المحلى
بالآثار شرح المجلى بالإختصار
كتاب الكتابة
من كان له مملوك مسلم أو مسلمة فدعا أو دعت
الى الكتابة ففرض على السيد الاجابة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا
كِتَابُ الْكِتَابَةِ
1685 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ أَوْ
مُسْلِمَةٌ فَدَعَا أَوْ دَعَتْ إلَى الْكِتَابَةِ فُرِضَ عَلَى
السَّيِّدِ الإِجَابَةُ إلَى ذَلِكَ وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى
ذَلِكَ بِمَا يُدْرَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ الْعَبْدَ أَوْ الأَمَةَ
يُطِيقُهُ مِمَّا لاَ حَيْفَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ، لَكِنْ مِمَّا
يُكَاتَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُمَا، وَلاَ يَجُوزُ كِتَابَةُ عَبْدٍ
كَافِرٍ أَصْلاً.
برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ
الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي
آتَاكُمْ} وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَيْرِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
الْمَالُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الدِّينُ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ
فَوَجَدْنَا مَوْضُوعَ كَلاَمِ الْعَرَبِ الَّذِي بِهِ نَزَلَ
الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} أَنَّهُ
تَعَالَى لَوْ أَرَادَ الْمَالَ لَقَالَ: إنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ
خَيْرًا، أَوْ عِنْدَهُمْ خَيْرًا، أَوْ مَعَهُمْ خَيْرًا، لأََنَّ
بِهَذِهِ الْحُرُوفِ يُضَافُ الْمَالُ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ فِي لُغَةِ
الْعَرَبِ، وَلاَ يُقَالُ أَصْلاً فِي فُلاَنٍ مَالٌ، فَلَمَّا قَالَ
تَعَالَى: {إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} عَلِمْنَا أَنَّهُ
تَعَالَى لَمْ يَرِدْ " الْمَالَ ".فَصَحَّ أَنَّهُ " الدِّينُ "،
وَلاَ خَيْرَ فِي دِينِ الْكَافِرِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى أَدِيمِ
الأَرْضِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِ الْخَيْرَ بِقَوْلِهِ: لاَ
إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ لاَ دِينَ
إِلاَّ الإِسْلاَمُ وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْخَيْرِ
وَكُلُّ خَيْرٍ بَعْدَ هَذَا فَتَابِعٌ لِهَذَا وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ،
عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ
أَأُكَاتِبُ وَلَيْسَ لِي مَالٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: نَعَمْ.فَصَحَّ
أَنَّ الْخَيْرَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ " الْمَالَ ". وَمِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ: إنْ
أَقَامُوا الصَّلاَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ، عَنِ
الْحَسَنِ [ فِي هَذِهِ الآيَةِ ] قَالَ: إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
خَيْرًا قَالَ: دِينٌ وَأَمَانَةٌوَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ،عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ:
الإِسْلاَمُ وَالْوَفَاءُ وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
الْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وطَاوُوس، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي
رَزِينٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كِلاَ الأَمْرَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَخِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ
قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلاَّ أَنَّهُ نَاقَضَ فِي مَسَائِلِهِ.وَأَمَّا
الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ: فَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ[ تَعَالَى
عِنْدَهُمْ ] هَاهُنَا مُلْغًى، لاَ مَعْنَى لَهُ فَسُبْحَانَ مَنْ
جَعَلَ شَرْطَهُ عِنْدَهُمْ ضَائِعًا، وَشُرُوطَهُمْ الْفَاسِدَةَ
عِنْدَهُمْ لاَزِمَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُبِيحُونَ كِتَابَةَ
(9/222)
الْكَافِرِ الَّذِي لاَ مَالَ لَهُ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ خَارِجٌ، عَنِ
الآيَةِ، لأََنَّهُ لاَ خَيْرَ فِيهِ أَصْلاً وَخَارِجٌ عَنْ قَوْلِ
كُلِّ مَنْ سَلَفَ وَهَذَا مِمَّا فَارَقُوا فِيهِ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ
قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.
وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَااحْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ قَالَ:
قِسْنَا مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ عَلَى مَنْ فِيهِ خَيْرٌ. قَالَ
عَلِيٌّ: فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا
قَالُوا بِالْقِيَاسِ فِيمَا يُشْبِهُ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لاَ فِيمَا
لاَ يُشْبِهُهُ وَهَلَّا قَاسُوا مَنْ يَسْتَطِيعُ " الطَّوْلَ " فِي
نِكَاحِ الأَمَةِ عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُهُ وَهَلَّا قَاسُوا بِهِ
غَيْرَ السَّائِمَةِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى السَّائِمَةِ وَهَلَّا
قَاسُوا غَيْرَ السَّارِقِ عَلَى السَّارِقِ، وَغَيْرَ الْقَاتِلِ
عَلَى الْقَاتِلِ وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ لاَ نَظِيرَ لَهَا. وقال بعضهم:
لَمْ يَذْكُرْ فِي الآيَةِ إِلاَّ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ، وَبَقِيَ حُكْمُ
مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ، فَأَجَزْنَا كِتَابَتَهُ بِالأَخْبَارِ الَّتِي
فِيهَا ذِكْرُ الْكِتَابَةِ جُمْلَةً.فَقُلْنَا لَهُمْ: فَأَبِيحُوا
بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ أَكْلَ كُلِّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لقوله تعالى:
{كُلُوا وَاشْرَبُوا} وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:
"كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ"
وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا كِتَابَةَ الْمَجْنُونِ، وَالصَّغِيرِ
بِعُمُومِ تِلْكَ الأَحَادِيثِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ
مُكَاتَبًا إِلاَّ مَنْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبَتَهُ أَوْ
أَمَرَ بِهَا, وَأَيْضًا فَلَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم أَثَرٌ قَطُّ فِي الْمُكَاتَبِ إِلاَّ وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ
مُسْلِمٌ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُكَاتَبَةِ وَبِكُلِّ مَا
أَمَرَ بِهِ فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ اللَّهُ
تَعَالَى افْعَلْ أَمْرًا كَذَا، فَيَقُولُ هُوَ: لاَ أَفْعَلُ إِلاَّ
أَنْ يَقُولَ لَهُ تَعَالَى: إنْ شِئْت فَافْعَلْ وَإِلَّا
فَلاَ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ
سِيرِينَ سَأَلَهُ الْمُكَاتَبَةَ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاَللَّهِ لَتُكَاتِبْنَهُ، وَتَنَاوَلَهُ
بِالدِّرَّةِ فَكَاتَبَهُ.وبه إلى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت
لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إذَا عَلِمْت لَهُ مَالاً أَنْ
أُكَاتِبَهُ قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا، قَالَ ابْنُ
جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ ابْنُ
جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْكِتَابَةَ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ
فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَهُ
فَقَالَ عُمَرُ لأََنَسٍ: كَاتِبْهُ فَأَبَى، فَضَرَبَهُ عُمَرُ
بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: {كَاتِبْهُ وَيَتْلُو فَكَاتِبُوهُمْ إنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ.وبه إلى ابْنِ
الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ
عَبْدٍ كَانَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ
أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِالزُّبَيْرِ فَدَخَلَ مَعَهُ عَلَى عُثْمَانَ،
فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
فُلاَنٌ كَاتَبَهُ فَقَطَّبَ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ. وَلَوْلاَ أَنَّهُ
فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْت ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَبَرَ,
وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ
(9/223)
رَاهْوَيْهِ: مُكَاتَبَتُهُ وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا وَأَخْشَى أَنْ
يَأْثَمَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلاَ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى
ذَلِكَ وَبِإِيجَابِ ذَلِكَ، وَجَبْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ يَقُولُ
أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا. فَهَذَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ
يَرَيَانِهَا وَاجِبَةً وَيُجْبِرُ عُمَرُ عَلَيْهَا وَيَضْرِبُ فِي
الأَمْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ وَالزُّبَيْرِ يَسْمَعُ حَمَلَ عُثْمَانُ
الآيَةَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ لَمَّا ذُكِّرَ بِالآيَةِ سَارَعَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى
الْمُكَاتَبَةِ وَتَرَكَ امْتِنَاعَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ
فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَخَالَفَ
ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ
فَقَالُوا: لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِتَشْغِيبَاتٍ
مِنْهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى النَّدْبِ
مِثْلَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {فَإِذَا قُضِيَتْ
الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ
فِيهِ، لأََنَّهُ لَوْلاَ نُصُوصٌ أُخَرُ جَاءَتْ لَكَانَ هَذَانِ
الأَمْرَانِ فَرْضًا، لَكِنْ لَمَّا حَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم مِنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَلَمْ يَصْطَدْ صَارَ الأَمْرُ
بِذَلِكَ نَدْبًا وَلَمَّا حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
عَلَى الْقُعُودِ فِي مَوْضِعِ الصَّلاَةِ وَرَغَّبَ فِي ذَلِكَ كَانَ
الأَنْتِشَارُ نَدْبًا. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ نَصٌّ يُبَيِّنُ أَنَّ
الأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ نَدْبٌ صِرْنَا إلَيْهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ
كَذَبَ مُحَرِّفُ الْقُرْآنِ، عَنْ مَوْضِعِ كَلِمَاتِهِ، وَلَيْسَ
إذَا وُجِدَ أَمْرٌ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ
كُلُّ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا أَوْ مَخْصُوصًا. وَقَالُوا:
لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ
الْكِتَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّ الأَمْرَ بِهَا نَدْبٌ.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ نَعَمْ وَلَهُ بَيْعُهُ
وَإِنْ كَاتَبَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ وَلَهُ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ
مَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِالأَدَاءِ. وَهُمْ
يَقُولُونَ فِيمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ إنْ قَدِمَ أَبُوهُ أَنَّ
لَهُ بَيْعَهُ مَا لَمْ يَقْدَمْ أَبُوهُ وَفِي ذَلِكَ بُطْلاَنُ
نَذْرِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ لَوْ لَمْ أَبِعْهُ.
وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الأُُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى
عَقْدٍ فِيمَا يَمْلِكُ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا ؟ وَلاَ وَجَدْتُمْ
قَطُّ فِي الأُُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى الأَمْتِنَاعِ مِنْ
بَيْعِ أَمَتِهِ، وَتَخْرُجُ حُرَّةً مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ مَاتَ
وَقَدْ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ. وَلاَ وَجَدْتُمْ قَطُّ
صَوْمَ شَهْرٍ مُفْرَدٍ إِلاَّ رَمَضَانَ فَأَبْطَلُوا صَوْمَهُ
بِذَلِكَ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ: لاَ آخُذُ بِشَرِيعَةٍ
حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرًا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لاَ آخُذُ بِهَا
حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرَيْنِ. وَقَدْ وَجَدْنَا الْمُفْلِسَ
يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ وَوَجَدْنَا
الشَّفِيعَ يُجْبِرُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى تَصْيِيرِ مِلْكِهِ إلَيْهِ,
وَقَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى السَّيِّدِ إذَا طَلَبَهُ
الْعَبْدُ لَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ
إذَا طَلَبَهُ السَّيِّدُ وَهَذَا أَسْخَفُ مَا أَتَوْا بِهِ لأََنَّ
النَّصَّ جَاءَ بِذَلِكَ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، وَلَمْ يَأْتِ
بِهَا إذَا طَلَبَهَا السَّيِّدُ فَإِنْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ
قِيَاسًا صَحِيحًا فَلْيَقُولُوا: إنَّهُ لَمَّا كَانَ الزَّوْجُ إذَا
أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا
فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ طَلاَقَهُ أَنْ
(9/224)
يَكُونَ
لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهُ وَلَمَّا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ
وَإِنْ كَرِهَ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا إلْزَامُهُ
إيَّاهُ وَإِنْ كَرِهَ الشَّفِيعُ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ سَخِرَ
الشَّيْطَانُ بِهِمْ فِيهَا، وَشَوَاذُّ سَبَّبَ لَهُمْ مِثْلَ هَذِهِ
الْمَضَاحِكِ فِي الدِّينِ، فَاتَّبَعُوهُ عَلَيْهَا وَلاَ نَدْرِي
بِأَيِّ نَصٍّ أَمْ بِأَيِّ عَقْلٍ وَجَبَ هَذَا الَّذِي يَهْذِرُونَ
بِهِ وَقَالُوا: كَانَ الأَصْلُ أَنْ لاَ تَجُوزَ الْكِتَابَةُ
لأََنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَسَبِيلُهُ إذْ جَاءَ
بِهِ نَصٌّ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا، لأََنَّهُ إطْلاَقٌ مِنْ حَظْرٍ
فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ بَلْ الأَصْلُ لأََنَّهُ لاَ يَلْزَمُ شَيْءٌ
مِنْ الشَّرِيعَةِ وَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ حَتَّى يَأْمُرَ
اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَبِيلُهُ
أَنْ يَكُونَ فَرْضًا يَعْصِي مَنْ أَبَى قَبُولَهُ هَذَا هُوَ
الْحَقُّ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ الْعُقُولُ فِيهِ وَمَا جَاءَ قَطُّ
نَصٌّ وَلاَ مَعْقُولٌ بِأَنَّ الأَمْرَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ لاَ
يَكُونُ إِلاَّ نَدْبًا بَلْ قَدْ كَانَتْ الصَّلاَةُ إلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ فَرْضًا وَإِلَى الْكَعْبَةِ مَحْظُورَةً مُحَرَّمَةً،
ثُمَّ جَاءَ الأَمْرُ بِالصَّلاَةِ إلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ،
فَكَانَ فَرْضًا وَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ إذَا طَلَبَهَا
الْعَبْدُ فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا وَإِنْ
أَرَادَهَا الْعَبْدُ بِدِرْهَمٍ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لأََنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِإِجَابَةِ الْعَبْدِ إلَى مَا
أَرَادَ أَنْ يُكَاتَبَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِجَابَتِهِ إلَى
الْكِتَابَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُكَاتَبَةَ مُجْمَلَةً بَيْنَ
السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ لأََنَّ قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ فِعْلٌ
مِنْ فَاعِلَيْنِ} وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا
إِلاَّ وُسْعَهَا} فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُكَلِّفَ الْعَبْدَ مَا لَيْسَ
فِي وُسْعِهِ. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ
إضَاعَةِ الْمَالِ، فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُكَلِّفَ السَّيِّدَ إضَاعَةَ
مَالِهِ. وَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنَّ اللَّازِمَ لَهُمَا
مَا أَطَاقَهُ الْعَبْدُ بِلاَ حَرَجٍ وَمَا لاَ غَبْنَ فِيهِ عَلَى
السَّيِّدِ وَلاَ إضَاعَةَ لِمَالِهِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ
لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفَ عَبْدِهِ الْخَرَاجَ وَإِجْبَارَهُ عَلَيْهِ
وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُجِيزًا أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ
ذَلِكَ مَا لاَ يُطِيقُ وَلاَ إجَابَةُ الْعَبْدِ إلَى أَدَاءِ مَا لاَ
يَرْضَى السَّيِّدُ بِهِ مِمَّا هُوَ قَادِرٌ بِلاَ مَشَقَّةٍ عَلَى
أَكْثَرَ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْكِتَابَةِ بِعَيْنِهِ
وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَذْكُرْ صَدَاقًا، فَإِنَّهُ
يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ،
وَلاَ تُعْطَى بِرَأْيِهَا وَلاَ يُعْطِي هُوَ بِرَأْيِهِ. وَقَدْ
رَأَى الْحَنَفِيُّونَ الأَسْتِسْعَاءَ وَالْقَضَاءَ بِهِ وَاجِبًا
فَهَلاَّ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ
فَقَالُوا: إنْ قَالَ الْعَبْدُ: لاَ أُؤَدِّي إِلاَّ دِرْهَمًا فِي
سِتِّينَ سَنَةٍ وَقَالَ الْمُسْتَسْعَى لَهُ: "لاَ تُؤَدِّي إِلاَّ
مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ يَوْمِهِ", وَقَدْ أَوْجَبَ
الْمَالِكِيُّونَ الْخَرَاجَ عَلَى الأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ فَرْضًا
لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ، ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنُوا مَا هُوَ، وَلاَ
مِقْدَارَهُ. وَكَمْ قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا الشَّافِعِيُّونَ بِإِيجَابِ
فَرْضٍ حَيْثُ لاَ يَحُدُّونَ مِقْدَارَهُ، كَقَوْلِهِمْ: الصَّلاَةُ
تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلاَ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ
الْيَسِيرِ، فَهَذَا فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَوْجَبُوا الْمُتْعَةَ
فَرْضًا ثُمَّ لَمْ يَحُدُّوا فِيهَا حَدًّا، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ
كَثِيرٌ جِدًّا فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/225)
والكتابة جائزة على المال
...
1686 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ عَلَى مَالٍ جَائِزٍ
تَمَلُّكُهُ، وَعَلَى عَمَلٍ فِيهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَإِلَى
غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ حَالًّا أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَعَلَى
نَجْمٍ وَنَجْمَيْنِ وَأَكْثَرَ. وَكُنَّا قَبْلُ نَقُولُ: لاَ تَجُوزُ
إِلاَّ عَلَى نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا حَتَّى وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
مُفَرِّجٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ
حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، هُوَ ابْنُ
النُّعْمَانَ الظَّفَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيثًا
طَوِيلاً، وَفِيهِ فَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ
فَابْتَاعَنِي، ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرًا وَفِيهِ: فَأَسْلَمْتُ
وَشَغَلَنِي الرِّقُّ حَتَّى فَاتَتْنِي بَدْرٌ، ثُمَّ قَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَاتِبْ فَسَأَلْتُ صَاحِبِي
ذَلِكَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أُحْيِيَ
لَهُ ثَلاَثَمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ
فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ
لِي: اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَلاَ
تَضَعْهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَتُؤْذِنَنِي فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي
أَضَعُهَا بِيَدِي قَالَ: فَقُمْت بِتَفْقِيرِي وَأَعَانَنِي
أَصْحَابِي حَتَّى فَقَرْتُ لَهَا سَرَبَهَا ثَلاَثَمِائَةِ سَرْبَةٍ،
وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي بِهِ مِنْ النَّخْلِ، ثُمَّ
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَضَعُهُ بِيَدِهِ
وَيُسَوِّي عَلَيْهَا تُرَابَهَا وَيُبَرِّكُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا،
فَوَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَةٌ،
وَبَقِيَتْ الذَّهَبُ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ
أَصَابَهَا مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: مَا
فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمِسْكِينُ الْمُكَاتَبُ اُدْعُوهُ لِي
فَدُعِيتُ فَجِئْتُ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ فَأَدِّهَا بِمَا
عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ مَا
عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ قَالَ: فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ
وَزَنْتُ لَهُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً حَتَّى أَوْفَيْتُهُ
الَّذِي عَلَيَّ، قَالَ: فَأُعْتِقَ سَلْمَانُ، وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ،
وَبَقِيَّةَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال
الشافعي: "لاَ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ إِلاَّ عَلَى نَجْمَيْنِ
لِلأَتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِهَا كَذَلِكَ".
قال أبو محمد: "لاَ حَظَّ لِلنَّظَرِ مَعَ صِحَّةِ الْخَبَرِ", فإن
قيل: لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ
فَهُوَ حُرٌّ وَهَذَا سَلْمَانُ أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ وَلَمْ
يُعْتَقْ بِذَلِكَ قلنا: لَمْ نَقُلْ بِهَذَا إِلاَّ لِعِتْقِ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ
عَبِيدِ أَهْلِ الطَّائِفِ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَنْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}
وَالطَّائِفُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِدَهْرٍ وَقِصَّةُ سَلْمَانَ
مُوَافِقَةٌ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ فَصَحَّ بِنُزُولِ الآيَةِ نَسْخُ
جَوَازِ تَمَلُّكِ الْكَافِرِ لِلْمُؤْمِنِ وَبَقِيَ سَائِرُ الْخَبَرِ
عَلَى مَا فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/226)
1687 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكٍ لَمْ يَبْلُغْ، لأََنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ
عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "كِتَابَتُهُ
جَائِزَةٌ"، وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ
عَبْدَ غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ
نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَلاَ يَجُوزُ عَمَلُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ
إِلاَّ حَيْثُ أَجَازَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَلاَ تَجُوزُ
كِتَابَةُ الْوَصِيِّ غُلاَمَ يَتِيمِهِ وَلاَ مُكَاتَبَةُ الأَبِ
غُلاَمَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لأََنَّهُ غَيْرُ الْمُخَاطَبِ فِي الآيَةِ
وَلأََنَّهُ لَيْسَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ إذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِ
كَسْبِهِ بِغَيْرِ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ.
(9/227)
1688 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا، فَإِذَا
أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَقَدْ شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقَ
وَالْحُرِّيَّةَ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَبَقِيَ سَائِرُهُ مَمْلُوكًا،
وَكَانَ لِمَا عَتَقَ مِنْهُ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحُدُودِ
وَالْمَوَارِيثِ، وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ
مِنْهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ فِي الدِّيَاتِ، وَالْمَوَارِيثِ
وَالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَتِمَّ
عِتْقُهُ بِتَمَامِ أَدَائِهِ. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ
بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
عَنْ قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ
خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ
أَيُّوبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كِلاَهُمَا عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "الْمُكَاتَبُ
يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ
بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ
مِنْهُ".
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ
الصَّوَّافُ هُوَ ابْنُ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَضَى رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُكَاتَبِ يَقْتُلُ يُودِي مَا
أَدَّى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِيَةَ الْحُرِّ، وَمِمَّا بَقِيَ دِيَةَ
الْمَمْلُوكِ.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمٍ الْبَلْخِيّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ
الدَّسْتُوَائِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ مُعَاذٌ وَالنَّضْرُ كِلاَهُمَا
يَقُولُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا
عَتَقَ مِنْهُ دِيَةَ الْحُرِّ وَبِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ
الْعَبْدِ".وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ هُوَ
الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ
خَالِدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ: يُودِي الْمُكَاتَبُ
بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ لاَ يَضُرُّهُ قَوْلُ مَنْ
قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ، بَلْ هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ، لأََنَّهُ
مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ.وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا
عَيْبُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ لَهُ
بِأَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ أَرْسَلَهُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، وَأَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ رَوَاهُ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ
(9/227)
عَلِيٍّ
أَنَّهُ قَال: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَأَوْقَفَهُ
عَلَى عَلِيٍّ.
قال أبو محمد: أَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا يَكُونُ
الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ عِنْدَ كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُونَ:
الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ وَلاَ فَرْقَ فَإِذَا وَجَدُوا مُسْنَدًا
يُخَالِفُ هَوَى أَبِي حَنِيفَةَ وَرَأْيَ مَالِكٍ: جَعَلُوا إرْسَالَ
مَنْ أَرْسَلَهُ عَيْبًا يَسْقُطُ بِهِ إسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَهُ،
وَيَكُونُ الشَّافِعِيُّونَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْمُسْنَدَ
لاَ يَضُرُّهُ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ، فَإِذَا وَجَدُوا مَا
يُخَالِفُ رَأْيَ صَاحِبِهِمْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ أَشَدَّ الضَّرَرِ
أَيَرَوْنَ اللَّهَ غَافِلاً عَنْ هَذَا الْعَمَلِ فِي الدِّينِ وَقَدْ
أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَيَحْيَى
بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَقَتَادَةُ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَمَا
مِنْهُمْ أَحَدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ حَمَّادٍ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ
فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
زَكَرِيَّا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ كِلاَهُمَا عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُكَاتَبًا قُتِلَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ عليه الصلاة والسلام أَنْ
يُودِيَ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ وَمَا لاَ دِيَةَ
الْمَمْلُوكِ.وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إيقَافِ ابْنِ عُلَيَّةَ
لَهُ عَلَى عَلِيٍّ فَهُوَ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ، لأََنَّهُ فُتْيَا مِنْ
عَلِيٍّ بِمَا رَوَى، وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لِمَنْ
وَقَعَ أَنَّ الْعَدْلَ إذَا أَسْنَدَ الْخَبَرَ، عَنْ مِثْلِهِ،
وَأَوْقَفَهُ آخَرُ، أَوْ أَرْسَلَهُ آخَرُ: أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ فِي
الْحَدِيثِ وَهَذَا لاَ يُوجِبُهُ نَصٌّ وَلاَ نَظَرٌ، وَلاَ
مَعْقُولٌ، وَالْبُرْهَانُ قَدْ صَحَّ بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ
لِلْمُسْنَدِ دُونَ شَرْطٍ، فَبَطَلَ مَا عَدَا هَذَا وَلِلَّهِ
تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ
بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى النِّصْفَ
فَهُوَ غَرِيمٌ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا
وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدُّ الْمُكَاتَبِ
حَدُّ الْمَمْلُوكِ، وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمَا لِمَا رَوَيَا.
قال أبو محمد: فَقُلْنَا: هَبْكَ أَنَّهُمَا تَرَكَا مَا رَوَيَا،
فَكَانَ مَاذَا إنَّمَا الْحُجَّةُ فِيمَا رَوَيَا، عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه وسلم لاَ فِي قَوْلِهِمَا وَقَدْ أَفْرَدْنَا جُزْءًا
ضَخْمًا لِمَا تَنَاقَضُوا فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَيْضًا فَإِنْ
كَانَ هَذَا الأَخْتِلاَفُ يُوجِبُ عِنْدَهُمْ الْوَهَنَ فِيمَا
رَوَيَا، فَانْفَصَلُوا مِمَّنْ عَكَسَ ذَلِكَ فَقَالَ: بَلْ ذَلِكَ
يُوجِبُ الْوَهَنَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِمَّا هُوَ خِلاَفٌ لِمَا
رَوَيَا وَحَاشَا لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَكَيْفَ وَقَدْ يَتَأَوَّلُ الرَّاوِي فِيمَا رَوَى
وَقَدْ يَنْسَاهُ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا، عَنْ عَلِيٍّ
وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفٌ لِمَا رَوَيَاهُ. أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ:
إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ، فَلَيْسَ مُخَالِفًا
لِلْمَشْهُورِ عَنْهُ مِنْ تَوْرِيثِ مَنْ بَعْضَهُ حُرٌّ بِمَا فِيهِ
مِنْ الْحُرِّيَّةِ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ
(9/228)
وَلاَ
لِمَا رُوِيَ مِنْ حُكْمِ الْمُكَاتَبِ لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ
لَيْسَ بَاقِيهِ عَبْدًا، وَلاَ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ مَا قَابَلَ مَا
أَدَّى حُرًّا، لَكِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَعْجِزُ، لَكِنْ يُتْبَعُ
بِبَاقِي الْكِتَابَةِ فَقَطْ، فَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا لِمَا رَوَى.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ مَمْلُوكٍ،
فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا
مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا قَابَلَ مِنْهُ إذَا أَدَّى الْبَعْضَ مَا لَمْ
يُؤَدِّ فَهَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَقُولُ فَبَطَلَ هَذْرُهُمْ،
وَدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةُ أَنَّهُمَا رضي الله عنهما خَالَفَا مَا
رَوَيَا، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَدْحٌ فِي الْخَبَرِ.
وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَجَابِرٍ: وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلاَ يَصِحُّ عَنْ
أَحَدٍ مِنْهُمْ لأََنَّهُ، عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ
أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ وَهُوَ
مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ ثُمَّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ
عُمَرَ مُرْسَلٌ.وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ
عُمَرَ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
وَاَلَّتِي عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ
بْنِ قَيْسِ بْنِ سَنْدَلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَهُوَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ وَهُوَ
ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ
التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ
يَسَارٍ وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ،
وَقَتَادَةَ.وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ،
وَالشَّافِعِيِّ وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ
شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي
ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ.وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبُونَ
عَلَى شُرُوطِهِمْ: صَحَّ ذَلِكَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ حُرٌّ سَاعَةَ الْعَقْدِ بِالْكِتَابَةِ.
وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ
إسْنَادًا إلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى نِصْفَ
مُكَاتَبَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ, رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
قَالَ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الشَّطْرَ فَهُوَ غَرِيمٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بِهَذَا الإِسْنَادِ نَفْسِهِ قَالَ عُمَرُ: إذَا أَدَّى الشَّطْرَ
فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ.وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
نَفْسِهَا قَوْلَ عَلِيٍّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهُمَا إسْنَادَانِ
جَيِّدَانِ, وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ
النِّصْفَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَاهُ مِنْ
طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا
أَدَّى الْمُكَاتَبُ الثُّلُثَ فَهُوَ غَرِيمٌ: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثُلُثَ كِتَابَتِهِ
(9/229)
فَهُوَ
غَرِيمٌ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
إبْرَاهِيمَ كَانَ يُقَالُ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الرُّبُعَ فَهُوَ
غَرِيمٌ, وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ
الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ رَأْيِهِ قَالَ:
وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى
قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ
قَالَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ شُرَيْحٍ
مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ قِيمَتَهُ
فَهُوَ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ.
قال أبو محمد: هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ، لأََنَّ الشَّعْبِيَّ صَحِبَ
شُرَيْحًا، وَشُرَيْحٌ صَحِبَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ هَذَا
مُخَالِفًا لِمَا رُوِيَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا إذَا أَدَّى
نِصْفَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ لأََنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ
الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَلاَ يَتَمَانَعَانِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ يَرَى
إنْ أَدَّى الأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابَةِ
فَهُوَ غَرِيمٌ، أَيَّهُمَا أَدَّى فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ
شُعْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنِ النَّخَعِيِّ إذَا
أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثَمَنَ رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ
يَسْتَرِقُّوهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍعَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا بَقِيَ عَلَى
الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ أَوْ خَمْسَةُ
أَوْسُقٍ فَهُوَ غَرِيمٌ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ،
وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ضَعِيفٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ
قَوْلِنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا
زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ
يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ
بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ
الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي
الْمُكَاتَبِ: يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ
مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ
الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:
تُجْزِي الْعَتَاقَةُ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ أَوَّلِ نَجْمٍ.
قال أبو محمد: وَجَمِيعُ هَذِهِ الأَقْوَالِ لاَ نَعْلَمُ لِشَيْءٍ
مِنْهَا حُجَّةً، إِلاَّ أَنَّهَا كُلَّهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ لَمْ
تَكُنْ أَقْوَى مِنْ تَحْدِيدِ مَالِكٍ مَا أَبَاحَ لِذَاتِ الزَّوْجِ
الصَّدَقَةَ بِهِ، وَمَا أَسْقَطَ مِنْ الْجَائِحَةِ، وَمَا لَمْ
يُسْقِطْ وَمِنْ تَحْدِيدِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا تَبْطُلُ بِهِ
الصَّلاَةُ مِمَّا يَنْكَشِفُ مِنْ رَأْسِ الْحُرَّةِ أَوْ مِنْ
بَطْنِهَا أَوْ مِنْ فَخِذِهَا مِنْ رُبُعِ كُلِّ ذَلِكَ. وَمِنْ
الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَحْتَجُّونَ لَهَا " الْمُسْلِمُونَ
عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " فَلَيْسَتْ أَضْعَفَ بَلْ لِهَذِهِ مَزِيَّةٌ
لأََنَّ أَكْثَرَهَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم،
إِلاَّ أَنَّ مَنْ قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ
دِرْهَمٌ، فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْن
(9/230)
شُعَيْبٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
"الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" .وَمِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي الْكَذِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ
زَكَرِيَّا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ
عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ
عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" . وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ، لَمْ
يُعْرَفْ قَطُّ مِنْ حَدِيثِ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَلاَ مِنْ
أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ
جَعْفَرٍ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ وَلاَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ،
إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَحَادِيثُ
هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَلاَ نَدْرِي مَنْ
مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ فَصَحِيفَةٌ، عَلَى أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ فِيهِ. قَدْ رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ،
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ
الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ
كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَ أَوَاقٍ
فَهُوَ عَبْدٌ، وَأَيُّمَا عَبْدٌ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ
فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ" وَمِنْ طَرِيقِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَنْ كَاتَبَ مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ
دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا إِلاَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ عَبْدٌ، أَوْ
عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَقَضَاهَا إِلاَّ أُوقِيَّةً فَهُوَ عَبْدٌ.
عَطَاءٌ هَذَا الْخُرَاسَانِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ شَيْئًا، وَلاَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ، إِلاَّ مِنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ
مِمَّنْ يُعَلِّلُ خَبَرَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ
الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ اضْطَرَبَ فِيهِ وَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ يَحْتَجُّ
بِهَذِهِ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهَا كَمَا تَرَى.
فَإِنْ قَالُوا: هُوَ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَمَا
كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لِيَهْتِكَ سِتْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم بِدُخُولِ مَنْ لاَ يَحِلُّ دُخُولُهُ عَلَى أَزْوَاجِه
قلنا: صَدَقْتُمْ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِنَّ
دُخُولَ الأَحْرَارِ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ، وَالْمُكَاتَبُ مَا لَمْ
يُؤَدِّ شَيْئًا فَهُوَ عَبْدٌ، وَمَا دَامَ يَبْقَى عَلَيْهِ فَلْسٌ
فَلَيْسَ حُرًّا، لَكِنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ عَبْدٌ، وَلَمْ
يُنْهَيْنَ قَطُّ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ.
فإن قيل: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قلنا: فَكَانَ مَاذَا وَكَمْ
قِصَّةٍ خَالَفْتُمْ فِيهَا الْجُمْهُورَ نَعَمْ وَأَتَيْتُمْ بِقَوْلٍ
لاَ يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلُ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ.
وَهَذَا الشَّافِعِيُّ خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلاَنِ
الصَّلاَةِ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، وَفِي تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ،
وَفِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ بِمَا يَمُوتُ فِيهِ مِنْ الذُّبَابِ، وَفِي
نَجَاسَةِ الشَّعْرِ وَفِي أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا
أَبُو حَنِيفَةَ خَالَفَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ جُمْهُورَ
الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْخُلْطَةَ لاَ تُغَيِّرُ
الزَّكَاةَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي وَضْعِهِ فِي
الذَّهَبِ أَوْقَاصًا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَزْيَدَ مِنْ
أَلْفِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا مَالِكٌ خَالَفَ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي
السَّائِمَةِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ: وَفِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ
(9/231)
تُفْطِرَانِ. وَفِي أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ وَفِي مِئِينَ مِنْ
الْقَضَايَا، فَالآنَ صَارَ أَكْثَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ وَلاَ
يَبْلُغُونَ عَشَرَةً حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا وَقَدْ
خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ, وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا
فِيهَا رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَحَدِيثِهِ لاَ يَجُوزُ
لأَمْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا، وَلاَ عَطِيَّةٌ إذَا مَلَكَ
زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا، وَأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ
مِائَتَا بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ، وَفِي
إحْرَاقِ رَحْلِ الْغَالِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَعِبٌ وَعَبَثٌ
فِي الدِّينِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ
عَبْدًا فَهُوَ كَذَلِكَ فَقُلْنَا: نَعَمْ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ
بِخِلاَفِ هَذَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِخِلاَفِ
هَذَا، وَبِشُرُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا
بِبَيْعِ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ
تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ
وَبِهَذَا نَقُولُ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ وَصَحَّ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا.
(9/232)
1689 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكَيْنِ مَعًا كِتَابَةً
وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ أَوْ ذَوَيْ رَحِمٍ
مَحْرَمَةٍ . برهان ذَلِكَ. أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ لاَ يُدْرَى مَا
يَلْزَمُ مِنْهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وَهَذَا
بَاطِلٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لاَ يُعْتَقَ مِنْهُمَا
وَاحِدٌ إِلاَّ بِأَدَاءِ الآخَرِ، وَعِتْقُهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي
كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَلاَ تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَصَحَّ أَنَّهُ عَقْدٌ مُخَالِفٌ
لِلْقُرْآنِ فَلاَ يَجُوزُ وَلاَ يَقَعُ بِهِ عِتْقٌ أَصْلاً أَدَّيَا
أَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
(9/232)
وبيع المكاتب والمكاتب ما لم يؤديا
...
1690 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ مَا لَمْ
يُؤَدِّيَا شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِمَا جَائِزٌ مَتَى شَاءَ
السَّيِّدُ وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ جَائِزٌ مَا لَمْ تُؤَدِّ
شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا، فَإِنْ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ
عَلَى مُكَاتَبَتِهَا فَإِذَا بِيعَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنْ
عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَلاَ كِتَابَةَ لَهُمَا إِلاَّ بِعَقْدٍ
مُحَدَّدٍ إنْ طَلَبَهُ الْعَبْدُ أَوْ الأَمَةُ فَإِنْ َدَّيَا
شَيْئًا مِنْ الْكِتَابَةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَرُمَ وَطْؤُهَا
جُمْلَةً وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّيَا.
فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ الْجُزْءَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ خَاصَّةً
وَصَحَّ الْعِتْقُ فِيمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا، فَإِنْ
عَادَ الْجُزْءُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ يَوْمًا مَا لَمْ
تَعُدْ فِيهِ الْكِتَابَةُ، وَلاَ الرُّجُوعُ فِي الْكِتَابَةِ
أَصْلاً، بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِلْكِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ
السَّيِّدُ فَإِنَّ مَا قَابَلَ مِمَّا أَدَّيَا حُرٌّ وَمَا بَقِيَ
رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ قَدْ بَطَلَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ فَإِنْ كَانَا
لَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا بَعْدُ فَقَدْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ
كُلُّهَا وَهُمَا رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ
الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا،
فَقَدْ مَاتَا مَمْلُوكَيْنِ وَمَالُهُمَا كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ فَإِنْ
كَانَا قَدْ أَدَّيَا مِنْ الْكِتَابَةِ فَمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا
أَدَّيَا فَهُوَ حُرٌّ وَيَكُونُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِمَّا
تَرَكَا مِيرَاثًا لِلأَحْرَارِ مِنْ وَرَثَتِهِمَا وَيَكُونُ مَا
قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا مِمَّا تَرَكَا لِلسَّيِّدِ وَقَدْ بَطَلَ
بَاقِي الْكِتَابَةِ وَمَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ
الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ
وَعِشْرُونَ
(9/232)
ولا تحل الكتابة على الشرط خدمة فقط
...
1691 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَحِلُّ الْكِتَابَةُ عَلَى شَرْطِ خِدْمَةٍ
فَقَطْ، وَلاَ عَلَى عَمَلٍ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلاَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ
يَأْتِ بِهِ نَصٌّ أَصْلاً، وَالْكِتَابَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ
لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ
فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ".
(9/241)
ومن كوتب الى غير أجل مسمى فهو على كتابة
...
1692 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كُوتِبَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى فَهُوَ
عَلَى كِتَابَتِهِ مَا عَاشَ السَّيِّدُ [ وَهُوَ ] وَمَا لَمْ
يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ فَمَتَى أَدَّى مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ
عَتَقَ، لأََنَّ هَذِهِ صِفَةُ كِتَابَتِهِ وَعَقْدِهِ فَلاَ يَجُوزُ
تَعَدِّيهِ وَمَنْ كُوتِبَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى نَجْمٍ وَاحِدٍ أَوْ
نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، فَحَلَّ وَقْتُ النَّجْمِ وَلَمْ يُؤَدِّ
فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي
الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي صَدْرًا مِنْ كِتَابَتِهِ ثُمَّ يَعْجِزُ قَالَ:
يُرَدُّ عَبْدًا سَيِّدُهُ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ الَّذِي شَرَطَ. قَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ
نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ. يَعْنِي
أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا لَهُ فِي الرِّقِّ، إذْ عَجَزَ بَعْدَ أَنْ
أَدَّى نِصْفَ كِتَابَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ
عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ
عَلِيًّا قَالَ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَدْخَلَ نَجْمًا فِي
نَجْمٍ رُدَّ فِي الرِّقِّ.
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَاتَبَ
أَفْلَحَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَأَلَهُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ دُونَ
أَنْ يَعْجِزَ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَبْدًا ثُمَّ
أَعْتَقَهُ بَتْلاً. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ
وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَقَالَ هَؤُلاَءِ:
تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ جَائِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ دُونَ
السُّلْطَانِ إِلاَّ أَنَّ لِمَالِكٍ قَوْلاً، أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ
التَّعْجِيزُ إِلاَّ بِحُكْمِ السُّلْطَانِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ
الْقَائِلُونَ بِتَعْجِيزِهِ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كِلاَهُمَا، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
خَلاَصِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا
عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى حَوْلَيْنِ زَادَ ابْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ فَإِنْ أَدَّى وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ وَبِهَذَا
يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَلَمْ
يَقُلْ جَابِرٌ وَلاَ ابْنُ عُمَرَ بِالتَّلَوُّمِ، بَلْ أَرَقَّهُ
ابْنُ عُمَرَ سَاعَةَ ذَكَرَ أَنَّهُ عَجَزَ.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو
سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ
فِي الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ: إنَّهُ يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ يَعْنِي
بِحِسَابِ مَا أَدَّى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَكَمُ بْنُ
عُتَيْبَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ: لاَ يُرَقُّ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لاَ
يُؤَدِّيهِمَا. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: إذَا عَجَزَ اُسْتُوْفِيَ بِهِ
شَهْرَانِ. وقال أبو حنيفة وَالشَّافِعِيُّ: إذَا عَجَزَ اسْتَوْفَى
بِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ثُمَّ يُرَقُّ وقال مالك: يَتَلَوَّمُ
لَهُ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ:
(9/241)
قَالَ
جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى وَقَدْ
ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشُرَيْحٍ إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَلاَ
رِقَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيمٌ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُمْ وَقَوْلَ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى ثُلُثَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ.
وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ إذَا أَدَّى رُبُعَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ.
وَقَوْلَ عَطَاءٍ: إذَا أَدَّى ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ كِتَابَتِهِ فَهُوَ
غَرِيمٌ. وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ
فَهُوَ غَرِيمٌ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْهُمَا.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ حُجَّةً،
وَأَعْجَبُهَا قَوْلُ مَنْ حَدَّ التَّلَوُّمَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ
بِشَهْرَيْنِ، وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَفَرَأَيْت إنْ
لَمْ يَتَلَوَّمْ لَهُ السُّلْطَانُ إِلاَّ سَاعَةً، إذْ رَأَى أَنْ
يَتَلَوَّمَ لَهُ خَمْسِينَ عَامًا.ثم نقول لِجَمِيعِهِمْ: لاَ تَخْلُو
الْكِتَابَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا لاَزِمًا، أَوْ تَكُونَ
عِتْقًا بِصِفَةٍ لاَ دَيْنًا وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ أَصْلاً لاَ
فِي الدِّيَانَةِ، وَلاَ فِي الْمَعْقُولِ, فَإِنْ كَانَتْ عِتْقًا
بِصِفَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنَّهُ سَاعَةَ يَحِلُّ الأَجَلُ فَلاَ
يُؤَدِّيهِ، فَلَمْ يَأْتِ بِالصِّفَةِ الَّتِي لاَ عِتْقَ لَهُ إِلاَّ
بِهَا فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ وَلاَ عِتْقَ لَهُ وَلاَ يَجُوزُ
التَّلَوُّمُ عَلَيْهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ كَمَنْ قَالَ لِغُلاَمِهِ: إنْ
قَدِمَ أَبِي يَوْمِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدِمَ أَبُوهُ بَعْدَ
غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلاَ عِتْقَ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا
وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ
تَنَاقُضٍ، وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا.
فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَوْ يَكُونَ
دَيْنًا وَاجِبًا، فَلاَ سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ.كَمَا رُوِّينَا عَنْ
جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ. فَوَجَدْنَا رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَكَمَ بِشُرُوعِ الْعِتْقِ فِيهِ
بِقَدْرِ مَا أَدَّى. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا دَيْنٌ وَاجِبٌ
يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ
وَأَنَّهُ لَيْسَ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَصْلاً لأََنَّ أَدَاءَ بَعْضِ
الْكِتَابَةِ لَيْسَ هُوَ الصِّفَةَ الَّتِي تَعَاقَدَا الْعِتْقَ
عَلَيْهَا، فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} وَقَالَ
تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِعَقْدِ
الْكِتَابَةِ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ
أَصْلاً وَوَجَبَتْ النَّظِرَةُ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلاَ بُدَّ. فإن
قيل: فَإِذْ هِيَ دَيْنٌ كَمَا تَقُولُ فَهَلاَّ حَكَمْتُمْ بِهِ
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ السَّيِّدُ، أَوْ خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ
كَمَا حَكَمْتُمْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ قلنا: لَمْ نَفْعَلْ، لأََنَّ
ذَلِكَ لَيْسَ دَيْنًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ دَيْنٌ يَصِحُّ
بِثَبَاتِ الْمِلْكِ، وَيَبْطُلُ بِبُطْلاَنِ الْمِلْكِ، لأََنَّهُ
إنَّمَا وَجَبَ لِلسَّيِّدِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَدَائِهِ
عَلَى الْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِأَدَائِهِ حُرًّا فَقَطْ
بِهَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَفَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ بَطَلَ
وُجُودُ الْمُعْتِقِ، فَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ،
وَبَطَلَ الشَّرْطُ، عَنِ الْعَبْدِ، إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى تَمَامِهِ
أَبَدًا. وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُهُ، وَبَطَلَ
الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ، فَبَطَلَ دَيْنُ
السَّيِّدِ، إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ
الدَّيْنَ إِلاَّ بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ
(9/242)
أَيْضًا
قَدْ بَطَلَ عِتْقُهُ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ، فَبَطَلَ مَا كَانَ لَهُ
مِنْ الدَّيْنِ مِمَّا لاَ يَجِبُ لَهُ إِلاَّ بِمَا قَدْ بَطَلَ وَلاَ
سَبِيلَ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/243)
1693 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إِلاَّ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ:
إذَا أَدَّيْت إلَيَّ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَأَنْتَ
حُرٌّ فَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرَ
ذَلِكَ.برهان ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ فَلاَ
يَسْتَحِقُّ عِتْقًا إِلاَّ حَتَّى يَلْفِظَ سَيِّدُهُ لَهُ
بِالْعِتْقِ، وَإِلَّا فَلاَ، لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ
وَلاَ إجْمَاعٌ.
(9/243)
ولا تجوز الكتابة على المجهول عددا أو صفة
...
1964 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَجْهُولِ
الْعَدَدِ وَلاَ عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ وَلاَ بِمَا لاَ يَحِلُّ
مِلْكُهُ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلاَ يَصِحُّ
بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِتْقٌ أَصْلاً وَلاَ بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ
غَرَرٌ مُحَرَّمٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لاَ
يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَنْ
عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ شَرْطٍ
لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ" وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي
كُلُّ ذِي تَمْيِيزٍ صَحِيحٍ أَنَّ مَا عَقَدَا لاَ صِحَّةَ لَهُ
إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ فَلاَ صِحَّةَ لَهُ, وقال
الشافعي: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ تُفْسَخُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا
فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ.
قال أبو محمد: هَذَا عَيْنُ الْفَسَادِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ
الْبَاطِلُ بِتَمَامِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ
وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" وقال مالك: إذَا عُقِدَتْ
الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ
الْكِتَابَةُ.
قال علي: هذا غَايَةُ الْخَطَأِ، لأََنَّهُ يُلْزِمُهُمَا عَقْدًا لَمْ
يَلْتَزِمَاهُ قَطُّ وَلاَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلْزَامِهِمَا
إيَّاهُ وَإِنَّمَا تَرَاضَيَا الْكِتَابَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ
وَإِلَّا فَلاَ كِتَابَةَ بَيْنَهُمَا فأما أَنْ يَصِحَّ شَرْطُهُمَا
فَتَصِحَّ كِتَابَتُهُمَا وَأَمَّا أَنْ يَبْطُلَ الشَّرْطُ فَلاَ
كِتَابَةَ هَاهُنَا أَصْلاً. وقال أبو حنيفة: مَنْ كَاتَبَ عَلَى
ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ أَوْ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ
عَلَى مَا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِقْدَارٌ فَهِيَ كِتَابَةُ بَاطِلٍ وَلاَ
عِتْقَ لَهُ وَإِنْ أَدَّى وَإِنْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ مَحْدُودَةٍ
أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ مَوْصُوفٍ، فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ عَتَقَ
وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَوْلاَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: مَا سُمِعَ بِأَنْتَنَ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ، وَلاَ
بِأَفْسَدَ مِنْهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ
إِلاَّ أَنَّهُمَا لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ الثَّمَنَ وَلاَ عَرَفَاهُ،
فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ وَهِيَ
مَعَهُ وَأَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ. وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ هَاهُنَا
أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ لأََنَّهُمْ قَالُوا: الْعُقُودُ عَلَى
الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ جَائِزَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَقَدْ
أَنْزَلُوا أَنْفُسَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُنْزِلْهُمْ مِنْ الأَئْتِسَاءِ
بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الْكُفَّارِ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ
أَهْلَ الْكُفْرِ أُسْوَةً وَلاَ قُدْوَةً وَإِنَّ فِي هَذِهِ
لِدَلاَئِلَ سُوءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ فَكَيْفَ
وَمَا أَحَلَّ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُذْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ
صلى الله عليه وسلم وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ
سَلَفًا وَلاَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ.
(9/243)
1695 -
مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ بِمَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا
حَلَّ مِلْكُهُ، كَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالْمَاءِ
وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا، وَالسُّنْبُلِ الَّذِي
لَمْ يَشْتَدَّ، لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مَالٌ حَلاَلٌ
تَمَلُّكُهُ وَهِبَتُهُ وَإِصْدَاقُهُ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ
بَيْعًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/244)
1696 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ شَيْئًا مِنْ
مَالِ مُكَاتَبِهِ مُذْ يُكَاتِبُهُ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ
يُؤَدِّيَ، أَوْ بَاعَ مِنْهُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ: فَمَالُهُ
لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ إذَا بَاعَهُ
كُلَّهُ وَأَمَّا فِي بَيْعِ بَعْضِهِ فَمَالُهُ لَهُ
وَمَعَهُ.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ زِيَادٍ
الأَعْلَمِ، وَقَيْسٍ قَالَ زِيَادٌ: عَنِ الْحَسَنِ وَقَالَ قَيْسٌ:
عَنْ عَطَاءٍ ثُمَّ اتَّفَقَا جَمِيعًا: أَنَّ الْعَبْدَ إذَا
كَاتَبَهُ مَوْلاَهُ وَلَهُ مَالٌ وَسُرِّيَّةٌ وَوَلَدٌ: أَنَّ
مَالَهُ لَهُ وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ وَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ وَكَذَلِكَ
الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا: مَالِكٌ وَأَبُو
سُلَيْمَانَ.وقال أبو حنيفة: مَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَقَالَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ: الْمَالُ لِلسَّيِّدِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ
الْمُكَاتَبُ وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: مَا عَرَفَهُ السَّيِّدُ مِنْ
مَالِ الْعَبْدِ فَهُوَ لِلْعَبْدِ، وَمَا لَمْ يَعْرِفْهُ فَهُوَ
لِلسَّيِّدِ.
قال أبو محمد: مَالُ الْعَبْدِ لَهُ وَجَائِزٌ لِلسَّيِّدِ
انْتِزَاعُهُ بِالنَّصِّ فَإِذَا كُوتِبَ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ كَسْبَهُ
لَهُ لاَ لِلسَّيِّدِ وَلَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ لَمْ
يَتِمَّ عِتْقُهُ أَبَدًا فَصَحَّ أَنَّ حَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ
حَالِهِ قَبْلَهَا، وَكَانَ مَالُهُ كُلُّهُ حُكْمًا وَاحِدًا فِي
أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ فِي
الْمُكَاتَبِ نَصٌّ.
(9/244)
وولد العبد له وجائز للسيد انتزاعه بالنص
...
1697 - مَسْأَلَةٌ: وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ
وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ
يُكَاتِبَ أَوْ يُعْتِقَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي كُلِّ مَا
ذَكَرْنَا وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبًا مِنْ غَيْرِهِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
(9/244)
1698 -
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا حَلَّ النَّجْمُ، أَوْ الْكِتَابَةُ وَوَجَبَتْ،
فَضَمَانُهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَائِز وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ
لأََنَّهُ مَالٌ قَدْ صَحَّ وُجُوبُهُ لِلسَّيِّدِ وَهُوَ دَيْنٌ
لاَزِمٌ، فَضَمَانُهُ جَائِزٌ. وَلَوْ بِيعَ مِنْ الْعَبْدِ مَا لَمْ
يُؤَدِّ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدُ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ
وَأَمَّا قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ فَلاَ، لأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ
بَعْدُ وَلَعَلَّهُ يَمُوتَ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَوْ يَمُوتُ السَّيِّدُ
فَلاَ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ.
(9/244)
1699 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ، وَلاَ أَنْ
يُوضَعَ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ لأََنَّهُمَا شَرْطٌ لَيْسَ
فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَمَا
لاَ يَدْرِي أَهُوَ فِي الْعَالَمِ أَمْ لاَ وقال مالك: وَأَبُو
حَنِيفَةَ: مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ جَائِزَةٌ بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِ
وَبِالْعُرُوضِ. وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ
مُقَاطَعَتُهُ إِلاَّ بِالْعُرُوضِ فَخَالَفَا ابْنَ عُمَرَ وَلاَ
يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وقال الشافعي:
بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي نَصٍّ. وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ.
(9/244)
1700 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدٍ، وَلاَ كِتَابَةُ
شِقْصٍ لَهُ فِي عَبْدٍ مَعَ
(9/244)
واذا مانت الكتابة نجمين فصاعدا أو الى أجل
...
1701 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ نَجْمَيْنِ
فَصَاعِدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ، فَأَرَادَ الْعَبْدُ تَعْجِيلَهَا
كُلَّهَا أَوْ تَعْجِيلَ بَعْضِهَا قَبْلَ أَجَلِهِ لَمْ يَلْزَمْ
السَّيِّدَ قَبُولُ ذَلِكَ وَلاَ عِتْقَ الْعَبْدِ وَهِيَ إلَى
أَجَلِهَا وَكُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا إلَى أَجَلِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى :{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ مَنْ
خَالَفَنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ
شُرُوطِهِمْ.وقال مالك: يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَتَعْجِيلِ
الْعِتْقِ لِلْمُكَاتَبِ. وقال الشافعي: إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ
دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِهَا
وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ يُجْبَرْ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ لاَ
دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ رِوَايَةٍ
سَقِيمَةٍ وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ وَلاَ قِيَاسٍ
وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ. وَقَدْ يَكُونُ
لِلسَّيِّدِ غَرَضٌ فِي تَأْجِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ
وَمَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ خَوْفٍ لَحِقَهُ أَوْ رَجَاءِ ارْتِفَاعِ
سِعْرٍ لِدَيْنِهِ مِنْهُمَا، كَمَا فِي الْعُرُوضِ، وَلاَ فَرْقَ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ
يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ،
حَدَّثَنَا الْوَزَّانُ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ
الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْد بْنِ مَنْجُوفٍ،
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَاتَبَنِي
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، فَكُنْت فِي مِفْتَحِ
تُسْتَرَ فَاشْتَرَيْت رَثَّةً فَرَبِحْت فِيهَا، فَأَتَيْت أَنَسًا
بِجَمِيعِ مُكَاتَبَتِي فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِلاَّ نُجُومًا
فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَرَادَ أَنَسٌ
الْمِيرَاثَ وَكَتَبَ إلَى أَنَسٍ: أَنْ اقْبَلْهَا، فَقَبِلَهَا
وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَسَائِرُهَا
مُنْقَطِعٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ
كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَتِهِ أَتَاهُ
الْعَبْدُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَأَبَى الْحَارِثُ أَنْ يَأْخُذَهُ
وَقَالَ: لِي شَرْطِي، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ
عُثْمَانُ: هَلُمَّ الْمَالَ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ
فَتُعْطِيه مِنْهُ فِي كُلِّ حِلٍّ مَا يَحِلُّ، فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ.
قال أبو محمد: هَذَا عَجِيبٌ جِدًّا إذْ رَأَى عُمَرُ، وَعُثْمَانُ
إجَابَةَ السَّيِّدِ إلَى كِتَابَةِ عَبْدِهِ إذَا طَلَبَهَا
الْعَبْدُ، وَخَالَفَهُ أَنَسٌ وَاحْتَجَّ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ
بِالْقُرْآنِ كَانَ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً وَكَانَ قَوْلُ عُمَرَ
(9/245)
وَعُثْمَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ عُمَرَ
وَعُثْمَانَ رَأْيَ مَالِكٍ، خَالَفَهُمَا أَنَسٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ
هِشَامٍ، وَهُمَا صَاحِبَانِ، وَالْقُرْآنُ: صَارَ قَوْلُ عُمَرَ،
وَعُثْمَانَ حُجَّةً، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً إنَّ هَذَا
لَعَجَبٌ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". فَإِنْ مَوَّهُوا
بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْعِتْقِ قلنا: أَيْنَ كُنْتُمْ، عَنْ هَذَا
التَّعْظِيمِ إذْ لَمْ تُوجِبُوا الْكِتَابَةَ فَرْضًا لِعِتْقِ
الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهَا وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ ذَلِكَ وَعُمَرُ
وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا. وَأَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ
إذْ رَدَدْتُمْ الْمُكَاتَبَ رَقِيقًا مِنْ أَجْلِ دِينَارٍ أَوْ
دِرْهَمٍ بَقِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَبَادَرْتُمْ
وَأَبْطَلْتُمْ كُلَّ مَا أَعْطَى وَلَمْ تُؤَجِّلُوهُ إِلاَّ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَبَعْضُكُمْ أَيْضًا أَمْرًا يَسِيرًا وَأَنْتُمْ
بِزَعْمِكُمْ أَصْحَابُ نَظَرٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ طَلَبِ
الْعَبْدِ تَعْجِيلَ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ لِيَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ
وَالسَّيِّدُ يَأْبَى إِلاَّ شَرْطَهُ الْجَائِزَ بِالْقُرْآنِ،
وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ فَتُجْبِرُونَ السَّيِّدَ عَلَى مَا لاَ
يُرِيدُ وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ السَّيِّدُ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ
كُلِّهَا لِيَتَعَجَّلَ عِتْقُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ قَادِرٌ عَلَى
ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَأْبَى إِلاَّ الْجَرْيَ عَلَى نُجُومِهِ
فَلاَ تُجْبِرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ فِي التَّخَاذُلِ
وَالتَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ وَالْمُنَاقَضَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا.
(9/246)
وفرض على السيدد أن يعطى المكاتب ما لا من عند بفسه
...
1702 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ
الْمُكَاتَبَ مَالاً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ
مِمَّا يُسَمَّى مَالاً فِي أَوَّلِ عَقْدٍ لِلْكِتَابَةِ وَيُجْبَرُ
السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ كُلِّفَ
الْوَرَثَةُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. برهان
ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ
فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}
فَهَذَا أَمْرٌ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَأَبِي سُلَيْمَانَ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَنَاقَضَ فَرَأَى
قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
خَيْرًا عَلَى النَّدْبِ وَرَأَى وَقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ
مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} عَلَى الْوُجُوبِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ
وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ لَمْ يَجِدْ فِيهِ عَدَدًا مَا أَحَدُهُمَا:
مَوْكُولٌ إلَى السَّيِّدِ، وَالآخَرُ مَوْكُولٌ إلَيْهِ وَإِلَى
الْعَبْدِ بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا لاَ حَيْفَ فِيهِ وَلاَ مَشَقَّةَ،
وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِمَا. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ: كِلاَ
الأَمْرَيْنِ نَدْبٌ قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ
الَّذِي آتَاكُمْ} أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَلِغَيْرِهِ.
قال أبو محمد: هَذَا خَطَأٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ " كِلاَ الأَمْرَيْنِ
نَدْبٌ " فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى
افْعَلُوا عَلَى لاَ تَفْعَلُوا إنْ شِئْتُمْ وَلاَ يَفْهَمُ هَذَا
الْمَعْنَى أَحَدٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَهَذِهِ إحَالَةٌ لِكَلاَمِ
اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ إِلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ وَرَدَ
بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّهُ أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ
" فَبَاطِلٌ لأََنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ}
فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِالْكِتَابَةِ لَهُمْهُمْ
الْمَأْمُورُونَ بِإِتْيَانِهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ لاَ يَفْهَمُ
أَحَدٌ مِنْ هَذَا الأَمْرِ غَيْرَ هَذَا فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ
وَتَحَكُّمُهُمْ بِالدَّعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. وَرُوِّينَا هَذَا
الْقَوْلَ أَنَّهُ حَثَّ عَلَيْهِ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ عَنْ
بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ
وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم وَقَالَتْ
(9/246)
طَائِفَةٌأَمَرَ بِذَلِكَ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ، فَهَؤُلاَءِ رَأَوْهُ
وَاجِبًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ وَالْمُغِيرَةِ، قَالَ يُونُسُ عَنِ
الْحَسَنِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ اتَّفَقَا فِي
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي
آتَاكُمْ} قَالَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْلاَهُ وَالنَّاسَ أَنْ
يُعِينُوا الْمُكَاتَبَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَشَهِدْته كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى
أَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَحَطَّ عَنْهُ أَلْفًا فِي آخِرِ نُجُومِهِ ثُمَّ
قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ
مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} الرُّبُعَ مِمَّا تُكَاتِبُوهُمْ
عَلَيْهِ.وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ،
حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ
اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَة وَرُوِّينَا
أَيْضًا فِي أَنَّهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ:
هُوَ الْعُشْرُ يُتْرَكُ لَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ:
إنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا
أَبُو شَبِيبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ كَاتَبَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَيَّةَ،
فَجَاءَهُ بِنَجْمِهِ حِينَ هَلَّ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَبَا
أُمَيَّةَ اذْهَبْ فَاسْتَعِنْ بِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ لَوْ كَانَ هَذَا فِي آخِرِ نَجْمٍ فَقَالَ عُمَرُ:
لِعَلِيٍّ لاَ أُدْرِكُهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَآتُوهُمْ
مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ
بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ
حَدَّثَتْنِي أُمِّيّ، عَنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي عُبَيْدِ اللَّهِ
الْجَحْدَرِيِّ قَالَ الْمُبَارَكُ: وَحَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ
جَابَانَ، عَنْ عَمِّي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ الْمُكَاتَبَةَ قَالَ لِي: كَمْ تَعْرِضُ قُلْت: مِائَةَ
أُوقِيَّةٍ قَالَ: فَمَا اسْتَزَادَنِي، قَالَ: فَكَاتِبْنِي
وَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي كَاتَبْت
غُلاَمِي، وَأَرَدْت أَنْ أُعَجِّلَ لَهُ طَائِفَةً مِنْ مَالِي
فَأَرْسِلِي إلَيَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى أَنْ يَأْتِيَنِي شَيْءٌ
فَأَرْسَلَتْ بِهَا إلَيْهِ فَأَخَذَهَا عُمَرُ بِيَمِينِهِ وَقَرَأَ
{وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ
اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} خُذْهَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا.
قال أبو محمد: لَقَدْ كَانَ أَشْبَهَ بِأُمُورِ الدِّينِ وَأَدْخَلَ
فِي السَّلاَمَةِ أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنْ يَقُولُوا: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ
بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ حَيْثُ يَقُولُونَ مَا يُضْحِكُ الثَّكَالَى
وَيُبْعِدُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ الْمَعْقُولِ أَنَّهُ إنْ
انْكَشَفَ فِي فَخِذِ الْحُرَّةِ فِي الصَّلاَةِ أَوْ مِنْ السَّاقِ
أَوْ مِنْ الْبَطْنِ أَو مِنْ الذِّرَاعِ، أَوْ مِنْ الرَّأْسِ
الرُّبُعُ بَطَلَتْ الصَّلاَةُ فَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ لَمْ تَبْطُلْ
الصَّلاَةُ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ
رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ
(9/247)
بْنِ
ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ:
رُبُعُ الْكِتَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ
السَّائِبِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَبِيبٍ هُوَ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ
الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فإن قيل: فَلَمْ لَمْ تَأْخُذُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ
قلنا: لأََنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ إِلاَّ بَعْدَ اخْتِلاَطِ عَطَاءٍ. وَرُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: تَغَيَّرَ حِفْظُ ابْنِ
السَّائِبِ بَعْدُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ
يَتَغَيَّرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لاَ يَرْوِي حَدِيثَ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ
إِلاَّ عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ.
قال أبو محمد: فَصَحَّ اخْتِلاَطُهُ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُحْتَجَّ مِنْ
حَدِيثِهِ إِلاَّ بِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ اخْتِلاَطِهِ
وَهَؤُلاَءِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْهُ
إِلاَّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَمَّا هُمْ فَإِذَا
وَافَقَ الْخَبَرُ رَأْيَهُمْ لَمْ يُعَلِّلُوهُ وَإِنْ كَانَ
مَوْضُوعًا فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ فَلاَ حُجَّةَ لأََهْلِ
هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ عَلَى
النَّدْبِ بِحَدِيثِ كِتَابَةِ سَلْمَانَ رضي الله عنه وَبِحَدِيثِ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَوْ ابْنِ
عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَهَا فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
تَسْتَعِينُهُ فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام: "أَوْ خَيْرٌ مِنْ
ذَلِكَ أَقْضِ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ" قَالُوا: فَلَمْ
يَذْكُرْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إيتَاءَ مَالِ الْمُكَاتَبِ.
قَالَ عَلِيٌّ: لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. أَمَّا
خَبَرُ سَلْمَانَ فَإِنَّ مَالِكَهُ كَانَ يَهُودِيًّا غَيْرَ ذِمِّيٍّ
بَلْ مُنَابِذٌ لاَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الإِسْلاَمِ فَلاَ
مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا. وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِيمَا
لَيْسَ فِيهِ لَهُ ذِكْرٌ مِنْ إيتَاءِ الْمَالِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ
لَهُ فِيمَا أَجَازَهُ فِيهِ نَصًّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم مِنْ إحْيَاءِ ثَلاَثِمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً
مِنْ ذَهَبٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، وَلاَ مَقْبُوضَةً، وَهُمْ
لاَ يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَسُبْحَانَ مَنْ أَطْلَقَ
أَلْسِنَتَهُمْ بِهَذِهِ الْعَظَائِمِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَرْدَعَ
عَنْهَا الْحَيَاءُ وَأَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الدِّينُ. وَأَمَّا خَبَرُ
جُوَيْرِيَةَ فَلَيْسَ فِيهِ عَلَى مَاذَا كَاتَبَهَا، وَلاَ هَلْ
كَاتَبَ إلَى أَجَلٍ أَمْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا
أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي إجَازَةِ الْكِتَابَةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ،
وَكُلُّ كِتَابَةٍ أَفْسَدُوهَا إذْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا إيتَاءَ
الْمَالِ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا لَمْ تُؤْتِ الْمَالَ، فَلاَ
مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ، فَكَيْفَ وَهِيَ كِتَابَةٌ لَمْ تَتِمَّ
بِلاَ شَكٍّ، لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ
(9/248)
الْعِلْمِ
أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ مَوْلاَةً لِثَابِتٍ،
وَلاَ لأَبْنِ عَمِّهِ، بَلْ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا
صَدَاقَهَا . فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالُوا: لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ مَحْدُودَ
الْقَدْرِ.
قال أبو محمد: فَقُلْنَا: مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا وَمَا الْمَانِعُ
مِنْ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا عَطَاءً يَكِلُهُ إلَى
اخْتِيَارِنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْطَيْنَاهُ كُنَّا قَدْ أَدَّيْنَا
مَا عَلَيْنَا. وَهَلَّا قُلْتُمْ هَذَا فِي الْمُتْعَةِ الَّتِي
رَآهَا الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَرْضًا وَهِيَ غَيْرُ
مَحْدُودَةِ الْقَدْرِ وَهَلَّا قَالَ هَذَا الْمَالِكِيُّونَ فِي
الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ عَنْوَةً
وَهُوَ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ وَكَمَا قَالُوا
فِيمَا أَوْجَبُوا فِيهِ الْحُكُومَةَ فَرْضًا مِنْ الْخَرَاجِ وَهُوَ
غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ لَهُمْ عِنْدَ
أَنْفُسِهِمْ وَفِي ظَنِّهِمْ: أَنْ يَتَعَقَّبُوا عَلَى اللَّهِ
تَعَالَى حُكْمَهُ بِمَا لاَ يَتَعَقَّبُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
فِيمَا يُشَرِّعُونَهُ فِي الدِّينِ بِآرَائِهِمْ. وَحَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. تَمَّ كِتَابُ الْكِتَابَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ
(9/249)
كتاب صحبة ملك اليمين
لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه : هذا عبدى
ولا لمملوكته
...
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِه
ِ كِتَابُ صُحْبَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ
1703 - مَسْأَلَةٌ: لاَ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِغُلاَمِهِ:
هَذَا عَبْدِي وَلاَ لِمَمْلُوكَتِهِ : هَذِهِ أَمَتِي، لَكِنْ
يَقُولُ: غُلاَمِي وَفَتَايَ وَمَمْلُوكِي وَمَمْلُوكَتِي َخَادِمِي
وَفَتَاتِي. وَلاَ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا رَبِّي أَوْ
مَوْلاَيَ أَوْ رَبَّتِي. وَلاَ يَقُلْ أَحَدٌ لِمَمْلُوكٍ: هَذَا
رَبُّك، وَلاَ رَبَّتُك لَكِنْ يَقُولُ: سَيِّدِي. وَجَائِزٌ أَنْ
يَقُولَ الْمَرْءُ لأَخَرَ: هَذَا عَبْدُك وَهَذَا عَبْدُ فُلاَنٍ
وَأَمَةُ فُلاَنٍ وَمَوْلَى فُلاَنٍ لأََنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرِدْ
إِلاَّ فِيمَا ذَكَرْنَا فَقَطْ. وَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ: هَؤُلاَءِ
عَبِيدُك وَعِبَادُك، وَإِمَاؤُك. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلاَ
يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ: رَبِّي وَرَبَّتِي وَلْيَقُلْ الْمَالِكُ:
فَتَايَ وَفَتَاتِي وَلْيَقُلْ الْمَمْلُوكُ: سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي
فَإِنَّكُمْ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ
بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: "لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ اسْقِ
رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ رَبِّي وَلْيَقُلْ:
سَيِّدِيوَلاَ يَقُلْ: مَوْلاَيَ وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي
أَمَتِي وَلْيَقُلْ: فَتَايَ فَتَاتِي غُلاَمِي". وَمِنْ طَرِيقِ
مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،
عَنِ الأَعْمَشِ
(9/249)
عَنْ
أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه
وسلم قَالَ: "وَلاَ يَقُلْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ مَوْلاَيَ فَإِنَّ
مَوْلاَكُمْ اللَّهُ" .
قال أبو محمد: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَةُ النَّهْيِ عَنْ
قَوْلِ: مَوْلاَيَ وَالنَّهْيُ هُوَ الزَّائِدُ وَالْوَارِدُ بِرَفْعِ
الإِبَاحَةِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ
أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ فَأَسْنَدَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَأَبُو صَالِحٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَبْدُ
الرَّحْمنِ وَالِدُ الْعَلاَءِ وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ
فُتْيَاهُ: أَبُو يُونُسَ غُلاَمُهُ، وَلاَ يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ
مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا
الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ
إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فَإِنْ
احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ يُوسُفَ عليه السلام: {إنَّهُ رَبِّي
أَحْسَنَ مَثْوَايَ} وَقَوْلِهِ: {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}
فَتِلْكَ شَرِيعَةٌ، وَهَذِهِ أُخْرَى وَتِلْكَ لُغَةٌ وَهَذِهِ
أُخْرَى وَقَدْ كَانَ هَذَا مُبَاحًا عِنْدَنَا وَفِي شَرِيعَتِنَا
حَتَّى نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ
قَالَ يُوسُفُ عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ} وَقَدْ نُهِينَا، عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ.
(9/250)
وفرض على السيد أن يكسو ممكلوكه
...
1704 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَكْسُوَ
مَمْلُوكَهُ وَمَمْلُوكَتَهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَوْ شَيْئًا وَأَنْ
يُطْعِمَهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلَوْ لُقْمَةً وَأَنْ يُشْبِعَهُ
وَيَكْسُوَهُ بِالْمَعْرُوفِ، مِثْلَ مَا يُكْسَى وَيُطْعَمُ مِثْلُهُ،
أَوْ مِثْلُهَا وَأَنْ لاَ يُكَلِّفَهُ مَا لاَ يُطِيقُ. رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ سَمِعْتُ
الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْد قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ
وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ، عَنْ
ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:
"إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ
أَيْدِيَكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ
مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ
مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ
فَأَعِينُوهُمْ" . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ
مَعْرُوفٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ قَالاَ جَمِيعًا حَدَّثَنَا
حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي
حَزْرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْيَسْرِ وَقَدْ لَقِيَهُ وَعَلَيْهِ
بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ
فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْيُسْرِ: بَصَرَ
عَيْنَايَ هَاتَانِ، وَسَمِعَ أُذُنَايَ هَاتَانِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: "َطْعِمُوهُمْ
مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَكْسُون" قَالَ أَبُو
الْيُسْرِ: فَكَانَ إذَا أَعْطَيْته مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ
عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَرُوِّينَا مِثْلَ هَذَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَلاَ
مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَصْلاً .
(9/250)
1705 -
مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ غُلاَمَهُ أَفْلَحَ
وَلاَ يَسَارَ وَلاَ نَافِعَ وَلاَ نَجِيحَ وَلاَ رَبَاحَ وَلَهُ أَنْ
يُسَمِّيَ أَوْلاَدَهُ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ
مَمَالِيكَهُ بِسَائِرِ الأَسْمَاءِ، مِثْلِ نَجَاحٍ وَمُنَجَّحٍ
وَنُفَيْعٍ وَرُبَيْحٍ وَيَسِير: وَفُلَيْحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لاَ
تُحَاشِ شَيْئًا.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ
أَنَّهُ سَمِعَ الرُّكَيْنَ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ يُحَدِّثُ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: "نَهَانَا رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ
أَسْمَاءَ: أَفْلَحَ وَرَبَاحَ وَيَسَارَ وَنَافِعَ" . وَمِنْ طَرِيقِ
مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ،
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ
الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يَسَافٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
عُمَيْلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَك يَسَارًا، وَلاَ
رَبَاحًا، وَلاَ نَجِيحًا، وَلاَ أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ
هُوَ فَيَقُولُ: لاَ إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ، فَلاَ تَزِيدُنَّ
عَلَيَّ".
قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ [قال أبومحمد] فَخَالَفَ
قَوْمٌ هَذَا وَدَفَعُوهُ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ يَقِينًا مِنْ
طَرِيقِ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ عليه الصلاة
والسلام أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى ان يَعْلَى وَبَرَكَةٍ وَأَفْلَحَ
وَنَافِعٍ وَيَسَارٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ
عَنْهَا ثُمَّ قُبِضَ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ،
ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ،
ثُمَّ تَرَكَهُ.
قال أبو محمد: لَيْسَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَ،
جَابِرٌ يَقُولُ مَا عِنْدَهُ، لأََنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ النَّهْيَ
وَسَمُرَةُ يَقُولُ مَا عِنْدَهُ، لأََنَّهُ سَمِعَ النَّهْيَ،
وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي، لأََنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا
زَائِدًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ جَابِرٍ وَلاَ يُمْكِنُ الأَخْذُ
بِحَدِيثِ جَابِرٍ إِلاَّ بِتَكْذِيبِ سَمُرَةَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ
هَذَا فَكَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْ الأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَابِرٌ
لَمْ يَنْهَ عَنْهَا أَصْلاً فَصَحَّ أَنَّ حَدِيثَ سَمُرَةَ لَيْسَ
مُخَالِفًا لأََكْثَرِ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لأََنَّ جَابِرًا
ذَكَرَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَنْهَ، عَنْ تِلْكَ
الأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَ وَصَدَقَ وَذَكَرَ سَمُرَةُ أَنَّهُ عليه
الصلاة والسلام نَهَى عَنْ بَعْضِهَا وَصَدَقَ.
وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
كَانَ لَهُ غُلاَمٌ أَسْوَدُ اسْمُهُ: رَبَاحٌ، يَأْذَنُ عَلَيْهِ
وَقَدْ غَابَ، عَنْ عُمَرَ أَمْرُ جِزْيَةِ الْمَجُوسِ وَهُوَ أَشْهَرُ
مِنْ النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ الأَسْمَاءِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ
يَغِيبَ عَنْ جَابِرٍ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ
الأَسْمَاءِ وَقَدْ غَابَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ النَّهْيُ عَنْ كَرْيِ
الأَرْضِ ثُمَّ بَلَغَهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَرَجَعَ إلَيْهِ وَهُوَ
أَشْهَرُ مِنْ هَذِهِ الأَسْمَاءِ.
َأَمَّا تَسْمِيَةُ غُلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
رَبَاحًا: فَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ وَهُوَ
ضَعِيفٌ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا
لِمَعْهُودِ الأَصْلِ، وَكَانَ النَّهْيُ شَرْعًا زَائِدًا لاَ يَحِلُّ
الْخُرُوجُ عَنْهُ وَقَالُوا: قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "
فَإِنَّك تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ فَيَقُولُ: لاَ " بَيَانٌ بِالْعِلَّةِ
فِي ذَلِكَ
(9/251)
وَهِيَ
عِلَّةٌ مَوْجُودَةٌ فِي خِيرَةَ وَخَيْرٍ وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ
وَمَحْمُودٍ وَأَسْمَاءَ كَثِيرَةٍ فَيَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهَا
عِنْدَكُمْ أَيْضًا قلنا: هَذَا أَصْلُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ لاَ
أَصْلُنَا وَإِنَّمَا نَجْعَلُ نَحْنُ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام سَبَبًا لِلْحُكْمِ فِي الْمَكَانِ
الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَقَطْ لاَ نَتَعَدَّاهُ إلَى مَا لَمْ
يَنُصَّ عَلَيْهِ.
بُرْهَانُنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَوْ
أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عِلَّةً فِي سَائِرِ الأَسْمَاءِ لَمَا
عَجَزَ، عَنْ ذَلِكَ بِأَخْصَرَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي أَتَى
بِهِ فَهَذَا حُكْمُ الْبَيَانِ وَاَلَّذِي يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ عليه
الصلاة والسلام مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فَتَكَلَّفَ
ذِكْرَ بَعْضِهَا وَعَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ بِالسَّبَبِ
فِي ذَلِكَ، وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ هُوَ حُكْمُ التَّلْيِيسِ،
وَعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا. وَلاَ دَلِيلَ
لَكُمْ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاكُمْ إِلاَّ الدَّعْوَى فَقَطْ،
وَالظَّنُّ الْكَاذِبُ. وَقَالُوا: قَدْ سَمَّى ابْنُ عُمَرَ غُلاَمَهُ
نَافِعًا وَسَمَّى أَبُو أَيُّوبَ غُلاَمَهُ: أَفْلَحَ بِحَضْرَةِ
الصَّحَابَةِ قلنا قَدْ غَابَ بِإِقْرَارِكُمْ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ
وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ الإِيلاَجِ، وَغَابَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ حُكْمُ
كَرْيِ الأَرْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَيُّمَا أَشْنَعُ مَغِيبُ مِثْلِ
هَذَا أَوْ مَغِيبُ النَّهْيِ، عَنْ اسْمٍ مِنْ الأَسْمَاءِ: فَبَطَلَ
كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. تَمَّ كِتَابُ صُحْبَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(9/252)
|