فقه
النوازل " 5 "
طرق الإنجاب في
الطب الحديث وحكمها الشرعي
(1/237)
الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده : أما بعد
:
فمن نوازل العصر وقضاياه المستجدة في أعقاب
تطور الطب الحديث أمور
جدت في علمي الأجنة والوراثة . ومنها ما يتعلق
بالإنجاب سلباً أو إيجاباً
نحو :
1- الإجهاض .
2- منع الحمل .
3- تحديد النسل .
4- الولادة مع العقم . وفيه :
جدت طرق الإنجاب التي يجمعها حمل المرأة من
غير طريق الوقاع .
بما اكتسب اللقب :
أ - طفل الأنابيب .
ب - التلقيح الصناعي . والأول واحد من أساليبه
، بل تطور " التلاعب
العضوي " بالخلايا الإنسانية إلى طموحات أخرى
تشتغل في : الحيوان
والنبات ، وبدأ تطبيقها على الإنسان في عدة
مظاهر (1) :
أ - بحث التحكم في جنس الجنين : ذكر أم أنثى ؟
.
ب - إشباع الرغبة بجهاز الكتروني .
__________
(1) مستخلص من بحث الأستاذ أحمد شرف الدين في
: كتاب الإنجاب ص :
136 - 142 .
(1/239)
ج - تكاثر
الخلايا الجسدية بتحويلها إلى خلايا جنينية .
د - وجود إنسان مجتر بخلط خلاياه مع خلايا
بهيمية .
ومحل البحث هنا هو " طرق الإنجاب في الطب
الحديث " وقد تكاثرت
فيه الدراسات ، وعقدت له الندوات والمؤتمرات ،
وبهر العالم وجود هذا
النوع الجديد في الجنس البشري من حيث تغير
طريق الحمل بغير طريق
التواصل أو الالتقاء العضوي بين الزوجين ،
فثارت حوله أقاويل ، وقامت
أمامه شكوك وشبهات ، وصار الناس منه في أمر
مريج قبولاً ورداً .
ففي الوقت الذي أبته مجموعة من الغرب وعللوه
بغيرتهم على الجنس
البشري والحفاظ عليه ، وسلامته من مواليد يلحق
بهم علامات استفهام
في شرعية سبب الحمل ؟؟ .
تقبل آخرون لهذا ورأوا أنه سبيل لإغاثة العقيم
البائس من نعمة
الأولاد .
وبعد أن دبت إلى المسلمين في ديار الغرب أو في
ديارهم نازلهم
علماء الشريعة بدراسة هذه النازلة ، وتنزيل
الحكم التكليفي الشرعي عليها
كل بما وصل إليه علمه ومارسه دراسة وبحثاً .
فألفت في ذلك رسائل
وأعدت بحوث ودراسات ، وصدرت فتاوى وقرارات
مجمعية .
ونهض فريق من الأطباء المسلمين فأعطوا التصور
الكامل عن هذه
الواقعة والطبيعة الطبية لها من حين الشروع
فيها وحتى المرحلة الأخيرة
بشتى أساليبها وصورها ، بل منهم من جمع النظرة
الشرعية الفقهية لدى
العلماء . ولجميع أولاء الأجلة : فضل السبق
لفتق الرتق في هذه النازلة
وتجسيدها واقعاً وشرعاً ، لكن لما كانت هذه
الأبحاث متناثرة ، والآراء فيها
(1/240)
متباينة أضحى
من الضرورة بمكان تصنيف القول فيها واقعاً
وحكماً بتصوير
الواقعة وأساليبها لما هو معلوم من مبادئ
العلم الأولية " الحكم فرع
التصور " وهذا بحكم المفروغ منه .
وتكييفها فقهاً بترتيب النتيجة على البحث لا
لنصرة أي رأي بعينه .
ولهذا فإن تصنيف البحث فيها على ما يلي :
المبحث الأول : في بيان ما كتب في هذه النازلة
.
المبحث الثاني : قواعد شرعية أمام البحث .
المبحث الثالث : المصطلحات الطبية في هذه
النازلة .
المبحث الرابع : تاريخها .
المبحث الخامس : ولائدها .
المبحث السادس : صورها .
المبحث السابع : حكمها شرعاً .
والله الموفق .
(1/241)
المبحث الأول
بيان ما كتب في هذه النازلة تبعاً أو
استقلالاً
حصل بالتتبع ما يلي :
أولاً : الفتاوى :
1- فتاوى شيخ الأزهر محمود شلتوت ص / 326 -
329 .
2- فتاوى حسنين مخلوف .
3- من حقيبة المفتي ، لأحمد العسكري ص / 211 .
4- نموذج من الفتوى ، لعطية خميس 1 / 201 .
5- فتاوى المنار .
6- فتاوى معاصرة ، ليوسف القرضاوي ص / 490 -
495 .
7- قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة
المكرمة وهي : القرار
الرابع عام 1402 ، والقرار الخامس عام 1404 هـ
، والقرار الثاني عام
1405 هـ .
8- فتوى شيخ الأزهر جاد الحق عام 1400 هـ باسم
: " التلقيح
الصناعي في الإنسان " 9 / 3213 - 3228 رقم
الفتوى / 1225 من كتاب
" الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية "
.
ثانياً : البحوث المستقلة أو في كتاب :
1- الجنين في الإسلام ، محمد سلام مدكور . ص /
129 وما بعدها .
(1/243)
2- الإسلام
عقيدة وشريعة لمحمود شلتوت ص / 204 ، 208 .
3- البيان في تصحيح الإيمان لمحمد فؤاد عبد
الباقي ص / 129 .
4- الحلال والحرام ، ليوسف القرضاوي / 162 -
163 .
ثالثاً : بحوث المنظمة الإسلامية للعلوم
الطبية بالكويت ، عام 1403 هـ
فيها مجموع في كتاب مع أبحاث أخرى باسم : "
الإنجاب في ضوء
الإسلام " .
وفيها ما يلي مع ما لحقها من مناقشات :
1- أطفال الأنابيب - الرحم الظئر ، الطبيب
حسان حتحوت
ص / 188 - 236 .
2- الإنجاب في ضوء الإسلام للشيخ إبراهيم
القطان ،
ص / 365 - 374 .
3- أطفال بالكتالوج . ص / 470 - 476 .
4- أطفال الأنابيب " مشكلة أخلاقيات - أمهات
بالوكالة .. "
ص / 467 - 469 .
5- طفل الأنابيب ، للشيخ مصطفى الزرقا ، ص /
477 - 487 .
6- آراء في التلقيح الصناعي . للشيخ بدر
المتولي ص / 483 - 487 .
7- آراء في التلقيح الصناعي . للشيخ علي
الطنطاوي
ص / 488 - 490 .
8- حكم الاستنجاب في الشريعة الإسلامية
والقانون . لأحمد شرف
الدين ص / 391 - 406 من مجموعة أبحاث المؤتمر
العالمي الثالث عن
الطب الإسلامي . وهذا البحث دقيق وبالغ
الأهمية .
(1/244)
رابعاً : بحوث
مجمع الفقه الإسلامي بجدة وفيه :
1- أطفال الأنابيب ، للشيخ عبد الله البسام .
2- التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب ، للطبيب
محمد علي البار .
3- أطفال الأنابيب ، للشيخ رجب التميمي .
خامساً : المؤلفات المفردة :
4- " والحكم الإقناعي في إبطال التلقيح
الصناعي " ، وما يسمى بشتل
الجنين ، للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود .
هذا ما أمكن الوقوف عليه حين كتابة هذا البحث
، وهناك أبحاث
متناثرة في كتب : الإجهاض ، وتحديد النسل ،
وعلاج العقم ، وكتب الطب
المعاصرة .
والله الموفق .
(1/245)
المبحث الثاني
قواعد شرعية أمام البحث
التمهيد بين يدي البيان للحكم التكليفي ،
والحكم الوضعي لهذه
النازلة يعطي توطيناً للنفس بالوقوف على الحكم
الشرعي بأمان من إبعاد
النجعة في الرأي . ولهذا فهذه قواعد شرعية ،
ومواصفات علمية تنير السبيل
في هذا البحث المهم الخطير .
القاعدة الأولى :
تواضع علم الناس وعملهم على أن عملية الإنجاب
في سيرها
الفطري والشرعي تبدأ من التقاء عضوي التناسل
بين الزوجين فيعلق حيوان
الزوج المنوي ببييضة زوجته أمشاجاً في رحمها
في ذلكم القرار المكين ،
لتنمو خلال عدة مراحل حيث تتكاثر الخلايا ،
وينفخ فيها الروح حتى
تنتهي عملية الحمل بولادة المولود (1) بإذن
الله تعالى .
قال الله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ .
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ
نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا
العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا
المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ
لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ
فَتَبَارَكَ اللَّهُ
أَحْسَنُ الخَالِقِينَ } .
وقال تعالى : { فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ
مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ .
يَخْرُجُ
__________
(1) الطب الإسلامي ، مقال أحمد شرف الدين ص :
391 .
(1/246)
مِنْ بَيْنِ
الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } .
وقال تعالى : { أَلَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِنْ
مَاءٍ مَهِينٍ . فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ
مَكِينٍ . إِلَى
قَدَرٍ مَعْلُومٍ . فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ
القَادِرُونَ } .
وقال تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ
مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ
فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا
بَصِيرًا } .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : حدَّثنا
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهو الصادق
المصدوق فقال : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن
أمه أربعين يوماً نطفة ،
ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك
، ثم يرسل إليه الملك
فينفخ فيه الروح " متفق عليه .
القاعدة الثانية :
لكل مولود بأبيه صلة : تكوين ووراثة وأصل ذلك
" الحيوان المنوي "
فيه ، وله بأمه صلتان .
الأولى : صلة تكوين ووراثة ، وأصلها " البييضة
" منها .
الثانية : صلة حمل وولادة وحضانة . وأصلها "
الرحم " منها .
فهذا هو المولود المتصل بأبويه شرعاً وطبعاً
وعلى هذه الوصلة تترتب
جميع الأحكام الشرعية التي رتبها الله تعالى
على ذلك .
فإذاً إن كان " الحيوان المنوي " من رجل غريب
متبرع لزوجة رجل ما ،
فهذا أمر أصبح مقطوع الصلة عقلاً وواقعاً ،
وطبعاً وشرعاً .
فالولد للفراش وللعاهر الحجر .
وإذا كانت " البييضة " من امرأة غريبة متبرعة
لزوجة رجل آخر لقحت
(1/247)
فيها ، فحينئذٍ
انفصمت إحدى الصلتين قطعاً وهي " البييضة " من
الزوجة
ذاتها ، وهذا معلوم الانقطاع عقلاً وواقعاً ،
وطبعاً وشرعاً .
وإذا كان مجموع الخلية الإنسانية " الحيوان
المنوي " من الزوج
و " البييضة " من الزوجة ، لكن زرعا أو لقحا
في رحم امرأة أجنبية متبرعة .
فالصلة الثانية للأم وهي " الحمل والولادة "
منفصمة قطعاً : عقلاً وواقعاً ،
وطبعاً وشرعاً .
وعليه : فإذا انقطعت الصلتان من الزوجة فهي
ليست أماً بأي حال من
الأحوال . ولا قائل بالأمومة من المسلمين ولا
من سائر البشر أجمعين .
وإذا تحققت الصلتان كانت أماً طبعاً وواقعاً
وشرعاً .
قال الله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ .
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ
نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ } .
وبإجماع المسلمين الضروري من الدين أن القرار
المكين رحم الأم
الشرعية لا غير .
قال الله تعالى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ
الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى . مِنْ
نُطْفَةٍ إِذَا
تُمْنَى } .
والنطفة المحترمة من جميع الوجوه هي التي من
الزوجين وهي محل
الامتنان من الله على عباده . ولهذا قال
سبحانه ممتناً على مريم عليها
السلام :
{ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا
كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا } .
وقال تعالى : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ
شَيْئًا } .
(1/248)
وقال تعالى : {
إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ }.
وقال تعالى : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ }
.
وقال تعالى : { وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ }.
وقال تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا
عَلَى وَهْنٍ } .
وقال تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا
وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا } . فالأم في هذه الآيات
هي الأم الشرعية والأب المذكور في آيات كريمة
وكثيرة من التنزيل هو :
الأب الشرعي .
فالأبوة والأمومة الشرعية هي مجموع الهيئة
الحاصلة للمولود الذي وقع
لقاحه وتكوينه بماء أبويه على فراش الزوجية
فحملت به أمه في بطنها
مستقراً في رحمها قراره المكين ، فهذا هو
المولود الذي يكتسب الأبوة
والأمومة الشرعية ومتى اختلت واحدة من هذه
الصلات الثلاث ، فالحال
كما علمت قبل في صدر هذه القاعدة مفصلاً .
والله أعلم .
القاعدة الثالثة :
التدافع بين المضار والمنافع فحيث وقع التغلب
فالحكم للغالب منهما
حلاً وحرمة ، وحيث استويا صار مجال نظر الفقيه
.
وعليه : فصور من التلقيح الصناعي تخضع لهذه
القاعدة فيخرج عليها
بالمقابلة بين سوالبه ومنافعه .
وهذا ما ستراه بإذن الله تعالى في بعض صوره
التي يمكن تخريجها
على هذه القاعدة (1) .
__________
(1) الطب الإسلامي 3 / 398 .
(1/249)
القاعدة
الرابعة :
تفيد النصوص أن جسد الإنسان ومنافعه مملوكة له
لكن ليس له حق
التصرف في هذا الملك إلا في حدود الشرع ،
فتصرفه منوط بالمصلحة
شرعاً .
فكما أن نعمة النظر مملوكة له فليس له مد نظره
إلى ما يحرم النظر
إليه ، وكما أن الشهوة مركبة فيه وشرع له
إطفاؤها بماء الزوجية أو ملك
اليمين حرم عليه إطفاؤها بماء الزنى واللواطة
والاستمناء (جلد عميرة -
الجلق) .
وكما ملكه الشرع أن يطء لطلب الإنجاب من ماء
الزوجية حرم عليه
الإنجاب من غير ماء الزوجية ووعاء الحمل .
فتدبر والله أعلم .
القاعدة الخامسة :
إن مواطن الحاجات والضرورات قد لا يفتى بها
فتوى عامة ، وإنما
إذا ابتلي المكلف استعلم من تسوغ فتياه لدينه
وعلمه .
القاعدة السادسة :
المتعين إخضاع الواقع لشريعة الله وعليه فلا
يجوز العكس إجماعاً .
القاعدة السابعة :
حفظ النسب والعرض من مقاصد الشرع الأساس ،
وهما من
الضروريات الخمس التي دارت عليها أحكام الشرع
.
فهذه الخلية الإنسانية من حين دفقها بل وقبل
ذلك وفي جميع مراحل
(1/250)
تكوينها ونموها
إلى استهلالها يجب أن تكون بيضاء نقية خالية
من أي
شيء يخدشها أو شكوك تحيط بها أو مخاطر تحف بها
فهي بالغة
الحساسية في التأثر بما يخل بكرامتها
الإنسانية ذات محل للعقل وتحمل
للحنيفية السمحة .
ولهذا صار من قواطع الأحكام في الإسلام :
تحريم الزنا ، والقذف ،
وسد جميع الأبواب الموصلة إليهما .
فكم من إشارة ستكون حول هذه المواليد الصناعية
وكم من تساؤل
واستفهام ؟ وقد هيأ الزوجات مجالاً واسعاً
للخدش بالقذف والتجريح ؟
فماذا سيكون وضع أمةٍ مشكوك في أصل بنيتها
وتكوينها .
إن الشرع المطهر يوصد كل باب يوصل إلى ما هو
أقل من هذا مما
هو معلوم لكل من خبر الشريعة في مصادرها
ومواردها . والله أعلم .
إن هذه القاعدة سد منيع للتلاعب بالخلية
الإنسانية والبنية الآدمية .
فلنقل : ما حجم الاضطرابات والشكوك ، وعوامل
التجريح والخدش
التي ستحدثها هذه النازلة في الآدميين ، وما
آثارها على النظام الاجتماعي
وترابطه مكرماً بأسباب هندسة الطب للبشر وجعله
ساحة للتجارب كالأمصال
للبقر ؟؟ .
وما مدى صدمات المستقبل التي سيواجهها الإنسان
.
وما مدى أضراره العارضة الهادمة لبنيته .
وما مدى سحق الطفل الأنبوبي والمولود الصناعي
للمولود الطبيعي ؟؟
وأخيراً ما مدى سحق هذا للأخلاق والفضائل
والكرامة والتكريم من
(1/251)
الرب الرحيم
بعباده بمسار هذا الآدمي في جوهر نظيف يحمل
الشرع
الحنيف . قال الله تعالى : { وَاحْذَرْهُمْ
أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ
إِلَيْكَ } .
وعليه : فإن كل ما يقضى أو يغالب حفظ الأنساب
والأعراض محرم
شرعاً .
القاعدة الثامنة :
واجب حملة الشرع من أهل العلم تمحيص مكتسبات
العلم الحديث
على ضوء التنزيل منعاً للمسلمين من التلبس
بشطحات وهفوات العلم
الحديث (1) .
وواجب أهل الإسلام عدم الإقدام إلا بعد الفتيا
من علماء الشريعة
المستضيئين بنورها .
والتولي عن هذين الواجبين سقوط في الحضر . قال
الله تعالى : { فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ
لَفَاسِقُونَ } .
__________
(1) الإنجاب ص : 141 - 142 .
(1/252)
المبحث الثالث
في تفسير مصطلحات طبية ونحوها
يذكرها الباحثون في هذه النازلة
الأمشاج :
هي الأخلاط قال الله تعالى : { إِنَّا
خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ
أَمْشَاجٍ
نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا
} .
فيتكون من المائين نطفة الأمشاج هذه " الزيجوت
" المتكونة من التحام
نواة البييضة من الأنثى بنواة الحيوان المنوي
من الرجل فيتحدان وعندئذٍ
يحصل التلاقي والتلاقح وتنتقل إلى ما حدده
الله بقوله : { فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ
مَكِينٍ } وهو : رحم المرأة .
وإذا ما تم هذا التلاقح بينهما بدأت هذه
البييضة الملقحة تنقسم
انقساماتها المعروفة المتتالية الخلية الأمشاج
" الزيجوت " المكونة من التحام
نواة البييضة بنواة الحيوان المنوي : تنقسم
فتصبح الخلية خليتين ..
والخليتان أربع .. والأربع ثمانياً .
ثم تدخل فيما يعرف باسم مرحلة (التوتة) وذلك
في اليوم الرابع منذ
التلقيح ، لأنها تشبه ثمرة التوتة المعروفة .
ثم تتحول هذه التوتة إلى ما
يعرف باسم : " الكرة الجرثومية " في الرحم .
وفي هذه الأمشاج يقول الطبيب حسان حتحوت كما
في كتاب
(1/253)
الإنجاب ص /
217 :
(الحيوان المنوي والبويضة كذراعي المقص كل
منهما لا يقص فإذا
اشتبكا كان المقص وكان مكوناً منهما معاً ..
فإذا التحما كانت خلية واحدة
هي بداية الحياة الإنسانية أول دور في تكوين
الإنسان . وتنقسم بعد هذا
إلى 2 - 4 - 8 - 16 - 32 - 64 - 128 وهكذا ،
وتبتدئ بالتدريج تكوين
خلايا منها كبيرة قليلاً وصغيرة ومتوسطة وعلى
مدى شهرين يتكون إنسان
صغير ثم يأخذ في النمو ...) انتهى باختصار .
الاستدخال (1) :
مصطلح فقهي قديم يعني : حقن ماء الرجل في قبل
المرأة وقد رتبوا
عليه أبحاثاً في حكمه ، وحكم طلاق من استدخلت
مني زوجها .
الأم المستعارة :
وهي التي نقل إلى رحمها البييضة اللقيحة .
وتسمى أيضاً " مؤجرة
البطن " .
البييضة :
وهي المعبر عنها لدى الأطباء بلفظ " البويضة "
وتصغير بيضة في
اللغة : بييضة (2) وهي هنا : مني الزوجة أو
يقال : " خلية الأنثى " .
__________
(1) شرح المنهاج 3 / 243 ، 3 / 291 ، 3 / 245
، 3 / 347 ، 3 / 348 . والطب
الإسلامي 3 / 393 ، 397 . والبار ، ص : 16 .
(2) الإنجاب ص : 488 .
(1/254)
الحاضنة :
والشيخ ابن محمود في رسالته " الحكم الإقناعي
" ص / 13 يرفض هذه
التسمية ويقول : (إن هذا من باب قلب الحقائق
فإنه لا حضانة إلا للطفل
الصغير متى خرج إلى الوجود حياً ، وما دام في
بطن أمه فإنه يسمى حملاً ،
وأمه : حاملاً لا يقال حاضنة) .
وهذا تفريع منه على أن الولد لصاحبة الرحم
التي ولدته لا لصاحبة
البييضة وأن حكمه حكم ولد الزنى " الولد
للفراش " . والله أعلم . وتسمى
أيضاً : " الأم المستعارة " .
الجوين :
هو ماء الرجل ، أي " الحيوان المنوي " (1) .
الخلية الإنسانية :
هي ماء الرجل " المني " أو يقال " الحيوانات
المنوية " .
وخلية المرأة " البييضة " . قال الله تعالى :
{ فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ .
خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ . يَخْرُجُ مِنْ
بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } .
فإذا التقيا واختلطا سميا بالأمشاج ويقولون :
الحيوان المنوي ، والبييضة
كذراعي المقص كل منهما لا يقص فإذا اشتبكا كان
المقص ، وكان مكوناً
منهما معاً ، وحينئذٍ تكون الأمشاج .
__________
(1) الإنجاب ص : 488 .
(1/255)
الرحم :
هو القرار المكين المذكور في قوله تعالى : {
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ }
وهو " الحوض الحقيقي " الذي تلتقي فيه
الخليتان من ماء الزوجين وحينئذٍ
تعلق في جدار الرحم وتصبح علقة عالقة .
ثم تنمو بعد ذلك نمواً متدرجاً إلى مضغة ومن
مضغة إلى عظام
يكسوها اللحم ثم ينشئها الله خلقاً آخر فتبارك
الله أحسن الخالقين (1) .
الرحم الظِئر :
الظئر بكسر الظاء المشالة بعدها همز هي :
العاطفة على ولد غيرها ،
المرضعة له في الناس وغيرهم وجمعه " أظوار " و
" آظار " كما في " تاج
العروس " 12 / 460 مادة " ظئر " .
ومن هنا قيل للبذرة الأنثوية " البييضة " من
امرأة بعد تعرضها لمني
الزوج مثلها حتى يلتحم بها ، ثم إيداع ذلك في
رحم امرأة أخرى ، قيل
لذلك " الرحم الظئر " (2) وهذا اكتسب بعد اسم
: " شتل الجنين " .
شتل الجنين :
الشتل القطع و " شتل الجنين " هو واحد من
المصطلحات للرحم
الظئر . وحقيقته : أن يجامع رجل امرأته التي
هي غير صالحة للحمل ، ثم
ينقل الماء منها إلى رحم امرأة ذات زوج بطريقة
طبية فتحمله إلى نهاية
وضعه (3) . وطريقة النقل هذه هي " الشتل " .
__________
(1) البار . (2) الإنجاب ص : 189 .
(3) الحكم الإقناعي ص : 2 ، 6 ، 12 ، الطب
الإسلامي 3 / 392 ، 404 ، مجلة
العربي مفاد : الطبيب حسان حتحوت ، وعنه ص :
488 فتاوى معاصرة .
(1/256)
ويعترض الشيخ
ابن محمود في رسالته على تسميته " الجنين "
وإنما
يسمى " منياً " حتى تنفخ فيه الروح .. إلخ .
وتسمى الحاملة به أيضاً
" المضيفة " .
قناة فالوب :
القناة هنا هي الطريق الطبيعي التي تصل بين
الرحم والمبيض .
وسميت بذلك نسبة إلى عالم التشريح الإيطالي
الذي اكتشفها (1) .
وإذا اعترى القناة انسداد أو غياب صار سبباً
لعدم قابلية الحمل (2) .
ويحسن أن نسميها " قناة الرحم " كما يفيد ذلك
إطلاق الطبيب محمد البار
ص / 7 وتسمى " البوق " (3) .
اللقيحة :
هي البييضة الملقحة (4) .
المضيفة :
المرأة الأخرى التي ينقل إلى رحمها البييضة
اللقيحة (5) وهي أيضاً
" الحاضنة " .
__________
(1) الزرقا ، ص : 42 .
(2) الإنجاب ص : 189 ، والبار ، ص : 6 .
(3) الإنجاب ص : 188 .
(4) الطب الإسلامي 3 / 391 أحمد شرف الدين .
(5) الطب الإسلامي 3 / 391 مقال لأحمد شرف
الدين .
(1/257)
مؤجرة البطن :
وتسمى أيضاً :
الأم بالوكالة :
وتسمى أيضاً .
أجنة بالوكالة (1) .
المتبرعة :
وهي التي تتبرع ببييضتها لامرأة أخرى ذات زوج
(2) .
المانحة :
وتسمى " المتبرعة بها " : المانحة أيضاً .
الميزان العصبي :
هو البداية الأولى لتكوين الجهاز العصبي بعد
اليوم الرابع عشر من
التلقيح (3) .
__________
(1) انظر في هذه الأسماء ص : 467 ، الإنجاب .
(2) البار ، ص : 15 .
(3) البار ، ص : 5 .
(1/258)
المبحث الرابع
تاريخ نشوء هذه النازلة زماناً ومكاناً (1)
أول مولود أنبوبي خرج إلى العالم هي : لويزا
براون ، التي ولدتها
" ليزلي براون " وذلك في 10 نوفمبر عام 1977 م
وذلك في بريطانيا على
يد الطبيبين : استبتوا ، وادواردز ، إذ قاما
بتلقيح بييضتها بماء زوجها
فاشتهرت هذه الطفلة باسم " طفلة الأنبوب "
وتفجر بركان خبرها في العالم ،
وشغل وسائل الإعلام ، فصار حديث الساعة ، ثم
توالت مواليد أطفال
الأنابيب إلى المئات في أنحاء العالم منهم
مجموعة من التوائم .
وفي أعقاب ذلك تولدت أيضاً مجموعة من القضايا
والمشكلات
الأخلاقية ، وأثارت الشكوك والاشتباه ، وصار
العالم الغربي بين القبول
والرفض حتى قال رائد هذه النازلة الطبيب "
ادواردز " (أن هناك حاجة
صارخة إلى وضع آداب وأخلاقيات هذا الميدان) .
ثم خرجت بعد أول طفلة من الرحم الظئر لكن في
أعقاب ولادتها
دخلت قضيتها المحاكم الانجليزية ذلك لأن الأم
بالوكالة أو الرحم الظئر
رفضت تسليم الطفل لصاحبة البييضة بعد ولادتها
على الرغم من أنها
وقعت عقداً بتسليم الطفل بعد أن تلده لصاحبة
البييضة .
ثم تنوعت أساليب وصور : طفل الأنابيب و "
التلقيح الصناعي " . وجدت
__________
(1) انظر : البار ، ص : 1 ، وكتاب : الإنجاب
الصفحات : 194 ، 197 ، 199 ،
200 ، 201 ، 215 ، 217 ، 218 ، 226 ، 228 ،
230 ، 231 ، 467 ، 469 .
(1/259)
بعد هذا قضايا
مهمة في هذا المضمار إذ أخذ الطب الغربي
بمهارة يضرب
السبل فجعل " بني الإنسان " ساحة تجارب ،
ومعمل اختبار . فمما جد في
ذلك :
1- بنك المني .
2- تجميد الأجنة .
3- زرع الخصية .
4- زرع الرحم .
5- إجارة البطون ، ويسمين " مؤجرات البطون "
أو " أمهات بالوكالة " أو
" أجنة بالوكالة " .
6- الأم المتبرعة " أي ببييضتها " .
7- الأب المتبرع أي " بمنيه " المعروف قديماً
في صعيد مصر باسم
" الصدفة " .
8- تلقيح الاستبضاع .
9- زرع المبيض .
10- مواليد الكتالوج .
11- الحمل بعد الوفاة لزوجها . وهذه الواقعات
مواليد .
12- طفل الأنابيب .
13- التلقيح الصناعي .
14- الرحم الظئر " الحاضنة " ، والتي توسعت
إلى " مؤجرات البطون "
كما تقدم .
(1/260)
المبحث الخامس
ولائدها
في ولائد هذه النازلة التي تستحق البحث والدرس
من أهل الصنعة
والعلم لبيان الحكم الشرعي فيها للناس تكليفاً
ووضعاً : وقد تقدم ذكر
رؤوس المسائل لها في المبحث الرابع .
(1/261)
المبحث السادس
في صور هذه النازلة
ليعلم أن هذا الاصطلاح " طفل الأنابيب " أصبح
لغة ميتة لأنه يمثل
الآن واحدة من الصور وليس جميع الصور ، ولأن
الأنبوب أصبح البديل
المستعمل " الطبق " فكان الأولى أن يتحول إلى
هذا اللقب " طفل الطبق "
كما تقدم في المبحث الثالث .
فصار " طفل الأنبوب " واحدة من صور وأساليب ما
أكتسب اسم
" التلقيح الصناعي " . والذي يحسن التسمية به
هو " طرق الإنجاب في
الطب الحديث " أو " التلقيح خارج الجسد " .
وهذه الأساليب والصور آخذة
في سبيل التكاثر والانقسام .
وقد نهج الباحثون في تقسيم هذه الصور
والأساليب إلى قسمين بحكم
السبب الجامع الذي تندرج تحته تلك الصور ، لكن
جرى الخلف في
التقسيم على ما يلي (1) :
القسم الأول :
التلقيح الاصطناعي الداخلي ، أو يقال :
الإخصاب الداخلي ، أو
يقال : التلقيح الإخصابي الذاتي : وهو ما أخذ
فيه ماء الرجل وحقن في
__________
(1) الطب الإسلامي 3 / 393 - 394 مقال لأحمد
شرف الدين . وهو مهم ، وص : 350
كتاب الإنجاب .
(1/262)
محله المناسب
داخل مهبل المرأة زوجة أو غيرها وفي هذا
صورتان .
القسم الثاني :
التلقيح الاصطناعي الخارجي أو يقال : الإخصاب
المعملي ، حيث
يتم الإخصاب في وسط معملي : وهو ما أخذ فيه
الماءان من رجل وامرأة
زوجين أو غيرهما وجعلا في أنبوب أو طبق اختبار
ثم تزرع في مكانها
المناسب من رحم المرأة . وفي هذا خمس صور .
وفي الواقع أن هذا التقسيم هو باعتبار واحد هو
: مكان الإخصاب ،
لكنه ينقسم أيضاً باعتبار الماء إلى قسمين :
الأول : تلقيح ذاتي . أي بماء الزوجين ذاتهما
في ذات رحم الزوجة .
وهذا له صورتان واحدة داخلية وأخرى معملية .
الثاني : التلقيح الأجنبي : وهو الذي يكون فيه
أحد المائين أو كلاهما
أجنبياً ، وينقسم باعتبار الرحم الذي تزرع أو
تستنبت فيه اللقيحة إلى ثلاثة
أقسام :
الأول : رحم الزوجة ذاتها .
الثاني : رحم ضرتها .
الثالث : امرأة أجنبية .
وينقسم باعتبار الزوجية إلى قسمين :
الأول : ما يتم بين زوجين ، زوج وزوجته :
منياً وبييضة ورحماً .
الثاني : ما كان فيه طرف ثالث أجنبي ، أو كان
أجنبياً متمحضاً أو كان
فيه طرفان أجنبيان .
ثم هذان القسمان باعتبار الطريق على نوعين :
(1/263)
1- نوع داخلي .
2- ونوع خارجي معملي .
ومن هذه الصور ما يجمع هذه التقاسيم أو بعضها
فضلاً : ماء رجل
وزوجة يلقح ماؤه ببييضة امرأة أجنبية ثم تنقل
من وسطها المعملي إلى رحم
زوجته أو أجنبية أخرى سوى صاحبة البييضة .
فهذا تلقيح معملي أجنبي
باعتبار البييضة ، أجنبي باعتبار الرحم .
هذا ما يمكن فيه تقسيم صور هذه النازلة التي
حدثت حتى تاريخه
ووصل إلينا علمها وأصبحت حقيقة تنتظر الفتيا
بشأنها .
وبعد هذا فإلى بيان هذه الصور والأساليب على
ما يلي كما وردت
محررة مبينة في قرار المجمع الفقهي الإسلامي
بمكة المكرمة رقم 2 في
عام 1404 هـ :
للتلقيح الداخلي فيه أسلوبان ، وللخارجي خمسة
من الناحية الواقعية ،
بقطع النظر في حلها أو حرمتها شرعاً ، وهي
الأساليب التالية :
في التلقيح الاصطناعي الداخلي :
الأسلوب الأول :
أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في
الموقع المناسب
داخل مهبل زوجته أو رحمها حتى تلتقي النطفة
التقاء طبيعياً بالبييضة التي
يفرزها مبيض زوجته ، ويقع التلقيح بينهما ثم
العلوق في جدار الرحم بإذن
الله ، كما في حالة الجماع ، وهذا الأسلوب
يلجأ إليه إذا كان في الزوج
قصور لسبب ما عن إيصال مائه في المواقعة إلى
الموضع المناسب .
(1/264)
الأسلوب الثاني
:
أن تؤخذ نطفة من رجل وتحقن في الموقع المناسب
من زوجة رجل
آخر حتى يقع التلقيح داخلياً ثم العلوق في
الرحم كما في الأسلوب
الأول ، ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج
عقيماً لا بذرة في مائه ،
فيأخذون النطفة الذكرية من غيره .
في طريق التلقيح الخارجي :
الأسلوب الثالث :
أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من مبيض زوجته
فتوضعا في أنبوب
اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح
نطفة الزوج بييضة زوجته في
وعاء الاختبار ثم بعد أن تأخذ اللقيحة
بالانقسام والتكاثر تنقل في الوقت
المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة
نفسها صاحبة بييضة لتعلق
في جداره وتنمو وتتخلق ككل جنين . ثم في نهاية
مدة الحمل الطبيعية تلده
طفلاً أو طفلة . وهذا هو طفل الأنبوب الذي
حققه الإنجاز العلمي الذي
يسره الله ، وولد به إلى اليوم عدد من الأولاد
ذكوراً وإناثاً وتوائم تناقلت
أخبارها الصحف العالمية ووسائل الإعلام
المختلفة ، ويلجأ إلى هذا
الأسلوب الثالث عندما تكون الزوجة عقيماً بسبب
انسداد القناة التي تصل
بين مبيضها ورحمها (قناة فالوب) .
الأسلوب الرابع :
أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين
نطفة مأخوذة من
زوج ، وبييضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته
(يسمونها متبرعة) ثم
(1/265)
تزرع اللقيحة
في رحم زوجته .
ويلجأون إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض
الزوجة مستأصلاً أو
معطلاً ، ولكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة
فيه .
الأسلوب الخامس :
أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة
رجل وبييضة من
امرأة ليست زوجة له (يسمونهما متبرعين) ثم
تزرع اللقيحة في رحم امرأة
أخرى متزوجة .
ويلجأون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة
التي زرعت اللقيحة
فيها عقيماً بسبب تعطل مبيضها لكن رحمها سليم
وزوجها أيضاً عقيم ويريدان
ولداً .
الأسلوب السادس :
أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين
بذرتي زوجين ، ثم
تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها .
ويلجأون إلى ذلك حين تكون الزوجة غير قادرة
على الحمل لسبب
في رحمها ، ولكن مبيضها سليم منتج ، أو تكون
غير راغبة في الحمل
ترفهاً ، فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها .
الأسلوب السابع :
هو السادس نفسه إذا كانت المتطوعة بالحمل هي
زوجة ثانية للزوج
صاحب النطفة فتتطوع لها ضرتها لحمل اللقيحة
عنها .
(1/266)
وهذا الأسلوب
لا يجري في البلاد الأجنبية التي يمنع نظامها
تعدد
الزوجات ، بل في البلاد التي تبيح هذا التعدد
.
هذه هي أساليب التلقيح الاصطناعي الذي حققه
العلم لمعالجة
أسباب عدم الحمل .
(1/267)
المبحث السابع
في تنزيل الحكم الشرعي على هذه النازلة
بعد استيعاب التصور لما وصل إليه الطب من
طرائق للإنجاب ، وبيان
تقاسيمها باعتبارات مختلفة فإن النظر الشرعي
يختبر أوصاف المحل بمنظار
الشرع المطهر حتى ينزل هذه الدخولات منزلتها .
لمعرفة المحرم لذاته فهو تحريم غاية لا مجال
لإباحته في أي حال .
أو المحرم لما يحف به فهو تحريم وسيلة ، وهل
يباح بحال ؟ أو لا يباح ؟؟
والانفصال عن هذا في الفروع الآتية :
الفرع الأول : ماءان أجنبيان في رحم امرأة
متزوجة أو أحد المائين
أجنبي .
الفرع الثاني : الماء من الزوجين في رحم
الزوجة ذات البييضة بعد
وفاة زوجها .
الفرع الثالث : الماء من الزوجين والرحم أجنبي
من الزوجية .
الفرع الرابع : الماء من الزوجين في رحم زوجة
له أخرى بتلقيح
داخلي أو خارجي .
الفرع الخامس : الماء من الزوجين في رحم
الزوجة ذات البييضة
بتلقيح داخلي أو خارجي . وتأسيساً على هذا
التفريع فإلى بيان ما يظهر
فيها شرعاً :
(1/268)
حكم الفرع
الأول :
وهو ما كان فيه الماءين أجنبيان سواء في
أجنبية الحيوان المنوي
والبييضة أم أحدهما .
فإذا حملت الزوجة من مائين أجنبيين أو من
بييضتها وماء أجنبي فهو :
حمل سفاح محرم لذاته في الشرع تحريم غاية لا
وسيلة قولاً واحداً .
والإِنجاب منه شر الثلاثة فهو " ولد زنا "
وهذا ما لا نعلم فيه خلافاً بين
من بحثوا هذه النازلة .
وهذا ما توجبه الفطرة السليمة وتشهد به العقول
القويمة ، وقامت عليه
دلائل الشريعة . وقد أبان الشيخ محمود شلتوت
عن مجامع الاستدلال في
هذا ، في فتاويه ص / 328 - 329 بما يشفي ويكفي
فيحسن الرجوع إليه
فإنه مهم .
حكم الفرع الثاني :
تلقيح ماء الزوجة بعد انفصام عقد الزوجية
بوفاة أو طلاق .
حكم الفرع الثالث :
الرحم أجنبي مستعار : فهذان الفرعان يشملهما
حكم الفرع الأول وهو
التحريم لعدم قيام الزوجية في الفرع الثاني ،
ولاختلال رحم الزوجية في
الفرع الثالث الذي هو من دعائم الهيئة الشرعية
المحصلة للأبوة والأمومة .
وقد أثبتت الإحصائيات ، والأخبار العالمية
الموثقة وجود أعداد غير
قليلة من القضايا والمنازعات على المواليد من
هذه الطرق بين ذات الرحم
وذات الماء . وبين ذات الرحم وصاحب الماء .
وهكذا في سلسلة مشاكل
(1/269)
طويلة الحلقات
في ذات البنية الآدمية .
كما أثبتت وجود ربع مليون طفل لا يعرف لهم أب
نتيجة التلقيح
الصناعي .
حكم الفرع الخامس :
ما كان فيه الماء من الزوجين في رحم الزوجة
ذاتها ذات البييضة حال
قيام الزوجية بتلقيح داخلي أو خارجي ، وهذا
الفرع محل خلاف كبير بين
علماء العصر على أقوال :
الأول : التحريم فيهما .
الثاني : الجواز فيهما بشروط .
الثالث : الجواز في الداخلي دون الخارجي بشروط
.
الرابع : التوقف .
الخامس : أنه من مواطن الضرورات فلا يفتى فيه
بفتوى عامة . وعلى
المكلف المبتلى سؤال من يثق بدينه وعلمه .
هذا مع اتفاق الجميع على أن هذا الطريق يحف به
عدد من المخاطر
والمحاذير وبيانها على ما يلي :
المخاطر والمحاذير :
إن هذه المخاطر والمحاذير الشرعية هي واردة
على جميع أنواع طرق
الإنجاب ، لكن لما كانت الأربعة الأولى منها
محرمة لذاتها فهو من باب
حرمة الغايات لا الوسائل اكتفى بذلك عن ذكرها
معه . أما في هذا الفرع
الخامس فإن هذه المحاذير اعتباراً وعدماً
يتأسس عليها القول بالحكم
(1/270)
التكليفي
جوازاً أو منعاً .
ويمكن تكييف هذه المحاذير من خلال الأبحاث
الصادرة في ذلك
على ما يلي (1) :
1- ففي النسب :
الاحتمال الكبير بحدوث الخطأ بأن تؤخذ عينة من
شخص وتنسب
لشخص آخر ، فإذا استبدل عمداً أو خطأ ماء رجل
أو بييضة امرأة بآخر
تحقق : هدم المحافظة على النسب وحفظه من
ضروريات الشرع .
2- وفي العرض :
فإن هذا المولود الذي حصل بطريقة يكتنفها
الإخلال سيعرض هذه
البنية الأنسانية إلى توجيه الشكوك حولها ،
وتوسيع دائرة الكلام في الوسط
الاجتماعي تصريحاً أو تعريضاً ، والمحافظة على
العرض من ضروريات
الشرع .
وليست هذه قضايا أعيان لا يحتمل وقوعها في
المدينة الواحدة إلا لفرد
أو فردين ، بل لها صفة التكاثر والانتشار
وتسبيبات يبديها المتاجرون
لتحسين النسل وأمن التشويه ، ونحو ذلك ،
وحينئذٍ على الصعيد بقوة
الوضع : جنس موهوم النسب مقذوف العرض . وهذا
ما يأباه دين الله
وشرعه .
1- في مجموعة الضروريات الست التي جاء بها
الشرع وهي :
__________
(1) بحث خاص للطبيب محمد علي البار . قرار
المجمع الفقهي بمكة المكرمة ،
كتاب : الإنجاب في ضوء الإسلام .
(1/271)
1- حفظ الدين .
2- حفظ النفس .
3- حفظ العقل .
4- حفظ النسب .
5- حفظ العرض .
6- حفظ المال .
شرع الله أحكاماً للمحافظة عليها فللمحافظة
على النسب شرع الله
حد الزنا ، وحرم كل وسيلة تؤدي إليه .
وللمحافظة على العرض : شرع الله حد القذف ،
وحرم كل وسيلة
تؤدي إليه . وكل هذا محافظة على كيان المسلم
وسلامة بنيته ومعنويته
وخلوصها من أي مؤثرعلى قوتها وشرفها حساً
ومعنى .
وعليه فإن طريق الإنجاب هذه فيها محاذير على
النسب وأخرى على
العرض ، بل موجبات للشك في شرعيته أصلاً .
2- وقد أثبت الواقع الأثيم المطالبة بوجود
بنوك المني " مراكز لحفظ
المني " .
وهذه سوق جديدة للمتاجرة بالنطف ووجود طراز
جديد لاسترقاق بني
الإنسان فأين هذا من تحططهم على الإسلام ببيع
الرقيق .
وعند قيام تلك فإن عامل الحصول على المال ونحن
في عصر المادة
والاستمتاع بالخلاق - سيدفع من لا خلاق له
بالتغرير بالرجل العقيم بأن
ماءه يصلح للإنجاب فيأتي محله بماء رجل آخر
سليم من العقم .. وهذا
ليس ببعيد أبداً فهو امتداد لإفساد قديم عرف
بمصر باسم " الصدفة " ،
(1/272)
وهي طريقة
بدائية تقوم على أساس من التضليل ذلك أن
المرأة التي
تشتكي عدم الإنجاب تذهب إلى من نصبت نفسها
للعلاج ، فتمدها
المتطببة بصدفة فيها " ماء رجل أجنبي " لتضعها
في قبلها فتحمل على
أساس أنه دواء ، وترتب لها أن يواقعها زوجها
بعد فستحملين بإذن الله
تعالى . فحملت المرأة ففوجىء زوجها بهذا ،
لأنه يعلم أنه عقيم لا يولد
له ، فرفعت القضية للمحكمة وانكشفت القصة "
قصة الصدفة " واتضح أن
الولد من ماء أجنبي فهو منفي النسب من زوجها .
فهذه القصة عملت عملها تحت ستار العلاج على
شكل شعبي ،
واليوم تأتي نفس النتيجة على مستوى الطب
الحديث بالتلاعب العضوي
في الخلايا الإنسانية .
بل في هذا تجسيد لطموحات أخرى أخذت تستغل في :
الحيوان ،
والنبات ، وبدأ تطبيقها على الإنسان في عدة
مظاهر منها :
1- بحث التحكم في جنس الجنين يكون ذكراً أو
أنثى .
2- إشباع الرغبة بجهاز الكتروني .
3- تكاثر الخلايا الجسدية بتحويلها إلى خلايا
جنينية .
4- وجود إنسان مجتر بخلط خلاياه مع خلايا
بهيمية .
والنتيجة : إن هذه نتائج وخلفيات تالية لا
يسوغ التمهيد لفتحها
ودخولها على النوع الإنساني بصفة عامة ولا على
المسلمين بصفة خاصة .
وعليه : يتعين سد أي وسيلة إلى هذا ، وأن هذا
الطريق من طرق
الإنجاب هو عتبة الدخول للخوض في هذه البلايا
.
5- إن هذه الطرق موصلة إلى المواليد التوائم
ومعلوم ما في هذا من
(1/273)
مضاعفة الخطر
على المرأة في حملها ووضعها .. ذلك أن الطبيب
عندما
يشفط من مبيض المرأة مجموعة من البييضات قد
تصل إلى اثني عشر
بويضة يضعها في طبق الاختبار " أنبوب الاختبار
" لتلقيحهن ، والطبيب إذا
أدخل بييضة واحدة فإن نسبة النجاح ضئيلة جداً
لا تتجاوز 10% ، ولهذا
وللتطلع لنجاح اللقاح فإنه يدخل بييضتين فأكثر
وقد يحصل بإذن الله تعالى
نجاحهما ، فتعيش الأم تحت الخوف والخطر .
ومعلوم أن الإنسان لا يسوغ
له التصرف في بدنه بما يلحقه الضرر والهلاك .
6- ومن وراء هذه المخاطر مشكلة أثارت ضجة كبرى
في الغرب هي :
أنه من مزاولة العملية المذكورة يبقى لدى
الطبيب في المختبر مجموعة من
البييضات الملقحة مجمدة " الأجنة المجمدة "
تحسباً لفشل العملية ليقوم
بإعادتها مرة ثانية وهكذا لكن في حال نجاحها
ما مصير هذه " الأجنة
المجمدة " ؟ .
فهو سبيل لنقلها إلى أجنبي عنها ، وهذا ينسحب
عليه الحرمة القطعية
كما في النوع الأول من طرق الإنجاب ، فقد وجد
مجموعة من النساء
يلقحن من ماء رجل واحد فكأنهن أبقار يلقحن من
ثور واحد وهو سبيل
لتنميتها في المختبر وإجراء تجارب طبية عليها
، وفي هذا اعتداء على
الحرمة الإنسانية .
وهذا السبيل محل جدل عنيف بين الكفرة منعاً
وجوازاً ؟؟؟ .
وهو سبيل إلا إتلافها حال نجاح العملية وهذا
أمر مستبعد في عرف
الأطباء لأنها عملية صعبة يتعسر الحصول عليها
وتوفيرها يدر أرباحاً كبيرة ،
وخاصة في المستشفيات التجارية .
(1/274)
7- أثبت الطب
ازدياد نسبة تشوهات الأجنة بطريقته الحديثة
هذه ،
وذلك أن الطب الحديث اكتشف في : الطريق
الطبيعي الشرعي للإنجاب
وجود مقاومة للحيوانات المريضة والمصابة في
صبغتها ، وهذا ما يفتقده
التلقيح الصناعي .
8- بل ثبت في الواقع الأثيم الظالم ، وجود
شركات لبيع الأرحام
وتأجيرها ، وشركات لبنوك المني وبيع مني
العباقرة والفنانين .. وشركات
لبيع الحيوانات المنوية والبييضات .
وقد ثارت قضايا أمام القضاء بأنها مثلاً رغبت
ماء رجل أبيض فولدت
أسود أو بالعكس ، أو أنها حصلت على ماء رجل
مصاب بمرض جنسي ،
وهكذا مما يثبت أن الطب الغربي أخذ بتقدمه
الجنوني إلى أعمال :
الانهيار الأخلاقي والكيان الإنساني من أساس
بنيته .
والله سبحانه لم يمن على خلقه بخلقه لهم إلا
بطريق الإنجاب
الشرعي السليم من الشوائب في النسب والعرض .
9- إن في طريق الإنجاب هذه أبشع صورة للتعري
وفحص السوءة أو
السوأتين من رجل أجنبي عنها ، بل وربما فريق
عمل لها ، وعمل الإنجاب
لا يحتسب ضرورة يباح في سبيلها هذا التبذل
والهبوط .
هذه مجموعة من المخاطر والمحاذر التي تحصل
فعلاً في هذه
الطريق ، ويرتقب حصولها فيكون سبباً ووسيلة
إليها .
وعليه : فيظهر أن من نزع إلى المنع من باب
تحريم الوسائل وما
تفضي إليه من هتك المحارم فإنه قد نزع بحجج
وافرة ، وما لبس المسلم
(1/275)
في حياته
ولآخرته أحسن من لباس التقوى والعزة ، وعيشة
في محيط الكرامة
الإنسانية وسلامة بنيتها ومقوماتها لتعيش في
جو سليم من الوخز والهمس
محافظاً على دينه وعلى نفسه ، وكما يحافظ على
ماله من الربا وغباره ،
يحافظ على نسبه وعرضه من آثاره الضارة عليهما
بالشكوك والأوهام التي
تصرع شرفه وعزته ، وأخيراً تخل بتماسك أمته
وحفظها وصيانتها .
وقد علم من مدارك الشرع أن جملة من المحرمات
تحريم وسائل قد
تباح في مواطن الاضطرار والضرورة تقدر بقدرها
وعليه :
فإن المكلف إذا ابتلي بهذه فعليه أن يسأل من
يثق بدينه وعلمه ، والله
تعالى أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم .
بكر بن عبد الله أبو زيد
10 / 10 / 1406 هـ
(1/276)
|