المحلى
بالآثار شرح المجلى بالإختصار
كتاب الجهاد
باب الجهاد
والجهاد فرض على المسلمين
...
بسم الله الرحمن الرحيم بِك اللَّهُمَّ أَسْتَعِينُ
كِتَابُ الْجِهَادِ
920 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا
قَامَ بِهِ مِنْ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ وَيَغْزُوهُمْ فِي عُقْرِ
دَارِهِمْ وَيَحْمِي ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ فَرْضُهُ، عَنِ
الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَلاَ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا
خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ
خِدَاشٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ نَا
أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:
كَانَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} فَلاَ أَحَدَ مِنْ النَّاسِ إِلاَّ
خَفِيفٌ أَوْ ثَقِيلٌ.
وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ
سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،
عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ
مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى
شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ" قال أبو محمد: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ نَعُوذُ
بِاَللَّهِ مِنْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ نَا أَبُو
سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا إلَى بَنِي
لَحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ: "لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ
أَحَدُهُمَا وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا".
(7/291)
922 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ الْجِهَادُ إِلاَّ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ
إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ الْعَدُوُّ بِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُمْكِنُهُ إعَانَتُهُمْ أَنْ يَقْصِدَهُمْ
مُغِيثًا لَهُمْ أَذِنَ الأَبَوَانِ أَمْ لَمْ يَأْذَنَا إِلاَّ أَنْ
يَضِيعَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ, فَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَرْكُ مَنْ
يَضِيعُ مِنْهُمَا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا آدَم نَا شُعْبَةُ نَا
حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْعَبَّاسِ
الشَّاعِرَ وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ: سَمِعْت
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ
فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:
"فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
الْقَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: السَّمْعُ
وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ
بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ، وَلاَ طَاعَةَ. وَرُوِّينَا، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الطَّاعَةُ
فِي الْمَعْرُوفِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله
عنه، أَنَّهُ قَالَ: لاَ طَاعَةَ لأََحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ
تَعَالَى.
(7/292)
923 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَفِرَّ، عَنْ مُشْرِكٍ,
وَلاَ عَنْ مُشْرِكَيْنِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ أَصْلاً; لَكِنْ
يَنْوِي فِي رُجُوعِهِ التَّحَيُّزَ إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إنْ
رَجَا الْبُلُوغَ إلَيْهِمْ, أَوْ يَنْوِي الْكَرَّ إلَى الْقِتَالِ,
فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إِلاَّ تَوْلِيَةَ دُبُرِهِ هَارِبًا فَهُوَ
فَاسِقٌ مَا لَمْ يَتُبْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ
تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ وَمِنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ
إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ
بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} . قَالَ قَوْمٌ:
إنَّ الْفِرَارَ لَهُ مُبَاحٌ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدًا وَهَذَا
خَطَأٌ.
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ
اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ}.ِ
وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: "إنْ فَرَّ رَجُلٌ
مِنْ رَجُلَيْنِ فَقَدْ فَرَّ, وَإِنَّ فَرَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَلَمْ
يَفِرَّ".
قال أبو محمد: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي مِئِينَ
مِنْ الْقَضَايَا, مِنْهَا قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ جَهْرًا فِي
صَلاَةِ الْجِنَازَةِ, وَإِخْبَارُهُ أَنَّهُ لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بِهَا
وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ, وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي كَلاَمِ اللَّهِ
تَعَالَى, أَوْ كَلاَمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا
الآيَةُ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهَا; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لاَ
نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ بِإِبَاحَةِ الْفِرَارِ، عَنِ الْعَدَدِ
الْمَذْكُورِ; وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ
فِينَا ضَعْفًا, وَهَذَا حَقٌّ إنَّ فِينَا لَضَعْفًا، وَلاَ قَوِيَّ
إِلاَّ وَفِيهِ ضَعْفٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ
إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ
(7/292)
فَهُوَ
الْقَوِيُّ الَّذِي لاَ يَضْعُفُ، وَلاَ يُغْلَبُ. وَفِيهَا: أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى خَفَّفَ عَنَّا فَلَهُ الْحَمْدُ وَمَا زَالَ
رَبُّنَا تَعَالَى رَحِيمًا بِنَا يُخَفِّفُ عَنَّا فِي جَمِيعِ
الأَعْمَالِ الَّتِي أَلْزَمْنَا. وَفِيهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنَّا
مِائَةٌ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ, وَإِنْ يَكُنْ مِنَّا
أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ, وَهَذَا حَقٌّ,
وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمِائَةَ لاَ تَغْلِبُ أَكْثَرَ مِنْ
مِائَتَيْنِ، وَلاَ أَقَلَّ أَصْلاً; بَلْ قَدْ تَغْلِبُ
ثَلاَثَمِائَةٍ, نَعَمْ وَأَلْفَيْنِ وَثَلاَثَ آلاَفٍ، وَلاَ أَنَّ
الأَلْفَ لاَ يَغْلِبُونَ إِلاَّ أَلْفَيْنِ فَقَطْ لاَ أَكْثَرَ،
وَلاَ أَقَلَّ, وَمَنْ ادَّعَى هَذَا فِي الآيَةِ فَقَدْ أَبْطَلَ
وَادَّعَى مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ أَثَرٌ, وَلاَ إشَارَةٌ, وَلاَ
نَصٌّ, وَلاَ دَلِيلٌ, بَلْ قَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كَمْ مِنْ
فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ
وَاَللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}, فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ لاَ
دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلاً, وَنَسْأَلُهُمْ، عَنْ فَارِسٍ بَطَلٍ شَاكِي
السِّلاَحِ قَوِيٍّ لَقِيَ ثَلاَثَةً مِنْ شُيُوخِ الْيَهُودِ
الْحَرْبِيِّينَ هَرْمَى مَرْضَى رِجَالَةً عُزَّلاً أَوْ عَلَى
حَمِيرٍ, أَلَهُ أَنْ يَفِرَّ عَنْهُمْ لَئِنْ قَالُوا: نَعَمْ
لَيَأْتُنَّ بِطَامَّةٍ يَأْبَاهَا اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَكُلُّ
ذِي عَقْلٍ, وَإِنْ قَالُوا: لاَ لَيَتْرُكُنَّ قَوْلَهُمْ. وَكَذَلِكَ
نَسْأَلُهُمْ، عَنْ أَلْفِ فَارِسٍ, نُخْبَةٍ, أَبْطَالٍ, أَمْجَادٍ,
مُسلَّحِينَ, ذَوِي بَصَائِرَ, لَقَوْا ثَلاَثَةَ آلاَفٍ, مِنْ
مَحْشُودَةِ بَادِيَةِ النَّصَارَى, رِجَالَةً, مُسَخَّرِينَ أَلْهَمَ
أَنْ يَفِرُّوا عَنْهُمْ.
وَرُوِّينَا، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ,
إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ خَاصَّةً.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلآيَةِ بِلاَ دَلِيلٍ. رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
مُثَنَّى, قَالاَ جَمِيعًا: نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا
عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ نَا ابْنُ عَبَّاسٍ
أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لَهُ: كَانَتْ "الأَنْفَالُ" مِنْ أَوَّلِ مَا
أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا
هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأُُبُلِّيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي
الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قِيلَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ
وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ,
وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ, وَأَكْلُ الرِّبَا, وَالتَّوَلِّي يَوْمَ
الزَّحْفِ, وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ"
فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نَا أَبُو
إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ
أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كَتَبَ
إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى فَقَرَأَتْهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ
تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ
فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ
تَحْتَ ظِلاَلِ
(7/293)
السُّيُوفِ". فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ, وَإِسْلاَمُ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى بِلاَ شَكٍّ بَعْدَ نُزُولِ سُورَةِ
الأَنْفَالِ الَّتِي فِيهَا الآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فِيمَا
لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ غَيْرَهُ
كَمَا نا عبد الله بن ربيع التَّمِيمِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ
بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ, نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيُّ
نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: سَمِعْت
رَجُلاً سَأَلَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً
حَمَلَ عَلَى الْكَتِيبَةِ وَهُمْ أَلْفٌ, أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى
التَّهْلُكَةِ قَالَ الْبَرَاءُ لاَ, وَلَكِنَّ التَّهْلُكَةَ: أَنْ
يُصِيبَ الرَّجُلُ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ وَيَقُولُ: لاَ
تَوْبَةَ لِي. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إذَا لَقِيتُمْ فَلاَ
تَفِرُّوا.
وَعَنْ عَلِيٍّ, وَابْنِ عُمَرَ: الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ مِنْ
الْكَبَائِرِ. وَلَمْ يَخُصُّوا عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ, وَلَمْ يُنْكِرْ
أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ, وَلاَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَنْ
يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ, عَلَى الْعَسْكَرِ الْجَرَّارِ
وَيَثْبُتَ حَتَّى يُقْتَلَ. وَقَدْ ذَكَرُوا حَدِيثًا مُرْسَلاً مِنْ
طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَقُوا الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ
رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ, أَوْ أَحْمِلُ
عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"أَتُرَاكَ قَاتِلٌ هَؤُلاَءِ كُلَّهُمْ اجْلِسْ, فَإِذَا نَهَضَ
أَصْحَابُكَ فَانْهَضْ وَإِذَا شَدُّوا فَشُدَّ" وَهَذَا مُرْسَلٌ لاَ
حُجَّةَ فِيهِ; بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام: أَنَّ رَجُلاً
مِنْ أَصْحَابِهِ سَأَلَهُ مَا يُضْحِكُ اللَّهُ مِنْ عَبْدِهِ قَالَ:
غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا فَنَزَعَ الرَّجُلُ دِرْعَهُ
وَدَخَلَ فِي الْعَدُوِّ حَتَّى قُتِلَ رضي الله عنه.
(7/294)
924-
مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ تَحْرِيقُ أَشْجَارِ الْمُشْرِكِينَ,
وَأَطْعِمَتِهِمْ, وَزَرْعِهِمْ وَدُورِهِمْ, وَهَدْمُهَا, قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ
الْفَاسِقِينَ وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ
الْكُفَّارَ، وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نِيلاً إِلاَّ كُتِبَ
لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} وَقَدْ أَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَهِيَ فِي طَرَفِ دُورِ
الْمَدِينَةِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا تَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي
يَوْمٍ أَوْ غَدِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
رضي الله عنه: لاَ تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلاَ تُخَرِّبَنَّ
عَامِرًا, وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم وَقَدْ يَنْهَى أَبُو بَكْرٍ، عَنْ ذَلِكَ اخْتِيَارًا;
لأََنَّ تَرْكَ ذَلِكَ أَيْضًا مُبَاحٌ كَمَا فِي الآيَةِ
الْمَذْكُورَةِ, وَلَمْ يَقْطَعْ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا نَخْلَ
خَيْبَرَ, فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/294)
925 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ عَقْرُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانِهِمْ
أَلْبَتَّةَ لاَ إبِلٍ, وَلاَ بَقَرٍ, وَلاَ غَنَمٍ, وَلاَ خَيْلٍ,
وَلاَ دَجَاجٍ, وَلاَ حَمَامٍ, وَلاَ أَوَزًّ, وَلاَ بِرَكٍ, وَلاَ
غَيْرِ ذَلِكَ إِلاَّ لِلأَكْلِ فَقَطْ, حَاشَا الْخَنَازِيرَ جُمْلَةً
فَتُعْقَرُ, وَحَاشَا الْخَيْلَ فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَقَطْ,
وَسَوَاءٌ أَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ, أَوْ لَمْ يَأْخُذُوهَا
أَدْرَكَهَا الْعَدُوُّ وَلَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى
مَنْعِهَا, أَوْ لَمْ يُدْرِكُوهَا وَيُخَلَّى كُلُّ ذَلِكَ،
(7/294)
926 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُ نِسَائِهِمْ، وَلاَ قَتْلُ مَنْ لَمْ
يَبْلُغْ مِنْهُمْ, إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا
فَلاَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِ مَنْجًى مِنْهُ إِلاَّ بِقَتْلِهِ فَلَهُ
قَتْلُهُ حِينَئِذٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيق الْبُخَارِيِّ نَا أَحْمَدُ
بْنُ يُونُسَ نَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
(7/296)
927 -
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أُصِيبُوا فِي الْبَيَاتِ أَوْ فِي اخْتِلاَطِ
الْمَلْحَمَةِ، عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا
سُفْيَانُ نَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ
جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
سُئِلَ، عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَقَالَ: هُمْ مِنْ
آبَائِهِمْ.
(7/296)
928 -
مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ قَتْلُ كُلِّ مَنْ عَدَا مِنْ ذَكَرْنَا مِنْ
الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُقَاتِلٍ, أَوْ غَيْرِ مُقَاتِلٍ, أَوْ تَاجِرٍ,
أَوْ أَجِيرٍ وَهُوَ الْعَسِيفُ أَوْ شَيْخٍ كَبِيرٍ كَانَ ذَا رَأْيٍ,
أَوْ لَمْ يَكُنْ, أَوْ فَلَّاحٍ, أَوْ أُسْقُفٍ, أَوْ قِسِّيسٍ, أَوْ
رَاهِبٍ, أَوْ أَعْمَى, أَوْ مُقْعَدٍ لاَ تُحَاشِ أَحَدًا. وَجَائِزٌ
اسْتِبْقَاؤُهُمْ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ
وَاقْعُدُوا لَهُمْ
(7/296)
929 -
مَسْأَلَةٌ: وَيُغْزَى أَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ كُلِّ فَاسِقٍ مِنْ
الأُُمَرَاءِ, وَغَيْرِ فَاسِقٍ, وَمَعَ الْمُتَغَلِّبِ
وَالْمُحَارِبِ, كَمَا يُغْزَى مَعَ الإِمَامِ, وَيَغْزُوهُمْ
الْمَرْءُ وَحْدَهُ إنْ قَدَرَ أَيْضًا, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} , وَقَدْ ذَكَرْنَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم فِي أَوَّلِ بَابٍ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ هَاهُنَا:
السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ وَقَالَ
تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} , وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ
تَعَالَى أَنَّهُ سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فُسَّاقٌ فَلَمْ يَخُصَّهُمْ
مِنْ غَيْرِهِمْ, وَكُلُّ مَنْ دَعَا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي
الصَّلاَةِ الْمُؤَدَّاةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى,
وَالصَّدَقَةِ الْمَوْضُوعَةِ مَوَاضِعَهَا, وَالْمَأْخُوذَةِ فِي
حَقِّهَا, وَالصِّيَامِ كَذَلِكَ, وَالْحَجِّ كَذَلِكَ, وَالْجِهَادِ
كَذَلِكَ, وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا; فَفَرْضٌ إجَابَتُهُ
لِلنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ. وَكُلُّ مَنْ دَعَا مِنْ إمَامٍ حَقٍّ,
أَوْ غَيْرِهِ, إلَى مَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ, وَلاَ طَاعَةَ, كِتَابُ
اللَّهِ أَحَقُّ, وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَقَالَ عليه السلام:
"لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى".
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو الْيَمَانِ
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلاَلاً فَنَادَى فِي النَّاسِ
(7/299)
إنَّهُ
لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ
لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ.
(7/300)
930 -
مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ غَزَا مَعَ فَاسِقٍ فَلْيَقْتُلْ الْكُفَّارَ
وَلِيُفْسِدْ زُرُوعَهُمْ وَدُورَهُمْ وَثِمَارَهُمْ, وَلْيَجْلِبْ
النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَلاَ بُدَّ, فَإِنَّ إخْرَاجَهُمْ مِنْ
ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إلَى نُورِ الإِسْلاَمِ فَرْضٌ يَعْصِي اللَّهَ
مَنْ تَرَكَهُ قَادِرًا عَلَيْهِ, وَإِثْمُهُمْ عَلَى مَنْ غَلَّهُمْ,
وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فَهِيَ أَقَلُّ مِنْ تَرْكِهِمْ فِي الْكُفْرِ
وَعَوْنِهِمْ عَلَى الْبَقَاءِ فِيهِ, وَلاَ إثْمَ بَعْدَ الْكُفْرِ
أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ نَهَى، عَنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ وَأَمَرَ
بِإِسْلاَمِ حَرِيمِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ فِسْقِ
رَجُلٍ مُسْلِمٍ لاَ يُحَاسَبُ غَيْرُهُ بِفِسْقِهِ.
(7/300)
931 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَمْلِكُ أَهْلُ الْكُفْرِ الْحَرْبِيُّونَ مَالَ
مُسْلِمٍ, وَلاَ مَالَ ذِمِّيٍّ أَبَدًا إِلاَّ بِالأَبْتِيَاعِ
الصَّحِيحِ, أَوْ الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ, أَوْ بِمِيرَاثٍ مِنْ
ذِمِّيٍّ كَافِرٍ, أَوْ بِمُعَامَلَةٍ صَحِيحَةٍ فِي دِينِ
الإِسْلاَمِ, فَكُلُّ مَا غَنِمُوهُ مِنْ مَالِ ذِمِّيٍّ أَوْ
مُسْلِمٍ, أَوْ آبِقٍ إلَيْهِمْ, فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ,
فَمَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ
وَبَعْدَهَا, دَخَلُوا بِهِ أَرْضَ الْحَرْبِ, أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا،
وَلاَ يُكَلَّفُ مَالِكُهُ عِوَضًا، وَلاَ ثَمَنًا, لَكِنْ يُعَوِّضُ
الأَمِيرُ مَنْ كَانَ صَارَ فِي سَهْمِهِ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِجَمَاعَةِ
الْمُسْلِمِينَ, وَلاَ يَنْفُذُ فِيهِ عِتْقُ مَنْ وَقَعَ فِي
سَهْمِهِ, وَلاَ صَدَقَتِهِ, وَلاَ هِبَتِهِ, وَلاَ بَيْعِهِ, وَلاَ
تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ, وَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّيْءِ
الَّذِي يَغْصِبُهُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِ, وَلاَ فَرْقَ.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَلِمَنْ سَلَفَ
أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ سِوَى هَذَا. أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ يُرَدُّ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ لاَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ, وَلاَ
بَعْدَهَا, لاَ بِثَمَنٍ, وَلاَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ, وَهُوَ لِمَنْ صَارَ
فِي سَهْمِهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ قَالَ: مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ
الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَمْوَالِهِمْ. وَكَانَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ يَقْضِي بِذَلِكَ. وَعَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ مُكَاتَبًا
أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَ بَكْرُ بْنُ
قِرْوَاشَ عَنْهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ, فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:
إنْ افْتَكَّهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ, وَإِنْ أَبَى أَنْ
يَفْتَكَّهُ فَهُوَ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
خِلاَسٍ، عَنْ عَلِيٍّ: مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ.
وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ فَيْءُ الْمُسْلِمِينَ لاَ
يُرَدُّ. وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: مَا أَحْرَزَهُ
الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ لَهُمْ مَا لَمْ
يَكُنْ حُرًّا أَوْ مُعَاهَدًا. وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ
الْحَسَنِ مِثْلُ هَذَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ أُدْرِكَ
قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ, فَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ حَتَّى
قُسِمَ فَهُوَ لِلَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ لاَ يُرَدُّ إلَى
صَاحِبِهِ لاَ بِثَمَنٍ, وَلاَ بِغَيْرِهِ. هَكَذَا رُوِّينَاهُ
(7/300)
وكذلك لو
نزل أهل الحرب عندك تجارًا بأمان أو رسلاً أو مستأمنين مستجرين
...
932- مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ نَزَلَ أَهْلُ الْحَرْبِ عِنْدَك
تُجَّارًا بِأَمَانٍ, أَوْ رُسُلاً, أَوْ مُسْتَأْمِنِينَ
مُسْتَجِيرِينَ, أَوْ مُلْتَزِمِينَ لاََنْ يَكُونُوا ذِمَّةً لَنَا
فَوَجَدْنَا بِأَيْدِيهِمْ أَسْرَى مُسْلِمِينَ, أَوْ أَهْلَ ذِمَّةٍ,
أَوْ عَبِيدًا, أَوْ إمَاءً لِلْمُسْلِمِينَ, أَوْ مَالاً لِمُسْلِمٍ,
أَوْ لِذِمِّيٍّ: فَإِنَّهُ يُنْتَزَعُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِلاَ
عِوَضٍ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا. وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى أَصْحَابِهِ,
وَلاَ يَحِلُّ لَنَا الْوَفَاءُ بِكُلِّ عَهْدٍ أُعْطُوهُ عَلَى
خِلاَفِ هَذَا; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ
شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ".
وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا مَا يَقُولُ لَوْ عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى
أَنْ لاَ نُصَلِّيَ, أَوْ لاَ نَصُومَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمُوا,
أَوْ تَذَمَّمُوا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ كُلُّ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ
حُرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ, أَوْ لِمُسْلِمٍ, أَوْ لِذِمِّيٍّ,
وَيُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ بِلاَ عِوَضٍ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ
فِيمَا اسْتَهْلَكُوا فِي حَالِ كَوْنِهِمْ حَرْبِيِّينَ. وَلَوْ أَنَّ
تَاجِرًا; أَوْ رَسُولاً دَخَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَافْتَدَى
أَسِيرًا, أَوْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ, أَوْ ابْتَاعَ مَتَاعًا لِمُسْلِمٍ
أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ وَهَبُوهُ لَهُ, فَخَرَجَ إلَى دَارِ
الإِسْلاَمِ: اُنْتُزِعَ مِنْهُ كُلُّ ذَلِكَ, وَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ,
وَهُوَ مِنْ خَسَارَةِ الْمُشْتَرِي, وَأُطْلِقَ الأَسِيرُ بِلاَ
غَرَامَةٍ لِمَا ذَكَرنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ
أَنَّ أَبْطَلَ الْبَاطِلِ, وَأَظْلَمَ الظُّلْمِ: أَخْذُ الْمُشْرِكِ
لِلْمُسْلِمِ, أَوْ لِمَالِهِ, أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ لِمَالِهِ,
وَالظُّلْمُ لاَ يَجُوزُ إمْضَاؤُهُ بَلْ يُرَدُّ وَيُفْسَخُ.
فَلَوْ أَنَّ الأَسِيرَ قَالَ لِمُسْلِمٍ, أَوْ لِذِمِّيٍّ دَخَلَ
دَارَ الْحَرْبِ: افْدِنِي مِنْهُمْ, وَمَا تُعْطِيهِمْ دَيْنٌ لَك
عَلَيَّ, فَهُوَ كَمَا قَالَ, وَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ, لأََنَّهُ
اسْتَقْرَضَهُ فَأَقْرَضَهُ, وَهَذَا حَقٌّ. وقال مالك, وَابْنُ
الْقَاسِمِ: لَوْ نَزَلَ حَرْبِيُّونَ بِأَمَانٍ وَعِنْدَهُمْ
مُسْلِمَاتٌ مَأْسُورَاتٌ: لَمْ يُنْتَزَعْنَ مِنْهُمْ, وَلاَ
يُمْنَعُونَ مِنْ الْوَطْءِ لَهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ
تَذَمَّمَ حَرْبِيُّونَ وَبِأَيْدِيهِمْ أَسْرَى مُسْلِمُونَ
أَحْرَارٌ: فَهُمْ بَاقُونَ فِي أَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ عَبِيدٌ
لَهُمْ كَمَا كَانُوا.
وَهَذَانِ الْقَوْلاَنِ لاَ نَعْلَمُ قَوْلاً أَعْظَمَ فَسَادًا
مِنْهُمَا, وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا, وَلَيْتَ شِعْرِي مَا
الْقَوْلُ لَوْ كَانَ بِأَيْدِيهِمْ شُيُوخٌ مُسْلِمُونَ وَهُمْ
يَسْتَحِلُّونَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَيُتْرَكُونَ وَذَلِكَ أَوْ لَوْ
أَنَّ بِأَيْدِيهِمْ مَصَاحِفَ أَيُتْرَكُونَ يَمْسَحُونَ بِهَا
الْعَذِرَ، عَنْ أَسْتَاهِهِمْ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ
هَذَا الْقَوْلِ أَتَمَّ الْبَرَاءَةِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ
الْخِذْلاَنِ.
(7/306)
933-
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ أَبِي جَنْدَلٍ, وَأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَلاَ
حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا أَنَّهُ عليه السلام
رَدَّهُ وَلَمْ يَكُنْ الْعَهْدُ تَمَّ بَيْنَهُمْ, وَهُمْ لاَ
يَقُولُونَ بِهَذَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَرُدَّهُ
حَتَّى أَجَارَهُ لَهُ مُكَرَّزُ بْنُ حَفْصٍ مِنْ أَنْ يُؤْذَى.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ عليه السلام قَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى
أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرْجًا وَمَخْرَجًا
وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ذَلِكَ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ خَبَرٌ مَنْسُوخٌ
نَسَخَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي جَنْدَلٍ: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ
مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى
الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَذِهِ الآيَةِ عَهْدَهُمْ
فِي رَدِّ النِّسَاءِ, ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى "بَرَاءَةٌ"
بَعْدَ ذَلِكَ فَأَبْطَلَ الْعَهْدَ كُلَّهُ وَنَسَخَهُ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ
عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ} . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي "بَرَاءَةٌ" أَيْضًا: {كَيْف
يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ
إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ
فَأَبْطَلَ تَعَالَى كُلَّ عَهْدٍ لِلْمُشْرِكِينَ حَاشَا الَّذِينَ
عَاهَدُوا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ
كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا
الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} , وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا
الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ، وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ،
وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلاَ يَدِينُونَ
دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ عَهْدٍ وَلَمْ يُقِرَّهُ, وَلَمْ
يَجْعَلْ لِلْمُشْرِكِينَ إِلاَّ الْقَتْلَ, أَوْ الإِسْلاَمَ,
وَلأََهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ وَهُمْ
صَاغِرُونَ وَأَمَّنَ الْمُسْتَجِيرَ وَالرَّسُولَ حَتَّى يُؤَدِّيَ
رِسَالَتَهُ وَيَسْمَعَ الْمُسْتَجِيرُ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ
يُرَدَّانِ إلَى بِلاَدِهِمَا، وَلاَ مَزِيدَ, فَكُلُّ عَهْدٍ غَيْرِ
هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ لاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ;
لأََنَّهُ خِلاَفُ شَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخِلاَفُ أَمْرِهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي
الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ
الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَغَيْرِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ
الْحُدَيْبِيَةِ, وَفِيهِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ
كَيْفَ يُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ
بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ
مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ
فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ
(7/307)
تَرُدَّهُ
إلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّا لَمْ نَقْضِ
الْكِتَابَ بَعْدُ" , قَالَ: "فَوَاَللَّهِ إذًا لاَ أُصَالِحُكَ عَلَى
شَيْءٍ أَبَدًا" , فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
"فَأَجِزْهُ لِي" قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ: بَلَى
فَافْعَلْ. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ, قَالَ مُكَرَّزٌ، هُوَ ابْنُ
حَفْصِ بْنِ الأَحْنَفِ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ فَهَذَا خِلاَفُ
قَوْلِهِمْ كُلِّهِمْ وَحَدِيثُ أَبِي جَنْدَلٍ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ
كَمَا أَوْرَدْنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا
عَفَّانُ، هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ
مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ وَمَنْ جَاءَ مِنَّا
رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا. فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَكْتُبُ
هَذَا قَالَ: نَعَمْ, إنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إلَيْهِمْ
فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ, وَمِنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ
لَهُ فَرْجًا وَمَخْرَجًا وَهَذَا خَبَرٌ مِنْهُ عليه السلام مَقْطُوعٌ
بِصِدْقِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نَا
اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ
الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ, وَآخَرَ: يُخْبِرَانِ، عَنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا حَدِيثَ الْحُدَيْبِيَةِ,
وَفِيهِ: فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ
بْنِ عَمْرٍو, وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ
فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا, وَجَاءَتْ
الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ, وَجَاءَتْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ
عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا
يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرْجِعَهَا إلَيْهِمْ
فَلَمْ يُرْجِعْهَا إلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
فِيهِنَّ: {إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ
فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} الآيَةَ.
(7/308)
934-
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْكُفَّارِ فَعَاهَدُوهُ
عَلَى الْفِدَاءِ وَأَطْلَقُوهُ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ
إلَيْهِمْ, وَلاَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا, وَلاَ يَحِلُّ لِلإِمَامِ
أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا, فَإِنْ لَمْ
يَقْدِرْ عَلَى الأَنْطِلاَقِ إِلاَّ بِالْفِدَاءِ فَفَرْضٌ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْدُوهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَفِي
بِفِدَائِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وَإِسَارُ الْمُسْلِمِ
أَبْطَلُ الْبَاطِلِ, وَأَخْذُ الْكَافِرِ أَوْ الظَّالِمِ مَالَهُ
فِدَاءً مِنْ أَبْطَلْ الْبَاطِلِ, فَلاَ يَحِلُّ إعْطَاءُ الْبَاطِلِ,
وَلاَ الْعَوْنُ عَلَيْهِ, وَتِلْكَ الْعُهُودُ وَالأَيْمَانُ الَّتِي
أَعْطَاهُمْ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا, لأََنَّهُ مُكْرَهٌ
عَلَيْهَا, إذْ لاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى الْخَلاَصِ إِلاَّ بِهَا, وَلاَ
يَحِلُّ لَهُ الْبَقَاءُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى
الْخُرُوجِ, وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ
عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا
عَلَيْهِ" وَهَكَذَا كُلُّ عَهْدٍ أَعْطَيْنَاهُمْ, حَتَّى نَتَمَكَّنَ
مِنْ اسْتِنْقَاذِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ مِنْ أَيْدِيهمْ,
فَإِنْ عَجَزْنَا، عَنْ اسْتِنْقَاذِهِ إِلاَّ بِالْفِدَاءِ فَفَرْضٌ
عَلَيْنَا فِدَاؤُهُ لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ
(7/308)
"أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ" وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
سُلَيْمَانَ, وَالشَّافِعِيِّ.
(7/309)
935-
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ فِدَاءُ الأَسِيرِ الْمُسْلِمِ إِلاَّ إمَّا
بِمَالٍ, وَأَمَّا بِأَسِيرٍ كَافِرٍ, وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُرَدَّ
صَغِيرٌ سُبِيَ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ إلَيْهِمْ لاَ بِفِدَاءٍ، وَلاَ
بِغَيْرِ فِدَاءٍ; لأََنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حُكْم الإِسْلاَمِ بِمِلْكِ
الْمُسْلِمِينَ لَهُ, فَهُوَ وَأَوْلاَدُ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ،
وَلاَ فَرْقَ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ.
(7/309)
936-
مَسْأَلَةٌ: وَمَا وَهَبَ أَهْلُ الْحَرْبِ لِلْمُسْلِمِ الرَّسُولِ
إلَيْهِمْ, أَوْ التَّاجِرِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ حَلاَلٌ, وَهِبَةٌ
صَحِيحَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَالَ مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ, وَكَذَلِكَ
مَا ابْتَاعَهُ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ فَهُوَ ابْتِيَاعٌ صَحِيحٌ مَا
لَمْ يَكُنْ مَالاً لِمُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ; لأََنَّهُمْ مَالِكُونَ
لأََمْوَالِهِمْ مَا لَمْ يَنْتَزِعْهَا الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ بِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ} فَجَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ إلَى أَنْ
أَوْرَثَنَا إيَّاهَا, وَالتَّوْرِيثُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالأَخْذِ
وَالتَّمَلُّكِ, وَإِلَّا فَلَمْ يُورَثْ بَعْدَمَا لَمْ تَقْدِرْ
أَيْدِينَا عَلَيْهِ, وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى
أَمْوَالَهُمْ لِلْغَانِمِ لَهَا, لاَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَغْنَمْهَا.
(7/309)
937-
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ فَسَوَاءٌ
أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ,
أَوْ لَمْ يَخْرُجَ, أَوْ خَرَجَ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ ثُمَّ
أَسْلَمَ, كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَجَمِيعُ مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ فِي
أَرْضِ الإِسْلاَمِ; أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ, أَوْ الَّذِي تَرَكَ
وَرَاءَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ عَقَارٍ, أَوْ دَارٍ, أَوْ أَرْضٍ,
أَوْ حَيَوَانٍ, أَوْ نَاضٍّ; أَوْ مَتَاعٍ فِي مَنْزِلِهِ, أَوْ
مُودَعًا, أَوْ كَانَ دَيْنًا: هُوَ كُلُّهُ لَهُ, لاَ حَقَّ لأََحَدٍ
فِيهِ, وَلاَ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُونَ إنْ غَنِمُوهُ أَوْ
افْتَتَحُوا تِلْكَ الأَرْضَ. وَمَنْ غَصَبَهُ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ
حَرْبِيٍّ, أَوْ مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ: رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ
وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ إنْ مَاتَ, وَأَوْلاَدُهُ الصِّغَارُ
مُسْلِمُونَ أَحْرَارٌ وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ.
وَأَمَّا امْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ الْكِبَارُ فَفَيْءٌ إنْ سُبُوا
وَهُوَ بَاقٍ عَلَى نِكَاحِهِ مَعَهَا, وَهِيَ رَقِيقٌ لِمَنْ وَقَعَتْ
لَهُ سَهْمَهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ, وَبِلاَ
خِلاَفٍ, وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: مُسْلِمٌ; وَإِذْ هُوَ
مُسْلِمٌ, فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" . فَصَحَّ أَنَّ دَمَهُ,
وَبَشَرَتَهُ, وَعِرْضَهُ, وَمَالَهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ
سِوَاهُ, وَنِكَاحُ أَهْلِ الْكُفْرِ صَحِيحٌ, لأََنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم أَقَرَّهُمْ عَلَى نِكَاحِهِمْ, وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا
لَمَا أَقَرَّهُ, وَمِنْهُ خُلِقَ عليه السلام, وَلَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ
مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ, فَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا لاَ
يَفْسُدُ شَيْءٌ, وَلاَ غَيْرُهُ إِلاَّ مَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ
بِفَسَادِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ
لاَ يُنَازِعُونَنَا فِي أَنَّ دَمَهُ, وَعِرْضَهُ, وَبَشَرَتَهُ,
حَرَامٌ ثُمَّ يَضْطَرِبُونَ فِي أَمْرِ مَالِهِ, وَهَذَا عَجَبٌ
جِدًّا وَقَوْلُنَا هَذَا كُلُّهُ هُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ,
وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة: إنْ أَسْلَمَ
فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ هُنَاكَ حَتَّى تَغَلَّبَ
الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ حُرٌّ, وَأَمْوَالُهُ كُلُّهَا
لَهُ, لاَ يُغْنَمُ مِنْهَا شَيْئًا, وَلاَ مِمَّا كَانَ لَهُ
وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ,
(7/309)
938-
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ
بَعْدُ فَامْرَأَتُهُ حُرَّةٌ لاَ تُسْتَرَقُّ; لأََنَّ الْجَنِينَ
حِينَئِذٍ بَعْضُهَا, وَلاَ يُسْتَرَقُّ, لأََنَّهُ جَنِينٌ مُسْلِمٌ.
وَمَنْ كَانَ بَعْضُهَا حُرًّا فَهِيَ كُلُّهَا حُرَّةٌ لِمَا نَذْكُرُ
فِي كِتَابِ الْعِتْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلاَفِ حُكْمِهَا
إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ قَبْلَ إسْلاَمِ أَبِيهِ لأََنَّهُ
حِينَئِذٍ غَيْرُهَا, وَهُوَ رُبَّمَا كَانَ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/311)
939-
مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ وَلَهَا زَوْجٌ كَافِرٌ
ذِمِّيٌّ, أَوْ حَرْبِيٌّ فَحِينَ إسْلاَمِهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا
مِنْهُ سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَهَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ, أَوْ أَكْثَرَ
أَوْ لَمْ يُسْلِمْ. لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلاَّ بِابْتِدَاءِ
نِكَاحٍ بِرِضَاهَا وَإِلَّا فَلاَ. فَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا بَقِيَا
عَلَى نِكَاحِهِمَا, فَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ قَبْلَهَا, فَإِنْ كَانَتْ
كِتَابِيَّةً بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا أَسْلَمَتْ هِيَ, أَمْ لَمْ
تُسْلِمْ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ فَسَاعَةَ إسْلاَمِهِ
قَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ, أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ بِطَرْفَةِ
عَيْنٍ فَأَكْثَرَ. لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلاَّ بِابْتِدَاءِ
نِكَاحٍ بِرِضَاهَا إنْ أَسْلَمَتْ, وَإِلَّا فَلاَ, سَوَاءٌ
حَرْبِيَّيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ كَانَا. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ, وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهم. وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ, وَالْحَكَمُ بْنُ
عُتَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ, وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ,
وَعَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ, وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ,
وَقَتَادَةُ, وَالشَّعْبِيُّ, وَغَيْرُهُمْ. وقال أبو حنيفة:
أَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ الآخَرِ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ فَإِنَّهُ
يَعْرِضُ الإِسْلاَمَ عَلَى الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمَا; فَإِنْ
أَسْلَمَ بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, وَإِنْ أَبَى فَحِينَئِذٍ تَقَعُ
الْفُرْقَةُ, وَلاَ مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الْعِدَّةِ فِي ذَلِكَ.
قَالَ: فَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبَ فَخَرَجَتْ مُسْلِمَةً
أَوْ ذِمِّيَّةً فَسَاعَةَ حُصُولِهَا فِي دَارِ الإِسْلاَمِ يَقَعُ
الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا لاَ قَبْلَ ذَلِكَ; فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ
دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ حَاضَتْ ثَلاَثَ حِيَضٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ
هُوَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ وَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ
ثَلاَثَ حِيَضٍ أُخَرَ عِدَّةً مِنْهُ, وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ قَبْلَ
ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى نِكَاحِهِ مَعَهَا. قَالَ: فَلَوْ ارْتَدَّ
أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ مِنْ وَقْتِهِ. وقال مالك: إنْ
أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا, فَإِنْ أَسْلَمَ
فِي عِدَّتِهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ
حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ. قَالَ: فَلَوْ
أَسْلَمَ هُوَ, وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ عُرِضَ الإِسْلاَمُ
عَلَيْهَا, فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, وَإِنْ
أَبَتْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ سَاعَةَ إبَائِهَا, فَلَوْ ارْتَدَّ
أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ سَاعَتَئِذٍ. وَقَالَ ابْنُ
شُبْرُمَةَ عَكْسَ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ أَسْلَمَ هُوَ وَهِيَ
وَثَنِيَّةٌ, فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ فَهِيَ
امْرَأَتُهُ, وَإِلَّا فَبِتَمَامِهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ, وَإِنْ
أَسْلَمَتْ هِيَ وَقْتَ الْفُرْقَةِ فِي الْحِينِ. وَقَالَ
الأَوْزَاعِيُّ, وَاللَّيْثُ, وَالشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ ذَلِكَ
سَوَاءٌ, وَتُرَاعَى الْعِدَّةُ, فَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا
قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا, وَإِنْ لَمْ
يُسْلِمْ حَتَّى تَمَّتْ الْعِدَّةُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَهُوَ
قَوْلُ الزُّهْرِيِّ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقَ, وَأَحَدُ
قَوْلِيِّ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.
قال أبو محمد: أُمًّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ,
لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُ, لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ, وَلاَ
إجْمَاعٍ, وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُحَدُّوا وَقْتَ عَرْضِ
الإِسْلاَمِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إِلاَّ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ,
وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ مِثْلُ تَقْسِيمِهِ لأََحَدٍ مِنْ
أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ سَوَاءٌ
سَوَاءٌ, وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِمَا كَانَ السُّكُوتُ أَوْلَى
بِهِ لَوْ نَصَحَ نَفْسَهُ, مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
(7/312)
[وَرُوِّينَا] مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ
فَضْلٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْيَهُودِيِّ,
أَوْ النَّصْرَانِيِّ: كَانَ أَحَقَّ بِبُضْعِهَا, لأََنَّ لَهُ
عَهْدًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ
أَنَّ هَانِئَ بْنَ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ الشَّيْبَانِيُّ وَكَانَ
نَصْرَانِيًّا عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ فَقَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَنَزَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ
فَأَقَرَّهُنَّ عُمَرُ عِنْدَهُ قَالَ شُعْبَةُ: قُلْت لِلْحُكْمِ:
عَمَّنْ هَذَا قَالَ: هَذَا شَيْءٌ مَعْرُوفٌ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ, وَابْنِ
جَعْفَرٍ غُنْدَرَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ: عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ, وَالْمُغِيرَةِ بْنِ
مِقْسَمٍ وَقَالَ غُنْدَرُ: نَا شُعْبَةُ نَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي
سُلَيْمَانَ, ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُغِيرَةُ, وَمَنْصُورٌ, وَحَمَّادٌ,
كُلُّهُمْ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: فِي ذِمِّيَّةٍ أَسْلَمَتْ
تَحْتَ ذِمِّيٍّ, قَالَ: تُقَرُّ عِنْدَهُ وَبِهِ أَفْتَى حَمَّادُ
بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ إِلاَّ،
أَنَّهُ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا فَهَذَا قَوْلٌ. وَعَنْ عُمَرَ
أَيْضًا قَوْلٌ آخَرُ: صَحَّ عَنْهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ, وَقَتَادَةَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
الْخِطْمِيِّ: أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ
فَخَيَّرَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ, وَإِنْ
شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ
مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ، عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يَزِيدَ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ
ثَالِثٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ
دَاوُد الطَّائِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنَّ
حَنْظَلَةَ بْنَ بِشْرٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ مِنْ ابْن
أَخٍ لَهُ نَصْرَانِيٍّ فَرَكِبَ عَوْفُ بْنُ الْقَعْقَاعِ إلَى عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ; فَكَتَبَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ:
إنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ; وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فُرِّقَ
بَيْنَهُمَا; فَلَمْ يُسْلِمْ, فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا, فَتَزَوَّجَهَا
عَوْفُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا, لأََنَّهُمْ
لاَ يُجِيزُونَ أَلْبَتَّةَ ابْتِدَاءَ عَقْدِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ مِنْ
كَافِرٍ أَسْلَمَ إثْرَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ.
وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ رَابِعٌ لاَ يَصِحُّ عَنْهُ: رُوِّينَاهُ
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أَنْبَأَنِي ابْنُ الْمَرْأَةِ
الَّتِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ, عُرِضَ عَلَيْهِ الإِسْلاَمُ
فَأَبَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَلْقَمَةَ
أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيَّ كَانَ نَاكِحًا
بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَأَسْلَمَتْ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ إمَّا أَنْ تُسْلِمَ وَأَمَّا أَنْ نَنْتَزِعَهَا مِنْك
فَأَبَى, فَنَزَعَهَا عُمَرُ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ مُضَرَ التَّغْلِبِيَّ، عَنْ
دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ
زُرْعَةَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ التَّمِيمِيَّةُ, وَأَبَى أَنْ
يُسْلِمَ, فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا.
(7/313)
أَبُو
إِسْحَاقَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ وَالسَّفَّاحُ, وَدَاوُد بْنُ
كُرْدُوسٍ مَجْهُولاَنِ. وَكَذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ عَلْقَمَةَ, وَعَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرِينَ
يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا: هُوَ أَمْلَكُ بِبُضْعِهَا مَا دَامَتْ فِي
دَارِ هِجْرَتِهَا.
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ
بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا
مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِصْرِهَا. وَقَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: إنْ أَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْلِمْ
زَوْجُهَا, فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا إِلاَّ أَنْ يُفَرِّقَ
بَيْنَهُمَا سُلْطَانٌ. وَأَمَّا مِنْ رَاعَى عَرْضَ الإِسْلاَمِ
فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ
بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ،
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبِي أَنْ يُسْلِمَ
فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ.
قال أبو محمد: لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ إبَايَتِهِ بَعْدَ إسْلاَمِهَا
وَقَدْ يُرِيدُ أَنْ يُسْلِمَ مَعَهَا. وَأَمَّا مَنْ رَاعَى
الْعِدَّةَ فَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فَمَرْوِيٌّ، عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ
أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ
بْنَ عَلْقَمَةَ أَنَّ جَدَّهُ وَجَدَّتَهُ كَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ
فَأَسْلَمَتْ جَدَّتُهُ; فَفَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
بَيْنَهُمَا.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
الْيَهُودِيَّةِ, أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ تُسْلِمُ تَحْتَ
الْيَهُودِيِّ, أَوْ النَّصْرَانِيِّ. قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا,
الإِسْلاَمُ يَعْلُو، وَلاَ يُعْلَى عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتِي حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ لَنَا حِلٌّ, وَنِسَاؤُنَا عَلَيْهِمْ
حَرَامٌ. وَصَحَّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي
الْمَجُوسِيَّيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا, قَالَ: قَدْ انْقَطَعَ مَا
بَيْنَهُمَا وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي نَصْرَانِيَّةٍ
أَسْلَمَتْ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ قَالَ: قَدْ فَرَّقَ الإِسْلاَمُ
بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ,
وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي كَافِرَةٍ تُسْلِمُ تَحْتَ كَافِرٍ.
قَالُوا: قَدْ فَرَّقَ الإِسْلاَمُ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ
بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَعَدِيِّ بْنِ عَدِيِّ: هَذَا بِعَيْنِهِ
أَيْضًا. وَعَنِ الْحَسَنِ, ثَابِتٌ أَيْضًا: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ
فَرَّقَ الإِسْلاَمُ بَيْنَهُمَا. وَرُوِيَ أَيْضًا، عَنِ
الشَّعْبِيِّ.
قال أبو محمد: أَمَّا جَمِيعُ هَذِهِ الأَقْوَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا
فَمَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ مَنْ قَالَ
بِأَنَّهَا تُقَرُّ عِنْدَهُ وَيُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا; فَإِنَّهُمْ
احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: نِكَاحُ الْكُفْرِ صَحِيحٌ فَلاَ يَجُوزُ
إبْطَالُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِغَيْرِ يَقِينٍ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد
السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
النُّفَيْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ
(7/314)
ابْنُ
عَمْرٍو الرَّازِيّ, وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْحُلْوَانِيُّ
قَالَ النُّفَيْلِيُّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, وَقَالَ
الرَّازِيّ: نَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ, وَقَالَ الْحُلْوَانِيُّ:
نَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ أَوْ ابْنُ هَارُونَ أَحَدُهُمَا
بِلاَ شَكٍّ, ثُمَّ اتَّفَقَ سَلَمَةُ, وَابْنُ سَلَمَةَ, وَيَزِيدُ,
كُلُّهُمْ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُد بْنِ
الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي
الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ. زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: لَمْ
يَحْدُثْ شَيْءٌ. وَزَادَ سَلَمَةُ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. وَزَادَ
يَزِيدُ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ. وَقَالُوا: قَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم جَمِيعَ كُفَّارِ الْعَرَبِ عَلَى نِسَائِهِمْ,
وَفِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ, وَفِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ
قَبْلَهَا.
قال أبو محمد: لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ذَكَرنَا, فأما
قَوْلُهُمْ: إنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الْكُفْرِ صَحِيحٌ فَلاَ يَجُوزُ
فَسْخُهُ بِغَيْرِ يَقِينٍ فَصَدَقُوا, وَالْيَقِينُ قَدْ جَاءَ كَمَا
نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا
الْخَبَرُ فَصَحِيحٌ يَعْنِي حَدِيثَ زَيْنَبَ مَعَ أَبِي الْعَاصِ رضي
الله عنهما، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأََنَّ إسْلاَمَ أَبِي
الْعَاصِ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ, وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ بَعْدُ
تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْمُشْرِكِ, وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ
بِإِسْلاَمِ الْعَرَبِ فَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى خَبَرٍ صَحِيحٍ
بِأَنَّ إسْلاَمَ رَجُلٍ تَقَدَّمَ إسْلاَمَ امْرَأَتِهِ, أَوْ
تَقَدَّمَ إسْلاَمُهَا فَأَقَرَّهُمَا عليه السلام عَلَى النِّكَاحِ
الأَوَّلِ; فَإِذْ لاَ سَبِيلَ إلَى هَذَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأََنَّهُ إطْلاَقُ
الْكَذِبِ, وَالْقَوْلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ هِنْدَ, وَامْرَأَةَ صَفْوَانَ
أَسْلَمَتْ قَبْلَ صَفْوَانَ قلنا: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُمَا
بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَمْ يُجَدِّدَا عَقْدًا وَهَلْ جَاءَ
ذَلِكَ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم أَنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ
هَذَا.
قال أبو محمد: وَهُنَا شَغَبَ الْمَالِكِيُّونَ, وَالشَّافِعِيُّونَ:
فأما الشَّافِعِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِهَذَا كُلِّهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي
الْعَاصِ وَجَعَلُوا الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْعِدَّةَ. فَيُقَالُ
لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرنَا مِنْ أَيْنَ
لَكُمْ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي أَمْرِ أَبِي الْعَاصِ, وَأَمْرِ هِنْدَ,
وَامْرَأَةِ صَفْوَانَ, وَسَائِرِ مَنْ أَسْلَمَ: إنَّمَا هُوَ
الْعِدَّةُ وَمَنْ أَخْبَرَكُمْ بِهَذَا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ
هَذِهِ الأَخْبَارِ كُلِّهَا ذِكْرُ عِدَّةٍ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا
أَصْلاً, وَلاَ عِدَّةَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مِنْ
طَلاَقٍ, أَوْ وَفَاةٍ, وَالْمُعْتَقَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا,
وَلَيْسَتْ الْمُسْلِمَةُ تَحْتَ كَافِرٍ, وَلاَ الْبَاقِيَةُ عَلَى
الْكُفْرِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ, وَلاَ الْمُرْتَدَّةُ وَاحِدَةً
مِنْهُنَّ, فَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمُونَا بِهَذِهِ الْعِدَّةِ، وَلاَ
سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ أَبَدًا إِلاَّ بِالدَّعْوَى
الْكَاذِبَةِ; فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ فِي أَوَّلِ بَعْثِ
أَبِيهَا عليه السلام لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ, ثُمَّ هَاجَرَتْ إلَى
الْمَدِينَةِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ وَكَانَ بَيْنَ إسْلاَمِهَا
وَإِسْلاَمِهِ أَزْيَدُ مِنْ ثَمَانِي
(7/315)
عَشْرَةَ
سَنَةً وَقَدْ وَلَدَتْ فِي خِلاَلِ هَذَا ابْنَهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي
الْعَاصِ فَأَيْنَ الْعِدَّةُ لَوْ عَقَلْتُمْ؟
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنْ مَوَّهُوا بِامْرَأَةِ صَفْوَانَ.
عُورِضُوا بِهَذَا, وَأَبِي سُفْيَانَ, وَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} ذُكِّرُوا
بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ
يَحِلُّونَ لَهُنَّ} , فَظُهْر فَسَادُ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ
مُهَاجِرَاتٍ} الآيَةَ إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ
يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} فَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ
لأََحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ, فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى
رُجُوعَ الْمُؤْمِنَةِ إلَى الْكَافِرِ.
وَصَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:
الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَكُلُّ مَنْ
أَسْلَمَ فَقَدْ هَجَرَ الْكُفْرَ الَّذِي قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فَهُوَ
مُهَاجِرٌ. وَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ نِكَاحَهَا مُبَاحٌ لَنَا.
فَصَحَّ انْقِطَاعُ الْعِصْمَةِ بِإِسْلاَمِهَا. وَصَحَّ أَنَّ الَّذِي
يُسْلِمُ مَأْمُورٌ بِأَنْ لاَ يُمْسِكَ عِصْمَةً كَافِرَةً.فَصَحَّ
أَنَّ سَاعَةَ يَقَعُ الإِسْلاَمُ, أَوْ الرِّدَّةُ, فَقَدْ
انْقَطَعَتْ عِصْمَةُ الْمُسْلِمَةِ مِنْ الْكَافِرِ, وَعِصْمَةُ
الْكَافِرَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَكَانَا
كَافِرَيْنِ, أَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ
وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ تَخْلِيطٌ, وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِلاَ
بُرْهَانٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/316)
940-
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مِمَّا سِوَى
الْيَهُودِ, وَالنَّصَارَى, أَوْ الْمَجُوسِ: لاَ إلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ, أَوْ قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ, كَانَ بِذَلِكَ
مُسْلِمًا تَلْزَمُهُ شَرَائِعُ الإِسْلاَمِ, فَإِنْ أَبَى الإِسْلاَمَ
قُتِلَ. وَأَمَّا مِنْ الْيَهُودِ, وَالنَّصَارَى, وَالْمَجُوسِ, فَلاَ
يَكُونُ مُسْلِمًا بِقَوْلِ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ, إِلاَّ حَتَّى يَقُولَ: وَأَنَا مُسْلِمٌ, أَوْ قَدْ
أَسْلَمْتُ, أَوْ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ حَاشَا الإِسْلاَمَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى نَا ابْنُ
وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ
الْوَفَاةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَمُّ
قُلْ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ
اللَّهِ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ نَا هُشَيْمٌ
نَا حُصَيْنٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو
ظَبْيَانَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ
قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ
فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ
أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ
قَالَ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ,
وَطَعَنْتُهُ فَقَتَلْتُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ
(7/316)
رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: "يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ
بَعْدَمَا قَالَ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا فَقَالَ: "أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا
قَالَ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ" فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ
حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ
الْيَوْمِ".
قال أبو محمد: فَهَذَا فِي آخِرِ الإِسْلاَمِ, وَحَدِيثُ أَبِي طَالِبٍ
فِي مُعْظَمِ الإِسْلاَمِ بَعْدَ أَعْوَامٍ مِنْهُ, وَقَدْ كَفَّ
الأَنْصَارِيُّ كَمَا تَرَى، عَنْ قَتْلِهِ إذْ قَالَ: لاَ إلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يَلْزَمْ أُسَامَةَ قَوَدٌ لأََنَّهُ قَتَلَهُ
وَهُوَ يَظُنُّهُ كَافِرًا فَلَيْسَ قَاتِلَ عَمْدٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ الْحُلْوَانِيُّ
نَا أَبُو تَوْبَةَ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ نَا مُعَاوِيَةُ
يَعْنِي ابْنَ سَلاَمٍ، عَنْ زَيْدٍ يَعْنِي أَخَاهُ أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا سَلاَمٍ قَالَ: نَا أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ أَنَّ
ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُ
قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلاَمُ
عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ; فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ
مِنْهَا, فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي قُلْتُ: أَلاَ تَقُولُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ
الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم إنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي ثُمَّ
ذَكَر الْحَدِيثَ, وَفِي آخِرِهِ إنَّ الْيَهُودِيَّ قَالَ لَهُ:
[لَقَدْ] صَدَقْت وَإِنَّك لَنَبِيٌّ, ثُمَّ انْصَرَفَ.
فَفِي هَذَا الْخَبَرِ ضَرَبَ ثَوْبَانُ رضي الله عنه الْيَهُودِيَّ
إذْ لَمْ يَقُلْ: رَسُولَ اللَّهِ, وَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم فَصَحَّ أَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ, إذْ لَوْ كَانَ
غَيْرَ جَائِزٍ لاََنْكَرَهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْيَهُودِيَّ
قَالَ لَهُ: إنَّك لَنَبِيٌّ, وَلَمْ يُلْزِمْهُ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم بِذَلِكَ تَرْكَ دِينِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا
أَبُو رَوْحٍ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ نَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدٍ،
هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ,
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ, فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ وَحِسَابُهُمْ
عَلَى اللَّهِ" . وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي
سُلَيْمَانَ.
(7/317)
941-
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُقْبَلُ مِنْ يَهُودِيٍّ, وَلاَ نَصْرَانِيٍّ,
وَلاَ مَجُوسِيٍّ: جِزْيَةٌ, إِلاَّ بِأَنْ يُقِرُّوا بِأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَيْنَا, وَأَنْ لاَ يَطْعَنُوا فِيهِ,
وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِ الإِسْلاَمِ; لِحَدِيثِ ثَوْبَان
(7/317)
الَّذِي
ذَكَرْنَا آنِفًا وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَطَعَنُوا فِي
دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ
لَهُمْ} وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, قَالَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ: مَنْ
قَالَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: إنَّمَا أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ إلَيْكُمْ
لاَ إلَيْنَا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ
نَبِيًّا قُتِلَ.
(7/318)
942 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: إنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الإِسْلاَمِ بَاطِنًا
غَيْرَ الظَّاهِرِ الَّذِي يَعْرِفهُ الأَسْوَدُ وَالأَحْمَرُ, فَهُوَ
كَافِرٌ يُقْتَلُ، وَلاَ بُدَّ, لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّمَا
عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} وَقَالَ تَعَالَى:
{لِتُبَيِّنَّ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} فَمَنْ خَالَفَ هَذَا
فَقَدْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ.
(7/318)
943-
مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ عَبْدٍ, أَوْ أَمَةٍ كَانَا لِكَافِرَيْنِ, أَوْ
أَحَدِهِمَا أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ, أَوْ فِي غَيْرِ دَارِ
الْحَرْبِ: فَهُمَا حُرَّانِ, فَلَوْ كَانَا كَذَلِكَ لِذِمِّيٍّ
فَأَسْلَمَا: فَهُمَا حُرَّانِ سَاعَةَ إسْلاَمِهِمَا, وَكَذَلِكَ
مُدَبَّرُ الذِّمِّيِّ, أَوْ الْحَرْبِيِّ, أَوْ مُكَاتَبُهُمَا, أَوْ
أُمُّ وَلَدِهِمَا, أَيُّهُمْ أَسْلَمَ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ
إسْلاَمِهِ وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ, أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا, وَلاَ
يَرْجِعُ الَّذِي أَسْلَمَ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَعْطَى مِنْهَا
قَبْلَ إسْلاَمِهِ, وَيَرْجِعُ بِمَا أَعْطَى مِنْهَا بَعْدَ
إسْلاَمِهِ فَيَأْخُذُهُ لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}
وَإِنَّمَا عَنَى تَعَالَى بِهَذَا أَحْكَامَ الدِّينِ بِلاَ شَكٍّ,
وَأَمَّا تَسَلُّطُ الدُّنْيَا بِالظُّلْمِ فَلاَ, وَالرِّقُّ أَعْظَمُ
السَّبِيلِ, وَقَدْ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالإِسْلاَمِ,
وَنَسْأَلُ مَنْ بَاعَهُمَا عَلَيْهِ: لِمَ تَبِيعُهُمَا أَهُمَا
مَمْلُوكَانِ لَهُ أَمْ غَيْرُ مَمْلُوكَيْنِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ
أَحَدِهِمَا.
فَإِنْ قَالَ: لَيْسَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ صَدَقَ وَهُوَ قَوْلُنَا
وَإِذْ لَمْ يَكُونَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ فَهُمَا حُرَّانِ, وَإِنْ
قَالَ: هُمَا مَمْلُوكَانِ لَهُ. قلنا: فَلِمَ تُبْطِلُ مِلْكَهُ
الَّذِي أَنْتَ تُصَحِّحُهُ بِلاَ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ وَأَيُّ
فَرْقٍ بَيْنَ إقْرَارِك لَهُمَا فِي مِلْكِهِ سَاعَةً, أَوْ
سَاعَتَيْنِ, أَوْ يَوْمًا, أَوْ يَوْمَيْنِ, أَوْ جُمُعَةً, أَوْ
جُمُعَتَيْنِ, أَوْ شَهْرًا, أَوْ شَهْرَيْنِ, أَوْ عَامًا, أَوْ
عَامَيْنِ, أَوْ بَاقِيَ عُمُرِهَا, أَوْ عُمُرِهِ, وَكَيْفَ صَحَّ
إقْرَارُك لَهُمَا فِي مِلْكِهِ مُدَّةَ تَعْرِيضِهِمَا لِلْبَيْعِ
وَلَمْ يَصِحَّ, وَلَمْ يَصِحَّ إبْقَاؤُهُمَا فِي مِلْكِهِ أَكْثَرَ,
وَلَعَلَّهُمَا لاَ يَسْتَبِيعَانِ فِي شَهْرٍ; أَوْ أَكْثَرَ,
وَهَلَّا أَقْرَرْتُمُوهُمَا فِي مِلْكِهِ وَحُلْتُمْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهُمَا كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الْمُدَبَّرِ, وَأُمِّ الْوَلَدِ,
وَالْمُكَاتَبِ إذَا أَسْلَمُوا وَلَئِنْ كَانَ يَجُوزُ إبْقَاؤُهُمْ
فِي مِلْكِهِ إنَّ ذَلِكَ لَجَائِزٌ فِي الْعَبْدِ, وَلَئِنْ حَرُمَ
إبْقَاءُ الْعَبْدِ فِي مِلْكِهِ لَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي أُمِّ
الْوَلَدِ, وَالْمُدَبَّرِ, وَالْمُكَاتَبِ، وَلاَ فَرْقَ وَهَذَا
تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ, وَقَوْلٌ فَاسِدٌ لاَ مِرْيَةَ
فِيهِ, وَنَسْأَلُهُمْ أَيْضًا، عَنْ كَافِرٍ اشْتَرَى عَبْدًا
مُسْلِمًا, أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً, فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُمْ
يَفْسَخُونَ ذَلِكَ الشِّرَاءَ. فَنَقُولُ لَهُمْ: وَلِمَ
فَسَخْتُمُوهُ وَهَلَّا بِعْتُمُوهُمَا عَلَيْهِ كَمَا تَفْعَلُونَ
إذَا أَسْلَمَ فِي مِلْكِهِ وَمَا الْفَرْقُ فَإِنْ قَالُوا: لأََنَّ
هَذَا ابْتِدَاءُ تَمَلُّكٍ. قلنا: نَعَمْ, فَكَانَ مَاذَا، وَلاَ
يَخْلُو ابْتِيَاعُهُ لَهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ تَمَلُّكٍ
لِمَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ, وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ.
فَإِنْ قَالُوا: بَلْ لِمَا لاَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ. قلنا:
صَدَقْتُمْ, فَكَيْفَ أَحْلَلْتُمْ تَمَلُّكَهُ لَهُمَا مُدَّةَ
تَعْرِيضِكُمْ
(7/318)
ومن سى من أهل الحري من الرجال وله زوجة
...
944- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سُبِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الرِّجَالِ
وَلَهُ زَوْجَةٌ, أَوْ مِنْ النِّسَاءِ وَلَهَا زَوْجٌ فَسَوَاءٌ
سُبِيَ مَعَهَا, أَوْ لَمْ يُسْبَ مَعَهَا, وَلاَ سُبِيَتْ مَعَهُ
فَهُمَا عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا فَإِنْ أَسْلَمَتْ انْفَسَخَ
نِكَاحُهَا حِينَ تُسْلِمْ لِمَا قَدَّمْنَا وَأَمَّا بَقَاءُ
الزَّوْجِيَّةِ فَلأََنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكَ صَحِيحٌ قَدْ
أَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ, وَلَمْ
يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّ سِبَاءَهُمَا, أَوْ سَبَاءَ أَحَدِهِمَا يَفْسَخُ
نِكَاحَهُمَا.
فإن قيل: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ
النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قلنا: نَعَمْ, إذَا
أَسْلَمَتْ حَلَّتْ لِسَيِّدِهَا الْمُسْلِمِ, وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ
الآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا لَكَانَ مَنْ لَهُ أَمَةٌ نَاكِحٌ تَحِلُّ
لَهُ; لأََنَّهَا مِلْكُ يَمِينِهِ, وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُهُ
الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا. وَقَدْ قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَغَيْرُهُ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً ذَاتَ زَوْجٍ فَبَيْعُهَا
طَلاَقُهَا، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا, لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ
النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
(7/322)
945-
مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّ الأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَسْلَمَ فَكُلُّ
مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَوْلاَدِهِمَا مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ مَنْ
أَسْلَمَ مِنْهُمَا الأُُمُّ أَسْلَمَتْ أَوْ الأَبُ وَهُوَ قَوْلُ
عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ,
وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ, وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ,
وَأَصْحَابِهِمْ كُلِّهِمْ. وقال مالك, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ
يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ إِلاَّ بِإِسْلاَمِ الأَبِ, لاَ بِإِسْلاَمِ
الأُُمِّ. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ: لاَ يَكُونُونَ
مُسْلِمِينَ إِلاَّ بِإِسْلاَمِ الأُُمِّ, وَأَمَّا بِإِسْلاَمِ الأَبِ
فَلاَ; لأََنَّهُمْ تَبَعٌ لِلأُُمِّ فِي الْحُرِّيَّةِ, وَالرِّقِّ
لاَ لِلأَبِ.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ جَعَلَهُمْ بِإِسْلاَمِ الأَبِ
خَاصَّةً مُسْلِمِينَ حُجَّةً أَصْلاً, وَنَسْأَلُهُمْ، عَنْ
قَوْلِهِمْ فِي ابْنِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ زِنَا اسْتِكْرَاهٍ فَمِنْ
قَوْلِهِمْ: إنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِهَا وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمْ
لِقَوْلِهِمْ, وَوَافَقُونَا أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ الأَبَوَانِ, أَوْ
أَحَدُهُمَا, وَلَهُمَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ قَدْ بَلَغُوا مَبْلَغَ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ لاَ يُجْبَرُونَ
عَلَى الإِسْلاَمِ وَبِهِ نَقُولُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ
تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَالْبَالِغُ مُخَاطَبٌ قَدْ
لَزِمَهُ حُكْمُ الْكُفْرِ أَوْ الذِّمَّةِ, وَلَيْسَ غَيْرُ
الْبَالِغِ مُخَاطَبًا كَمَا قَدَّمْنَا قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ, وَلَوْ
كَانَ الْوَلَدُ حَزَوَّرًا قَدْ قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ
فَهُوَ عَلَى دِينِهِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ; لأََنَّهُ لَيْسَ بَالِغًا,
وَمَا لَمْ يَكُنْ بَالِغًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغُ لاَ
مَنْ بَلَغَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ قَاسَ
الدِّينَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا
فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ
(7/322)
اللَّهِ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَعْلَمُونَ}. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَبْدِيلُ دِينِ
الإِسْلاَمِ لأََحَدٍ، وَلاَ يُتْرَكُ أَحَدٌ يُبَدِّلُهُ إِلاَّ مَنْ
أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِهِ عَلَى تَبْدِيلِهِ فَقَطْ, وَقَالَ
تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ} , فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الدُّنْيَا،
وَلاَ فِي الآخِرَةِ دِينٌ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَ دِينِ الإِسْلاَمِ
إِلاَّ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَيُقَرَّ
عَلَيْهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا
مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبِينَ
عَنْهُ لِسَانُهُ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ أَحَدٌ إِلاَّ عَلَى
الإِسْلاَمِ حَتَّى يُعَبِّرَ، عَنْ نَفْسِهِ; فَمَنْ أَذِنَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي إقْرَارِهِ عَلَى مُفَارَقَةِ الإِسْلاَمِ الَّذِي وُلِدَ
عَلَيْهِ أَقْرَرْنَاهُ, وَمَنْ لاَ لَمْ نُقِرَّهُ عَلَى غَيْرِ
الإِسْلاَمِ".
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ نا مُحَمَّدُ
بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ
يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ
وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ
هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ".
قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُتْرَكُ أَحَدٌ عَلَى مُخَالَفَةِ
الإِسْلاَمِ إِلاَّ مَنْ اتَّفَقَ أَبَوَاهُ عَلَى تَهْوِيدِهِ, أَوْ
تَنْصِيرِهِ, أَوْ تَمْجِيسِهِ فَقَطْ, فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا
فَلَمْ يُمَجِّسْهُ أَبَوَاهُ, وَلاَ نَصَّرَاهُ, وَلاَ هَوَّدَاهُ
فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ الإِسْلاَمِ، وَلاَ بُدَّ
بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ وَهَلَ قَوْمٌ فِي هَذِهِ
الآيَةِ وَهَذِهِ الأَخْبَارِ وَهِيَ بَيِّنَةٌ وَهِيَ الْعَهْدُ
الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الأَنْفُسِ حِينَ خَلَقَهَا
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ
ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا، عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}.
وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ عَطَاءٍ فِي هَذَا. فَمَرَّةً قَالَ
كَقَوْلِنَا: إنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ أَيِّ أَبَوَيْهِ أَسْلَمَ.
وَمَرَّةً قَالَ: هُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلاَمِ أُمِّهِمْ لاَ
بِإِسْلاَمِ أَبِيهِمْ. وَمَرَّةً قَالَ: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ وَرِثَا
جَمِيعًا مَنْ مَاتَ مِنْ صِغَارِ وَلَدِهِمَا وَوَرِثَهُمَا صِغَارُ
وَلَدِهِمَا. رُوِّينَا هَذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا، عَنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ رُوِّينَا، عَنْ
شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا قَالاَ جَمِيعًا فِي الصَّغِيرِ يَكُونُ أَحَدُ
أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا فَيَمُوتُ: إنَّهُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ
وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرٍو
وَالْمُغِيرَةِ قَالَ عَمْرٌو: عَنِ الْحَسَنِ, وَقَالَ الْمُغِيرَةُ:
عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالاَ جَمِيعًا فِي نَصْرَانِيَّيْنِ
بَيْنَهُمَا وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا: إنَّ أَوْلاَهُمَا
بِهِمْ الْمُسْلِمُ يَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
إنْ أَسْلَمَ جَدُّ الصَّغِيرِ, أَوْ عَمُّهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ
بِإِسْلاَمِ أَيِّهِمَا أَسْلَمَ, وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى:
الأَمْرُ
(7/323)
فِيمَا
مَضَى فِي أَوَّلِينَا الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ، وَلاَ يُشَكُّ فِيهِ
وَنَحْنُ عَلَيْهِ الآنَ أَنَّ النَّصْرَانِيِّينَ بَيْنَهَا وَلَدٌ
صِغَارٌ فَأَسْلَمَتْ الأُُمُّ وَرِثَتْهُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى
وَمَا بَقِيَ فَلِلْمُسْلِمِينَ, فَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ
نَصْرَانِيَّيْنِ وَهُوَ صَغِيرٌ وَلَهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ مُسْلِمٍ,
أَوْ أُخْتٌ مُسْلِمَةٌ وَرِثَهُ أَخُوهُ, أَوْ أُخْتُهُ كِتَابَ
اللَّهِ, ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ. رُوِّينَا هَذَا
عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ
سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ هَذَا لِعَطَاءٍ,
وَسُلَيْمَانُ فَقِيهُ أَهْلِ الشَّامِ أَدْرَكَ التَّابِعِينَ
الأَكَابِرَ. وَلَسْنَا نَرَاهُ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ جَدٍّ, وَلاَ
عَمٍّ, وَلاَ أَخٍ, وَلاَ أُخْتٍ, إذَا اجْتَمَعَ أَبَوَاهُ عَلَى
تَهْوِيدِهِ, أَوْ تَنْصِيرِهِ, أَوْ تَمْجِيسِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(7/324)
946-
مَسْأَلَةٌ: وَوَلَدُ الْكَافِرَةِ الذِّمِّيَّةِ, أَوْ الْحَرْبِيَّةِ
مِنْ زِنًا, أَوْ إكْرَاهٍ مُسْلِمٌ, وَلاَ بُدَّ; لأََنَّهُ وُلِدَ
عَلَى مِلَّةِ الإِسْلاَمِ كَمَا ذَكَرنَا، وَلاَ أَبَوَيْنِ لَهُ
يُخْرِجَانِهِ مِنْ الإِسْلاَمِ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقِ.
(7/324)
947 -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سُبِيَ مِنْ صِغَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَسَوَاءٌ
سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا, أَوْ دُونَهُمَا هُوَ
مُسْلِمٌ, وَلاَ بُدَّ; لأََنَّ حُكْمَ أَبَوَيْهِ قَدْ زَالَ، عَنِ
النَّظَرِ لَهُ, وَصَارَ سَيِّدُهُ أَمْلَكَ بِهِ, فَبَطَلَ
إخْرَاجُهُمَا لَهُ، عَنِ الإِسْلاَمِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَنَا خَلَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ لاَ يَدْعُ يَهُودِيًّا, وَلاَ
نَصْرَانِيًّا يُهَوِّدُ وَلَدَهُ, وَلاَ يُنَصِّرُهُ فِي مِلْكِ
الْعَرَبِ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا, وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا
مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَالْمُزَنِيِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
(7/324)
948-
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ كَنْزًا مِنْ دَفْنِ كَافِرٍ غَيْرِ
ذِمِّيٍّ جَاهِلِيًّا كَانَ الدَّافِنُ, أَوْ غَيْرَ جَاهِلِيٍّ
فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُ حَلاَلٌ, وَيَقْسِمُ الْخُمُسَ حَيْثُ
يُقْسَمُ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ, وَلاَ يُعْطِي لِلسُّلْطَانِ مِنْ كُلِّ
ذَلِكَ شَيْئًا إِلاَّ إنْ كَانَ إمَامَ عَدْلٍ فَيُعْطِيه الْخُمُسَ
فَقَطْ, وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي فَلاَةٍ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ, أَوْ
فِي أَرْضِ خَرَاجٍ, أَوْ أَرْضِ عَنْوَةٍ, أَوْ أَرْضِ صُلْحٍ; أَوْ
فِي دَارِهِ, أَوْ فِي دَارِ مُسْلِمٍ, أَوْ فِي دَارِ ذِمِّيٍّ, أَوْ
حَيْثُ مَا وَجَدَهُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ كَمَا ذَكَرنَا, وَسَوَاءٌ
وَجَدَهُ حُرٌّ, أَوْ عَبْدٌ, أَوْ امْرَأَةٌ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآيَةَ, وَقَالَ تَعَالَى: {فَكُلُوا
مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} , وَمَالُ الْكَافِرِ غَيْرِ
الذِّمِّيِّ غَنِيمَةٌ لِمَنْ وَجَدَهُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ: "وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" وَمِنْ حَدِيثٍ
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نَا
شُعْبَةُ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها،
أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهَا: أَصَبْت كَنْزًا فَرَفَعْته إلَى
السُّلْطَانِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: "بِفِيك الْكَثْكَثُ", الْكَثْكَثُ
التُّرَابُ
(7/324)
949-
مَسْأَلَةٌ: وَيُقْسَمُ خُمُسُ الرِّكَازِ وَخُمُسُ الْغَنِيمَةِ عَلَى
خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: فَسَهْمٌ يَضَعُهُ الإِمَامُ حَيْثُ يَرَى مِنْ
كُلِّ مَا فِيهِ صَلاَحٌ وَبِرٌّ لِلْمُسْلِمِينَ. وَسَهْمٌ ثَانٍ
لِبَنِي هَاشِمٍ, وَالْمُطَّلِبِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ, غَنِيُّهُمْ
وَفَقِيرُهُمْ, وَذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ, وَصَغِيرُهُمْ
وَكَبِيرُهُمْ, وَصَالِحُهُمْ وَطَالِحُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، وَلاَ
حَظَّ فِيهِ لِمَوَالِيهِمْ, وَلاَ لِحُلَفَائِهِمْ, وَلاَ لِبَنِي
بَنَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلاَ لأََحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ
تَعَالَى سِوَاهُمْ, وَلاَ لِكَافِرٍ مِنْهُمْ. وَسَهْمٌ ثَالِثٌ
لِلْيَتَامَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ أَيْضًا. وَسَهْمٌ رَابِعٌ
لِلْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَسَهْمٌ خَامِسٌ لأَبْنِ
السَّبِيلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ فَسَّرْنَا الْمَسَاكِينَ,
وَابْنَ السَّبِيلِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَةِ
ذَلِكَ وَالْيَتَامَى هُمْ الَّذِينَ قَدْ مَاتَ آبَاؤُهُمْ فَقَطْ;
فَإِذَا بَلَغُوا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُمْ اسْمُ الْيُتْمِ وَخَرَجُوا
مِنْ السَّهْمِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} , وَلِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} ,
فَلاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ، عَنْ قِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا: وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ
نَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ
قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ, وَبَنِي
الْمُطَّلِبِ, وَتَرَكَ: بَنِي نَوْفَلٍ, وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ,
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إلَى رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم بَنُو هَاشِمٍ لاَ نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي
وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ, فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا بَنِي
الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا, وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّا وَبَنُو
الْمُطَّلِبِ لاَ نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ، وَلاَ إسْلاَمٍ,
وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ
أَصَابِعِهِ" وَهَذَا بَيِّنٌ جَلِيٌّ وَإِسْنَادٌ فِي غَايَةِ
الصِّحَّةِ.
(7/327)
نا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ فَرَجٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ
الْعَبْقَسِيُّ الْمَكِّيُّ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ
النَّيْسَابُورِيُّ نَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ نَا وَهْبُ بْنُ
جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ نَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ
إِسْحَاقَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ عليه
السلام مِثْلَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرنَا, وَفِيهِ قَالَ: فَقَسَمَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ
الْقَمْحِ وَالتَّمْرِ وَالنَّوَى. وَهَذَا أَيْضًا إسْنَادٌ فِي
غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ, وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ سَهْمَ
اللَّهِ تَعَالَى, وَسَهْمَ رَسُولِهِ وَاحِدٌ, وَهُوَ خُمُسُ
الْخُمُسِ.
نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ سُفْيَانَ بْنِ جَبْرُونَ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا أَحْمَدُ
بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نَا أَبِي نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ نَا
عَلِيُّ بْنُ سُوَيْد بْنِ مَنْجُوفٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم بَعَثَ عَلِيًّا إلَى خَالِدٍ لِيَقْسِمَ الْخُمُسَ
فَاصْطَفَى عَلِيٌّ مِنْهَا سَبِيَّةً فَأَصْبَحَ يَقْطُرُ رَأْسَهُ,
فَقَالَ خَالِدٌ لِبُرَيْدَةَ: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَ هَذَا الرَّجُلُ
قَالَ بُرَيْدَةَ: وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا, فَأَتَيْتُ نَبِيَّ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُ, قَالَ: "أَتُبْغِضُ
عَلِيًّا" قُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: "فَأَحِبَّهُ, فَإِنَّ لَهُ فِي
الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ" . وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ
الصِّحَّةِ, وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ امْرِئٍ
مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى مَحْدُودٌ مَعْرُوفُ الْقَدْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ
أَبِي دَاوُد نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ نَا
عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ "قَالَ"
أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ
مُطْعِمٍ أَنَّهُ جَاءَ هُوَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُكَلِّمَانِ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَسَمَ مِنْ الْخُمُسِ
بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ, وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَسَمْتَ لأَِخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ تُعْطِنَا
شَيْئًا, وَقَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ مِنْكَ وَاحِدَةٌ فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو
الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ", قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمْ
لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ, وَلاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسِ
كَمَا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ, قَالَ: وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
يُعْطِيهِمْ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعْطِيهِمْ مِنْهُ,
وَعُثْمَانُ بَعْدَهُ. فَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ
وَالْبَيَانِ, وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِمْ أَبُو بَكْرٍ
كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِمْ, فَهُوَ مَا
كَانَ عليه السلام يَعُودُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَهْمِهِ, وَكَانَتْ
حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ أَيَّامَ أَبِي بَكْرٍ أَشَدَّ, وَأَمَّا أَنْ
يَمْنَعَهُمْ الْحَقَّ الْمَفْرُوضَ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ فَيُعِيذُ اللَّهُ تَعَالَى
أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه مِنْ ذَلِكَ.
(7/328)
وَمِنْ
طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ
الْعَنْبَرِيُّ نَا يَحْيَى أَبِي بُكَيْرٍ نَا أَبُو جَعْفَرٍ هُوَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ قَاضِي الرَّيِّ، عَنْ
مُطَرِّفٍ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم خُمُسَ الْخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ حَيَاةَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَحَيَاةَ
عُمَرَ, فَأَتَى بِمَالٍ فَدَعَانِي فَقَالَ: خُذْهُ فَقُلْتُ: لاَ
أُرِيدُهُ, قَالَ: خُذْهُ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ, قُلْتُ: قَدْ
اسْتَغْنَيْنَا عَنْهُ, فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. أَبُو
جَعْفَرٍ الرَّازِيّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ
مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: إنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى نَجْدَةَ: وَكَتَبْت
تَسْأَلُنِي، عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى مَنْ هُمْ; وَإِنَّا زَعَمْنَا
أَنَّا هُمْ, فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا.
فَهَذِهِ الأَخْبَارُ الصِّحَاحُ الْبَيِّنَةُ، وَلاَ يُعَارِضُهَا مَا
لاَ يَصِحُّ, أَوْ مَا مَوَّهَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ
شَيْءٌ, وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ وَقَدْ رُوِيَ،
عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نَا أَبُو نُعَيْمٍ،
عَنْ زُهَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ نَا الْحَكَمُ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خُمُسُ الْخُمُسِ سَهْمُ
اللَّهِ تَعَالَى, وَسَهْمُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ
عَوْنٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ} , قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى, وَخُمُسُ
اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدٌ, وَيُقْسَمُ
مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
بْنِ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ
الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ،
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ,
فَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا, ثُمَّ يُقْسَمُ
الْبَاقِي عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ, فَخُمُسٌ مِنْهَا لِلَّهِ
تَعَالَى وَلِلرَّسُولِ, وَخُمُسٌ لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ صلى الله
عليه وسلم وَخُمُسٌ لِلْيَتَامَى, وَخُمُسٌ لأَبْنِ السَّبِيلِ,
وَخُمُسٌ لِلْمَسَاكِينِ.
قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ, وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي ثَوْرٍ, وَإِسْحَاقَ, وَأَبِي
سُلَيْمَانَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ,
وَآخِرُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ.
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لِلذَّكَرِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَيْ
مِثْلُ حَظِّ الأُُنْثَيَيْنِ وَهَذَا خَطَأٌ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ
بِهِ نَصٌّ أَصْلاً وَلَيْسَ مِيرَاثًا فَيُقْسَمُ كَذَلِكَ,
وَإِنَّمَا هِيَ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى, فَهُمْ فِيهَا
سَوَاءٌ. وقال مالك: يُجْعَلُ الْخُمُسُ كُلُّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ,
وَيُعْطَى أَقْرِبَاءُ
(7/329)
رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا يَرَى الإِمَامُ لَيْسَ فِي
ذَلِكَ حَدٌّ مَحْدُودٌ. قَالَ أَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ: أَقْرِبَاؤُهُ
عليه السلام هُمْ جَمِيعُ قُرَيْشٍ. وقال أبو حنيفة: يُقْسَمُ
الْخُمُسُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ: الْفُقَرَاءِ, وَالْمَسَاكِينِ,
وَابْنِ السَّبِيلِ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ, لأََنَّهَا
خِلاَفُ الْقُرْآنِ نَصًّا, وَخِلاَفُ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ, وَلاَ
يُعْرَفُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ
قَبْلَهُ, وَقَدْ تَقَصَّيْنَا كُلَّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي كِتَابِ
الإِيصَالِ, وَجِمَاعُ كُلِّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ تَأَمَّلَهُ
أَنَّهُمْ إنَّمَا احْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ مِنْ رِوَايَةِ
الزُّبَيْرِيِّ, وَنُظَرَائِهِ, أَوْ مُرْسَلَةٍ, أَوْ صِحَاحٍ لَيْسَ
فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ أَصْلاً, أَوْ قَوْلٍ، عَنْ
صَاحِبٍ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ، وَلاَ مَزِيدَ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/330)
950-
مَسْأَلَةٌ: وَتُقْسَمُ الأَرْبَعَةُ الأَخْمَاسُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ
الْخُمُسِ عَلَى مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ, أَوْ الْغَنِيمَةَ,
لِصَاحِبِ الْفَرَسِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ: لَهُ سَهْمٌ, وَلِفَرَسِهِ
سَهْمَانِ, وَلِلرَّاجِلِ, وَرَاكِبِ الْبَغْلِ, وَالْحِمَارِ,
وَالْجَمَلِ: سَهْمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ,
وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وقال أبو حنيفة: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ: لَهُ سَهْمٌ, وَلِفَرَسِهِ
سَهْمٌ, وَلِسَائِرِ مَنْ ذَكَرنَا سَهْمٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى
الأَشْعَرِيِّ. وقال أحمد: لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ,
وَلِرَاكِبِ الْبَعِيرِ سَهْمَانِ, وَلِغَيْرِهِمَا سَهْمٌ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا لَهُ بِآثَارٍ
ضَعِيفَةٍ. مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ مُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ
مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ بْن جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَمِّهِ
مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى لِلْفَارِسِ
سَهْمَيْنِ, وَالرَّاجِلِ سَهْمًا. مُجَمِّعٌ مَجْهُولٌ وَأَبُوهُ
كَذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ
لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ, وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ الَّذِي يَرْوِي، عَنْ نَافِعٍ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَعَنْ
شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، عَنْ مَكْحُولٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَهَذِهِ
فَضِيحَةٌ مَجْهُولٌ, وَمُرْسَلٌ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنْ
قَالَ: لاَ أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى إنْسَانٍ; فَيُقَالُ لَهُ:
وَتُسَاوِي بَيْنَهُمَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ; فَإِذَا جَازَتْ
الْمُسَاوَاةُ فَمَا مَنَعَ التَّفْضِيلَ ثُمَّ هُوَ يُسْهِمُ
لِلْفَرَسِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتَلْ عَلَيْهِ, وَلاَ يُسْهِمُ
لِلْمُسْلِمِ التَّاجِرِ, وَلاَ الأَجِيرِ إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلاَ;
فَقَدْ فَضَّلَ بَهِيمَةً عَلَى إنْسَانٍ, ثُمَّ هُوَ يَقُولُ فِي
إنْسَانٍ قَتَلَ كَلْبًا لِمُسْلِمٍ, وَعَبْدًا مُسْلِمًا فَاضِلاً,
وَخِنْزِيرًا لِذِمِّيٍّ: قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِشْرُونَ
أَلْفَ دِرْهَمٍ, فَإِنَّهُ يُؤَدِّي فِي الْكَلْبِ عِشْرِينَ أَلْفَ
دِرْهَمٍ, وَفِي الْخِنْزِيرِ
(7/330)
ذَلِكَ,
وَلاَ يُعْطِي فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إِلاَّ عَشَرَةَ آلاَفِ
دِرْهَمٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ, فَاعْجَبُوا لِهَذَا الرَّأْيِ
السَّاقِطِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى السَّلاَمَةِ, فَقَدْ
فَضَّلَ الْبَهِيمَةَ عَلَى الإِنْسَانِ.
قَالُوا: قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى السَّهْمَيْنِ. فَقُلْنَا
لَهُمْ: إنْ كُنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ بِمَا صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم كَلَّمْنَاكُمْ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ وَدَعَوَاكُمْ
الإِجْمَاعَ هَاهُنَا كَذِبٌ وَمَا نَدْرِي لَعَلَّ فِيمَنْ أَخْطَأَ
كَخَطَئِكُمْ, ثُمَّ مَنْ يَقُولُ: لاَ يُفَضَّلُ فَارِسٌ عَلَى
رَاجِلٍ, كَمَا لاَ يُفَضَّلُ رَاكِبُ الْبَغْلِ عَلَى الرَّاجِلِ,
وَكَمَا لاَ يُفَضَّلُ الشُّجَاعُ الْبَطَلُ الْمُبْلِي, عَلَى
الْجَبَانِ الضَّعِيفِ الْمَرِيضِ. ثُمَّ لَوْ طَرَدْتُمْ أَصْلَكُمْ
هَذَا لَوَجَبَ أَنْ تُسْقِطُوا الزَّكَاةَ، عَنْ كُلِّ مَا
أَوْجَبْتُمُوهَا فِيهِ مِنْ الْعَسَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَلَبَطَلَ
قَوْلُكُمْ فِي دِيَةِ الْكَافِرِ لأََنَّهُ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, وَهَذَا يَهْدِمُ عَلَيْكُمْ أَكْثَرَ
مَذَاهِبِكُمْ.
وَرَوَوْا: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ, مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ وَهَذَا
مُنْقَطِعٌ, وَهُمْ يَرَوْنَ حُكْمَ عُمَرَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ
ثَمَانِينَ سُنَّةً, فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلُوهُ سُنَّةً
أَيْضًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عُبَيْدُ بْنُ
إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ, وَلِصَاحِبِهِ
سَهْمًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ
نا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ نَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ
سَهْمًا يَوْمَ خَيْبَرَ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ
لِصِحَّتِهِ, وَلأََنَّهُ لَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الأَخْبَارُ لَكَانَ
هَذَا زَائِدًا عَلَيْهَا, وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَجُوزُ
رَدُّهَا. وَهُوَ قَوْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, وَالْحَسَنِ,
وَابْنِ سِيرِينَ, ذُكِرَ ذَلِكَ، عَنِ الصَّحَابَةِ. وَبِهِ يَقُولُ
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/331)
951-
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَضَرَ بِخَيْلٍ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ إِلاَّ
ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ فَقَطْ, وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يُسْهَمُ
لِفَرَسَيْنِ فَقَطْ. وَقَالَ آخَرُونَ: يُسْهَمُ لِكُلِّ فَرَسٍ
مِنْهَا وَهَذَا لاَ يَقُومُ بِهِ بُرْهَانٌ.
فإن قيل: قَدْ رُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ
لِلزُّبَيْرِ لِفَرَسَيْنِ قلنا: هَذَا مُرْسَلٌ لاَ يَصِحُّ,
وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِيهِ هُوَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
وَهْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ لِلزُّبَيْرِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٍ
لِلزُّبَيْرِ, وَسَهْمِ الْقُرْبَى لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ, وَسَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ.
(7/331)
ويسهم للأجير وللتاجر وللعبد وللحر والمريض والصحييح سواء سواء كلهم
...
952- مَسْأَلَةٌ: وَيُسْهَمُ لِلأَجِيرِ, وَلِلتَّاجِرِ, وَلِلْعَبْدِ,
وَلِلْحُرِّ, وَالْمَرِيضِ, وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ كُلُّهُمْ;
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً
طَيِّبًا} وَلِلأَثَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ عليه
السلام قَسَمَ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا,
وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام حُرًّا مِنْ عَبْدٍ, وَلاَ أَجِيرًا مِنْ
غَيْرِهِ, وَلاَ تَاجِرًا مِنْ سِوَاهُ, فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِهِ إلَى
نَجْدَةَ تَسْأَلُنِي، عَنِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ
الْمَغْنَمَ, هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا
شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يَحْذِيَا فَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ
الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ, وَلاَ حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا ابْنَ عَبَّاسٍ
كَقَوْلٍ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ, وَالصَّرْفِ, وَسَهْمِ
ذِي الْقُرْبَى, وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى
آبِي اللَّحْمِ قَالَ شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَاتِي فَكَلَّمُوا
فِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ
السَّيْفَ فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ, فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ,
فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ. فَهَذَا لاَ حُجَّةَ
فِيهِ; لأََنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ. وَقَدْ
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
زَيْدٍ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَجُرُّ السَّيْفَ,
وَهَذَا صِفَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ. وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ لَمْ
يَبْلُغْ لاَ يُسْهَمُ لَهُ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ فَضَالَةِ بْنِ
عُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي
غَزْوَةٍ وَفِينَا مَمْلُوكُونَ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ, وَهَذَا
مُنْقَطِعٌ; لأََنَّهُ إنْ كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ مُحَمَّدٌ
فَلَمْ يُدْرِكْ فَضَالَةَ;، وَلاَ وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ
بِدَهْرٍ طَوِيلٍ; وَإِنْ كَانَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ
فَالثَّوْرِيُّ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَلاَ وُلِدَ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ
بِسِنِينَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى
الرَّازِيّ أَخْبَرَنَا عِيسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسِ اللِّهْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَتْ: كَانَ أَبِي يَقْسِمُ لِلْحُرِّ وَلِلْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ
ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ خَالِهِ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ أَبِي قُرَّةَ قَالَ:
قَسَمَ لِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا قَسَمَ لِسَيِّدِي.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ،
عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَالْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ, وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ, قَالُوا: مَنْ شَهِدَ
الْبَأْسَ مِنْ حُرٍّ, أَوْ عَبْدٍ, أَوْ أَجِيرٍ, فَلَهُ سَهْمٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ،
(7/332)
عَنِ
الْمُغِيرَةِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي
الْغَنَائِمِ يَسْبِيهَا الْجَيْشُ قَالَ: إنْ أَعَانَهُمْ التَّاجِرُ,
وَالْعَبْدُ: ضُرِبَ لَهُ بِسِهَامِهِمْ مَعَ الْجَيْشِ. قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: وَناهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ
حَمَّادٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا شَهِدَ
التَّاجِرُ, وَالْعَبْدُ, قُسِمَ لَهُ, وَقُسِمَ لِلْعَبْدِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا غُنْدَرُ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ,
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ.
قال أبو محمد: وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنْ يُسْهَمَ
لِلْفَرَسِ, وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ, فَهَلاَّ
أَسْهَمُوا لِلْعَبْدِ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرُوا فِي
الأَجِيرِ خَبَرَيْنِ فِيهِمَا أَنَّ أَجِيرًا اُسْتُؤْجِرَ فِي
زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ بِثَلاَثَةِ
دَنَانِيرَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عليه السلام سَهْمًا غَيْرَهَا فَلاَ
يَصِحَّانِ. لأََنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحِمْصِيِّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو سَلَمٍ مَجْهُولٌ, وَهُوَ
مُنْقَطِعٌ أَيْضًا. وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو
الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ
يَعْلَى بْنَ مُنَيَّةَ وَعَاصِمَ بْنَ حَكِيمٍ, وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ
الدَّيْلَمِيِّ مَجْهُولاَنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ, وَابْنُ سِيرِينَ
وَالأَوْزَاعِيُّ, وَاللَّيْثُ: لاَ يُسْهَمُ لِلأَجِيرِ.وقال أبو
حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ يُسْهَمُ لَهُمَا إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلاَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُسْهَمُ لِلتَّاجِرِ وَقَالَ
الْحَسَنُ بْنُ حَيِّ: يُسْهَمُ لِلأَجِيرِ.
(7/333)
953-
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُسْهَمُ لأَمْرَأَةٍ, وَلاَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ
قَاتَلاَ, أَوْ لَمْ يُقَاتِلاَ وَيُنْفَلاَنِ دُونَ سَهْمِ رَاجِلٍ;،
وَلاَ يَحْضُرُ مَغَازِي الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ فَإِنْ حَضَرَ لَمْ
يُسْهَمْ لَهُ أَصْلاً, وَلاَ يُنْفَلُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ قَعْنَبٍ نَا سُلَيْمَانُ،
هُوَ ابْنُ بِلاَلٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْزُو
بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ
وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ.
قال أبو محمد: لَوْ بَلَغَ بِالنَّفْلِ لَهَا سَهْمَ رَاجِلٍ لَكَانَ
قَدْ أَسْهَمَ لَهُنَّ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ,
وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ,
وَاللَّيْثِ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك: لاَ يُرْضَخُ لَهُنَّ
وَهَذَا خَطَأٌ, وَخِلاَفُ الأَثَرِ الْمَذْكُورِ.
قال أبو محمد: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ نَا
رُفَيْعُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَشْرَجُ بْنُ
زِيَادٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ أَنَّهَا غَزَتْ مَعَ
(7/333)
رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِتِّ نِسْوَةٍ قَالَتْ: فَأَسْهَمَ
لَنَا عليه السلام كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ. وَهَذَا إسْنَادٌ
مُظْلِمٌ, رَافِعٌ, وَحَشْرَجٌ: مَجْهُولاَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ،
نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
مَعْدَانَ قَالَ: أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
لِلنِّسَاءِ وَلِلصِّبْيَانِ وَالْخَيْلِ وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ
طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ،
عَنْ مَجْهُولٍ قَالَ: أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْخَيْلِ وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو خَالِدِ الأَحْمَرُ،
عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
حَبِيبٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ: قَسَمَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ النَّاسِ غَنَائِمَهُمْ فَأَعْطَى
كُلَّ إنْسَانٍ دِينَارًا وَجَعَلَ سَهْمَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ
سَوَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ
مُزَاحِمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَيْحَانَ قَالَ: شَهِدَ مَعَ أَبِي
مُوسَى أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ
فَأَسْهَمَ لَهُنَّ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ
الأَوْزَاعِيِّ, وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ أَهْلَ الْقِيَاسِ أَنْ
يَقُولُوا بِهَذَا لأََنَّهُ إذَا أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ وَهُوَ
بَهِيمَةٌ فَالْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالسَّهْمِ إنْ كَانَ الْقِيَاسُ
حَقًّا.
قال أبو محمد: فِعْلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ
الْقَاضِي عَلَى مَا سِوَاهُ, وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَغَيْرُ
مُخَاطَبِينَ, وَأَمَّا النَّفَلُ لِلصِّبْيَانِ أَيْضًا مِنْ خُمُسِ
الْخُمُسِ فَلاَ بَأْسَ, لأََنَّهُ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ
الْمُسْلِمِينَ, وَأَمَّا الْكَافِرُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ
نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْزُو بِالْيَهُودِ
فَيُسْهِمُ لَهُمْ كَسِهَامِ الْمُسْلِمِينَ. وَرُوِّينَاهُ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا صِحَاحٍ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ
وَكِيعٍ نَا الْحَسَنُ بْنُ حَيِّ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو
إِسْحَاقَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ غَزَا
بِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ فَرَضَخَ لَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا
سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلَتْ الشَّعْبِيَّ، عَنِ
الْمُسْلِمِينَ يَغْزُونَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ:
أَدْرَكْت الأَئِمَّةَ الْفَقِيهَ مِنْهُمْ وَغَيْرَ الْفَقِيهِ
يَغْزُونَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَقْسِمُونَ لَهُمْ, وَيَضَعُونَ
عَنْهُمْ مِنْ جِزْيَتِهِمْ; فَذَلِكَ لَهُمْ نَفْلٌ حَسَنٌ
وَالشَّعْبِيُّ وُلِدَ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ عَلِيٍّ وَأَدْرَكَ مَنْ
بَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَهُوَ قَوْلُ
الأَوْزَاعِيِّ. وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ يَقْسِمُ
لِلْمُشْرِكِ إذَا حَضَرَ كَسَهْمِ الْمُسْلِمِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: سَمِعْتُ
قَتَادَةَ سُئِلَ، عَنْ أَهْلِ الْعَهْدِ يَغْزُونَ مَعَ
الْمُسْلِمِينَ قَالَ: لَهُمْ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مَا جُعِلَ
لَهُمْ فَهُوَ لَهُمْ. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ,
وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ يُسْهَمُ لَهُمْ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ:
وَلاَ يُرْضَخُ لَهُمْ, وَلاَ يُسْتَعَانُ بِهِمْ.
قال أبو محمد: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ, وَلاَ حُجَّةَ فِي
مُرْسَلٍ, وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ,
وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولُوا
بِهَذَا, لأََنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ لاَ سِيَّمَا مَعَ
قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَى هَذَا, وَلاَ
نَعْلَمُ لِسَعْدٍ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَانَ
سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ يَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ, لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا هُوَ مَا رُوِّينَاهُ
(7/334)
مِنْ
طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّا لاَ نَسْتَعِينُ
بِمُشْرِكٍ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ
نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي
حَدِيثٍ، أَنَّهُ قَالَ: "فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لأََحَدٍ مِنْ
قَبْلِنَا" . فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ حَقَّ فِي الْغَنَائِمِ لِغَيْرِ
الْمُسْلِمِينَ.
(7/335)
954-
مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ اُضْطُرِرْنَا إلَى الْمُشْرِكِ فِي الدَّلاَلَةِ
فِي الطَّرِيقِ اُسْتُؤْجِرَ لِذَلِكَ بِمَالٍ مُسَمًّى مِنْ غَيْرِ
الْغَنِيمَةِ. لَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نَا هِشَامُ، هُوَ ابْنُ يُوسُفَ نَا
مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: "وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ
عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ هَادِيًا يَعْنِي بِالطَّرِيقِ".
(7/335)
955-
مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ
سَلَبُهُ قَالَ ذَلِكَ الإِمَامُ, أَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَيْفَمَا
قَتَلَهُ صَبْرًا, أَوْ فِي الْقِتَالِ، وَلاَ يُخَمَّسُ السَّلَبُ
قَلَّ, أَوْ كَثُرَ, وَلاَ يُصَدَّقُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ فِي
الْحُكْمِ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ, أَوْ خَشِيَ أَنْ
يُنْتَزَعَ مِنْهُ, أَوْ أَنْ يُخَمَّسَ فَلَهُ أَنْ يُغَيِّبَهُ,
وَيُخْفِيَ أَمْرَهُ. وَالسَّلَبُ: فَرَسُ الْمَقْتُولِ, وَسَرْجُهُ,
وَلِجَامُهُ, وَكُلُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ لِبَاسٍ, وَحِلْيَةٍ,
وَمَهَامِيزَ وَكُلُّ مَا مَعَهُ مِنْ سِلاَحٍ, وَكُلُّ مَا مَعَهُ
مِنْ مَالٍ فِي نِطَاقِهِ أَوْ فِي يَدِهِ, أَوْ كَيْفَمَا كَانَ
مَعَهُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ هُوَ عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ
أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْدَ
انْقِضَاءِ الْقِتَالِ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ
عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فِي حَدِيثٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو نُعَيْمٍ نَا أَبُو
الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ
الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ عِنْدَ
أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم: "اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ" قَالَ سَلَمَةُ: فَقَتَلْتُهُ,
فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَلَبَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا
حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: "مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ
سَلَبُهُ" فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلاً
وَأَخَذَ أَسْلاَبَهُمْ.
(7/335)
956-
مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ نَفَّلَ الإِمَامُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ
الْخُمُسِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ مَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُ مِمَّنْ
أَغْنَى، عَنِ الْمُسْلِمِينَ, وَمِمَّنْ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ
اللَّوَاتِي يَنْتَفِعُ بِهِنَّ أَهْلُ الْجَيْشِ, وَمَنْ قَاتَلَ
مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ: فَحَسَنٌ. وَإِنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَ مَنْ
أَتَى بِمَغْنَمٍ فِي الدُّخُولِ رُبْعَ مَا سَاقَ بَعْدَ الْخُمُسِ
فَأَقَلَّ, أَوْ ثُلُثَ مَا سَاقَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَأَقَلَّ, لاَ
أَكْثَرَ أَصْلاً: فَحَسَنٌ, لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ
نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي،
عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ
يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لأََنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمَةِ
عَامَّةِ الْجَيْشِ, وَالْخُمُسُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ كُلُّهُ.
(7/340)
وَمِنْ
طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ بْنُ
مُحَمَّدٍ نَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْت: أَبَا وَهْبٍ
يَقُولُ: سَمِعْت مَكْحُولاً قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ جَارِيَةَ
سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقُولُ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم نَفَلَ الرُّبْعَ فِي الْبَدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي
الرَّجْعَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ نا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ
نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ
الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي
سَلَّامٍ مَمْطُورٍ الْحَبَشِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ،
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم كَانَ يَنْفُلُ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبْعَ وَفِي الْقُفُولِ
الثُّلُثَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَفَّانَ بْنُ
مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ
أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ لِي مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ
سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ نَفْلَ
إِلاَّ مِنْ بَعْدِ الْخُمُسِ" وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا دَاوُد بْنُ أَبِي
هِنْدٍ، عَنِ الشُّعَبِيِّ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
الْبَجَلِيَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْمِهِ
يُرِيدُ الشَّامَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَك أَنْ تَأْتِيَ
الْكُوفَةَ وَأُنْفِلُكَ الثُّلُثَ مِنْ بَعْدِ الْخُمْسِ مِنْ كُلِّ
أَرْضٍ وَشَيْءٍ؟
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُنَفِّلُونَ أَكْثَرَ
مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى إذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
كَتَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم نَفَّلَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ,
وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
قال أبو محمد: الْخُمُسُ قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لأََهْلِهِ
الَّذِينَ سَمَّى, فَالنَّفَلُ مِنْهُ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم خَاصَّةً, وَهُوَ خُمْسُ الْخُمْسِ, وَسَائِرُ الْغَنِيمَةِ
لِلْغَانِمِينَ, فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا
أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى إخْرَاجَهُ, أَوْ أَوْجَبَ إخْرَاجَهُ عَلَى
لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ إِلاَّ السَّلَبُ
جُمْلَةً لِلْقَاتِلِ, وَتَنْفِيلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرُّبْعِ
فَأَقَلَّ, أَوْ الثُّلُثِ فِي الْقُفُولِ فَأَقَلَّ. وَكَذَلِكَ كَمَا
رُوِّينَا، عَنْ أَنَسٍ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, لاَ نَفْلَ
إِلاَّ بَعْدَ الْخُمْسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/341)
957-
مَسْأَلَةٌ: وَتُقْسَمُ الْغَنَائِمُ كَمَا هِيَ بِالْقِيمَةِ، وَلاَ
تُبَاعُ, لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِبَيْعِهَا, وَتُعَجَّلُ
الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ, وَتُقْسَمُ الأَرْضُ وَتُخَمَّسُ,
كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ, وَلاَ فَرْقَ,
(7/341)
فَإِنْ
طَابَتْ نُفُوسُ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ عَلَى تَرْكِهَا
أَوْقَفَهَا الإِمَامُ حِينَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَلاَ,
وَمَنْ أَسْلَمَ نَصِيبَهُ كَانَ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى حَقِّهِ,
لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي
سُلَيْمَانَ. وقال مالك: تُبَاعُ الْغَنِيمَةُ وَتُقْسَمُ أَثْمَانُهَا
وَتُوقَفُ الأَرْضُ، وَلاَ تُقْسَمُ، وَلاَ تَكُونُ مِلْكًا لأََحَدٍ.
وقال أبو حنيفة: الإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا وَإِنْ
شَاءَ أَوْقَفَهَا, فَإِنْ أَوْقَفَهَا فَهِيَ مِلْكٌ لِلْكُفَّارِ
الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ, وَلاَ تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ إِلاَّ بَعْدَ
الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ.
قال أبو محمد: يُبَيِّنُ مَا قلنا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا
مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَثْمَانِ
مَا غَنِمْتُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو
الأَحْوَصِ نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ
بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
أَنَّهُمْ أَصَابُوا غَنَائِمَ فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم بَيْنَهُمْ فَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ. فَصَحَّ أَنَّهُ
عليه السلام إنَّمَا قَسَّمَ أَعْيَانَ الْغَنِيمَةِ. وَأَيْضًا
فَإِنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا غَنِمُوا, فَبَيْعُ حُقُوقِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضًا مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوَّلِهِمْ، عَنْ
آخِرِهِمْ لاَ يَحِلُّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" . فَإِنْ
رَضِيَ الْجَيْشُ كُلُّهُمْ بِالْبَيْعِ إِلاَّ وَاحِدًا فَلَهُ ذَلِكَ
وَيُعْطَى حَقَّهُ مِنْ عَيْنِ الْغَنِيمَةِ, وَيُبَاعُ إنْ أَرَادَ
الْبَيْعَ قَالَ تَعَالَى: {لاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ
عَلَيْهَا} . وَبِهَذَا جَاءَتْ الآثَارُ فِي حُنَيْنٍ, وَبَدْرٍ,
وَغَيْرِهِمَا, كَقَوْلِ عَلِيٍّ: إنَّهُ وَقَعَ لِي شَارِفٌ مِنْ
الْمَغْنَمِ, وَكَوُقُوعِ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي
سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ, وَغَيْرُ ذَلِكَ
كَثِيرٌ, وَكَذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِ
ابْنِ عُمَرَ, وَقَعَتْ فِي سَهْمِي يَوْمَ جَلُولاَءَ جَارِيَةٌ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ: أَكْرَهُ بَيْعَ الْخُمْسِ حَتَّى يُقْسَمَ, وَلاَ نَعْرِفُ
لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً.
وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ مَطْلَ ذِي الْحَقِّ لِحَقِّهِ
ظُلْمٌ, وَتَعْجِيلَ إعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَرْضٌ,
وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ
قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ, أَوْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ
فَلاَ سَهْمَ لَهُ. قَالَ: فَلَوْ خَرَجُوا، عَنْ دَارِ الْحَرْبِ
فَلَحِقَ بِهِمْ مَدَدٌ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ
فَحَقُّهُمْ مَعَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَهَذَا ظُلْمٌ لاَ خَفَاءَ
بِهِ, وَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ; بَلْ كُلُّ
مَنْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ
الْغَنِيمَةِ, أَوْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ جَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَحَقُّهُ
فِيهَا يُورَثُ عَنْهُ, وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا
فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهَا فَهَلْ سُمِعَ بِظُلْمٍ أَقْبَحَ مِنْ مَنْعِ
مَنْ قَاتَلَ وَغَنِمَ وَإِعْطَاءِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَلاَ غَنِمَ
وَأَمَّا الأَرْضُ, فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا. فَرُوِّينَا
أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ, وَبِلاَلاً, وَغَيْرَهُمْ دَعَوْا إلَى
قِسْمَةِ الأَرْضِ, وَأَنَّ عُمَرَ, وَعَلِيًّا, وَمُعَاذًا, وَأَبَا
عُبَيْدَةَ, رَأَوْا إبْقَاءَهَا رَأْيًا مِنْهُمْ, وَإِذْ تَنَازَعُوا
فَالْمَرْدُودُ إلَيْهِ هُوَ مَا افْتَرَضَ
(7/342)
اللَّهُ
تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فَوَجَدْنَا مَنْ قَلَّدَ عُمَرَ فِي
ذَلِكَ يَذْكُرُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدٍ
بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْلاَ آخِرُ
الْمُسْلِمِينَ مَا افْتَتَحْت قَرْيَةَ إِلاَّ قَسَّمْتهَا كَمَا
قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ.
أَوَّلُهَا: إقْرَارُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَسَّمَ خَيْبَرَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ
رضي الله عنه أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ نَظَرًا لأَخِرِ
الْمُسْلِمِينَ, وَاَلَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَنْظَرَ لأََوَّلِ الْمُسْلِمِينَ
وَلأَخِرِهِمْ مِنْ عُمَرَ, فَمَا رَأَى هَذَا الرَّأْيَ; بَلْ أَبْقَى
لأَخِرِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَبْقَى لأََوَّلِهِمْ الْجِهَادَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ, فأما الْغَنِيمَةُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ, وَأَبْقَى
لَهُمْ مَوَارِيثَ مَوْتَاهُمْ, وَالتِّجَارَةَ, وَالْمَاشِيَةَ,
وَالْحَرْثَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرَ الزُّبَيْرُ,
وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَحَقُّ بِالأَتِّبَاعِ مِنْ بَعْضٍ; فَحَتَّى
لَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مَا ظَنُّوهُ بِهِ لَمَا كَانَ
لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ, وَلَكَانَ رَأْيًا مِنْهُ غَيْرُهُ خَيْرٌ
مِنْهُ, وَهُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
فَكَيْفَ وَعُمَرُ قَوْلُهُ كَقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وهذا الخبر مِنْ عُمَرَ يُكَذِّبُ كُلَّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ
أَحَادِيثَ مَكْذُوبَةٍ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
لَمْ يُقَسِّمْ خَيْبَرَ كُلَّهَا, فَهُمْ دَأَبًا يَسْعَوْنَ فِي
تَكْذِيبِ قَوْلِ عُمَرَ نَصْرًا لِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ وَظَنِّهِمْ
الْكَاذِبِ.
وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ
لاَ تُفْتَحُ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ, فَهَذَا رُجُوعٌ مِنْ عُمَرَ
إلَى الْقِسْمَةِ.
وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنَعَتْ
الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا, وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَّهَا
وَدِينَارَهَا, وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا
وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ. قَالُوا: فَهَذَا هُوَ الْخَرَاجُ
الْمَضْرُوبُ عَلَى الأَرْضِ, وَهُوَ يُوجِبُ إيقَافَهَا".
قال أبو محمد: وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلْخَبَرِ بِالْبَاطِلِ
وَادِّعَاءٌ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ بِلاَ نَصٍّ، وَلاَ دَلِيلٍ,
وَلاَ يَخْلُو هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ فَقَطْ, أَوْ
قَدْ يَجْمَعُهُمَا جَمِيعًا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ
أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجِزْيَةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى
أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ إذَا فُتِحَتْ وَهُوَ قَوْلُنَا لأََنَّ
الْجِزْيَةَ بِلاَ شَكٍّ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ, وَلاَ نَصَّ
يُوجِبُ الْخَرَاجَ الَّذِي يَدَّعُونَ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إنْذَارٌ
مِنْهُ عليه السلام بِسُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي آخِرِ الأَمْرِ, وَأَنَّ
الْمُسْلِمِينَ سَيَمْنَعُونَ حُقُوقَهُمْ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ
وَيَعُودُونَ كَمَا بَدَءُوا, وَهَذَا أَيْضًا حَقٌّ قَدْ ظَهَرَ
وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ فَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ
حُجَّةً عَلَيْهِمْ.
(7/343)
قال أبو
محمد: فَإِذْ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ فَلْنَذْكُرْ الآنَ
الْبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} فَسَوَّى
تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَرِّقْ, فَلاَ يَجُوزُ أَنْ
يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ مَا صَارَ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ
مِنْ مَالٍ, أَوْ أَرْضٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ, وَقَالَ تَعَالَى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ
خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} . الآية.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نَا أَبُو
إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنِي
ثَوْرٌ، عَنْ سَالِمِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا,
وَلاَ فِضَّةً إنَّمَا غَنِمْنَا الإِبِلَ, وَالْبَقَرَ, وَالْمَتَاعَ,
وَالْحَوَائِطَ. فَصَحَّ أَنَّ الْحَوَائِطَ, وَهِيَ: الضِّيَاعُ,
وَالْبَسَاتِينُ: مَغْنُومَةٌ كَسَائِرِ الْمَتَاعِ فَهِيَ مُخَمَّسَةٌ
بِنَصِّ الْقُرْآنِ, وَالْمُخَمَّسُ مَقْسُومٌ بِلاَ خِلاَفٍ رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ,
كِلاَهُمَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم: "أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا, وَأَقَمْتُمْ فِيهَا
فَسَهْمُكُمْ فِيهَا, وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ, ثُمَّ هِيَ لَكُمْ" وَهَذَا
نَصٌّ جَلِيٌّ لاَ مَحِيصَ عَنْهُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم قَسَّمَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ, وَخَيْبَرَ. ثُمَّ
الْعَجَبُ كُلُّهُ: أَنَّ مَالِكًا قَلَّدَ هَاهُنَا عُمَرَ, ثُمَّ
فِيمَا ذَكَرْتُمْ وَقْفٌ, فَلَمْ يُخْبِرْ كَيْفَ يَعْمَلُ فِي
خَرَاجِهَا, وَأَقَرَّ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي فِعْلَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ,
فَهَلْ فِي الأَرْضِ أَعْجَبُ مِنْ جَهَالَةٍ تُجْعَلُ حُجَّةً
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَخَذَ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ غَيْرِ
قَوِيَّةٍ جَاءَتْ، عَنْ عُمَرَ, وَتَرَكَ سَائِرَ مَا رُوِيَ عَنْهُ,
وَتَحَكَّمُوا فِي الْخَطَأِ بِلاَ بُرْهَانٍ, وَقَدْ تَقَصَّيْنَا
ذَلِكَ فِي كِتَابِ الإِيصَالِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَلِلَّهِ
تَعَالَى الْحَمْدُ فَكَيْفَ وَالرِّوَايَةُ، عَنْ عُمَرَ الصَّحِيحَةُ
هِيَ قَوْلُنَا كَمَا نا أحمد بن محمد بن الجسور نا مُحَمَّدُ بْنُ
عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا أَبُو
عُبَيْدٍ نَا هُشَيْمٌ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعَ النَّاسِ
يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَجَعَلَ لَهُمْ عُمَرُ رُبْعَ السَّوَادِ
فَأَخَذُوا سَنَتَيْنِ, أَوْ ثَلاَثًا, فَوَفَدَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ
إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ,
فَقَالَ عُمَرُ: يَا جَرِيرُ لَوْلاَ أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ
لَكُنْتُمْ عَلَى مَا جُعِلَ لَكُمْ, وَأَرَى النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا
فَأَرَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ. فَفَعَلَ جَرِيرٌ ذَلِكَ,
فَقَالَتْ أُمُّ كُرْزٍ الْبَجَلِيَّةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
إنَّ أَبِي هَلَكَ وَسَهْمُهُ ثَابِتٌ فِي السَّوَادِ وَإِنِّي لَمْ
أُسْلِمْ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: يَا أُمَّ كُرْزٍ إنَّ قَوْمَك قَدْ
صَنَعُوا مَا قَدْ عَلِمْت, فَقَالَتْ: إنْ كَانُوا صَنَعُوا مَا
صَنَعُوا فَإِنِّي لَسْت أُسْلِمُ حَتَّى تَحْمِلَنِي عَلَى نَاقَةٍ
ذَلُولٍ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ وَتَمْلاَُ كَفَّيَّ ذَهَبًا.
فَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ, فَكَانَتْ الذَّهَبُ نَحْوَ ثَمَانِينَ
دِينَارًا, فَهَذَا أَصَحُّ مَا جَاءَ، عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ
قَوْلُنَا, فَإِنَّهُ لَمْ يُوقِفْ حَتَّى اسْتَطَابَ نُفُوسَ
الْغَانِمِينَ وَوَرَثَةَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ; وَهَذَا الَّذِي لاَ
يَجُوزُ أَنْ
(7/344)
يُظَنَّ
بِعُمَرَ غَيْرُهُ, وَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ مِمَّا
قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ تَخْمِيسِهِ السَّلَبَ وَإِمْضَائِهِ
سَائِرَهُ لِلْقَاتِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ
إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ، عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ.
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ
غِيَاثٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عُمَرَ, وَعَلِيٍّ
أَنَّهُمَا قَالاَ: إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ
الْجِزْيَةَ وَأَخَذْنَا مِنْهُ خَرَاجَهَا.
نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ حُصَيْنٍ أَنَّ
رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ أُلَّيْسٍ أَسْلَمَا فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى
عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنْ يَرْفَعَ الْجِزْيَةَ، عَنْ رُءُوسِهِمَا
وَأَنْ يَأْخُذَ الطَّسْقَ مِنْ أَرْضَيْهِمَا.
نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ
مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ دُهْقَانَةَ مِنْ نَهْرِ
الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ فَقَالَ عُمَرُ: ادْفَعُوا إلَيْهَا أَرْضَهَا
تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ. نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ،
عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الرَّفَيْلَ
دُهْقَانَ النَّهْرَيْنِ أَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ فِي
أَلْفَيْنِ, وَوَضَعَ، عَنْ رَأْسِهِ الْجِزْيَةَ, وَأَلْزَمَهُ
خَرَاجَ أَرْضِهِ. فإن قيل: حَدِيثُ ابْنِ عَوْنٍ مُرْسَلٌ قلنا:
سُبْحَانَ اللَّهِ وَإِذْ رُوِيَ الْمُرْسَلُ، عَنْ مُعَاذٍ فِي
اجْتِهَادِ الرَّأْيِ كَانَ حُجَّةً وَالآنَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ, وَلاَ
يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ.
(7/345)
958-
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ إِلاَّ الإِسْلاَمُ, أَوْ
السَّيْفُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَاشَا أَهْلَ
الْكِتَابِ خَاصَّةً, وَهُمْ الْيَهُودُ, وَالنَّصَارَى, وَالْمَجُوسُ
فَقَطْ, فَإِنَّهُمْ إنْ أَعْطُوا الْجِزْيَةَ أُقِرُّوا عَلَى ذَلِكَ
مَعَ الصَّغَارِ. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ: أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ
كِتَابِيًّا مِنْ الْعَرَبِ خَاصَّةً فَالإِسْلاَمُ أَوْ السَّيْفُ.
وَأَمَّا الأَعَاجِمُ فَالْكِتَابِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ, وَيُقَرُّ
جَمِيعَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ.
قال أبو محمد: هَذَا بَاطِلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ
وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} , وَقَالَ
تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ، وَلاَ
بِالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ، وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}
فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى عَرَبِيًّا مِنْ عَجَمِيٍّ فِي كِلاَ
الْحُكْمَيْنِ.
(7/345)
وَصَحَّ
أَنَّهُ عليه السلام أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجْرٍ; فَصَحَّ
أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ, وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا خَالَفَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَ رَبِّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِيَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ
قَوْلِهِ: "إنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا
الْعَرَبُ ثُمَّ تُؤَدِّي إلَيْهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ" فَلاَ
حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا; لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ, وَأَنَّ
مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَجَمِ لاَ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ. فَصَحَّ أَنَّ
هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ, وَأَنَّهُ عليه السلام
إنَّمَا عَنَى بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ بَعْضَ الْعَجَمِ لاَ كُلَّهُمْ,
وَبَيَّنَ تَعَالَى مَنْ هُمْ, وَأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَطْ.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَلَمْ
يَجْعَلُوا ذَلِكَ مُبَيِّنًا لِقَوْلِهِ عليه السلام: تُؤَدِّي
إلَيْكُمْ الْجِزْيَةَ وَلَوْ قَلَبُوا لاََصَابُوا وَهَذَا تَحَكُّمٌ
بِالْبَاطِلِ. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لاَ إكْرَاهَ فِي
الدِّينِ. فَقُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَرَبَ
الْوَثَنِيِّينَ يُكْرَهُونَ عَلَى الإِسْلاَمِ, وَإِنَّ الْمُرْتَدَّ
يُكْرَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم أَكْرَهَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى الإِسْلاَمِ فَصَحَّ
أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا هِيَ
فِيمَنْ نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نُكْرِهَهُ, وَهُمْ أَهْلُ
الْكِتَابِ خَاصَّةً وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ,
وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/346)
959-
مَسْأَلَةٌ: وَالصَّغَارُ هُوَ أَنْ يَجْرِيَ حُكْمُ الإِسْلاَمِ
عَلَيْهِمْ, وَأَنْ لاَ يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ كُفْرِهِمْ, وَلاَ
مِمَّا يُحَرَّمُ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ
كُلُّهُ لِلَّهِ} وَبَنُو تَغْلِبَ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ لأََنَّ
اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُفَرِّقَا
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ, وَيَجْمَعُ الصَّغَارَ شُرُوطُ عُمَرَ رضي
الله عنه عَلَيْهِمْ.
نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ نَا عَبْدُ
الرَّحْمَانِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ نَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ
الصَّفَّارُ نَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبِيعُ بْنُ تَغْلِبَ نَا يَحْيَى
بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الْعَيْزَارِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَانِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: كَتَبْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
رضي الله عنه حِينَ صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ
فِيهِ: أَنْ لاَ يُحْدِثُوا فِي مَدِينَتِهِمْ، وَلاَ مَا حَوْلَهَا
دَيْرًا, وَلاَ كَنِيسَةً, وَلاَ قَلِيَّةً، وَلاَ صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ,
وَلاَ يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا, وَلاَ يَمْنَعُوا كَنَائِسَهُمْ
أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَ لَيَالٍ
يُطْعِمُونَهُمْ, وَلاَ يُؤْوُوا جَاسُوسًا, وَلاَ يَكْتُمُوا غِشًّا
لِلْمُسْلِمِينَ, وَلاَ يُعَلِّمُوا أَوْلاَدَهُمْ الْقُرْآنَ, وَلاَ
يُظْهِرُوا شِرْكًا, وَلاَ يَمْنَعُوا ذَوِي قَرَابَاتِهِمْ مِنْ
الإِسْلاَمِ إنْ أَرَادُوهُ, وَأَنْ يُوَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ,
وَيَقُومُوا لَهُمْ
(7/346)
مِنْ
مَجَالِسِهِمْ إذَا أَرَادُوا الْجُلُوسَ, وَلاَ يَتَشَبَّهُوا
بِالْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ: فِي قَلَنْسُوَةٍ,
وَلاَ عِمَامَةٍ, وَلاَ نَعْلَيْنِ, وَلاَ فَرْقِ شَعْرٍ, وَلاَ
يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِ الْمُسْلِمِينَ, وَلاَ يَتَكَنَّوْا
بِكُنَاهُمْ, لاَ يَرْكَبُوا سُرُجًا, وَلاَ يَتَقَلَّدُوا سَيْفًا,
وَلاَ يَتَّخِذُوا شَيْئًا مِنْ السِّلاَحِ, وَلاَ يَنْقُشُوا
خَوَاتِيمَهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ, وَلاَ يَبِيعُوا الْخُمُورَ, وَأَنْ
يَجُزُّوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ, وَأَنْ يَلْزَمُوا زِيَّهُمْ
حَيْثُمَا كَانُوا, وَأَنْ يَشُدُّوا الزَّنَانِيرَ عَلَى
أَوْسَاطِهِمْ, وَلاَ يُظْهِرُوا صَلِيبًا، وَلاَ شَيْئًا مِنْ
كُتُبِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ, وَلاَ يُجَاوِرُوا
الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَاهُمْ, وَلاَ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا إِلاَّ
ضَرْبًا خَفِيفًا, وَلاَ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فِي
كَنَائِسِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ
يُخْرِجُوا سَعَانِينَ، وَلاَ يَرْفَعُوا مَعَ مَوْتَاهُمْ
أَصْوَاتَهُمْ, وَلاَ يُظْهِرُوا النِّيرَانَ مَعَهُمْ, وَلاَ
يَشْتَرُوا مِنْ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ
الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا شَرَطُوهُ فَلاَ
ذِمَّةَ لَهُمْ, وَقَدْ حَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مَا يَحِلُّ
مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا: أَنْ
لاَ يُجَاوِرُونَا بِخِنْزِيرٍ.
قال أبو محمد: وَمِنْ الصَّغَارِ أَنْ لاَ يُؤْذُوا مُسْلِمًا, وَلاَ
يَسْتَخْدِمُوهُ, وَلاَ يَتَوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ
أُمُورِ السُّلْطَانِ يَجْرِي لَهُمْ فِيهِ أَمْرٌ عَلَى مُسْلِمٍ.
(7/347)
960-
مَسْأَلَةٌ: وَالْجِزْيَةُ لاَزِمَةٌ لِلْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْعَبْدِ,
وَالذَّكَرِ, وَالأُُنْثَى, وَالْفَقِيرِ الْبَاتِّ, وَالْغَنِيِّ
الرَّاهِبِ سَوَاءٌ مِنْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً, لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ}. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الدِّينَ لاَزِمٌ لِلنِّسَاءِ
كَلُزُومِهِ لِلرِّجَالِ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمْ
فِي الْجِزْيَةِ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ
فَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ, عَلَى كُلِّ
رَاهِبٍ دِينَارَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ
عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ عُتَقَاءِ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وقال مالك: لاَ تُؤْخَذُ
الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ, أَوْ كَافِرٌ. وقال أبو
حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ
مِنْهُمْ وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِ مَالِكٍ حُجَّةً أَصْلاً.
فإن قيل: قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنْ تُؤْخَذَ
الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مَنْ جَرَتْ علَيْهِ الْمَوَاسِي إِلاَّ
النِّسَاءَ قلنا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفْتُمْ هَذَا الْحُكْمَ
فَأَسْقَطْتُمُوهَا، عَنِ الْمُعْتَقِينَ, وَالرُّهْبَانِ, وَأَمَّا
نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ
مُرْسَلَةٌ وَهِيَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ
يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ
دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ.
قال أبو محمد عَلَى هَذَا الإِسْنَادِ عَوَّلُوا فِي أَخْذِ التَّبِيعِ
مِنْ الثَّلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْمُسِنَّةِ
(7/347)
مِنْ
الأَرْبَعِينَ, وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ خَبَرٌ حُجَّةٌ فِي
شَيْءٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي غَيْرِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: فِي
كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ:
مَنْ كَرِهَ الإِسْلاَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ, أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ
لاَ يُحَوَّلُ، عَنْ دِينِهِ وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ
حَالِمٍ ذَكَرٍ, أَوْ أُنْثَى, حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ: دِينَارٌ وَافٍ مِنْ
قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عَرَضِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ،
عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ
عُتَيْبَةَ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى
مُعَاذٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ: "فِي الْحَالِمِ, أَوْ الْحَالِمَةِ
دِينَارٌ, أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ".
قال أبو محمد: الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: إنَّ
الْمُرْسَلَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ وَيَأْخُذُونَ بِهِ إذَا
وَافَقَهُمْ, فَالْفَرْضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا هَاهُنَا بِهَا
فَلاَ مُرْسَلَ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاسِيلِ, وَأَمَّا نَحْنُ
فَإِنَّمَا مُعَوَّلُنَا عَلَى عُمُومِ الآيَةِ فَقَطْ. فَإِنْ
قَالُوا: إنَّمَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ يُقَاتِلُ قلنا: فَلاَ
تَأْخُذُوهَا مِنْ الْمَرْضَى, وَلاَ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ مِنْ
بِلاَدِ الْكُفْرِ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَأَسْوَاقَهُمْ وَلَمْ
يُقَاتِلُوا مُسْلِمًا. فَإِنْ قَالُوا: أَوَّلُ الآيَةِ {قَاتِلُوا
الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ، وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ،
وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلاَ يَدِينُونَ
دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قلنا: نَعَمْ, أُمِرْنَا
بِقِتَالِهِمْ إنْ قَاتَلُونَا حَتَّى يُعْطِيَ جَمِيعُهُمْ
الْجِزْيَةَ، عَنْ يَدٍ كَمَا فِي نَصِّ الآيَةِ; لأََنَّ الضَّمِيرَ
رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ
يُقِيمُونَ أَضْعَافَ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ مَقَامَ
الْجِزْيَةِ, ثُمَّ يَضَعُونَهَا عَلَى النِّسَاءِ, ثُمَّ يَأْبَوْنَ
مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ نَهَى
عُمَرُ، عَنْ أَخْذِهَا مِنْ النِّسَاءِ قلنا: قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ
الأَمْرُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ
وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ, وَفِي أَلْفِ قَضِيَّةٍ قَدْ ذَكَرْنَا
مِنْهَا كَثِيرًا, فَلاَ نَدْرِي مَتَى هُوَ عُمَرُ حُجَّةٌ, وَلاَ
مَتَى هُوَ لَيْسَ حُجَّةً فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كُذِّبُوا,
وَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَجِدُوا نَهْيًا، عَنْ ذَلِكَ، عَنْ غَيْرِ
عُمَرَ وَمَسْرُوقٌ أَدْرَكَ مُعَاذًا وَشَاهَدَ حُكْمَهُ بِالْيَمَنِ,
وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَاطَبَهُ بِأَخْذِ
الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ, وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخَالِفَ
مُعَاذٌ مَا كَتَبَ إلَيْهِ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا
الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
يُقَاتَلُ أَهْلُ الأَوْثَانِ عَلَى الإِسْلاَمِ, وَيُقَاتَلُ أَهْلُ
الْكِتَابِ عَلَى الْجِزْيَةِ, وَهَذَا عُمُومٌ لِلرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ وَهُوَ قَوْلُنَا. وقال الشافعي, وَأَبُو سُلَيْمَانَ:
لاَ تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ إِلاَّ مِنْ كِتَابِيٍّ. وَأَمَّا
غَيْرُهُمْ: فَالإِسْلاَمُ, أَوْ الْقَتْلُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ
وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ.
(7/348)
فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ, وَلاَ يَحِلُّ
أَلْبَتَّةَ أَنْ يَبْقَى مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ لاَ يُسْلِمُ, وَلاَ
يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ, وَلاَ يُقْتَلُ; لأََنَّهُ خِلاَفُ الْقُرْآنِ
وَالسُّنَنِ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الأُُمَّةِ فِي
النِّسَاءِ مُكَلَّفَاتٍ مِنْ دِينِ الإِسْلاَمِ وَمُفَارَقَةِ
الْكُفْرِ مَا يَلْزَمُ الرِّجَالَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ, فَلاَ يَحِلُّ
إبْقَاؤُهُنَّ عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ قَتْلٍ، وَلاَ جِزْيَةٍ.
وَقَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ
ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ
حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ, وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ, وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ, وَيُؤْمِنُوا
بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ, إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى
اللَّهِ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ هَذِهِ اللَّوَازِمَ كُلَّهَا
هِيَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا هِيَ عَلَى الرِّجَالِ, وَأَنَّ
أَمْوَالَهُنَّ فِي الْكُفْرِ مَغْنُومَةٌ كَأَمْوَالِ الرِّجَالِ;
فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُنَّ لاَ يَعْصِمْنَ دِمَاءَهُنَّ
وَأَمْوَالَهُنَّ إِلاَّ بِمَا يَعْصِمُ الرِّجَالُ بِهِ أَمْوَالَهُمْ
وَدِمَاءَهُمْ, أَوْ الْجِزْيَةِ إنْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَلاَ بُدَّ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/349)
961-
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ السَّفَرُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ
الْحَرْبِ لاَ فِي عَسْكَرٍ، وَلاَ فِي غَيْرِ عَسْكَرٍ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ. وقال مالك: إنْ كَانَ عَسْكَرٌ
مَأْمُونٌ فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ, وَقَدْ يُهْزَمُ الْعَسْكَرُ
الْمَأْمُونُ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم فَيُخَصُّ بِلاَ نَصٍّ.
(7/349)
962-
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَحِلُّ التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ إذَا
كَانَتْ أَحْكَامُهُمْ تَجْرِي عَلَى التُّجَّارِ, وَلاَ يَحِلُّ أَنْ
يُحْمَلَ إلَيْهِمْ سِلاَحٌ, وَلاَ خَيْلٌ, وَلاَ شَيْءٌ يَتَقَوَّوْنَ
بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ, وَعَطَاءٍ, وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, وَغَيْرِهِمْ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ
بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا بَرِيءٌ مِنْ
كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ".
قال أبو محمد: مَنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ لِغَيْرِ جِهَادٍ, أَوْ رِسَالَةٍ
مِنْ الأَمِيرِ فَإِقَامَةُ سَاعَةٍ إقَامَةٌ,
(7/349)
963-
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا غَنِمَ
جَيْشٌ, أَوْ سَرِيَّةٌ شَيْئًا خَيْطًا فَمَا فَوْقَهُ وَأَمَّا
الطَّعَامُ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ فَحَرَامٌ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ مَا اُضْطُرُّوا إلَى أَكْلِهِ وَلَمْ يَجِدُوا
شَيْئًا غَيْرَهُ. وَأَمَّا مَا يُقْدَرُ عَلَى حَمْلِهِ فَجَائِزٌ
إفْسَادُهُ وَأَكْلُهُ, وَإِنْ لَمْ يُضْطَرُّوا إلَيْهِ. وَإِنَّمَا
هَذَا فِيمَا مَلَكُوهُ, وَأَمَّا مَا لَمْ يَمْلِكُوهُ مِنْ صَيْدٍ,
أَوْ حَجَرٍ, أَوْ عَوْدِ شَعْرٍ, أَوْ ثِمَارٍ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ,
فَهُوَ كُلُّهُ مُبَاحٌ كَمَا هُوَ فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ
فَرْقَ, قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ
بْنِ زَيْدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ, حَتَّى
إذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ
فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ; فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ,
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ
الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ
نَارًا; فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ, أَوْ
شِرَاكَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ
عليه السلام: "شِرَاكٌ, أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ وَالطَّعَامُ مِنْ
جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ".
فَإِنْ ذَكَر ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ
غَنِمَ جَيْشٌ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
طَعَامًا وَعَسَلاً فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْخُمُسُ فَهَذَا
عَلَيْهِمْ; لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنْ كَثُرَ ذَلِكَ وَأَمْكَنَ
حَمْلُهُ خُمِّسَ، وَلاَ بُدَّ, وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ الآيَةَ
زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ, وَهِيَ قوله تعالى:
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى. وَحَدِيثُ الْغُلُولِ
زَائِدٌ عَلَيْهِ, فَيَخْرُجُ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ
قَبْلَ نُزُولِ الْخُمْسِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ هَذَا; لأََنَّ الأَخْذَ
بِالزَّائِدِ فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهُ, وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ
مِنْ أَنَّ الآيَةَ, وَحَدِيثَ الْغُلُولِ غَيْرُ مَنْسُوخَيْنِ مُذْ
نَزَلاَ.
فَإِنْ ذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ كُنَّا نُصِيبُ فِي
مَغَازِينَا الْعِنَبَ وَالْعَسَلَ فَنَأْكُلُهُ، وَلاَ نَرْفَعُهُ
فَهَذَا بَيِّنٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ; إذْ لَمْ
يَرْفَعُوهُ فَأَكْلُهُ خَيْرٌ مِنْ إفْسَادِهِ, أَوْ تَرْكِهِ,
وَهَكَذَا نَقُولُ.
فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ مُغَفَّلٍ فِي جِرَابِ الشَّحْمِ, فَلاَ
حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ
فَيَقُولُونَ: لاَ يَحِلُّ أَخْذُ الْجِرَابِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ
عِنْدَ بَعْضِهِمْ الشَّحْمُ فَقَطْ. وَهَذَا خَبَرٌ قَدْ رُوِّينَاهُ
بِزِيَادَةِ بَيَانٍ, كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ
حَرْبٍ
(7/350)
نَا
عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ, وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالاَ: نَا
شُعْبَةُ، عَنْ حَمِيدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُغَفَّلٍ قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَدُلِّيَ إلَيْنَا
جِرَابٌ فِيهِ شَحْمٌ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ وَنَوَيْنَا أَنْ لاَ
نُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم خَلْفِي يَبْتَسِمُ, فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ آخُذَهُ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ لَكَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ
الْحَاجَةِ إلَيْهِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ
الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ نَا أَبُو
عَوَانَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ
رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ
النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَمًا وَالنَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَعَجَّلُوا فَذَبَحُوا وَنَصَبُوا
الْقُدُورَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقُدُورِ
فَأُكْفِئَتْ, ثُمَّ قَسَّمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ
بِبَعِيرٍ فَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ أَكْلَ شَيْءٍ إذْ قَدْ كَانَتْ
الْقِسْمَةُ قَدْ حَضَرَتْ فَيَصِلُ كُلُّ ذِي حَقٍّ إلَى حَقِّهِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(7/351)
964-
مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَ فِي
أَرْضِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْ
وَاحِدٍ بِإِذْنِ الإِمَامِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ
سَوَاءٌ, وَالْخُمْسُ فِيمَا أُصِيبَ, وَالْبَاقِي لِمَنْ غَنِمَهُ;
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} , وَقَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا
مِمَّا غَنِمْتُمْ} . وقال أبو حنيفة: لاَ خُمُسَ إِلاَّ فِيمَا
أَصَابَتْهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تِسْعَةٌ فَأَكْثَرُ
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِمُخَالَفَتِهَا
الْقُرْآنَ, وَالسُّنَنَ, وَالْمَعْقُولَ, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا
فِيكُمْ غِلْظَةً} فَلَمْ يَخُصَّ بِأَمْرِ الإِمَامِ، وَلاَ بِغَيْرِ
أَمْرِهِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا نَهَى، عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ
لَوَجَبَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي ذَلِكَ, لأََنَّهُ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ
فَلاَ سَمْعَ، وَلاَ طَاعَةَ لَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} وَهَذَا خِطَابٌ
مُتَوَجِّهٌ إلَى كُلِّ مُسْلِمٍ, فَكُلُّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ
بِالْجِهَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ, وَقَالَ تَعَالَى:
{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} , وَقَالَ تَعَالَى: {فَانْفِرُوا
ثُبَاتٍ أَوْ انْفِرُوا جَمِيعًا} .
(7/351)
965-
مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ لِلسَّفَرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ نَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ،
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ
أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ.
(7/351)
966-
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا فَلاَ يَدْخُلُ إِلاَّ
لَيْلاً, وَمَنْ قَدِمَ لَيْلاً فَلاَ يَدْخُلُ إِلاَّ نَهَارًا إِلاَّ
لِعُذْرٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ يَسَارٍ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
(7/351)
967-
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُقَلَّدَ الإِبِلُ فِي أَعْنَاقِهَا
شَيْئًا, وَلاَ أَنْ يُسْتَعْمَلُ الْجَرَسُ فِي الرِّفَاقِ. رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ
أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَرْسَلَ عليه السلام
رَسُولاً: "لاَ تُبْقِيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةً مِنْ
وَتَرٍ, أَوْ قِلاَدَةً إِلاَّ قَطَعْتَ" وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد
نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ نَا
سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَصْحَبُ
الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ, أَوْ جَرَسٌ" . وَصَحَّ
النَّهْيُ، عَنِ الْجَرَسِ، عَنْ عَائِشَةَ, وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمَّيْ
الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ
مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَلَمْ يَصِحَّ فِي
النَّهْي، عَنْ تَقْلِيدِ أَعْنَاقِ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا أَثَرٌ0
(7/352)
968-
مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ تَحْلِيَةُ السُّيُوفِ, وَالدَّوَاةِ,
وَالرُّمْحِ, وَالْمَهَامِيزِ, وَالسُّرُجِ, وَاللِّجَامِ, وَغَيْرِ
ذَلِكَ بِالْفِضَّةِ وَالْجَوْهَرِ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ الذَّهَبِ فِي
شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ
لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}
فَأَبَاحَ لَنَا لِبَاسَ اللُّؤْلُؤِ, وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ
لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ
فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} , فَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ
حَلاَلٌ إِلاَّ مَا فُصِّلَ لَنَا تَحْرِيمُهُ وَلَمْ يُفَصَّلْ
تَحْرِيمُ الْفِضَّةِ أَصْلاً إِلاَّ فِي الآنِيَةِ فَقَطْ. رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا جَرِيرُ
بْنُ حَازِمٍ نَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ قَبِيعَةُ
سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِضَّةً.
قال أبو محمد: فَقَاسَ قَوْمٌ عَلَى السَّيْفِ وَالْخَاتَمِ
الْمُصْحَفَ وَالْمِنْطَقَةَ وَمَنَعُوا مِنْ سَائِرِ ذَلِكَ; فَلاَ
الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَلاَ النُّصُوصَ اتَّبَعُوا. وَالْعَجَبُ كُلُّ
الْعَجَبِ مِنْ تَحْرِيمِهِمْ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي السُّرُجِ
وَاللِّجَامِ، وَلاَ نَهْيَ فِي ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِمْ لِبَاسَ
الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ, وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ جُمْلَة.
(7/352)
969-
مَسْأَلَةٌ: وَالرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ حَسَنٌ, وَلاَ يَحِلُّ
الرِّبَاطُ إلَى مَا لَيْسَ ثَغْرًا كَانَ فِيمَا مَضَى ثَغْرًا أَوْ
لَمْ يَكُنْ وَهُوَ بِدْعَةٌ عَظِيمَةٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ بَهْرَامُ
الدَّارِمِيُّ نَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا لَيْثٌ، هُوَ
ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ
شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ سَمِعْتُ:
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ, وَإِنَّ مَنْ
مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ, وَأُجْرِيَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ, وَأَمِنَ مِنْ الْفَتَّانِ".
قال أبو محمد: وَكُلُّ مَوْضِعٍ سِوَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم فَقَدْ كَانَ ثَغْرًا وَدَارَ حَرْبٍ, وَمَغْزَى
جِهَادٍ; فَتَخْصِيصُ مَكَان مِنْ الأَرْضِ كُلِّهَا بِالْقَصْدِ
لأََنَّ الْعَدُوَّ ضَرَبَ فِيهِ دُونَ سَائِرِ الأَرْضِ كُلِّهَا
ضَلاَلٌ, وَحُمْقٌ, وَإِثْمٌ, وَفِتْنَةٌ, وَبِدْعَةٌ. فَإِنْ كَانَ
لِمَسْجِدٍ فِيهِ فَهَذَا أَشَدُّ فِي الضَّلاَلِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّفَرِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ
حَاشَا مَسْجِدَ مَكَّةَ, وَمَسْجِدَهُ بِالْمَدِينَةِ, وَمَسْجِدَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَإِنْ كَانَ سَاحِلَ بَحْرٍ فَسَاحِلُ الْبَحْرِ
كُلِّهِ مِنْ شَرْقِ الأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا سَوَاءٌ, وَلاَ فَرْقَ
بَيْنَ سَاحِلِ بَحْرٍ وَسَاحِلِ نَهْرٍ فِي الدِّينِ, وَلاَ فَضْلَ
لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ أَثَرُ نَبِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ
فَالْقَصْدُ إلَيْهِ حَسَنٌ, قَدْ تَبَرَّكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم بِمَوْضِعِ مُصَلَّاهُ وَاسْتَدْعُوهُ لِيُصَلِّيَ فِي
بُيُوتِهِمْ فِي مَوْضِعٍ يَتَّخِذُونَهُ مُصَلًّى فَأَجَابَ إلَى
ذَلِكَ عليه السلام.
(7/353)
970-
مَسْأَلَةٌ: وَتَعْلِيمُ الرَّمْي عَلَى الْقَوْسِ وَالإِكْثَارُ
مِنْهُ فَضْلٌ حَسَنٌ سَوَاءٌ الْعَرَبِيَّةُ وَالْعَجَمِيَّةُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نَا
ابْنُ وَهْبٍ نَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ
ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " {وَأَعِدُّوا لَهُمْ
مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ
بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} أَلاَ إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ
أَلاَ إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ
وَيَكْفِيكُمْ اللَّهُ فَلاَ يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ
بِسَهْمِهِ". وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ
يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ عُقْبَةُ
بْنُ عَامِرٍ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ
عَلِمَ الرَّمْيَ, ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى".
(7/353)
971-
مَسْأَلَةٌ: وَالْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ, وَالْبِغَالِ,
وَالْحَمِيرِ, وَعَلَى الأَقْدَامِ: حَسَنٌ, وَالْمُنَاضَلَةُ
(7/353)
972 -
مَسْأَلَةٌ: وَالسَّبَقُ هُوَ أَنْ يُخْرِجَ الأَمِيرُ, أَوْ غَيْرُهُ
مَالاً يَجْعَلُهُ لِمَنْ سَبَقَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ,
فَهَذَا حَسَنٌ. وَيُخْرِجُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ فِيمَا
ذَكَرْنَا مَالاً فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إنْ سَبَقْتنِي فَهُوَ لَك,
وَإِنْ سَبَقْتُك فَلاَ شَيْءَ لَك عَلَيَّ, وَلاَ شَيْءَ لِي عَلَيْك,
فَهَذَا حَسَنٌ. فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَجُوزَانِ فِي كُلِّ مَا
ذَكَرْنَا، وَلاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ مَالٍ فِي سَبَقٍ غَيْرِ هَذَا
أَصْلاً لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ
يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالاً يَكُونُ لِلسَّابِقِ
مِنْهُمَا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ أَصْلاً إِلاَّ فِي الْخَيْلِ فَقَطْ.
ثُمَّ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْخَيْلِ أَيْضًا إِلاَّ بِأَنْ
يُدْخِلاَ مَعَهَا فَارِسًا عَلَى فَرَسٍ يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَهُمَا,
وَيُمْكِنُ أَنْ لاَ يَسْبِقَهُمَا, وَلاَ يُخْرِجُ هَذَا الْفَارِسُ
مَالاً أَصْلاً فَأَيُّ الْمُخْرِجَيْنِ لِلْمَالِ سَبَقَ أَمْسَكَ
مَالَهُ نَفْسَهُ وَأَخَذَ مَا أَخْرَجَ صَاحِبُهُ حَلاَلاً, وَإِنْ
سَبَقَهُمَا الْفَارِسُ الَّذِي أَدْخَلاَ وَهُوَ يُسَمَّى
الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ سُبِقَ فَلاَ شَيْءَ
عَلَيْهِ وَمَا عَدَا هَذَا فَحَرَامٌ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ
عَلَى السَّابِقِ إطْعَامُ مَنْ حَضَرَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي
دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ نَا سُفْيَانُ
بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ" يَعْنِي وَهُوَ لاَ
يُؤْمِنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ, وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا
بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يُسْبَقَ فَهُوَ قِمَارٌ.
قال أبو محمد: مَا عَدَا هَذَا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
تم كتاب الجهاد بحمد الله وجسن عونه وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(7/354)
|