به الرجل تحت ثيابه فيغطيه، وقيل: هو حديدة دقيقة لها حدٌّ ماضٍ وَقَفًا، وقيل: هو سوط في جوفه سيف دقيق يشده الفاتك على وسطه ليغتال به الناس. النهاية (3/ 397).
(4) الزلزلة في "الأصل": الحركة العظيمة والإزعاج الشديد، ومنه زلزلة الأرض. النهاية (2/ 308).

(5/535)


فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها (1) فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المعول، فوضعته في بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ألا اشهدوا أن دمها هدر".
رواه أبو داود (2) وعليك (3) -وهذا لفظه- والنسائي (4).

6361 - عن أبي برزة قال: "كنت عند أبي بكر فتغيظ على رجلٍ فاشتد عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل، فأرسل إليَّ، فقال: ما الذي قلت آنِفًا؟ قلت: ائذن لي أن أضرب عنقه. قال: أكنت فاعلاً لو أمرتك؟ قلت: نعم. قال: لا واللَّه، ما كانت لبشر بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - (5) ".
__________
(1) تحرفت في "الأصل": والمثبت من سنن أبي داود.
(2) سنن أبي داود (4/ 129 رقم 4361) واللفظ له.
(3) كذا في "الأصل" وعليك هو علي بن سعيد بن بشير بن مهران، أبو الحسن الرازي، نزيل مصر يُعرف بعليك، ترجمته في سير أعلام النبلاء (14/ 145 - 146) لكن في نفسي شيئاً من وضع اسمه هنا؛ لعدة أسباب: منها أن المؤلف لم يعز هذا الحديث له في المختارة، ولم يسقه من طريقه، بل لم أقف للمؤلف على عزو أي حديث له إلى الآن. ومنها أنه لم يجر للمؤلف عادة بمثل هذا، بل عادته أنه إذا عزا الحديث للكتب المشهورة لم يسق لفظ غيرها إلا لفائدة زائدة.
ومنها أن اللفظ المذكور هو نفس لفظ أبي داود، والله أعلم.
(4) سنن النسائي (7/ 107 - 108 رقم 4081).

6361 - خرجه الضياء في المختارة (1/ 104 - 108 رقم 20 - 26).
(5) قال أبو داود في سننه: قال أحمد بن حنبل: أي: لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلاً إلا بإحدى الثلاث التي قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس؛ وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقتل.

(5/536)


رواه الإمام أحمد (1) وأبو داود (2) -وهذا لفظه- والنسائي (3).

6362 - عن هشام بن زيد بن أنس، عن أنس قال: "مر يهودي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: السام (4) عليك. (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وعليك) (3). قال رسول الله: أتدرون ما (يقول؟) (5) قال: السام عليك. قالوا: يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال: لا، إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم".
رواه البخاري (6).

82 - باب حكم المرتد عن الإِسلام والنهي عن التحريق بالنار
6363 - عن عكرمة قال: "أُتي علي -رضي الله عنه- بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تعذبوا بعذاب الله. ولقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من بَدَّل (دينه فاقتلوه) (7) ". رواه البخاري (8).
__________
(1) المسند (1/ 10).
(2) سنن أبي داود (4/ 129 - 130 رقم 4363).
(3) سنن النسائي (7/ 109 - 111 رقم 4088).
(4) قال القاضي عياض: فيه تأويلان: أحدهما السأمة، وهي الملل، وهو مصدر سئم يسأم، يقال: سأمة وسأمًا، قاله الخطابي، وبه فسره قتادة، فهذا مهموز، وفيه تأويل آخر: وهو أنه الموت، وعليه يدل قوله: "فقولوا: وعليكم". ومثله جاء مفسرًا في الحديث الآخر: "إلا السام، والسام الموت". مشارق الأنوار (2/ 202).
(5) من صحيح البخاري.
(6) صحيح البخاري (12/ 293 رقم 6926).
(7) سقطت من النسخة المطبوعة مع الفتح!!
(8) صحيح البخاري (12/ 279 رقم 6922).

(5/537)


6364 - عن أبي هريرة أنه قال: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث، فقال له: إن لقيتم فلانًا وفلانًا -لرجلين من قريش سماهما- فحرقوهما بالنار. (ثم قال) (1): ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج، فقال: إني كنت قد أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا بالنار، فإن النار لا يعذب بها إلا الله -عز وجل- فإن أخذتموهما فاقتلوهما".
رواه البخاري (2).

6365 - عن أبي موسى قال: "أقبلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي رجلان من الأشعريين -أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري- ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال: يا أبا موسى -أو يا عبد الله بن قيس- قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، قال: لن -أو لا- نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد الله بن قيس- إلى اليمن. ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: أنزل. وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم، ثم تهوَّد. قال: اجلس. قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء الله ورسوله -ثلاث مرات- فأمر به فقتل، ثم تذاكرا (3) قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي".
أخرجاه (4)، واللفظ للبخاري، وعند مسلم: "فكلاهما سأل العمل".
__________
(1) ليست في صحيح البخاري.
(2) صحيح البخاري (6/ 134 رقم 2954).
(3) القائل: هو أبو بردة بن أبي موسى.
(4) البخاري (12/ 280 رقم 6923)، ومسلم (3/ 1456 - 1457 رقم 1733/ 15).

(5/538)


وعنده: "فقال: أحدهما معاذٌ (1) ".
ورواه أبو داود (2) عن أبي موسى قال: " (فلما) (3) قدم عليَّ معاذ قال: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل. فقُتل، وكان قد استتيب قبل ذلك".
وفي لفظٍ له (4): عن أبي بردة بهذه القصة قال: "فأُتي أبو موسى برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلة -أو قريبًا منها- فجاء معاذ فدعاه، فأبى؛ فضرب عنقه".

6366 - عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقبل الله توبة عبد أشرك بعد إسلامه".
رواه الإمام أحمد (5) -وهذا لفظه- وابن ماجه (6)، ولفظه: "لا يقبل الله من مشرك أشرك بعدما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين إلى المسلمين".

6367 - عن محمد بن عبد الله بن (عبد) (7) القاري أنه قال: "قدم على عمر -رضي الله عنه- رجلٌ من قِبَل أبي موسى، فسأله عن الناس فأخبره، ثم قال: هل فيكم من مُغَرِّبة خبر (8)؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه. قال: فما فعلتم
__________
(1) يعني: أن معاذًا هو القائل: "وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي".
(2) سنن أبي داود (4/ 127 رقم 4355).
(3) من سنن أبي داود.
(4) سنن أبي داود (4/ 127 - 128 رقم 4356).
(5) المسند (5/ 5).
(6) سنن ابن ماجه (2/ 848 رقم 2536).
(7) من الموطأ.
(8) أي: هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد، يقال: هل من مغَرِّبة خبر؟ بكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما، وهو من المغرب: البعد، وشأوٌ مغرِّب ومغرَّب: أي: بعيد. النهاية (3/ 349).

(5/539)


به؟ قال: قرَّبناه فضربنا عنقه. قال عمر: فهلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه؛ لعله يتوب ويُراجع (1) أمر الله، اللَّهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني".
رواه الإمام مالك في الموطأ (2).

6368 - عن حمزة الأسلمي "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّره على سرية، قال: خرجت فيها، وقال: إن وجدتم فلانًا فأحرقوه بالنار. فوليت فناداني، فرجعت إليه، فقال: إن وجدتم فلانًا فاقتلوه ولا تحرقوه؛ فإنه لا يعذب بالنار لا ربُّ النار".
رواه الإمام أحمد (3) وأبو داود (4) وهذا لفظه.

6369 - عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة (5) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تُفرِّش (6)، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار".
رواه أبو داود (7) ورواه الإمام أحمد (8)، ولفظه: قال: "كنا مع النبي
__________
(1) في "الأصل": أو يرجع. والمثبت من الموطأ.
(2) الموطأ (2/ 577 رقم 16).
(3) المسند (3/ 494).
(4) سنن أبي داود (3/ 54 - 55 رقم 2673).
(5) الحُمَّرة -بضم الحاء وتشديد الميم، وقد تخفف-: طائر صغير كالعصفور. النهاية (1/ 439).
(6) هو أن تفرش جناحيها وتقرب من الأرض وتُرفرف. النهاية (3/ 430).
(7) سنن أبي داود (3/ 55 رقم 2675).
(8) المسند (1/ 423).

(5/540)


- صلى الله عليه وسلم -، فمررنا بقرية نمل فأُحرقت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ينبغي لبشرٍ أن يُعذب بعذاب الله -عز وجل".

83 - باب فيمن شهر سيفه
6370 - عن ابن الزبير -هو عبد الله- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شهر سيفه (1) ثم وضعه فدمه هدر".
رواه النسائي (2).

84 - باب في العبد إِذا أَبَقَ (3) إِلى الشرك
6371 - عن جرير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه".
رواه أبو داود (4) والنسائي (5).

6372 - وقد روى (6) مسلم عن جرير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة (7) ".
__________
6370 - خرجه الضياء في المختارة (9/ 303 - 304 رقم 259 - 261).
(1) أي من أخرجه من غمده للقتال، وأراد بوضعه ضرب به. النهاية (2/ 515).
(2) سنن النسائي (7/ 117 رقم 4108)، ثم رواه النسائي (7/ 117 رقم 4109، 4110) موقوفًا.
(3) أبَقَ العبد يَأبَق ويَأبِق إباقًا: إذا هرب. النهاية (1/ 15).
(4) سنن أبي داود (4/ 128 رقم 4360) واللفظ له.
(5) سنن النسائي (7/ 103 رقم 4063 - 4066) مرفوعًا وموقوفاً.
(6) صحيح مسلم (1/ 83 رقم 69).
(7) قال النووي: معناه لا ذمة، قال الشيخ أبو عمرو -رحمه الله- الذمة هنا يجوز أن تكون هي الذمة المفسرة بالذمام، وهي الحرمة، ويجوز أن تكون من قبيل ما جاء في=

(5/541)


وفي لفظٍ له (1): قال: إذا أبق العبد لم تُقبل له صلاة (2) ".

85 - باب في قتل الجماعة بالواحد
6373 - عن ابن عمر: "أن غلامًا قتل غِيْلَة (3) فقال عمر: لو اشترك فيه (4) أهل صنعاء لقتلتهم".
رواه البخاري (5).

6374 - عن سعيد بن المسيب "أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قتل نفرًا خمسة أو سبعة برجلٍ واحدٍ قتلوه قتل غيلة، وقال عمر بن الخطاب: لو تمالًا
__________
=قوله: "له ذمة الله تعالى وذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي: ضمانه وأمانته ورعايته، ومن ذلك أن الآبق كان مصونًا عن عقوبة السيد له وحبسه فزال ذلك بإباقه، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (1/ 138).
(1) صحيح مسلم (1/ 83 رقم 70).
(2) قال النووي: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة" فقد أوَّله الإمام المازري وتابعه القاضي عياض -رحمهما الله- على أن ذلك محمول على المستحل للإباق؛ فيكفر ولا تقبل له صلاة ولا غيرها، ونبَّه بالصلاة على غيرها، وأنكر الشيخ أبو عمرو هذا، وقال: بل ذلك جارٍ في غير المستحل، ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة، فصلاة الآبق صحيحة غير مقبولة؛ فعدم قبولها لهذا الحديث، وذلك لاقترانها بمعصية، وأما صحتها فلوجود شروطها وأركانها المستلزمة صحتها، ولا تناقض في ذلك، ويظهر أثر عدم القبول في سقوط الثواب، وأثر الصحة في أنه لا يعاقب عقوبة تارك الصلاة. هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو -رحمه الله- وهو ظاهر لا شك في حسنه -شرح صحيح مسلم (1/ 381).
(3) أي: في خفية واغتيال، وهو أن يُخدع ويُقتل في موضع لا يراه فيه أحد، والغِيْلَة: فعلة من الاغتيال. النهاية (3/ 403).
(4) هذه رواية الكشميهني، وهي أوجه، ولغيره: "فيها" والتأنيث على إرادة النفس. فتح الباري (12/ 237).
(5) صحيح البخاري (12/ 236 رقم 6896).

(5/542)


عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً".
رواه الإمام مالك في الموطأ (1).

86 - باب فيمن أُطعم طعامًا فيه سمٌّ يريد قتله
6375 - عن أنس: "أن امرأة يهودية أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة مسمومة، فأكل منه (2)، فجيء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألها عن ذلك، قالت: أردت لأقتلك. قال: ما كان الله ليسلطك على ذلك. قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا. قال: فما زلت أعْرفها في لهوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
أخرجاه (3)، وهذا لفظ مسلم.

6376 - عن أبي هريرة: "أن امرأة من اليهود أهدت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاة مسمومة، قال: فما عرض لها النبي - صلى الله عليه وسلم -".
رواه أبو داود (4) وقال: هذه أخت مرحب اليهودية التي سمت النبي - صلى الله عليه وسلم -.

6377 - وروى (5) عن ابن شهاب قال: "كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذراع، فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ارفعوا أيديكم. وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهودية، فدعاها،
__________
(1) الموطأ (2/ 680 رقم 13).
(2) في صحيح مسلم: منها.
(3) البخاري (5/ 272 رقم 2617)، ومسلم (4/ 1721 رقم 2190).
(4) سنن أبي داود (4/ 173 رقم 4509).
(5) سنن أبي داود (4/ 173 - 174 رقم 4510).

(5/543)


فقال لها: أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: أخبرتني هذه في يدي. للذراع، قالت: نعم. قال: فما أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت: إن كان نبيًّا فلن يضره، فإن لم يكن نبيًّا استرحنا منه. فعفا عنها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار".
رواه أبو داود، وابن شهاب لم يُدرك جابر بن عبد الله.
وروى أبو داود (1) في عقبه عن محمد بن عَمْرو، عن أبي سلمة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية ... " نحو حديث جابر قال: "فمات بشر بن البراء بن معرور، فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ ... " فذكر نحو حديث جابر "فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقُتلت". ولم يذكر أمر الحجامة.
قال الحافظ أبو عبد الله: وهذا مرسل، وقد وقع لنا متصلاً.

6378 - أخبرنا أبو الفخر أسعد بن سعيد (بن) (2) رَوْح -بأصبهان- أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم، أبنا محمد بن عبد الله بن ريذة، أبنا سليمان بن أحمد الطبراني (3)، ثنا زكريا بن يحيى الساجي، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا
__________
(1) سنن أبي داود (4/ 174 رقم 4511).
(2) سقطت من "الأصل" وأبو الفخر أسعد بن سعيد بن محمود بن محمد بن رَوْح الأصبهاني، راوي المعجم الكبير للطبراني -بفوت- والمعجم الصغير عن فاطمة الجوزدانية، وآخر أصحابها موتًا، وقد أكثر عنه الحافظ الضياء في تواليفه. ترجمته في سير أعلام النبلاء (21/ 491 - 492).
(3) المعجم الكبير (2/ 34 رقم 1202).

(5/544)


سعيد بن محمد الوراق، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "أن يهودية أهدت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاة مصلية، فأكل منها. ثم قال: أخبرتني أنها مسمومة. فمات بشر بن البراء منها، فأرسل إليها، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيًّا لم تضرك، وإن كنت ملكًا أرحت الناس منك. فأمر بها فقُتلت".
سعيد بن محمد الوراق (1) ضعفه يحيى بن معين (2).

87 - باب فيمن تطبب بغير علم
6379 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تطبب ولا يُعلَم منه طب فهو ضامن".
رواه أبو داود (3) والنسائي (4) وابن ماجه (5).

88 - باب ما يصير به الكافر مسلمًا
6380 - عن سعيد بن المسيب، عن أبيه أنه أخبره "أنه لما حضرت (أبا) (6) طالب الوفاة، جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب: أي (7) عم، قل لا إله إلا الله،
__________
(1) ترجمته في التهذيب (11/ 47 - 50).
(2) تاريخ البخاري (3/ 515)، وتاريخ الدوري (3/ 263 رقم 1236).
(3) سنن أبي داود (4/ 195 رقم 4586) وقال أبو داود: هذا لم يروه إلا الوليد -يعني: ابن مسلم- لا ندري هو صحيح أم لا.
(4) سنن النسائي (8/ 52 - 53 رقم 4845، 4846).
(5) سنن ابن ماجه (2/ 1148 رقم 3466).
(6) في "الأصل": أبو. والمثبت من صحيح البخاري.
(7) هذه رواية أبي ذر وأبي الوقت، ولغيرهما: يا. إرشاد الساري (2/ 451).

(5/545)


كلمة أشهد لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه، ويعودان (1) بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما واللَّه لأستغفرن لك ما لم أُنْه عنك. فأنزل الله -عز وجل- فيه" (2) -وفي لفظٍ (3): "فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (4) ".
أخرجاه (5)، وهذا لفظ البخاري.

6381 - عن ابن مسعود قال: "إن الله -عز وجل- ابتعث نبيه - صلى الله عليه وسلم - لإدخال رجل الجنة، فدخل الكنيسة فإذا هو بيهود، وإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة، فلما أتوا على صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - أمسكوا، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا. ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة، فقرأ حتى أتى على صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: هذه صفتك، وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: لوا أخاكم". رواه الإمام أحمد (6).

6382 - وروى (7) أيضًا عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال:
__________
(1) زاد بعدها في "الأصل": يقول. وليست هي في صحيح البخاري.
(2) صحيح البخاري (3/ 263 رقم 1360).
(3) صحيح البخاري (7/ 233 رقم 3884).
(4) سورة التوبة، الآية: 113.
(5) مسلم (1/ 54 رقم 24).
(6) المسند (1/ 416).
(7) المسند (5/ 411).

(5/546)


"جلبت جلوبة (1) إلى المدينة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغت من بيعتي، قلت: لألقين هذا الرجل؟ فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم في أقفائهم، حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنشدك بالذي (أنزل) (2) التوراة هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه هكذا، أي لا. فقال ابنه: أي والذي أنزل التوراة، إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله. فقال: أقيموا اليهودي عن أخيكم. ثم ولي كفنه وجننه (3) والصلاة (4) عليه".

6383 - عن سالم، عن أبيه -هو عبد الله بن عمر- قال: "بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جَذيْمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فجعلوا (يقولون) (5) صَبأْنا صَبأْنا (6). فجعل خالد يقتل ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسير، حتى إذا كان يومٌ أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: (لا) (7) والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره. حتى قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرناه، فرفع يديه، فقال: اللَّهم إني أبرأ إليك مما
__________
(1) الجَلوبة -بالفتح- ما يُجلب للبيع من كل شيء، وجمعه: الجلائب. النهاية (1/ 282).
(2) من المسند.
(3) أي: دفنه وستره. النهاية (1/ 307) وفي المسند: "حنطه" والحَنوط والحناط واحد وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة. النهاية (1/ 450).
(4) في المسند: وصلى.
(5) في "الأصل": يقولوا. والمثبت من صحيح البخاري.
(6) يقال: صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره، من قولهم: صبأ ناب البعير: إذا طلع، وصبأت النجوم: إذا خرجت من مطالعها. النهاية (3/ 3).
(7) ليست في صحيح البخاري.

(5/547)


صنع خالد. مرتين".
رواه البخاري (1).

89 - باب صحة الإِسلام مع الشرط الفاسد
6384 - عن وهب -هو ابن منبه- قال: "سألت جابرًا عن شأن ثقيف إذ بايعت، قال: اشترطت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يقول: سيصدقون ويجاهدون (إذا أسلموا) (2) ".
رواه أبو داود (3).

6385 - عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهما أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلم على أن يصلي صلاتين، فقبل منه (4) ".
وفي لفظٍ (5) "على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل ذلك منه".
رواه الإمام أحمد.

6386 - وروى (6) عن أنس "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: أسلِم. قال: أجدني كارهًا. قال: أسلم وإن كنت كارهًا".
__________
(1) صحيح البخاري (7/ 653 - 654 رقم 4339).
(2) من سنن أبي داود.
(3) سنن أبي داود (3/ 163 رقم 3025).
(4) المسند (5/ 363).
(5) المسند (5/ 24 - 25).

6386 - خرجه الضياء في المختارة (6/ 32 - 33 رقم 1989 - 1992).
(6) المسند (3/ 109، 180).

(5/548)


90 - باب صحة إِسلام من لم يبلغ وأنه تبع لأبويه في الكفر ولمن أسلم منهما في الإِسلام
6387 - عن أنس قال: "كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه -وهو عنده- فقال: أطع أبا القاسم. فأسلَم، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: الحمد للَّه الذي أنقذه من النار".
رواه البخاري (1).

6388 - عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة (2)، أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه؛ كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء (3) هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (4) الآية".
أخرجاه (5) وهذا لفظ مسلم.
__________
(1) صحيح البخاري (3/ 259 رقم 1356).
(2) بكسر الفاء، قيل: الفطرة: الدين الذي فطر الله عليه الخلق، قال الله: (فطرت الله التي فطر الناس عليها) (سورة الروم، الآية: 30)، وقد روي: "يولد على الملة" وهو المراد في هذا، وقيل المراد: ابتداء الخلقة وما فطر عليه في الرحم من سعادة أو شقاوة وأبواه يحكمان له في الدنيا بحكمهما، وقيل: الفطرة هنا: أصل الخلقة من المبتدي بخلقهما، أي: يخلق سالمًا من الكفر وغيره متهيئًا لقبول الصلاح والهدى، ثم أبواه يحملانه بعد على ما سبق له في الكتاب كما قال آخر الحديث: "كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء"، وقيل: على فطرة أبيه يعني: حكم دينه. مشارق الأنوار (2/ 156).
(3) أي: سليمة من العيوب، مجتمعة الأعضاء كاملتها، فلا جدع بها ولا كي. (1/ 296).
(4) سورة الروم، الآية: 30.
(5) البخاري (3/ 260 رقم 1359)، ومسلم (4/ 2047 رقم 2658).

(5/549)


6389 - ولهما (1): قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيرًا؟ قال: الله أعلم بها كانوا عاملين".

6390 - عن ابن عباس قال: "سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أطفال المشركين، قال: الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم".
أخرجاه (2).

6391 - عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة حتى يُعرب (3) عنه لسانه، فإذا أعرب عنه لسانه إما شاكرًا وإما كفوراً".
رواه الإمام أحمد (4).

6392 - عن ابن عباس قال: "كنت أنا وأمي من المستضعفين" (5).
وفي لفظٍ (6): "أن ابن عباس تلا {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} (7) قال: كنت أنا وأمي ممن عذر اللهُ -عز وجل.
رواه البخاري.
وقال البخاري (8): وقال الحسن وشريح وإبراهيم وقتادة: إذا أسلم
__________
(1) البخاري (11/ 502 رقم 6600)، ومسلم (4/ 2048 رقم 2658/ 23).
(2) البخاري (3/ 289 رقم 1383)، ومسلم (4/ 2049 رقم 2660).
(3) أي: يبين ويرضح. النهاية (3/ 200).
(4) المسند (3/ 353).
(5) صحيح البخاري (8/ 103 رقم 4587).
(6) صحيح البخاري (8/ 103 رقم 4588).
(7) سورة النساء، الآية: 89.
(8) صحيح البخاري (3/ 258) كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يُصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام.

(5/550)


أحَدهُما (1) فالولد مع المسلم، وكان ابن عباس مع أمه من المستضعفين، ولم يكن مع أبيه على دين قومه، وقال: الإسلام يعلو ولا يُعلَى.
وقد عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابن صياد الإسلام وهو صبي.

6393 - عن ابن عمر "أن عمر انطلق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رهط قِبَل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم (2) بني مغالة، وقد قارب ابن صياد الحلمُ، فلم يشعر حتى ضرب النبي بيده، ثم قال لابن صياد: تشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين. فقال ابن صياد للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه (3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: آمنت باللَّه ورسوله ... " وذكر بقية الحديث.
أخرجاه (4) لفظ البخاري.
وفي لفظٍ (5): "حتى ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظهره بيده".

6394 - عن إبراهيم قال: "أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقًا، فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان؟! فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود -وكان في أنفسنا موثوق الحديث- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد قتل أبيك، قال: من للصبية؟ قال: النار. فقد رضيت لك ما (6) رضي لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
__________
(1) في "الأصل": أحدهم. والمثبت من صحيح البخاري.
(2) الأُطُم -بالضم- بناء مرتفع، وجمعه: آطام. النهاية (1/ 54).
(3) للأكثر بالضاد المعجمة أي: تركه. فتح الباري (3/ 261).
(4) البخاري (3/ 258 - 259 رقم 1354)، ومسلم (4/ 2244 رقم 2930).
(5) صحيح البخاري (10/ 576 - 577 رقم 6173).
(6) في "الأصل": من. والمثبت من سنن أبي داود.

(5/551)


رواه أبو داود (1).

6395 - عن عروة قال: "أسلم علي -رضي الله عنه- وهو ابن ثمان سنين".
رواه البخاري في تاريخه (2).

6396 - وروى (2) أيضًا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: "قُتل علي وهو ابن ثمان وخمسين".
ومبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى وفاته نحو ثلاث وعشرين سنة، وعاش علي -رضي الله عنه- بعد إسلامه فوق الخمسين سنة، وعاش علي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوًا من ثلاثين سنة، فيكون قد عاش بعد إسلامه فوق الخمسين سنة؛ فبان بذلك أنه أسلم قبل البلوغ.

91 - باب حكم أموال المرتدين وجنايتهم
6397 - عن طارق بن شهاب قال: "جاء وقد بُزَاخة (3) من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألون الصلح (4)، فخيرهم بين الحرب المُجْلِية (5) والسلم المُخْزِية (6)، فقالوا:
__________
(1) سنن أبي داود (3/ 60 رقم 2686).
(2) التاريخ الكبير (6/ 259).
(3) بضم أوله، وفتح الزاي مخففة، وخاء معجمة، موضع بالبحرين، وقال الأصمعي: هو ماء لطيئ. وقال الشيباني: لبني أسد. مشارق الأنوار (1/ 116).
(4) لأنهم كانوا ارتدوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - واتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي -وكان قد ادعى النبوة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطاعوه لكونه منهم، فقاتلهم خالد بن الوليد بعد أن فرغ من مسيلمة باليمامة، فلما غلبوا عليهم بعثوا وافدهم إلى أبي بكر. فتح الباري (13/ 223).
(5) المجلية -بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مكسورة ثم تحتانية- من الجلاء -بفتح الجيم، وتخفيف اللام مع المد- ومعناها: الخروج عن جميع المال. فتح الباري (13/ 223).
(6) المخزية -بخاء وزاي بوزن التي قبلها- مأخوذة من الخزي، ومعناها: القرار على الذل والصغار. فتح الباري (13/ 223).

(5/552)


هذا المجلية، وقد عرفناها فما المخزية؟ قال: ننزع منكم الحَلْقة والكُراع (1)، ونغنم ما أصبنا منكم (2)، وتردون علينا ما أصبتم منا (3) وتدون قتلانا (4)، ويكون قتلاكم في النار (5)، وتُتركون (6) أقوامًا يتبعون أذناب الإبل حتى يُري الله خليفة رسوله والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به. فعرض أبو بكر -رضي الله عنه- ما قال على القوم، فقام عمر فقال: قد رأيت رأيًا وسنشير عليك، أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما رأيت، وأما ما ذكرت أن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت تدون قتلانا ويكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت فقُتلت على أمر الله أجورها على الله، ليس لها ديات. فتتابع القوم على ما قال عمر -رضي الله عنه-".
رواه (7) البخاري (8) منه عن أبي بكر قال لوفد بزاخة: "تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به".
__________
(1) الحلقة -بفتح المهملة، وسكون اللام، بعدها قاف- السلاح، والكراع -بضم الكاف على الصحيح، وبتخفيف الراء- جميع الخيل، وفائدة نزع ذلك منهنم أن لا يبقى لهم شوكة ليأمن الناس من جهتهم. فتح الباري أيضًا.
(2) أي: يستمر ذلك لنا غنيمة نقسمها على الفريضة الشرعية ولا نرد عليكم من ذلك شيئًا. فتح الباري (13/ 223).
(3) أي: ما انتهبتموه من عسكر المسلمين في حال المحاربة. الفتح أيضًا.
(4) بفتح المثناة، وتخفيف الدال المضمومة، أي: تحملون إلينا دياتهم. الفتح أيضًا.
(5) أي: لا ديات لهم في الدنيا؛ لأنهم ماتوا على شركهم، فقتلوا بحق فلا دية لهم. فتح الباري (13/ 223 - 224).
(6) أي: في رعايتها؛ لأنهم إذا نزعت منهم آله الحرب رجعوا أعرابًا في البوادي، لا عيش لهم إلا ما يعود عليهم من منافع إبلهم. فتح الباري (13/ 224).
(7) كذا في "الأصل".
(8) صحيح البخاري (13/ 219 رقم 7221).

(5/553)


وذكره كما ذكرنا البرقاني (1) وأنه على رسم البخاري.
آخر الجزء التاسع عشر من هذه النسخة.
يتلوه في الذي يليه كتاب الجهاد.
__________
(1) عزاه له الحميدي في الجمع بين الصحيحين" -كما في فتح الباري (13/ 223) - والمجد ابن تيمية في "المنتقى" (3/ 751) وغيرهما.
انتهى بعون الله -سبحانه وتعالى- وتوفيقه تحقيق هذا السفر الجليل "السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام" للحافظ الكبير ضياء الدين المقدسي، نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتقبله قبولاً حسناً وأن ينفع به مؤلفه ومحققه، وكل من أعان على إخراجه، وسائر المسلمين؛ إنه جواد كريم.
وكان الانتهاء من تحقيقه صبيحة يوم الخميس 5 صفر سنة 1423 من هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، الموافق 18/ 4/ سنة 2002 من ميلاد المسيح - صلى الله عليه وسلم -.
ومما زاد من سروري بهذا الكتاب أن وافق الانتهاء من مراجعة تجاربه يوم ميلاد ابنتي فاطمة -أسأل الله أن ينبتها نباتًا حسنًا- يوم الجمعة 2 جمادى الأولى سنة 1423 من هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، 12/ 7/ سنة 2002 من ميلاد المسيح - صلى الله عليه وسلم -.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كتبه
أبو عبد الله حسين بن عكاشة

(5/554)


السُّنَنُ وَالأحْكَامُ عَن المُصْطَفَى
عَلَيهِ أَفْضَل الصَّلاَة والسَّلاَم
لِلإمَامِ الحَافِظ ضيَاء الدِّين المقدسيِّ أَبِي عَبْد الله محَمَّد بْن عَبْد الوَاحد
صَاحِبُ المُخْتَارَة (569 - 643هـ)
الفَهَارِسُ العِلْمِيَّةُ
أَبو عَبد الله حُسَين بْن عُكَاشَة
مَجْدِي بْن السَّيِّد أمين ... أَيْمَن بْن سَلَامَة بْن مُحَمَّد
المُجَلَّدُ السُّادِسُ
النَّاشِر
دَارُ مَاجِد عَسيرِي

(5/554)


بسم الله الرحمن الرحيم

(5/554)


السُّنَنُ وَالأحْكَامُ عَن المُصْطَفَى
عَلَيهِ أَفْضَل الصَّلاَة والسَّلاَم

(5/554)


حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
1425هـ - 2004م
الناشر
دار ماجد عَسيرِي للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية - جده - 21412
ص. ب 15126
الإدارة - 6651648 - فاكس 6657529
جوال 055323116 - وجوال 055623705
المبيعات ت/ 6631403 - جوال 054346151

(5/554)


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] (1).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] (2). َ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71] (3).
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
هذه فهارس كتاب "الأحكام" للحافظ الضياء المقدسي -رحمه الله تعالى- راعينا فيها أن تغطي كافة احتياجات طالب العلم، مع الفهارس التي ألحقناها بكل مجلد، وتشمل هذه الفهارس (4):
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 102.
(2) سورة النساء، الآية: 1.
(3) سورة الأحزاب: الآيتان: 70، 71.
(4) العزو في كل الفهارس إلى أرقام الأحاديث، إلا فهارس الموضوعات فالعزو فيها إلى أرقام الصفحات، وكذا في فهرس الآيات القرآنية بالنسبة للآيات التي ذكرها الحافظ الضياء في عناوين الأبواب ونحوها، لم تذكر في ثنايا الأحاديث.

(6/5)


1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة.

2 - فهرس الأحاديث والآثار المسندة مرتبة على ترتيب حروف المعجم لأسماء الصحابة، أي: أطراف الأحاديث والآثار المسندة.

3 - فهرس الأحاديث والآثار عامة مرتبة على ترتيب حروف المعجم لأسماء رواتها من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- والتابعين -رحمهم الله- بدأنا بأسماء الصحابة -رضي الله عنهم- ثم الكنى، ثم النساء الصحابيات -رضي الله عنهن- ثم المبهمات على ترتيب الرواة عنهم، ثم المراسيل والمقاطع ونحوهما.

4 - معجم الجرح والتعديل لمن ذكرهم الحافظ الضياء في كتابه بمدح أو قدح في كتاب "الأحكام" أو ذكر فيهم ما يفيد في تراجمهم كتفزد الراوي بحديث أو نحوه؟ لذلك ستجد في هذا المعجم بعض الصحابة -رضي الله عنهم- نص بعض أهل العلم على أنهم تفردوا بحديث، أو لم يصح عنهم غير حديث، ونحو هذا، ولا تخفى أهمية هذا المعجم على طلبة العلم.
فإذا أضفنا هذه الفهارس إلى الفهرسين الذين وضعناهم في أواخر الجلدات صار لدينا ست فهارس هي:

1 - فهرس أطراف الأحاديث والآثار على ترتيب حروف المعجم لأوائلها.

2 - فهرس الموضوعات.

3 - فهرس الآيات القرآنية.

4 - فهرس أطراف الأحاديث المسندة على ترتيب الصحابة الرواة.

5 - فهرس أطراف الأحاديث عامة على ترتيب الرواة من الصحابة والتابعين.

6 - فهرس بأسماء الرجال المتكلم فيهم بما يفيد في تراجمهم جرحًا وتعديلًا أو نحوهما.
وأحسب أن هذه الفهارس كافية جدًّا للكتاب.

(6/6)


وقد اقتسمنا عمل هذه الفهارس كالآتي: قام الأخ مجدي بن السيد بن أمين -جزاه اللَّه خيرًا- بصنع فهارس أطراف الأحاديث والآثار على ترتيب حروف المعجم، وفهرس الآيات القرآنية للأربع مجلدات الأولى وقام كذلك بصنع فهرس أطراف الأحاديث عامة على ترتيب الرواة من الصحابة والتابعين، وشاركه في بعض هذا الفهرس أخوانه.
قام الأخ أيمن بن سلامة بن محمد -جزاه اللَّه خيرًا- بصنع فهرس أطراف الأحاديث والآثار على ترتيب حروف المعجم وفهرس الآيات القرآنية للمجلد الخامس، وشارك في غيرهما.
تشاركنا في فهارس الموضوعات.
قمت بصنع فهرس أطراف الأحاديث المسندة على ترتيب الصحابة الرواية، و"معجم الجرح والتعديل" وقد شاركني في بعض الثاني أخي مجدي بن السيد جزاه اللَّه خيرًا.
ثم صنعت فهرس مصادر التحقيق والدراسة.
وأخيرًا نأمل أن نكون قد وفقنا لخدمة الكتاب على الوجه اللائق به، سواءً في دراستنا العلمية عنه أم تحقيقنا له أم فهرستنا له.
ونسأل اللَّه أن يوفقنا لخدمة كتب شريعتنا الغراء بما يُيسر انتفاع عامة المسلمين بها؛ إنه جواد كريم.
والحمد للَّه الذي بنعمته تتم الصالحات.
كتبه
أبو عبد اللَّه حسين بن عكاشة بن رمضان

(6/7)