الفقه
الإسلامي وأدلته للزحيلي المبحث الخامس ـ
صلاة الكسوف والخسوف
معنى الكسوف والخسوف، مشروعية صلاة الكسوفين ونحوها، صفتها (كيفيتها، الجهر
والإسرار بالقراءة فيها، وقتها، هل من شرطها الخطبة؟، الجماعة فيها
وموضعها. هل خسوف القمر مثل كسوف الشمس؟) متى يدركها المسبوق؟، هل تقدم
صلاة الكسوف على غيرها عند اجتماعها معها؟.
أولاً ـ معنى الكسوف والخسوف:
الكسوف والخسوف: شيء واحد، ويقال لهما كسوفان وخسوفان، والأشهر في تعبير
الفقهاء: تخصيص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر.
والكسوف: هو ذهاب ضوء الشمس أو بعضه في النهار لحيلولة ظلمة القمر بين
الشمس والأرض.
والخسوف: هو ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلاً لحيلولة ظل الأرض بين الشمس
والقمر. ولا يحدث عادة كسوف الشمس إلا في الاستسرار آخر الشهر إذا اجتمع
النيِّران، كما لا يحدث خسوف القمر إلا في الإبدار، إذا تقابل النيِّران.
(2/1421)
ثانياً ـ مشروعية صلاة الكسوفين ونحوها
وحكمها الفقهي: صلاة الكسوف والخسوف سنة (1) ثابتة مؤكدة باتفاق الفقهاء
(2)، بدليل قوله تعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا
للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن} [فصلت:37/ 41] أي أنه يصلى عند
كسوفهما. وقوله صلّى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم: «إن الشمس
والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم
ذلك، فصلوا وادعوا، حتى ينكشف ما بكم» (3).
وهي مشروعة حضراً وسفراً للرجال والنساء، أي في حق كل من هو مخاطب
بالمكتوبات الخمس؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم فعلها لكسوف الشمس، كما رواه
الشيخان، ولخسوف القمر، كما رواه ابن حبان في كتابه الثقات، وللصبيان
والعجائز حضورها كالجمعة والعيدين. ويؤمر بها من تجب عليه الجمعة اتفاقاً.
وإنما لم تجب لخبر الصحيحين المتقدم: «هل علي غيرها؟ ـ أي الخمس ـ قال: لا،
إلا أن تطَّوّع».
وتشرع بلا أذان ولا إقامة وتسن فيها الجماعة، ويندب أن ينادى لها: «الصلاة
جامعة»؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم «بعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة»
(4).
_________
(1) يرى المالكية والحنفية: أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة، وصلاة الخسوف
مندوبة.
(2) البدائع:280/ 1، الدر المختار:788/ 1، الشرح الصغير:532/ 1،536،
القوانين الفقهية: ص88، مغني المحتاج:316/ 1، المهذب:122/ 1، المغني:426/ 1
ومابعدها، كشاف القناع:67/ 2 ومابعدها.
(3) متفق عليه بين البخاري ومسلم وأحمد (نيل الأوطار:326/ 3) وأخرجه
البخاري ومسلم أيضاً من حديث عائشة والمغيرة، ومن حديث ابن عمر، ومن حديث
ابي مسعود الأنصاري، وأخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله، والحاكم من
حديث النعمان بن بشير (نصب الراية:231/ 2).
(4) متفق عليه عن عبد الله بن عمرو (نيل الأوطار:325/ 3).
(2/1422)
وتصلى جماعة أو فرادى، سراً أو جهراً،
بخطبة أو بلا خطبة، على التفصيل الآتي بين المذاهب، لكن فعلها في مسجد
الجمعة والجماعة أفضل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم صلى في المسجد (1).
ولا يشترط لها إذن الإمام، كصلاة الاستسقاء؛ لأن كلاً منهما نافلة، وليس
إذنه شرطاً في نافلة.
ويسن الغسل لها (2)، كما تقدم بيانه في بحث الأغسال المسنونة؛ لأنها صلاة
يشرع لها الاجتماع، والخطبة عند الشافعية، والوعظ ندباً عند المالكية، فيسن
لها الغسل، كصلاة الجمعة والعيدين.
الصلاة عند الفزع:
قال المالكية (3): لا يؤمر المرء بالصلاة عند الزلازل والمخاوف والآيات
التي هي عبرة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يصل لغير الكسوفين، وقد
كان في عصره بعض هذه الآيات، وكذلك خلفاؤه من بعده، لم يصلوا.
وقال الجمهور (4): يصلى للزلزلة فرادى لا جماعة، لفعل ابن عباس (5)، ولا
يصلى عند الحنابلة لغيرها من سائر الآيات، كالصواعق والريح الشديدة والظلمة
بالنهار، والضياء بالليل، لعدم نقل ذلك عنه صلّى الله عليه وسلم وأصحابه،
مع أنه وجد في زمانهم انشقاق القمر، وهبوب الرياح والصواعق.
_________
(1) لحديث عائشة وغيره المتفق عليه.
(2) المهذب:122/ 1، كشاف القناع:172/ 1،86/ 2، مغني المحتاج:319/ 1.
(3) القوانين الفقهية: ص88.
(4) مراقي الفلاح: ص92، البدائع:282/ 1، الحضرمية: ص88، المجموع:58/ 5
ومابعدها، المهذب:123/ 1، المغني:429/ 2، كشاف القناع:73/ 2.
(5) رواه سعيد بن منصور والبيهقي.
(2/1423)
وأضاف الحنفية والشافعية: أنه يندب أن يصلي
الناس فرادى ركعتين مثل كيفية الصلوات، لا على هيئة الخسوف لنحو الزلازل،
كالصواعق والظلمة الهائلة نهاراً، والريح الشديدة مطلقاً ليلاً أو نهاراً،
والفزع بانتشار الكواكب والضوء الهائل ليلاً، والثلج والأمطار الدائمة،
وعموم الأمراض، والخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال؛
لأنها آيات مخوفة للعباد، ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعة الله تعالى
التي بها فوزهم وصلاحهم، قياساً على صلاة الكسوف (1)، وصلاة الكسوف التجاء
إلى الله تعالى لكشف الغمة، وهكذا شأن المؤمن يلجأ إلى الله سبحانه كلما
ألم به مكروه، واشتد به الضر، وأحدق به الخطر، لذا يسن لكل أحد أن يتضرع
بالدعاء عند الزلازل والرياح الشديدة والصواعق والخسف، لئلا يكون غافلاً؛
لأنه صلّى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها
وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما
أرسلت به.
ثالثاً ـ صفة صلاة الكسوف: اختلف الفقهاء في أمور ستة تتعلق بصفة صلاة
الكسوف وهي ما يلي:
1ً
ـ كيفيتها: للفقهاء في كيفية صلاة
الكسوف رأيان:
رأي الحنفية (2):
صلاة الكسوف ركعتان كهيئة الصلوات الأخرى من صلاة العيد والجمعة
_________
(1) وذكر الحنفية حديثاً غريباً بلفظ «إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئاً
فارغبوا إلى الله بالدعاء» أو «فاذكروا الله واستغفروه» (نصب الراية:234/ 2
- 235).
(2) البدائع:280/ 1، فتح القدير:234/ 1 ومابعدها، مراقي الفلاح: ص92، الدر
المختار:788/ 1 ومابعدها، الكتاب واللباب:120/ 1 ومابعدها.
(2/1424)
والنافلة، بلا خطبة ولا أذان ولا إقامة،
ولا تكرار ركوع في كل ركعة، بل ركوع واحد، وسجدتان، لما رواه أبو داود في
سننه: «أنه عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين، فأطال فيهما القيام، ثم انصرف،
وانجلت الشمس، فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله تعالى بها عباده، فإذا
رأيتموها فصلوا، كأحدث صلاة صليتموهامن المكتوب» (1) قال الكمال بن الهمام:
وهي الصبح، فإن كسوف الشمس كان عند ارتفاعها قيد رمحين.
رأي الجمهور (2):
صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة قيامان، وقراءتان وركوعان، وسجودان. والسنة
أو الأكمل أن يقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة البقرة أو نحوها في
الطول، وفي القيام الثاني بعد الفاتحة دون ذلك أي بقدر مئتي آية مثل آل
عمران، وفي القيام الثالث بعد الفاتحة دون ذلك، أي بقدر مئة وخمسين آية،
مثل النساء، وفي القيام الرابع بعد الفاتحة دون ذلك بقدر مئة تقريباً مثل
المائدة.
فيقرأ أولاً المقدار الأول، ثم يركع، ثم يرفع، ويقرأ المقدار الثاني، ثم
يركع ثم يرفع، ثم يسجد كما يسجد في غيرها، ويطيل الركوع، والسجود في الصحيح
عند الشافعية، ويكرر ذلك في الركعة الثانية.
_________
(1) رواه أبو داود والنسائي والحاكم عن قبيصة بن مخارق الهلالي (نصب
الراية:230/ 2) وهناك حديثان آخران، عند البخاري عن أبي بكرة، وعند مسلم عن
عبد الرحمن بن سمرة، يدل ظاهرهما أن الركعتين بركوع واحد (نصب الراية:229/
2، نيل الأوطار:331/ 3) كما أنه ورد مثلهما عن ابن عمر والنعمان بن بشير.
(2) القوانين الفقهية: ص88، بداية المجتهد:203/ 1، الشرح الصغير:532/ 1،
مغني المحتاج:317/ 1، المهذب:122/ 1، المغني:422/ 2 - 426، كشاف القناع:69/
2 - 72.
(2/1425)
ويسبح في الركوع الأول قدر مئة من البقرة،
وفي الثاني ثمانين، والثالثة سبعين، والرابع خمسين تقريباً.
وأخيراً ذكر الحنابلة أنه يجوز فعل صلاة الكسوف على كل صفة وردت عن الشارع،
إن شاء أتى في كل ركعة بركوعين وهو الأفضل؛ لأنه أكثر في الرواية، وإن شاء
صلاها بثلاثة ركوعات في كل ركعة. لما روى مسلم عن جابر: أن النبي صلّى الله
عليه وسلم «صلى ست ركعات بأربع سجدات» أو أربعة ركوعات في كل ركعة، لما روى
ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلم: «صلى في كسوف: قرأ، ثم ركع، ثم قرأ
ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، والأخرى مثلها» (1).
أوخمسة ركوعات في كل ركعة، لما روى أبو العالية عن أبي بن كعب قال: «انكسفت
الشمس على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم وأنه صلى بهم، فقرأ سورة من
الطوال، ثم ركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام إلى الثانية، فقرأ سورة من
الطوال، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو
حتى انجلى كسوفها» (2)، ولا يزيد على خمسة ركوعات في كل ركعة؛ لأنه لم يرد
به نص، والقياس لا يقتضيه.
وإن شاء فعل صلاة الكسوف كنافلة بركوع واحد؛ لأن ما زاد عليه سنة.
ومهما قرأ به جاز، سواء أكانت القراءة طويلة أم قصيرة، وقد روي عن عائشة:
«أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أر بع
ركعات وأربع سجدات، وقرأ في الأولى بالعنكبوت والروم، وفي الثانية بيس»
(3).
_________
(1) رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وفي لفظ «صلى النبي ص حين كسفت الشمس
ثماني ركعات في أربع سجدات» رواه أحمد ومسلم والنسائي.
(2) رواه أبو داود وعبد الله بن أحمد.
(3) أخرجه الدارقطني.
(2/1426)
ودليل الجمهور على تعدد الركوع اثنين: حديث
عبد الله بن عمرو، قال: «لما كُسفت الشمس على عهد النبي صلّى الله عليه
وسلم نودي أن «الصلاة جامعة»، فركع النبي صلّى الله عليه وسلم ركعتين في
سجدة، ثم قام فركع ركعتين في سجدة، ثم جُلِي عن الشمس، قالت عائشة: ما ركعت
ركوعاً قط، ولا سجدت سجوداً قط، كان أطول منه» (1).
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «خَسَفَت الشمس على عهد رسول الله صلّى
الله عليه وسلم، فبعث منادياً: الصلاة جامعةً، فقام فصلى أربع رَكَعات في
ركعتين، وأربع سَجَدات» (2).
وهذان الحديثان ونحوهما ثابتة في الصحيحين، فهي أشهر وأصح، فقدمت على بقية
الروايات. قال ابن عبد البر: هذان الحديثان من أصح ما روي في هذا الباب.
ودليلهم على إطالة القراءة والركوع والقيام: حديث ابن عباس رضي الله عنهما،
قال: «خَسَفت الشمس، فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقام قياماً
طويلاً نحواً من سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً
طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع
الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً
طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً، وهو دون القيام
الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف، وقد
تجلَّت الشمس ... الخ» (3).
_________
(1) المراد بالسجدة هنا: الركعة بتمامها، وبالركعتين: الركوعان: كما في
رواية عائشة وابن عباس، والحديث متفق عليه (نيل الأوطار:325/ 3).
(2) حديث متفق عليه (المصدر السابق).
(3) متفق عليه (المصدر نفسه).
(2/1427)
ودليلهم على تطويل السجود: حديث ثبت في
الصحيحين في صلاته صلّى الله عليه وسلم لكسوف الشمس من حديث أبي موسى.
2ً
ـ الجهر والإسرار بالقراءة في صلاة الكسوفين:
للفقهاء آراء ثلاثة في الجهر بالقراءة أو الإخفات والإسرار في صلاتي الكسوف
والخسوف.
فقال أبو حنيفة (1): يخفي الإمام القراءة في صلاة الكسوف، لحديث ابن عباس
وسمرة رضي الله عنهما، أما حديث الأول فقال: «صليت مع النبي صلّى الله عليه
وسلم الكسوف فلم أسمع منه حرفاً من القراءة» (2)، وأما حديث سمرة فقال:
«صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كسوف، لا يسمع له صوتاً» (3)،
والأصل في صلاة النهار الإخفاء.
وأما صلاة الخسوف فتصلى فرادى سراً.
وقال الصاحبان: يجهر الإمام في صلاة الكسوف، لحديث عائشة: أنه صلّى الله
عليه وسلم جهر فيها (4).
_________
(1) فتح القدير:433/ 1 - 436، البدائع:281/ 1 - 282، الدر المختار:789/ 1،
اللباب:121/ 1، مراقي الفلاح: ص92.
(2) رواه أحمد وأبو يعلى في مسنديهما، والبيهقي والطبراني وأبو نعيم في
الحليمة، وفيه ابن لهيعة (نصب الراية:233/ 2).
(3) أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وقال عنه الترمذي: حديث حسن صحيح (نصب
الراية:234/ 2).
(4) رواه البخاري ومسلم، وللبخاري مثله من حديث أسماء بنت أبي بكر، ورواه
أبو داود والترمذي وابن حبان (نصب الراية:232/ 2، نيل الأوطار:331/ 3).
(2/1428)
وقال المالكية والشافعية (1): يسر الإمام
في صلاة الكسوف، لحديثي ابن عباس وسمرة المتقدمين، ولأنها صلاة نهارية، كما
قال الحنفية، ويجهر في صلاة خسوف القمر؛ لأنها صلاة ليل أو ملحقة بها، وقد
جهر النبي صلّى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته، في حديث عائشة
المذكور.
وقال الحنابلة (2): يجهر في صلاتي الكسوف والخسوف، لقول عائشة: «إن النبي
صلّى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في
ركعتين، وأربع سجدات» (3) وفي لفظ: «صلى صلاة الكسوف فجهر بالقراءة فيها»
(4).
والخلاصة: الإسرار في صلاة الكسوف مذهب الجمهور، ولكني أرجح مذهب الحنابلة
والصاحبين في الجهر بصلاة الكسوف والخسوف، قال الشوكاني: الجهر أولى من
الإسرار، لأنه زيادة.
3ً
ـ وقت صلاة الكسوف والخسوف: تصلى هذه
الصلاة وقت حدوث الكسوف والخسوف. وهل تصلى في الأوقات المنهي عن الصلاة
فيها؟ الجمهور: لا تصلى فيها؛ لأن تلك الأوقات تختص بجميع أجناس الصلاة،
والشافعية: تصلى فيها؛ لأن تلك الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في
أوقات خمسة تختص بالنوافل، وصلاة الكسوف سنة، فتجوز في أي وقت.
_________
(1) بداية المجتهد:204/ 1، الشرح الصغير:534/ 1،536، القوانين الفقهية:
ص88، مغني المحتاج:318/ 1، المهذب:122/ 1.
(2) المغني:423/ 2، كشا ف القناع:69/ 2.
(3) رواه البخاري ومسلم (نصب الراية، ونيل الأوطار: المكان السابق).
(4) صححه الترمذي.
(2/1429)
وتفصيل آراء
المذاهب كما يأتي، قال الحنفية
(1): وقت صلاة الكسوف هو الوقت الذي يستحب فيه أداء سائر الصلوات دون
الأوقات المكروهة؛ لأن أداء النوافل أو الواجبات في هذه الأوقات مكروهة،
كسجدة التلاوة وغيرها.
وقال المالكية (2): لا يصلى لكسوف الشمس
إلا في الوقت الذي تجوز فيه النافلة، فوقتها كالعيد والاستسقاء من حلّ
النافلة إلى الزوال، وهذه رواية المدونة عن مالك، فإذا كسفت بعد الزوال لم
تُصلَّ. وعلى رواية غير المدونة: يصلى لها حالاً، ويصلى لها بعد العصر.
وأما صلاة الخسوف: فيندب تكرارها حتى ينجلي القمر، أو يغيب في الأفق، أو
يطلع الفجر، فإن حصل واحد من هذه الثلاثة فلا صلاة.
وقال الشافعية (3): تصلى صلاة الكسوفين
في جميع الأوقات؛ لأنها ذات سبب، وتفوت صلاة كسوف الشمس، بالانجلاء لجميع
المنكسف، وبغروب الشمس كاسفة، دليل الأول خبر: «إذا رأيتم ذلك ـ أي الكسوف
ـ فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف مابكم» (4) فدل على عدم الصلاة بعد ذلك.
ودليل الثاني: أن الانتفاع بالصلاة يبطل بغروبها نيرة أو مكسوفة لزوال
سلطانها.
وتفوت صلاة خسوف القمر: بالانجلاء لحصول المقصود، وبطلوع الشمس
_________
(1) البدائع:282/ 1.
(2) بداية المجتهد:205/ 1، الشرح الصغير:533/ 1، 536.
(3) مغني المحتاج:319/ 1، المجموع:57/ 5.
(4) حديث متفق عليه عن المغيرة بن شعبة، بلفظ « ... فإذا رأيتموها ـ أي
الشمس والقمر ـ فادعوا الله تعالى، وصلوا حتى ينجلي» (نيل الأوطار:334/ 3).
(2/1430)
وهو ـ أي القمرـ منخسف لعدم الانتفاع حينئذ
بضوئه. ولا تفوت في الجديد بطلوع الفجر لبقاء ظلمة الليل والانتفاع به، كما
لاتفوت بغروب القمر خاسفاً، لبقاء محل سلطنته وهو الليل، فغروبه كغيبوبته
تحت السحاب خاسفاً.
وقال الحنابلة (1): وقتها: من حين
الكسوف إلى حين التجلي، لحديث المغيرة السابق وغيره، وإن تجلى الكسوف وهو
فيها أتمها خفيفة على صفتها، لقوله صلّى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود:
«فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» (2)، ولأن المقصود التجلي وقد حصل. ولا
يقطع الصلاة، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد:33/ 47] ولكن شرع
تخفيفها حينئذ لزوال السبب.
وإن شك في التجلي لنحو غيم أتمها من غير تخفيف؛ لأن الأصل عدمه، فيعمل
بالأصل في حال بقاء الكسوف، ويعمل بالأصل في وجود الكسوف إذا شك فيه، فلا
يصلي؛ لأن الأصل عدمه.
وتفوت صلاة الكسوفين بالتجلي قبل الصلاة، أو بغيبوبة الشمس كاسفة،
أو بطلوع الشمس والقمر خاسف، أو بطلوع الفجر والقمر خاسف؛ لأنه ذهب وقت
الانتفاع بهما (3).
وإن وقع الكسوف في وقت نهي عن الصلاة، دعا الله وذكره بلا صلاة، لعموم
أحاديث النهي. ويؤيده ما روى قتادة قال: «انكسفت الشمس بعد العصر، ونحن
بمكة، فقاموا يدعون قياماً، فسألت عن ذلك فقال: هكذا كانوا يصنعون» (4).
_________
(1) كشاف القناع:68/ 2 - 71، المغني:428/ 2.
(2) متفق عليه.
(3) لا عبرة بقول المنجمين في كسوف ولا غيره مما يخبرون به، ولا يجوز العمل
به؛ لأنه من الرجم بالغيب.
(4) رواه الأثرم. وإن فاتت صلاة الكسوف بفوات وقتها لم تقض، لقوله صلّى
الله عليه وسلم: «فصلوا حتى ينجلي».
(2/1431)
4ً
- هل لصلاة الكسوف خطبة؟ ثبت أن النبي
صلّى الله عليه وسلم لما انصرف من صلاة الكسوف وقد تجلت الشمس، حمد الله
وأثنى عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت
أحد ولا لحياته ... » الحديث (1).
فقال جماعة: إنه خطب؛ لأن من سنة هذه الصلاة الخطبة، كالحال في صلاة
العيدين والاستسقاء.
وقال آخرون: إن خطبة النبي صلّى الله عليه وسلم إنما كانت يومئذ؛ لأن الناس
زعموا أن الشمس إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه عليه السلام.
وتفصيل آراء المذاهب هو مايأتي (2):
قال الحنفية والحنابلة: لا خطبة لصلاة الكسوف؛ لأن النبي صلّى الله عليه
وسلم «أمر بالصلاة دون الخطبة» وإنما خطب بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وهذا
مختص به، وليس في الخبر ما يدل على أنه خطب كخطبتي الجمعة.
وكذلك قال المالكية: لا يشترط لهذه الصلاة خطبة، وإنما يندب وعظ بعدها
مشتمل على الثناء على الله، والصلاة والسلام على نبيه، لفعله عليه الصلاة
والسلام ذلك.
_________
(1) حديث متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها (نيل الأوطار:325/ 3).
(2) اللباب:121/ 1، البدائع:282/ 1، بداية المجتهد:205/ 1 ومابعدها، الشرح
الصغير:535/ 1، المهذب:122/ 1، كشاف القناع:68/ 2 ومابعدها، المغني:425/ 2.
(2/1432)
وقال الشافعية: السنة أن يخطب الإمام لصلاة
الكسوفين خطبتين بعد الصلاة، كخطبة العيد والجمعة بأركانهما، اتباعاً
للسنة، قالت عائشة: «إن النبي صلّى الله عليه وسلم لما فرغ من صلاته، قام،
فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: إن الشمس والقمر ... » (1)
ويحث فيهما السامعين على التوبة من الذنوب، وعلى فعل الخير كصدقة ودعاء
واستغفار، للأمر بذلك في البخاري وغيره، ويحذرهم الاغترار والغفلة، ويذكر
في كل وقت من الحث والزجر ما يناسبه.
لكن لا يخطب الإمام ببلد فيها وال إلا بأمر الوالي، وإلا فيكره.
ذكر الله تعالى والدعاء: اتفق الفقهاء
على أنه يستحب ذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار والصدقة والتقرب إلى الله
تعالى بما استطاع من القرب، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «فإذا رأيتم ذلك
فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا» وفي لفظ: «إذا رأيتم شيئاً من ذلك
فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره» (2) ولأنه تخويف من الله تعالى،
فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله تعالى ليكشفه عن عباده.
والدعاء يكون بعد الصلاة، يدعو الإمام جالساً مستقبل القبلة إن شاء، أو
قائماً مستقبل الناس.
5ً
ـ الجماعة في صلاة الكسوف وموضعها: اتفق
الفقهاء (3) على أن صلاة الكسوف تسن جماعةً في المسجد، وينادى لها (الصلاة
جامعة)، اتباعاً للسنة كما في الصحيحين، قالت عائشة: «خرج النبي
_________
(1) هو الحديث المتفق عليه عن عائشة السابق.
(2) متفق عليهما، الأول عن عائشة، والثاني عن أبي موسى رضي الله عنهما (نيل
الأوطار:334/ 3).
(3) البدائع:282/ 1، رد المحتار:788/ 1، فتح القدير:436/ 1، بداية
المجتهد:203/ 1،206، الشرح الصغير:533/ 1،535، مغني المحتاج:318/ 1،
المغني:420/ 2، كشاف القناع:68/ 2، القوانين الفقهية: ص88.
(2/1433)
صلّى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام
وكبر، وصف الناس وراءه» (1). ويصلي بالناس الإمام الذي يصلِّي بهم الجمعة.
وأجاز الحنابلة والشافعية: صلاتها فرادى؛ لأنها نافلة، ليس من شرطها
الاستيطان، فلم تشترط لها الجماعة كالنوافل. وقال الحنفية: إن لم يحضر إمام
الجمعة صلاها الناس فرادى ركعتين أو أربعاً، في منازلهم.
وأما صلاة خسوف القمر، ففيها رأيان: قال
الحنفية والمالكية: إنها تصلى فرادى (أفذاذاً) كسائر النوافل؛ لأن الصلاة
بجماعة في خسوف القمر لم تنقل عن النبي صلّى الله عليه وسلم، مع أن خسوفه
كان أكثر من كسوف الشمس، ولأن الأصل أن غير المكتوبة لا تؤدى بجماعة، قال
النبي صلّى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة» إلا
إذا ثبت بالدليل كما في العيدين وقيام رمضان وكسوف الشمس، ولأن الاجتماع
بالليل متعذر، أو سبب الوقوع في الفتنة.
وتصلى عند الشافعية والحنابلة صلاة الخسوف جماعة كالكسوف، لما روي عن ابن
عباس أنه صلى بالناس في خسوف القمر، وقال: صليت كما رأيت رسول الله صلّى
الله عليه وسلم (2)، ولحديث محمود بن لبيد: «فإذا رأيتموها كذلك فافزعوا
إلى المساجد» (3).
وهذا الرأي أولى؛ إذ لا فرق بين الخسوف والكسوف، وتسقط عمن له عذر في
التخلف عن أداء الجماعة.
أما سبب الاختلاف بين الرأيين: فهو اختلافهم في مفهوم قوله صلّى الله عليه
وسلم: «إن
_________
(1) متفق عليه.
(2) رواه الشافعي في مسنده عن الحسن البصري (نيل الأوطار:333/ 3).
(3) رواه أحمد والحاكم وابن حبان (المصدر السابق).
(2/1434)
الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا
ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموها، فادعوا الله، وصلوا، حتى
يكشف مابكم، وتصدقوا» (1) فالفريق الثاني الذي فهم من الأمر بالصلاة فيهما
معنى واحداً: وهي الصفة التي فعلها في كسوف الشمس، رأى أن الصلاة فيها
جماعة.
والفريق الأول الذي فهم من ذلك معنى مختلفاً؛ لأنه لم يرو عنه عليه الصلاة
والسلام أنه صلى في خسوف القمر مع كثرة دورانه، قال: المفهوم من ذلك أقل ما
ينطلق عليه اسم صلاة في الشرع، وهي النافلة فذاً.
ولا تقضى صلاة الخسوف والكسوف؛ لأنها مقرونة بسببها، فإذا زال السبب، فات
موجبها، وهو انجلاء الشمس وغياب القمر أو الشمس كاسفاً.
6ً
ـ هل صلاة خسوف القمر مثل صلاة الكسوف؟
قال الحنفية (2): تصلى صلاة الخسوف ركعتين أو أربعاً فرادى، كالنافلة، في
المنازل.
وقال المالكية (3): يندب لخسوف القمر ركعتان جهراً كالنوافل بقيام وركوع
فقط على العادة.
وقال الشافعية والحنابلة (4): صلاة الخسوف كالكسوف، بجماعة، بركوعين
وقيامين وقراءتين وسجدتين في كل ركعة، لكنها تؤدى جهراً لا سراً عند
_________
(1) أخرجه البخاري ومسلم.
(2) البدائع:282/ 1، مراقي الفلاح: ص92، الكتاب:121/ 1.
(3) القوانين الفقهية: ص88، بداية المجتهد:206/ 1، الشرح الصغير:536/ 1.
(4) مغني المحتاج:318/ 1، المغني:424/ 2، كشاف القناع:69/ 2.
(2/1435)
الشافعية، كما هو المقرر فيهما عند
الحنابلة، لقول عائشة:
«إن النبي صلّى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع
ركعات في ركعتين، وأربع سجدات» (1).
رابعاً ـ متى يدركها المسبوق؟ عرفنا أن لهذه الصلاة هيئة مخصوصة تتميز عند
غير الحنفية بركوعين في كل ركعة، فهل يدركها المسبوق بالركوع الأول أو
بالثاني؟
قال المالكية (2): تدرك الركعة من ركعتي الكسوف مع الإمام بالركوع الثاني،
فيكون هو الفرض، وأما الأول فهو سنة، والراجح أن الفاتحة فرض مطلقاً.
وقال الشافعية (3): من أدرك الإمام في ركوع أول، أدرك الركعة، كما في سائر
الصلوات، أما من أدركه في ركوع ثان أو قيام ثان، فلا يدرك الركعة في
الأظهر؛ لأن الأصل هو الركوع الأول وقيامه، والركوع الثاني وقيامه في حكم
التابع.
وهذا هو الراجح لدي، لأنه المتبادر للذهن، والثاني استثناء.
وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة (4): إذا أدرك المأموم الإمام في الركوع
الثاني، احتمل أن تفوته الركعة؛ لأنه قد فاته من الركعة ركوع، كما لو فاته
الركوع من غير هذه الصلاة. ويحتمل أن صلاته تصح؛ لأنه يجوز أن يصلي هذه
الصلاة بركوع واحد، فاجتزئ به في حق المسبوق.
_________
(1) متفق عليه.
(2) الشرح الصغير:535/ 1.
(3) مغني المحتاج: 319/ 1.
(4) المغني:428/ 2.
(2/1436)
خامساً ـ هل تقدم صلاة الكسوف على غيرها
عند اجتماعها معها؟ إذا اجتمع صلاتان كالكسوف مع غيره من الجمعة أو فرض آخر
أو العيد، أو الجنازة أو الوتر فأيهما يقدم؟
قال الشافعية والحنابلة (1):يقدم الفرض إن خيف فوته، لضيق وقته، وإلا بأن
لم يخف فوت الفرض، يقدم الكسوف، ثم يخطب للجمعة متعرضاً للكسوف، ثم تصلى
الجمعة، وتكفي عند الشافعية خطبة الجمعة عن خطبة الكسوف.
ولو اجتمع عيد أوكسوف مع صلاة جنازة، قدمت الجنازة على الكسوف والعيد
إكراماً للميت، ولأنه ربما يتغير بالانتظار، كما تقدم الجنازة على صلاة
الجمعة إن لم يخف فوتها.
وتقدم صلاة الكسوف على صلاة العيد والمكتوبة إن أمن الفوت.
ويقدم الخسوف على الوتر باتفاق الشافعية والحنابلة، كما يقدم عند الشافعية
على التراويح، وإن خيف فوت الوتر أو التراويح؛ لأنه آكد، ولأن الوتر يمكن
تداركه بالقضاء. وتقدم التراويح على الخسوف عند الحنابلة إذا تعذر فعلهما؛
لأنها تختص برمضان وتفوت بفواته.
_________
(1) مغني المحتاج:319/ 1 ومابعدها، المهذب:123/ 1، كشاف القناع: 72/ 2
ومابعدها، المغني:421/ 2 وما بعدها.
(2/1437)
|