تهذيب الآثار مسند علي

166 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسَاوِرٍ الْعِجْلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا قَطُّ إِلَّا قَالَ حِينَ يَنْهَضُ مِنْ جُلُوسِهِ: «اللَّهُمَّ بِكَ [ص:98] انْتَشَرْتُ، وَإِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي، وَأَنْتَ رَجَائِي، اللَّهُمَّ اكْفِنِي مَا هَمَّنِي، وَمَا لَا أَهْتَمُّ بِهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَجِّهْنِي لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ» قَالَ: ثُمَّ يَخْرُجُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ آخَرُونَ، وَهُوَ مَا

(3/97)


167 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَيَّانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ خَرَجَ مَخْرَجًا فَقَالَ حِينَ يَخْرُجُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَآمَنْتُ بِاللَّهِ، وَاعْتَصَمْتُ بِاللَّهِ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْ شَرِّ مَخْرَجِهِ " [ص:99] وَاخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: نَحْوَ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ. نَذْكُرُ مَا حَضَرَنَا مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُهُ

(3/98)


168 - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَافَرَ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ بَلَاغًا يُبْلِغُهُ رِضْوَانُكَ وَالْجَنَّةَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» قَالَ: فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَزِيدُ فِيهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدِيثَ أَبِي الْأَحْوَصِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، وَالْعَوْنُ عَلَى الظَّهْرِ، وَالْمُسْتَعَانُ عَلَى الْأَمْرِ

(3/99)


169 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْكُمُ السَّفَرَ فَلْيَقُلْ: «اللَّهُمَّ بَلَاغًا يُبْلِغُ خَيْرًا، مَغْفِرَةً مِنْكَ وَرِضْوَانًا، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، اللَّهُمَّ اطْوِ لَنَا الْأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ»

(3/99)


170 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا سَافَرَ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَلِّغْ بَلَاغًا يُبَلِّغُ مَغْفِرَةً مِنْكَ وَرِضْوَانًا، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَأَنْتَ [ص:100] الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، هَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ، وَاطْوِ لَنَا الْأَرْضَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ»

(3/99)


171 - وَحَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ السُّوَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ إِذَا أَرَادُوا سَفَرًا قَالُوا: «اللَّهُمَّ بَلَاغًا يُبَلِّغُ خَيْرًا، مَغْفِرَةً مِنْكَ وَرِضْوَانًا، بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ , اللَّهُمَّ اطْوِ لَنَا الْأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ»

(3/100)


وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ مَا

172 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ زَيْدٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ رَجُلَيْنِ، سَمَّاهُمَا، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: مَا أَرَادَ عَبْدٌ سَفَرًا فَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ إِلَّا كَلَأَهُ اللَّهُ وَكَفَاهُ وَوَقَاهُ: اللَّهُمَّ لَا شَيْءَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا شَيْءَ إِلَّا مَا شِئْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، لَنْ يُصِيبُنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا، هُوَ مَوْلَانَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَيْنَا عَنْهُ مِمَّا كَانَ يَقُولُهُ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا، وَعَنْ أَصْحَابِهِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قِيلِهِمْ، فَأُحِبُّ لِمَنْ أَرَادَ سَفَرًا لِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ غَزْوِ جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ فِيمَا أَرَادَ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ [ص:101] سَفَرُهُ فِي مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ، أَنْ يَقُولَ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ بَيَّنَا، وَأَيُّ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْقِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ قَالَهُ قَائِلٌ، فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِنْ هُوَ تَعَدَّى ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُهُ، أَوْ غَيْرُهُ، فَقَدْ أَجْزَأَهُ وَأَحَبُّ الْأَقْوَالِ إِلَيَّ أَنْ يَقُولَهُ، إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ مُرِيدٌ، مَا جَمَعَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ , آمَنْتُ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمْتُ بِهِ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ أَنْتَشِرُ وَأَسِيرُ وَأَحُلُّ، وَإِلَيْكَ أَتَوَجَّهُ، وَبِكَ أَعْتَصِمُ، فَإِنَّكَ ثِقَتِي وَرَجَائِي، اللَّهُمَّ اكْفِنِي أُمُورِي كُلَّهَا، مَا هَمَّنِي مِنْهَا، وَمَا لَا أَهْتَمُّ بِهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَوَجِّهْنِي لِلْخَيْرِ أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِي هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَالْعَمَلَ بِمَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ بَلِّغْنِي بَلَاغًا يُبَلِّغُ خَيْرًا، مَغْفِرَةً مِنْكَ وَرِضْوَانًا، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيَّ السَّفَرَ، وَاطْوِ لِيَ الْأَرْضَ، واصْحَبْنِي مِنْكَ بِنُصْحٍ، وَأَقْلِبْنِي بِذِمَّةٍ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ، اللَّهُمَّ لَا شَيْءَ إِلَّا مَا شِئْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، لَنْ يُصيِبَنِي إِلَّا مَا كَتَبْتَ لِي، أَنْتَ مَوْلَايَ، عَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ، وَبِكَ أَسْتَعِينُ فِي أُمُورِي كُلِّهَا، حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , تَوَفَّنِي مُسْلِمًا، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ جَمَعَ جَمِيعَ مَا دَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ نُهُوضِهِ [ص:102] لِسَفَرِهِ، وَمَا كَانَ السَّلَفُ يَدْعُونَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَحْرَجْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ فَرْضٍ قِيلُهُ عَلَى أَحَدٍ بِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ، فِي حَالِ عَزْمِهِ عَلَى السَّفَرِ

(3/100)


الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنَ الْغَرِيبِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ أُصُولُ» ، يَعْنِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «بِكَ أُصُولُ» ، بِكَ أَسْطُو عَلَى أَعْدَائِكَ، يُقَالُ لِلْفَحْلِ مِنَ الْإِبِلِ إِذَا عَدَا عَلَى آخَرَ، وَاثِبًا عَلَيْهِ بِالْعَضِّ: صَالَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ التَّغْلِبِيِّ:
[الْبَحْر الوافر]
فَصَالُوا صَوْلَهُمْ فِيمَنْ يَلِيهِمْ ... وَصُلْنَا صَوْلَنَا فِيمَنْ يَلِينَا
فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا
وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: آبُوا: رَجَعُوا. يُقَالُ مِنْهُ: آبَ فُلَانٌ مِنْ سَفَرِهِ فَهُوَ يَؤُوبُ أَوْبًا وَإِيَابًا، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَوْبًا لِرَبِّنَا أَوْبًا» ، يَعْنِي بِالْأَوْبِ: الرُّجُوعَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ «لَا يُغَادِرُ حُوبًا» ، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: لَا يَدَعُ ذَنْبًا، يُقَالُ مِنْهُ: غَادَرَ فُلَانٌ فُلَانًا بِمَوْضِعِ كَذَا: إِذَا تَرَكَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ:
[الْبَحْر الوافر]
فَغَادَرَهُنَّ مُنْعَفِرًا زَهِيقًا ... وَآخَرَ مُثْبَتًا يَشْكُو الْجِرَاحَا

(3/102)


وَالْحَوْبُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: «حَابَ فُلَانٌ فَهُوَ يَحُوبُ حَوْبًا وَحُوبًا» ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ الْأَسْكَرِ:
[الْبَحْر الوافر]
وَإِنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكَنَّفَاهُ ... عِبَادَ اللَّهِ، قَدْ خَطِئَا وَحَابَا
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ» فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْوَعْثَاءِ الشِّدَّةَ وَالْمَشَقَّةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:
[الْبَحْر المتقارب]
إِذَا كَانَ هَادِي الْفَتَى فِي الْبِلَادِ ... صَدْرَ الْقَنَاةِ أَطَاعَ الْأَمِيرَا
وَخَافَ الْعِثَارَ إِذَا مَا مَشَى ... وَخَالَ السُّهُولَةَ وَعْثًا وُعُورَا
ومِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ الْكُمَيْتِ بْنِ زَيْدٍ:
[الْبَحْر الطَّوِيل]
وَأَيْنَ ابْنُهَا مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَبَعْلُهَا ... خُزَيْمَةُ، وَالْأَرْحَامُ وَعْثَاءُ حُوبُهَا
وَإِنَّمَا الْوَعْثَاءُ مِنَ الْوَعْثِ، وَهُوَ الدَّهْسُ يَشْتَدُّ فِيهِ الْمَشْيُ، فَيُضْرَبُ مَثَلًا فِي كُلِّ شَدِيدَةٍ شَاقَّةٍ عَلَى عَامِلِهَا. وَأَمَّا الْكَآبَةُ، وَالْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْنِ، وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ , فَقَدْ بَيَّنْتُ مَعَانِيَ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلُ، فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا

(3/103)


ذِكْرُ خَبَرٍ آخَرَ مِنْ أَخْبَارِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ

(3/104)


حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرُّومِيُّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنِ الصُّنَابِحِيّ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا» الْقَوْلُ فِي عِلَلِ هَذَا الْخَبَرِ وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ سَنَدُهُ، وَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِ الْآخَرِينَ سَقِيمًا غَيْرَ صَحِيحٍ، لِعِلَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ خَبَرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَخْرَجٌ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [ص:105]. وَالْأُخْرَى: أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ عِنْدَهُمْ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ بِنَقْلِهِ حُجَّةٌ. وَقَدْ وَافَقَ عَلِيًّا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ

(3/104)


ذِكْرُ ذَلِكَ ,

173 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضِّرَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ، وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الْمَدِينَةَ فَلْيَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا»

174 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ - وَلَيْسَ بِالْفَرَّاءِ - قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا الشَّيْخُ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ

(3/105)


ذِكْرُ خَبَرٍ آخَرَ مِنْ أَخْبَارِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ

(3/106)


حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدٍ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي رَجُلًا قَطُّ غَيْرَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»

(3/106)


حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ، إِلَّا لِسَعْدٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»

(3/106)


حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، يَقُولُ: قَالَ [ص:107] عَلِيٌّ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ جَعَلَ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي»

(3/106)


حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: «مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ»

(3/107)


الْقَوْلُ فِي عِلَلِ هَذَا الْخَبَرِ وَهَذَا خَبَرٌ عِنْدَنَا صَحِيحٌ سَنَدُهُ، وَقَدْ وَافَقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْخَبَرِ عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ، نَذْكُرُ مَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا سَنَدُهُ، ثُمَّ نُتْبِعُ جَمِيعَهُ الْبَيَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(3/107)


175 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ إِلَّا لِسَعْدٍ قَالَ: " ارْمِ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، أَيُّهَا الْغُلَامُ الْحَزَوَّرُ " وَقَدْ وَافَقَ عَلِيًّا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ. ذِكْرُ ذَلَكَ

(3/107)


176 - حَدَّثَنِي أَبُو عَلْقَمَةَ الْفَرْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، يَعْنِي الْفَرْوِيَّ [ص:108]، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَبِيدَةُ بِنْتُ نَابِلٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنْبِلُوا سَعْدًا، فِدًى لَهُ أَبِي وَأُمِّي»

(3/107)


177 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمُخَرِّمِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ لِلْمُسْلِمِينَ: «أَنْبِلُوا سَعْدًا، ارْمِ يَا سَعْدُ , رَمَى اللَّهُ لَكَ، ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» [ص:109] الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ، وَعَمَّا فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ عَلِيٍّ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَدِّي رَجُلًا قَطُّ غَيْرَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَصَحِيحٌ أَمْ سَقِيمٌ؟ فَإِنْ كَانَ سَقِيمًا، فَمَا السَّبَبُ الَّذِي أَسْقَمَهُ؟ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِيمَا

(3/108)


178 - حَدَّثَكُمْ بِهِ بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: لِلزُّبَيْرِ: يَا أَبَهْ، لَقَدْ رَأَيْتُكَ وَأَنْتَ تَحْمِلُ عَلَى فَرَسِكَ الْأَشْقَرِ. قَالَ: هَلْ رَأَيْتَنِي أَيْ بُنَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ حِينَئِذٍ لِأَبِيكَ أَبَوَيْهِ، يَقُولُ: «احْمِلْ فِدَاكَ أَبِي , وَأُمِّي»

(3/109)


179 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ [ص:110] الْوَاشِحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: " كُنْتُ وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْأُطُمِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَكَانَ يُطَأْطِئُ فَأَنْظُرُ إِلَى الْقِتَالِ، وأُطَأْطِئُ لَهُ فَيَنْظُرُ إِلَى الْقِتَالِ، فَرَأَيْتُ أَبِي يَجُولُ فِي السَّبَخَةِ، يَكُرُّ عَلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً وَعَلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَهْ، قَدْ رَأَيْتُكَ تَكُرُّ فِي السَّبَخَةِ عَلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً، وَعَلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَقَالَ: قَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ أَبَوَيْهِ " وَقَالَ: هَذَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ لَهُ أَبَوَيْهِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ قَوْلَ الزُّبَيْرِ هَذَا غَيْرُ دَافِعٍ صِحَّةَ مَا قَالَ عَلِيٌّ، وَلَا قَوْلُ عَلِيٍّ دَافِعٌ صِحَّةَ مَا قَالَ الزُّبَيْرُ، لِأَنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ لِلزُّبَيْرِ أَبَوَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ عَلِيٌّ، وَسَمِعَهُ الزُّبَيْرُ، فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا سَمِعَ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ: لَمْ أَسْمَعْ فُلَانًا يَقُولُ كَذَا وَكَذَا نَفْيٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَلَا فِي قَوْلِ قَائِلٍ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ كَذَا وَكَذَا [ص:111]، إِيجَابٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَا أَحَدَ إِلَّا وَقَدْ سَمِعَ مِنَ فُلَانٍ الْخَبَرَ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ خَبَرَا عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا اللَّذَانِ ذَكَرْنَا عَنْهُمَا. الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنَ الْفِقْهِ وَالَّذِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ: الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِإِجَازَةِ تَفْدِيَةِ الرَّجُلِ بِأَبَوَيْهِ وَنَفْسِهِ، وَفَسَادِ قَوْلِ مُنْكِرِي ذَلِكَ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ تَفْدِيَةَ النَّبِيِّ لِلَّهِ مَنْ فَدَّاهُ بِأَبَوَيْهِ، إِنَّمَا جَازَ لِأَنَّ أَبَوَيْهِ كَانَا مُشْرِكَيْنِ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يُفَدِّيَ مُسْلِمًا وَلَا كَافِرًا بِنَفْسِهِ , وَلَا بِأَحَدٍ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، اعْتِلَالًا مِنْهُ بِمَا

(3/109)


180 - حَدَّثَنِي بِهِ يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: " دَخَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ شَاكٍ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ لَهُ: «أَمَا تَرَكْتَ أَعْرَابِيَّتَكَ بَعْدُ؟» . قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَدِّيَ أَحَدٌ أَحَدًا "

(3/111)


181 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرَكْتَ أَعْرَابِيَّتَكَ بَعْدُ، يَا زُبَيْرُ» ؟

(3/111)


وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ، دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا نَعْهَدُكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ فَقَالَ لَهُ: «أَمَا تَرَكْتَ أَعْرَابِيَّتَكَ بَعْدُ؟» . أَوْ كَمَا قَالَ:

(3/112)


183 - حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ السُّوَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ مُنْكَدِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ فَقَالَ: «مَا تَرَكْتَ أَعْرَابِيَّتَكَ»

(3/112)


184 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، قَالَ: «إِذَنْ يُهِينُكَ اللَّهُ» قِيلَ: هَذِهِ أَخْبَارٌ وَاهِيَةُ الْأَسَانِيدِ، لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهَا فِي الدِّينِ حُجَّةٌ [ص:113]، وَذَلِكَ أَنَّ مَرَاسِيلَ الْحَسَنِ أَكْثَرُهَا صُحُفٌ غَيْرُ سَمَاعٍ، وَأَنَّهُ إِذَا وُصِلَتِ الْأَخْبَارُ فَأَكْثَرُ رِوَايَتِهِ عَنْ مَجَاهِيلَ لَا يُعْرَفُونَ. وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فِيمَا يَرْوِي مِنَ الْأَخْبَارِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَنَا أَنْ نَتَثَبَّتَ فِي مَرَاسِيلِهِ، وَأَنَّ الْمُنْكَدِرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ مِمَّنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى نَقْلِهِ. وَبَعْدُ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِحَاحًا، لَمْ يَكُنْ فِيهَا لِمُحْتَجٍّ بِهَا حُجَّةٌ فِي إِبْطَالِ مَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ , وَالزُّبَيْرِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ فَدَّى مَنْ فَدَّى بِأَبَوَيْهِ، وَلَا كَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قِيلَ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، إِذْ لَا بَيَانَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى الزُّبَيْرَ عَنْ قِيلِ ذَلِكَ لَهُ , بَلْ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَمَا تَرَكْتَ أَعْرَابِيَّتَكَ بَعْدُ» , وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قِيلِ الْقَائِلِ إِذَا قَالَ: إِنَّ فُلَانًا لَمْ يَتْرُكْ أَعْرَابِيَّتَهُ بَعْدُ، أَنَّهُ إِنَّمَا نَسَبُهُ إِلَى الْجَفَاءِ لَا إِلَى فِعْلِ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ. فَلَوْ صَحَّ خَبَرُ الْحَسَنِ الَّذِي رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِيلِهِ مَا قَالَ لِلزُّبَيْرِ، لَمْ يَعْدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسْبَةً لِقَوْلِ الزُّبَيْرِ الَّذِي قَالَ لَهُ إِلَى الْجَفَاءِ، وَإعْلَامًا مِنْهُ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْقَوْلِ وَالتَّحِيَّةِ أَلْطَفُ وَأَرَقُّ مِنْهُ، هَذَا هَذَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسَانِيدَ لَا تُشْبِهُ أَسَانِيدَ خَبَرِ الْحَسَنِ فِي الصِّحَّةِ، أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَعَلْنَا اللَّهُ فِدَاكَ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَيِّرْ، نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ

(3/112)


ذِكْرُ ذَلِكَ:

185 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ [ص:114]: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَنْ يَهْلِكُ مِنَ النَّاسِ قَوْمُكِ» قُلْتُ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، أَبَنُو تَيْمٍ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ»

(3/113)


186 - وَحَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ»

(3/114)


187 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ عِيسَى الْجُهَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ: جَاءَ الْجُهَنِيُّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَجِيءُ فَأُصَلِّي خَلْفَكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ»

(3/114)


الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنَ الْغَرِيبِ «فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ» ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، أَيُّهَا الْغُلَامُ الْحَزَوَّرُ ". وَالْحَزَوَّرُ مِنَ الْغِلْمَانِ هُوَ الَّذِي قَدْ قَوِيَ وَاشْتَدَّ وَخَدَمَ، يُجْمَعُ: حَزَاوِرَةٌ، وَحَزَوَّرِينَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ الْعِجْلِيِّ:
[الْبَحْر الرجز]
لَمْ يَبْعَثُوا شَيْخًا وَلَا حَزَوَّرَا ... بِالْفَأْسِ إِلَّا الْأَرْقَبَ الْمُصَدَّرَا
وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ الَّذِي قَدْ بَلَغَ أَشُدَّهُ: حَزَوَّرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةَ بَنِي ذِبْيَانَ:
[الْبَحْر الْكَامِل]
وَإِذَا نَزَعْتَ نَزَعْتَ مِنْ مُسْتَحْصِفٍ ... نَزْعَ الْحَزَوَّرِ بِالرِّشَاءِ الْمُحْصَدِ

(3/115)


وَأَمَّا قَوْلُ سَعْدٍ، مُخْبِرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ: «أَنْبِلُوا سَعْدًا» فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «أَنْبِلُوا سَعْدًا» ، أَعْطُوهُ النَّبْلَ. يُقَالُ مِنْهُ: اسْتَنْبَلَنِي فُلَانٌ، فَأَنْبَلْتُهُ، يُرَادُ بِهِ: سَأَلَنِي نَبْلًا فَأَعْطَيْتُهُ. فَأَمَّا الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَهُ النَّبْلُ فَإِنَّهُ يُقَالُ: هُوَ رَجُلٌ نَابِلٌ وَنبَّالٌ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَكُونُ مَعَهُ سَيْفٌ: هُوَ رَجُلٌ سَائِفٌ، وَسَيَّافٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: «مَا انْتَبَلْتُ نَبْلَهُ» ، فَإِنَّهُ مَعْنًى غَيْرُ هَذَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ يَأْتِيكَ فَلَا تَكْتَرِثُ لَهُ، وَلَا تَعْلَمُ بِهِ، وَفِيهِ لُغَاتٌ أَرْبَعٌ، يُقَالُ: مَا انْتَبَلْتُ نَبْلَهُ، وَنُبْلَهُ، وَنَبَالَهُ، وَنَبَالَتَهُ، وَمِثْلُهُ: مَا مَأَنْتُ مَأْنَهُ، وَلَا شَأَنْتُ شَأْنَهُ، وَلَا رَبَأْتُ رَبْأَهُ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ: مَا اكْتَرَثْتُ لَهُ، وَلَا عَلِمْتُ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ لِلرَّجُلِ: نَبِّلْنِي عَرْقًا، وَنَبِّلْنِي أَحْجَارًا، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَعْطِنِي. وَأَمَّا النَّبَلُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ، وَأَعِدُّوا النَّبَلَ» ، فَإِنَّهَا الْحِجَارَةُ الَّتِي تُعَدُّ لِلِاسْتِنْجَاءِ بِهَا , يُقَالُ ذَلِكَ لَهَا كَذَلِكَ لِصِغَرِهَا، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ صَغِيرٍ نَبْلَةٌ، كَمَا تُسَمِّي بِهَا كُلَّ شَيْءٍ كَبِيرٍ. وَهُوَ مِنَ الْأَضَّدَادِ، يُجْمَعُ نَبَلًا، وَمِنْهُ قَوْلُ بَيْهَسٍ، الَّذِي كَانَ يُلَقَّبُ نَعَامَةَ:
[الْبَحْر المنسرح]
إِنْ كُنْتَ أَزْنَنْتَنِي بِهَا كَذِبًا ... جَزْءُ، فَلَاقَيْتَ مِثْلَهَا عَجِلَا

(3/116)


أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الْكِرَامَ، وَأَنْ ... أُورَثَ ذَوْدًا شَصَائِصًا نَبَلَا،
وَحُكِيَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ: النُّبَلُ، بِضَمِّ النُّونِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ، فَأَمَّا الْمُحَدِّثُونَ فَإِنَّهُمْ يَرْوُونَ ذَلِكَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْبَاءِ، وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا رَوَاهُ الْمُحَدِّثُونَ، لِأَنَّ الرُّوَاةَ يَرْوُونَ عَنْ بَيْهَسٍ الَّذِي ذَكَرْتُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْبَاءِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ وَجْهٌ صَحِيحٌ , وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ إِيَّاهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْبَاءِ "

(3/117)


ذِكْرُ خَبَرٍ آخَرَ مِنْ أَخْبَارِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ

(3/118)


حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي حُدَّانَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «سَمَّى اللَّهُ الْحَرْبَ خُدْعَةً عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْقَوْلُ فِي عِلَلِ هَذَا الْخَبَرِ وَهَذَا الْخَبَرُ عِنْدَنَا صَحِيحٌ سَنَدُهُ، وَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِ الْآخَرِينَ سَقِيمًا غَيْرَ صَحِيحٍ، لِعِلَلٍ: إِحْدَاهَا: أَنَّهُ خَبَرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَخْرَجٌ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِحُّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [ص:119]. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ رِوَايَةِ ثِقَاتِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ عَلِيٍّ الْوقُوفُ بِهِ عَلَيْهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ ذِي حُدَّانَ عِنْدَهُمْ مَجْهُولٌ، وَلَا تَثْبُتُ بِمَجْهُولٍ فِي الدِّينِ حُجَّةٌ. وَالرَّابِعَةُ: أَنَّ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَوْصُوفِينَ بِالْحِفْظِ إِنَّمَا رَوَوْهُ عَنْهُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ. وَالْخَامِسَةُ: أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّدْلِيسِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ الِاحْتِجَاجُ مِنْ خَبَرِ الْمُدَلِّسِ عِنْدَهُمْ مِمَّا لَمْ يَقُلْ فِيهِ: حَدَّثَنَا، أَوْ سَمِعْتُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

(3/118)


ذِكْرُ مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ عَلِيٍّ، فَوَقَفَهُ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(3/119)


188 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الْحَرْبِ، فَإِنَّمَا الْحَرْبُ خُدْعَةٌ

(3/119)


189 - حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: " إِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ

(3/120)


190 - حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَمُرُّ بِالنَّهَرِ أَوْ بِالسَّاقِيَةِ فَيَقُولُ: " صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَزَالُ تَقُولُ هَذَا، قَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّمَا الْحَرْبُ خُدْعَةٌ "

(3/120)


191 - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَاعْلَمُوا أَنَّى لَأَنْ أَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ، وَلَكِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ»

(3/120)


ذِكْرُ مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَالَ فِيهِ: عَنْهُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي حُدَّانَ، عَنْ عَلِيٍّ

(3/120)


192 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ [ص:121]، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي حُدَّانَ، عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيًّا، يَقُولُ: «سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَ خُدْعَةً» وَقَدْ وَافَقَ عَلِيًّا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ، ثُمَّ نُتْبِعُ جَمِيعَهُ الْبَيَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(3/120)


193 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الْبَصْرِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/121)


194 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» أَوْ «خَدْعَةٌ»

(3/122)


195 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/122)


196 - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/122)


197 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، وَجَابِرُ بْنُ الْكُرْدِيِّ الْوَاسِطِيَّانِ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/122)


198 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَقِيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا: " هَلْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» ؟ قَالَ: نَعَمْ "

(3/122)


199 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/122)


200 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ [ص:123]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/122)


201 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خُلَيْفِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الرَّجُلُ يُرْضِي امْرَأَتَهُ، وَفِي الْحَرْبِ، وَفِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّاسِ "

(3/123)


202 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثَوَابَةَ فَضَالَةُ بْنُ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/123)


203 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا وَقَالَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/124)


204 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَطَرِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْحَرْبُ خُدْعَةٌ، فَاصْنَعْ مَا تُرِيدُ»

(3/124)


205 - وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ " لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَذَبَ امْرَأَتَهُ لِيَسْتَصْلِحَ خُلُقَهَا، وَرَجُلٌ كَذَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَرَجُلٌ كَذَبَ فِي خَدِيعَةِ حَرْبٍ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ "

(3/124)


206 - وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَالِي أَرَاكُمْ تَتَهَافَتُونَ فِي الْكَذِبِ كَمَا يَتَهَافَتُ الْفَرَاشُ فِي النَّارِ أَلَا إِنَّ كُلَّ كَذِبٍ مَكْتُوبٌ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: كَذِبُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَكَذِبُ الرَّجُلِ فِي الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ، وَكَذِبُ الرَّجُلِ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ، أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النِّسَاء: 114] "

(3/125)


207 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ، عَنْ شَهْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً، فَنَزَلُوا عَلَى رَجُلٍ، فَأَتَاهُمْ بَعَتُودٍ، أَوْ شَاةٍ لِيَذْبَحُوهَا، فَقَالُوا: مَهْزُولَةٌ فَأَبَوْا أَنْ يَذْبَحُوهَا، وَلَهُ ظُلَّةٌ فِيهَا غَنَمٌ لَهُ، قَالَ: فَقَالُوا: أَخْرِجِ الْغَنَمَ حَتَّى نَكُونَ فِي الظِّلِّ، فَقَالَ: أَخْشَى عَلَى غَنَمِي، أَرْضٌ فِيهَا السَّمُومُ، أَنْ تُخْدَجَ، فَقَالُوا: أَنْفُسُنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ غَنَمِكَ فَأَخْرَجُوا الْغَنَمَ، وَكَانُوا فِي الظُّلَّةِ، فَأَخْدَجَتْ غَنَمُهُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ بِصَنِيعِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَاءُوا ذَكَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ لَهُ الرَّجُلُ، فَقَالُوا: كَذَبَ وَأَثِمَ، مَا كَانَ مِمَّا يَقُولُ شَيْءٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: «إِنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ خَيْرٌ، فَعَسَى أَنْ تَكُونَ أَنْتَ تَصْدُقُنِي» ، فَأَخْبَرَهُ كَمَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَتَهَافَتُونَ فِي الْكَذِبِ تَهَافُتَ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ» . ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الْكَذِبَ يُكْتَبُ كُلُّهُ، لَا مَحَالَةَ كَذِبًا، إِلَّا أَنْ يَكْذِبَ الرَّجُلُ فِي الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ أَوْ قَالَ: خَدْعَةٌ وَأَنْ يَكْذِبَ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ يَكْذِبَ أَهْلَهُ " يَعْنِي امْرَأَتَهُ

(3/126)


208 - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً، فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى أَعْرَابِيٍّ مَعَهُ غُنَيْمَةٌ لَهُ، فَقَالُوا: اذْبَحْ لَنَا. فَأَتَاهُمْ بِعَتُودٍ لَهُ، قَالَ: فَقَالُوا: هَذَا مَهْزُولٌ قَالَ: ثُمَّ أَتَاهُمْ بِآخَرَ فَقَالُوا: هَذَا مَهْزُولٌ. قَالَ: فَأَخَذُوا شَاةً سَمِينَةً [ص:127] فَذَبَحُوهَا فَأَكَلُوا، قَالَ: فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ، قَالَ: وَلَهُ غُنَيْمَةٌ لَهُ فِي ظُلَّةٍ لَهُ، فَقَالُوا: أَخْرِجْ غَنَمَكَ حَتَّى نَسْتَظِلَّ فِي هَذَا الظِّلِّ، فَقَالَ: إِنَّ غَنَمِي وُلْدٌ، وَإِنِّي مَتَى مَا أُخْرِجْهَا فَنَفَسَتْهَا السَّمُومُ تَخْدِجُ، فَقَالُوا: أَنْفُسُنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ غَنَمِكَ , قَالَ: فَأَخْرَجَهَا فَخَدَجَتْ. قَالَ: وَأَتَى جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِمْ، فَانْتَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَتِ السَّرِيَّةُ، فَسَأَلَهُمْ، فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا فَعَلْنَا قَالَ: وَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ فَعَلُوا الَّذِي أَخْبَرْتُكَ , فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَقَالَ: «إِنْ يَكُ فِي الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ هَذَا» ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ مِثْلَ الَّذِي قَالَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَتَهَافَتُونَ فِي الْكَذِبِ تَهَافُتَ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ، إِنَّ كُلَّ كَذِبٍ مَكْتُوبٌ كَذِبًا لَا مَحَالَةَ، إِلَّا ثَلَاثَةٌ: الرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ امْرَأَتَهُ لِيُمَنِّيَهَا "

(3/126)


209 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُقْبَةَ السُّوَائِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: كَذِبُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لِتَرْضَى عَنْهُ، وَكَذِبٌ فِي إِصْلَاحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَكَذِبٌ فِي الْحَرْبِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فِيمَا أَظُنُّ أَنَا

(3/127)


210 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ ابْنَةُ يَزِيدَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، مَا يَحْمِلُكُمْ أَنْ تَتَايَعُوا فِي الْكَذِبِ كَمَا يَتَتَايَعُ الْفَرَاشُ فِي النَّارِ؟ كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا ثَلَاثُ خَصَلَاتٍ: إِلَّا امْرُؤٌ كَذَبَ امْرَأَتَهُ لِتَرْضَى عَنْهُ. أَوْ رَجُلٌ كَذَبَ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ لِيُصْلِحَ ذَاتَ بَيْنِهِمَا، وَرَجُلٌ كَذَبَ فِي خَدِيعَةِ حَرْبٍ "

(3/128)


211 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ كَذِبٍ مَكْتُوبٌ عَلَى صَاحِبِهِ لَا مَحَالَةَ، إِلَّا أَنْ يَكْذِبَ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، وَرَجُلٌ يَعِدُ امْرَأَتَهُ، وَرَجُلٌ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْحَرْبُ خِدْعَةٌ»

(3/128)


212 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/129)


213 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو السَّكْسَكِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/129)


214 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، وَجَابِرُ بْنُ الْكُرْدِيِّ الْوَاسِطِيَّانِ قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَابِرٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ: ابْنَةِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «خَذِّلْ عَنَّا، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ»

(3/130)


215 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»

(3/130)


216 - وَحَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ: أُمِّ كُلْثُومِ ابْنَةِ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَذِبِ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا أَعُدُّهُ كَذِبًا: الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، يَقُولُ الْقَوْلَ يُرِيدُ بِهِ الْإِصْلَاحَ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ الْقَوْلَ فِي الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا "

(3/131)


217 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومِ ابْنَةِ عُقْبَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا، وَنَمَى خَيْرًا»

(3/132)


218 - حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومِ ابْنَةِ عُقْبَةَ، قَالَتْ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَذِبِ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا أَعُدُّهُ كَذَّابًا: الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، يَقُولُ الْقَوْلَ لَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الْإِصْلَاحَ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ الْقَوْلَ فِي الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ الْمَرْأَةَ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا "

(3/133)


219 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومِ ابْنَةِ عُقْبَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَاذِبُ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ وَقَالَ خَيْرًا، أَوْ نَمَى خَيْرًا»

(3/133)


220 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ: الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَفِي الْحَرْبِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: «وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ»

(3/133)


221 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي أُمُّ جُنْدُبٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَاذِبُ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَوَى خَيْرًا»

(3/133)


الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَنْ مَعَانِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ " إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِيلِهِ: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» ، وَأَنَّ الْكَذِبَ فِيهَا وَفِي الْمَعْنَيَيْنِ الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْتَ عَنْهُ أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِمَا الْكَذِبَ، أَسَقِيمَةٌ أَمْ صَحِيحَةٌ؟ فَإِنْ كَانَتْ سَقِيمَةً، فَمَا الَّذِي أَسْقَمَهَا؟ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَمَا وَجْهُهَا؟ وَمَا مَعْنَاهَا؟ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا "

(3/134)


222 - حَدَّثَكَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَرَوَايَا الْكَذِبِ، فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ بِالْجِدِّ وَلَا بِالْهَزْلِ، وَلَا يَعِدِ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ مَا لَا يَفِي لَهُ بِهِ، أَلَا إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَالصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ، وَلِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ، أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَاذِبًا، وَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا "

(3/134)


223 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ " شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ، إِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ فِي جِدٍّ وَلَا هَزْلٍ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُقَالُ لِلصَّادِقِ صَدَقَ وَبَرَّ وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ كَذَبَ وَفَجَرَ , وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا»

(3/135)


224 - وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَسْرِقُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: «قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ» . قَالَ: فَهَلْ يَزْنِي الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: «بَلَى، وَإِنْ كَرِهَ أَبُو الدَّرْدَاءِ» قَالَ: هَلْ يَكْذِبُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: «إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ، إِنَّ [ص:136] الْعَبْدَ يَزِلُّ الزَّلَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى رَبِّهِ فَيَتُوبُ، فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ» قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ قَبْلَنَا فِي الْكَذِبِ الَّذِي أَبَاحَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي مَعَانِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَذْكُرُ فِي ذَلِكَ أَقْوَالَهُمْ، ثُمَّ نُتْبِعُ جَمِيعَ ذَلِكَ الْبَيَانَ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْكَذِبُ مَحْظُورٌ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، غَيْرُ جَائِزٍ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ: لَا فِي حَرْبٍ، وَلَا فِي غَيْرِهَا. قَالُوا: وَالَّذِي أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْكَذِبِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ خَارِجٌ. قَالُوا: وَإِنَّمَا الَّذِي أَذِنَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، كَالَّذِي فَعَلَهُ بِالْأَحْزَابِ عَامَ الْخَنْدَقِ، إِذْ رَاسَلَتْ يَهُودُ قُرَيْظَةَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ [ص:137] حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ لِلْغَدْرِ بِمَنْ فِي الْآطَامِ مِنْ ذَرَارِيٍّ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ، كَالَّذِي

(3/135)


225 - حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَرْسَلتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَحْزَابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: أَنِ اثْبُتُوا، فَإِنَّا سَنُغِيرُ عَلَى بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ. فَسَمِعَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ، وَهُوَ مُوَادِعٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عِنْدَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ حِينَ أَرْسَلَتْ بِذَلِكَ بَنُو قُرَيْظَةَ إِلَى الْأَحْزَابِ، فَأَقْبَلَ نُعَيْمٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ مَا أَرْسَلَتْ بِهِ بَنُو قُرَيْظَةَ إِلَى الْأَحْزَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ» ، فَقَامَ نُعَيْمٌ بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ لَيُحَدِّثَ بِهَا غَطَفَانَ، وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلًا لَا يَمْلِكُ الْحَدِيثَ فَلَمَّا وَلَّى نُعَيْمٌ ذَاهِبًا إِلَى غَطَفَانَ , قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الَّذِي قُلْتَ إِمَّا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَأَمْضِهِ، وَإِمَّا هُوَ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ، فَإِنَّ شَأْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ هُوَ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا يُؤْثَرُ عَلَيْكَ فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هَذَا رَأْيٌ رَأَيْتُهُ، إِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ» . ثُمَّ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِثْرِ نُعَيْمٍ فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «أَرَأَيْتَكَ الَّذِي سَمِعْتَنِي أَذْكُرُ آنِفًا؟ اسْكُتْ عَنْهُ فَلَا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ» . فَانْصَرَفَ نُعَيْمٌ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: شَيْئًا قَطُّ إِلَّا حَقًّا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ لِي فِيمَا أَرْسَلَتْ بِهِ إِلَيْكُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ: «فَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ» ، ثُمَّ نَهَانِي أَنْ أَذْكُرَهُ لَكُمْ، فَانْطَلَقَ عُيَيْنَةُ حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ , فَأَخْبَرَهُ بِمَا أَخْبَرَهُ نُعَيْمٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي مَكْرٍ مِنْ بَنِي [ص:138] قُرَيْظَةَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَنُرْسِلُ إِلَيْهِمْ نَسْأَلُهُمُ الرَّهْنَ، فَإِنْ دَفَعُوا إِلَيْنَا رَهْنًا مِنْهُمْ فَصَدِّقُوا، وَإِنْ أَبَوْا فَنَحْنُ مِنْهُمْ فِي مَكْرٍ. فَجَاءَهُمْ رَسُولُ أَبِي سُفْيَانَ يَسْأَلُهُمُ الرَّهْنَ , فَقَالَ: إِنَّكُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَيْنَا تَأْمُرُونَ بِالْمُكْثِ , وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ سَتُخَالِفُونَ مُحَمَّدًا، وَمَنْ مَعَهُ، فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَأَرْهِنُونَا بِذَلِكَ مِنْ أَبْنَائِكُمْ، وَصَبِّحُوهُمْ غَدًا. قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَلَسْنَا نَقْضِي فِي لَيْلَةِ السَّبْتِ وَلَا فِي يَوْمِهَا أَمْرًا، فَأَمْهِلُوا حَتَّى يَذْهَبَ السَّبْتُ. فَرَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَرُءُوسُ الْأَحْزَابِ مَعَهُ: هَذَا مَكْرٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَارْتَحِلُوا. فَبَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمُ الرِّيحَ حَتَّى مَا كَادَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَهِدِّي إِلَى رَحْلِهِ، فَكَانَتْ تِلْكَ هَزِيمَتَهُمْ " فَبِذَلِكَ يُرَخِّصُ النَّاسُ الْخَدِيعَةَ فِي الْحَرْبِ

(3/137)


226 - حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «قَالُوا كَذَا، وَفَعَلُوا كَذَا، صَنَعُوا كَذَا» فَذَهَبَ الْعَيْنُ فَأَخْبَرَهُمْ، فَهُزِمُوا، وَلَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنْ قَالَ: أَفَعَلُوا كَذَا، أَصَنَعُوا كَذَا؟ اسْتِفْهَامٌ. قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لِمُغِيرَةَ فَأَعْجَبَهُ " قَالُوا: فَالَّذِي رَخَّصَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ، نَحْوُ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِيهَا مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ الْقَائِلُ فِيهَا مِمَّا يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ، مُوهِمًا بِذَلِكَ مَنْ سَمِعَهُ مَا فِيهِ الْوَهَنُ عَلَى الْعَدُوِّ، كَايَدَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ قِيلِهِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ إِذْ أَخْبَرَهُ بِرِسَالَةِ الْيَهُودِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ: «فَلَعَلَّنَا [ص:139] نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ» ، فَقَالَ قَوْلًا مُحْتَمِلًا ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْيَهُودَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا، مِنْ إِرْسَالِهِمُ الرُّسُلَ فِيهِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بِمَا أَرْسَلُوا بِهِ، إِمَّا عَنْ أَمْرِهِ، أَوْ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. وَذَلِكَ، لَا شَكَّ، أَنَّهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا عَنْ أَحَدِ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ، إِمَّا عَنْ أَمْرِهِ، وَإِمَّا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ , وَذَلِكَ هُوَ الصِّدْقُ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ. وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ كَذِبًا لَوْ قَالَ: «إِنَّمَا أَرْسَلَتِ الْيَهُودُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بِمَا أَرْسَلَتْ بِهِ إِلَيْهِ، بِأَمْرِنَا إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ» ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: «فَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ» ، فَمِنَ الْكَذِبِ بِمَعْزِلٍ قَالُوا: وَمِنَ الْخَدِيعَةِ الَّتِي أَذِنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فِي الْحَرْبِ مَا رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَ قَوْمٍ وَرَّى بِغَيْرِهِمْ. قَالُوا: وَكَالَّذِي رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، كَانَ يَفْعَلُ أَهْلُ الدِّينِ وَالْفَضْلِ فِي مَغَازِيهِمْ، قَالُوا: وَمِنْ ذَلِكَ مَا

(3/138)


227 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، أَنَّ تَمِيمَ بْنَ سُحَيْمٍ، شَيْخًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِيِّ وَعُقِدَ لَهُ عَلَى الصَّائِفَةِ مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَسَمِعْتُهُ يَقُومُ فِي النَّاسِ كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَرْتَحِلَ، فَيَحْمَدِ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ , ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي دَارِبٌ بِالْغَدَاةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، دَرْبَ كَذَا وَكَذَا. فَتَفَرَّقُ عَنْهُ الْجَوَاسِيسُ بِذَلِكَ، فَإِذَا أَصْبَحَ تَوَجَّهَ إِلَى غَيْرِهِ. قَالَ: وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَسَمِّتْهُ الرُّومُ: الثَّعْلَبَ

(3/139)


228 - وَحَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: قِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: إِنَّهُ يَصْلُحُ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ: مَا أَعْلَمُ الْكَذِبَ إِلَّا حَرَامًا. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَغَزَوْتُ، فَخَطَبَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى عَمُّورِيَّةَ وَهُوَ يُرِيدُ غَيْرَهَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَلَا بَأْسَ وَقَالَ: " لَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ أُوتِيَ مُحَمَّدٌ قَالُوا: وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكَلَامِ جَائِزٌ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا. قَالُوا: وَقَدِ اسْتَعْمَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أَئِمَّةٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ

(3/140)


ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ

(3/140)


229 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: لَقِيَنِي شُرَيْحٌ فَقَالَ: قَدْ أَكَلْتُ الْيَوْمَ مَا قَدْ أَتَى عَلَيْهِ عَشْرُ سِنِينَ، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّكَ لَا تَزَالُ تَجِيئُنَا بِالْعَجَائِبِ قَالَ: كَانَتْ عِنْدِي نَاقَةٌ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ، فَنَحَرْتُهَا الْيَوْمَ فَأَكَلْتُهَا "

(3/140)


230 - حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: عَاتَبَتْ إِبْرَاهِيمَ امْرَأَتُهُ فِي جَارِيَةٍ، وَفِي يَدِهِ مَرْوَحَةٌ، قَالَ: فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ: اشْهَدُوا أَنَّهَا لَهَا وَيُشِيرُ بِالْمِرْوَحَةِ فَلَمَّا قَامَتْ قَالَ: عَلَى أَيِّ [ص:141] شَيْءٍ أَشْهَدْتُكُمْ؟ قَالُوا: أَشْهَدْتَنَا عَلَى أَنَّهَا لَهَا. قَالَ: أَوَ لَمْ تَرَوْنِي وَأَنَا أُشِيرُ بِالْمِرْوَحَةِ؟

(3/140)


231 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي رَجُلٍ مَرَّ عَلَى عَشَّارٍ فَقَالَ: " أَنَا أَمْشِي إِلَى الْبَيْتِ وَهُوَ يَعْنِي بَيْتَهُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ

(3/141)


232 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، أَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ أَوْ زِيَادٍ فَقَالَ: «مَا رَفَعْتُ جَنْبِي مُنْذُ وَضَعَنِي اللَّهُ، أَوْ نَحْوَهُ»

(3/141)


233 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا بَعَثَ السُّلْطَانُ إِلَى الرَّجُلِ قَالَ: «مَا أُبْصِرُ إِلَّا مَا بَصَّرَنِي غَيْرِي، وَمَا اهْتَدِي إِلَّا مَا سَدَّدْنِي غَيْرِي، وَنَحْوَ هَذَا»

(3/141)


234 - وَحَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَ لَهُمْ كَلَامٌ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ إِذَا خَشُوا مِنْ شَيْءٍ، يُكَلِّمُونَ بِهِ النَّاسَ، يَدْرَءُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمُ اتِّقَاءَ الْكَذِبِ»

(3/141)


235 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَ لَهُمْ كَلَامٌ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي الْمَعَارِيضِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْكَذِبُ الَّذِي رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْخِلَالِ [ص:142] الثَّلَاثِ، هُوَ جَمِيعُ مَعَانِي الْكَذِبِ

(3/141)


ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ

(3/142)


236 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَزْرَةَ، أَنَّهُ أَخَذَ بِيَدِ ابْنِ الْأَرْقَمَ فَأَدْخَلَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَتُبْغِضِينَنِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ لَهُ ابْنُ الْأَرْقَمَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: كَبُرَتْ عَلَيَّ مَقَالَةُ النَّاسِ. فَأَتَى ابْنُ الْأَرْقَمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَزْرَةَ فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: كَبُرَتْ عَلَيَّ مَقَالَةُ النَّاسِ. فَأَرْسَلَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَجَاءَتْهُ وَمَعَهَا عَمَّةٌ لَهَا مُنْكَرَةٌ، فَقَالَتْ: إِنْ سَأَلَكِ فَقُولِي: إِنَّهُ اسْتَحْلَفَنِي , فَكَرِهْتُ أَنْ أَكْذِبَ , فَقَالَ لَهَا عُمَرُ مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا قُلْتِ , قَالَتْ إِنَّهُ اسْتَحْلَفَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أَكْذِبَ , فَقَالَ عُمَرُ: بَلَى، فَلْتَكْذِبْ إِحْدَاكُنَّ وَلْتُجْمِلْ، فَلَيْسَ كُلُّ الْبُيُوتِ يُبْنَى عَلَى الْحُبِّ، وَلَكِنْ مُعَاشَرَةٌ عَلَى الْأَحْسَابِ وَالْإِسْلَامِ "

(3/142)


237 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيِّ: أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَشْرَبُ الْخَمْرَ. فَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ أَرَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسَأْتَ، أَمَا وَاللَّهِ مَا مَشَيْتُ خَلْفَ مَلِكٍ قَطُّ إِلَّا حَدَّثْتُ نَفْسِي بِقَتْلِهِ. قَالَ: فَهَلْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِقَتْلِي؟ قَالَ: لَوْ هَمَمْتُ لَفَعَلْتُ. فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ قُلْتَ نَعَمْ، لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، اخْرُجْ، لَا وَاللَّهِ لَا تَبِيتُ اللَّيْلَةَ مَعِي. فَقَالَ لَهُ [ص:143] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ قَالَ نَعَمْ، لَضَرَبْتَ عُنُقَهُ؟ قَالَ: لَا , وَلَكِنِّي اسْتَرْهَبْتُهُ بِذَاكَ

(3/142)


238 - حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ الزَّرَّادُ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي نَفَرٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَحُذَيْفَةُ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ كَذَا وَكَذَا، وَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: وَاللَّهِ مَا قُلْتُهُ - وَقَدْ سَمِعْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُهُ - فَلَمَّا خَرَجَ قُلْنَا: أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُهُ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْنَا: فَلِمَ حَلَفْتَ؟ قَالَ: «إِنِّي لِأَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّهُ»

(3/143)


239 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، وَالْحَكَمُ بْنُ عَطِيَّةَ، سَمِعَا مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، يَقُولُ: دَخَلَ الْأَحْنَفُ مَعَ عَمِّهِ عَلَى مُسَيْلِمَةَ، فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ لَهُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، كَيْفَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ؟ فَقَالَ الْأَحْنَفُ: مَا رَأَيْتُ نَبِيًّا صَادِقًا، وَلَا كَاذِبًا حَازِمًا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ: لَأُخْبِرَنَّهُ بِمَا قُلْتَ. قَالَ: إِذًا أُخْبِرُهُ أَنَّكَ قُلْتَهُ , ثُمَّ أُلَاعِنُكَ

(3/143)


240 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى الْحَسَنِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ، فَتَأْتِيهِ الْهَدِيَّةُ مِنْ عِنْدِ بَعْضِ إِخْوَانِهِ، فَيَقُولُ: أَنَا وَاللَّهِ فِي سَعَةٍ. فَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ خَائِفٌ مَحْرُومٌ , وَهُوَ يَقُولُ: " أَنَا فِي سَعَةٍ؟

(3/143)


241 - حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ دَرَأَ عَنْ نَفْسِهِ» [ص:144] وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِي رُخِّصَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْمَعَارِيضُ دُونَ التَّصْرِيحِ

(3/143)