الموسوعة
الفقهية الدرر السنية الباب الخامس: ما يُستحبُّ صومه وما يكره
وما يحرم
• الفصل الأول: ما يُستحبُّ صومه (صوم التطوع).
• الفصل الثاني: ما يكره صومه.
• الفصل الثالث: ما يحرم صومه.
الفصل الأول: ما يُستحبُّ صومه (صوم
التطوع)
• المبحث الأول: تعريف التطوع.
• المبحث الثاني: فضل صوم التطوع.
• المبحث الثالث: أحكام النية في صوم التطوع.
• المبحث الرابع: أنواع صوم التطوع.
المبحث الأول: تعريف
التطوع
التطوع لغةً: التبرع. (1)
التطوع اصطلاحاً: التقرُّبُ إلى الله تعالى بما ليس بفرضٍ من العبادات. (2)
_________
(1) ((أنيس الفقهاء للقونوي)) (ص 33).
(2) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 445).
المبحث الثاني: فضل
صوم التطوع
1. عن سهل رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في
الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه
أحدٌ غيرهم. فيقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا
دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد)). أخرجه البخاري ومسلم (1).
2. عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)).
أخرجه البخاري ومسلم (2).
_________
(1) رواه البخاري (1896)، ومسلم (1152) واللفظ له.
(2) رواه مسلم (1153).
المبحث الثالث:
أحكام النية في صوم التطوع
• المطلب الأول: وقت النية.
• المطلب الثاني: آخر وقت نية التطوع.
• المطلب الثالث: تعيين النية في صوم التطوع.
المطلب الأول: وقت
النية
لا يشترط تبييت النية في صوم التطوع، وذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من
الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم ذات يومٍ فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)).
أخرجه مسلم (4).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الصيام في نهار اليوم، ولم يبيِّت النية
من الليل.
2 - ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومنهم أبو الدرداء، فعن أم
الدرداء قالت: ((كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال:
فإني صائمٌ يومي هذا)) (5). وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة
رضي الله تعالى عنهم (6).
_________
(1) ((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 237)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 79).
(2) ((المجموع للنووي)) (6/ 292).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 29)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 457).
(4) رواه مسلم (1154).
(5) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1924)، ووصله البيهقي (4/
204) (8173). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (3/ 144 - 145).
(6) رواها عنهم البخاري بصيغة التعليق قبل حديث (1924)، ووصلها البيهقي (4/
204) (8171) (8172) (8173) (8174)، وعبدالرزاق (4/ 273) (7778)، والطحاوي
في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 56). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (3/
145 - 147).
المطلب الثاني: آخر
وقت نية التطوع
يجوز أن ينوي أثناء النهار، سواء قبل الزوال أو بعده، إذا لم يتناول شيئاً
من المفطرات بعد الفجر (1)، وهذا مذهب الحنابلة (2)، وقولٌ عند الشافعية
(3)، وقول طائفة من السلف (4) واختاره ابن تيمية (5)، وابن عثيمين (6).
الأدلة:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذات يومٍ فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)).
أخرجه مسلم (7).
2 - عن الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذ قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم
غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح
صائماً فليصم)) ... الحديث (8).
3 - أنه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة، ولم يُنقَل عن أحدٍ من الصحابة رضي
الله عنهم ما يخالفه صراحة (9).
_________
(1) وذلك أنه لما كان الليل محلاً للنية في صوم الفريضة، واستوى حكم جميعه،
ثم كان النهار محلاً للنية في صوم التطوع، وجب أن يستوي حكم جميعه. وكذلك
فإن النية وجدت في جزءٍ من النهار، فأشبه ما لو وُجِدَت قبل الزوال بلحظة.
(2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 10)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 211).
(3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 406)، ((المجموع للنووي)) (6/ 292).
(4) قال ابن عبدالبر: (وهو قول الثوري وإبراهيم والحسن بن صالح)
((الاستذكار)) (10/ 35).
(5) قال ابن تيمية: (والأظهر صحته - أي الصوم بنية التطوع بعد الزوال - كما
نقل عن الصحابة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 120).
(6) ((الشرح الممتع)) (6/ 358 - 359)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين))
(19/ 185 - 186).
(7) رواه مسلم (1154).
(8) رواه البخاري (1960) واللفظ له، ورواه مسلم (1136).
(9) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 317).
المطلب الثالث:
تعيين النية في صوم التطوع
لا يُشترَط في نية صوم التطوع تعيين يومٍ معين، فيصح صوم التطوع بمطلق
النية، وذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية (1)، والمالكية (2)،
والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الدليل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)). أخرجه
مسلم (5).
_________
(1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 83)، ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 119).
(2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 336).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 295).
(4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 26)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 293).
(5) رواه مسلم (1154).
المبحث الرابع:
أنواع صوم التطوع
• المطلب الأول: صوم التطوع المطلق.
• المطلب الثاني: صوم التطوع المقيد.
المطلب الأول: صوم
التطوع المطلق
يستحب صوم التطوع المطلق، ما عدا الأيام التي ثبت تحريم صيامها.
الدليل:
عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من
صام يوماً في سبيل الله، باعد الله تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً)).
أخرجه البخاري ومسلم (1).
_________
(1) رواه البخاري (2840)، ومسلم (1153) واللفظ له.
المطلب الثاني: صوم
التطوع المقيد
الفرع الأول: صوم ستة أيامٍ من شوال
يسن صوم ستة أيامٍ من شوال بعد صوم رمضان، وهو قول الشافعي (1)، وأحمد (2)
وداود (3)، وإليه صار عامة متأخري الحنفية (4)، (5).
الأدلة:
1. عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من
صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر)). أخرجه مسلم (6).
2. عن ثوبان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام
شهر رمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بعدهن بشهرين، فذلك تمام سنة)) (7).
الفرع الثاني: الأيام الثمانية الأول من ذي الحجة
يستحب صوم الأيام الثمانية الأول من شهر ذي الحجة، وهذا باتفاق المذاهب
الفقهية: الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)، والحنابلة (11)،
والظاهرية (12)، وقد صرح المالكية (13)، والشافعية (14) بأنه يسن صوم هذه
الأيام الثمانية للحاج أيضًا.
الأدلة:
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعًا: ((ما من أيام العمل الصالح فيها
أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله، ولا
الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه
وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)) (15).
وجه الدلالة:
اندراج الصوم في العمل الصالح الذي يُستحَبُّ في هذه الأيام.
الفرع الثالث: صوم يوم عرفة لغير الحاج
يستحب لغير الحاج صوم يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهذا باتفاق
المذاهب الفقهية: الحنفية (16)، والمالكية (17)، والشافعية (18)، والحنابلة
(19)، والظاهرية (20).
الدليل:
عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام يوم
عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده (21))).
أخرجه مسلم (22).
_________
(1) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 475)، ((المجموع للنووي)) (6/ 379).
(2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 112)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337).
(3) انظر ((المجموع للنووي)) (6/ 379).
(4) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 332)، ((الفتاوى الهندية)) (2/ 257).
(5) قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن صوم ستة أيام من شوال مستحبٌّ عند كثيرٍ
من أهل العلم، روي ذلك عن كعب الأحبار, والشعبي, وميمون بن مهران)
((المغني)) (3/ 56).
(6) رواه مسلم (1164).
(7) رواه أحمد (5/ 280) (22465)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 162)
(2860)، والدارمي (2/ 34) (1755)، والبيهقي (4/ 293) (8216). وصححه
الألباني في ((صحيح الجامع)) (3851).
(8) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 201).
(9) ((حاشية الدسوقي)) (1/ 515،516).
(10) ((المجموع للنووي)) (6/ 386).
(11) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 338).
(12) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 19).
(13) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 312).
(14) ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 446).
(15) رواه البخاري (969) بلفظ: ((ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في
هذه)). قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه
وماله فلم يرجع بشيء)). ورواه أحمد (1/ 346) (3228)، وأبو داود (2438)،
والترمذي (757)، وابن ماجه (1414)، وابن حبان (2/ 30) (324).
(16) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79)، ((فتح القدير للكمال ابن
الهمام)) (2/ 350).
(17) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 312)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/
91).
(18) ((المجموع للنووي)) (6/ 380)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
446).
(19) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 57)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 88).
(20) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 17).
(21) قال النووي: (قالوا: والمراد بها الصغائر) ((شرح مسلم)) (8/ 51).
(22) رواه مسلم (1162).
الفرع الرابع: صوم شهر الله المحرم
يستحب صوم شهر الله المحرم، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية
(2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الدليل:
عن أبى هريرة رضي الله عنه يرفعه، قال: ((سئل - أي النبيُّ صلى الله عليه
وسلم - أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال:
أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل. وأفضل الصيام بعد
شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم)). أخرجه مسلم (5).
الفرع الخامس: صوم يوم عاشوراء وصيام يومٍ قبله
يستحب صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، ويستحب معه
صيام يومٍ قبله، وهو اليوم التاسع من شهر الله المحرم، وهذا مذهب جمهور
الفقهاء من الحنفية (6)، والمالكية (7)، والشافعية (8)، والحنابلة (9).
الأدلة:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم
المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجى الله فيه
موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأمر بصيامه)). أخرجه البخاري ومسلم (10).
2 - عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صيام
يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). أخرجه مسلم (11).
3 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)). أخرجه مسلم (12).
الفرع السادس: صوم أكثر شهر شعبان
يسن صوم أكثر شهر شعبان، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية (13)،
والمالكية (14)، والشافعية (15)، وطائفة من الحنابلة (16).
الأدلة:
1. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم أكثر صياماً منه في شعبان)). أخرجه البخاري ومسلم (17).
_________
(1) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 201).
(2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 319)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 516).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 386)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
449).
(4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 345)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 338).
(5) رواه مسلم (1163).
(6) ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص246)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/
375).
(7) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 317)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 405
- 406).
(8) ((المجموع للنووي)) (6/ 383)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
446).
(9) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 344)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 338).
(10) رواه البخاري (2004)، ومسلم (1130) واللفظ له.
(11) رواه مسلم (1162).
(12) رواه مسلم (1134).
(13) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 115)، ((فتح القدير للكمال بن الهمام)) (2/
350).
(14) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 320)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 241
- 242).
(15) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 478)، ((المجموع للنووي)) (6/ 386).
(16) ((الفروع لابن مفلح)) (3/ 88)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 347).
(17) رواه البخاري (1969)، ومسلم (782) بعد (1156).
2. عن أبي سلمة قال: ((سألت عائشة رضي الله
عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يصوم حتى نقول قد
صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، ولم أره صائماً من شهرٍ قط أكثر من صيامه من
شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً (1))). أخرجه مسلم
(2).
الفرع السابع: صوم الاثنين والخميس
يستحب صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وهذا بإجماع المذاهب الفقهية:
الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6)، والظاهرية (7).
الأدلة:
1. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم
يوم الاثنين والخميس، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: إن أعمال العباد تُعرض يوم
الاثنين والخميس، وأحب أن يُعرَضَ عملي وأنا صائم)) (8).
2. عن أبي قتادة رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن
صوم الاثنين فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل علي)). أخرجه مسلم (9).
الفرع الثامن: صوم ثلاثة أيام من كل شهر
يستحب صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وعلى هذا عامة أهل العلم (10)، واتفقت
عليه كلمة المذاهب الفقهية: الحنفية (11)، والمالكية (12)، والشافعية (13)،
والحنابلة (14)، والظاهرية (15).
الأدلة:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى
أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر)). أخرجه
البخاري ومسلم (16)
2 - عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم:
((أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام؟ قالت:
نعم. فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام
الشهر يصوم)). أخرجه مسلم (17)
3 - عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، صيام الدهر وإفطاره)) (18)
_________
(1) قال النووي: (وقول عائشة رضي الله عنها: كان يصوم شعبان كله، كان يصومه
إلا قليلاً. الثاني تفسير للأول وبيان أن قولها كله أي غالبه). ((شرح
مسلم)) (8/ 37).
(2) رواه مسلم (1156).
(3) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79)، ((حاشية رد المحتار لابن عابدين))
(2/ 376).
(4) ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 350)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 318).
(5) ((المجموع للنووي)) (6/ 386)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
446).
(6) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 84)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337).
(7) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 17).
(8) رواه أحمد (5/ 200) (21792)، وأبو داود (2436). والحديث سكت عنه أبو
داود، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(9) رواه مسلم (1162).
(10) قال ابن قدامة: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب لا نعلم فيه خلافاً)
((الشرح الكبير)) (3/ 94).
(11) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 303)، ((حاشية الطحطاوي على
مراقي الفلاح)) (ص 425).
(12) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 414)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/
517).
(13) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 447).
(14) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 59)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337).
(15) ((المحلى)) (7/ 17).
(16) رواه البخاري (1178)، ومسلم (721).
(17) رواه مسلم (1160).
(18) رواه أحمد (3/ 436) (15632)، والدارمي (2/ 31) (1747) بلفظ: ((صيام
البيض)) بدلاً من ((صيام ثلاثة أيام من كل شهر))، وابن حبان (8/ 413)
(3653)، والطبراني (19/ 26) (53) بنحوه، والمنذري في ((الترغيب والترهيب))
(2/ 134). وقال: إسناده صحيح، وقال الهيثمي (3/ 199): رجال أحمد رجال
الصحيح، وصححه العيني في ((عمدة القاري)) (11/ 137)، وصحح إسناده السفاريني
في ((شرح ثلاثيات المسند)) (1/ 611).
الفرع التاسع: استحباب صيام أيام البِيض
استحب جمهور أهل العلم من الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)،
وجماعةٌ من المالكية (4) أن يكون صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر في الأيام
البِيض (5).
واستشهدوا بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أوصاه
بصيام أيام البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر (6).
وروي عن موسى الهذلي قال: ((سألت ابن عباس عن صيام ثلاثة أيام البيض، فقال:
كان عمر يصومهن)) (7).
الفرع العاشر: صوم يوم وإفطار يوم
يستحب صيام يومٍ وإفطار يومٍ، وهو أفضل صيام التطوع، وقد حكى ابن حزم
الإجماع على أن التطوع بصيام يومٍ وإفطار يومٍ حسن على ألا يُصام يومُ الشك
ولا اليوم الذي بعد النصف من شعبان ولا يوم الجمعة ولا أيام التشريق
الثلاثة بعد يوم النحر، ولا يومي العيدين (8).
الأدلة:
1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه
وسلم: ((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله
صيام داود: وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً
ويفطر يوماً)). أخرجه البخاري ومسلم (9).
وجه الدلالة:
الحديث يدل على أن صوم يوم وإفطار يوم أحب إلى اللَّه تعالى من غيره، وإن
كان أكثر منه وما كان أحب إلى اللَّه جل جلاله، فهو أفضل، والاشتغال به
أولى.
_________
(1) ((المبسوط للسرخسي)) (11/ 417)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79).
(2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 475)، ((المجموع للنووي)) (6/ 385).
(3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 59)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337).
(4) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 129)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/
414)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 517).
(5) وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي؛ وسميت هذه
الأيام بذلك لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها لآخرها لتكامل ضوء الهلال
وشدة البياض فيها. انظر ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 447) و
((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 93). ويصح أن تقول (أيام البيض) أو
(الأيام البيض) انظر: ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 226).
(6) اختلف أهل العلم في تصحيح الأحاديث الواردة في صيام أيام البِيض
وتحديدها بالثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وبوب الإمام البخاري في
صحيحه، فقال في كتاب الصوم: باب صيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس
عشرة، ثم أورد فيه ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من استحباب صيام
ثلاثة أيام من كل شهر. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية (10/ 404):
(الأفضل لمن أراد صيام ثلاثة أيام من الشهر أن يصوم أيام البيض الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر، وإن صام ثلاثة غيرها فلا بأس ... لأنه صلى الله
عليه وسلم أوصى أبا هريرة وأبا الدرداء بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم
يحدد أيام البيض).
(7) أخرجه الحارث في مسنده كما في ((المطالب العالية)) (6/ 208) , و ((بغية
الباحث للهيثمي)) (1/ 219) , وابن جرير كما في ((تهذيب الآثار)) (2/ 856)،
والحديث قال عنه النيسابوري كما في ((شرح ابن ماجه لمغلطاي)) (1/ 647): هذا
حديث تام حسن، وقال ابن حجر في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (1/ 107): رجاله
ثقات.
(8) ((مراتب الإجماع)) (ص 40 - 41)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب
الإجماع)).
(9) رواه البخاري (1131)، ومسلم (1159).
2 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
قال: ((أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار،
ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي قال: فإنك لا تستطيع
ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر
أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً
وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك
صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك)). أخرجه البخاري ومسلم (1).
الفرع الحادي عشر: صوم يوم وإفطار يومين
يستحب صوم يومٍ وإفطار يومين.
الأدلة:
1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أُخبر رسول الله صلى الله
عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له:
قد قلته بأبي أنت وأمي قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم
من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلت:
إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من
ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل
الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا
أفضل من ذلك)). أخرجه البخاري ومسلم (2).
2 - عن أبي قتادة قال: ((قال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف بمن
يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: ويطيق ذلك أحد؟ قال: فكيف بمن يصوم يوماً
ويفطر يوماً؟ قال: ذاك صوم داود، قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟
قال: وددت أني طُوِّقتُ ذلك)). أخرجه مسلم (3).
الفرع الثاني عشر: صوم يومٍ أو يومين أو ثلاثةٍ أو أربعةٍ من كل الشهر
يستحب صوم يومٍ من كل شهرٍ أو يومين أو ثلاثة أو أربعة.
الدليل:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فسألته عن الصوم فقال: صم يوما من كل شهر ولك أجر ما بقي، قلت: إني
أطيق أكثر من ذلك فقال: صم يومين من كل شهر ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق
أكثر من ذلك قال: صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي))، قلت: إني أطيق أكثر من
ذلك قال: صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب الصيام، صوم داود، كان يصوم يوما
ويفطر يوما)). أخرجه مسلم (4).
_________
(1) رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
(2) رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
(3) رواه مسلم (1162).
(4) رواه مسلم (1159).
الفصل الثاني: ما
يكره صومه
• المبحث الأول: صوم الدهر.
• المبحث الثاني: صوم يوم عرفة للحاج.
• المبحث الثالث: إفراد يوم الجمعة بالصوم.
• المبحث الرابع: إفراد يوم السبت بالصوم.
• المبحث الخامس: تخصيص شهر رجب بالصوم.
المبحث الأول: صوم
الدهر
المطلب الأول: تعريف الدهر لغةً:
الدهر لغة: هو الزمان، ويُجمع على دهور، ويقال للدهر أبد. (1)
المطلب الثاني: تعريف صوم الدهر اصطلاحاً:
صوم الدهر: هو سرد الصوم في جميع الأيام.
المطلب الثالث: حكم صوم الدهر
يكره صوم الدهر (2)، وهو مذهب الحنفية (3)، وقولٌ عند المالكية (4)، وقولٌ
عند الشافعية (5) وقولٌ لبعض الحنابلة (6)، وهو اختيار الشوكاني (7).
الأدلة:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((قال لي النبي صلى الله
عليه وسلم: إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، فقلت: نعم، قال: إنك إذا فعلت ذلك
هجمت له العين، ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم
الدهر كله، قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم صوم داود عليه السلام،
كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى)). أخرجه البخاري ومسلم (8).
_________
(1) ((أنيس الفقهاء للقونوي)) (ص 18).
(2) وذلك لأنه يضعف الصائم عن الفرائض والواجبات وعن الكسب الذي لا بد منه؛
ولأنه يصير العبادة عادةً وطبعاً، ومبنى العبادة على مخالفة العادة.
(3) ((فتح القدير للكمال بن الهمام)) (2/ 350)، ((بدائع الصنائع للكاساني))
(2/ 79).
(4) ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص 78)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 532).
(5) ((المجموع للنووي)) (6/ 389)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (3/ 210).
(6) قال ابن قدامة: (والذي يقوى عندي, أن صوم الدهر مكروه, وإن لم يصم هذه
الأيام - أي يومي العيدين وأيام التشريق - فإن صامها قد فعل محرما, وإنما
كره صوم الدهر لما فيه من المشقة, والضعف, وشبه التبتل المنهي عنه)
((المغني لابن قدامة)) (3/ 53)، وانظر ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 242).
(7) قال الشوكاني: (ويكره صوم الدهر) ((الدراري المضية)) (2/ 178).
(8) رواه البخاري (1979)، ومسلم (1159).
المبحث الثاني: صوم
يوم عرفة للحاج
لا يستحب صوم يوم عرفة للحاج (1)، وهو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية
(2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
الأدلة:
1 - عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما ((أنها أرسلت إلى النبي صلى
الله عليه وسلم بقدح لبن، وهو واقفٌ على بعيره بعرفة، فشرب)). أخرجه
البخاري ومسلم (5).
وجه الدلالة:
أن شربه صلى الله عليه وسلم اللبن أمام الناس في الموقف، دليلٌ على استحباب
فطر هذا اليوم للحاج؛ وليتقوى على أداء مناسك الحج.
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم
أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلم يصمه أحد منهم)) (6).
_________
(1) وذلك لأن الصوم في هذا اليوم يضعف الحاج عن الوقوف والدعاء؛ وقيل لأنهم
أضياف الله وزواره.
(2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 312)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/
91).
(3) ((المجموع للنووي)) (6/ 380)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
446).
(4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 88)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 340).
(5) رواه البخاري (1658)، ومسلم (1123).
(6) رواه أحمد (2/ 73) (5420)، والترمذي (751)، والنسائي في ((السنن
الكبرى)) (2/ 155) (2827)، وابن حبان (8/ 369) (3604). قال الترمذي: حسن،
وصحح إسناده ابن جرير في ((مسند عمر)) (1/ 355)، وحسنه البغوي في ((شرح
السنة)) (3/ 522)، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): إسناده صحيح.
المبحث الثالث:
إفراد يوم الجمعة بالصوم
يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق ذلك صومًا، مثل من يصوم يومًا
ويفطر يومًا فيوافق صومه يوم الجمعة، وذهب إلى ذلك الشافعية (1)، والحنابلة
(2)، وبعض الحنفية (3)، (4)، واختاره ابن القيم (5)، والشوكاني (6)،
والشنقيطي (7)
الأدلة:
1 - عن محمد بن عباد قال: ((سألت جابرًا رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم)). أخرجه البخاري ومسلم (8)
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده)). أخرجه البخاري
ومسلم (9)
3 - عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل
عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن
تصومي غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري)). أخرجه البخاري (10)
4 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا
تختصوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ من
بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم)). أخرجه مسلم (11)
_________
(1) ((المجموع للنووي)) (6/ 436)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
447).
(2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 52)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 103).
(3) ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص426).
(4) نقل ابن المنذر هذا القول عن أبي هريرة, والزهري, وإسحاق ((الإشراف))
(3/ 153).
(5) ((إعلام الموقعين)) (3/ 174).
(6) ((الدراري المضية)) (2/ 178).
(7) ((أضواء البيان)) (7/ 365).
(8) رواه البخاري (1984)، ومسلم (1143).
(9) رواه البخاري (1985)، ومسلم (1144).
(10) رواه البخاري (1986).
(11) رواه مسلم (1144).
المبحث الرابع:
إفراد يوم السبت بالصوم
إفراد يوم السبت بالصوم تطوعاً من غير أن يكون عادةً، ولا مقروناً بيومٍ
قبله أو بعده، اختلف فيه أهل العلم على أقوال، منها:
القول الأول: يكره إفراد يوم السبت بالصوم (1)، وهذا باتفاق المذاهب
الفقهية الأربعة: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة
(5).
الدليل:
عن عبد الله بن بُسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا
يوم السبت إلا فيما افْتُرِضَ عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنبٍ، أو
لحاء شجرةٍ فليمصه)) (6).
القول الثاني: يجوز صوم يوم السبت مطلقاً سواء كان مفرداً أم مقروناً
بغيره، وقد نصر هذا القول ابن تيمية (7)، واختاره ابن حجر (8).
الدليل:
بقاء إباحة التطوع على أصلها، إذ لم يصح في النهي عن إفراد يوم السبت
بالصوم حديثٌ يعتمد عليه (9).
_________
(1) وذلك لأن في إفراده بالصوم تعظيماً له فيحصل التشبه باليهود.
(2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79)، ((حاشية الطحطاوي على مراقي
الفلاح)) (ص 436).
(3) ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص 78).
(4) ((المجموع للنووي)) (6/ 439)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
447).
(5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 105)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 347).
(6) رواه أحمد (4/ 189) (17726)، وابن ماجه (1413)، والدارمي (2/ 32)
(1749)، وابن حبان (8/ 379) (3615).
(7) ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 378)، وانظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/ 71
– 79).
(8) قال ابن حجر: (الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد
ليس جيِّداً بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة، كما ورد الحديث
الصحيح فيه، وأما السبت والأحد فالأولى أن يصاما معاً وفرادى امتثالاً
لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب) ((فتح الباري)) (10/ 362).
(9) حديث النهي عن صيام يوم السبت وإن أخذ به عامة فقهاء المذاهب الأربعة،
إلا أنه قد أنكره كثيرٌ من الحفاظ المتقدمين سنداً ومتناً، كمالك والأوزاعي
وأحمد وأبي حاتم والترمذي، وحكم أبو داود عليه بالنسخ، ونصر ابن تيمية ضعفه
وأنه شاذٌّ أو منسوخ.
المبحث الخامس:
تخصيص شهر رجب بالصوم
يكره تخصيص شهر رجب بالصوم (1)، وقد نص على ذلك فقهاء المالكية (2)،
والحنابلة (3)، وهو اختيار الشوكاني (4).
الدليل:
عن خرشة بن الحر قال: ((رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب، حتى يضعوها في
الجفان ويقول: كلوا فإنما هو شهرٌ كان يعظمه أهل الجاهلية)) (5).
كما أنه لم تثبت فضيلة تخصيصه بالصيام، ولا صيام أيامٍ منه، بل صيامه كباقي
الشهور، فمن كان له عادة بصيامٍ فهو على عادته، ومن لم يكن له عادة فلا وجه
لتخصيص صومه، ولا صوم أوله، ولا ليلة السابع والعشرين منه بصوم.
_________
(1) وذلك لأن فيه إحياءً لشعار الجاهلية بتعظيمه.
(2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 324)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 516).
(3) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 98)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 340).
(4) قال الشوكاني: (لم يرد في رجب على الخصوص سنةٌ صحيحةٌ ولا حسنةٌ ولا
ضعيفةٌ ضعفاً خفيفاً، بل جميع ما روي فيه على الخصوص إما موضوعٌ مكذوبٌ أو
ضعيفٌ شديد الضعف، وغاية ما يصلح للتمسك به في استحباب صومه ما ورد في حديث
الرجل الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((صم أشهر الحرم)).
ورجب من الأشهر الحرم بلا خلاف، وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن
ماجه ولكنه لا يدل على شهر رجب على الخصوص) ((السيل الجرار)) (ص 297).
(5) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (7/ 327) (7636)، وابن أبي شيبة
(3/ 102). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 194): فيه الحسن بن جبلة
ولم أجد من ذكره وبقية رجاله ثقات، وصحح إسناده الألباني في ((النصيحة))
(211).
المبحث الأول: صوم
يومي العيدين
يحرم صوم يومي العيدين: الفطر والأضحى.
الأدلة:
أولا: من السنة:
1 - عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: ((شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي
الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما:
يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم)). أخرجه البخاري
ومسلم (1).
2 - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم
يوم الفطر والنحر وعن الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد)). أخرجه
البخاري ومسلم (2).
ثانيا: الإجماع:
نقل الإجماع على تحريم صوم يومي العيدين ابن حزم (3)، والنووي (4)، وابن
قدامة (5).
_________
(1) رواه البخاري (1990)، ومسلم (1137).
(2) رواه البخاري (1991)، ومسلم (827).
(3) ((مراتب الإجماع)) (ص40).
(4) ((المجموع)) (6/ 440).
(5) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه محرم
في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة) ((المغني)) (3/ 51).
المبحث الثاني: أيام
التشريق
المطلب الأول: المراد بأيام التشريق
أيام التشريق هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة.
المطلب الثاني: حكم صوم أيام التشريق:
يحرم صوم أيام التشريق (1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (2)،
والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والظاهرية (6)، وقد حكى ابن
عبد البر الإجماع على ذلك (7).
واستثنى المالكية (8)، والحنابلة (9)، والشافعي في القديم (10): الحاج الذي
لم يجد دم متعة أو قران؛ فإنه يجوز له صومها (11).
الأدلة:
1 - عن أبى المليح عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أيام التشريق أيام أكلٍ وشرب)). أخرجه مسلم (12).
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((لم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصمن
إلا لمن لم يجد الهدي)). أخرجه البخاري (13).
_________
(1) قال ابن قدامة: (ولا يحل صيامها – أي: أيام التشريق - تطوعاً في قول
أكثر أهل العلم) ((المغني)) (3/ 51).
(2) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 313)، ((البحر الرائق لابن نجيم))
(2/ 277).
(3) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 346)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (12/
127).
(4) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 433).
(5) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 109)، ((المغني لابن قدامة)) (3/ 51)
((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 248).
(6) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 28).
(7) قال ابن عبدالبر: (وأما صيام أيام التشريق فلا خلاف بين فقهاء الأمصار
فيما علمت أنه لا يجوز لأحد صومها تطوعاً) ((التمهيد لابن عبدالبر)) (12/
127).
(8) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 346)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (12/
127).
(9) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 51) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 248).
(10) ((المجموع للنووي)) (6/ 441، 445).
(11) قال النووي: (وقال ابن عمر وعائشة والأوزاعي ومالك واحمد وإسحق في
رواية عنه يجوز للمتمتع صومها) ((المجموع للنووي)) (6/ 445).
(12) رواه مسلم (1141).
(13) رواه البخاري (1998).
المبحث الثالث: صوم
يوم الشك
• المطلب الأول: تعريف يوم الشك.
• المطلب الثاني: حكم صوم يوم الشك.
المطلب الأول: تعريف
يوم الشك
يوم الشك: هو اليوم الثلاثون من شعبان، إذا لم تثبت فيه الرؤية ثبوتاً
شرعيًّا (1).
_________
(1) انظر ((المجموع للنووي)) (6/ 420) و ((الموسوعة الفقهية الكويتية))
(45/ 314).
المطلب الثاني: حكم
صوم يوم الشك
لا يجوز صوم يوم الشك خوفاً أن يكون من رمضان أو احتياطاً، وذهب إلى
التحريم المالكية (1)، والشافعية (2)، واختاره ابن المنذر (3)، وابن حزم
(4)، والصنعاني (5).
الأدلة:
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)).
أخرجه مسلم (6).
2 - عن صلة بن زفر: ((قال كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مصلية فقال:
كلوا، فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم فقال عمار: من صام اليوم الذي يشك به
الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)) (7).
3 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: ((الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا
العدة ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم (8).
وجه الدلالة:
قوله: ((أكملوا العدة ثلاثين)) أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب
إكمال شعبان ثلاثين يوماً، حرم صوم يوم الشك.
_________
(1) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 348)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (2/ 39)،
((مواهب الجليل)) (2/ 394).
(2) ((المجموع للنووي)) (6/ 399)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/
447).
(3) قال ابن المنذر: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتعجل
شهر رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فيأتي ذلك على صومه)
((الإشراف)) (3/ 111).
(4) قال ابن حزم: (ولا يجوز صوم يوم الشك الذي من آخر شعبان, ولا صيام
اليوم الذي قبل يوم الشك المذكور إلا من صادف يوماً كان يصومه فيصومهما
حينئذ للوجه الذي كان يصومهما له لا لأنه يوم شك، ولا خوفاً من أن يكون من
رمضان) ((المحلى)) (7/ 23).
(5) قال الصنعاني: (يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال في
ليلة بغيم ساتر أو نحوه فيجوز كونه من رمضان وكونه من شعبان، والحديث وما
في معناه يدل على تحريم صومه، وإليه ذهب الشافعي واختلف الصحابة في ذلك
منهم من قال بجواز صومه، ومنهم من منع منه وعده عصيانا لأبي القاسم،
والأدلة مع المحرمين) ((سبل السلام)) (2/ 151).
(6) رواه مسلم (1082).
(7) رواه البخاري معلقاً قبل حديث (1906)، ورواه موصولاً أبو داود (2334)،
والترمذي (686)، والنسائي (4/ 153)، وابن ماجه (1342)، والدارمي (2/ 5)
(1682)، وابن حبان (8/ 351) (3585)، والحاكم (1/ 585)، وانظر: ((تغليق
التعليق)) (3/ 139).
(8) رواه البخاري (1907)، ومسلم (1080).
المبحث الرابع: صوم المرأة نفلاً بدون إذن
زوجها
المطلب الأول: حكم صوم المرأة نفلاً بدون إذن زوجها
لا يجوز للمرأة أن تصوم نفلاً وزوجها حاضرٌ إلا بإذنه، وهو قول جمهور أهل
العلم من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
وخص المالكية الحرمة بما إذا كان الزوج محتاجاً إلى امرأته (5).
وخصَّ الشافعية الحرمة بما يتكرر صومه (6)، أما ما لا يتكرر صومه كعرفة
وعاشوراء وستة من شوال فلها صومها بغير إذنه، إلا إن منعها.
الدليل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل
للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)). أخرجه البخاري ومسلم (7).
المطلب الثاني: حكم تفطير الزوج لامرأته التي صامت نفلاً بغير إذنه
إذا صامت الزوجة تطوعاً بغير إذن زوجها، فله أن يفطرها، وهو قول الحنفية
(8)، والشافعية (9)، والمالكية، إلا أن المالكية خصُّوا جواز تفطيرها
بالجماع فقط (10)، أما بالأكل والشرب فليس له ذلك؛ لأن احتياجه إليها
والموجب إلى تفطيرها إنما هو من جهة الوطء، وهو قول الحنابلة (11)؛ وذلك
لأن حقه واجبٌ، وهو مقدَّمٌ على التطوع.
_________
(1) ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 376).
(2) قال مالك في المرأة تصوم من غير أن تستأذن زوجها، قال: (ذلك يختلف من
الرجال من يحتاج إلى أهله، وتعلم المرأة أن ذلك شأنه فلا أحب لها أن تصوم
إلا أن تستأذنه، ومنهن من تعلم أنه لا حاجة له فيها فلا بأس بأن تصوم)
((المدونة الكبرى)) (1/ 279)، وانظر ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 265).
(3) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 449). ولو صامت المرأة بغير إذن
زوجها صح مع الإثم عند الشافعية، قال النووي: (لو صامت بغير إذن زوجها صح
باتفاق أصحابنا وإن كان الصوم حراماً؛ لأن تحريمه لمعنى آخر لا لمعنى يعود
إلى نفس الصوم فهو كالصلاة في دار مغصوبة) ((المجموع شرح المهذب)) (6/
392).
(4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 208).
(5) انظر ((المدونة الكبرى)) (1/ 279) و ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/
265).
(6) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 449)، ((نهاية المحتاج للرملي))
(3/ 212).
(7) رواه البخاري (5195)، ومسلم (1026).
(8) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 332).
(9) ((نهاية المحتاج للرملي)) (5/ 348).
(10) ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 265).
(11) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 135).
|