لِلشَّافِعِيَّةِ - الْجَهْرُ
وَالإِْسْرَارُ سَوَاءٌ وَلاَ تَرْجِيحَ وَهُمَا حَسَنَانِ (1) .
وَيُكْرَهُ التَّعَوُّذُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَبْل الْفَاتِحَةِ
وَالسُّورَةِ بِفَرْضٍ أَصْلِيٍّ أَسَرَّ بِهِ أَوْ جَهَرَ، وَجَازَ
بِنَفْلٍ (2) .
وَاخْتَارَ مُوَفَّقُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ الْجَهْرَ
بِالتَّعَوُّذِ فِي الْجِنَازَةِ.
قَال فِي الْفُرُوعِ: إِنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ تَعْلِيمًا
لِلسُّنَّةِ (3) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي صِفَةِ التَّعَوُّذِ وَمَحَلِّهِ وَسَائِرِ
الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ (ر: اسْتِعَاذَةٌ) .
الْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ:
6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تُسَنُّ
قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ سِرًّا فِي الصَّلاَةِ السِّرِّيَّةِ
وَالْجَهْرِيَّةِ (4) .
قَال التِّرْمِذِيُّ: وَعَلَيْهِ الْعَمَل عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْل
الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِنْهُمْ أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ.
__________
(1) روضة الطالبين 1 / 241، والمجموع 3 / 326.
(2) الشرح الصغير وحاشية الصاوي 1 / 337، نشر دار المعارف، وحاشية
العدوي على شرح الرسالة 1 / 229، نشر دار المعرفة.
(3) الفروع 1 / 413.
(4) الفتاوى الهندية 1 / 74، والزيلعي 1 / 112، والمغني 1 / 478، وكشاف
القناع 1 / 335، والمجموع 3 / 342.
(16/181)
وَهَذَا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ،
وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَالأَْوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ
الْمُبَارَكِ (1) .
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: صَلَّيْتُ
مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) .
وَقَال أَبُو هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لاَ يَجْهَرُ بِهَا (3) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْجَهْرُ
بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ فِي الْفَاتِحَةِ وَفِي
السُّورَةِ بَعْدَهَا (4) . فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (5) ، وَلأَِنَّهَا
تُقْرَأُ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ بِدَلِيل أَنَّهَا
تُقْرَأُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ فَكَانَ سُنَّتُهَا
__________
(1) المجموع 3 / 342، والمغني 1 / 478.
(2) الزيلعي 1 / 112. وحديث أنس: " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر. . . . " أخرجه مسلم (1 / 229 ط الحلبي) .
(3) حديث أبي هريرة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهر بها "
ذكره ابن عبد البر معلقا في الإنصاف (من مجموعة الرسائل المنيرية 2 /
179 - ط المنيرية) .
(4) المجموع 3 / 341، وروضة الطالبين 1 / 242.
(5) حديث ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر ببسم. . . "
أخرجه الدارقطني (1 / 303 - ط دار المحاسن) ، وأعل ابن حجر أحد رواة
إسناده في اللسان (5 / 423 - ط دار المعارف العثمانية) .
(16/182)
الْجَهْرَ كَسَائِرِ الْفَاتِحَةِ (1) .
قَال النَّوَوِيُّ: الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيَةِ قَوْل أَكْثَرِ
الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ
قَالُوا بِهِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ،
وَعَلِيٌّ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَابْنُ
عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ (2) .
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي
لَيْلَى وَالْحَكَمِ أَنَّ الْجَهْرَ وَالإِْسْرَارَ سَوَاءٌ (3) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ كَرَاهَةَ اسْتِفْتَاحِ
الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُطْلَقًا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ وَفِي السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا
سِرًّا وَجَهْرًا (4) .
قَال الْقَرَافِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: الْوَرَعُ الْبَسْمَلَةُ
أَوَّل الْفَاتِحَةِ خُرُوجًا مِنَ الْخِلاَفِ إِلاَّ أَنَّهُ يَأْتِي
بِهَا سِرًّا وَيُكْرَهُ الْجَهْرُ بِهَا (5) .
وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (ر: بَسْمَلَةٌ) .
__________
(1) المهذب 1 / 79.
(2) المجموع 3 / 341. اللجنة ترى أن ما روي عن الخلفاء الأربعة وعمار
من أنهم جهروا وأسروا بالتسمية يحمل على أنهم فعلوا ذلك لإعلام العامة
أن كلا الأمرين جائز، وأن في الأمر سعة.
(3) المجموع 3 / 342.
(4) حاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 228، والدسوقي 1 / 251.
(5) الدسوقي 1 / 251.
(16/182)
الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ:
أ - جَهْرُ الإِْمَامِ:
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى
أَنَّهُ يُسَنُّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي
الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ كَالصُّبْحِ، وَالْجُمُعَةِ،
وَالأُْولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (1) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ مُرَاعَاةُ
الْجَهْرِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ - وَهُوَ الْفَجْرُ، وَالْمَغْرِبُ
وَالْعِشَاءُ فِي الأُْولَيَيْنِ، وَكَذَا كُل صَلاَةٍ مِنْ شَرْطِهَا
الْجَمَاعَةُ، كَالْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالتَّرْوِيحَاتِ (2) -
وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فِيمَا يُخَافَتُ بِهِ؛ (3) لأَِنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى الْجَهْرِ
فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ وَالْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافَتُ بِهِ.
وَذَلِكَ دَلِيل الْوُجُوبِ، وَعَلَى هَذَا عَمَل الأُْمَّةِ.
ب - جَهْرُ الْمَأْمُومِ:
8 - ذَهَبَ الْقَائِلُونَ بِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَرَاءَ الإِْمَامِ
إِلَى سُنِّيَّةِ الإِْسْرَارِ، وَيُكْرَهُ لَهُ الْجَهْرُ سَوَاءٌ
أَسَمِعَ قِرَاءَةَ
__________
(1) المجموع 3 / 389، وكشاف القناع 1 / 332، والشرح الصغير 1 / 126 ط
المدني والدسوقي 1 / 242، 243.
(2) بدائع الصنائع 1 / 160، والزيلعي 1 / 126 - 127.
(3) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على الجهر فيما يجهر فيه
والمخافتة فيما يخافت به " أخرجه أبو داود في مراسيله عن الزهري بلفظ:
" سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجهر بالقراءة في الفجر في
الركعتين، والأوليين من المغرب والعشاء، ويسر فيما عدا ذل وحسنه أشرف
على التهاوني. (إعلاء السنن 4 / 3، 5 نشر إدارة القرآن والعلوم
الإسلامية - كراتشي باكستان) .
(16/183)
الإِْمَامِ أَمْ لاَ (1) . وَدَلِيل
كَرَاهَةِ الْجَهْرِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَل رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بِ {سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الأَْعْلَى} فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال: أَيُّكُمْ قَرَأَ أَوْ
أَيُّكُمُ الْقَارِئُ؟ فَقَال رَجُلٌ: أَنَا، فَقَال: قَدْ ظَنَنْتُ
أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا وَمَعْنَى خَالَجَنِيهَا جَادَلَنِيهَا
وَنَازَعَنِيهَا (2) .
ج - جَهْرُ الْمُنْفَرِدِ:
9 - يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ الْجَهْرُ فِي الصُّبْحِ، وَالأُْولَيَيْنِ
مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (3) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ
الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ إِنْ شَاءَ جَهَرَ
وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ (4) .
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ شَاءَ جَهَرَ بِقَدْرِ
مَا يُسْمِعُ أُذُنَيْهِ وَلاَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ.
__________
(1) المغني لابن قدامة 1 / 569، والشرح الصغير 1 / 318 ط دار المعارف،
والمجموع 3 / 390.
(2) حديث عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر.
. . " أخرجه مسلم (1 / 299 - ط الحلبي) .
(3) حاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 228، والشرح الصغير 1 / 126 ط
المدني والدسوقي 1 / 242 - 243، ومغني المحتاج 1 / 162، نشر دار الفكر،
والفروع 1 / 424.
(4) بدائع الصنائع 1 / 161، والزيلعي 1 / 127، والمغني 1 / 569، وكشاف
القناع 1 / 343، والفروع 1 / 424.
(16/183)
وَذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ
مُفَسَّرًا أَنَّهُ بَيْنَ خِيَارَاتٍ ثَلاَثَةٍ: إِنْ شَاءَ جَهَرَ
وَأَسْمَعَ غَيْرَهُ، وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَإِنْ
شَاءَ أَسَرَّ الْقِرَاءَةَ.
قَال الزَّيْلَعِيُّ: وَلَكِنْ لاَ يُبَالِغُ فِي الْجَهْرِ مِثْل
الإِْمَامِ لأَِنَّهُ لاَ يُسْمِعُ غَيْرَهُ (1) . وَنَقَل الأَْثْرَمُ
وَغَيْرُهُ أَنَّ تَرْكَ الْجَهْرِ لِلْمُنْفَرِدِ أَفْضَل (2) .
الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ:
10 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الصَّلاَةَ إِنْ
كَانَتْ سِرِّيَّةً فَالإِْسْرَارُ بِالتَّأْمِينِ سُنَّةٌ فِي حَقِّ
الإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ (3) .
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْجَهْرِ
وَالإِْسْرَارِ بِالتَّأْمِينِ حَسَبَ الاِتِّجَاهَاتِ التَّالِيَةِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
وَالطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الإِْسْرَارُ بِالتَّأْمِينِ
لِلْمُنْفَرِدِ وَالإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَمِيعًا (4) .
فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ
حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَال:
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 161، والزيلعي 1 / 127.
(2) الفروع 1 / 424.
(3) الموسوعة الفقهية 1 / 112، والفتاوى الهندية 1 / 74، والفواكه
الدواني 1 / 206، ومغني المحتاج 1 / 161، والمغني 1 / 490.
(4) البناية 2 / 171، والفتاوى الهندية 1 / 74، والزيلعي 1 / 113،
وأحكام القرآن لابن العربي 1 / 7 ط عيسى الحلبي، والمغني 1 / 490.
(16/184)
آمِينَ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ (1) .
وَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُخْفِي
الإِْمَامُ أَرْبَعًا: التَّعَوُّذَ، وَالْبَسْمَلَةَ، وَآمِينَ،
وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.
وَيُرْوَى مِثْل قَوْلِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ
يَقُول: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الإِْمَامُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُول
خَمْسَةٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُول ثَلاَثَةٌ، وَكُلُّهُمْ يَعُدُّ
التَّأْمِينَ مِنْهَا. وَلأَِنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى
الإِْخْفَاءِ؛ وَلأَِنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا عَقِيبَ الْجَهْرِ
بِالْقُرْآنِ لأََوْهَمَ أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ
دَفْعًا لِلإِْيهَامِ (2) .
وَبِمِثْل مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَذَا الْفَرِيقُ يَقُول
الْمَالِكِيَّةُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ. أَمَّا
الإِْمَامُ فَلاَ يُؤَمِّنُ أَصْلاً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ
الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ (3) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ سُنِّيَّةَ الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ فِي حَقِّ
الإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ جَمِيعًا فِيمَا يُجْهَرُ
فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ (4) .
__________
(1) حديث وائل أنه عليه الصلاة والسلام قال: آمين وخفض بها صوته. نوه
به الترمذي في جامعه (2 / 28 - ط الحلبي) ولم يسنده، وأعل هذه الرواية
الدارقطني وابن حجر كما في التلخيص (1 / 237 - ط شركة الطباعة الفنية)
وصوبا الرواية التي فيها أنه " مد بها صوته " وهي عند الترمذي (2 / 27)
، وقد حسنها الترمذي.
(2) الزيلعي 1 / 114.
(3) حاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 229، والفواكه الدواني 1 / 206،
وأحكام القرآن لابن العربي 1 / 7.
(4) المغني 1 / 490، ومطالب أولي النهى 1 / 431، 432.
(16/184)
وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ اتِّفَاقًا
فِي حَقِّ الإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. أَمَّا الْمَأْمُومُ
فَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجْهَرُ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (آمِينَ) .
الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيعِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ جَهْرُ الإِْمَامِ
بِالتَّسْمِيعِ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) لِيَسْمَعَ
الْمَأْمُومُونَ وَيَعْلَمُوا انْتِقَالَهُ كَمَا يَجْهَرُ
بِالتَّكْبِيرِ.
أَمَّا الْمُؤْتَمُّ وَالْمُنْفَرِدُ فَيُسْمِعُ نَفْسَهُ (2) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةٌ) .
الْجَهْرُ بِالتَّشَهُّدِ:
12 - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الإِْسْرَارِ بِالتَّشَهُّدِ
وَكَرَاهَةِ الْجَهْرِ بِهِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: مِنْ سُنَّةِ الصَّلاَةِ
أَنْ يُخْفِيَ التَّشَهُّدَ (3) .
قَال النَّوَوِيُّ: إِذَا قَال الصَّحَابِيُّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا
كَانَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي
عَلَيْهِ جُمْهُورُ
__________
(1) روضة الطالبين 1 / 247، ومغني المحتاج 1 / 161.
(2) شرح الكنز بحاشية أبي السعود 1 / 175، والزرقاني 1 / 207، وحاشية
الجمل 1 / 367، والمجموع 3 / 418، ومنتهى الإرادات 1 / 76.
(3) حديث عبد الله بن مسعود قال: " من سنة الصلاة أن يخفي التشهد ".
أخرجه الحاكم (1 / 230 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه
الذهبي.
(16/185)
الْعُلَمَاءِ مِنَ الْفُقَهَاءِ
وَالْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَابِ الأُْصُول الْمُتَكَلِّمِينَ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَشَهُّدٌ ف 7 ج 12 ص 38) .
الْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ:
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ دُعَاءِ الْقُنُوتِ مِنَ
الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
- إِلَى اسْتِحْبَابِ الإِْخْفَاءِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ
الإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ جَمِيعًا، لأَِنَّهُ
دُعَاءٌ، وَالْمَسْنُونُ فِي الدُّعَاءِ الإِْخْفَاءُ، قَال اللَّهُ
تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (2) وَقَال
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الذِّكْرِ
الْخَفِيُّ (3) .
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ: أَنَّهُ
إِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ جَهَرَ
وَأَسْمَعَ غَيْرَهُ، وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَإِنْ
__________
(1) المجموع 3 / 463، والفتوحات الربانية 2 / 339، والمغني 1 / 545،
والمبسوط للسرخسي 1 / 32.
(2) سورة الأعراف / 55.
(3) الفواكه الدواني 1 / 214، وحاشية الدسوقي 1 / 248، والبناية 1 /
523 - 524، والفتاوى الهندية 1 / 111، وبدائع الصنائع 1 / 274. وحديث:
" خير الذكر الخفي ". أخرجه أحمد (1 / 172 - ط الميمنية من حديث سعد بن
أبي وقاص، وفي إسناده انقطاع، كما في تحقيق أحمد شاكر للمسند (3 / 44 -
ط دار المعارف) .
(16/185)
شَاءَ أَسَرَّ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ،
وَإِنْ كَانَ إِمَامًا يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ لَكِنْ دُونَ الْجَهْرِ
بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ وَالْقَوْمُ يُتَابِعُونَهُ هَكَذَا
إِلَى قَوْلِهِ (إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ) وَإِذَا
دَعَا الإِْمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ قَال أَبُو يُوسُفَ: يُتَابِعُونَهُ
وَيَقْرَءُونَ. وَفِي قَوْل مُحَمَّدٍ لاَ يَقْرَءُونَ وَلَكِنْ
يُؤَمِّنُونَ. وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنْ شَاءَ الْقَوْمُ سَكَتُوا (1) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الإِْمَامَ يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ.
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَلْيَكُنْ جَهْرُهُ بِهِ دُونَ الْجَهْرِ
بِالْقِرَاءَةِ، فَإِنْ أَسَرَّ الإِْمَامُ بِالدُّعَاءِ حَصَّل
سُنَّةَ الْقُنُوتِ وَفَاتَهُ سُنَّةُ الْجَهْرِ.
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسِرُّ بِهِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ
فَيُؤَمِّنُ خَلْفَ الإِْمَامِ جَهْرًا لِلدُّعَاءِ، وَيَقُول
الثَّنَاءَ سِرًّا أَوْ يَسْتَمِعُ لإِِمَامِهِ (2) .
وَيُوَافِقُ الْحَنَابِلَةُ الشَّافِعِيَّةَ فِي اسْتِحْبَابِ جَهْرِ
الإِْمَامِ بِالْقُنُوتِ، وَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ لِلدُّعَاءِ (3) .
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ كَالإِْمَامِ عَلَى
الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (4) .
قَال ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةُ، وَالإِْنْصَافُ الَّذِي
يَرْتَضِيهِ الْعَالِمُ الْمُنْصِفُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَهَرَ وَأَسَرَّ وَقَنَتَ وَتَرَكَ، وَكَانَ إِسْرَارُهُ
أَكْثَرَ مِنْ جَهْرِهِ، وَتَرْكُهُ
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 274.
(2) حاشية الجمل 1 / 372 - 373.
(3) كشاف القناع 1 / 418، ومنتهى الإرادات 1 / 98، نشر مكتبة دار
العروبة.
(4) الإنصاف 2 / 172.
(16/186)
الْقُنُوتَ أَكْثَر مِنْ فِعْلِهِ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي صِفَةِ الْقُنُوتِ وَمَحَل أَدَائِهِ وَمِقْدَارِهِ
وَدُعَائِهِ (ر: قُنُوتٌ، وِتْرٌ) .
الْجَهْرُ بِالتَّسْلِيمِ لِلْخُرُوجِ مِنَ الصَّلاَةِ:
14 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي سُنِّيَّةِ الْجَهْرِ
بِالتَّسْلِيمَةِ الأُْولَى فِي حَقِّ الإِْمَامِ، وَاخْتَلَفُوا
فِيمَا سِوَى ذَلِكَ (2) .
فَيَرَى الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ
فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ يُسَنُّ جَهْرُ
الإِْمَامِ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ. فَقَدْ عَدَّ أَبُو السُّعُودِ
جَهْرَ الإِْمَامِ بِالسَّلاَمِ مُطْلَقًا مِنْ سُنَنِ الصَّلاَةِ.
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ كَمَا فِي
التَّحْقِيقِ أَنْ لاَ يُسَلِّمَ إِلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الإِْمَامِ
مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ. وَصَرَّحَ الْنَجِيرِمِيُّ بِكَرَاهَةِ
مُقَارَنَةِ الْمَأْمُومِ مَعَ الإِْمَامِ فِي السَّلاَمِ. فَيُسَنُّ
جَهْرُ الإِْمَامِ بِالسَّلاَمِ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ
فَيَعْلَمُوا فَرَاغَهُ مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ وَيُتَابِعُوهُ (3) .
وَالسُّنَّةُ فِي السَّلاَمِ أَنْ يَكُونَ جَهْرُ الإِْمَامِ
__________
(1) زاد المعاد 1 / 272.
(2) المغني 1 / 556، والشرح الصغير 1 / 128 ط المدني، والدسوقي 1 /
244، وشرح الكنز بحاشية أبي السعود 1 / 175، والبجيرمي على الخطيب 2 /
68، نشر دار المعرفة.
(3) حاشية أبي السعود على شرح الكنز 1 / 175، والفتاوى الهندية 1 / 77،
والبجيرمي على الخطيب 2 / 68، والمجموع 3 / 295، والمغني 1 / 556 -
557.
(16/186)
بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ أَخْفَضَ
مِنَ الأُْولَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجْهَرُ
بِالتَّسْلِيمَةِ الأُْولَى وَتَكُونُ الثَّانِيَةُ أَخْفَى مِنَ
الأُْولَى. لأَِنَّ الْجَهْرَ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ إِنَّمَا شُرِعَ
لِلإِْعْلاَمِ بِالاِنْتِقَال مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ وَقَدْ حَصَل
الْعِلْمُ بِالْجَهْرِ بِالتَّسْلِيمَةِ الأُْولَى فَلاَ يُشْرَعُ
الْجَهْرُ بِغَيْرِهَا. وَكَانَ ابْنُ حَامِدٍ يُخْفِي الأُْولَى
وَيَجْهَرُ بِالثَّانِيَةِ لِئَلاَّ يَسْبِقَهُ الْمَأْمُومُونَ
بِالسَّلاَمِ (1) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: تَسْلِيمٌ وَصَلاَةٌ، وَأَبْوَابُ صِفَةِ
الصَّلاَةِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ) .
الْجَهْرُ بِالتَّبْلِيغِ:
15 - يُسَنُّ لِلإِْمَامِ الْجَهْرُ بِتَكْبِيرَاتِ الصَّلاَةِ
كُلِّهَا وَبِقَوْلِهِ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " حَتَّى
بِزَوَائِدِ الْعِيدَيْنِ لِيَعْلَمَ الْمَأْمُومُونَ انْتِقَالاَتِهِ
مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ وَيُتَابِعُوهُ فِي تَكْبِيرَاتِ
الْعِيدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الإِْمَامُ ضَعِيفَ الصَّوْتِ لِمَرَضٍ
أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَصِل جَهْرُهُ إِلَى جَمِيعِ الْمُقْتَدِينَ
فَيَجْهَرُ الْمُؤَذِّنُ أَوْ غَيْرُهُ.
مِنَ الْمَأْمُومِينَ جَهْرًا يُسْمِعُ النَّاسَ (2) ، فَقَدْ أَخْرَجَ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال:
__________
(1) المغني لابن قدامة 1 / 556 ط الرياض، والمغني مع الشرح الكبير 1 /
596 - 597، والفتاوى الهندية 1 / 76.
(2) تنبيه ذوي الأفهام على أحكام التبليغ خلف الإمام (مجموعة رسائل ابن
عابدين) 1 / 142، نشر المكتبة الهاشمية، والمجموع 3 / 398، والمغني 1 /
496، والدسوقي 1 / 337.
(16/187)
اشْتَكَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، وَفِي
رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
خَلْفَهُ فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ لِيُسْمِعَنَا (1) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: تَبْلِيغٌ) .
الْجَهْرُ فِي الصَّلاَةِ الْمَقْضِيَّةِ:
16 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِيقَاعَ
الْمَقْضِيَّةِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ وَقْتَ أَدَائِهَا
مِنْ جَهْرٍ وَإِسْرَارٍ، فَالاِعْتِبَارُ عِنْدَهُمْ بِوَقْتِ
الْفَائِتَةِ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ
فَصَلاَّهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ (3)
كَمَا فَعَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
قَضَى الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بِجَمَاعَةٍ (4) .
وَإِنْ أَمَّ لَيْلاً فِي صَلاَةِ النَّهَارِ يُخَافِتْ وَلاَ يَجْهَرْ
فَإِنْ جَهَرَ سَاهِيًا كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ (5) .
__________
(1) حديث جابر: " اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه "
أخرجه مسلم (1 / 309 - ط الحلبي) .
(2) القوانين الفقهية ص 72، نشر دار الكتاب العربي، وروضة الطالبين 1 /
269.
(3) الجوهرة النيرة 1 / 68، والبناية 2 / 268، 269، وفتح القدير 1 /
230، 231.
(4) حديث: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة ليلة التعريس
بجماعة " أخرجه مسلم (1 / 472 - ط الحلبي) من حديث أبي قتادة.
(5) الفتاوى الهندية 1 / 72.
(16/187)
وَالْمُنْفَرِدُ إِذَا قَضَى الصَّلَوَاتِ
الَّتِي يَجْهَرُ بِهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ
وَالإِْسْرَارِ، وَيَرَى بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ
الْجَهْرَ أَفْضَل مِنَ الإِْسْرَارِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْصَحِّ إِلَى أَنَّ الاِعْتِبَارَ
بِوَقْتِ الْقَضَاءِ (2) .
فَالْمَقْضِيَّةُ يَجْهَرُ فِيهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ إِلَى
طُلُوعِهَا، وَيُسِرُّ مِنْ طُلُوعِهَا إِلَى غُرُوبِهَا (3) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُسِرُّ فِي قَضَاءِ
صَلاَةٍ جَهْرِيَّةٍ إِذَا قَضَاهَا فِي نَهَارٍ - وَلَوْ جَمَاعَةً -
اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ، كَصَلاَةِ سِرٍّ قَضَاهَا وَلَوْ
لَيْلاً اعْتِبَارًا بِالْمَقْضِيَّةِ (4) .
وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةٍ جَهْرِيَّةٍ قَضَاهَا لَيْلاً
فِي جَمَاعَةٍ اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ وَشَبَّهَهَا
بِالأَْدَاءِ لِكَوْنِهَا فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ قَضَاهَا مُنْفَرِدًا
أَسَرَّهَا لِفَوَاتِ شِبْهِهَا بِالأَْدَاءِ (5) .
الْجَهْرُ فِي مَوْضِعِ الإِْسْرَارِ وَالْعَكْسُ:
17 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا يُجْهَرُ
بِهِ وَالإِْخْفَاتَ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ
الصَّلاَةِ (6) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 72، والزيلعي 1 / 127، والبناية 2 / 269، 270،
وفتح القدير 1 / 230، 231.
(2) روضة الطالبين 1 / 369.
(3) مغني المحتاج 1 / 162، نشر دار الفكر.
(4) كشاف القناع 1 / 343.
(5) مطالب أولي النهى 1 / 441، وكشاف القناع 1 / 343، 344
(6) الإفصاح 1 / 93، والشرح الصغير 1 / 126 ط المدني، والدسوقي 1 /
243، والفروع 1 / 467، وكشاف القناع 1 / 332، والمغني 1 / 569،
والبجيرمي على الخطيب 2 / 55 - 56.
(16/188)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ
يَجِبُ الْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ وَالْمُخَافَتَةُ فِيمَا
يُخَافَتُ فِيهِ (1) .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُوجِبُهُ الْجَهْرُ فِي مَوْضِعِ
الإِْسْرَارِ أَوِ الْعَكْسُ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ مَنْ جَهَرَ
فِي مَوْضِعِ الإِْسْرَارِ أَوْ أَسَرَّ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ لَمْ
تَبْطُل صَلاَتُهُ وَلاَ سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ
ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا (2) .
وَبِهَذَا يَقُول الْحَنَابِلَةُ إِنْ تَرَكَ الْجَهْرَ وَالإِْخْفَاتَ
فِي مَوْضِعِهِمَا عَمْدًا.
وَإِنْ تَرَكَ سَهْوًا فَفِي مَشْرُوعِيَّةِ السُّجُودِ مِنْ أَجْلِهِ
رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ:
إِحْدَاهُمَا: لاَ يُشْرَعُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَالأَْوْزَاعِيِّ.
وَالثَّانِيَةُ: يُشْرَعُ (3) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ جَهَرَ الإِْمَامُ فِيمَا
يُخَافَتُ فِيهِ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ تَلْزَمُهُ
سَجْدَةُ السَّهْوِ؛ لأَِنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِهِ
وَالْمُخَافَتَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ، لِمُوَاظَبَةِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا،
فَبِتَرْكِهِمَا يَلْزَمُ سُجُودُ السَّهْوِ (4) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 72.
(2) المجموع 3 / 390 - 391.
(3) المغني 2 / 31 - 32.
(4) البناية 1 / 660، وفتح القدير 1 / 360.
(16/188)
هَذَا فِي حَقِّ الإِْمَامِ، أَمَّا
الْمُنْفَرِدُ فَلاَ سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْجَهْرَ
وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ (1) .
وَعَدَّ الْمَالِكِيَّةُ الْجَهْرَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالسِّرَّ
فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ الَّتِي
تَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ (2) .
وَقَالُوا: لاَ سُجُودَ فِي يَسِيرِ جَهْرٍ فِي سِرِّيَّةٍ بِأَنْ
أَسْمَعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ فَقَطْ، أَوْ يَسِيرِ سِرٍّ فِي
جَهْرِيَّةٍ، وَلاَ فِي إِعْلاَنٍ أَوْ إِسْرَارٍ فِي مِثْل آيَةٍ فِي
مَحَل سِرٍّ أَوْ جَهْرٍ (3) .
وَعَبَّرَ الدَّرْدِيرُ عَنْ حَاصِل الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ فِي
الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ:
إِنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَأَتَى بَدَلَهُ
بِالسِّرِّ فَقَدْ حَصَل مِنْهُ نَقْصٌ، لَكِنْ لاَ سُجُودَ عَلَيْهِ
إِلاَّ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى حَرَكَةِ اللِّسَانِ.
وَإِنَّ مَنْ تَرَكَ السِّرَّ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ وَأَتَى بَدَلَهُ
بِالْجَهْرِ فَقَدْ حَصَل مِنْهُ زِيَادَةٌ، لَكِنْ لاَ سُجُودَ
عَلَيْهِ بَعْدَ السَّلاَمِ، إِلاَّ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ
سَمَاعِ نَفْسِهِ وَمَنْ يُلاَصِقُهُ، بِأَنْ كَانَ يَسْمَعُهُ مَنْ
بَعُدَ عَنْهُ بِنَحْوِ صَفٍّ فَأَكْثَر (4) .
__________
(1) البناية 1 / 661، وفتح القدير 1 / 361.
(2) أسهل المدارك 1 / 217، والكافي لابن عبد البر 1 / 228، وانظر
الحطاب والمواق 2 / 18 - 19.
(3) الدسوقي 1 / 279.
(4) الشرح الصغير 1 / 155 - 156 ط المدني، والشرح الصغير وحاشية الصاوي
عليه 1 / 382، نشر دار المعارف.
(16/189)
الْجَهْرُ فِي النَّوَافِل:
18 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي سُنِّيَّةِ الإِْسْرَارِ فِي
نَوَافِل النَّهَارِ الْمُطْلَقَةِ (1) .
أَمَّا نَوَافِل اللَّيْل فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَصَاحِبُ
التَّتِمَّةِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ سُنِّيَّةَ الْجَهْرِ فِيهَا (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ بَيْنَ
الْجَهْرِ وَالإِْخْفَاءِ؛ لأَِنَّ النَّوَافِل تَبَعٌ لِلْفَرَائِضِ
لِكَوْنِهَا مُكَمِّلاَتٍ لَهَا فَيُخَيَّرُ فِيهَا الْمُنْفَرِدُ
كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْفَرَائِضِ.
وَإِنْ كَانَ إِمَامًا جَهَرَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا اتِّبَاعُ
الْفَرَائِضِ، وَلِهَذَا يُخْفِي فِي نَوَافِل النَّهَارِ وَلَوْ كَانَ
إِمَامًا (3) .
وَيَقُول الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمُتَنَفِّل لَيْلاً يُرَاعِي
الْمَصْلَحَةَ، فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ مَنْ
يَتَأَذَّى بِجَهْرِهِ أَسَرَّ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يَنْتَفِعُ
بِجَهْرِهِ جَهَرَ (4) .
وَقَال صَاحِبُ التَّهْذِيبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يُتَوَسَّطُ
(الْمُتَنَفِّل لَيْلاً) بَيْنَ الْجَهْرِ وَالإِْسْرَارِ.
__________
(1) مجمع الأنهر 1 / 100، ومغني المحتاج 1 / 162، وروضة الطالبين 1 /
248، والمجموع 3 / 391، والمواق بهامش الحطاب 2 / 68، والزرقاني 1 /
281.
(2) المواق 2 / 68، والزرقاني 1 / 281، وروضة الطالبين 1 / 248،
والمجموع 3 / 391.
(3) مجمع الأنهر 1 / 100.
(4) كشاف القناع 1 / 344، ومطالب أولي النهى 1 / 441.
(16/189)
هَذَا إِنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ
أَوْ مُصَلٍّ أَوْ نَحْوِهِ وَإِلاَّ فَالسُّنَّةُ الإِْسْرَارُ (1) .
قَال الْمُحِبُّ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْكَتَّانِيُّ: وَالأَْظْهَرُ
أَنَّ النَّهَارَ هُنَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لاَ مِنْ طُلُوعِ
الْفَجْرِ، وَاللَّيْل مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِهَا (2) .
وَأَمَّا أَحْكَامُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي النَّوَافِل غَيْرِ
الْمُطْلَقَةِ، كَصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ، وَالْكُسُوفِ،
وَالاِسْتِسْقَاءِ، وَالتَّرَاوِيحِ، وَالْوِتْرِ، فَتُنْظَرُ فِي
مُصْطَلَحَاتِهَا وَفِي أَبْوَابِهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ (3) .
إِسْرَارُ الْمَرْأَةِ وَجَهْرُهَا فِي الصَّلاَةِ:
19 - ذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ
إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ كَانَتْ خَالِيَةً أَوْ بِحَضْرَةِ
نِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ مَحَارِمَ جَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ
صَلَّتْ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ أَسَرَّتْ (4) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ كَرَاهَةَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ
لِلْمَرْأَةِ فِي الصَّلاَةِ (5) . وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجِبُ
عَلَيْهَا إِنْ كَانَتْ
__________
(1) روضة الطالبين 1 / 248، والمجموع 3 / 391، ومغني المحتاج 1 / 162.
(2) كشاف القناع 1 / 344، ومطالب أولي النهى 1 / 441.
(3) مغني المحتاج 1 / 162، والمجموع 3 / 391، ومطالب أولي النهى 1 /
441، والزرقاني 1 / 281، ومجمع الأنهر 1 / 100، والفتاوى الهندية 1 /
72.
(4) المجموع 3 / 390، وروضة الطالبين 1 / 248، والفروع 1 / 424، وكشاف
القناع 1 / 332.
(5) الدسوقي 1 / 282.
(16/190)
بِحَضْرَةِ أَجَانِبَ يَخْشَوْنَ مِنْ
عُلُوِّ صَوْتِهَا الْفِتْنَةَ إِسْمَاعُهَا نَفْسَهَا فَقَطْ (1) .