الموسوعة
الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة الموسوعة الفقهية الميسرة
في
فقه الكتاب والسنة المطهرة
الجزء الخامس
كتاب النكاح والطلاق والحضانة
بقلم
حسين بن عودة العوايشة
المكتبة الإسلامية
دار ابن حزم
(5/1)
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1425 هـ - 2004 م
الكتب والدراسات التي تصدرها الدار
تعبر عن آراء واجتهادات أصحابها
المكتبة الإسلامية
ص ب: (113) الجبيهة؛ هاتف 5342887
عمَّان - الأردن
دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع
بيروت - لبنان - ص ب: 6366/ 14 - تليفون: 701974
(5/2)
الموسوعة الفقهية الميسرة
في
فقه الكتاب والسنة المطهرة
(5/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
(5/4)
النِّكاح
(5/5)
النِّكاح
تعريفه -في اللغة-: الضمّ والتداخُل (1).
وفي الشرع: التزويج وربُّما عُبِّر به عن الغِشْيان نفسه (2).
التَّرغيب في النكاح (3):
لقد رغَّب الإِسلام في الزواج بصورٍ مُتعدِّدة للترغيب: فتارة يذكر أنَّه
من سُنن الأنبياء، وهَدْي المرسلين، وأنّهم القادة الذين يجب علينا أن
نقتدي بهُداهم: {ولقد أَرْسَلنا رُسُلاً من قَبْلِك وجَعَلنا لهم أزواجاً
وذُرِّيَّة} (4).
وتارةً يذكره في معرض الامتنان: {واللهُ جَعَلَ لكُم مِنْ أَنْفُسكُم
أزواجاً وجَعَلَ لكم من أزواجكم بَنِينَ وحَفَدَةً وَرَزَقَكم من
الطيِّبات} (5).
وأحياناً يتحدّث عن كونه آيةً من آيات الله: {ومن آياته أن خَلَقَ لَكُم من
أَنْفُسِكم أزواجاً لِتَسْكُنُوا إِليها وجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً
ورَحْمَة إِنَّ في ذلك
__________
(1) "فتح" (9/ 103).
(2) "حلية الفقهاء" (ص 165).
(3) عن "فقه السُّنّة" (2/ 326) بتصرّف.
(تنبيه): من هذا العنوان حتى آخر كتابي "الموسوعة الفقهية"؛ سأعتمد -إِن
شاء الله تعالى- في عَزْوِي إلى "فقه السنة" -طبعة "الفتح للإِعلام
العربي"- مصر.
(4) الرعد: 38.
(5) النحل: 72.
(5/7)
لآياتٍ لقوم يتفكرون} (1).
وقد يتردّد المرء في قَبول الزواج، فيُحْجِمُ عنه؛ خوفاً من الاضطلاع
بتكاليفه، وهروباً من احتمال أعبائه، فَيَلْفِتُ الإِسلام نظره إِلى أنّ
الله سيجعل الزواج سبيلاً إِلى الغنى، ويمده بالقوة، التي تجعله قادراً على
التغلُّب على أسباب الفقر: {وأَنْكِحُوا الأَيَامَى (2) مِنْكُمْ
والصَّالِحين من عِبَادكُمْ (3) وإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء
يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه (4) واللهُ واسعٌ عليم} (5).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتَب
(6) الذي يريد الأداء، والناكح الذي
__________
(1) الروم: 21.
(2) الأيامى: جمع أيّم، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها، وللرجل الذي لا
زوجة له، وسواء كان قد تزوج ثمّ فارق، أو لم يتزوج واحد منهما. حكاه
الجوهرى عن أهل اللغة، يقال: رجل أيّم، وامرأة أيّم أيضاً. "تفسير ابن
كثير".
(3) أي: عبيدكم.
(4) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: رغبهم الله في التزويج، وأمر به
الأحرار والعبيد، ووعَدهم عليه الغنى، فقال: {إِنْ يكونوا فقراء يغنهم الله
من فضله}. "تفسير ابن كثير".
(5) النور: 32.
(6) المكاتَب: من الكتابة: وهي أن يكاتِب الرجل عبده على مال يؤدّيه إِليه
مُنجْماً، فإِذا أدّاه صار حرّاً، وسُمّيت كتابة لمصدر كَتَب، كأنه يكْتُب
على نفسه لمولاه ثمنه، ويكتب مولاه له عليه العِتق، وقد كاتبه مُكاتبة،
والعبد مكاتَب. وانظر "النهاية".
(5/8)
يريد العفاف" (1).
وجاء في "سنن النسائي": (باب معونَةِ اللهِ الناكحَ الذي يُريد العفاف (2))
وذكر الحديث السابق.
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة"
(3).
وعن ثوبان قال: لمّا نزلت: {والذين يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ} (4)،
قال: كنّا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض
أسفاره، فقال بعض الصحابة: أُنزلت في الذهب والفضة، لو عَلِمنا أيُّ المال
خيرٌ فَنتَّخِذَهُ؟ فقال: "أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه
على إِيمانه" (5).
ْوعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِن سعادة ابن آدم ثلاثة، ومِن شِقْوَةِ ابن آدم
ثلاثة. مِن سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب
الصالح. ومِن شِقْوة ابن آدم: المرأة السوء،
__________
(1) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (1352)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (2041)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (3017)، وانظر "غاية المرام"
(210).
(2) انظر "صحيح سنن النسائي" (2/ 677).
(3) أخرجه مسلم: 1467.
(4) التوبة: 34.
(5) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (2470)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (1505)، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" (1913).
(5/9)
والمسكن السوء، والمركب السوء" (1).
وعنه -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: "ثلاث من السَّعادة: المرأة تراها تعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على
نفْسها ومالك، والدابّة تكون وَطِيئةً، فتُلحِقُك بأصحابك، والدار تكون
واسعة كثيرة المرافق.
وثلاث من الشقاء: المرأة ترأها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإنْ غِبت لم
تأمنها على نفسها ومالك، والدابّة تكون قَطُوفاً (2)، فإِن ضربتها أتعبتك،
وإِن تركتها لم تُلْحِقْك بأصحابك، والدار تكون ضيّقة قليلة المرافق" (3).
وعن أنس -رضي الله عنه- أنّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال: "من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في
الشطر الباقي" (4).
وفي رواية: "إِذا تزوّج العبد؛ فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف
الباقي" (5).
__________
(1) أخرجه أحمد بإِسناد صحيح، والطبراني وغيرهما، وانظر "صحيح الترغيب
والترهيب" (1914)، و"الصحيحة" (1047).
(2) القَطُوف من الدواب: التي تُسيء السير وتُبطئ، وقد يوصف بها الإنسان
فيقال: هذا غلام قطوف. "الوسيط".
(3) أخرجه الحاكم وغيره، وحسنه شيخنا -رحمه الله- في "صحيح الترغيب
والترهيب" (1915)، وانظر "الصحيحة" (1047).
(4) أخرجه الطبراني في "الأوسط" وغيره، وحسنه لغيره شيخنا -رحمه الله- في
"صحيح الترغيب والترهيب" (1916)، وانظر "الصحيحة" تحت الحديث (625).
(5) أخرجه البيهقي، وحسنه لغيره شيخنا -رحمه الله- في "صحيح الترغيب =
(5/10)
حُكم الزواج:
يجب الزواج على كل شخص يخشى العنَت -وهو الوقوع في الزنى والفجور-.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة (1)
فليتزوج، فإِنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإِنه
له وجاء (2) " (3).
__________
= والترهيب" (1916).
(1) قال النووي -رحمه الله-: "واختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على
قولين، يرجعان إِلى معنى واحد، أصحهما أن المراد معناها اللغوي، وهو
الجماع، فتقديره: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مُؤَنِهِ، وهي مُؤَنُ
النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه؛ فعليه بالصوم ليدفع
شهوته، ويقطع شرَّ منيِّه كما يقطعه الوجاء. وعلى هذا القول؛ وقع الخطاب مع
الشبَّان الذين هم مَظِنَّة شهوة النساء، ولا ينفكّون عنها غالباً. والقول
الثاني: أن المراد هنا بالباءة مُؤَنُ النكاح، سُمّيت باسم ما يلازمها.
وتقديره: من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطعها فليصم؛ ليدفع
شهوته. والذي حمل القائلين بهذا على أنهم قالوا: قوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، قالوا: والعاجز عن
الجماع لا يحتاج إِلى الصوم لدفع الشهوة، فوجب تأويل الباءة على المؤن.
وأجاب الأولون بما قدّمناه في القول الأول وهو أن تقديره من لم يستطع
الجماع؛ لعجزه عن مؤنه وهو محتاج إلى الجماع؛ فعليه بالصوم. والله أعلم".
(2) جاء في "النهاية": "الوجَاء: أن تُرَضّ أنثيا الفحل رضّاً شديداً يُذهب
شهوة الجماع ... ". وفي "الفتح" (9/ 110): " ... وجأه بالسيف: إِذا طعنه
به؛ ووجأ أنثييه؛ غمزهما حتى رضّهما". وقال النووي -رحمه الله-: "المراد
هنا: أنّ الصوم يقطع الشهوة، ويقطع شر المنيّ كما يفعله الوجاء".
(3) أخرجه البخاري: 5066، ومسلم: 1400.
(5/11)
قال الحافظ ابن كثير بعد قوله -تعالى-:
{وأنكحوا الأيامى ... }: "وقد ذهب طائفة من العلماء إِلى وجوبه، على كلّ من
قدر عليه، واحتجوا بظاهر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا
معشر الشباب ... " ... ".
ومن لم يستطع الباءة التي تقدّم ذِكرها فعليه بالصوم؛ لحديث عبد الله بن
مسعود -رضي الله عنه- المتقدّم: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإِنّه له
وجاء".
الزواج الحرام (1):
يحرُم الزواج في حق من يُخِلّ بالزوجة في الوطء والإِنفاق، مع عدم قدرته
عليه وتَوَقَانِهِ إِليه، قال الطبري: فمتى علم الزوج أنّه يعجز عن نفقة
زوجته، أو صَداقها، أو شيء من حقوقها الواجبة عليه، فلا يحلّ له أن
يتزوجها، حتى يُبيّن لها، أو يعلم من نفسه القدرة على أداء حقوقها.
وكذلك لو كانت به علة تمنعه من الاستمتاع، كان عليه أن يبيّن؛ كيلا يغرَّ
المرأة من نفسه، وكذلك لا يجوز أن يغرّها بنسب يدّعيه؛ ولا مال ولا صناعة
يذكرها وهو كاذب فيها.
وكذلك يجب على المرأة، إِذا علِمت من نفسها العجز عن قيامها بحقوق الزوج،
أو كان بها علّة تمنع الاستمتاع؛ من جنون، أو جذام، أو برص، أو داءٍ في
الفرج، لم يجُز لها أن تغرّه، وعليها أن تبيّن له ما بها في ذلك، كما يجب
على بائع السلعة أن يبيّن ما بسلعته من العيوب.
__________
(1) هذا العنوان وما يتضمّنه من "فقه السُّنّة" (2/ 334) بتصرّف.
(5/12)
ومتى وجَد أحد الزوجين بصاحبه عيباً، فله
الردّ، فإِنْ كان العيب بالمرأة ردّها الزوج، وأخذ ما كان أعطاها من
الصَّداق.
وسألتُ شيخنا -رحمه الله-: إِذا اكتشف الرجل عيباً بالمرأة يمنعه
الاستمتاع، فهل له أخْذ ما أعطاها من الصّداق؟
فأجاب -رحمه الله-: إِذا جامعها؛ لا، وإِذا لم يجامعها فله ذلك.
النهي عن التبتّل (1) للقادر على الزواج:
عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: "ردّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عثمان بن مظعون التبتل (1)، ولو أذِن له
لاختصينا" (2).
هل يقدّم الزواج على الحجّ؟
إِذا احتاج الشخص إِلى الزواج وخشي العنت؛ فإِنه يقدّمه على حجّة الإِسلام
التي تجب عليه، وإلا قدّم الحجّ عليه.
__________
(1) قال النووي -رحمه الله-: "قال العلماء: التبتل هو الانقطاع عن النساء
وترك النكاح؛ انقطاعاً إِلى عبادة الله. وأصل التبتل القطع، ومنه: مريم
البتول، وفاطمة البتول؛ لانقطاعهما عن نساء زمانهما ديناً وفضلاً ورغبة في
الآخرة. ومنه صدقة بتلة؛ أي: منقطعة عن تصرف مالكها. قال الطبري: التبتل هو
ترك لذَّات الدنيا وشهواتها، والانقطاع إِلى الله -تعالى- بالتفرغ لعبادته.
وقوله: "رد عليه التبتل" معناه: نهاه عنه. وهذا عند أصحابنا محمول على من
تاقت نفسه إِلى النكاح ووجد مؤنه، وعلى من أضرّ به التبتل بالعبادات
الكثيرة الشاقّة. أمّا الإِعراض عن الشهوات واللذات؛ من غير إِضرار بنفسه،
ولا تفويت حق لزوجة ولا غيرها؛ ففضيلة ... ".
(2) أخرجه البخاري: 5073، ومسلم: 1402.
(5/13)
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبيّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "غزا نبيٌّ من الأنبياء، فقال
لقومه: لا يَتبعْني رجل قد ملَك بُضع (1) امرأة وهو يُريد أن يبنيَ بها
ولمّا يَبْنِ بها، ولا آخرُ قد بنى بُنياناً ولمّا يرفَعْ سقُفَها ... "
(2).
جاء في "الصحيحة" تحت هذا الحديث (202): "قال ابن المنيِّر: يستفاد منه
الردّ على العامّة في تقديمهم الحجّ على الزواج، ظنّاً منهم أنّ التعفّف
إِنّما يتأكّد بعد الحجّ، بل الأولى أن يتعفّف ثمّ يحجّ".
وسألتُ شيخنا -رحمه الله-: هل يقدّم الزواج على الحج؟
فأجاب: إِذا خشي العنَت قدّمه، وإلا فلا.
في ذمِّ العِشْق:
قال ابن القيّم -رحمه الله- في "زاد المعاد" (4/ 265) -بحذف-: "هذا مرض من
أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكّن
واستحكم، عزّ على الأطباء دواؤه، وأعْيَا العليلَ داؤُه، وإنما حكاه الله
-سبحانه- في كتابه عن طائفتين من النّاس؛ من النّساء، وعُشّاق الصبيان
المُردان، فحكاه عن امرأة العزيز في شأن يوسف، وحكاه عن قوم لوط، فقال
-تعالى- إِخباراً عنهم لمّا جاءت الملائكة لوطاً: {وَجَاءَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا
تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا
أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ
كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ
يَعْمَهُونَ} (3).
__________
(1) البُضع: فرج المرأة.
(2) أخرجه مسلم: 1747.
(3) الحجر: 67 - 72.
(5/14)
نعم؛ كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحبُّ نِساءه، وكان أحبهنّ إِليه عائشة -رضي الله
عنها- ولم تكن تبلُغُ محبتُه -لها ولا لأحد سوى ربه- نهايةَ الحبّ.
وعِشق الصور إِنما تُبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله -تعالى-،
المُعرضة عنه، المتعوّضة بغيره عنه، فإِذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق
إِلى لقائه، دفع ذلك عنه مَرَضَ عِشْق الصور، ولهذا قال -تعالى- في حقّ
يوسف: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إِنّه من عبادنا المُخلَصين} (1)،
فدل على أن الإِخلاص سبب لدفع العشق؛ وما يترتّب عليه من السوء والفحشاء
التي هي ثمرته ونتيجته، فصرف المسبَّب صرف لسَبَبِهِ، ولهذا قال بعض السلف:
العشق حركة قلب فارغ، يعني: فارغاً مما سوى معشوقه. قال -تعالى-: {وأصبح
فؤاد أمّ موسى فارغاً إِن كادت لتبدي به} (2) أي: فارغاً من كل شيء إِلا من
موسى؛ لِفَرْطِ محبتها له، وتعلّق قلبها به.
والمحبة أنواع متعددة: فأفضلها وأجلها: المحبة في الله ولله، وهي تستلزم
محبة ما أحبّ الله، وتستلزم محبة الله ورسوله.
ومنها: محبة الاتفاق في طريقةٍ، أو دينٍ، أو مذهب، أو نِحلة، أو قرابة، أو
صناعة، أو مرادٍ ما.
ومنها: محبة لنيل غرض من المحبوب، إِمّا مِن جاهه أو من ماله أو مِن تعليمه
وإرشاده، أو قضاء وَطَرٍ منه، وهذه هي المحبة العَرَضِيَّةُ التي تزول
بزوال مُوجِبِها، فإِنَّ مَنْ ودَّك لأمرٍ ولّى عنك عند انقضائه.
__________
(1) يوسف: 24.
(2) القصص: 11.
(5/15)
وأمّا محبةُ المشاكلة والمناسبة التي بين
المحب والمحبوب، فمحبة لازمة لا تزول إِلا لعارض يُزيلها، ومحبة العشق من
هذا النوع، فإِنها استحسان روحاني، وامتزاج نفساني، ولا يَعْرِضُ في شيء من
أنواع المحبة -من الوسواس والنحول، وشغل البال، والتلف- ما يَعْرِضُ من
العشق". انتهى.
قلت: وبهذا؛ فالعِشق مَشْغَلةٌ عن الله -سبحانه- الذي ينبغي أن يكون أحبَّ
إِليك من نفسك ومالك والناس أجمعين.
وهو عذابٌ لا يُؤجر المرء عليه، وقد يدفع بعضَ الناس إِلى الشرك بالله،
وتقديم ذلك المحبوب على الله -تعالى- أو رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -. ولو قيل لبعضهم: لو طُلب منك الكُفر لِنَيْلِ محبوبك، أكنتَ
فاعلَهُ؟ لقال: نعم! نعوذ بالله -تعالى- من الخِذلان.
قال الشاعر:
فما في الأرض أشقى من مُحِبٍّ ... وإِنْ وجَدَ الهوى حُلْوَ المذاقِ
تراه باكياً في كلّ حينٍ ... مخافةَ فُرقةٍ أو لاشتياقِ
والعِشق يوقع صاحبه في الذُّل؛ فإِنه لا يرضى إِلا بالمعشوق، فكلما تقدّم
الخُطّاب -ومهما كانوا متحلّين بحُسن الدين والخُلُق-؛ كان الكذب في إِبداء
المعاذير وردّهم.
وخيرُ ما يفعله الشابُّ أو الشابّة؛ عدم التعلّق بمعشوق، والجِدّ والمثابرة
في النكاح الصحيح؛ في ضوء قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إِذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه" (1).
مع إضافة ما يمكن الحصول عليه من الرغبة في الجمال ونحوه.
__________
(1) سيأتي تخريجه -إِن شاء الله تعالى-.
(5/16)
وأنت تَرى أنّ كلّ عاشق يزعم أن عشيقته هي
ملكة الجمال في كلّ من خلَق الله -تعالى- من نساء الأرض! وذلك لأنه صادف
قلباً خالياً فتمكّن؛ كما في قول الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكّنا
فليت أوّل لحظة من هذا تكون في فتاة فاضلة، بعد خِطبة شرعيّة وموافقة من
الوليّ؛ ليكون تعلّقهما صحيحاً، وبذا يشعران بالغبطة والحبور والسرور
والسعادة؛ عند المحادثة وعند اللقاء ونحو ذلك، فحَذارِ أن تعيش في سراب،
ولا تتخيّر العذاب! جعلني الله وإِياك من أولي الألباب.
ومع رغبتي في الإِفاضة في الموضوع؛ أكتفي بهذا، ففي هذا ذكرى و {الذكرى
تنفع المؤمنين} (1).
الرغبة عن الزواج:
ومن المصائب الكُبرى التي ابتُلِيَتْ بها أمّتنا؛ الاستهتار بالنكاح، ولا
تجدُ ثمّة تفكير عند الشباب فيه، والأسباب كثيرة؛ من أبرزها الحرص على
الحصول على الشهادة -ولا أقول: الحرص على تلقّي العلم-، والكلام في هذا
يطول، ولكن ملخّصه:
إِنّ مناهج الحياة قد صُنعت لنا وفُرضت علينا من قِبَل الكَفرة والمشركين،
وحَرص كثير من الناس على أخْذها بحبّ وقناعة، ومن ذلك النظام التعليمي،
فالشباب والشابّات قد أَقْصَوْا عن تفكيرهم أمر الزواج؛ حتى يُنْهوا
الدراسة الجامعية، واشترط بعضهم التخصص! واشترط كثيرٌ منهم ممارسة العمل
والحصول
__________
(1) الذاريات: 55.
(5/17)
على الأموال الكثيرة، وماذا يكون من شأنهم
وشأنهنّ خلال فترة الدراسة؟! أَيَقْضُونَهَا في غَضِّ بصرٍ وحِفْظ فرجٍ، أم
صومٍ ليكون لهم وجاءً؟! وهناك من يلجأ إِلى الاستمناء (العادة السرية)
ليطفئ حرارة شهوته.
وقال لنا شيخنا -رحمه الله- في بعض مجالسه:
العادة السرّية [الاستمناء] حرام، ولو خشي الزنى، والحَلُّ هو الزواج! وتلا
قوله -تعالى-: { ... فَمَن ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلكَ فأولئِك هُمُ العَادُون}
(1).
أقول: إِنّ في بلاد الكُفر إِباحة جنسية، ففي السنة السادسة الدراسية؛
تُدرّس الموادّ الجنسية، مع التطبيق العملي والوسائل المُعِينَةِ في ذلك!
الجنس مُشاعٌ ميسَّر في كل وقت؛ فهم لا يعرفون الحرام.
فكيف بنا نقلّدهم؟ ونكبِتُ الشباب والشابّات -هذا للعفيفين والعفيفات-؟!
أما من ضعُف إِيمانه؛ فلا يسأل كيف يقضي شهوته؟ وبذلك تكون المعاهد
والمجتمعات ملتقى العُشّاق والفُسَّاق!!
كل هذا، وهذه التخصّصات الدراسية والعلمية؛ لم تُؤتِ أكُلها كما ينبغي،
وكثير من الرّجال والنساء حصلوا على الشهادات، وأَنْهَوْا دراساتهم، ولكنْ
هم أنفسهم على قناعةٍ أنهم لم يُفِيدُوا من دراساتهم ما يستحقّ الذِّكر.
ولكن أصبح من المُخزي -زعموا- ألا يُدرِّس الرجلُ ولدَه أو ابنتَهُ، وأمسى
الرياءُ، وحبُّ الظهور، ومداراةُ المجتمع أمراً بيِّناً جليّاً.
وأرجو أن يُيسَّر لهذه الأمّة من يجمع بين العِلم النافع وتيسير النكاح.
__________
(1) المؤمنون: 7، المعارج: 31.
(5/18)
وعلى كلّ حال: أريد أن أُذكّر بقول رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مِن حُسن إِسلام المرء ترْكه
ما لا يعنيه" (1).
فالإِنسان مسؤول أمام الله -تعالى- عن إِضاعة الوقت، وعن تأخير الزواج، وعن
إِيقاع نفسه في الفتنة.
ولعلّنا نستطيع أن نتّخذ الشهادة والدراسة حُجَّةً أمام الناس. أمّا أمام
الله -تعالى- فلا، وقد قال -سبحانه-: {بَل الإِنْسَانُ على نَفْسِهِ
بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلقَى مَعَاذِيرَهُ} (2).
اختيار الزّوجة:
ومَنْ أقبَلَ على النكاح؛ فعليه أن يتحرّى في اختياره الزوجة ما يأتي:
1 - أن تكون ذات دين؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولِحسبها (3)، ولجمالها، ولدينها، فأظفر
بذات الدين تربت يداك (4) " (5).
__________
(1) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (1886)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (3211)، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "العقيدة الطحاوية" (268).
(2) القيامة: 14 - 15.
(3) "أي: لشرفها، والحسب في الأصل: الشرف بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من
الحساب، لأنهم كانوا إِذا تفاخروا عدّوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم
وحسبوها؛ فيُحكم لمن زاد عدده على غيره ... ". "فتح" (9/ 135).
(4) "تربت يداك؛ أي: لصقتا بالتراب، وهي كناية عن الفقر، وهو خبر بمعنى
الدعاء، لكن لا يُراد به حقيقته ... ". "فتح".
(5) أخرجه البخاري: 5090، ومسلم: 1466.
(5/19)
وفي الحديث: "الحسب: المال" (1).
وفي رواية: "إِنّ أحساب النّاس بينهم هذا المال" (2).
2 - أن تكون وَلُوداً وَدُوداً:
لحديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "تزوّجوا الوَدُودَ الوَلوُدَ، فإِني مُكاثر بكم الأمم"
(3).
3 - أن تكون حانية على ولدها، وراعية على زوجها:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: "خير نساء ركبن الإِبل: صالحُ (4) نساءِ قريش، أحناه (5)
على ولد في صِغره، وأرعاه على زوج (6) في ذات يد" (7).
__________
(1) أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، وصححه شيخنا -رحمه الله- في
"الإِرواء" (1870).
(2) انظر "الإِرواء" (1871).
(3) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (1805)، والنسائي "صحيح سنن
النسائي" (3026)، والحاكم، وانظر "الإِرواء" (1784)، و"آداب الزفاف" (ص
132).
(4) قال الحافظ -رحمه الله-: "المراد بالصلاح هنا: صلاح الدين وحُسن
المخالطة مع الزوج ونحو ذلك".
(5) الحانية: التي تقيم على ولدها، ولا تتزوّج شفقة وعطفاً. "النهاية".
(6) "أرعاه على زوج؛ أي: أحفظ وأصون لماله بالأمانة فيه، والصيانة له وترك
التبذير في الإِنفاق". "فتح".
(7) أخرجه البخاري: 5082، ومسلم: 2527.
(5/20)
وهذا -وما قبله من معرفتها وَدُوداً
وَلُوداً- إِنما يتمُّ بالاستفسار عن بيئتها وأهل بيتها.
وفي بعض مجالس شيخنا -رحمه الله- كان أحد الإِخوة من المغرب يتكلّم
مُبالِغاً حول لقاء الخطيبَين وحوارهما ومناقشتهما ... إِلخ فقال له شيخنا
-رحمه الله-: كيف تعرف أنها وَلُود، هل تقول لها: هل أنتِ وَلُود؟! قال:
لا؛ أسأل عن أمّها وأخواتها، قال شيخنا -رحمه الله-: وكذلك هل تقول لها: هل
أنت وَدُود؟! انتهى.
قلت: ولا مانع من اللقاء فيما لا بُدَّ منه؛ وممّا فيه مصلحة النّكاح، دون
مبالغة وإِسراف.
4 - ويفضّل أن تكون بِكراً:
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "هَلَكَ أبي، وترك سبع بنات -أو
تسع بنات-، فتزوجتُ امرأة ثيِّباً، فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تزوجتَ يا جابر؟! فقلت: نعم، فقال: بكراً أم ثيّباً؟
قلت: بل ثيّباً، قال: فهلا جارية تُلاعِبها وتُلاعِبك، وتُضاحكهَا
وتُضاحكك؟ قال: فقلت له: إِنّ عبد الله هَلَكَ وترك بنات، وإِني كَرِهْتُ
أنْ أجِيئهنّ بمثلهن، فتزوجتُ امرأة تقوم عليهن وتُصلحهن، فقال: بارك الله
لك -أو خيراً-" (1).
وللإِنسان اختيار الزوجة الجميلة أو اشتراطها عند النكاح، لأنه يعمل عملَهُ
في غضّ البصر وتحصين الفرج.
عن عبد الله بن مسعود عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قال: "إِنّ الله جميل يحب
__________
(1) أخرجه البخاري: 5367، ومسلم: 715.
(5/21)
الجمال" (1).
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عليكم بالأبكار؛ فإِنهنّ
أعذبُ أفواهاً، وأنتقُ أرحاماً، وأرضى باليسير" (2).
التقارُب في السِّنِّ:
عن بريدة قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة -رضي الله عنهم-، فقال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنها صغيرة. فخطبها عليّ، فزوّجها
منه" (3).
ولكن؛ لا نجعل هذا التقارُب عائقاً إِن لم يتيسّر؛ فالموازنة في المصالح
أمرٌ لا بُدّ منه.
وهذا لا يمنع من تزويج الصغيرة من الكبير! واقرأ العنوان الآتي:
تزويج الصغار من الكبار (4):
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "تزوّجني النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا بنتُ ستِّ سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني
الحارث بن الخزرج، فوُعِكتُ، فتمزّق شعري (5)، فوَفَى جُمَيْمَةً (6)،
فأتتني أمّي أمُّ رومان -وإني لفي أرجوحة ومعي
__________
(1) أخرجه مسلم: 91.
(2) أخرجه ابن ماجه وغيره، وانظر "الصحيحة" (623).
(3) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي" (3020)، وغيره.
(4) هذا العنوان من "صحيح البخاري".
(5) فتمزّق شعري؛ أي: تقطع. "فتح".
(6) فوفى جُمَيْمَةً؛ أي: كثر. وجُمَيْمَة: مجتمع شعر الناصية، ويقال للشعر
إذا سقط على المنكبين: جُمّة. "فتح".
(5/22)
صواحب لي -فصرخَت بي، فأتيتها- لا أدري ما
تريد بي؟ -، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنْهَجُ، حتى سكن
بعض نَفَسِي، ثمّ أخذت شيئاً من ماء، فمسحت به وجهي ورأسي، ثمّ أدخلتني
الدار، فإِذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير
طائرٍ، فأسلمتني إليهنّ، فأصلحن من شأني، فلم يرُعني إِلا رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضُحىً، فأسلمتني إِليه، وأنا يومئذ
بنت تسع سنين" (1).
وعنها -رضي الله عنها- أيضاً: "أنّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده
تسعاً" (2).
وفي لفظ عند مسلم (3): "ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة".
وهذا فيه حكمة بالغة، فليس هناك من اضطرار للصغيرة لانعدام الكبيرات مثلاً،
ولكن ليكون حكماً شرعيّاً يُفِيُد منه المسلمون، فتدبّر.
واستدلّ البخاري -رحمه الله- على نكاح الصغار بقوله -تعالى-: {وَاللائِي
لَمْ يَحِضْنَ} (4)، وقال: "فجعَل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ" (5).
قال الحافظ في "الفتح" (9/ 190): "فدلّ على أنّ نكاحها قبل البلوغ
__________
(1) أخرجه البخاري: 3894، ومسلم: 1422.
(2) أخرجه البخاري: 5133.
(3) برقم: 1422.
(4) الطلاق: 4.
(5) انظر "صحيح البخاري" (كتاب النكاح) "باب - 38".
(5/23)
جائز، وهو استنباط حَسَن .. ".
وقال لي شيخنا -رحمه الله- عن نكاح الصغار -مجيباً عن سؤالي-: هل المقصود
بالصغيرة التي لا تصلح للاستبضاع والتمتّع بها، أم المقصُود التي لم تبلغ
سنّ الرُّشد؟ وأنا أُفرِّق بين الأمرين؛ فإِذا كان السؤال متوجهاً إِلى من
لا تصلح أن يتمتّع بها الزوج العاقد عليها لصِغَر سنّها؛ فيمكن أن يُقال
بأنّ العقد ليس صحيحاً. أمّا إِذا كانت عاقلة وراشدة، لكنها لَمْ تَحِض؛
فعندنا أدلَّة كثيرة على الجواز.
أيّ النساء خير؟
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيّ النساء خير؟ قال: "التي تسُرّه إِذا نظر، وتطيعه
إِذا أمر، ولا تخالفه فى نفسها ومالها بما يكره" (1).
اختيار الزوج:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: "إِذا أتاكم مَن ترضون خُلُقه ودينه فزوّجوه، إِلا تفعلوا تكن
فتنةٌ في الأرض وفساد عريض" (2).
__________
(1) أخرجه أحمد، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (3030) وغيرهما، وحسّنه شيخنا
-رحمه الله- في "الإِرواء" (1786).
(2) أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي، (866)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن
ماجه" (1601)، والحاكم وغيرهم، وانظر "الصحيحة" (1022)، و"الإِرواء"
(1868).
(5/24)
عرْض الإِنسان ابنتَه أو أختَه على أهل
الخير (1):
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أنّ عمر بن الخطاب حين تأيّمت (2)
حفصة بنت عمر من خُنيس بن حُذافة السهميّ -وكان من أصحاب رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتوفِّي بالمدينة-، فقال عمر بن
الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضتُ عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثتُ
لياليَ، ثمّ لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا! قال عمر: فلقيت
أبا بكر الصديق فقلت: إِن شئت زوجتُك حفصة بنت عمر، فصَمَتَ أبو بكر، فلم
يرجع إِليّ شيئاً، وكنت أَوْجَدَ عليه منِّي على عثمان، فلبثتُ لياليَ، ثمّ
خطَبها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأنكحْتُها
إِياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدتَ عليّ حين عرضتَ عليّ حفصة فلم
أرجع إِليك شيئاً (3)؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإِنه لم يمنعني أن
أرجع إِليك فيما عرضت عليّ إلاَّ أني كنت علمت أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ذكرها، فلم أكن لأُفْشِيَ سِرَّ رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو تركها رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلْتُها" (4).
قال الحافظ -رحمه الله- في "الفتح" (9/ 178): " ... وفيه أنه لا بأس
__________
(1) هذا العنوان من "صحيح البخاري" (كتاب النكاح) "باب - 33".
(2) "تأيمّت؛ أي: صارت أيّماً، وهي التي يموت زوجها أو تبين منه وتنقضي
عدتها، وأكتر ما تُطْلَق على من مات زوجها، وقال ابن بطال: العرب تُطْلِق
على كل امرأة لا زوج لها وكل رجل لا امرأة له أيِّماً". "فتح".
(3) أي: أعدْ عليك الجواب. "فتح".
(4) أخرجه البخاري: 5122.
(5/25)
بعرضها عليه، ولو كان متزوّجاً؛ لأنّ أبا
بكر كان حينئذ متزوّجاً".
التَّزْيين للتنفيق والتّرغيب في النكاح:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "عَثَرَ أسامةُ بِعَتَبَةِ الباب، فشُجّ في
وجهه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أميطي عنه
الأذى، فتقذَّرته! فجعل يمصُّ عنه الدم ويمجّه عن وجهه، ثمّ قال: لو كان
أسامة جاريةً؛ لحلّيته وكسوته حتى أُنفِّقه" (1).
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: "أنّ أباه كتب إِلى عمر بن عبد الله بن
الأرقم الزهرى؛ يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية، فيسألها عن
حديثها، وعمّا قال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حين استفتته؟ فكتب عمر بن عبد الله ابن الأرقم إِلى عبد الله بن عتبة،
يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته: أنها كانت تحت سعد بن خَوْلَةَ -وهو من
بني عامر بن لؤي؛ وكان ممن شهد بدراً-، فتوفي عنها في حَجّة الوداع وهي
حامل، فلم تَنْشَبْ (2) أن وضعت حمْلها بعد وفاته، فلما تعلّت (3) من
نفاسها تجمّلت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بَعْكك -رجل من بني عبد
الدار-، فقال لها: ما لي أراك تجمّلتِ للخُطّاب؟ تَرْجيِنَ النكاح؟ فإِنك
والله ما أنت بناكحٍ، حتى تمرّ عليك
__________
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1607)، وانظر "الصحيحة" (1019).
(2) فلم تنشب؛ أي: لم تمكث. "نووي".
(3) أي: ارتفعت وطهُرت. ويجوز أن يكون من قولهم: تعلّى الرجل مِن علّته:
إِذا برَأ؛ أي: خَرجَتْ مِن نفاسها وسَلِمت. "النهاية".
(5/26)
أربعةُ أشهر وعشر! قالت سُبيعة: فلما قال
لي ذلك؛ جمعْتُ عليّ ثيابي حين أمسيت، وأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسألته عن ذلك؛ فأفتاني بأني قد حللتُ حين وضعْت
حملي، وأمَرني بالتزوّج إِنْ بدا لي" (1).
وفي الحديث فوائد فقهية أخرى؛ ساق الحافظُ الكثيرَ الطيّبَ منها؛ كقوله:
"وفيه جواز تجمُّل الموأة بعد انقضاء عدّتها لمن يخطُبها، لأنّ في رواية
الزهري عند البخاري: فقال: ما لي أراك تجمّلت للخُطّاب؟ وفي رواية ابن
إِسحاق: فتهيأتُ للنكاح واختضبت. وفي رواية معمر عن الزهري: وقد اكتحلت".
صلاة المرأة إِدْا خُطِبَت واستخارتُها ربَّها (2):
عن أنس -رضي الله عنه- قال: "لما انقضت عدَّةُ زينب؛ قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزيد: فاذكُرها عليّ؛ قال: فانطلق زيد
فقلت: يا زينب! أرسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يذكرك. قالت: ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أُوامِرَ (3) ربي! فقامت إِلى
مسجدها (4)، ونزل القرآن، وجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فدخل عليها بغير إِذن" (5).
__________
(1) أخرجه البخاري: 3991، ومسلم: 1484.
(2) هذا العنوان من سنن النسائي "صحيح سنن النسائي" (2/ 686).
(3) أي: أستخيره، وأنظر أمره على لسانِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قاله القرطبي في "المفهم" (4/ 147).
(4) قال النووي -رحمه الله- (9/ 228): "أي: موضع صلاتها من بيتها. وفيه
استحباب صلاة الاستخارة لمن همّ بأمر، سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم
لا".
(5) أخرجه مسلم: 1428.
(5/27)
|