الفقه
على المذاهب الأربعة أركان الحج
وأما أركان الحج فهي أربعة: الإحرام؛ وطواف الزيارة، ويسمى طواف الإفاضة.
والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، وهذه الأركان لو نقص واحد منها
بطل الحج، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إن له ركنين فقط، فانظر
مذهبهم تحت الخط (1) ، وإليك بيان هذه الأركان على هذا الترتيب.
__________
بين زوال الشمس يوم عرفة وغروبها فهو واجب يلزم في تركه هدي، ووقت طواف
الإفاضة من يوم عيد النحر إلى آخر شهر ذي الحجة، فإذا أخره عن ذلك لزم دم؛
وصح، ولا يصح قبل يوم العيد، بخلاف الوقوف لركن، فلا يصح قبل وقته المتقدم،
ولا بعده، ووقت بقية أعمال الحج على تفصيل سيأتي عند ذكر كل منها، فالسعي
يكون عقب طواف الإفاضة إن لم يتقدم عقب طواف القدوم، والرمي له أيام
مخصوصة: الأول، والثاني، والثالث، والرابع من أيام العيد، وهكذا مما يأتي؛
فوقت الحج الذي فيه جميع أعمال: شوال، وذو القعدة، وجميع ذي الحجة. وأما
المكان المخصوص.
وهو أرض عرفة للوقوف، فليس ركنا على حدة، ولا شرطاً كذلك، بل هو جزء من
مفهوم الركن، وهو الوقوف بعرفة، وكذا المسجد الحرام بالنسبة للطواف ليس
شرطاً لصحة الحج، بل هو شرط لصحة الطواف، وأما التمييز فلم يعدوه من شروط
الحج، وإن كان إحرام غير المميز لا يصح، لأنه شرط في الإحرام الذي هو
النية، لأن النية لا تصح من غير المميز؟ فليس عندهم شرط لصحة الحج إلا
الإسلام فقط.
الشافعية قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج يبتدئ من أول يوم من شوال إلى
طلوع فجر يوم عيد النحر؛ وهو شرط الإحرام بالحج، فلو أحرم به قبل هذا الوقت
أو بعده، فلا يصح حجاً، ولكن ينعقد عمرة، وأما الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة
والسعي بين الصفا والمروة وغير ذلك من أعمال الحج، فلكل منها وقت يأتي
بيانه عند ذكره، وليس عندهم من شروط صحة الحج سوى هذه الثلاثة: الإسلام،
والتمييز، والوقت المخصوص.
الحنابلة قالوا: الوقت الذي هو شرط لصحة الحج وأنواع: وقت الإحرام، ووقت
الوقوف بعرفة ووقت طواف الإفاضة، ووقت بقية أعمال الحج؛ كالسعي بين الصفا
والمروة أما وقت الإحرام فهو من أول شوال إلى قرب طلوع فجر يوم النحر، بحيث
يبقى على طول الفجر زمن يسع الإحرام والوقوف، والإحرام في هذا الوقت سنة،
ويصح قبل هذا الوقت وبعده مع الكراهة فيهما، وأما وقت الوقوف بعرفة وغيره
من بقية الأعمال، فسيأتي ذكره عند بيان كل منها
(1) الحنفية قالوا: للحج ركنان فقط، وهما الوقوف بعرفة، ومعظم طواف
الزيارة، وهو أربعة أشواط وأما باقية، وهو الثلاثة الباقية المكملة للسبعة،
فواجب، كما سيأتي، وأما الإحرام فهو من شروط الصحة؛ كما تقدم، والسعي بين
الصفا والمروة واجب لا ركن.
الشافعية قالوا: أركان الحج ستة: هي الأربعة المذكورة في أعلى الصحيفة،
وزادوا عليها
(1/577)
الركن الأول من
أركان الحج: الإحرام
تعريفه
الإحرام معناه في الشرع نية الدخول في الحج والعمرة، ولا يلزم في تحققه
اقترانه بتلبية، أو سوق هدي، أو نحو ذلك عند الشافعية، والحنابلة، أما
المالكية والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1)
مواقيت الإحرام
الميقات معناه في اللغة موضع الإحرام للحاج، وهو موافق للمعنى الشرعي،
فللإحرام ميقات مكاني، وميقات زماني، أما الميقات الزماني فقد تقدم الكلام
عليه في مبحث "وقت الحج" المتقدم قريباً، وأما الميقات المكاني فيختلف
باختلاف الجهات، فأهل مصر والشام والمغرب، ومن وراءهم من أهل الأندلس
والروم والتكرور ميقاتهم الجحفة، وهي - بضم الجيم، وسكون الحاء - قرية بين
مكة والمدينة، وهي خربة الآن، ويقرب منها القرية المعروفة برابغ، فيصح
الإحرام منها بلا كراهة؛ وهؤلاء يحرمون من هذا المكان عند محاذاته بحراً،
لأنه لا يلزم في الإحرام من الميقات المرور به في البرن، بل المدار على أحد
أمرين: إما المرور عليه أو محاذاته ولو بالبحر، وأهل العراق وسائر أهل
المشرق ميقاتهم ذات عرق، وهي قرية على مرحلتين من مكة، وسميت بذلك لأن بها
جبلاً يسمى عرقاً - بكسر العين - يشرف على واد يقال.
__________
ركنين آخرين: وهما إزالة الشعر، بشرط أن يزيل ثلاث شعرات، كلاً أو بعضاً من
الرأس لا من غيره، ويشترط أن يكون ذلك بعد الوقوف بعرفة، وبعد انتصاف ليلة
النحر في الحج وترتيب معظمم الأركان ويشترط أن يكون ذلك بعد الوقوف بعرفة،
وبعد انتصاف ليلة النحر في الحج وترتيب معظم الأركان الخمسة بأن يقدم
الإحرام على الجميع، والوقوف على طواف الإفاضة والحلق، والطواف على السعي
إن لم يفعل السعي عقب طواف القدوم
(1) الحنفية قالوا: الإحرام هو التزام حرمات مخصوصة، ويتحقق بأمرين. الأول:
النية: الثاني: اقترانها بالتلبية، ويقوم مقام التلبية مطلق الذكر، أو
تقليد البدنة مع سوقها، فلو نوى بدون تلبية أو ما يقوم مقامها مما ذكر، أو
لبى ولم ينو لا يكون محرماً، وكذا لو أشعر البدنة بجرح سنامها الأيسر، وهو
خاص بالإبل، أو وضع الجل عليها، أو أرسلها؛ وكان غير متمتع بالعمرة إلى
الحج، ولو يلحقها، أو قلد شاة لا يكون محرماً.
المالكية قالوا: الإحرام هو الدخول في حرمات الحج، ويتحقق بالنية فقط على
المعتمد ويسن اقترانه بقول: كالتلبية والتهليل، أو فعل متعلق بالحج:
كالتوجه، وتقليد البدنة
(1/578)
له: وادي العقيق، وأهل المدينة المنورة
بنور النبي صلى الله عليه وسلم ميقاتهم ذو الحليفة، وهي موضع ماء لبني جشم؛
بنيه وبين المدينة دون خمسة أميال، وهي أبعد المواقيت من مكة؛ لأن بينهما
تسع مراحل؛ أي سفر تسعة أيام، والميقات لأهل اليمن والهند يلملم - بفتح
اللامين؛ وسكون الميم بينهما - وهو جبل مشرف على عرفات، وهو على مرحلتين من
مكة يقال له: قرن المنازل، وهذه المواقيت لأهل هذه الجهات المذكورة، ولكل
من مر بها أو حاذاها، وإن لم يكن من أهل جهتها، فمن مر بميقات منها: أو
حاذاه قاصداً النسك، وجب عليه الإحرام منه، ولا يجوز له أن يجاوزه بدون
إحرام، فإن جاوزه ولم يحرم، وجب عليه الرجوع إليه ليحرم منه، إن كان الطريق
مأموناً؛ وكان الوقت متسعاً، بحيث لا يفوته الحج ولو رجع، فإن لم يرجع لزمه
هدي، لأنه جاوز الميقات بدون إحرام، سواء أمكنه الرجوع أو لم يمكن، لخوف
الطريق. أو ضيق الوقت، إلا أنه في حالة إمكان الرجوع يأثم بتركه، ولا فرق
في ذلك بين أن يكون أمامه مواقيت أخرى في طريق أو لا؛ وهذا الحكم بهذا
التفصيل متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، وأما الحنفية والمالكية، فانظر
مذهبيهما تحت الخط (1) .
ما يطلب من مريد الإحرام قبل أن يشرع
من أراد ألإحرام، فإنه يطلب منه أمور: بعضها سنة، وبعضها مندوب؛ وقد رأينا
أن نذكرها مفصلة في كل مذهب على حدة، ليسهل حفظها فانظرها تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنفية قالوا: إن جاوز الميقات بدون إحرام حرم عليه ذلك؛ ويلزمه الدم
إن لم يكن أمامه ميقات آخر يوم يمر عليه بعد، وإلا فالأفضل إحرامه من الأول
فقط إن أمن على نفسه من ارتكاب ما ينافي الإحرام، فإن لم يأمن فالأفضل أن
يؤخر الإحرام إلى آخر المواقيت التي يمر بها.
المالكية قالوا: متى مر بميقات من هذه المواقيت وجب عليه الإحرام؛ فإن
جاوزه بدون إحرام حرم، ولزمه دم، إلا إذا كان ميقات جهته أمامه يمر عليه
فيما بعد، فإن كان كذلك ندب له الإحرام من الأول فقط، فإن لم يحرم منه فلا
إثم عليه ولا دم، وخالف المندوب
(2) الحنفية قالوا: يطلب منه أمور: منها الاغتسال، وهو سنة مؤكدة ويقوم
مقامه الوضوء
(1/579)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
في تحصيل أصل السنة، ولكن الغسل أفضل، وهذا الغسل للنظافة لا للطهارة،
فيطلب من الحائض أو النفساء حال الحيض النفاس، وإذا فقد الماء سقط ولم يشرع
بدله التيمم، إذ لا نظافة في التيمم، ومنها قص الأظافر، وحلق الشعر المأذون
في إزالته.
كشعر الرأس والشارب إذا اعتاد حلق ذلك؛ وإلا فيسرحه، وهذا مستحب، ويكون قبل
الغسل؛ ومنها جماع زوجته إذا لم يكن بها مانع؛ لئلا يطول عليه العهد، فيقع
فيما يفسد الإحرام، وهو مستحب أيضاً ومنها لبس إزار ورداء، والإزار هو ما
يستتر له من سرته إلى ركبته، والرداء هو ما يكون على الظهر والصدر
والكتفين؛ وهو مستحب أيضاً، وإن زرّر أو عقده أساء، ولا دم عليه؛ ويستحب أن
يكون الإزار والرداء جديدين أو مغسولين طاهرين، وأن يكونا أبيضين، ومنها
التطيب في البدن والثوب بطيب لا تبقى عينه بعد الإحرام؛ وإن بقيت رائحته،
وهو مستحب إن كان عنده طيب؛ وإلا فلا يستحب؛ ومنها أن يصلي بعدما تقدم
ركعتين إذا كان الوقت ليس وقت كراهة وإلا فلا يصلي، وهذه الصلاة سنة على
الصحيح؛ والأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة {قل يا
أيها الكافرون} وفي الثانية بالفاتحة؛ وسورة الإخلاص ويقوم مقامها الصلاة
المفروضة إذا أحرم بعدها، ومنها أن يقول بلسانه قولاً مطابقاً لما في قلبه:
اللهم إني أريد الحج، فيسره لي، وتقبله مني، ثم يلبي بعد ذلك، وصفة التلبية
أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك
والملك؛ لا شريك لك، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من
التلبية بصوت منخفض، ويكثر ما استطاع من التبية عقب كل صلاة مكتوبة، وكذا
كلما لقي ركباً، أو ارتفع على مكان، أو هبط وادياً، وكذا يكثرها بالأسحار،
وحين يستيقظ من نومه، وعند الركوب والنزول، ويستحب في التلبية كلها رفع
الصوت بدون إجهاد.
المالكية قالوا: يسن له أن يغتسل ولو كان حائضاً أو نفساء، لأنه مطلوب
للإحرام، وهو يتأتى من كل شخص، ولا تحصل السنة إلا إذا كان متصلاً
بالإحرام، فلو اغتسل ثم انتظر طويلاً عرفاً بلا إحرام أعاده، ويندب أن يكون
الغسل بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، لمن أراد أن يحرم
من ذي الحليفة، وإذا كان فاقداً للماء، فلا يشرع له التيمم بدل الغسل، ويسن
أيضاً تقليد الهدي إن كان معه، ثم إشعاره بعد ذلك، والتقليد هو: تعليق
قلادة في عنقه، ليعلم به المساكين، فتطمئن نفوسهم، والإشعار هو أن يشق من
السنام قدر الأنملة أو الأنملتين، ويكون بالجانب الأيسر، ويبدأ به من العنق
إلى المؤخر، وإنما تقلد الإبل والبقر ولا يشعر إلا الإبل وما له سنام من
البقر، أما الغنم فلا تقلد ولا تشعر، ويندب أن يلبس إزاراً ورداء ونعلين،
والإزار هو ما يستر العورة من السرة إلى الركبة، والرداء هو ما يلقى على
الكتفين ولو لبس غيرهما مما ليس مخطياً ولا محيطاً، فلا يضر، ولكن يفوت
المندوب، ومن السنن إيقاع الإحرام عقب صلاة، ويندب أن يكون ركعتي نفل إن
كان الوقت مما تجوز فيه النافلة، وإلا انتظر حتى تحل النافلة، والأولى أن
يحرم الراكب إذا استوى على ظهر دابته، والماشي إذا أخذ في المشي، ويسن قرن
الإحرام بالتلبية، كما تقدم، والتلبية في ذاتها واجبة؛ ويندب تجديدها عند
تغير الحال، كصعود على مرتفع، أو هبوط إلى واد، أو ملاقاة رفقة، وعقب
الصلاة،
(1/580)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
ويستمر يلبي حتى يدخل مكة، ثم يقطعها حتى يطوف، ويسعى إذا أراد السعي عقب
طواف القدوم ثم يعاودها بعد ذلك حتى تزول الشمس يوم عرفة، ويصل إلى مصلاها،
فيقطعها حينئذ، فإن لم يعاودها كان تاركاً للواجب، وعليه دم، ويندب التوسط
فيها، فلا يداب عليها حتى يمل ويضجر، كما يندب التوسط في رفع صوته بها، فلا
يخففه
جداً، ولا يرفعه جداً؛ بل يكون بين الرفع والخفض ويندب الاقتصار على اللفظ
الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك
لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
الحنابلة قالوا: يسن له أن يغتسل ولو حائضاً أو نفساء، أو يتيمم لعدم
الماء. أو عجزه عن استعماله بمرض ونحوه، ولا يضر حدث بين الغسل والإحرام،
ويسن له أيضاً أن يتنظف قبل إحرامه بأخذ شعره، وقلم ظفره، وإزالة رائحة
كريهة، ويسن له أيضاً أن يطيب بدنه بالطيب وكره تطييب ثوبه، فإن طيبه
واستدام لبسه فلا بأس ما لم ينزعه فإن نزعه لم يجز له لبسه قبل غسله، ويسن
له أيضاً قبل إحرامه لبس إزار ورداء أبيضين نظيفين جديدين ونعلين بعد تجرده
عن المخيط إن كان ذكراً، ويسن له إحرامه عقب صلاته مفروضة أو نافلة، بشرط
أن لا يكون أداء النافلة وقت نهي، وأن لا يكون عادماً للماء والتراب، ويسن
أن يعين في إحرامه نسكاً، حجاً كان أو عمرة، أو قراناً، وأن يتلفظ بما
يعينه، ويسن له أن يقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فيسره لي، وتقبله
مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن فعل ذلك وحبس بمرض أو عدو ونحوه
حل؛ ولا شيء عليه.
الشافعية قالوا: يسن لمن يريد الإحرام أمور: منها الغسل قبله، ولو مع بقاء
الحيض، وينوي به غسل الإحرام، ويكره تركه لغير عذر، فإن عجز عنه لعدم
الماء، أو لعدم قدرته على استعماله يتيمم، ومنها إزالة شعر الإبط والعانة،
وقص الشارب، وتقليم الأظافر وحلق الرأس، لمن يتزين به، وإلا أبقاه ولبده
بنحو صمغ، وهذا إذا كان عازماً على عدم التضحية، وإلا أخر ذلك إلى ما
بعدها، ويسن تقديم هذه الأشياء على الغسل في حَق غير الجنب، أما هو فيسن له
تأخيرها عنه، ومنها تطييب البدن بعد الغسل إلا لصائم، فيكره، وإلا للمرأة
التي وجب عليها الإحداد - ترك الزينة - لوفاة زوجها فيحرم، ولا بأس
باستدامته بعد الإحرام، ولو كان مما له جرم، ولا يضر تعطر الثوب بسبب ذلك
ومنها الجماع قبل إحرامه، ومنها أن تخضب المرأة يديها إلى الكوعين من غير
نقش، وأن تمسح وجهها بشيء من الخضاب، ومنها أن يلبس إن كان رجلاً إزاراً
ورداءً أبيضين جديدين؛ وإلا فمغسولين، ونعلين، ويكره لبس المصبوغ ومنها
صلاة ركعتين سنة الإحرام القبلية في غير وقت الكراهة، إلا لمن كان في الحرم
المكي، فيصليها مطلقاً، ويقوم مقامها أي صلاة يصليها فرضاً أو نفلاً، ويسر
القراءة فيهما ولو ليلاً، ومنها استقبال القبلة عند بدء الإحرام، ويقول:
اللهم احرم لك شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومنها التلبية، وهي أن يقول: لبيك
اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك
لك، يقول ذلكبسكينة ووقار للذكر، ويسن أن يرفع صوته بها ما دام محرماً، فإن
لم يكن محرماً فالسنة الإسرار بها، كما أن السنة للمرأة أن تسر بها على كل
حال، ويكره لها رفع الصوت بها
(1/581)
ما لا يجوز للمحرم
فعله بعد الدخول في الإحرام: الجماع - الصيد - الطيب
نهى الشارع المحرم عن أشياء بعضها لا يحل فعله، وبعضها يكره فعله، وإليك
بيانها:
يحرم على المحرم عقد النكاح، ويقع باطلاً عند ثلاثة؛ وخالف الحنفية، فانظر
مذهبهم تحت الخط (1) ، وكذا يحرم عليه الجماع ودواعيه: كالقبلة والمباشرة،
ويحرم الخروج عن طاعة الله تعالى بأي فعل محرم، وإن كان ذلك محرماً في غير
الحج، إلا أنه يتأكد فيه، وتحرم المخاصمة مع الرفقاء والخدم وغيرهم، لقوله
تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحج} والرفث
الجماع ودواعيه، والكلام الفاحش، والجدال: المخاصمة؛ ويحرم أيضاً التعرض
لصيد البر بالقتل أو الذبح، أو الإشارة إليه إن كان مرئياً، أو الدلالة
عليه إن كان غير مرئي، أو نحو ذلك: كإفساد بيضه، وإنما يحرم التعرض له إذا
كان وحشياً مأكولاً، أما إذا كان غير مأكول، فيجوز التعرض له عند الشافعية،
والحنابلة، أما الحنفية، والمالكية، فقالوا: يحرم التعرض لصيد البر الوحشي
مطلقاً، سواء كان مأكولاً أو غير مأكول؛ وأما صيد البحر فهو حلال: قال الله
تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد
البر ما دمتم حرماً} والبري: هو ما يكون توالده وتناسله في البر، وإن كان
يعيش في الماء، والبحري بخلافه عند ثلاثة؛ وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم
تحت الخط (2) . ويحرم عليه أيضاً استعمال الطيب: كالمسك في ثوبه؛ أو بدنه،
وقلم الظفر، ويحرم على الرجل أن يلبس مخيطاً أو محيطاً ببدنه، أو بعضه:
كالقميص والسراويل والعمامة والجبة، ويقال لها القباء والخف إلا إذا لم يجد
نعلين، فيجوز لبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين؛ وتغطية رأسه
ووجهه أو بعضه بأس ساتر، عند الحنفية، والمالكية، أما الشافعية، والحنابلة،
فقالوا: لا يحرم على الرجل تغطية وجهه.
__________
بحضرة الأجانب، ومثلها الخنثى، ويصلي ويسلم عقبها على النبي صلى الله عليه
وسلم، وتتأكد التلبية ثلاثاً عند تغير الأحوال من سكون إلى
حركة، وصعود وهبوط، واختلاط رفقة، وإقبال ليل أو نهار ثم يدعو بعدها بما
شاءَ، والوارد أفضل
(1) الحنفية قالوا: يجوز للمحرم عقد النكاح، لأن الإحرام لا يمنع صلاحية
المرأة للعقد عليها، وإنما يمنع الجماع، فهو كالحيض، والنفاس، والظهار قبل
تكفيره، في أن كلاً منها يمنع الجماع فقط، لا صحة العقد
(2) الشافعية قالوا: البري ما يعيش في البر فقط؛ أو يعيش فيه؛ وفي البحر:
كالسلحفاة البحرية، والبحري ما لا يعيش إلا في البحر
(1/582)
ستر وجه المرأة
المحرمة ورأسها
ويجوز للمرأة أن تستر وجهها ويديها وهي محرمة إذا قصدت الستر عن الأجانب
بشرط أن تسدل على وجهها ساتراً لا يمس وجهها، عند الحنفية، والشافعية؛
وخالف الحنابلة، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) .
لبس الثوب المصبوغ بما له رائحة طيبة، وإزالة
الشعر
يحرم لبس ثوب مصبوغ بما له رائحة طيبة، على تفصيل مذكور تحت الخط (2) .
__________
(1) الحنابلة قالوا: للمرأة أن تستر وجهها لحاجة، كمرور الأجانب بقربها،
ولا يضر التصاق الساتر بوجهها، وفي هذا سعة ترفع المشقة والحرج.
المالكية قالوا: إذا قصدت المرأة بستر يديها أو جهها التستر عن أعين الناس،
فلها ذلك إذا تحققت أن هناك من ينظر إليها بالفعل، أو كانت بارعة الجمال،
لأنها مظنة نظر الرجال، وهي محرمة، بشرط أن يكون الساتر لا غرز فيه، ولا
ربط، وإلا كان محرماً، وعليها الفدية في ستر الوجه كما يأتي، فإذا لم يتحقق
هذان الشرطان، فإنه يحرم عليها ستر وجهها ويديها بشيء يحيط بهما. كالقفاز،
وهو لباس يعمل على قدر اليدين لاتقاء البرد، ويحرم سترهما بشيء فيه خياطة
أو ربط؛ وأما إدخالهما في قميصها، فلا يحرم، كما لا يحرم عليها ستر جزء من
وجهها يتوقف عليه ستر رأسها ومقاصيصها
(2) الحنفية قالوا: يحرم لبس المصبوغ بالعصفر، وهو زهر القرطم، والورس -
بفتح الواو، وسكون الراء - وهو نبت أحمر باليمن، والزعفران ونحو ذلك من
أنواع الطيب، إلا إذا غسل بحيث لا تظهر له رائحة، فيجوز لبسه حال الإحرام.
المالكية قالوا: المصبوغ بما له رائحة يحرم على المرحم، وذلك كالمصبوغ
بالورس والزعفران. وأما المصبوغ بالعصفر: فإن كان صبغه قوياً بأن صبغ مرة
بعد أخرى حرم لبسه ما لم يغسل، وإن كان صبغه ضعيفاً، أو كان قوياً وغسل،
فلا يحرم لبسه، وإنما يكره لبسه لمن كان قدوة لغيره، لئلا يكون وسيلة لأن
يلبس العوام ما يحرم، وهو المطيب.
الشافعية قالوا: المصبوغ بما تقصد رائحته: كالزعفران والورس، لا يجوز لبسه
إلا إذا زالت الرائحة بالمرة، وأما المصبوغ بما يقصد للون دون الرائحة:
كالعصفر والحناء فلبسه لا يحرم.
الحنابلة قالوا: يحرم عليه لبس المصبوغ بالورس أو الزعفران، وأما المصبوغ
بالعصفر، فيباح لبسه، سواء كان الصبغ قوياً أو ضعيفاً
(1/583)
شم الطيب وحمله حال
الإحرام
يكره للمحرم أن يشم الطيب - الروائح العطرية - أو يحمله، باتفاق، أو المكث
بمكان فيه رائحة عطرية، فإنه مكروه، عند المالكية، والحنفية، سواء قصد شمه
أو لا: أما الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) .
إزالة شعر الرأس وغيره حال الإحرام
يحرم على المتلبس بالإحرام أن يزيل شعر رأسه بالحلق أو القص أو غيرهما، كما
يحرم عليه إزالة شعر غير الرأس، ولو كان نابتاً في العين، ويستثنى من ذلك
ما إذا تأذى ببقائه، فيجوز إزالته، وفيه الفدية، إلا في إزالة شعر العين
إذا تأذى به، فلا فدية، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ،
وسيأتي تفصيل ذلك في باب الفدية.
الخضاب بالحناء حال الإحرام
لا يجوز للمحرم أن يختضب الحناء، لأنه طيب، والمحرم ممنوع من التطيب، سواء
كان رجلاً أو امرأة، وسواء كان الخضاب بها في اليدين، أو في الرأس، أو غير
ذلك من أجزاء البدن، عند المالكية، والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة،
فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) .
__________
(1) الحنابلة، الشافعية قالوا: إذا قصد شم الطيب، كما إذا وضع وردة على
أنفه بقصد شمها حرم عليه ذلك، سواء كان معه أو مكث بمكانه، أما إذا لم يقصد
شمه، فلا حرمة عليه
(2) المالكية قالوا: إزالة الشعر مطلقاً حرام على المحرم، سواء كان الشعر
في العين أو غيره، إلا لعذر يقتضي إزالته؛ فلا يحرم حينئذ، وفيها الفدية،
ولو كان في العين
(3) الشافعية قالوا: يكره الخضاب بالحناء للمرأة حال الإحرام: إلا إذا كانت
معتدة من وفاة؛ فيحرم عليها ذلك؛ كما يحرم عليها الخضاب إذا كان نقشاً، ولو
كانت غير معتدة، وأما الرجل فيجوز له الخضاب بها حال الإحرام في جميع أجزاء
جسده، ما عدا اليدين والرجلين، فيحرم خضبهما بغير حاجة، وكذا لا يجوز له أن
يغطى رأسه بحناء ثخينة.
الحنابلة قالوا: لا يحرم على المحرم ذكراً كان أو أنثى الاختضاب بالحناء في
أي جزء من البدن ما عدا رأس الرجل، وفي هذه سعة
(1/584)
هل يجوز للمحرم أن
يأكل أو يشرب ما فيه طيب
لا يجوز للمحرم أن يأكل أو يشرب طيباً أو شيئاً مخلوطاً بطيب، سواء كان
قليلاً أو كثيراً إلا إذا استهلك الطيب، بحيث لم يبق له طعم، ولا رائحة،
باتفاق ثلاثة وللمالكية في هذا تفصيل مذكور تحت الخط (1) ، فإذا بقي للطيب
طعم أو رائحة حرم، باتفاق، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يضاف إليه الطيب
مطبوخاً أو غير مطبوخ، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط
(2) .
الاكتحال بما فيه طيب، دهن الشعر والبدن
لا يجوز للمحرم أن يكتحل بما فيه طيب، فإن فعل ففيه الجزاء الآتي بيانه،
أما الاكتحال بما ليس فيه طيب فجائز؛ باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية؛ فانظر
مذهبهم تحت الخط (3) ويحرم عليه إسقاط شعره، فإن فعله ففيه الجزاء الآتي.
ولا يجوز للمحرم أن يدهن شعره أو بدنه، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت
الخط (4) .
__________
(1) المالكية قالوا: المراد باستهلاك الطيب في الطعام ذهاب عينه بالطبخ،
ومتى كان كذلك لا يحرم، ولو ظهر ريحه: كالمسك. أو لونه: كالزعفران. أما ما
اختلط بشيء من غير طبخ فيحرم تناوله على المحرم. وقال بعضهم: إن الطيب إذا
طبخ في الطعام لا يحرم تناوله. ولو بقيت عينه
(2) الحنفية قالوا: إذا تغير الطيب بالطبخ فلا شيء على المحرم في أكله سواء
وجد رائحته أو لا. أما إن خالط ما يؤكل بلا طبخ فإن كان الطيب مغلوباً، فلا
شيء فيه، إلا أنه يكره إن وجدت معه رائحة الطيب: وإن كان غالباً ففيه
الجزاء. وهذا إذا خلط بما يؤكل، فإن خلط بما يشرب، فإن كان غالباً ففيه دم،
وإن كان مغلوباً ففيه صدقة. إلا إن شرب مراراً. ففيه دم، كما يأتي، أما إن
أكل عين الطيب. فإن كان كثيراً ففيه دم وإلا فلا شيء فيه
(3) المالكية قالوا: يحرم على المحرم الاكتحال مطلقاً بما فيه طيب وغيره
إلا لضرورة فيجوز مطلقاً، غير أنه إذا اكتحل بطيب لضرورة فعليه الفدية، وإن
اكتحل بغير مطيب لضرورة، فلا فدية عليه
(4) المالكية قالوا: يحرم عليه دهن الشعر والجسد، أو بعضه، بأي دهن كان،
ولو كان خالياً من الطيب، فإن فعل ذلك فعليه الفدية، كما سيأتي، إلا إذا
ادهن بما لا يطب فيه لمرض به؛ فلا فدية عليه، سواء كان المرض في باطن
اليدين أو في الرجلين أو غيرهما، وفي غيرهما خلاف في موجب الفدية.
الحنفية قالوا: الأشياء التي تستعمل في البدن تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
الأول: طيب محضر أعد
(1/585)
حكم قطع حشيش الحرم
وشجره
لا يحل للمحرم، كما لا يحل لغيره أن يتعرض لشجر الحرم بقطع، أو قلع، أو
إتلاف، ولا لغصن من أغصانه، ولو كانت الأغصان واصلة إلى الحل، أما إذا كان
الشجر مغروساً في الحل، فيباح التعرض له، والانتفاع به إذا لم يكن مملوكاً
للغير، ولو وصلت أغصانه إلى داخل الحرم؛ ومثل الشجر في ذلك حشيش الحرم، إلا
الإذخر، وهو نبت معروف طيب الرائحة وكذا السنا المعروف - بالسنامكي - فإنه
يباح التعرض لها بالقطع وغيره. وفي شجر الحرم وحشيشه تفصيل مذكور تحت الخط
(1) .
__________
للتطيب به؛ كالمسك، والكافور، والعنبر، ونحو ذلك، وهذا النوع لا يجوز
للمحرم استعماله في ادهان أو غيره، بأي وجه كان، الثاني: ما ليس طيباً
بنفسه، وليس فيه معنى الطيب ولا يصير طيباً بوجه: كالشحم، وهذا النوع يجوز
للمحرم استعماله في الأدّهان، ونحوه، ولا شيء في استعماله، الثالث: ما ليس
طيباً بنفسه، ولكنه أصل للطيب، وهذا يستعمل تارة على وجه التطيب والادهان؛
وتارة على وجه التداوي: كالزيت؛ فإن استعمل التطيب والأدّهان فهو في حكم
الطيب، لا يجوز للمحرم استعماله، أما إذا استعمل للتداوي. فإنه يجوز للمحرم
كما يجوز له أكله.
الشافعية قالوا: يحرم الأدّهان بما له رائحة طيبة مطلقاً، ويجوز الادهان
بغيره في جميع البدن إلا في شعر الرأس والوجه؛ فلا يجوز إلا لحاجة.
الحنابلة قالوا: ما له رائحة طيبة يحرم على المحرم الدّهان به في سائر
بدنه، أو أي جزء، أما ما ليس كذلك: كالزيت فلا يحرم الادهان به، ولو في شعر
الرأس والوجه
(1) الشافعية قالوا: يحرم التعرض لأشجار الحرم الرطبة. وحشيشه الرطب بقطع
أو قلع أو إتلاف، ولو كان مملوكاً للمتعرض ما عدا ما ذكر. ويزاد عليه الشوك
فيباح قطعه، وإنما يحرم التعرض لشجر الحرم وحشيشه إن كان بغير قصد إصلاحه
كأن يقلم الشجر لنموه، وإلا جاز أما الشجر اليابس فيجوز قطفه وقلعه وكذا
يجوز قطع الحشيش اليابس. أما قلعه فيحرم مطلقاً. إلا إذا فسد منبته. فيجوز
أيضاً. ولا فرق في الشجر بين الذي نيت بنفسه: كالسنط وما أنبته الناس:
كالنخل. فيحرم التعرض له مطلقاً. أما الحشيش والحبوب ونحوها فإنما يحرم
التعرض لها إذا نبتت بنفسها. فإذا زرعها الناس جاز لهم التعرض لها محرمين
أو غير محرمين ويستثنى من المنع أمور: منها أخذ سعف النخل وورق الشجر بلا
خبط يضر بالشجر وإلا حرم. ومها أخذ ثمر الشجر. وكذا عود السواك، بشرط أن
ينبت مثله في سنة. ومنها رعي الشجر بالبهائم. ومنها أخذه للدواء: كالحنظل
والسنامكي.
الحنابلة قالوا: يحرم قلع شجر الحرم المكي وحشيشه إذا كان رطبين. ولو كان
فيهما مصرة: كالشوك. وكذا السواك ونحوه. والورق الرطب. أما ما كان يابساً
من الشجر والحشيش فلا بأس
(1/586)
ما يباح للمحرم
الفصد - الحجامة - حك الجلد والشعر
يباح للمحرم الفصد والحجامة من غير حلق الشعر، باتفاق ثلاثة، وخالف
المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وكذا يباح له حك الجلد والشعر إذا
لم يترتب على ذلك سقوط الشعر، أو الهوام، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال
الشافعية؛ يكره للمحرم حك جلده وشعره، ما لم يترتب عليه سقوط الشعر، وإلا
كان حراماً.
__________
بقطعهما أو قلعهما. لأنهما كالميت وكذا لا بأس بقطع الإذخر، والفقع والكمأة
والتمرة، وإن كان كل ذلكرطباً. كما لا بأس بقطع أو قلع ما زرعه آدمي من شجر
أو حشيش، لأنه مملوك الأصل، ويباح رعي حشيش الحرم، المذكور، والانتفاع بما
تساقط من ورق الشجر، وما انفصل من الأرض، أو انكسر من غير فعل آدمي، ولم
ينفصل المنكسر عن أصله، أما ما قطعه آدمي فلا يجوز أن ينتفع به هو أو غيره.
الحنفية قالوا: النابت في أرض الحرم. إما أن يكون جافاً، أو منكسراً، وإما
أن يكون غير ذلك، فالجاف والمنكسر لا يدخل في حكم شجر الحرم، لأنه حطب؛
وكذا حشيش الإذخر فإنه مستثنى من شجر الحرم وغير الجاف وهو قابل للنمو. إما
أن يكون نابتاً بنفسه أو لا. والأول إما أن يكون من جنس ما ينبته الناس:
كالزرع. أولاً: كالشجرة المعروفة - بأم غيلان - فالذي يحرم قطعه من ذلك هو
الذي ينبت بنفسه، وليس من جنس ما ينبته الناس. وهذا لا يجوز قطعه مطلقاً.
سواء كان مملوكاً أو غير مملوك. إلا أنه إذا قطعه مالكه حرم عليه قطعه فقط
وليس عليه جزاء، وإذا قطعه غير مالكه فعليه الجزاء؛ وسيأتي بيانه؛ وعليه
قيمته، ويعفى عما يقطع من ذلك بسبب نصب الخيمة، أو حفر الكانون، أو وطء
الدواب، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه أما الذي ينبته الناس، أو ينبت بنفسه،
وهو من جنس ما ينبته الناس، فإنه يحل قطعه والانتفاع به إذا لم يكن مملوكاً
للغير فإن كان مملوكاً للغيرلزم دفع قيمته لمالكه.
المالكية قالوا: يحرم قطع ما شأنه أن ينبت بنفسه من الشجر والنبات: كالبقل
البري، وشجرة الطرفاء، ولو زرع، وسواء كان أخضر أو يابساً، ويستثنى من ذلك
أمور. أولاً: الإخذر وهو نبت كالحلفاء طيب الرائحة؛ ثانياً: السنا، المعروف
بالسنامكي، للاحتياج إليه في التداوي، ثالثاً: قطع ورق الشجر بالمجن، وهو
عصا معوجة، يضعها على الغصن، ويحركها، فيقع الورق من غير خبط، وأما خبط
العصا على الشجر ليقع ورقه فهو حرام، وأما الشجر أو النبات الذي شأنه أن
يزرع كالخس، والحنطة، والبطيخ والرمان، فيجوز قطعه من أرض الحرم ولو كان
نابتاً بنفسه
(1) المالكية قالوا: يكره للمحرم الفصد والحجامة لغير حاجة، ويجوزان لحاجة،
وعليه الفدية إن وضع على موضعهما عصابة، وإلا فلا
(1/587)
غسل الرأس والبدن
والاستظلال
يباح للمحرم غسل رأسه وبدنه بالماء لإزالة الأوساخ عنه، بشرط أن لا يغتسل
بما يقتل الهوام، فيجوز الاغتسال بالصابون ونحوه من المنظفات التي لا تقتل
الهوام؛ ولو كانت له رائحة، عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية،
والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، ويجوز له أيضاً أن يستظل بالشجرة
والخيمة والبيت والمحمل والمظلة المعروفة - بالشمسية - بشرط أن لا يمس شيء
من ذلك رأسه ووجهه، فإن كشفهما واجب، باتفاق المالكية والحنفية، أما
الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
ما يطلب من المحرم لدخول مكة
يسن له أن يغتسل لدخول مكة، وهذا الغسل للنظافة لا لطواف القدوم، باتفاق
ثلاثة من الأئمة ولذا يطلب من الحائض والنفساء عندهم، وخالف المالكية،
فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، ويستحب له أن يدخلها نهاراً، وأن يكون دخوله
من أعلاها، ليكون مستقبلاً للبيت تعظيماً له، وأن يكون دخوله من بابها
المعروف - بباب المعلى - وإذا دخلها بدأ بالمسجد الحرام بعد أن يأمن على
أمتعته، ويندب له أن يدخل المسجد من باب السلام نهاراً، ملبياً متواضعاً
خاشعاً، وأن يرفع يديه عند رؤية البيت، ويكبر ويهلل، ويقول: اللهم زد هذا
البيت.
__________
(1) المالكية قالوا: لا يجوز للمحرم إزالة الوسخ بالغسل، ويستثنى من ذلك
غسل اليدين فيجوز بما يزيل الوسخ كالصابون ونحوه مما ليس بطيب، أما الغسل
بالطيب الذي تبقى رائحته في اليد فلا يجوز.
الحنفية قالوا: يجوز للمحرم أن يغتسل بما يزيل الوسخ، ولا يقتل الهوام. كما
قال الشافعية والحنابلة، إلا أنه لا يجوز له أن يغتسل بما له رائحة عطرية
(2) الشافعية قالوا: يجوز الاستظلال بكل ما ذكر. ولو لاصق رأسه أو وجهه لكن
لو وضع على رأسه ما يقصد به الستر عرفاً: كعباءة. وقصد الاستتار به حرم
عليه ذلك. وإلا فلا.
الحنابلة قالوا: إذا استظل بما يلازمه غالباً كالمحمل حرم عليه ذلك. سواء
كان راكباً أو ماشياً وإن استظل بما لا يلازمه، كشجرة أو خيمة جاز له ذلك
(3) المالكية قالوا: الغسل لدخول مكة مندوب لا سنة. وهو للطواف بالبيت لا
للنظافة فلا تفعله الحائض ولا النفساء، لأنهما ممنوعتان من الطواف، لأن
الطهارة شرط فيه، كما يأتي، ويندب أن يدخل مكة نهاراً في وقت الضحى، فإن
قدم ليلاً بات بمكان يعرف بذي طوى، وأخر الدخول للغد إذا ارتفع النهار، ولم
ينصوا على طلب الدعاء عند رؤية البيت، سواء كان الدعاء خاصاً أو عاماً
(1/588)
تشريفاً وتعظيماً، وتكريماً ومهابة، وبراً،
وزد من عظمته وشرفه ممن حجه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً، وتكريماً ومهابة،
وبراً، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنفية يقولون: يكره له رفع يديه، وهو
يدعو، ولفظ الدعاء الوارد: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام: فحينا ربنا
بالسلام"، ويدعو بعد ذلك بما شاء، وبعد ذلك يطوف القدوم المذكور، وإنما يسن
هذا الطواف للمحرم بشرطين؛ أحدهما: أن يكون قادماً من خارج مكة، ولهذا يسمى
طواف القدوم، الشرط الثاني: أن يتسع له الوقت، وإلا ذهب للوقوف وتركه إذا
ظن أنه يعطله عن الوقوف.
الركن الثاني من أركان الحج: طواف الإفاضة
أنواع الطواف ثلاثة: النوع الأول: الطواف الركن، فمن لا يفعله يبطل حجة،
ويقال له: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة. النوع الثاني: الطواف الواجب: وهو
طواف الزيارة؛ ويسمى طواف الصدر، النوع الثالث: الطواف المسنون، وهو طواف
القدوم المتقدم ذكره فلنتكلم فيها، ولنبدأ بالكلام في طواف الإفاضة، الذي
هو ركن من أركان الحج.
تعريف طواف الإفاضة
طواف الإفاضة، ويقال له: طواف الزيارة ركن من أركان الحج الأربعة المتقامة،
باتفاق المذاهب، فإذا لم يفعله الحاج بطل حجه وهو سبعة أشواط بكيفية خاصة
ستعرفها قريباً، وقال الحنفية: إن الطواف الركن هو أربعة أشواط، فمتى طاف
أربعة أشواط فقد حصل الركن، أما باقي السبعة فإنه واجب لا ركن، وذلك لأن
طواف الأشواط الربعة هو طواف لأكثر الأشواط؛ وللأكثر حكم الكل.
وقت طواف الإفاضة
وقت طواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج اختلفت في تحديده المذاهب؛
فانظره تحت الخط (1) .
__________
(1) الحنفية قالوا: وقت طواف الإفاضة من فجر يوم النحر إلى آخر العمر بعد
الوقوف بعرفة، فمتى وقف الحاج بعرفة طولب بطواف الإفاضة؛ أما إذا لم
يقفبعرفة في وقته الآتي بيانه؛ فإن طواف الإفاضة لم يصح منه؛ ويبطل حجه،
ويشترط أن يطوف في أشهر الحج المعلومة، وهي شوال، وذو
(1/589)
شروط الطواف
للطواف مطلقاً بأنواعه شروط، فلا يصح إلا بها، وهي مفصلة في المذاهب تحت
الخط (1) .
__________
القعدة، وذو الحجة، فإذا وقف بعرفة في شهر ذي الحجة، ولم يطف طواف الإفاضة
حتى فرغ ذلك الشهر كان عليه أن يطوفه في هذه الأشهر في سنة أخرى.
المالكية قالوا: إن وقت طواف الإفاضة من يوم عيد النحر إلى آخر شهر ذي
الحجة، فإذا أخره الحاج عن ذلك الوقت لزمه دم وصح حجة، ولا يصح طواف
الإفاضة قبل يوم العيد، أما وقت الوقوف بعرفة فإنه لا يصح قبل وقته ولا
بعده، كما يأتي في مبحثه.
الشافعية قالوا: طواف الإفاضة، أو طواف الزيارة الذي هو ركن من أركان الحج،
أول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، وأفضل وقته يوم النحر، ولا آخر
لوقته، بل له أن يؤخره إلى أي وقت شاء، ولكن لا تحل له النساء إلى أن يطوف،
كما لو كان محرماً، فإذا طاف تم له التحلل من الإحرام؛ وحلت له النساء، ولم
يبق عليه سوى رمي أيام التشريق، والمبيت بمنى، وهي واجبات يطالب بها بعد
زوال الإحرام على سبيل التبعية لأعمال الحج.
الحنابلة قالوا: إن طواف الإفاضة ركن يبتدئ من نصف ليلة عيد النحر بالنسبة
لمن وقف بعرفة؛ فلا يصح قبل الوقوف بعرفة مطلقاً، فمن طاف قبل الوقوف بعرفة
بطلحجه، كما يقول الحنفية، أما نهاية وقته فلا حد لها، فيطالب به ما دام
حياً، فهم كالحنفية إلا في تحديد الوقت
(1) الشافعية قالوا: للطواف في ذاته ثمانية شروط: الأول: ستر العورة الواجب
سترها في الصلاة؛ فإذا طاف أحد مكشوف العورة بطل حجه، الثاني: الطهارة من
الحدث والخبث، كما في الصلاة أيضاً، الثالث: بدؤه بالحجر الأسود محاذياً له
أو لجزئه بجميع بدنه من جهة الشق الأيسر؛ بأن لا يقدم جزءاً من بدنه على
جزء من الحجر، فإذا بدأ بغيره لم يحسب ما طافه قبل وصوله إليه، فإذا انتهى
إليه ابتدأ منه؛ ويشترط أن يحاذيه على الوجه المذكور عند الانتهاء أيضاً،
الرابع: جعل البيت عن يساره وقت الطواف ماراً تلقاء وجهه؛ ولا بد أن يكون
الطائف خارجاً بكل بدنه عن جدار البيت وشائروانه، وعن الحجر - بكسر الحاء -
فلو مشى على الشاذروان أو مس الجدار في مروره أو دخل في إحدى فتحتي الحجر -
بالكسر وخرج من الأخرى لم يصح طوافه الذي حصل فيه، كما لا يصح طواف من
استقبل البيت، أو استدبره أو جعله عن يمينه، أو على يساره ورجع القهقري،
الخامس: كونه سبعة أشواط يقيناً.
فلو ترك شيئاً من السبع لم يجزئه، السادس: كونه في المسجد وإن استع، فيصح
الطواف ما دام في المسجد، ولو في هوائه أو على سطحه، ولو مرتفعاً عن البيت،
ولو حال حائل بين الطائف والبيت، السابع: عدم صرفه لأمر آخر غير الطواف،
فإن صرفه انقطع، الثامن: نية الطواف، وهذا شرط في غير طواف الركن وطواف
القدوم، أما هما فلا يحتاج كل منهما إلى نية لشمول نية النسك لهما، ولا بد
أن تكون نية الطواف عند محاذاة الحجر؛ فلو نوى بعدها لم يحسب ما
(1/590)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
طافه حتى ينتهي إليه، إلا إذا عاد إلى محاذاته بعد النية، ويزيد طواف
القدوم شرطاً تاسعاً، وهو أن يكون قبل الوقوف بعرفة، فلا يطلب ممن دخل مكة
بعد الوقوف بعرفة، وبعد منتصف الليل، وللطواف واجبات: منها أن يصون نفسه عن
كل مخالفة في وقت الطواف، ومنها أن يصون قلبه عن احتقار من يراه، ومنها أن
يلتزم الأدب، ومنها أن يحفظ يده وبصره عن كل معصية.
المالكية قالوا: يشترط لصحة الطواف شروط: الأول: أن يكون سبعة أشواط؛ فإن
نقص عنها لم يجزئه، ولا يكفي عنه الدم إن كان ركناً، وإن شك في النقص بني
على اليقين، وتمم الأشواط السبعة، أما إذا زاد عليها فلا يضر؛ لأن الزائد
لغو لا اعتداد به، الثاني: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر ومن الخبث.
فإذا أحدث في أثنائه، أو علم فيه بنجاسة في بدنه أو ثوبه بطل، فإن أحدث
بعده وقبل صلاة ركعتيه أعاده؛ لأن الركعتين كالجزء منه، إلا إذا خرج من مكة
وشق عليه الرجوع له، فيكفيه الطواف، ويعيد الركعتين فقط، وعليه أن يبعث
بهدي، وحكم صلاة هاتين الركعتين الوجوب بعد طواف الإفاضة والقدوم؛ أما في
طواف الوداع فقيل بوجوب الركعتين، وقيل بسنيتهما، والقولان صحيحان؛ ويندب
أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة "الكافرون" في الركعة الأولى؛ وسورة
"الإخلاص" في الثانية، وندب صلاتهما خلف مقام إبراهيم والدعاء بعدهما
بالملتزم - وهو بين الحجر الأسود والباب - كما يندب فعلهما بعد صلاة المغرب
وقبل نافلتها لمن طاف بعد العصر. الثالث: ستر العورة كما في الصلاة.
الرابع: أن يجعل البيت - وهو الكعبة - عن يساره. الخامس: أن يكون جميع بدنه
خارجاً عن الحجر بتمامه وعن الشاذروان - وهو بناء محدوب لاصق الكعبة -
السادس: الموالاة: فلو فرق بين أشواطه كثيراً بطل الطواف. ويغتفر التفريق
اليسير. السابع: أن يكون داخل المسجد. فلا يصح على سطحه ولا خارجه ويلزم
ابتداء الطواف من الحجر الأسود. فلو ابتدأه قبله وجب إتمام الشوط الأخير
إليه، فإن لم يتمه وطال الفصل أو انتقض وضوءه فعليه إعادته، إلا إذا رجع
لبلده، فيكفيه هذا الطواف؛ ويبعث هدياً.
الحنابلة قالوا: يشترط لصحة الطواف شروط. منها النية ومنها دخول الوقت في
طواف الزيارة، وهو من نصف ليلة عيد النحر بالنسبة لمن وقف بعرفة، ولا يصح
قبل الوقوف ولا حد لآخر وقته، ومنها ستر العورة كما في الصلاة، ومنها
الطهارة من الخبث، كما في الصلاة، ومنها الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر،
إلا إذا كان الحاج طفلاً لم يميز، فيصح الطواف، ولو كان محدثاً متلبساً
بنجاسة؛ ومنها كون الأشواط سبعاً، يبتدئها من الحجر الأسود، فإذا ابتدأ من
غيره لا يحسب هذا الشوط، ومنها المشي إذا كان قادراً عليه، ومنها الموالاة
بين الأشواط؛ فلو أحدث في أثنائه بطل، وعليه استئنافه، لكن إذا أقيمت
الصلاة للراتب فله أن يصلي معه، ويبني على ما تقدم من الأشواط، مبتدئاً من
الحجر الأسود، وكذلك إذا حضرت جنازة للصلاة عليها، ومنها أن يكون بالمسجد
فلا يصح خارجه، ويصح على سطحه، ومنها جعل البيت عن يساره ولا بد أن يكون
خارجاً عن جميع الحجر والشاذروان، وليس للطواف واجبات عندهم.
(1/591)
سنن الطواف وواجباته
للطواف واجبات وسنن مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
__________
الحنفية قالوا: يشترط لصحة الطواف أمور: أحدها: أن يكون داخل المسجد الحرام
حتى لو طاف بالكعبة من وراء زمزم، أو من وراء العمد جاز، أما إذا طاف خارج
المسجد، فإن طوافه لا يصح، ثانيها أن يبتدأ من طلوع فجر النحر إن كان طواف
زيارة؛ أو إفاضة، ولاحد لنهايته، كما تقدم في مبحث "طواف الإفاضة" أما إن
كان طواف قدوم فيبتدئ من حين دخول مكة؛ وينتهي إلى الوقوف بعرفة، فمتى وقف
فقد فاته طواف القدوم أما إذا لم يقف فينتهي بطلوع فجر يوم النحر، فهذه
شروط صحة الطواف عند الحنفية
(1) الشافعية قالوا: للطواف ثمانية سنن. الأولى: أن يستقبل البيت أول
طوافه. ويقف بجانب الحجر إلى جهة الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن
يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرفه ثم ينوي الطواف ثم يمشي مستقبلاً الحجر
ماراً إلى جهة الباب. فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره إلى البيت، وهذا خاص
بالمرة الأولى. الثانية: أن يمشي القادر، ولو امرأة والركوب في الطواف خلاف
الأولى إن كان بلا عذر، وإلا فلا بأس به إذا كان الحمل على غير دابة صيانة
للمسجد عن الدابة؛ والأفضل أن يكون حافياً ما لم يتأذ بذلك.
ويندب أن يضيق الخطوات ليكثر الثواب، وأن يلمس الحجر الأسود بيده أول
طوافه، ويقبله تقبيلاً خفيفاً، ولا يسن للمرأة ذلك إلا عند خلو المطاف
ليلاً أو نهاراً، ويستحب للرجل أن يضع جبهته عليه؛ وأن يكون الاستلام
والتقبيل ثلاثاً، فإن عجز عن الاستلام بيده استلمه بنحو عصا، ويقبل ما
أصابه به، فإن عجز عن ذلك أيضاً أشار إليه بيده؛ أو بما فيها؛ واليمين
أفضل؛ يفعل ذلك في طوافه؛ الثالثة: الدعاء المأثور، فيقول عند استلام الحجر
الأسود عند ابتداء كل طوفة: بسم الله؛ والله أكبر مع رفع يديه كرفع الصلاة:
اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا القول آكد في الطوفة الأولى من غيرها،
الرابعة: أن يمشي الذكر مسرعاً من غير عدو، ولا وثب في الطوفات الثلاثة
الأولى، ويمشي في الباقي على هينة، بخلاف المرأة، فإنها تمشي كعادتها،
الخامسة: الاضطباع للذكر ولو صبياً، وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه
الأيمن، وطرفيه على منكبه الأيسر، السادسة: أن يكون الرجل والصبي قريباً من
البيت عند عدم الزحام، وعدم التأذي بخلاف المرأة، فيسن لها عدم القرب صيانة
لها، السابعة: الموالاة في الطواف، فلو أحدث في الطواف، ولو عمداً، تطهر
وبنى، لكن الاستئناف أيضاً أفضل، وكذا لو أقيمت الصلاة وهو في الطواف؛ فإنه
يصلي ويتم الطواف بعدها، والاستئناف أيضاً أفضل، الثامنة: أن يصلي بعده
ركعتين؛ ويكفي فرض أو نفل آخر عنهما ويندب أن تكونا عقب الطواف مباشرة، كما
يندب استلام الحجر عقبهما، وأن يسعى عقب الاستلام إن كان السعي مطلوباً
منه، والأفضل صلاتهما خلف المقام، ثم بالحجر - بالكسر - ثم ما قرب من
البيت، وهما سنة مطلوبة، ولو طال تأخرهما عن
(1/592)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
الطواف، ويكره قطع الطواف من غير سبب، والبصق ولو في نحو
ثوب بلا عذر، وجعل يديه خلف ظهره، أو على فمه في غير حال التثاؤب، وفرقعة
الأصابع، ويكره الطواف أيضاً حال مدافعة الأخبثين.
المالكية قالوا: للطواف واجبان، وسنن، فأما واجباه فهما صلاة ركعتين بعده،
كما تقدم، والمشي فيه للقادر عليه، وأما سننه، فهي تقبيل الحجر الأسود في
الشوط الأول، ويكبر عند ذلك، فإن لم يتمكن من تقبيله لمسه بيده، فإن يستطع
لمسه بعود مثلاً، ثم يضع يده أو العود بعد اللمس بأحدهما على فيه، ويكبر
حينئذ فإن لم يستطع شيئاً من ذلك كبر عند محاذاته، ومن السنن أيضاً استلام
الركن اليماني بيده في الشوط الأول، ثم يضعها على فيه، والدعاء في الطواف،
ولا يحد بحد مخصوص، بل بما شاء، والرمل، وهو الإسراع فوق المشي المعتاد في
الأشواط الثلاثة الأول، وإنما يسن الرمَل للرجل لا للمرأة، وفي غير طواف
الإفاضة، أما الرمل في طواف الإفاضة فهو مندوب، كما يأتي، ويندب في الطواف
الرمل في الشواط الثلاثة الأول من طواف الإفاضة لمن يم يطف طواف القدوم،
وتقبيل الحجر الأسود في الشوط الأول، واستلام الركن اليماني في الشوط الأول
أيضاً، والقرب من الكعبة بالنسبة للرجال، أما النساء فالسنة أن يطفن خلف
الرجال، كما في الصلاة.
الحنابلة قالوا: سنن الطواف هي: أولاً: استلام الركن اليماني بيده اليمنى
في كل شوط، ثانياً: استلام الحجر الأسود وتقبيله في كل شوط أيضاً إن تيسر،
والإشارة إليه بيده عند محاذاته إن تعسر، ثالثاً: الاضطباع في طواف القدوم،
وهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، رابعاً
الرمَل، وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وإنما يسن في الأشواط
الثلاثة الأول من طواف القدوم لغير الراكب والمعذور والمحرم من مكة أو مكان
قريب منها، ولغير المرأة أيضاً، أما هؤلاء فلا يسن لهم، كما لا يسن في طواف
الزياة ولا غيره مما عدا طواف القدوم، خامساً: الدعاء، سادساً: الذكر،
سابعاً؛ القرب من الكعبة، ثامناً: صلاة ركعتين بعد الطواف.
الحنفية قالوا: واجبات الطواف وسننه أمور. فمن واجباته أن يبدأ طوافه من
الحجر الأسود، فلو لم يفعل ذلك وجب عليه إعادة الطواف ما دام بمكة، فإن لم
يعده ورجع عليه دم، والأفضل أن لا يترك شيئاً من الحجر الأسود، بل يقابله
بجميع بدنه، بأن يجعله عن يمينه، ويجعل منكبه الأيمن عند الحجر الأسود،
ومنها التيامن، بأن يطوف عن يمينه مما يلي الباب، ويجعل الكعبة عن يساره،
لأنها بمنزلة الإمام له والمنفرد يقف على يمين إمامه، فلو نكس الطواف بأن
طاف عن يساره، وجعل الكعبة عن يمينه وجبت عليه الإعادة أو الدم، أما طهارة
الثوب والبدن والمكان من الخبث فسنة مؤكدة، حتى لو طاف وعليه ثوب كله نجس،
فلا جزاء عليه وإنما ترك السنة على الصحيح، ومنها ستر العورة الواجب سترها
في الصلاة، فلو انكشف ربع العضو الواجب ستره في الصلاة فقد ترك الواجب؛
ووجبت عليه الإعادة أو الدم.
واعلم أن ستر العورة في ذاته فرض، فمعنى كونه واجباً هنا أن الطواف لا يفسد
بتركه، بل يصح مع الإثم، وتجب فيه الإعادة أو الجزاء، أما إذا انكشف أقل من
ربع العضو، فلا يضر، كما في
(1/593)
الركن الثالث من
أركان الحج، السعي بين الصفا والمروة
السعي بين الصفا والمروة، ركن من أركان الحج، بحيث لو لم يفعله بطل حجه،
عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية في ذلك فقالوا: إن السعي واجب لا ركن،
فلو تركه لا يبطل حجه، وعليه فدية.
__________
الصلاة، ومنها المشي فيه للقادر عليه، فلو كاف راكباً أو محمولاً: أو
زاحفاً بلا عذر، فعليه الإعادة أو الدم، أما إن كان ذلك لعذر، فلا شيء
عليه، ومنها أن يطوف وراء الحطيم - الحجر - لأن بعضه من البيت ومنها كون
الطواف سبعة أشواط، والشوط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود وهذه الأشواط
السبعة واجبة كلها في طوافي القدوم والوداع، إلا أنه لو ترك أكثر أشواط
الوداع، وهي أربعة، لزمه دم، ولو ترك أقل من ذلك لزمه لكل شوط صدقة بخلاف
طواف القدوم فإنه لا يلزمه شيء بترك أكثرها أو أقلها؛ سوى التوبة، لأنه سنة
في ذاته، وإنما وجب بالشروع فيه، كالنافلة، فلا يكون حكمه حكم الواجب
بأصله، أما طواف الزيارة المفروض، فأكثر أشواطه ركن، بحيث لو ترك الأكثر
بطل، وباقيها واجب، كما تقدم، ولا يتحقق ترك الواجب إلا بالخروج من مكة؛
أما ما دام فيها، فهو مطالب به، ولا تجزئ الإنابة في الطواف بدون عذر،
ومنها أن يصلي ركعتين عقب كل سبعة أشواط من طوافه، سواء كان طوافه فرضاً أو
واجباً أو سنة أو نفلاً، والأفضل أن يوالي بينهما وبين الطواف؛ إلا إذا طاف
في وقت كان طوافه فرضاً أو واجباً أو سنة أو نفلاً، والأفضل أن يوالي
بينهما وبين الطواف؛ إلا إذا طاف في وقت الكراهة؛ ولا تفوت بتركها، بل
يصليهما في أي وقت شاء، ولو بعد الرجوع إلى وطنه، إلا أنه يكره له الكراهة؛
ولا تفوت بتركها، بل يصليهما في أي وقت شاء، ولو بعد الرجوع إلى وطنه، إلا
أنه يكره له ذلك، ويستحب أداءهما خلف المقام، ثم في الكعبة، ثم في الحجر
تحت الميزاب، ثم في كل ما يقرب منالحجر - بالكسر - إلى البيت، ثم
المسجد، ثم الحرم، فإن صلاهما خارج الحرم أساء، ويقرأ في الركعة الأولى،
"الكافرون"، وفي الثانية "الإخلاص".
هذه واجبات الطواف؛ أما سننه فهي أمور: منها أن يجعل قبل شروعه في الطواف
طرف ردائه تحت إبطه اليمنى؛ ويلقي طرفه الآخر على كتفه الأيسر، ويسمى هذا
الفعل اضطباعاً ويفعل ذلك في كل طواف بعده سعي، كطواف القدوم، ومنها المشي
بسرعة، مع تقارب الخطى؛ وهز الكتفين ويسمى هذا الفعل رملاً، يأتي به في
الأشواط الثلاثة الأولى فقط، فإن رأى ما يعوقه وقف حتى يتمكن من إعادة
الرمل، ومنها استلام الحجر الأسود، وتقبيله عند نهاية كل شوط، وتتأكد النية
في الشوط الأول والأخير، فإن لم يستطع استلامه بيده استلمه بنحو عصا إن
أمكن، ويقبل ما مس به، فإن لم يستطع ذلك أيضاً استقبل الحجر ورفع يديه
مستقبلاً بباطنهما إياه، ويكبر، ويهلل ويحمد الله تعالى، ويصلي على النبي
صلى الله عليه وسلم، وهذ الاستقبال مستحب، وكذا استلام الركن اليماني
مستحب، وليس بسنة، ويستحب أن يدعو عقب صلاة ركعتي الطواف خلف المقام بما
يحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة، وأن يأتي زمزم بعد صلاة ركعتين قبل
الخروج إلى الصفا، فيشرب منها، ويتضلع، ويفرغ الباقي في البئر، ويقول:
اللهم إني أسألك رزقاً واسعاً، وعلماً نافعاً، وشفاءً من كل داء، ثم يأتي
الملتزم قبل الخروج إلى الصفا
(1/594)
شروط السعي بين
الصفا والمروة، وكيفيته وسننه
للسعي شروط وسنن، مفصلة في المذاهب؛ فانظرها تحت الخط (1) .
__________
(1) الحنفية قالوا: للسعي بين الصفا والمروة واجبات، وسنن، وشرط، فأما
واجباته، فمنها أن يؤخره عن الطواف، ومنها أن يسعى سبعة أشواط، وكل شوط من
أشواطه السبعة واجب، ومنها المشي فيه، حتى لو سعى راكباً لغير عذر لزمه
إعادته، أو إراقة دم ومنها أن يبدأ سعيه من الصفا، ثم ينتهي إلى المروة،
ويعد هذا شوطاً على الصحيح، فإن بدأ بالمروة لا يحسب هذا الشوط. أما سنته:
فمنها أن يوالي بين الطواف والسعي، فلو فصل بينهما بوقت ولو طويلاً، فقد
ترك السنة، وليس عليه جزاء، ومنها الطهارة من الحدثين، فيصح سعي الحائض
والنفساء بلا كراهة للعذر، ومنها أن يصعد على الصفا والمروة فيسعيه، وأن
يسعى بين الميلين الأخضرين وهما عمودان: أحدهما تحت منارة باب علي، والآخر
قبالة رباط العباس، ومنها أن يهرول بين الميلين المذكورين، ومنها أن يكبر
ويهلل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما شاء، ويستقبل البيت
على الصفا والمروة، ومنها أن يستلم الحجر الأسود قبل الذهاب إلى السعي
بيده، فإن لم يستطع، فعل ما تقدم بيانه في "سنن الطواف" والأفضل أن يخرج من
باب الصفا، وهو باب بني مخزوم، ويقدم رجله اليسرى في الخروج، ويندب أن يرفع
يديه نحو السماء عند الدعاء على الصفا والمروة، وإذا أقيمت الصلاة وهو في
طوافه أو سعيه صلى وبنى بعد صلاته على ما فعله قبلها، ويكره له الحديث في
البيع والشراء ونحوه في أثناء السعي والطواف، وأما شرطه: فهو أن يكون بعد
الطواف، فلو سعى أولاً، ثم طاف لا يعتد بسعيه، ويجب عليه الإعادة ما دام
يمكنه.
المالكية قالوا: السعي بين الصفا والمروة ركن للحج، كما تقدم. وله شروط
صحة، وسنن. ومندوبات. وواجب: فأما شروط صحته فهي: أولاً: كونه سبعة أشواط
فإن سعى أقل منها فلا يجزئه وعله أن يكمله. إلا إذا طال الفصل عرفاً، وإلا
ابتدأه من أوله، ثانياً: أن يبدأ بالصفا. فلو بدأ بالمروة فلا يحتسب ذلك
الوشط، ويعد الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع منها إلى الصفا
شوطاً آخر، ثالثاً: الموالاة بين أشواطه، فلو فرق بينها تفريقاً كثيراً
استأنفه، ويغتفر الفصل اليسير: كأن يصلي أثناءه على جنازة، أو يحصل منه بيع
وشراء لا يطول عرفاً، رابعاً: أن يكون بعد طواف، سواء كان الطواف ركناً أو
غيره، فإن لم يفعله بعد طواف، فلا يصح، وإن أوقعه بعد طواف صح، ولا يطالب
بإعادته إن كان الطواف السابق عليه ركناً، وهو طواف الإفاضة، أو واجباً،
وهو طواف القدوم، ولا يطالب بإعادته إن كان الطواف السابق عليه ركناً، وهو
طواف الإفاضة، أو واجباً، وهو طواف القدوم، أما إذا أوقعه بعد الطواف
المندوب: كطواف تحية المسجد، فإنه يطالب بإعادته عقب طواف القدوم إن لم يكن
وقف بعرفة، وإلا أعاده عقب طواف الإفاضة، لأن طواف القدوم يفوت بالوقوف،
وإنما يعيده على هذا التفصيل، ما دام بمكة أو قريباً منها، فيرجع لإعادته،
ويعيد طواف الإفاضة لأجله، فإن تباعد عن مكة بعث هدياً، ولا يرجع لإعادته،
وكذلك يعيده على هذا التفصيل إذا أوقعه عقب الطواف الركن، وهو لا يعتقد أنه
ركن، ولم ينو ذلك، أو بعد الطواف الواجب، ولم يعتقد وجوبه، ولم ينوه.
وأما سننه فهي: أولاً: تقبيل الحجر الأسود قبل أن يخرج له، وبعد الطواف،
وصلاة ركعتين؛ ثانياً: اتصاله
(1/595)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
بالطواف بأن يفعله عقب الفراغ من الطواف وركعتيه؛ ثالثاً: الصعود على كل من
الصفا والمروة عند الوصول إليه في كل شوط؛ وينبغي أن لا يفرط في إطالة
الوقوف عليهما، كما يفعله الناس، وإنما يسن الصعود عليهما للرجال وللنساء
إن لم يكن هناك زحمة رجال، وإلا فلا يصعدن، رابعاً: الدعاء عليهما بلا حد؛
خامساً: إسراع الرجال بين الميلين الأخضرين فوق الرمل المتقدم في الطواف؛
والميلان الأخضران عمودان: أحدهما تحت منارة باب علي؛ وثانيهما: قبالة رباط
العباس، والإسراع المذكور يكون حال ذهابه إلى المروة، ولا يسرع في رجوعه
على الراجح وأما مندوبات السعي فهي: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، ومن
الخبث، وباقي شروط الصلاة الممكنة مندوبة له، أما غير الممكنة فلا تندب:
كاستقبال القبلة، لعدم تيسره؛ وليس للسعي سوى واجب واحد؛ وهو المشي للقادر
عليه.
الحنابلة قالوا: شروط السعي بين الصفا والمروة سبعة؛ أحدها: النية، ثانيها:
العقل، ثالثها: الموالاة بين مراتب السعي، رابعها: المشي للقادر عليه،
خامسها: أن يكون السعي بعد طواف ولو كان الطواف مندوباً: سادسها: أن يكون
السعي سبع مرات كاملة، وتعتبر المرة من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى
الصفا مرة أخرى، وهكذا إلى تمام السبعة، سابعها: أن يقطع المسافة التي بين
الصفا والمروة كلها، بأن يلصق عقب رجله بأسفل الصفا، ثم يمشي إلى المروة
إلى أن يلصق أصابع رجله بها، ثم يلصق عقب رجله بأسفل المروة عند رجوعه إلى
الصفا إلى أن يلصق أصابع رجله بأسفل الصفا، وهكذا، ويفتتح بالصفا، ويختتم
بالمروة، فإن بدأ بالمروة لم تحسب له تلك المرة، وسنن السعي أن يكون
متطهراً من الحدث والخبث، وأن يكون مستور العورة، وأن يوالي بين السعي
والطواف.
الشافعية قالوا: للسعي شروط، ومندوبات ومكروهات: فأما شروطه فهي: أولاً:
البدء بالصفا، والختم بالمروة، ويحتسب الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً،
ومن المروة إليه شوطاً آخر؛ ثانياً: كونه سبعة أشواط يقيناً. فلو شك في
العدد بنى على الأقل، لأنه هو المتيقن، ويلزم استيعاب المسافة في كل شوط،
وأن لا يصرف سعيه إلى غير النسك، فلو قصد به المسابقة فقد فلا يصح؛ ثالثاً:
أن يقع بعد طواف الإفاضة أو القدوم، بشرط أن لا يتخلل بينهما وقوف بعرفة،
فلو طاف للقدوم، ثم وقف بعرفة، فلا يسعى حينئذ، بل يؤخره حتى يفعله بعد
طواف الإفاضة؛ وأما مندوباته فهي: أولاً: أن يخرج إليه من باب الصفا، وهو
أحد أبواب المسجد الحرام؛ ثانياً: أن يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة؛ أما
النساء، فلا يسن لهن ذلك، إلا إذا خلا المحل عن الرجال الأجانب؛ ثالثاً:
الذكر الوارد عند كل منهما، وهو أن يقول بعد استقبال الكعبة، سواء رقي على
الصفا، أو لا: الله أكبر ثلاثاً، ثم يقول: ولله الحمد، الله أكبر على ما
هدانا، والحمد لله على ما أولانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك، وله الحمد، يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون،
ثم يدعو بما شاء ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات، رابعاً: أن يكون متطهراً
من الحدث والخبث، مستور العورة؛ خامساً: عدم الركوب إلا لعذر؛ سادساً: أن
يهرول الرجل في
(1/596)
الركن الرابع؛
الحضور بأرض عرفة، وكيفية الوقوف
الركن الرابع من أركان الحج الحضور بأرض عرفة، على أي حال من الأحوال، سواء
كان يقظان أو نائماً، وسواء كان قاعداً أو قائماً، وسواء كان واقفاً أو
ماشياً، باتفاق، وله شروط وسنن مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
__________
وسط المسافة ذهاباً وإياباً، وأما في أول المسافة وآخرها فيمشي على حسب
عادته، كما أن المرأة لا تهرول مطلقاً؛ سابعاً: أن يقول في حال سعيه: رب
اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم؛ ثامناً: اتصاله
بالطواف، واتصال أشواطه بعضها ببعض من غير تفريق، ويكره الوقوف أثناءه بغير
عذر، وتكراره، وصلاة ركعتين بعده بقصد أنهما سنة للسعي
(1) الشافعية قالوا: للوقوف بعرفة شروط، وسنن؛ أما شروطه فهي: أولاً: أن
يكون ذلك الحضور في وقته؛ ووقته من زوال شمس اليوم التاسع من ذي الحجة إلى
فجر يوم النحر. ويكفي الحضور من ذلك الوقت ولو لحظة؛ ثانياً: أن يكون الحاج
أهلاً للعبادة. بأن لم يكن مجنوناً. ولا سكران زائل العقل. فإن كان مجنوناً
أو سكران زائل العقل لم يجزئه ذلك الحضور عن الفرض. وأما المغمى عليه فهو
كالمجنون إن لم ترج إفاقته، وإلا ظل محرماً إلى أن يفيق من الإغماء، وأما
سننه: فمنها أن يقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الصخرات الكبار
التي في أسفل جبل الرحمة إن سهل عليه ذلك، وإلا اكتفى بالقرب منها بحسب
الإمكان، هذا للرجال. وأما النساء فيندب لهن الجلوس في حاشية الموقف إلا أن
يكون لهن هودج ونحوه فإن الأولى لهن حينئذ الركوب فيه، ومنها الاكثار من
الدعاء والذكر والتهليل. كأن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له
الملك. وله الحمد. وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري
نوراً، اللهم اشرح لي صدري. ويسر لي أمري. اللهم لك الحمد كالذي نقول.
وخيراً مما نقول، ويندب غير ذلك من الأدعية المعروفة. ويكرر كل دعاء
ثلاثاً. ويفتتح بالتحميد والتمجيد والتسبيح. والصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم، ويختم بمثل ذلك مع التأمين. ويكثر من البكاء، ومن قراءة سورة
"الحشر" ومنها أن يحرص على أكل الحلال، وعلى خلوص النية، ومزيد الخضوع
والانكسار، ومنها رفع يديه - ولا يجاوز بهما رأسه - وأن يبرز للشمس إلا
لعذر، وأن يفرغ قلبه من الشواغل قبل دخول وقت الوقوفن وأن يتجنب الوقوف في
الطريق؛ ومنها أن يكون متطهراً من الحدث والخبث، مستور العورة. مستقبل
القبلة. وأن يكون راكباً إن أمكن. وأن لا ينهر السائل. أو يحتقر أحداً من
خلق الله.
وأن يترك المخاصمة والمشاتمة، ومنها أن يقف بعرفة إلى الغروب ليحصل بين
الليل والنهار.
الحنفية قالوا: للحضور بعرفة شرط. وواجب وسنن، أما شرطه فهو أن يكون في
وقته الشرعي. وهو من بعد زوال شمس اليوم التاسع من شهر ذي الحجة إلى فجر
يوم النحر ولا يشترط النية. ولا العلم والعقل. فمن حضر في عرفة في هذا
الوقت صح حجه. سواء أكان ناوياً أم لا، عالماً بأنه في
(1/597)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
__________
عرفة أو جاهلاً، أو مجنوناً، أو مغمى عليه، أو نائماً، أو يقظان، وأما
واجبه فهو أن يمتد إلى غروب الشمس إن وقف نهاراً. أما إن وقف ليلاً فلا
واجب عليه.
فإذا وقف بالنهار ودفع من عرفة قبل غروب الشمس عليه دم، وأما سننه فهي:
الاغتسال، وأن يخطب الإمام خطبتين، وأن يجمع الحاج بين صلاة الظهر والعصر
بالشروط المتقدمة في "مبحث الصلاة" وأن يعجل الوقوف عقبهما، وأن يكون
مفطراً، وأن يكون متوضئاً، وأن يقف على راحلته، وأن يكون وراء الإمام
قريباً منه بقدر إمكانه، وأن يكون حاصر القلب، فارغاً من الأمور الشاغلة عن
الدعاء، وأن يقف عند الصخرات السود، وهي موقف النبي صلى الله عليه وسلم،
فإن تعذر الوقوف عندها اجتهد أن يكون قريباً منها بقدر الإمكان، وأن يرفع
يديه مبسوطتين، ويدعو بعد الحمد والتهليل والتكبير والصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم، ويلبي في موقفه، ويكثر الاستغفار لنفسه ولوالديه وللمؤمنين
والمؤمنات، وأن يستمر في التلبية والتهليل والتسبيح والثناء على الله
بالخشوع والتذلل والإخلاص، وأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن
يدعو بقضاء الحوائح لغروب الشمس، ولا يتقيد بصيغة خاصة في دعائه، بل يدعو
بما شاء، والأفضل أن يكون أكثر دعائه، لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير،
لا نعبد إلا إياه، ولا نعرف رباً سواه؛ اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي
نوراً، وفي بصري نوراً؛ اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم هذا مقام
المستجير العائذ من النار، أجرني من النار بعفوك، وأدخلني الجنة برحمتك يا
أرحم الراحمين، اللهم إذا هديتني للإسلام فلا تنزعه عني ولا تنزعني عنه حتى
تقبضني وأنا عليه، والسنة أن يخفي صوته بالدعاء.
الحنابلة قالوا: للحضور بعرفة شروط وواجب، وسنن أما شروطه: فمنها أن يكون
الحضور إلى عرفة باختياره، فلا يصح حضور من أكره على الوقوف: ومنها أن يكون
أهلاً للعبادة، فلا يصح الحضور من مجنون، ولا سكران، ولا مغمى عليه، ومنها
أن يكون في الوقت المعتبر له شرعاً، وهو من فجر اليوم التاسع من شهر ذي
الحجة إلى فجر اليوم العاشر، وهو يوم النحر، ويجزئه الوقوف، ولو لم يعلم
بأن المكان الذي وقف فيه من عرفة، ولو لم يعلم بأن هذا الزمن هو زمن
الوقوف. فمتى صادف المكان والزمن صح وقوفه، ولو لم يعلم بهما. وأما واجبه
فهو حضوره بعرفة جزءاً من الليل إذا كان قد وقف نهاراً، وأما من جاء الجبل
ليلاً، فإنه يجزئه الحصور في وقته المذكور، ولا شيء عليه. وأما سننه: فمنها
أن يقف على راحلته، وأن يستقبل القبلة، وأن يكون عند الصخرات وجبل الرحمة،
ولا يطلب صعوده، وأن يرفع يديه عند الدعاء، وأن يكثر الدعاء والاستغفار
والتضرع وإظهار الضعف والافتقار، ويلح في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة،
ويكرر كل دعاء ثلاث مرات؛ ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل
شيء قدير؛ اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً؛ ويسر
لي أمري.
المالكية قالوا: من أركان الحج الحضور بعرفة بأي جزء منها على أي حال كان،
سواء لبث بها أو مر، إلا أنه إن كان ماراً شرط فيه أمران. الأول: العلم
بأنها عرفة، فلو مر بها جاهلاً لا يكفيه ذلك،
(1/598)
|