المحلى بالآثار شرح المجلى بالإختصار

كتاب القرض وهو الدين
القرض فعل خير وبيان تعريفه
...
كِتَابُ الْقَرْضِ وَهُوَ الدَّيْنُ
1190 - مَسْأَلَةٌ - الْقَرْضُ فِعْلُ خَيْرٍ،
وَهُوَ أَنْ تُعْطِيَ إنْسَانًا شَيْئًا بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِك تَدْفَعُهُ إلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ إمَّا حَالًّا فِي ذِمَّتِهِ وَأَمَّا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

(8/77)


1191 - مَسْأَلَةٌ - وَالْقَرْضُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَتَمْلِيكُهُ بِهِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ جَازَ بَيْعَةُ أَوْ لَمْ يَجُزْ لأََنَّ الْقَرْضَ هُوَ غَيْرُ الْبَيْعِ،
لأََنَّ الْبَيْعَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِثَمَنٍ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِ نَوْعِ مَا بِعْت. وَلاَ يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ إِلاَّ رَدُّ مِثْلِ مَا اُقْتُرِضَ لاَ مِنْ سِوَى نَوْعِهِ أَصْلاً.

(8/77)


لا يحل أن يشترط رد أكثر مما أخذ ولا أقل
...
1192 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَشْتَرِطَ رَدًّا أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ، وَلاَ أَقَلَّ،
وَهُوَ رِبًا مَفْسُوخٌ، وَلاَ يَحِلُّ اشْتِرَاطُ رَدِّ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ، وَلاَ أَدْنَى وَهُوَ رِبًا، وَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَوْعٍ غَيْرِ النَّوْعِ الَّذِي أَخَذَ، وَلاَ اشْتِرَاطُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَلاَ اشْتِرَاطُ ضَامِنٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ". وَلاَ خِلاَفَ فِي بُطْلاَنِ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الْقَرْضِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّأْيِيدُ.

(8/77)


إن تطوع عند قضاء ما عليه بأن يعطي أكثر مما أخذ أو أجود أو أدنى فكل ذلك حسن مستحب
...
1193 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ تَطَوَّعَ عِنْدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَدْنَى مِمَّا أَخَذَ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ.
وَمُعْطِي أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَرَضَ وَأَجْوَدَ مِمَّا اقْتَرَضَ مَأْجُورٌ. وَاَلَّذِي يَقْبَلُ أَدْنَى مِمَّا أَعْطَى، أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَعْطَى مَأْجُورٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ، مَا لَمْ يَكُنْ، عَنْ شَرْطٍ، وَكَذَلِكَ إنْ قَضَاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلاَ فَرْقَ: فَهُوَ حَسَنٌ مَا لَمْ يَكُنْ، عَنْ شَرْطٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَمُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا خَلَّادٌ وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ خَلَّادٌ، وَوَكِيعٌ، قَالاَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " كَانَ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي " وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِنًّا فَأَعْطَاهُ سِنًّا فَوْقَ سِنِّهِ وَقَالَ: "خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً"وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ

(8/77)


1194 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ مَا اسْتَقْرَضَ لَمْ يَحِلَّ أَصْلاً لاَ بِشَرْطٍ، وَلاَ بِغَيْرِ شَرْطٍ
.مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ أَقْرَضَهُ ذَهَبًا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ فِضَّةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَهُوَ إذَا رَدَّ غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ، وَمَنْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ فَقَدْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مَا كَانَ لَهُ عِنْدَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ قلنا: هَذَا حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ، لأََنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ، وَلاَ يَحِلُّ الْبَيْعُ إِلاَّ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ. وَكُلُّ هَذَا قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا رِبًا مَحْضٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي " أَبْوَابِ الرِّبَا " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(8/79)


من استقرض شيئا فقد ملكه وله بيعه وهبته
...
1195 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا فَقَدْ مَلَكَهُ،
وَلَهُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ، وَهِبَتُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، كَسَائِرِ مِلْكِهِ وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ وَبِهِ جَاءَتْ النُّصُوصُ.

(8/79)


1196 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا كَانَ لِلَّذِي أَقْرَضَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَقْرَضَ مَتَى أَحَبَّ
إنْ شَاءَ إثْرَ إقْرَاضِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْظَرَهُ بِهِ إلَى انْقِضَاءِ حَيَاتِهِ. وقال مالك: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ إيَّاهُ بِهِ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَنْتَفِعُ فِيهَا الْمُسْتَقْرِضُ بِمَا اسْتَقْرَضَ وَهَذَا خَطَأٌ، لأََنَّهُ دَعْوًى بِلاَ بُرْهَانٍ.وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَوْجَبَ هَاهُنَا أَجَلاً مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ثُمَّ هُوَ الْمُوجِبُ لَهُ لاَ يَحُدُّ مِقْدَارَهُ، فَأَيُّ دَلِيلٍ أَدَلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ يُوجِبُ فِيهِ مِقْدَارًا [ مَا] لاَ يَدْرِي هُوَ، وَلاَ غَيْرُهُ مَا هُوَ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَمَنْ مَنَعَ مِنْ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ عليه السلام.

(8/79)


إن طالبه صاحب الدين بدينه والشيء المستقرض لم يجز أن يجبر المستقرض على شيء من ماله
...
1197 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْرَضُ حَاضِرٌ عِنْدَ

(8/79)


إن كان القرض إلى أجل ففرض عليهما أن يكتباه وأن يشهد عليه عدلين إلخ
...
1198 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ إلَى أَجَلٍ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِمَا أَنْ يَكْتُبَاهُ وَأَنْ يُشْهِدَا عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ، عُدُولاً فَصَاعِدًا.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي سَفَرٍ وَلَمْ يَجِدَا كَاتِبًا فَإِنْ شَاءَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَنْ يَرْتَهِنَ بِهِ رَهْنًا فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرْتَهِنَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ الْحَالِّ لاَ فِي السَّفَرِ، وَلاَ فِي الْحَضَرِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلَى قَوْلِهِ: { وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إلَى أَجَلِهِ} : إلَى قوله تعالى: { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَا ءِ} إلَى قوله تعالى: { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَه}ُ وَلَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ الطَّاعَةُ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ نَدْبٌ، فَقَدْ قَالَ: الْبَاطِلَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى فَاكْتُبُوهُ فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ أَكْتُبُ إنْ شِئْت. وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا} فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ أُشْهِدُ، وَلاَ يَجُوزُ نَقْلُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، عَنِ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ إِلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ، أَوْ بِضَرُورَةِ جَسٍّ. وَكُلُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَطَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَنَتَقَصَّى ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(8/80)


من لقي غريمه في بلد بعيد أو قريب وكان الدين حالا أو قد بلغ أجله فله مطالبته أو أخذه بحقه ويجبره الحاكم على انصافه
...
وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَ التَّدَايُنُ بِالأَنْدَلُسِ، ثُمَّ لَقِيَهُ بِصِينِ الصِّينِ سَاكِنًا هُنَالِكَ، أَوْ كِلاَهُمَا، أَتَرَى حَقَّهُ قَدْ سَقَطَ أَوْ يُكَلَّفُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ هُوَ وَصَاحِبُ الْحَقِّ النُّهُوضَ إلَى الأَنْدَلُسِ لِيُنْصِفهُ هُنَالِكَ مِنْ مَدِينٍ. ثُمَّ لَوْ طَرَدُوا قَوْلَهُمْ لَلَزِمَهُمْ أَنْ لاَ يُجِيزُوا الإِنْصَافَ إِلاَّ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَا فِيهَا بِأَبْدَانِهِمَا حِينَ التَّدَايُنِ، وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا، فَنَحْنُ نَزِيدُهُمْ مِنْ الأَرْضِ شِبْرًا شِبْرًا حَتَّى نَبْلُغَهُمْ إلَى أَقْصَى الْعَالَمِ. وَلَوْ حَقَّقَ كُلُّ ذِي قَوْلٍ قَوْلَهُ، وَحَاسَبَ نَفْسَهُ بِأَنْ لاَ يَقُولَ فِي الدِّينِ إِلاَّ مَا جَاءَ بِهِ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةً; لَقَلَّ الْخَطَأُ، وَلَكَانَ أَسْلَمَ لِكُلِّ قَائِلٍ. وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ.

(8/71)


1200- مَسْأَلَةٌ - وَإِنْ أَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يُجْبَرْ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى قَبُولِهِ أَصْلًا
وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَتَعَجَّلَ قَبْضَ دَيْنِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى أَدَائِهِ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، وَالطَّعَامُ كُلُّهُ، وَالْعَرُوضُ كُلُّهَا، وَالْحَيَوَانُ. فَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى تَعْجِيلِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ، أَوْ عَلَى تَأْخِيرِهِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، أَوْ بَعْضِهِ: جَازَ كُلُّ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا . وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: إنْ كَانَ مِمَّا لَا مُؤْنَةَ فِي حَمْلِهِ وَنَقْلِهِ أُجْبِرَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ مُؤْنَةٌ فِي حَمْلِهِ وَنَقْلِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِف لَهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ الأَُجَلِ قَدْ صَحَّ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ مَا صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ أَبْطَلُوا هَذَا الشَّرْطَ الصَّحِيحَ الَّذِي أَثْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ . وَأَجَازُوا الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي أَبْدَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، كَمَنْ اشْتَرَطَ لِامْرَأَتِهِ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَكُلَّ سُرِّيَّةٍ يَتَّخِذُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَأَنْ لَا يُرَحِّلَهَا عَنْ دَارِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا وَاحْتَجُّوا هَاهُنَا بِرِوَايَةِ مَكْذُوبَةٍ وَهِيَ " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " فَهَلَّا احْتَجُّوا بِهَا إذْ هِيَ عِنْدَهُمْ صَحِيحَةٌ فِي إنْفَاذِ شَرْطِ التَّأْجِيلِ الْمُسَمَّى بِالدَّيْنِ، فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الأُُمُورَ تَرَوْا الْعَجَبَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي هَذَا بِعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا فِي الْقَضَاءِ بِقَبُولِ تَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَجَلِهَا، وَقَدْ أَخْطَئُوا فِي هَذَا مِنْ وُجُوهٍ . أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَالثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَعُثْمَانَ، فِي الْكِتَابَةِ خَاصَّةً، فَقَاسُوا عَلَيْهَا سَائِرَ الدُّيُونِ، وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الدُّيُونِ فِي جَوَازِ الْحَمَّالَة وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرُ، وَعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ أَنَسٍ فَلَمْ يَرَ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَجَلِهَا. وَالرَّابِعُ أَنَّهُمْ خَالَفُوا عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فِي مُئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، مِنْهَا إجْبَارُ عُمَرَ سَادَات

(8/81)


الْعَبِيدِ عَلَى كِتَابَتِهِمْ بِالضَّرْبِ إذَا طَلَبَ الْعَبِيدُ ذَلِكَ، وَغَيْرُ هَذَا كَثِيرٌ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي آخَر. وَالْخَامِسُ أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا، لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْهُمَا وَضْعُ الْكِتَابَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ يُعْطِي السَّيِّدَ فِي كُلِّ نَجْمٍ حَقَّهُ; فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ" .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَطَاءِ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي نُهِينَا عَنِ السُّؤَالِ فِيهِ عَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ وَلَا فِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ الْوَاجِبِ السُّؤَالِ عَنْهَا وَطَلَبِهَا أَوْ الإِبْرَاءِ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ إرَادَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ تَعْجِيلَ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ أَجَلِهِ مَعَ إبَايَةِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ وَبَيْنَ إرَادَةِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ تَعْجِيلَ مَا لَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ مَعَ إبَايَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ ؟ إذْ أَوْجَبُوا الْوَاحِدَ وَمَنَعُوا الآخَرَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ يُرِيدُ أَنْ يَبْرَأَ مِمَّا عَلَيْهِ ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَاَلَّذِي لَهُ الْحَقُّ يُرِيدُ أَنْ يُبْرِئَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِمَّا عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ يُرِيدُ ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا إلَى أَجَلِهِ ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ إلَّا إلَى أَجَلِهِ .

(8/82)


1201 - مَسْأَلَةٌ - وَالْقَرْضُ جَائِزٌ فِي الْجَوَارِي، وَالْعَبِيدِ، وَالدَّوَابِّ، وَالدُّورِ، وَالأَرْضِينَ،
وَغَيْرِ ذَلِكَ لِعُمُومِ قوله تعالى: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ فَلاَ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِي ذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ. وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ، وَأَصْحَابِنَا. وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي الْجَوَارِي خَاصَّةً، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ، لأََنَّهُ يَطَؤُهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ فَيَكُونُ فَرْجًا مُعَارًا.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُهُمْ: يَطَؤُهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ، فَهُمْ يُوجِبُونَ هَذَا نَفْسَهُ فِي الَّتِي يَجِدُ بِهَا عَيْبًا فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا قلنا: كَذَبْتُمْ، قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ: الْمَنْعُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْوَطْءِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ إجْمَاعٌ لَلَزِمَهُمْ لأََنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ أَنْ يَقِيسُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ عَلَيْهِ فَهَذَا أَصْلُهُمْ فِي الْقِيَاسِ، فَأَنَّى بَدَا لَهُمْ عَنْهُ ثم نقول لَهُمْ: فَإِذَا وَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَكَانَ مَاذَا وَطِئَهَا بِحَقٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} ثُمَّ إنْ رَدَّهَا رَدَّهَا بِحَقٍّ، لأََنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ فَانْتَقَلَتْ مِنْ حَقٍّ إلَى حَقٍّ،

(8/82)


وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ فَرْجٌ مُعَارٌ: فَكَذِبٌ وَبَاطِلٌ، لأََنَّ الْعَارِيَّةَ لاَ يَزُولُ عَنْهَا مِلْكُ الْمُعِيرِ، فَحَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ وَطْؤُهَا، لأََنَّهُ مِلْكُ يَمِينِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْمُسْتَقْرَضَةُ فَهِيَ مِلْكُ يَمِينِ الْمُسْتَقْرِضِ فَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدّهَا، أَوْ يُمْسِكَهَا أَوْ يَرُدَّ غَيْرَهَا، وَلَيْسَتْ الْعَارِيَّةُ كَذَلِكَ. وَقَالُوا: هُوَ بِشِيَعِ شَنِيعٌ قلنا: لاَ شُنْعَةَ، وَلاَ بَشَاعَةَ فِي الْحَلاَلِ وَأَنْتُمْ لاَ تَسْتَبْشِعُونَ مِثْلَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ يَبِيعُ جَارِيَةً مِنْ غَيْرِهِ فَيَطَؤُهَا، ثُمَّ يَبْتَاعهَا الَّذِي بَاعَهَا فَيَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةِ، ثُمَّ يَطَؤُهَا، ثُمَّ يَبْتَاعُهَا الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ وَهَكَذَا أَبَدًا. وَمِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، فَتَعْتَدُّ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا جَارُهُ فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، فَتَعْتَدُّ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا الأَوَّلُ فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَهَكَذَا أَبَدًا. فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَنَعُوا مِنْهُ مِنْ قَرْضِ الْجَوَارِي إنَّمَا الشَّنِيعُ الْبَشِيعُ الْفَظِيعُ مِمَّا يَقُولُونَهُ: مِنْ أَنَّ رِجَالاً تَكُونُ بَيْنَهُمْ أَمَةٌ يَطَؤُهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَلاَ يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَيُلْحِقُونَ الْوَلَدَ بِهَذَا الْوَطْءِ الْحَرَامِ الْخَبِيثِ. وَمِنْ أَنْ يَطَأَ الْوَالِدُ أُمَّ وَلَدِ ابْنِهِ فَلاَ يَرَوْنَ عَلَيْهِ حَدًّا وَيُلْحِقُونَ الْوَلَدَ فِي هَذَا الْوَطْءِ الْفَاحِشِ، لاَ سِيَّمَا الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَنْ عَشِقَ امْرَأَةَ جَارِهِ فَرَشَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا لَهُ بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، وَأَنَّهَا اعْتَدَّتْ، وَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ هَذَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَزَوْجُهَا مُنْكِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ، فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَطَؤُهَا حَلاَلاً طَيِّبًا فَهَذِهِ هِيَ الشَّنَاعَةُ الْمُضَاهِيَةُ لِخِلاَفِ الإِسْلاَمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/83)


كل ما يمكن وزنه أو كيله أو زرعه لم يجز أن يقرض جزافا
...
1202 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ وَزْنُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ عَدَدُهُ أَوْ زَرْعُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْرَضَ جُزَافًا،
لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدّهُ، فَيَكُونُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.

(8/83)


كل ما اقترض من ذلك معلوم العدد أو الزرع أو الكيل أو الوزن فإن رده جزافا فكان ظاهرا متيقنا أنه أقل مم يفترض فرضي ذلك المقرض أو كان ظاهرا أكثر مما اقترض وطابت به نفسه جاز وهو حسن
...
1203 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ مَا اُقْتُرِضَ مِنْ ذَلِكَ مَعْلُومَ الْعَدَدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، فَإِنْ رَدَّهُ جُزَافًا فَكَانَ ظَاهِرًا مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ أَقَلُّ مِمَّا اقْتَرَضَ فَرَضِيَ ذَلِكَ الْمُقْرِضُ، أَوْ كَانَ ظَاهِرًا مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا اقْتَرَضَ وَطَابَتْ نَفْسُ الْمُقْتَرِضِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ،
لِمَا قَدَّمْنَا. فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَهُوَ مِثْلُ مَا اقْتَرَضَ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ لَهُ، لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَالُ أَحَدٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَرِضَاهُ، وَلاَ يَكُونُ الرِّضَا وَطِيبُ النَّفْسِ إِلاَّ عَلَى مَعْلُومٍ، وَلاَ بُدَّ، عَلَى مَجْهُولٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

(8/83)


لا يجوز تعجيل بعض الدين المؤجل على أن يبريه من الباقي فإن وقع رد صرف إلى الغريم ما أعطى
...
1204 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ تَعْجِيلُ بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي، فَإِنْ وَقَعَ رَدٌّ وَصَرَفَ إلَى الْغَرِيمِ مَا أَعْطَى،
لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ " فَلَوْ عَجَّلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ رَغِبَ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ الْبَاقِيَ أَوْ بَعْضَهُ، فَأَجَابَهُ إلَى

(8/83)


من كان له دين حال أو مؤجل فحل فرغب إليه الذي عليه الحق في أن ينظره إلى أجل مسمى ففعل أو نظره كذلك بغير رغبة لم يلزمه شيء من ذلك
...
1205 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَحَلَّ فَرَغِبَ إلَيْهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فِي أَنْ يَنْظُرَهُ أَيْضًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَفَعَلَ،
أَوْ أَنْظَرَهُ كَذَلِكَ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ وَأَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَالدِّينُ حَالٌ يَأْخُذُهُ بِهِ مَتَى شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ زُفَرَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ الأَجَلَ وَجَعَلَهُ حَالًّا، فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَالدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ كَمَا كَانَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَفَاءَ بِهَا لأََنَّ الْعُقُودَ الْمَأْمُورَ بِالْوَفَاءِ بِهَا مَنْصُوصَةُ الأَسْمَاءِ فِي الْقُرْآنِ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كُلَّ الْعُقُودِ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا كَمَنْ عَقَدَ: أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ أَنْ يَزْنِيَ. وَكُلُّ عَقْدٍ صَحَّ مُؤَجَّلاً بِالْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ، فَلاَ يَجُوزُ الْبَتَّةُ إبْطَالُ التَّأْجِيلِ إِلاَّ بِنَصِّ آخَر. وَكُلُّ عَقْدٍ صَحَّ حَالًّا بِالْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ، فَلاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إبْطَالُ الْحُلُولِ إِلاَّ بِنَصِّ آخَر، وَلاَ سَبِيلَ إلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل: قَدْ قُلْتُمْ: إنَّهُ إنْ عَجَّلَ لَهُ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ الأَجَلِ إنَّ ذَلِكَ لاَزِمٌ لَهُ لاَ رُجُوعَ فِيهِ قلنا نَعَمْ، لأََنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ حَقِّهِ وَصَيَّرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَوَهَبَهُ، فَهَذَا جَائِزٌ، إذْ قَدْ أَمْضَاهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُمْضِهِ فَإِنَّمَا هُوَ وَعْدٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْوَعْدَ لاَ يَلْزَمُ إنْجَازُهُ فَرْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وقال مالك: يَلْزَمُهُ التَّأْجِيلُ وقال أبو حنيفة: إنْ أَجَّلَهُ فِي قَرْضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَيَأْخُذُهُ حَالًّا، فَإِنْ أَجَّلَهُ فِي غَصْبٍ غَصَبَهُ إيَّاهُ أَوْ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ مَا عَدَا الْقَرْضَ لَزِمَهُ التَّأْجِيلُ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَرُوِيَ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ اسْتَهْلَكَ لَهُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ثُمَّ أَجَّلَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ يَلْزَمُهُ التَّأْجِيلُ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَ لَهُ شَاةً أَوْ ثَوْبًا فَأَجَّلَهُ فِي قِيمَتِهِمَا لَزِمَهُ التَّأْجِيلُ.
قال أبو محمد: فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَف مِنْ هَذِهِ الْفُرُوقِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ التَّأْجِيلَ فِي أَصْلِ الْقَرْضِ لاَ يَصِحُّ فَمَا زَادَ هَذَا الْمُحْتَجُّ عَلَى خِلاَفِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمَّى} قال أبو محمد: وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ مَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

(8/84)


كل من مات وله ديون على الناس مؤجلة أو للناس عليه ديون مؤجلة فكل ذلك سوء وبطلت الآجال كلها وصارت الديون حالة كلها
...
1206 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ مُؤَجَّلَةٌ، أَوْ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ دُيُونٌ

(8/84)


1207 - مَسْأَلَةٌ - وَهَدِيَّةُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَلاَلٌ وَكَذَلِكَ ضِيَافَتُهُ إيَّاهُ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ شَرْطٍ.
فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمُهُ

(8/85)


وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ " وَكَانَ عليه السلام يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَقَالَ عليه السلام:" لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ ". رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَش، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا عُمُومٌ لَمْ يَخُصَّ عليه السلام مِنْ ذَلِكَ غَرِيمًا مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ، وَلاَ النُّزُولُ عِنْدَهُ، وَلاَ أَكْلُ طَعَامِهِ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا أَسْلَفْت رَجُلاً سَلَفًا فَلاَ تُقْبَلُ مِنْهُ هَدِيَّةٌ قِرَاعٍ، وَلاَ عَارِيَّةُ رُكُوبِ دَابَّةٍ وَأَنَّهُ اسْتَفْتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: أَقْرَضْتُ سَمَّاكًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَكَانَ يَبْعَثُ إلَيَّ مِنْ سَمَكِهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَاسِبِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلاً فَرُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَفَافًا فَقَاصِصْهُ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَأَهْدَى لَك حَمَلَة مِنْ تِبْنٍ فَلاَ تَقْبَلْهَا فَإِنَّهَا رِبًا، اُرْدُدْ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ أَوْ أَثِبْهُ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِلٌ فَقَالَ لَهُ: أَقْرَضْت رَجُلاً فَأَهْدَى لِي هَدِيَّةً فَقَالَ: أَثِبْهُ أَوْ اُحْسُبْهَا لَهُ مِمَّا عَلَيْهِ أَوْ اُرْدُدْهَا عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ نَحْوُ هَذَا.
وَاحْتَجُّوا فَقَالُوا: هُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ هَذَا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ.
قال أبو محمد: أَمَّا هَؤُلاَءِ الصِّحَابَةُ رضي الله عنهم فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ فِي مُئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، وَقَدْ جَاءَ خِلاَفُهُمْ، عَنْ غَيْرِهِمْ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، كِلاَهُمَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ تَسَلَّفَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَشَرَةَ آلاَفٍ فَبَعَثَ إلَيْهِ أُبَيٌّ مِنْ ثَمَرِهِ وَكَانَتْ تُبَكِّر، وَكَانَ مِنْ أَطْيَبِ ثَمَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ: أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: لاَ حَاجَةَ لِي بِمَا مَنَعَك طِيبَ ثَمَرَتِي، فَقِبَلهَا عُمَرُ، وَقَالَ: إنَّمَا الرِّبَا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ وَيُنْسِئَ. وبه إلى سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَذَكَرَ نَهَى عَلْقَمَةَ، عَنْ أَكْلِ الْمَرْءِ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا كَانَ يَتَعَاطَيَانِهِ.
قال أبو محمد: قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ الْحَقُّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئِ مَا نَوَى ". وَلَوْ كَانَتْ هَدِيَّةُ الْغَرِيمِ وَالضِّيَافَةُ مِنْهُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} فَإِذَا لَمْ يَنْهَ تَعَالَى عَنْ

(8/86)


ذَلِكَ فَهُوَ حَلاَلٌ مَحْضٌ، وَإِلَّا مَا كَانَ، عَنْ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، فَكَانَ مَاذَا أَيْنَ وَجَدُوا النَّهْيَ، عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَلْيَعْلَمُوا الآنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ سَلَفٌ إِلاَّ وَهُوَ يَجُرُّ مَنْفَعَةً وَذَلِكَ انْتِفَاعُ الْمُسَلِّفِ بِتَضْمِينِ مَالِهِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا تَلِفَ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ مَعَ شُكْرِ الْمُسْتَقْرِضِ إيَّاهُ، وَانْتِفَاعِ الْمُسْتَقْرِضِ بِمَالِ غَيْرِهِ مُدَّةَ مَا، فَعَلَى قَوْلِهِمْ كُلُّ سَلَفٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَتَمَّ " كِتَابُ الْقَرْضِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ[ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

(8/87)