بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار

كِتَابُ الْمَنَاسِكِ
بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَثَوَابِهِمَا

2307- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا» . فَقَالَ رَجُلٌ: أَكَلَّ عَامٍ يَا ... رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ.

2308- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ» . فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَوْ قُلْتَهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.

2309- وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، فَقَالَ: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

2310- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

(1/623)


2311- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ فَضَّلَ نَفْلَ الْحَجِّ عَلَى نَفْلِ الصَّدَقَةِ.

2312- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ ... رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدٌ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَتُتِمَّ الْوُضُوءَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ» . وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ قَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ.

2313- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَوُجُوبُ الْحَجِّ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ. وَاختلف فِي الْعُمْرَةِ، فَقِيلَ وَاجِبَةٌ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ.

بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ

2314- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ، يَعْنِي الْفَرِيضَةَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

2315- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةَ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

(1/624)


2316- «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» .
وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ جَدَّةٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا ظَاهِرٌ، وَإِلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَعْضُوبِ إذَا أَمْكَنَهُ الِاسْتِنَابَةَ
وَعَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ

2117- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، قَالَ: «فَحُجِّي عَنْهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2118- وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي كَبِيرٌ، وَقَدْ أَفْنَدَ وَأَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا، فَيُجْزِي عَنْهُ أَنْ أُؤَدِّيَهَا عَنْهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

2319- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ، وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ أَكَانَ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْهُ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاحْجُجْ عَنْهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
2320- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:

(1/625)


«نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكَنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اُقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.

2321- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِيهَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ.
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ أَوَارِثٌ هُوَ أَمْ لَا، وَشَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ.
2322- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَبَاكَ تَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ أَقَضَيْتَهُ عَنْهُ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاحْجُجْ عَنْ أَبِيكَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْحَجُّ مِنْ الْوَلَدِ عَنْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْحَجِّ، وَقَدْ ادَّعَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالابنِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ جُمُودٌ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا عُوفِيَ الْمَعْضُوبُ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا عَنْهُ.

قَوْلُهُ: «أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ» . فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُجَهِّزَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ دُيُونِهِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْآدَمِيِّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَكَذَلِكَ مَا شُبِّهَ بِهِ فِي الْقَضَاءِ، وَيَلْحَقُ بِالْحَجِّ حَقٌّ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
بَابُ اعْتِبَارِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ

2323- عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} . قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
2324- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» .

(1/626)


يَعْنِي قَوْلَهُ {مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ هِيَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَكْثَرِ أَنَّ الزَّادَ شَرْطُ وُجُوبٍ، وَهُوَ أَنْ يَجِدَ مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي مَنْ يَعُولُ حَتَّى يَرْجِعَ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمَالِكٌ: إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ: الصِّحَّةُ لَا غَيْرُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالنَّاصِرُ: إنَّ مَنْ قَدِرَ عَلَى الْمَشْيِ لَزِمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} . وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ هُوَ اعْتِبَارُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

بَابُ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَاجِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ

2325- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَرْكَبْ الْبَحْرَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِمَا.
2326- وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ إجَّارٌ فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (لَيْسَ لَهُ إجَّارٌ) الْإِجَّارُ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا جِيمٌ مُشَدَّدَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ: هُوَ مَا يَرُدُّ السَّاقِطَ مِنْ الْبِنَاءِ مِنْ حَائِطٍ عَلَى السَّطْحِ أَوْ نَحْوِهِ، وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد «لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ» . وَرَوَاهُ الْخَطَّابِيِّ بِالْيَاءِ «حِجِّي» . وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمَبِيت عَلَى السُّطُوحِ الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا حَائِطٍ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ رُكُوبِ الْبَحْرِ فِي أَوْقَاتِ اضْطِرَابِهِ. قَالَ: وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ إلَّا لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَالْغَازِي. وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الصَّيَّادِينَ لَمَّا قَالُوا لَهُ: «إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا

(1/627)


الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ» . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّجِرُونَ فِي الْبَحْرِ» . وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ رُكُوبُ الْبَحْرِ لِلصَّيْدِ وَالتِّجَارَةِ مِمَّا خَصَّصَ بِهِ عُمُومَ مَفْهُومِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلِاحْتِجَاجِ.

بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ إلَّا بِمَحْرَمٍ

2327- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» .

2328- وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةً إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

2329- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2330- وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ.

2331- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

2332- وَفِي رِوَايَةٍ: «مَسِيرَةَ يَوْمٍ» .

2333- وَفِي رِوَايَةٍ: «مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ» .

2334- وَفِي رِوَايَةٍ: «لا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

2335- وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «بَرِيدًا» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ» إلَى آخره.

(1/628)


فِيهِ مَنْعُ الْخُلُوِّ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَهُوَ إجْمَاعٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ) قَالَ الشَّارِحُ: أَطْلَقَ السَّفَرَ هَا هُنَا وَقَيَّدَهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ عَمِلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمُطْلَقِ لِاخْتِلَافِ التَّقْدِيرَات. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ التَّحْدِيدِ ظَاهِرَهُ بَلْ كُلُّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا، فَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ إلَّا بِالْمَحْرَمِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَحْرَمِ فِيمَا دُونَ الْبَرِيدِ،، وَلَفْظُ: «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ» . وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ: أَعْنِي الْأَخْذَ بِأَقَلَّ مَا وَرَدَ لِأَنَّ مَا فَوْقَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْأَوْلَى. إِلِى أَنْ قَالَ: وَإِلَى كَوْنِ الْمَحْرَمِ شَرْطًا فِي الْحَجِّ ذَهَبَ الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ هَلْ هُوَ
شَرْطُ أَدَاءً أَوْ شَرْطُ وُجُوبٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَضَابِطُ الْمَحْرَمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا. قَالَ الشَّارِحُ: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَات: وَيَلْزَمُ الإِنْسَانُ طَاعَةَ وَالِدَيْهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلاقِ أَحْمَدٍ وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلا ضَرَرَ فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرُّهُ وَجَبَ وَإِلا فَلا وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِسُقُوطِ الْفَرَائِضَ بِالضَّرَرِ وَتَحْرُمُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَلا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لِلأَبَوَيْنِ مَنْعُ وَلَدِهِمَا مِنَ الْحَجِّ الْوَاجِبِ لَكِنْ يَسْتَطِيبُ أَنْفُسَهُمَا فَإِنْ أَذِنَا وَإِلا حَجَّ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنَ الْحِجِّ الْوَاجِبِ مَعَ ذِي مَحْرمٍ وَعَلَيْهَا أَنْ تَحِجَّ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ يُوجِبُونَ لَهَا النَّفَقَة عَلَيْهِ مُدَّة الْحَجِّ وَالْحّجِّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ أَكْثَر الْعُلَمَاءِ. انْتَهَى.

بَابُ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ

2336- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ» ؟ قَالَ: أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي، قَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ» ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ

(1/629)


شُبْرُمَةَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

2337- وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ: «فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ اُحْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ» .
2338- وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَفِيهِ قَالَ: «هَذِهِ عَنْكَ وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» .

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْتَطِيعًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ؛ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسْتَفْصِلْ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي سَمِعَهُ يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ وَهُوَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ.

بَابُ صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ لَهُ عَلَيْهِمَا
2339- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ» فَرَفَعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

2340- وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حجَّ بِي مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

2341- وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

2342- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» . ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ هَكَذَا مُرْسَلًا.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَصِحُّ حَجُّ الصَّبِيِّ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَجَّ كَانَ لَهُ تَطَوُّعًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا يُحَجُّ بِهِ

(1/630)


عَلَى جِهَةِ التَّدْرِيبِ. انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٌ فِي الْفُرُوعِ: وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ: يَصِحُّ إِحْرَامُهُ وَلا يَلْزِمُ فَلا تَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَة وَيَرْتَفِضُ بِرَفْضِهِ وَيُجَنَّبُ الطِّيبُ اسْتِحْبَابًا. وَذَكَرَ ابْنُ هَبِيرةَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفَيَّةِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْل أَبِي حَنِيفَة لا أَنَّهُ يُخْرِجْهُ مِنْ ثَوَابِ الْحَجِّ. وَهَذَا الْقَوْلُ مُتَّجِهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إِحْرَامُهُ وَلا يَلْزَمُهُ حُكْمِهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إِذَا أَتَمَّهُ صَحِيحًا لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الإِلْتِزَام وَلَيْسَ عَلَى لُزُومِهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى.

(1/631)