المحلى
بالآثار شرح المجلى بالإختصار
كتاب المزارعة والمغارسة
مدخل
الاكثار من الزرع والغرس حسن وأجر مالم
يشغل ذلك عن الجهاد
...
كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُغَارَسَةِ
1329 - مَسْأَلَةٌ - الإِكْثَارُ مِنْ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ حَسَنٌ
وَأَجْرٌ، مَا لَمْ يُشْغِلْ ذَلِكَ، عَنِ الْجِهَادِ
وَسَوَاءٌ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، أَوْ الأَرْضِ
الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، أَوْ أَرْضِ الصُّلْحِ، أَوْ
أَرْضِ الْعَنْوَةِ الْمَقْسُومَةِ عَلَى أَهْلِهَا أَوْ
الْمَوْقُوفَةِ بِطِيبِ الأَنْفُسِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ:
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَا
مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ
مِنْهُ طَائِرٌ أَوْ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ
صَدَقَةٌ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ.
وَكَرِهَ مَالِكٌ الزَّرْعَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَهَذَا خَطَأٌ،
وَتَفْرِيقٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَاحْتَجَّ لِهَذَا بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ
بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ
الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ
الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ رَأَى
سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لاَ يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ
قَوْمٍ إِلاَّ دَخَلَهُ الذُّلُّ ".
قال أبو محمد: لَمْ تَزَلْ الأَنْصَارُ كُلُّهُمْ، وَكُلُّ مَنْ
قَسَّمَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْضًا مِنْ فُتُوحِ
بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمَنْ أَقْطَعَهُ أَرْضًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
يَزْرَعُونَ وَيَغْرِسُونَ بِحَضْرَتِهِ صلى الله عليه وسلموَكَذَلِكَ
كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَعُمَانَ،
وَالْيَمَنِ، وَالطَّائِفِ، فَمَا حَضَّ عليه السلام قَطُّ عَلَى
تَرْكِهِ. وهذا الخبر عُمُومٌ كَمَا تَرَى لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَ
أَهْلِ بِلاَدِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ
(8/210)
بِلاَدِ
الْعَرَبِ، وَكَلاَمُهُ عليه السلام لاَ يَتَنَاقَضُ. فَصَحَّ أَنَّ
الزَّرْعَ الْمَذْمُومَ الَّذِي يُدْخِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
أَهْلِهِ الذُّلَّ هُوَ مَا تُشُوغِلَ بِهِ، عَنِ الْجِهَادِ، وَهُوَ
غَيْرُ الزَّرْعِ الَّذِي يُؤَجِّرُ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ
حَسَنُهُ وَمَذْمُومُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ فِي
أَرْضِ الْعَجَمِ إذْ السُّنَنُ فِي ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهَا.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ
مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ
الْمُسْلِمِينَ زَرَعُوا بِالشَّامِ، فَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، فَأَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ وَقَدْ ابْيَضَّ، فَأُحْرِقَ،
وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ تَوَلَّى حَرْقَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ
مُوسَى، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْمُرَادِيِّ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ
الْمَرَادِيِّ: لاَ آذَنُ لَك بِالزَّرْعِ إِلاَّ أَنْ تُقِرَّ
بِالذُّلِّ، وَأَمْحُو اسْمَك مِنْ الْعَطَاءِ، وَأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ
إلَى أَهْلِ الشَّامِ مَنْ زَرَعَ وَاتَّبَعَ أَذْنَابَ الْبَقَرِ
وَرَضِيَ بِذَلِكَ جَعَلْت عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ.
قال أبو محمد: هَذَا مُرْسَلٌ، وَأَسَدٌ ضَعِيفٌ، وَيُعِيذُ اللَّهُ
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْ يُحْرِقَ زُرُوعَ الْمُسْلِمِينَ
وَيُفْسِدَ أَمْوَالَهُمْ، وَمِنْ أَنْ يَضْرِبَ الْجِزْيَةَ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا، وَهُوَ
أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ.
(8/211)
لا يجوز اكراء الأرض بشيء أصلا
...
1330 - مَسْأَلَةٌ - لاَ يَجُوزُ كِرَاءُ الأَرْضِ بِشَيْءٍ أَصْلاً
لاَ بِدَنَانِيرَ، وَلاَ بِدَرَاهِمَ، وَلاَ بِعَرْضٍ، وَلاَ بِطَعَامِ
مُسَمًّى، وَلاَ بِشَيْءٍ أَصْلاً.،
وَلاَ يَحِلُّ فِي زَرْعِ الأَرْضِ إِلاَّ أَحَدُ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ
إمَّا أَنْ يَزْرَعَهَا الْمَرْءُ بِآلَتِهِ وَأَعْوَانِهِ وَبَذْرِهِ
وَحَيَوَانِهِ. وَأَمَّا أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ زَرْعَهَا، وَلاَ
يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الآلَةِ
وَالْحَيَوَانِ، وَالْبَذْرِ، وَالأَعْوَانِ دُونَ أَنْ يَأْخُذَ
مِنْهُ لِلأَرْضِ كِرَاءً فَحَسَنُ. وَأَمَّا أَنْ يُعْطِيَ أَرْضَهُ
لِمَنْ يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَحَيَوَانِهِ وَأَعْوَانِهِ وَآلَتِهِ
بِجُزْءٍ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الأَرْضِ مِمَّا يُخْرِجُ اللَّهُ
تَعَالَى مِنْهَا مُسَمًّى، إمَّا نِصْفٌ، وَأَمَّا ثُلُثٌ، أَوْ
رُبُعٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ، وَلاَ يُشْتَرَطُ
عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ أَلْبَتَّةَ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ،
وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلزَّارِعِ قَلَّ مَا أَصَابَ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ
لَمْ يُصِبْ شَيْئًا فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ،
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ جَائِزَةٌ، فَمَنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ
عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا
أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ ". وَمِنْ
طَرِيقِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ رَافِعٍ، عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي
الله
(8/211)
عنهما
أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ قَالَ: فَذَهَبَ إلَى رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ وَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَافِعٌ: نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ . وَمِنْ طَرِيقِ
مُسْلِمٍ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا
مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُوَ
الْحَذَّاءُ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ
بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ
يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ، هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ
كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ،
فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ ". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ،
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ قَالَ:
وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ . فَهَؤُلاَءِ شَيْخَانِ
بَدْرِيَّانِ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو سَعِيدٍ،
وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ كُلُّهُمْ يَرْوِي، عَنِ
النَّبِيِّ عليه السلام النَّهْيَ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً،
وَأَنَّهُ لَيْسَ إِلاَّ أَنْ يَزْرَعَهَا صَاحِبُهَا أَوْ يَمْنَحَهَا
غَيْرَهُ أَوْ يَمْسِكَ أَرْضَهُ فَقَطْ، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ
مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ الْمُتَيَقَّنِ فَأَخَذَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي
عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرًا، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ
حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنَّا نُكْرِي أَرْضَنَا، ثُمَّ
تَرَكْنَا ذَلِكَ حِينَ سَمِعْنَا حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَرِهَ
كِرَاءَ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ
قَرَأْت عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّالَقَانِيِّ قُلْت:
أُحَدِّثُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي
شُجَاعٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: إنِّي
يَتِيمٌ فِي حِجْرِ جَدِّي رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَحَجَجْت مَعَهُ،
فَجَاءَهُ أَخِي عِمْرَانُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: أَكْرَيْنَا أَرْضَنَا
فُلاَنَةَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ
(8/212)
فَقَالَ:
دَعْهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ كِرَاءِ
الأَرْضِ وَعَنْ عَمِّي رَافِعٍ نَحْوُهُ.
وَمِنْ التَّابِعِينَ: كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لاَ يَصْلُحُ مِنْ الزَّرْعِ إِلاَّ أَرْضٌ
تُمَلَّكُ رَقَبَتُهَا، أَوْ أَرْضٌ يَمْنَحُكَهَا رَجُلٌ. وَعَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ مَنْصُورٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ إجَارَةَ الأَرْضِ. وبه إلى وَكِيعٍ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
كَانَ يَكْرَهُ كِرَاءَ الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ
أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ يَصْلُحُ كِرَاءُ
الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ
عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُرَّةَ
قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ:
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ.
قال أبو محمد: فَأَفْتَى مَنْ اسْتَفْتَاهُ بِالنَّهْيِ، عَنْ كِرَاءِ
الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ
الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا
النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: كَانَ
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ كِرَاءَ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ. وبه إلى إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، حَدَّثَنَا دَاوُد
بْنُ رَشِيدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا
الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ، وَمُجَاهِدٌ،
وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُونَ: لاَ تَصْلُحُ الأَرْضُ
الْبَيْضَاءُ بِالدَّرَاهِمِ، وَلاَ بِالدَّنَانِيرِ، وَلاَ
مُعَامَلَةً إِلاَّ أَنْ يَزْرَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ أَوْ
يَمْنَحَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ
يَكْرَهُ الزَّرْعَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنِي
وَلَقَدْ كُنْت مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ السَّوَادِ ضَيْعَةً وَهَذَا
يَقْتَضِي، وَلاَ بُدَّ ضَرُورَةً أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ
إجَارَةَ الأَرْضِ جُمْلَةً.
فَهَؤُلاَءِ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَالشَّعْبِيُّ،
وطَاوُوس، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
كُلُّهُمْ، لاَ يَرَى كِرَاءَ الأَرْضِ أَصْلاً لاَ بِدَنَانِيرَ،
وَلاَ بِدَرَاهِمَ، وَلاَ بِغَيْرِ ذَلِكَ. فَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ
كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً، ثُمَّ وَجَدْنَا قَدْ صَحَّ مَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ
بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ. وَمِنْ
طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ،
حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، هُوَ ابْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يُعْمِلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا
وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ،
حَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
(8/213)
ابْنِ
عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ دَفَعَ إلَى
يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ
يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم نِصْفُ ثَمَرِهَا . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى
خَيْبَرَ أَرَادَ إخْرَاجَ الْيَهُودِ عَنْهَا، فَسَأَلُوهُ عليه
السلام أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ
نِصْفُ الثَّمَرِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى
أَجَلاَهُمْ عُمَرُ. فَفِي هَذَا أَنَّ آخِرَ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم إلَى أَنْ مَاتَ كَانَ إعْطَاءَ الأَرْضِ بِنِصْفِ
مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الزَّرْعِ وَمِنْ الثَّمَرِ وَمِنْ
الشَّجَرِ، وَعَلَى هَذَا مَضَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وَجَمِيعُ
الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مَعَهُمْ، فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ الأَرْضِ
بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا صَحَّ النَّهْيُ
عَنْهُ مِنْ أَنْ تُكْرَى الأَرْضُ أَوْ يُؤْخَذُ لَهَا أَجْرٌ أَوْ
حَظٌّ، وَكَانَ هَذَا الْعَمَلُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا لِلنَّهْيِ
الْمُتَقَدِّمِ، عَنْ إعْطَاءِ الأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ
مِنْهَا; لأََنَّ النَّهْيَ، عَنْ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ، فَلَوْلاَ
أَنَّهُ قَدْ صَحَّ لَقُلْنَا: لَيْسَ نَسْخًا، لَكِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ
مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ، وَلَوْلاَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ لَمَا
قَطَعْنَا بِالنَّسْخِ، لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ آخِرُ عَمَلِهِ عليه
السلام. فَصَحَّ أَنَّهُ نَسْخٌ صَحِيحٌ مُتَيَقَّنٌ لاَ شَكَّ فِيهِ،
وَبَقِيَ النَّهْيُ، عَنِ الإِجَارَةِ جُمْلَةً بِحَسَبِهِ، إذْ لَمْ
يَأْتِ شَيْءٌ يَنْسَخُهُ، وَلاَ يُخَصِّصُهُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ
بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ، أَوْ الظَّنِّ السَّاقِطِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ
اسْتِعْمَالُهُ فِي الدِّينِ.
فإن قيل: إنَّمَا صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيُ
عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ، وَعَنْ أَنْ تُكْرَى
بِثُلُثٍ أَوْ بِرُبُعٍ، وَصَحَّ أَنَّهُ أَعْطَاهُ بِالنِّصْفِ
فَأَجِيزُوا إعْطَاءَهَا بِالنِّصْفِ خَاصَّةً وَامْنَعُوا مِنْ
إعْطَائِهَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ قلنا: لاَ يَجُوزُ هَذَا;
لأََنَّهُ إذَا أَبَاحَ عليه السلام إعْطَاءَهَا بِالنِّصْفِ لَهُمْ
وَالنِّصْفِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَهُ عليه السلام، فَبِضَرُورَةِ
الْحِسِّ، وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الثُّلُثَ،
وَالرُّبُعَ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ، وَفَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الأَجْزَاءِ
مِمَّا دُونَ النِّصْفِ دَاخِلٌ فِي النِّصْفِ، فَقَدْ أَعْطَاهَا عليه
السلام بِالرُّبُعِ وَزِيَادَةٍ وَبِالثُّلُثِ وَزِيَادَةٍ.فَصَحَّ
أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: وَمِمَّنْ أَجَازَ إعْطَاءَ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى
مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا ابْنُ زَائِدَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ،
وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ
(8/214)
قَالَ:
عَامَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ عَلَى إنْ جَاءَ عُمَرُ
بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ وَإِنْ جَاءُوا
بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حُصَيْرَةَ حَدَّثَنِي
صَخْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ صُلَيْعٍ أَنَّ رَجُلاً
قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَخَذْت أَرْضًا بِالنِّصْفِ
أَكْرِي أَنْهَارَهَا وَأُصْلِحُهَا وَأَعْمُرُهَا قَالَ عَلِيٌّ: لاَ
بَأْسَ بِهَا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كِرَاءُ الأَنْهَارِ هُوَ
حَفْرُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُوسًا يَقُولُ: قَدِمَ عَلَيْنَا
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَأَعْطَى الأَرْضَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ،
فَنَحْنُ نَعْمَلُهَا إلَى الْيَوْمِ.
قال أبو محمد: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذٌ
بِالْيَمَنِ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ،
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي أَرْضَهُ
بِالثُّلُثِ، وَهَذَا عَنْهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا
عَنْهُ رُجُوعَهُ، عَنْ إبَاحَةِ كِرَاءِ الأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ
الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ
كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ فَقُلْت: أَرْضٌ
تَقَبَّلْتهَا لَيْسَ فِيهَا نَهْرٌ جَارٍ، وَلاَ نَبَاتٌ عَشْرَ
سِنِينَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ كَرَيْت
أَنْهَارَهَا، وَعَمَّرْت فِيهَا قُرَاهَا، وَأَنْفَقْت فِيهَا
نَفَقَةً كَثِيرَةً، وَزَرَعْتهَا لَمْ تَرُدَّ عَلَيَّ رَأْسَ مَالِي
زَرَعْتهَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأُضْعِفُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ:
لاَ يَصْلُحُ لَك إِلاَّ رَأْسُ مَالِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَأَبُو
الأَحْوَصِ، كِلاَهُمَا، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قُلْت لأَبْنِ
عُمَرَ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ، وَمَاءٌ، لَيْسَ لَهُ بَذْرٌ، وَلاَ
بَقَرٌ، فَأَعْطَانِي أَرْضَهُ بِالنِّصْفِ، فَزَرَعْتهَا بِبَذْرِي
وَبَقَرِي، ثُمَّ قَاسَمْته قَالَ: حَسَنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ
بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
إيَادِ بْنِ لَقِيطٍ كِلاَهُمَا، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ مِثْلُهُ
أَيْضًا فَهَذَانِ إسْنَادَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ
بِالدَّرَاهِمِ فَلَمْ يُجِزْهُ، وَلاَ أَجَازَ مَا أَصَابَ فِيهَا
زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَا أَنْفَقَ، وَسَأَلَهُ، عَنْ أَخْذِهَا
بِالنِّصْفِ مِمَّا يَخْرُجُ فِيهَا، لاَ يَجْعَلُ صَاحِبُهَا فِيهَا
لاَ بَذْرًا، وَلاَ عَمَلاً وَيَكُونُ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى
الْعَامِلِ وَالْبَذْرُ فَأَجَازَهُ وَهَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، وَأَبِي عَوَانَةَ
وَأَبِي الأَحْوَصِ وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ
مُهَاجِرٍ، عَنْ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ
شَاهَدَ جَارَيْهِ سَعْدِ
(8/215)
بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُعْطِيَانِ
أَرْضَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ.وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،
عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: أَنَّ خَبَّابَ بْنَ
الأَرَتِّ، وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانُوا
يُعْطُونَ أَرْضَهُمْ الْبَيَاضَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ.
فَهَؤُلاَءِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ،
وَسَعْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَخَبَّابٌ، وَحُذَيْفَةُ، وَمُعَاذٌ
بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ.
وَمِنْ التَّابِعِينَ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي مَنْ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ الأَرْضِ تُعْطَى بِالثُّلُثِ،
وَالرُّبُعِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ
نَهْيَهُ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا. وَمِنْ
طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ،
عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا
لاَ يَرَيَانِ بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ
الثُّلُثَ، أَوْ الرُّبُعَ، وَالْعُشْرَ، وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ
النَّفَقَةِ شَيْءٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ،
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ،
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ طَاوُوس يَكْرَهُ أَنْ
يُؤَاجِرَ أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ يَرَى بِالثُّلُثِ
وَالرُّبُعِ بَأْسًا وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ
بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ،
وَابْنَ سِيرِينَ كَانَا لاَ يَرَيَانِ بَأْسًا بِالإِجَارَةِ عَلَى
الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ يَعْنِي فِي الأَرْضِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا نَهْيَ
ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ فَقَوْلُهُ هُوَ قَوْلُنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ إيَاسِ
بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: أَنْ
أَعْطُوا الأَرْضَ عَلَى الرُّبُعِ، وَالثُّلُثِ وَالْخُمُسِ، إلَى
الْعُشْرِ، وَلاَ تَدَعُوا الأَرْضَ خَرَابًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا
مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ
غِيَاثٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ حَفْصٌ: عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ:
عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى، وَخَالِدٌ عَلَى
أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ بِإِعْطَاءِ الأَرْضِ
بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا
شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ
الرَّحْمَن بْنِ أَبِي لَيْلَى أَرْضٌ بِالْفَوَّارَةِ فَكَانَ
يَدْفَعُهَا بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ فَيُرْسِلُنِي فَأُقَاسِمُهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ سَأَلْت
الزُّهْرِيَّ، عَنْ إعْطَاءِ الأَرْضِ بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ
فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ
إِلاَّ وَهُمْ يُعْطُونَ أَرْضَهُمْ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. وَمِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
(8/216)
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ
قَالَ: سَمِعْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ يَقُولُ: آلُ أَبِي بَكْرٍ، وَآلُ عُمَرَ، وَآلُ عَلِيٍّ
يَدْفَعُونَ أَرْضَهُمْ بِالثُّلُثِ، أَوْ الرُّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ
ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ
بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ
يَزِيدَ قَالَ كُنْت أُزَارِعُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَأَحْمِلُهُ
إلَى عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، فَلَوْ رَأَيَا بِهِ بَأْسًا
لَنَهَيَانِي عَنْهُ.
وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ يَزِيدَ،
وَمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ
أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَاخْتُلِفَ فِيهَا، عَنِ اللَّيْثِ، وَأَجَازَهَا أَحْمَدُ،
وَإِسْحَاقُ إِلاَّ أَنَّهُمَا قَالاَ: إنَّ الْبَذْرَ يَكُونُ مِنْ
عِنْدِ صَاحِبِ الأَرْضِ وَإِنَّمَا عَلَى الْعَامِلِ الْبَقَرُ،
وَالآلَةُ، وَالْعَمَلُ وَأَجَازَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ،
وَلَمْ يُبَالِ مَنْ جَعَلَ الْبَذْرَ مِنْهُمَا.
قال أبو محمد: فِي اشْتِرَاطِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى
أَهْلِ خَيْبَرَ أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ: بَيَانٌ أَنَّ
الْبَذْرَ وَالنَّفَقَةَ كُلُّهَا عَلَى الْعَامِلِ، وَلاَ يَجُوزُ
أَنْ يُشْتَرَطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ; لأََنَّ
كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ
بَاطِلٌ، فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الأَرْضِ بِأَنْ يُقْرِضَ
الْعَامِلَ الْبَذْرَ، أَوْ بَعْضَهُ أَوْ مَا يَبْتَاعُ بِهِ
الْبَقَرَ، أَوْ الآلَةَ، أَوْ مَا يَتَّسِعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ
فِي الْعَقْدِ فَهُوَ جَائِزٌ; لأََنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، وَالْقَرْضُ
أَجْرٌ وَبِرٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو
يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ عَلَى جَوَازِ
كِرَاءِ الأَرْضِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا، وَفِي الْمُزَارَعَةِ
فَأَجَازَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا حَاشَا مَالِكًا وَحْدَهُ كِرَاءَ
الأَرْضِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَبِالطَّعَامِ الْمُسَمَّى
كَيْلُهُ فِي الذِّمَّةِ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا
تَخْرُجُهُ تِلْكَ الأَرْضُ وَبِالْعُرُوضِ كُلِّهَا. وقال مالك
بِمِثْلِ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَ الأَرْضِ
بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ،
وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا: كَالْعَسَلِ، وَالْمِلْحِ،
وَالْمُرِّيِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَجَازَ كِرَاءَهَا بِالْخَشَبِ
وَالْحَطَبِ وَإِنْ كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ
نَعْرِفُهُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَمَا نَعْلَمُ
لِقَوْلِهِ هَذَا مُتَعَلَّقًا، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ
صَحِيحَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ،
وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يَعْنِي اسْتِثْنَاءَهُ
الْعَسَلَ، وَالْمِلْحَ، وَإِجَازَتَهُ الْخَشَبَ، وَالْحَطَبَ.
وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إعْطَاءَ الأَرْضِ بِجُزْءٍ
مُسَمًّى مِمَّا يُزْرَعُ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وقال مالك:
لاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا تُخْرِجُ
الأَرْضُ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ وَشَجَرٌ، فَيَكُونُ مِقْدَارُ
الْبَيَاضِ مِنْ الأَرْضِ ثُلُثَ مِقْدَارِ الْجَمِيعِ، وَيَكُونُ
السَّوَادُ مِقْدَارَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ
(8/217)
الْجَمِيعِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ تُعْطَى بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ
وَالنِّصْفِ عَلَى مَا يُعْطَى بِهِ ذَلِكَ السَّوَادُ. وقال الشافعي:
لاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا تُخْرِجُ
إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي خِلاَلِ الشَّجَرِ لاَ يُمْكِنُ سَقْيُهَا،
وَلاَ عَمَلُهَا إِلاَّ بِعَمَلِ الشَّجَرِ وَحَفْرِهَا وَسَقْيِهَا،
فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ إعْطَاؤُهَا بِثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ أَوْ نِصْفٍ
عَلَى مَا تُعْطَى بِهِ الشَّجَرُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد:
لاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ الأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ
مِنْهَا إِلاَّ أَنْ تُعْطَى هِيَ وَالشَّجَرُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ
فَيَجُوزُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ.
قال أبو محمد: حُجَّةُ جَمِيعِهِمْ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ نَهْيُ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إعْطَاءِ الأَرْضِ
بِالنِّصْفِ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ
قَالَ عَلِيٌّ: وَلَسْنَا نُخَارِجُهُمْ الآنَ فِي أَلْفَاظِ ذَلِكَ
الْحَدِيثِ بَلْ يَقُولُ: نَعَمْ، قَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى، عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ
أَوْ حَظٌّ، قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ
لِيُزْرِعْهَا، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ وَهَذَا نَهْيٌ،
عَنْ إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، لَكِنْ فِعْلُهُ
عليه السلام فِي خَيْبَرَ هُوَ النَّاسِخُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ.
فأما أَبُو حَنِيفَةَ فَخَالَفَ النَّاسِخَ وَأَخَذَ بِالْمَنْسُوخِ.
وَأَمَّا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ:
فَحَيَّرَهُمْ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَرْضِ
خَيْبَرَ فَأَخْرَجُوهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ وَكُلُّ تِلْكَ
الْوُجُوهِ تَحَكُّمٌ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَ مَالِكًا: مِنْ أَيْنَ
لَكُمْ تَحْدِيدُ الْبَيَاضِ بِالثُّلُثِ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي
شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ تَحْدِيدُ ثُلُثٍ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ،
وَمِثْلُ هَذَا فِي الدِّينِ لاَ يَجُوزُ. وَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا
تُرِيدُونَ بِالثُّلُثِ أَثُلُثَ الْمِسَاحَةِ أَوْ ثُلُثَ الْغَلَّةِ
أَمْ ثُلُثَ الْقِيمَةِ فَإِلَى أَيِّ وَجْهٍ مَالُوا مِنْ هَذِهِ
الْوُجُوهِ قِيلَ لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ هَذَا الْوَجْهَ
دُونَ غَيْرِهِ وَالْغَلَّةُ قَدْ تَقِلُّ وَتَكْثُرُ، وَالْقِيمَةُ
كَذَلِكَ وَأَمَّا الْمِسَاحَةُ فَقَدْ تَكُونُ مِسَاحَةً قَلِيلَةَ
أَعْظَمَ غَلَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ قِيمَةٍ مِنْ أَضْعَافِهَا. وَأَيْضًا:
فَإِنَّ خَيْبَرَ لَمْ تَكُنْ حَائِطًا وَاحِدًا، وَلاَ مَحْشَرًا
وَاحِدًا، وَلاَ قَرْيَةً وَاحِدَةَ، وَلاَ حِصْنًا وَاحِدًا، بَلْ
كَانَتْ حُصُونًا كَثِيرَةً بَاقِيَةً إلَى الْيَوْمِ لَمْ تَتَبَدَّلْ
مِنْهَا الْوَطِيحُ، وَالسَّلاَلِمُ، وَنَاعِمٌ، وَالْقُمُوصُ،
وَالْكَتِيبَةُ، وَالشَّقُّ، وَالنَّطَاةُ، وَغَيْرُهَا وَمَا الظَّنُّ
بِبَلَدٍ أَخَذَ فِيهِ الْقِسْمَةَ مِائَتَا فَارِسٍ وَأَضْعَافُهُمْ
مِنْ الرِّجَالِ فَتَمَوَّلُوا مِنْهَا وَصَارُوا أَصْحَابَ ضِيَاعٍ
فَمِنْ أَيْنَ لِمَالِكٍ تَحْدِيدُ الثُّلُثِ وَقَدْ كَانَ فِيهَا
بَيَاضٌ لاَ سَوَادَ فِيهِ، وَسَوَادٌ لاَ بَيَاضَ فِيهِ، وَبَيَاضُ
سَوَادٍ، فَمَا جَاءَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ تَخْصِيصُ مَا
خَصَّهُ. فَإِنْ قَالَ: قَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. قلنا: نَعَمْ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمْ
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثُّلُثَ قَلِيلاً بِخِلاَفِ الأَثَرِ ثُمَّ
يُقَالُ لَهُمْ وَلِلشَّافِعِيِّ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ
(8/218)
صلى الله
عليه وسلم إنَّمَا أَعْطَى أَرْضَ خَيْبَرَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ
مِنْهَا; لأََنَّهَا كَانَتْ تَبَعًا لِلسَّوَادِ؟ وَهَلْ يَعْلَمُ
هَذَا أَحَدٌ إِلاَّ مَنْ أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم بِذَلِكَ، عَنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَفْلَةٌ مِمَّنْ
قَالَهُ وَقَطْعٌ بِالظَّنِّ وَأَمَّا بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ
فَمَا هُوَ إِلاَّ الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم .
وَإِنَّمَا الْحَقُّ الْوَاضِحُ فَهُوَ أَنَّهُ عليه السلام أَعْطَى
أَرْضَهَا بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ وَأَعْطَى
نَخْلَهَا وَثِمَارَهَا كَذَلِكَ، فَنَحْنُ نَقُولُ: هَذَا سُنَّةٌ،
وَحَقٌّ أَبَدًا، وَلاَ نَزِيدُ، وَنَعْلَمُ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا
تَقَدَّمَهُ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
بِظَاهِرِهِمَا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِ
أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْعَجَبُ أَنَّ
بَعْضَهُمْ قَالَ: الْمُخَابَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ، فَدَلَّ
أَنَّهَا بَعْدَ خَيْبَرَ.
قال أبو محمد: وَلَوْ عَلِمَ هَذَا الْقَائِلُ قَبِيحَ مَا أَتَى بِهِ
لاَسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ، وَلَتَقَنَّعَ حَيَاءً مِنْهُ،
أَمَّا عِلْمُ الْجَاهِلِ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَ هَذَا اسْمَهَا قَبْلَ
مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ الْمُخَابَرَةَ
كَانَتْ تُسَمَّى بِهَذَا الأَسْمِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ إعْطَاءَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا
مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ كَانَ إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ عليه السلام،
وَاتَّصَلَ كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ عليه السلام فَكَيْف يَسُوغُ
لِذِي عَقْلٍ أَوْ دِينٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ نَهْيَهُ عليه السلام،
عَنِ الْمُخَابَرَةِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَرَى عَهْدَهُ عليه السلام
أَتَانَا مِنْ الآخِرَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ عليه السلام بِالنَّهْيِ
عَنْهَا أَمَّا هَذَا مِنْ السُّخْفِ، وَالتَّلَوُّثِ، وَالْعَارِ
مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ، وَيَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الْجُنُونِ
فَصَحَّ يَقِينًا كَالشَّمْسِ أَنَّ النَّهْيَ، عَنِ الْمُخَابَرَةِ
وَعَنْ إعْطَاءِ الأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَانَ قَبْلَ أَمْرِ
خَيْبَرَ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِلْكِرَاءِ بِحَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ
الضَّحَّاكِ "أَ نَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ
الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهَا
". وَبِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ،
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ
يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَانِ حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ:
سَأَلْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ إنَّمَا كَانَ النَّاسُ
يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى
الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنْ
الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا
وَيَهْلِكُ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلاَّ هَذَا
فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ فأما شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلاَ
بَأْسَ بِهِ، وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ، وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ
(8/219)
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرٌو هُوَ ابْنُ
دِينَارٍ: قُلْت لِطَاوُسٍ: لَوْ تُرِكَتْ الْمُخَابَرَةُ فَإِنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا فَمَا يَزْعُمُونَ
فَقَالَ لِي طَاوُوس: إنَّ أَعْلَمَهُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ
أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ عَنْهَا،
وَلَكِنْ قَالَ: لاََنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ
أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرْجًا مَعْلُومًا وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ
صَحِيحٌ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ إِسْحَاقَ،
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ، أَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِمِنْهُ، إنَّمَا
أَتَاهُ رَجُلاَنِ قَدْ اقْتَتَلاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم: إنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلاَ تُكْرُوا الْمَزَارِعَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا لَهُمْ: أَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ فَلاَ
يَصِحُّ، وَلَكِنَّا نُسَامِحُكُمْ فِيهِ فَنَقُولُ: هَبْكُمْ أَنَّهُ
قَدْ صَحَّ فَإِنَّ رَافِعًا لاَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ بِمِثْلِ
هَذَا، بَلْ نَقُولُ: صَدَقَ زَيْدٌ، وَصَدَقَ رَافِعٌ، وَكِلاَهُمَا
أَهْلُ الصِّدْقِ وَالثِّقَةِ، وَإِذْ حَفِظَ زَيْدٌ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتَ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ رَافِعٌ فَقَدْ سَمِعَ رَافِعٌ أَيْضًا
مَرَّةً أُخْرَى مَا لَمْ يَسْمَعْهُ زَيْدٌ، وَلَيْسَ زَيْدٌ
بِأَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ مِنْ رَافِعٍ، وَلاَ رَافِعٌ أَوْلَى
بِالتَّصْدِيقِ مِنْ زَيْدٍ، بَلْ كِلاَهُمَا صَادِقٌ. وَقَدْ رَوَى
النَّهْيَ، عَنِ الْكِرَاءِ جُمْلَةً لِلأَرْضِ: جَابِرٌ، وَأَبُو
هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ
أَجَلُّ مِنْ زَيْدٍ. ثم نقول لَهُمْ: إنْ غَلَّبْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ
عَلَى حَدِيثِ النَّهْيِ، عَنِ الْكِرَاءِ فَغَلِّبُوهُ عَلَى
النَّهْيِ، عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَلاَ فَرْقَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ
فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ; لأََنَّهُ يَقُولُ: لَمْ يَنْهَ عَنْهُ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ جَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ،
وَأَبُو سَعِيدٍ، وَابْنُ عُمَرَ: نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم فَكُلٌّ صَادِقٌ، وَكُلٌّ إنَّمَا أَخْبَرَ بِمَا
عِنْدَهُ. وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَسْمَع النَّهْيَ وَهَؤُلاَءِ
سَمِعُوهُ، فَمَنْ أَثْبَتَ أَوْلَى مِمَّنْ نَفَى، وَمَنْ قَالَ:
إنَّهُ عَلِمَ أَوْلَى مِمَّنْ قَالَ: لاَ أَعْلَمُ. وَأَمَّا خَبَرُ
حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ رَافِعٍ، فَاَلَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ
مِنْ كَلاَمِ رَافِعٍ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَمَّا شَيْءٌ مَضْمُونٌ
فَلاَ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ، عَنْ رَافِعٍ فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا
قَبْلُ، وَرَوَى عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ النَّهْيَ، عَنْ
كِرَائِهَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى فَلِمَ أَجَزْتُمُوهُ وَرِوَايَةُ
حَنْظَلَةَ، عَنْ رَافِعٍ شَدِيدَةُ الأَضْطِرَابِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ
فَالزَّائِدُ عِلْمًا أَوْلَى. وَقَدْ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ سَهْلِ
بْنِ رَافِعٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَنَافِعٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ،
وَأَبُو النَّجَاشِيِّ وَغَيْرُهُمْ: النَّهْيَ، عَنْ كَرْيِ الأَرْضِ
جُمْلَةً، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ
(8/220)
خِلاَفَ
مَا رَوَى عَنْهُ حَنْظَلَةُ، وَكُلُّهُمْ أَوْثَقُ مِنْ حَنْظَلَةَ
فَالزَّائِدُ أَوْلَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ
فَنَعَمْ، هُوَ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم
وَخَبَرُ الإِبَاحَةِ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ، وَخَبَرُ
النَّهْيِ زَائِدٌ، فَالزَّائِدُ أَوْلَى، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ
أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَهَى، عَنِ الْكِرَاءِ فَقَدْ
حَرَّمَ مَا كَانَ مُبَاحًا مِنْ ذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ يَحِلُّ
أَنْ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلظَّنِّ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الإِبَاحَةَ
الَّتِي قَدْ تَيَقَّنَّا بُطْلاَنَهَا قَدْ عَادَتْ فَهُوَ مُبْطِلٌ
وَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالدَّعْوَى
الْكَاذِبَةِ، وَلَيْسَ إِلاَّ تَغْلِيبُ النَّهْيِ، فَبَطَلَ
الْكِرَاءُ جُمْلَةً، وَالْمُخَابَرَةُ جُمْلَةً، أَوْ تَغْلِيبُ
الإِبَاحَةِ، فَيَثْبُتُ الْكِرَاءُ جُمْلَةً، وَالْمُخَابَرَةُ
جُمْلَةً، كَمَا يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَغَيْرُهُمَا.
وَأَمَّا التَّحَكُّمُ فِي تَغْلِيبِ النَّهْيِ فِي جِهَةٍ،
وَتَغْلِيبُ الإِبَاحَةِ فِي أُخْرَى بِلاَ بُرْهَانٍ فَتَحَكُّمُ
الصِّبْيَانِ، وَقَوْلٌ لاَ يَحِلُّ فِي الدِّينِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَإِنَّ مُقَلِّدِيهِ
احْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ أُسَيْدَ بْنِ ظُهَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ
الأَرْضِ قلنا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذًا نُكْرِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ
الْحَبِّ قَال: لاَ، قَالَ: نُكْرِيهَا بِالتِّبْنِ فَقَالَ: لاَ:
قَالَ: وَكُنَّا نُكْرِيهَا عَلَى الرَّبِيعِ السَّاقِي قَالَ: لاَ،
ازْرَعْهَا، أَوْ امْنَحْهَا أَخَاكَ .
وَبِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ، قَالَ رَافِعٌ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم أَنْ نَتَقَبَّلَ الأَرْضَ بِبَعْضِ خَرْجِهَا. وَبِمَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ: إنَّ
بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتَاهُمْ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم:" مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ
لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلاَ يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ، وَلاَ بِرُبُعٍ،
وَلاَ بِطَعَامٍ مُسَمًّى ". وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ
أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عِكْرِمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ
لَبِيبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الْمَزَارِعِ يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ
فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَكُونُ عَلَى
السَّوَاقِي مِنْ الزَّرْعِ فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم يَخْتَصِمُونَ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
أَنْ يُكْرُوا بِذَلِكَ وَقَالَ: أَكْرُوا بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ .
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ،
عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: أَرْخَصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم فِي كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ. وَمِنْ
طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ
أَنَّهُ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَّا نَقُولُ لِلَّذِي
نُخَابِرُهُ: لَك هَذِهِ الْقِطْعَةُ
(8/221)
وَلَنَا
هَذِهِ الْقِطْعَةُ نَزْرَعُهَا فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ
تُخْرِجْ هَذِهِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ
ذَلِكَ، فأما بِوَرِقٍ فَلَمْ يَنْهَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّمَا
يَزْرَعُ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا أَوْ
رَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُهَا أَوْ رَجُلٌ اسْتَكْرَى
أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ.
قال أبو محمد: أَمَّا الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فَسَنَدُهُ لَيْسَ
بِالنَّيِّرِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ لاَ
حُجَّةً لَهُمْ; لأََنَّ الَّذِي فِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم فَهُوَ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً، وَالْمَنْعُ
مِنْ غَيْرِ زَرِيعَتِهَا مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهَا، أَوْ مِنْ قِبَلِ
مَنْ مَنَحَهَا، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ
مُجَاهِدٍ، عَنْ رَافِعٍ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ
مِنْ رَافِعٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ
الأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَهُوَ خِلاَفٌ لِقَوْلِهِمْ
مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ كِرَائِهَا بِالْعَسَلِ،
وَالْمِلْحِ، وَلَيْسَا مِمَّا يَخْرُجَانِ مِنْهَا، وَيُجِيزُونَ
كِرَاءَهَا بِالْحَطَبِ، وَالْخَشَبِ، وَهُمَا مِنْ بَعْضِ مَا
يَخْرُجُ مِنْهَا، فَقَدْ خَالَفُوهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَزَادُوا فِيهِ
مَا لَيْسَ فِيهِ وَأَخْرَجُوا مِنْهُ مَا فِيهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ
الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ مِنْ بَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الأَرْضِ،
وَهُمْ يُجِيزُونَ الْكِرَاءَ بِهِمَا، وَبِالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ
وَكُلُّ ذَلِكَ خَارِجٌ مِنْهَا. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا مَنَعَ
النَّبِيُّ عليه السلام مِنْ كِرَائِهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْ تِلْكَ
الأَرْضِ بِعَيْنِهَا قلنا: هَاتُوا دَلِيلَكُمْ عَلَى هَذَا
التَّخْصِيصِ، وَإِلَّا فَلَفْظُ الْخَبَرِ عَلَى عُمُومِهِ، فَسَقَطَ
قَوْلُهُمْ جُمْلَةً فِي هَذَا الْخَبَرِ. ثُمَّ أَيْضًا فَنَحْنُ
نَقُولُ بِمَا فِيهِ ثُمَّ نَسْتَثْنِي مِنْهُ مَا صَحَّ نَسْخُهُ
بِيَقِينٍ مِنْ إعْطَائِنَا الأَرْضَ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا
مُسَمًّى، وَنَمْنَعُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا لاَ
لَهُمْ. وَأَمَّا خَبَرُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: فَعَلَيْهِمْ لاَ
لَهُمْ; لأََنَّ فِيهِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا فَقَطْ.
وَهَكَذَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي
زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَجُلاً
مِنْ عُمُومَتِهِ قَالَ لَهُمْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم أَنْ نُحَاقِلَ بِالأَرْضِ أَوْ نُكْرِيَهَا بِالثُّلُثِ
وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامُ مُسَمًّى، وَأَمَرَ رَبَّ الأَرْضِ أَنْ
يَزْرَعَهَا، أَوْ يُزْرِعَهَا، وَكَرِهَ كِرَاءَهَا، وَمَا سِوَى
ذَلِكَ.
وَأَمَّا خَبَرُ حَنْظَلَةَ عَنْ رَافِعٍ: فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ
مِنْ قَوْلِ رَافِعٍ يَعْنِي قَوْلَهُ: فأما بِوَرِقٍ فَلَمْ يَنْهَ
وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَافِعٍ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ رَافِعٍ
قَبْلُ مِنْ نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَبْطَلَ
كِرَاءَ أَرْضِ بَنِي أَبِيهِ بِالدَّرَاهِمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ
أَوْلَى لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ إلَى رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتِلْكَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى رَافِعٍ،
وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ غَيْرُ مُضْطَرَبٍ فِيهَا، وَتِلْكَ
مُضْطَرَبٍ فِيهَا
(8/222)
عَلَى
رَافِعٍ. وَثَالِثُهَا أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا عُمُومَ النَّهْيِ،
عَنْ رَافِعٍ: ابْنُ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ، وَعِمْرَانُ، وَعِيسَى
ابْنَا سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو
النَّجَاشِيِّ، وَكُلُّهُمْ أَوْثَقُ مِنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ
فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا خَبَرُ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَحَدُ طَرِيقَيْهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ وَهُوَ هَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
الْمَاجِشُونِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالأُُخْرَى مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ لَبِيبَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى
مَنْ هُوَ فَسَقَطَ التَّعْلِيقُ بِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ طَارِقٍ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ رَافِعٍ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ كَمَا
أَوْرَدْنَا، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ فَوَهَمَ فِيهِ، لأََنَّنَا
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَالْفَضْلِ بْنِ
دُكَيْنٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، كُلُّهُمْ، عَنْ أَبِي
الأَحْوَصِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَقَالَ:"
إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا،
أَوْ رَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنِحَ، أَوْ رَجُلٌ
اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ " فَكَانَ هَذَا الْكَلاَمُ
مَخْزُولاً، عَنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَظَنَّ
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ كَلاَمِ رَسُولٍ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم فَخَزَلَهُ وَأَبْقَى السَّنَدَ. وَقَدْ جَاءَ
هَذَا الْخَبَرُ، عَنْ طَارِقٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ
أَبِي الأَحْوَصِ مُبَيِّنًا أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ[وهو ابن ميمون]، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَارِقٍ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ
بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لاَ يَصْلُحُ مِنْ الزَّرْعِ غَيْرُ
ثَلاَثٍ، أَرْضٌ تَمْلِكُ رَقَبَتُهَا، أَوْ مِنْحَةٌ، أَوْ أَرْضٌ
بَيْضَاءُ تَسْتَأْجِرُهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ لأََنَّ
فِيهِ النَّهْيَ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ إِلاَّ بِذَهَبٍ، أَوْ
فِضَّةٍ، وَأَنْتُمْ تُبِيحُونَهَا بِكُلِّ عَرْضٍ فِي الْعَالَمِ
حَاشَا الطَّعَامَ، أَوْ مَا أَنْبَتَتْ الأَرْضُ فَقَدْ
خَالَفْتُمُوهَا كُلَّهَا. فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا مِنْ
الْقَائِلِينَ بِكِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، عَلَى
أَنَّ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
فَمَا يَبْعُدُ عَنْهُمْ التَّجَاسُرُ وَالْهُجُومُ عَلَى مِثْلِ
هَذَا: أَكْذَبُهُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ
الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
لاَ تُكْرَى الأَرْضُ الْبَيْضَاءُ إِلاَّ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ جَيِّدٌ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا عَدَاهُمَا قلنا: فَقِيسُوا إعْطَاءَهَا
بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ،
فَإِنْ قَالُوا:
(8/223)
قَدْ
صَحَّ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ قلنا: فَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ أَنْ
يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ، وَنَصَّ عليه السلام عَلَى أَنْ
لَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَزْرَعَهَا صَاحِبُهَا أَوْ يَمْنَحَهَا أَوْ
يُمْسِكَ أَرْضَهُ فَقَطْ. فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً،
وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ أَصْلاً، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ
لَمْ يَصِحَّ كِرَاءُ الأَرْضِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، عَنْ أَحَدٍ
مِنْ الصَّحَابَةِ إِلاَّ، عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّ عَنْ
رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُ ابْنِ
عُمَرَ عَنْهُ، وَصَحَّ عَنْ رَافِعٍ الْمَنْعُ مِنْهُ أَيْضًا.
قال أبو محمد: فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ تَغْلِيبُ الإِبَاحَةِ فِي
كِرَائِهَا بِكُلِّ عَرْضٍ وَكُلِّ شَيْءٍ مَضْمُونٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ
غَيْرِهِ، وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ كَمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقَّاصٍ وَأَبُو يُوسُفَ ; وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَغَيْرُهُمْ. أَوْ تَغْلِيبُ الْمَنْعِ
جُمْلَةً، كَمَا فَعَلَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَعَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ،
وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. أَوْ أَنْ
يُغَلَّبَ النَّهْيُ حَيْثُ لَمْ يُوقَنْ أَنَّهُ نُسِخَ وَيُؤْخَذُ
بِالنَّاسِخِ إذَا تُيُقِّنَ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ، وطَاوُوس،
وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ،
وَغَيْرُهُمْ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَنْ غَلَّبَ
الإِبَاحَةَ قَدْ أَخْطَأَ، لأََنَّ مَعْهُودَ الأَصْلِ فِي ذَلِكَ
هُوَ الإِبَاحَةُ عَلَى مَا رَوَى رَافِعٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم قَدِمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ
وَقَدْ كَانَتْ الْمَزَارِعُ بِلاَ شَكٍّ تُكْرَى قَبْلَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَ مَبْعَثِهِ، هَذَا أَمْرٌ لاَ
يُمْكِنُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ، ثُمَّ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ
جَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَرَافِعٍ، وَظُهَيْرٍ
الْبَدْرِيُّ وَآخَرَ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ، وَابْنِ عُمَرَ " نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ جُمْلَةً "
فَبَطَلَتْ الإِبَاحَةُ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ. فَمَنْ ادَّعَى
أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ رَجَعَ، وَأَنَّ يَقِينَ النَّسْخِ قَدْ
بَطَلَ، فَهُوَ كَاذِبٌ مُكَذِّبٌ، قَائِلٌ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ،
وَهَذَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى ذَلِكَ
بِبُرْهَانٍ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا، إِلاَّ فِي
إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ
قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ
بِخَيْبَرَ بَعْدَ النَّهْيِ بِأَعْوَامٍ، وَأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى
ذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ عليه السلام. فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ، عَنْ
ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ
بَاقٍ بِيَقِينٍ وَقَالَ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إلَيْهِمْ} فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُنْسَخَ حُكْمٌ قَدْ بَطَلَ
وَنُسِخَ ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا أَنَّهُ قَدْ
بَطَلَ، وَأَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ، وَإِلَّا فَكَأَنَّ الدِّينَ
غَيْرُ مُبَيَّنٍ وَهَذَا بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا.
(8/224)
التبين في المزارعة بين صاحب الأرض والعامل على ما تعامالا عليه
...
1331 - مَسْأَلَةٌ - وَالتِّبْنُ فِي الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ صَاحِبِ
الأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ عَلَى مَا تَعَامَلاَ عَلَيْهِ،
لأََنَّهُ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا.
(8/224)
إن تطوع صاحب الأرض بأن يسلف العامل بذرا أو دراهم أو يعينه بغير شرط
جاز ذلك
...
1332 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الأَرْضِ بِأَنْ
يُسَلِّفَ الْعَامِلَ بَذْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ يُعِينَهُ بِغَيْرِ
شَرْطٍ جَازَ;
لأََنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَعَاوُنٌ عَلَى بِرٍّ وَتَقْوَى، فَإِنْ
كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
(8/224)
إن اتفقا تطوعا على شيء يزرع في الأرض فحسن وإن لم يذكر شيئا فحسن
...
1333 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ اتَّفَقَا تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ
يُزْرَعُ فِي الأَرْضِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا شَيْئًا
فَحَسَنٌ،
لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ نَهَى، عَنْ ذِكْرِهِ، فَهُوَ مُبَاحٌ،
وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُزْرَعَ فِيهَا شَيْءٌ مَا فَلاَ بُدَّ مِنْ
ذِكْرِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي
الْعَقْدِ، فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ لأََنَّهُ لَيْسَ
فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ
صَاحِبُ الأَرْضِ أَنْ لاَ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِأَرْضِهِ
أَوْ شَجَرِهِ إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَجَرٌ فَهَذَا وَاجِبٌ، وَلاَ
بُدَّ، لأََنَّ خِلاَفَهُ فَسَادٌ وَإِهْلاَكٌ لِلْحَرْثِ. قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}. وَقَالَ
تَعَالَى {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاَللَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْفَسَادَ} . فَإِهْلاَكُ الْحَرْثِ بِغَيْرِ الْحَقِّ لاَ يَحِلُّ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ، فَهَذَا شَرْطٌ فِي كِتَابِ
اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ صَحِيحٌ لاَزِمٌ.
(8/225)
1334 -
مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَحِلُّ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ إلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى، لَكِنْ هَكَذَا مُطْلَقًا،
لأََنَّ هَكَذَا عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى
هَذَا مَضَى جَمِيعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَكَذَلِكَ
أَخْرَجَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه إذْ شَاءَ فِي آخِرِ خِلاَفَتِهِ،
فَكَانَ اشْتِرَاطُ مُدَّةٍ فِي ذَلِكَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ
اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَخِلاَفٌ لِعَمَلِهِ عليه السلام،
وَقَدْ قَالَ عليه السلام: " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ
أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ "; وَقَدْ قَالَ مُخَالِفُونَ بِذَلِكَ فِي
الْمُضَارَبَةِ.
(8/225)
إذا شاء صاحب الأرض أو العامل عليها ترك العمل فله ذلك وتبطل المعاملة
بموت أحدها
...
1335 - مَسْأَلَةٌ - وَأَيُّهُمَا شَاءَ تَرْكَ الْعَمَلِ فَلَهُ
ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَيُّهُمَا مَاتَ بَطَلَتْ الْمُعَامَلَةُ
لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ
إِلاَّ عَلَيْهَا} . فَإِنْ أَقَرَّ وَارِثُ صَاحِبِ الأَرْضِ
الْعَامِلَ وَرَضِيَ الْعَامِلُ، فَهُمَا عَلَى مَا تَرَاضَيَا
عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الأَرْضِ وَرَثَةَ الْعَامِلِ
بِرِضَاهُمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي
الله عنهم بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(8/225)
إذا أراد صاحب الأرض إخراج العامل بعد أن زرع أو أراد العامل الخروج
بعد أن زرع بموت أحدهما أو في حياتهما فجائز
...
1336 - مَسْأَلَةٌ - وَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الأَرْضِ إخْرَاجَ
الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ أَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ الْخُرُوجَ
بَعْدَ أَنْ زَرَعَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، أَوْ فِي حَيَاتِهِمَا
فَذَلِكَ جَائِزٌ،
وَعَلَى الْعَامِلِ خِدْمَةُ الزَّرْعِ كُلِّهِ، وَلاَ بُدَّ، وَعَلَى
وَرَثَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ مَبْلَغَ الأَنْتِفَاعِ بِهِ مِنْ
كِلَيْهِمَا; لأََنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَعَاقَدَا الْعَقْدَ
الصَّحِيحَ فَهُوَ لاَزِمٌ لأََنَّهُ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ صَحِيحٌ
لاَزِمٌ، وَعَقْدٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ. وَمَا عَدَاهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَإِفْسَادٌ
لِلْحَرْثِ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ.
(8/225)
إن أراد أحدهما ترك العمل وقد حرث وقلب وزبل ولم يزرع ذلك فجائز ويكلف
صاحب الأرض للعامل أجر مثله
...
1337 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَرْكَ الْعَمَلِ
وَقَدْ حَرَثَ، وَقَلَبَ، وَزَبَلَ، وَلَمْ يَزْرَعْ فَذَلِكَ جَائِزٌ،
وَيُكَلَّفُ صَاحِبُ الأَرْضِ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِهِ فِيمَا
عَمِلَ،
وَقِيمَةَ زِبْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ زِبْلاً مِثْلَهُ، إنْ
أَرَادَ صَاحِبُ الأَرْضِ إخْرَاجَهُ، لأََنَّهُ لَمْ تَتِمَّ
بَيْنَهُمَا الْمُزَارَعَةُ الَّتِي يَكُونُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا
مُلْغًى بِتَمَامِهَا، وَقَالَ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}
فَعَمَلُهُ حُرْمَةٌ، فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْتَصَّ
بِمِثْلِهَا، وَالزِّبْلُ مَالُهُ فَلاَ يُحْمَلُ إِلاَّ بِطِيبِ
نَفْسِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(8/226)
1338 -
مَسْأَلَةٌ - فَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْمَرِيدُ لِلْخُرُوجِ
فَلَهُ ذَلِكَ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ،
وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ زِبْلِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَإِلَّا
فَلاَ شَيْءَ لَهُ; لأََنَّهُ مُخْتَارٌ لِلْخُرُوجِ وَلَمْ يَتَعَدَّ
عَلَيْهِ صَاحِبُ الأَرْضِ فِي شَيْءٍ، وَلاَ مَنَعَهُ حَقًّا لَهُ
فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إتْمَامِ عَمَلِهِ وَتَمَامِ شَرْطِهِ
وَالْخُرُوجِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ ; لأََنَّهُ لَمْ
يَتَعَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(8/226)
من أصاب منهما ما تجب فيه الزكاة فعليه الزكاة ولا يحل اشتراطها من
أحدهما على الآخر
...
1339 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ أَصَابَ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ
الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ،
وَمَنْ قَصُرَ نُصِيبُهُ، عَنْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ
عَلَيْهِ. وَلاَ يَحِلُّ اشْتِرَاطُ الزَّكَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى
الآخَرِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ
إِلاَّ عَلَيْهَا}، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَلِكُلِّ
أَحَدٍ حُكْمُهُ. وَاشْتِرَاطُ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ، عَنْ نَفْسِهِ
وَوَضْعِهَا عَلَى غَيْرِهِ شَرْطٌ لِلشَّيْطَانِ وَمُخَالَفَةٌ
لِلَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَحِلُّ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَا
يُرِيدَانِ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ الْمَلْعُونِ،
وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَا يَتَعَاقَدَانِ عَلَى أَنَّ لأََحَدِهِمَا
أَرْبَعَةَ أَعْشَارِ الزَّرْعِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ،
أَوْ نَحْوَ هَذَا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ.
(8/226)
إذا وقعت المعاملة فاسدة رد إلى المزارعة مثل تلك الأرض فيما يزرع
...
1340 - مَسْأَلَةٌ - وَإِذَا وَقَعَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً،
رَدَّ إلَى مُزَارِعِهِ مِثْلَ تِلْكَ الأَرْضِ فِيمَا زَرَعَ فِيهَا
سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَعَاقَدَ أَوْ أَقَلَّ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ فِي الأَرْضِ أَخْذُ أَجْرٍ،
وَلاَ حَظٍّ إِلاَّ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مُسَمًّى بِمَا
يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ
حَقُّ الأَرْضِ فَلاَ تَجُوزُ إبَاحَةُ الأَرْضِ وَمَا أَخْرَجَتْ
لِلْعَامِلِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِ الأَرْضِ، لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ،
وَلاَ يَجُوزُ إبَاحَةُ بَذْرِ الْعَامِلِ وَعَمَلِهِ لِصَاحِبِ
الأَرْضِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَيُرَدَّانِ إلَى
مِثْلِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ
تَعَالَى مِنْهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}
. فَالأَرْضُ حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ مِنْ مَالِ صَاحِبِهَا،
وَبَشَرَتِهِ، فَلَهُ وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ حَقِّ
مِثْلِهَا مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعَامَلَةِ
فِيهَا وَبَذْرُ الزَّارِعِ وَعَمَلُهُ حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ
(8/226)
المغارسة
من دفع أرضا له بيضاء إلى إنسان ليغرسها له
لم يجز ذلك إلا بأحد وجهين
...
المغارسة
1341 – مَسْأَلَةٌ - مَنْ دَفَعَ أَرْضًا لَهُ بَيْضَاءَ إلَى إنْسَانٍ
لِيَغْرِسَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إِلاَّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ
إمَّا بِأَنْ تَكُونَ النُّقُولُ أَوْ الأَوْتَادُ أَوْ النَّوَى أَوْ
الْقُضْبَانُ لِصَاحِبِ الأَرْضِ فَقَطْ، فَيَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ
لِغَرْسِهَا وَخِدْمَتِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا مُدَّةً مُسَمَّاةً،
وَلاَ بُدَّ بِشَيْءٍ مُسَمًّى، أَوْ بِقِطْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ
مُسَمَّاةً مَحُوزَةً، أَوْ مَنْسُوبَةَ الْقَدْرِ مُشَاعَةً فِي
جَمِيعِهَا، فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ بِعَمَلِهِ فِي كُلِّ مَا
يَمْضِي مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ مَا يُقَابِلُهَا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ
بِهِ، فَهَذِهِ إجَارَةٌ كَسَائِرِ الإِجَارَاتِ. وَأَمَّا بِأَنْ
يَقُومَ الْعَامِلُ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَبِغَرْسِهِ وَبِخَدَمِهِ
وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا تَعَامَلاَ عَلَيْهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ
ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ جُزْءٍ مُسَمًّى كَذَلِكَ، وَلاَ حَقَّ لَهُ
فِي الأَرْضِ أَصْلاً فَهَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ
يَجُوزُ إِلاَّ مُطْلَقًا لاَ إلَى مُدَّةٍ أَصْلاً وَحُكْمُهُ فِي
كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي
كُلِّ شَيْءٍ لاَ تُحَشْ مِنْهَا شَيْئًا.
(8/227)
1342 -
مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ الْخُرُوجَ قَبْلَ أَنْ
يَنْتَفِعَ فِيمَا غَرَسَ بِشَيْءٍ، وَقَبْلَ أَنْ تُنْمَى لَهُ فَلَهُ
ذَلِكَ، وَيَأْخُذُ كُلَّ مَا غَرَسَ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الأَرْضِ; لأََنَّهُ لَمْ
يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى انْتَفَعَ وَنَمَا
مَا غَرَسَ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ; لأََنَّهُ
قَدْ انْتَفَعَ بِالأَرْضِ فَعَلَيْهِ حَقُّهَا، وَحَقُّهَا هُوَ مَا
تَعَاقَدَا عَلَيْهِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي
"الْمُزَارَعَةِ" مِنْ إعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يُعْمِلُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ وَلَهُمْ نِصْفُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ
أَوْ ثَمَرٍ وَنِصْفُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، هَكَذَا مُطْلَقًا.
وَكَذَلِكَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
" أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ لِلْيَهُودِ
عَلَى أَنَّ لَهُمْ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَيْءٍ ".
وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَا خَرَجَ مِنْهَا بِعَمَلِهِ مِنْ شَجَرٍ
أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْعَمَلِ
بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ غَرْسٍ أَوْ
زَرْعٍ أَوْ عِمَارَةِ شَجَرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي تَمْيِيزٍ أَنَّ خَيْبَرَ وَفِيهَا
نَحْوُ أَلْفَيْ عَامِلٍ وَيُصَابُ فِيهَا نَحْوُ ثَمَانِينَ أَلْفَ
وَسْقِ تَمْرٍ وَبَقِيَتْ بِأَيْدِيهِمْ أَزْيَدَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ
عَامًا: أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ
(8/227)
من عقد مزارعة أو معاملة في شجر أو مغرسة فزرع العامل وعمل في الشجر
وغرس ثم انتقل ملك الأرض أو الشجر إلى غير المعاقد بميراث أوهبة أو غير
ذلك فالزرع ظهر أو لم يظهر فللزارع
...
1343 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ عَقَدَ مُزَارَعَةً أَوْ مُعَامَلَةً فِي
شَجَرٍ أَوْ مُغَارَسَةً، فَزَرَعَ الْعَامِلُ وَعَمِلَ فِي الشَّجَرِ
وَغَرَسَ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِلْكُ الأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ إلَى غَيْرِ
الْمُعَاقِدِ بِمِيرَاثٍ أَوْ بِهِبَةٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ
بِإِصْدَاقٍ أَوْ بِبَيْعٍ: فأما الزَّرْعُ: ظَهَرَ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ
فَهُوَ كُلُّهُ لِلزَّارِعِ وَاَلَّذِي كَانَتْ الأَرْضُ لَهُ عَلَى
شَرْطِهِمَا،
وَلِلَّذِي انْتَقَلَ مِلْكُ الأَرْضِ إلَيْهِ أَخْذُهُمَا بِقَطْعِهِ
أَوْ قَلْعِهِ فِي أَوَّلِ إمْكَانِ الأَنْتِفَاعِ بِهِ، لاَ قَبْلَ
ذَلِكَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَزْرَعْ إِلاَّ بِحَقٍّ وَالزَّرْعُ بِلاَ
خِلاَفٍ هُوَ غَيْرُ الأَرْضِ الَّتِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَى غَيْرِ
مَالِكِهَا الأَوَّلِ. وَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ فِي الشَّجَرِ بِبَعْضِ
مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَهُوَ مَا لَمْ يَخْرُجْ غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ
لأََحَدٍ، فَإِذَا خَرَجَ فَهُوَ لِمَنْ الشَّجَرُ لَهُ، فَإِنْ
أَرَادَ إبْقَاءَ الْعَامِلِ عَلَى مُعَامَلَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ،
وَإِنْ أَرَادَ تَجْدِيدَ مُعَامَلَةٍ فَلَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ
أَرَادَ إخْرَاجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَلِلْعَامِلِ عَلَى الَّذِي كَانَ
الْمِلْكُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ ; لأََنَّهُ عَمِلَ فِي
مِلْكِهِ بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا الْغَرْسُ: فَلِلَّذِي انْتَقَلَ
الْمِلْكُ إلَيْهِ إقْرَارُهُ عَلَى تِلْكَ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ أَنْ
يَتَّفِقَا عَلَى تَجْدِيدِ أُخْرَى، فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ فَلَهُ
ذَلِكَ، وَلِلْغَارِسِ قَلْعُ حِصَّتِهِ مِمَّا غَرَسَ، كَمَا لَوْ
أَخْرَجَهُ الَّذِي كَانَ عَامِلُهُ أَوَّلاً، عَلَى مَا ذَكَرْنَا
قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا انْتَقَلَ
الْمِلْكُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَالثَّمَرَةُ بَيْنَ
الْعَامِلِ وَبَيْنَ الَّذِي
(8/228)
كَانَ
الْمِلْكُ لَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا لاَ شَيْءَ فِيهَا لِلَّذِي
انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
تَمَّ "كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ، وَالْمُغَارَسَةِ" وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ
(8/229)
|