بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

أَبْوَابُ الْأَذَانِ
بَابُ وُجُوبِهِ وَفَضِيلَتِهِ

617- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذِّنُونَ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

618- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

619- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.

620- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

621- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَعْجَبُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي فَقَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذِّنُونَ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِأَنَّ التَّرْكَ الَّذِي هُوَ مِنْ اسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ يَجِبُ تَجَنُّبُهُ.

(1/171)


قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» . قَالَ الشَّارِحُ: الضَّمَانُ فِي اللُّغَةِ الْكَفَالَةُ وَالْحِفْظُ وَالرِّعَايَةُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ ضُمَنَاءُ عَلَى الْإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ.

قَوْلُهُ: «وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ» قِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: أَمِينٌ عَلَى حُرَمِ النَّاسِ لِأَنَّهُ يُشْرِفُ عَلَى الْمَوَاضِعِ الْعَالِيَةِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «يَعْجَبُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي» . قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ. والشَّظِيَّةُ: الطَّرِيقَةُ كَالْجَدَّةِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَيُقَالُ: الشَّظِيَّةُ لِلْقِطْعَةِ الْمُرْتَفِعَةِ مِنْ الْجَبَلِ.

بَاب صِفَةُ الْأَذَانِ

622- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ - وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ لِمُوَافَقَتِهِ النَّصَارَى - طَافَ بِي مِنْ اللَّيْلِ طَائِفٌ - وَأَنَا نَائِمٌ - رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ قَالَ: فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ، قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: قُلْت: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى، قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إذَا أَقَمْت الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى
الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْت، فَقَالَ ... رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ

(1/172)


إنْ شَاءَ اللَّهُ» . ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ فَكَانَ بِلَالٌ - مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ - يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الصَّلَاةِ قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إلَى الْفَجْرِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَائِمٌ فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

623- وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَفِيهِ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْت، فَقَالَ: «إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» . قَالَ: فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْت أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ - فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الَّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» .
624- وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الطَّرَفُ مِنْهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

625- وَرَوَى التِّرْمذي هَذَا الطَّرفَ مِنْهُ بِهَذِهِ الطَّرِيق وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح.

وَلَيْسَ فِيهِ لِلنِّسَائِي والتِّرْمذي وابن مَاجَةْ: (إِلا الإِقَامَة) .
626- وَعَنْ ابن عُمر قَالَ: إِنَّمَا كَانَ الأَذَان عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ مَرَّتَيْن مَرَّتَيْن. وَالإِقَامَةُ مَرَّة مَرَّة، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد والنِّسَائِي.

627- وَعَنْ أَبِي محذورة أَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ هَذَا الأَذَانُ: (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُول: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّتَيْن أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْن حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْن، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْن، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) . رَواهُ مسلم.

(1/173)


628- وَالنِّسَائِي - وَذَكَر التَّكْبِير فِي أَوِّلِهِ أَرْبَعًا.

629- وَلِلْخَمْسَةِ - عَنْ أَبِي محذورة - أَنَّ النَّبيِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ الأَذَان تسع عَشْرة كلمة، وَالإِقَامَةُ سبع عشرة. قَالَ التِّرْمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحُ.

630- وَعَنْ أَبِي محذورة قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الأَذَانِ فَعَلَّمَهُ وَقَالَ: «فَإِنْ كَانَ صَلاةَ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِله إِلا الله» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ. قَالَ الشَّارِحُ: الْحَدِيثُ فِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالصَّادِقُ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ إلَى تَثْنِيَتِهِ مُحْتَجِّينَ بِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ التَّثْنِيَةِ. وَبِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ. إِلِى أَنْ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ رِوَايَاتِ التَّرْبِيعِ أَرْجَحُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الزِّيَادَةِ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ
لِعَدَمِ مُنَافَاتِهَا وَصِحَّةِ مَخْرَجِهَا. قال: وَالتَّرْجِيعُ هُوَ الْعَوْدُ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بَعْدَ قَوْلِهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِخَفْضِ الصَّوْتِ. قال النووي: وقد ذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيح وتركه. قال الشارح: وفيه لتثويب في صلاة الفجر، لقول سعيد بن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر يعني قول بلال: (الصلاة خير من النوم) وزاد ابن ماجة: فأقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال: والتثويب زيادة ثابتة فالقول بها لازم. والحديث ليس فيه ذكر (حي على خير العمل) وقد ذهبت العترة إلى إثباتها وأنه بعد قول المؤذن (حي على الفلاح) قالوا: يقول مرتين: (حي على خير العمل) ونسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي وهو خلاف ما في كتب الشافعية فإنا لم نجد في شيء منها هه المقالة بل خلاف ما في كتب أهل البيت. قال في الانتصار: إن الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك يعني في أن (حي على خير العمل) ليس من ألفاظ الأذان. قال: وفي الحديث إفراد الإقامة إلى التكبير في أولها وآخرها و (قد قامت الصلاة) وقد

(1/174)


اختلف الناس في ذلك. وفيه دليل على استحباب اتخاذ مؤذن حسن الصوت وقد أخرج الدرامي وأبو الشيخ بإسناد متصل بأبي محذوزرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بنحو عشرين رجلاً فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان. قال الزبي بن بكار: كان أبو محذورة أحسن الناس صوتًا وأذانًا. ولبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة:
أما ورب الكعبة المستوره ... وما تلا حمد من سوره
والنغمات من أبي محذوره ... لأفعلن فعلة مذكوره
قَوْلُهُ: (أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) قال الشارح: قوله: ... (أن يشفع الأذان) أي يأتي بألفاظ شفعًا وهو مفسر بقوله: (مثنى مثى) قال الافظ: لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله: (مثنى) على ما سواها. قال الشارح: وقد استشكل عدم استثناء التكبير في الإقامة يثني كما تقدم في حديث عبد الله بن زيد وأجيب بأنه وتر بالنسبة إلى تكبير لأذان فإن التكبير في أول الأذان أربع وهذا إنما يتم في تكبير أول الأذان لا في آخره كما قال الحافظ: وأنت خبير بأن ترك استثنائه في هذا الحديث لا يقدح في ثبوته لأن روايات التكرير زيادة قبولة. إلى أن قال: ... وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إفراد الإقامة وتثنيتها. قال أبو عمر بن عبد البر: ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن رهويه وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير قالوا: كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء قال الله أكبر أربعًا في أول الأذان ومن شاء ثنى الإقامة ومن شاء أفردها إلا قوله: قد قمات الصلاة فإن ذلك مرتان على كل حال. انتهى ملخصًا.

بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ

631- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

(1/175)


632- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَهُ: «إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعَ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ
وَلَا شَيْءٌ إلَّا يَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ مَدِّ الصَّوْتِ فِي الْأَذَانِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ وَشَهَادَةِ الْمَوْجُودَاتِ وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَجِيءِ إلَى الصَّلَاةِ فَكُلُّ مَا كَانَ أَدْعَى لِإِسْمَاعِ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ كَانَ أَوْلَى. قِيلَ: هُوَ تَمْثِيلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُؤَذِّنُ فِيهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يَبْلُغُهُ صَوْتُهُ ذُنُوبٌ تَمْلَأُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ لَغَفَرَهَا اللَّهُ.

قَوْلُهُ: «إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعَ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَالسِّرُّ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ جَرَتْ عَلَى نَعْتِ أَحْكَامِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَوَجُّهِ الدَّعْوَى، وَالْجَوَابِ وَالشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إشْهَارُ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْفَضْلِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ يَفْضَحُ بِالشَّهَادَةِ قَوْمًا كَذَلِكَ يُكْرِمَ بِالشَّهَادَةِ آخَرِينَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ حُبَّ الْغَنَمِ وَالْبَادِيَةِ لَاسِيَّمَا عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.

بَابُ الْمُؤَذِّنِ يَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ
وَيَلْوِي عُنُقَهُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ وَلَا يَسْتَدِيرُ

633- عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ - وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ - قَالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوَضُوئِهِ فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ - قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ
بِلَالٌ فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ

(1/176)


رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ لَا يَمْنَعُ. وَفِي رِوَايَةٍ: تَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

634- وَلِأَبِي دَاوُد: رَأَيْت بِلَالًا خَرَجَ إلَى الْأَبْطَحِ فَأَذَّنَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ.

635- وَفِي رِوَايَةٍ: رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ أُرَاهَا مِنْ أَدَمٍ قَالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْعَنَزَةِ فَرَكَّزَهَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بِرِيقِ سَاقَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

قَوْلُهُ: (رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ) قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الِاسْتِدَارَةِ، فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ يَسْتَدِيرُ، وَفِي بَعْضِهَا وَلَمْ يَسْتَدِرْ كَمَا سَلَفَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تُرْوَ الِاسْتِدَارَةُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجٍ وَإِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الِاسْتِدَارَةَ عَنَى بِهَا اسْتِدَارَةَ الرَّأْسِ، وَمَنْ نَفَاهَا عَنَى اسْتِدَارَةَ الْجَسَدِ كُلَّهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَدُورُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى مَنَارَةٍ لِقَصْدِ إسْمَاعِ أَهْلِ الْجِهَتَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ وَضْعِ الْأُصْبُعَيْنِ فِي الْأُذُنَيْنِ، وَفِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ ذَكَرَهُمَا الْعُلَمَاءُ الْأُولَى: أَنَّ ذَلِكَ أَرْفَعُ لِصَوْتِهِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ عَلَامَةٌ لِلْمُؤَذِّنِ لِيَعْرِفَ مَنْ يَرَاهُ عَلَى بُعْدٍ أَوْ مَنْ كَانَ بِهِ صَمَمٌ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
بَابُ الْأَذَانِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً

636- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ لَا يَخْرُمُ ثُمَّ لَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ حِينَ يَرَاهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

637- وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ قَالَ: يُنَادِي بِلَيْلٍ - لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقَظَ نَائِمَكُمْ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

(1/177)


638- وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا» يَعْنِي مُعْتَرِضًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

639- وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُمَا: «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُوركُمْ أَذَانُ بِلالٍ، وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنْ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» .

640- وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

641- وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ: «فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» .

642- وَلِمُسْلِمٍ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (لَا يَخْرُمُ) أَيْ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِنْ أَلْفَاظِهِ. الْحَدِيثُ فِيهِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَذَانِ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ بِدُونِ تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ. وَهَكَذَا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ إلَّا الْفَجْرَ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُقِيمَ لَا يُقِيمُ إلَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَفِيهِ أَنَّ الْفَرِيضَةَ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.

قَوْلُهُ: «لِيَرْجِعَ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ الْمُخَفَّفَةِ مَعْنَاهُ يَرُدُّ الْقَائِمَ: أَيْ الْمُجْتَهِدَ إلَى رَاحَتِهِ لِيَقُومَ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ نَشِيطًا، أَوْ يَتَسَحَّرَ إنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى الصِّيَامِ وَيُوقِظُ النَّائِمَ لَيَتَأَهَّبَ لِلصَّلَاةِ بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ خَاصَّةً. انْتَهَى. قال الموفق في المغني: ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كفعل بلال وابن أم مكتوم اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان فإذا كانا مؤذنين حصل الإعلام بالوقت بالثاني وبقربه بالمؤذن الأول وينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها ليعلم الناس ذلك من عادته فيعرفوا الوقت بأذانه، ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى فيلبس على الناس ويغتروا بأذنه فربما صلى بعض من مسعه الصبح ربما

(1/178)


امتنع المتحسر من سحوره والمنتقل من صلاته بناء على أذانه ومن علم حاله لا يستفيد بأذانه فائدة لتردده بين الاحتمالين. انتهى. قال الشارح: والحكمة في اختصاص صلاة الفجر بهذا من بين الصلوات ما ورد من الترغيب في الصلاة لأول الوقت والصبح يأتي غالبًا عقيب النوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة الوقت.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا» يَعْنِي مُعْتَرِضًا. قَالَ الشَّارِحُ: صِفَةُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ مُبَيَّنَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي الصَّوْمِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَصَوَّبَ يَدَهُ رَفَعَهَا حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَفَرَّجَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا. وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ نَكَّسَهَا إلَى الْأَرْضِ،
وَلَكِنْ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَةَ عَلَى الْمُسَبِّحَةِ وَمَدَّ يَدَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا، وَلَكِنْ يَقُولُ هَكَذَا. وَفَسَّرَهَا جَرِيرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْفَجْرَ هُوَ الْمُعْتَرِضُ وَلَيْسَ بِالْمُسْتَطِيلِ، وَالْمُعْتَرِضُ هُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ، وَيُقَالُ لَهُ: الثَّانِي، وَالْمُسْتَطِيرُ بِالرَّاءِ، وَأَمَّا الْمُسْتَطِيلُ بِاللَّامِ فَهُوَ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ الَّذِي يَكُونُ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ» . وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إلَى أَسْفَلَ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ أَمَرَّهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اتِّخَاذِ مُؤَذِّنَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ أَذَانِ الْأَعْمَى، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ مَعَهُ مُؤَذِّنٌ آخَرُ يَهْدِيهِ لِلْأَوْقَاتِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ مَا يَقُولُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَبَعْدَ الْأَذَانِ

643- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

644- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:

(1/179)


«إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ: أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ - مِنْ قَلْبِهِ - دَخَلَ الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
645- وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا» . وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي سَائِرِ الْأَذَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

646- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ. اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا.
647- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

648- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

قَوْلُهُ: «إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ السَّامِعُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ الْحَيْعَلَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى تَخْصِيصِ الْحَيْعَلَتَيْنِ بِحَدِيثِ عُمَرَ، فَقَالُوا: يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ فِيمَا عَدَا الْحَيْعَلَتَيْنِ، وَأَمَّا

(1/180)


فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَيَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا» ... الْحَدِيثُ) . قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ مُجَاوَبَةِ الْمُقِيمِ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِسَامِعِ الْإِقَامَةِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُقِيمِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِقَامَةِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ لَعَلَّهُ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: «آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ» . قَالَ الشَّارِحُ: الْوَسِيلَةَ: مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ يُقَالُ: تَوَسَّلْت أَيْ تَقَرَّبْت وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَنْزِلَةِ الْعَلِيَّةِ. قَالَ: وَالْمُتَعَيَّنُ أّنَّها مَنْزِلَة فِي الجنةِ كمَا فِي الحَدَيثِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهُ حَالُ رَجَاءِ الْإِجَابَةِ.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» . قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ عَيَّنَ مَا يُدْعَى بِهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَالَ: «الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ» . قَالُوا: فَمَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

بَابُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ

649- عَنْ زَيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَخَا صُدَاءَ أَذِّنْ» ، قَالَ: فَأَذَّنْت، وَذَلِكَ حِينَ أَضَاءَ الْفَجْرُ، قَالَ: فَلَمَّا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ... «يُقِيمُ أَخُو صُدَاءَ فَإِنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ.
650- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أُرِيَ الْأَذَانَ، قَالَ فَجِئْت إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ» . فَأَلْقَيْته فَأَذَّنَ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا رَأَيْت أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ، قَالَ: «فَأَقِمْ أَنْتَ» . فَأَقَامَ هُوَ

(1/181)


وَأَذَّنَ بِلَالٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» . قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ. قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ غَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَا فَرْقَ، وَالْأَمْرُ مُتَّسِعٌ. قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ الصُّدَائِيِّ أَوْلَى لِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْآتِي كَانَ أَوَّلَ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، وَحَدِيثُ الصُّدَائِيِّ بَعْدَهُ.

بَابُ الْفَصْلِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ بِجِلْسَةٍ

651- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ ... رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ - أَوْ الْمُؤْمِنِينَ - وَاحِدَةً» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمَّا رَجَعْت لِمَا رَأَيْت مِنْ اهْتِمَامِك، رَأَيْت رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ

652- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى أَذَانِهِ جُعْلاً، وَيَقُولُ: إنْ أُعْطِيَ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَلَا بَأْسَ. قال الموفق في المغني: ولا يجوز أخذ الأجرة على الأذان في ظاهر المذهب وحكى عن أحمد رواية أخرى أنه يجوز أخذ الأجرة عليه، ولا نعلم خلافًا في جواز أخذ الرزق عليه لأن بالمسلمين حاجة إليه وقد لا يوجد به ويرزقه الإمام من الفيء. انتهى ملخصًا.

(1/182)


قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْأُجْرَةَ تَحْرُمُ إذَا كَانَتْ مَشْرُوطَةً إلا إذَا أُعْطِيهَا بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ.

بَابٌ فِيمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ

653- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَاسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» . قَالَ: فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

654- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَجْدَتَيْ الْفَجْرِ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى.

655- وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: (فَأَذَّنَ وَأَقَامَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَقْضِيَّةِ. قال: وفيه اسْتِحْبَاب الجماعة في الفائتة.

(1/183)