شرح بلوغ المرام لعطية سالم

كتاب البيوع - باب الشفعة [1]
من القواعد العظيمة في الشريعة أنه لا ضرر ولا ضرار، فرفع الشرع الضرر عن المسلم وحرم عليه الضرار، ولذلك جاءت أحكام كثيرة في الشرع تدل على هذه القاعدة، ومنها: الشفعة، فالشفعة شرعت لرفع الضرر عن الشريك أو الجار ممن قد يأتي ويحصل منه الضرر والأذى.


شرح حديث: (قضى رسول الله بالشفعة في كل ما لم يقسم ... )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة) متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي رواية لـ مسلم: (الشفعة في كل شِرك: في أرض، أو ربع، أو حائط، لا يصلح -وفي لفظ: لا يحل- أن يبيع حتى يعرض على شريكه) ، وفي رواية الطحاوي: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء) ورجاله ثقات] .


مناسبة ذكر باب الشفعة بعد باب الغصب
مناسبة ذكر باب الشفعة بعد باب الغصب؛ لأن بينهما شبهاً وهو انتزاع ملك الغير بغير إذنه؛ لأن الغاصب يستولي على ملك الغير قهراً وبغير إذنه، وكذلك الشفعة، فالشفيع ينتزع حصة المشفوع عليه قهراً.
أي: بالقوة أو بدون رضاه؛ فبينهما شبه ما.


تعريف الشفعة وصورتها وسبب مشروعيتها
والشفعة لغة: من الشفع ضد الوتر، فالوتر واحد، والشفع اثنان فأكثر مما يقبل القسمة على اثنين بدون باقٍ، كالأربعة والستة والثمانية والعشرة إلخ، فهذه أعداد شفع، والواحد والثلاثة والخمسة والسبعة أعداد وتر؛ لأنها لا تقبل القسمة على اثنين بدون باق.
والشفعة قيل: أخذت من معنى الشفع بمعنى: الزيادة، وبمعنى: الضم، وبمعنى: النصرة.
والشفعة عند الفقهاء رحمهم الله هي: أن يأخذ الشريك حصة شريكه ممن اشتراها عن طريق الحاكم.
وقال بعض العلماء: إن الشفعة غايرت القاعدة العامة في احترام أموال الناس؛ لأن بها انتزع حق المالك بغير رضاه، والقاعدة هي قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) فقالوا: غايرت القاعدة العامة، ولكن استندت إلى قاعدة أخرى وهي: (لا ضرر ولا ضرار) ؛ ولهذا يقولون: شرعت الشفعة لرفع الضرر عن الشريك.
وصورتها على سبيل الإجمال: أن يكون العقار -ربع أو دار، أي: أرض أو بيت أو بستان- مملوكاً لاثنين هما شريكان فيه، وتلك الشركة على الإشاعة، كل له النصف أو الربع أو ثلاثة أرباع، أو الثلث أو الثلثان، بدون قسمة ولا تمييز، أو له ثلاثون أو ستون في المائة من عين العقار، فيبيع أحد الشريكين حصته إلى شخص ثالث، فيأتي الشريك الذي لم يبع ويخشى مضرة الذي اشترى بأن يسيء معه الشراكة أو يكون رجل سوء؛ فيشفع عليه وينتزع منه الحصة التي اشتراها من شريكه ويضمها إلى حصته هو، فيكون قد شفع حصة شريكه إلى حصته بضمها إليه.
هذا هو هيكل الشفعة، وذكر بعض العلماء: أن الشفعة في الجملة كانت موجودة في الجاهلية وإن لم تكن على النظام المشروع والموجود في الإسلام، وذكروا: أن الرجل كان إذا أراد أن يبيع بيته -وليس فيه شركة لأحد- فإذا علم رجل بذلك، وأتاه وقال: أنا أحب أن أشتري البيت، قدمه على غيره، فاعتبروا ذلك من الشفعة.
ومن القواعد العامة في الإسلام: احترام الأموال، ومن القواعد العامة: رفع الضرر، فالشفعة يجتمع فيها الأمران؛ يجتمع فيها احترام المال والتعدي عليه، ويجتمع فيها وجود المضرة.
أما أخذ المال؛ فلأن الشفيع يأخذ حصة المشتري بدون رضاه، والمال محترم وهذا فيه مضرة على المشتري أن ينتزع ماله بغير رضاه، وفيها أيضاً رفع الضرر عن الشريك الذي لم يبع؛ لأن المشتري أجنبي عنه، وقد يعلم من سلوك المشتري الذي سيدخل شريكاً معه ما يتضرر به.
إذاً: هناك مضرة على الذي اشترى بانتزاعه منه، وهناك مضرة على الذي لم يبع بدخول شخص ثالث عليه، فاجتمعت المضرتان.
والقاعدة عند الأصوليين: (إذا وجدت مضرتان؛ فيرتكب أخفهما ضرراً) .
فقالوا: إن المضرة التي تكون على المشتري بأخذ الحصة منه وردها إلى الشريك أخف من المضرة التي ستكون على الشريك من المشتري الجديد سيئ الخلق أو سيئ الشراكة أو العشرة.
إذاً: يرتكب أخف الضررين؛ فيلغى شراء المشتري الجديد وترجع الحصة إلى صاحب الشراكة القديمة، والمشتري سيأخذ ما دفع، وليس عليه مضرة مالية، فإذا اشترى بألف فسيرد إليه الألف الذي دفع، وانتهت المشكلة، بخلاف ما لو ألغينا الشفعة، فسيأتي شخص آخر -وبحكم التملك- ربما طالب بالقسمة في المشاع، وربما زاحم صاحب الشراكة الأول فتكون المضرة مستمرة.
ويقولون: ما خالف في الشفعة من السلف إلا عالم واحد يقال له: الأصم، فإنه قال: هذا اشترى وتملك، فكيف ننزع منه ملكه بغير رضاه؟ وأجاب الجمهور: بأن هذا من باب ارتكاب أخف الضررين.
والعالم كله على سبيل الإجمال يقرر الشفعة في القضاء المدني ما عدا بلداً واحداً عربياً ألغى الحكم بالشفعة في عهد قريب حوالي في الخمسينات بينما القضاء الفرنسي إلى اليوم يعمل بالشفعة، والقوانين الأوربية كلها تقر العمل بالشفعة.
إذاً: كما يقول العلماء: الشفعة ثابتة بالكتاب، وبالسنة وبالإجماع.
أما الكتاب فبالعمومات، وأما السنة فبنصوص تفصيلية كما ذكر المؤلف رحمه الله هنا.
وأما الإجماع: فالعمل بها ماض من زمن النبي صلى الله عليه وسلم على مر العصور الإسلامية، وهلم جرا.
إذاً: الشفعة مشروعة بلا نزاع، ولا عبرة بالأصم في مخالفته، ولا عبرة بإلغاء بعض الدول العربية المتأخرة للشفعة، فقد كانت موجودة عندها قبل الإلغاء، وهو حجة عليها.


أركان الشفعة وفي أي شيء تكون
وهذه النصوص التي جاءت وسمعناها في الشفعة كما يقول ابن رشد رحمه الله تعالى: تبحث من عدة جوانب: أولاً: أركان الشفعة، وأركانها: شافع، ومشفوع عليه، ومشفوع فيه.
أما الشافع: فهو الشريك الأول، وأما المشفوع عليه فهو المشتري، وأما المشفوع فيه، فهو موضع البحث عند العلماء.
ثانياً: في أي شيء تكون؟ عندنا الحديث الأول وفيه: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا جرت القسمة، وصرفت الطرق، وضربت الحدود؛ فلا شفعة) يؤخذ من هذا الحديث: أن الذي تقع فيه الشفعة هو الملك المشاع مثل عقار يمكن أن يقسم وتميز الحصص الشائعة، كما يقال: قسمة إفراز، فإذا كان هناك اثنان يمتلكان بيتاً أو أرضاً، واحد منهما له الثلث والآخر له الثلثان فهو مشاع، فلكل واحد منهما حصته في كل شبر منها، كل شبر من الأرض لأحدهما فيه الثلث والآخر له الثلثان؛ لأن هذا حق مشاع داخل في جميع جزئيات الأرض المشتركة، وهذا خلاف ما يقال عند المتأخرين والمتقدمين: ما كانت الشراكة فيه على التعيين، بمعنى: هذه الأرض ألف متر، له خمسون متراً ولشريكه الباقي، فهنا هذه شركة على التعيين بالأمتار وليست مشاعة بنسبة مئوية، وهذا النوع من الشراكة، الجمهور على أنه لا شفعة فيه، وعند بعض المالكية أنها تساوي الشراكة المشاعة بدون تعيين وتحديد مقدار.
فإذا كان الحديث: (الشفعة فيما لم يقسم) .
إذاً: يكون قابل القسمة فإذا كان العقار من حيث الصغر أو من حيث موضوع عمله لا يقبل قسمة فلا شفعة فيه، فلو أن هناك مصنعاً لتجميع سيارات، أو منجرة فيها آلات يساعد بعضها بعضاً؛ فمنها المنشار الذي يشق الخشب والذي يمسحه ومنها ما يثقبه، وكلها يكمل بعضها بعضاً، فلا يمكن قسمتها، فلا يمكن قسمة المنشار، ولا يمكن قسمة الآلة التي تنعم الخشب، فإذا قسمت وأخذ واحد منشاراً، وأخذ الثاني قطعة من خشب فالمنشار بدون تلك القطعة لا يعمل شيئاً، أو كان العقار صغيراً، كدكان مساحته متر في متر ونصف، وقد شاهدنا سابقاً بعض الدكاكين لا يزيد عن متر في مترين، متر واجهة ومترين عمق، فكيف يقسم؟ وإذا قسم لا يستفاد من قسمته، فهذا لا شفعة فيه.
وقالوا: ما أبطلت الشفعة المنفعة المقصودة منه فلا شفعة فيه، ومثلوا بالحمام، والحمام هو: مبنى كبير فيه مرافق لجلوس الناس وراحتهم بعد الاستحمام، وفيه مغطس فيه ماء حار، وفيه موضع للتدليك، فلو قسمنا هذا الحمام لبطل كونه حماماً؛ لأن كل شقص منه لا يؤدي وظيفته كحمام بكامله.
إذاً: لا تصح فيه شفعة.
وكذلك الرحى على ما كانت قديماً، كانت تدار بالماء وتدار بالهواء، وهي تقبل القسمة؛ لأنها حجر فوق وحجر تحت، ولكن أحد الحجرين لا يعمل بدون الآخر، كما يقول المثل العامي: (يد واحدة لا تصفق) ، أي: لابد من ضم اليد الثانية إليها، وكذلك الرحى، وهكذا البيت الصغير، إذا لم يقبل القسمة وإذا قسم عطلت منافعه، فلا يصلح لسكنى أحد.
إذاً: قوله: (ما لم يقسم) يفيد أنه لا شفعة إلا فيما يقبل القسمة؛ لأن نفي القسمة لا يكون عن شيء من شأنه أن يقبل القسمة، وهذه قاعدة عند علماء المنطق يسمونها: (العدم والملكة) ، وهو أنه لا يحق لك أن تنفي صفة عن شيء إلا إذا كان قابلاً للاتصاف بها، فلا تقول: هذا الكرسي لا يطير؛ لأنه ليس من شأنه الطيران، ولا تقول: هذه السارية لا تسمع؛ لأنه ليس من شأنها أن تسمع، فتنفي عنها شيئاً ليس من شأنها، اللهم إلا إذا كان في العصور الحديثة حيث صارت السماعات تجعل في الجدران!! فهنا: (مالم يقسم) نفي القسمة يدل على أن المتحدث عنه قابل للقسمة.
ومن هنا خص الجمهور الشفعة في الشراكة؛ لأنه إذا ضربت الحدود، بمعنى: قسمت فلا شفعة، فإذا كان هناك ألف متر من الأررض وأردنا أن نقسمها مناصفة فهل يتعين أن كل قسم يكون خمسمائة متر أو يمكن أن يتفاوت في القسمة بحسب المواقع، فإذا كانت هناك واجهة عشرون متراً، وواجهة من الجهة الثانية عشرة أمتار، وقسمناه عرضاً، فسيكون النصف على الواجهة الأولى عشرون متراً، والنصف على الواجهة الثانية عشرة أمتار، فهل يستويان معاً وتتحد فيهما الرغبة؟ الجواب: لا، بل لابد أن ننقص من القسم الذي على الواجهة الواسعة لنعوض صاحب الواجهة الصغيرة.
إذاً: بحسب القسمة، وقعت القسمة بالمناصفة في الحقوق، لا في عين المساحة إذا قسمت ووضعت الحدود؛ لأن المشاع ليس فيه حدود، (فإذا وضعت الحدود) أي: جعل هذا حد قسمي وهذا حد قسمك، (وصرفت الطرق) كأن يكون الطريق كله في الشارع الواسع؛ لأنه مشترك مشاع، ولما قسمنا اضطررنا أن نوجد طريقاً آخر للقسم الثاني فجعلنا طريقه من الشارع الآخر سواءً شرقاً أو غرباً، فحينئذ إذا وقعت القسمة وضربت الحدود وصرفت الطرق، فقد انتفت الشراكة، وأصبح كل واحد من الشريكين جاراً للآخر، فقالوا: لا شفعة للجار بمقتضى هذا الحديث، وهو كما ذكر المؤلف رواه الشيخان البخاري ومسلم، وليس فيه أي مطعن.
إذاً: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل مالم يقسم) يعني: في كل شراكة في أي عقار قابل للقسمة ولم يقسم، فإذا ما جرت القسمة، وضربت الحدود، وصرفت الطرق انتفى معنى الشراكة وأصبحا بدل الشريكين جارين.


شرح حديث: (الشفعة في كل شرك ... )
قال المصنف رحمه الله: [وفي رواية مسلم: (الشفعة في كل شرك: في أرض، أو ربع، أو حائط) ] .
(الشفعة في كل شِرك) والشرك بأن يكون -كما تقدم- شركاً مشاعاً، ليس شركاً محدداً بالأمتار، فهذا نص في أن الشفعة تكون في كل شرك، والمجاور ليس شريكاً إنما هو مجاز.
قوله: (الشفعة في كل شرك: في أرض، أو ربع، أو حائط) .
(في أرض -أرض بيضاء- أو في ربع) والربع: قيل: الأرض البيضاء التي لا غرس فيها، وقيل: هي التي فيها الغروس، يعني: نقول: في بستان أو في أرض بيضاء أو في بيت.


حكم البيع إذا لم يعرض البائع على شريكه
قوله: (لا يصلح -وفي لفظ: لا يحل- أن يبيع حتى يعرض على شريكه) .
أي: لا يصلح لأحد الشريكين أن يبيع حصته في الشراكة حتى يعرضها على شريكه، فيقول له: أتأخذ نصيبي أو أبيعه؟ فإن قال: آخذ، فالحمد لله، وهو أولى من الغير، وإن قال: لا آخذ، فله أن يبيعه من غيره؛ لأنه سيأتي في شروط الأخذ بالشفعة: أن الشفيع يأخذ بعين الثمن الذي أخذه به الأجنبي، وأن يكون الثمن حالاً، وإنما الخلاف فيما إذا كان باع نصيبه مؤجلاً، فهل يأخذه الشفيع أيضاً بثمن مؤجل وكما أجل للأجنبي يؤجل لشريكه؟ قالوا: نعم، إذا كان مليئاً أو أتى بكفيل غارم.
إذاً: في بادئ الأمر إذا أراد الشريك أو أحد الشركاء -فقد يكون العقار شركة بين اثنين أو أكثر- أن يبيع، فلا يحق له إلا إذا عرض على الشركاء، فإن أجازوا فالحمد لله، وإن أبوا وقالوا: نحن نشتري فيأخذون، وكيف يأخذون إذا كانوا مجموعة؟ لو كان الشريك واحداً فسيأخذ حصة الشريك الآخر لنفسه لكن إذا كانوا ثلاثة وكل واحد قال: أنا أشتري، وكل الثلاثة قالوا: نأخذ بالشفعة، فهل نعطي واحداً من الشركاء الجزء المبيع ونترك البقية؟ أو نقول: أيها الشركاء! أنتم كلكم لكم حق الشفعة.
بأي صفة تكون الشفعة لهم كلهم؟ فإذا كان الثلاثة: واحد له السدس، والثاني له الثلث، والثالث له الربع، فهل نعطيهم من حصة الشريك الذي باع بقدر شراكتهم الشائعة فيه، فالشريك بالربع في الأرض العامة يأخذ ربع المبيع بالشفعة، والشريك بالثلث في الأرض العامة يأخذ الثلث من المبيع بالشفعة؟ قيل: إنهم يأخذون بقدر أنصبائهم في التملك في العين المشتركة، وقيل: يأخذون بعدد الرءوس.
أي: نقسم حصة الشريك الذي باع عليهم بعدد رءوسهم، وأعتقد أن الأول أضبط وأوفق تمشياً مع قواعد البيع والشراء.
فهنا لا يصح للشريك أن يبيع حصته حتى يؤذن شريكه.


هل للشريك أن يشفع بعد البيع إذا عرض عليه قبله
وهنا إذا قال الشريك: أنا لا أشتري، فقال له: أنا سأبيع، فقال له: بع.
فقال له: ولكن هل ستشفع بعدما أبيع أم ستترك الشفعة؟ فسكت ولم يقل شيئاً، أو قال: لا أشفع، فباع الشريك حصته على ثالث، وبعد أن باع جاء الشريك وقال: سأشفع، فهل يحق له طلب الشفعة، أو أن طلبه سقط بإسقاطه إياه قبل العقد؟ المسألة خلافية، ولكن المنصوص عليه عند الحنابلة والراجح عند الجمهور: أنه إذا عرض عليه فقال: لا أشفع وسكت حتى باع، فإن أصل الشفعة لا يأتي بها إلا عقد البيع للشقص، وهل هناك شفعة قبل أن يبيع؟ الجواب: لا شفعة قبل البيع، وهو عندما قال: أسقطت حقي في الشفعة، فحقه لم يأت بعد؛ لأن الشريك لم يوقع البيع فلا محل للشفعة، فهو أسقط مالم يملك، فلما جاء عقد البيع جاء العقد معه بحق الشفعة، فقيل له: لماذا قلت: أنا لا أشفع وغررت بشريكك؟ قال: لا، هو يريد أن يتفق المشتري عليّ، وإذا باع له فسيبيع له بألف، وإذا علم بأني سأشفع فسيتفق معه على ألفين؛ لأن الشفيع لا يأخذ إلا بما وقع عليه البيع للأجنبي، فإذا قال الشريك: أنا سأشفع إذا بعت فقد يذهب شريكه الآخر ويبيع ما يساوي ألفاً بألفين، ويزيد الألف هذا إما تعجيزاً للشفيع ليترك الشفعة، وإما زيادة في الظاهر ثم يتقاسمان الألف الزائدة بينهما على حساب الشفيع، فإذا قال الشريك: أنا لن أشفع، اذهب وبعه، فهو ينفي الاتفاق على المضرة والغرر به، وكذلك إذا قال: أنا تركت ولم يقل: أشفع، حتى لا يدخلوا عليه الزيادة في الثمن لعلمهم أنه سيشفع.
إذاً: لا يبيع حتى يؤذن صاحبه فيشتري أو يترك، فإن اشترى فالحمد لله، وإن ترك حتى باع الشريك، فله الحق أن يأتي ويقول: مادام أن البيع قد وقع فأنا أشفع، وهذا أيضاً نص على أن الشفعة في الشراكة وليس فيه الجوار.
قوله: وفي رواية الطحاوي: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء) .
هناك لا شفعة إلا فيما يقسم، وإذا وقعت القسمة انتفت، الشفعة في ربع أو دار.
أي: في عقار ثابت، وهنا قال: (في كل شيء) إذا وجدت شراكة في أي شيء سواءً كانت في سيارة، أو في سفينة أو -كما يقول البعض- في سيف، أو في فرس، أو في حيوان أو متاع منقول، فكلمة: (في كل شيء) جمعت كل شيء، ولم يقل بهذا الجمهور، ولكن يروى هذا عن مالك وعن أحمد ولكن مذهب الحنابلة على خلاف ذلك، فهذا الحديث أو هذا الأثر يشعر بجواز الشفعة في كل شراكة، وإذا سألك أحد: كيف أشفع في سيارة فشريكي الأول الذي كان معي ابن حلال لا يدقق معي ولا يحاسبني -وسيأتي هذا- فإما أن يأخذ السيارة ويقول: أحاسبك، أو يأتي كل يوم إليّ ويقول: حاسبني حساب السيارة اليوم، فأنا أشفع وآخذ حقي؟ فبعضهم يقول: إذا تضرر الشريك من شركة الآخر تباع ويفض النزاع بين الطرفين؛ ولتعذر الاستفادة من الشراكة أو الشفعة في المنقول كالثياب، فكيف يشفع في الثوب؟ وإذا باع عباءته أو باع مشلحه، فقال: شريكه أنا أشفع فيه، فإن لي النصف فيه، فقد اشتريناه شركة، أو ورثناه سوية من أبينا، وهذا يصح التملك فيه، يقولون: إن الأثر الذي عند الطحاوي لا يمكن أن يناهض ما جاء في الصحيحين، فقد جاء بصريح النطق: (لا شفعة إلا في ربع أو دار) (قضى بالشفعة في كل مالم يقسم) والسيارة والثوب ونحو ذلك، هذه لا تقسم ولا يمكن الانتفاع بحصة منها.
إذاً: ما يمكن إلا أن نبيع؛ ولهذا حتى الروايات التي جاءت عن بعض الأئمة أصحابهم لم يعملوا بها.


شرح حديث: (جار الدار أحق بالدار)
قال المصنف رحمه الله: [وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جار الدار أحق بالدار) روه النسائي، وصحح ابن حبان، وله علة] .
قوله: (جار الدار أحق بالدار) هذا نص صريح في أن الجار أحق بدار الجار.
ونحن في خصوص الشفعة، والحديث لم يتعرض لمعنى الشفعة.
إذاً: أحق بها بماذا؟ هل هو حق بالإجارة أو بالارتفاق أو بالانتفاع أو أحق بالشفعة؟ كل هذه احتمالات، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، ولكن هناك من يقول بهذا الحديث في إثبات الشفعة في الجوار، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ويتفق الأحناف مع الجمهور في أن الشفعة أولاً للشريك في الأشياء الشائعة مالم تقسم.
ثم يقول أبو يوسف: إذا لم يوجد شريك شائع يطالب بالشفعة فللجار المطالبة.


مراتب الشفعة عند الأحناف
ولذا يقولون: الشفعة على ثلاث مراتب: الشفعة في الشراكة الشائعة للشريك، والشفعة في الجوار إذا وجدت شراكة في مرافق العقارين، والشفعة في الجوار بلا مشاركة في المرافق.
والمشاركة في المرافق قالوا: في الطريق؛ بأن يكون البيتان يقعان على طريق أو شارع واحد بشرط أن يكون غير نافذ أي: أن هذا الطريق مشترك بين الجار هذا والجار هذا؛ لأن الجار إذا باع على شخص آخر فسيأتي من يزاحمه في هذا الطريق وقد يكون شرساً أو سيئاً، فيؤذي الجار في الطريق، فقالوا: يوجد هنا معنى الشراكة، ويحتمل معنى المضرة؛ فيعطى الجار الحق في الشفعة إذا لم يوجد الشريك الشائع صاحب الحصة؛ فإن وجد -كما يقول أبو يوسف - حجب الشفعة عن غيره، فإذا لم يوجد شريك أو وجد ولم يطالب بالشفعة فللجار الذي له الشراكة في مرافق الجوار حق الشفعة.
وكذلك الأرض، هذا له أرض بحدودها وجاره له أرض بحدودها، إذا كان بينهما اشتراك في الماء الذي يسقي الأرضين، ولكن ينص أبو يوسف أيضاً بأن يكون على نهر صغير لا تجري فيه سفن، وأن يكون النهر محدوداً يسقي مزارع معينة وليس عاماً يمشي إلى ما شاء الله، وعلى هذا: مراتب الشفعة عند الأحناف: أولاً: تكون للشريك شراكة شائعة كالجمهور.
ثانياً: للجار الذي له شراكة في مرافق العقار.
ثالثاً: للجار الذي لا شراكة له في هذا العقار ولا شراكة له في مرافقه.
وحجتهم هذا الحديث: (جار الدار أحق بالدار) ، ولكن كما قالوا: هذا الحديث له علة، وقد تكلم عليه العلماء، فسنده لا يقاوم ما تقدم.
قال المؤلف رحمه الله: [وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بصقبه) أخرجه البخاري والحاكم وفيه قصة] .
وهي: أن أبا رافع قال للمسور بن مخرمة: ألا تأمر هذا -يعني: سعد بن أبي وقاص - أن يشتري مني داري -وهي قرب سعد - فقال سعد: والله ما أزيدك على أربعة آلاف، فقال أبو رافع: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بصقبه) ما بعتك بأربعة آلاف.
الواقع أن هذا الحديث له عدة جوانب، وفيه عدة شبه، والوقت لا يكفي لعرض أو لبيان نقاط المغايرة لأحكام الشفعة؛ لأنه كان له بيوت داخل الدار وليس بينهما شراكة مشاعة، وإنما هي جوار، وفي هذا الحديث قصة وهي تحتاج إلى زيادة إيضاح، ولعلنا نرجئه إن شاء الله إلى درس قادم، وبالله تعالى التوفيق.
ونحب أن ننبه الإخوة إلى أن مباحث الشفعة في جزئياتها متسعة جداً، وقد كُتبت فيها رسائل تصل إلى الثمانمائة صفحة، والتفصيل في كل جزئياتها إنما هو عند المذاهب، وقد تناولوا الشفعة في الإجارة؛ كأن يكون هناك شركاء وواحد أجر حصته، وكذلك الشفعة بالنسبة للغائب والصغير والمجنون والمولى عليه والمتراخي في طلبها، وأيسر ما يؤخذ في هذا: (المغني) لـ ابن قدامة، و (المجموع) للنووي، وقد تناولها ابن قدامة في (المقنع) ولكن بشيء من التعقيد.
وننصح الإخوة بأن يراجعوا موضوع الشفعة إذا أرادوا التوسع في الجزئيات والتصور لبعض مواضيعها فيما يتعلق بنوع الثمن وكيف ينتقل الشقص، وكل هذا سيأتي إن شاء الله لكن على سبيل الإجمال، وأما التوضيح الوافي فهو كما أشرت إما في الرسائل المتخصصة، وإما في (المغني) لـ ابن قدامة وهو أقل تفريعاً من النووي في (المجموع) ، فيرجع إلى تلك المراجع الأصيلة.
وبالله تعالى التوفيق.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.


كتاب البيوع - باب الشفعة [2]
جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ الحقوق وأداء الواجبات، ومن هذه الحقوق والواجبات حقوق الجار، فقد أمر الشرع بالإحسان إلى الجار وحرم إيذاءه، ولذا أذن له بالشفعة من جاره الآخر لما قد يحصل عليه من الضرر ممن سيحل محله.


شرح حديث: (الجار أحق بصقبه)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بصقبه) أخرجه البخاري والحاكم وفيه قصة] والقصة هي: أن أبا رافع قال للمسور بن مخرمة: ألا تأمر هذا -يعني: سعد بن أبي وقاص - أن يشتري مني داري -وهي قرب سعد - فقال سعد: والله! ما أزيدك على أربعة آلاف، وقال أبو رافع: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بصقبه) ما بعتك بأربعة آلاف.
هذا الحديث بقصته في صحيح البخاري، وفي القصة أن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص، فأتى أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى المسور بن مخرمة، فقال أبو رافع للمسور: ألا تكلم هذا -يعني: سعد بن أبي وقاص - أن يشتري بيتي اللذين هما في داره، فقال سعد: والله! لا أشتريهما أبداً، فقال المسور مساعدة لـ أبي رافع: والله! لتشترينهما، فقال: والله! لا أعطيك فيهما إلا أربع مائة -وفي لفظ: أربعة آلاف- وأربعمائة على أنها مثاقيل؛ لأن المثقال يصرف بعشرة دراهم، وأربعمائة في عشرة تكون أربعة آلاف منجمة أو مقطعة - والله لا أشتريهما إلا بأربعمائة منجمة -أي: مقسطة- فقال أبو رافع: وكيف أبيعك إياها وقد منعتها من خمسمائة دينار؟ -يعني: خمسة آلاف درهماً، بمعنى: أن سعداً نقص من قيمتها إما ألف درهم فضة ومائة دينار ذهباً -كيف أبيعك إياها بأربعة آلاف وقد منعتها من خمسة آلاف؟ والله! لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بصقبه) ما بعتك إياها، فباعها عليه بالأربعمائة دينار.
هذا الحديث بنصه في صحيح البخاري على هذا العرض، وهنا دار سعد كما تقول آثار المدينة كانت بالبلاط، والبلاط ما بين المسجد النبوي ومسجد المصلى -مسجد الغمامة-، وكان سعد حريصاً على تلك الدار مع أنه كان له قصر؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث عن الروضة: (ما بين بيتي والمصلى روضة من رياض الجنة) فحمل البعض كلمة: (المصلى) على صلاة العيد، وحملها الجمهور على أن المراد بالمصلى: المكان الذي كان يقوم فيه صلى الله عليه وسلم للصلاة جماعة وهو على ميسرة المنبر، وهذا هو الصحيح؛ لأن الرواية الأخرى في الروضة: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة) .
إذاً: الروضة مرتبطة بالمنبر وليست مرتبطة بمسجد المصلى الذي هو موضع مصلى العيد الذي هو الآن معروف بمسجد الغمامة.


وضعية الدور في السابق
فـ سعد كانت له دار، ولـ أبي رافع فيه بيتان، ومعنى بيتين: حجرتين، والدور في السابق كانت عدة حجرات شبه الدائرة وبينها فراغ يسمى الصحن أو الحوش في العرف الحاضر، يطوف عليها البنيان ولها باب واحد يدخل منه، وقد تكون الدار فيها عدة بيوت لعدة أشخاص، وكل يسكن في بيته على حدة، ويبحث الفقهاء ذلك في باب الحرز في القطع؛ لأن تلك البيوت هي في دار واحدة، فإذا أخرج شيئاً من تلك الدور إلى الصحن، فهل يكون قد أخرجه من حرزه؟ أو لا يتم الإخراج من الحرز حتى يخرجه إلى الصحن ومن الصحن إلى الخارج؟ وهذا كان عرفاً موجوداً في السابق كما كان العرف في المدينة وفي مكة تجزئة التملك ما بين الطابق الأرضي والطابق العلوي، فقد كان يتملك الإنسان دكاناً أو دكانين تحت بيت شخص آخر، فالبيت لشخص والدكان أو الدكانين لشخص أو لأشخاص آخرين، أي: تجزئة المبنى.
فهنا أبو رافع يقول للمسور: ساعدني على سعد، أي: كلِّمه أن يشتري مني البيتين اللذين هما لي في داره من داخل، فقال سعد: والله! لا أشتريهما أبداً، فتدخل المسور -وهو الواسطة- وقال: والله! لتشترينهما، فلما تدخل المسور وأقسم عليه، قال: إذاً: لا أعطيك بهما إلا أربعمائة مثقال.
ولو أتينا إلى المثاقيل وإلى الأسعار فإن الباحث الاجتماعي يستطيع أن يعرف القيمة الشرائية للعقار في ذلك الوقت، ويقارن بينها وبين الأثمان والعقار في الوقت الحاضر، ومن هنا تؤخذ الأحكام بمتابعة الأحوال الاجتماعية والعامة، كما جاء في قصة الرجل الذي أعطي ديناراً ليشتري شاة.
إذاً: القيمة الشرائية للشاة هي دينار، فما هي القيمة الشرائية اليوم بالنسبة للدينار؟


الخلاف في أحقية الجار بالشفعة
وإذا جئنا إلى موضوعنا فالمؤلف وغيره كما فعل البخاري ساق هذا الحديث في باب الشفعة، ما علاقة بيتين في دار بموضوع الشفعة؟ ليس هناك شركة مشاعة، إنما بيوت محددة مميزة، وكل بيت له باب، وهو مستقل بذاته، فلا علاقة للشفعة هنا؛ لأن الشفعة لا تكون إلا في شقص مشاع باعه أحد الشركاء على شخص آخر، وهنا لم يحصل بيع، وإنما صاحب البيتين يعرض على صاحب الدار أن يشتريهما منه.
إذاً: موضوع الحديث موضوع البيع والشراء ولا علاقة له بالشفعة أبداً، ولهذا ينبه ابن حجر في فتح الباري ويقول: الحديث موضوعه البيع، ولكن الذين يقولون بالشفعة للجوار يستدلون به؛ لأنه عرض عليه أن يشتريهما، ولئن كان جاره أولى بأن يشتري منه فكذلك جاره أولى بأن يشفع عليه؛ فتكون دلالة الحديث على الشفعة من باب القياس واللزوم وليس من باب النص؛ لأنه قال هنا: (اشتر بيتي اللذين هما في دارك.
فقال: والله! لا أشتريهما) .
إذاً: لو أنه توقف عند هذا وقال: والله! لا أشتريهما، ولم يشترهما فيكون كأنه ما حصل شيء؛ لأن الغير كان ممكن أن يشتريهما؛ لأنه قال: منعتهما من خمسمائة.
إذاً: قد سيم عليهما، وقد جاءه زبون، ولكنه نظر إلى الحديث: وقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بصقبه) وتقدم الكلام على كلمة: (صقب) بالصاد أو بالسين، وأما معناها فمنهم من يقول: الإحسان إلى الجار، ومنهم من يقول: المساعدة، وذكروا أموراً عديدة، حتى أن البخاري رحمه الله أتى بعد هذا الحديث في الصحيح بباب: أي الجارين أحق، وهو في باب الشفعة وما الذي نقله إلى أي الجارين أحق؟! ثم ساق حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: (قلت: يا رسول الله! يكون لي الجاران، فإلى أيهم أهدي؟ ... ) الحديث.
لأنه صلى الله عليه وسلم وصى بالجار، فقال: (وما زال جبريل يوصيني بالجار ... ) الحديث.
والجار له حالات: جار من خلف البيت وله طريق من شارع آخر، ولكنه مجاور في البنيان من الظهر، وجار عن اليمين وبابه من شارع آخر، أو بابه من شارعك أنت، وجار عن اليسار، وجار مقابل، وبينكما الطريق، فأي هؤلاء الجيران هو الأقرب؟ وكذلك يأتي هذا البحث في دعاء الوليمة: إذا أتاك الجار ودعاك إلى وليمة، وجاء الجار الآخر فأيهما تقدم؟ أي: من أحق هؤلاء في وصف الجوار؟ الآن وصف الجوار يكون من أربع جهات: جار من الخلف وبابه من طريق آخر، وجار عن اليمين وبابه من طريق آخر أو من طريقك، وجار عن اليسار وبابه من طريقك أو من شارع آخر، وجار مقابل لك، فقال لها صلى الله عليه وسلم: (إلى أقربهما منك باباً) ومن هو الذي بابه أقرب؟ الجار الملاصق للجدار من الخلف بابه من طريق آخر، وأما الجار الذي مقابل له وبينهما الشارع فهو أقرب؛ لأنه ما بينهما إلا الشارع، ولكن لماذا قدم الأقرب؟ قدمه لأن قرب الباب يعطي معنى المجاورة أكثر، فهو يعطيه من خيره، وهو أسرع لو استنجد به، فإذا استنجد الجار بجيرانه فأسرع من يأتيه هو الذي يقابله؛ لأنه أقرب، فإذا كان الذي على يمينه أو الذي على يساره بابه في طريق واحد معه وهو أقرب فيقدم، أما إذا كان بابه المسافة إليه عشرون متراً، وهذا بابه المسافة إليه خمسة أمتار فهذا أقرب، وهكذا جعل صلى الله عليه وسلم التقديم بالنسبة لقرب الباب.
وهذا يأتي بحثه مستوفى كما يقول ابن حجر في باب الآداب في حقوق الجوار، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها في ذلك أخبار عديدة.
وهنا يقولون: سعد كان له بيتان متقابلان بينهما شارع مسافته اثنا عشر ذراعاً، وكان في بعض الدارين بيتان لـ أبي رافع، فعرض عليه أبو رافع أن يشتري البيتين فكان هذا الأمر.
إذاً: عرض أبي رافع على سعد أن يشتري منه البيتين من باب الأولوية في الشراء وليس من باب الشفعة في شيء، ولكنهم قالوا: إذا كان أبو رافع قدم سعداً في الشراء فكذلك يقدم في الشفعة، وهنا أبو رافع استدل بالأولوية لـ سعد في الشراء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بصقبه) .
إذاً: هناك اشتراك بين بيع داري أبي رافع على سعد وبين أحقية الجار بصقب جاره، وإلى هنا يكون المؤلف قد أورد مع ما سيأتي بحث مسألة الشفعة في الجار، إلا أن الآتي أسانيده ضعيفة.
وقد قدمنا أن الجمهور على أن الشفعة لا تكون إلا في شركة مشاعة فيما يمكن قسمه، وأول الجمهور كلمة الجار في الشفعة بأنه الشريك، وهذا كما يقال: من التأويل البعيد لقرينة، واستدلوا بقول القائل: أجارتنا بيني فما أنت بجارة فسمى زوجته وهي شريكته في الحياة جارة، والبعض ينازع في استعمال اللغة كلمة (جارة) في معنى الزوجة، أو كلمة (الجار) بمعنى الشريك لبعد الدلالة في كلمة (جار) على الشريك، وقالوا: مما يؤيد البعد اللغوي القرينة، وهي ما جاء في الحديث الآخر: (فإذا وقعت القسمة، وضربت الحدود صرفت الطرق فلا شفعة) إذاً: وجود القسمة والحدود والطرق يؤكد بأن هذه الشفعة تكون في المقسوم قبل أن يقسم، فإذا ما قسم ووضعت الحدود وصرفت الطرق فقد أصبح الشريك جاراً وليس بمشارك.
ونهاية البحث في هذا كما يذكر ابن القيم رحمه الله وينسبه اختياراً لـ ابن تيمية رحمه الله، وهو قول الجمهور أن الأصل في الشفعة أن تكون في الشركة المشاعة في العقار الذي لم يقسم وهو قابل للقسمة، فإذا كان غير قابل للقسمة فلا شفعة، ومثلوا بالحمام وبالرحى وبالدكان الصغير وبالبئر، وقالوا: لأن هذه إذا قسمت لا يؤدى بقسميها ما كان يؤدى بمجموعهما، فالحمام إذا قسم لا يكون حمامين، وكل قسم لا يصلح أن يستعمل حماماً، فيمكن أن يستعمل للسكن، أو يستعمل مستودعاً، لكن أن يستعمل حماماً على ما كان من قبل فلا يصلح، وكذلك البئر، والرحى، وكذلك الدور الصغيرة، والدكاكين الصغيرة التي لو قسمت لم يصلح أحد القسمين على حدة فلا تصح الشفعة.
فإذا أراد الشريك أن يتخلص من الشراكة ماذا يفعل؟ قالوا: يجبر الشركاء بالبيع معه أو بشراء قسمه، فإما أن يشتروا قسمه، وإما أن يبيع الجميع وكل يأخذ حقه من الثمن، هذا رأي الجمهور.
المرتبة الثانية: الشركة في الجوار فإذا كان هناك تبعية للشراكة بأن كان هناك طريق مشترك أو مسقى ماء مشترك، فهذه بقية شراكة يمكن أن يتأذى منها الشريك الأول من الجار أو الشريك الذي سيأتي عليه فجعل له حق الشفعة.
المرتبة الثالثة: الجوار الملاصق بلا مشاركة، وهذه الترتيبات الثلاثة عند علماء العراق ما عدا أبا يوسف، فإنه يقول: إذا وجد الشريك المشاع فإن يحجب الشفعة عن كل أحد شفع أم لم يشفع.
ولكن المتأخرون يقولون: الأحناف لا يذكرون رأي أبي يوسف في هذه المسألة، ويقتصرون على رأي أبي حنيفة رحمه الله على التقسيم المتقدم: الشفعة في المرتبة الأولى للمشارك، فإذا لم يوجد فالشفعة في المرتبة الثانية للجار الذي له مشاركة في المرافق، فإذا لم يوجد فمطلق الجار المشارك، وهذا خلاصة ما جاء في النزاع في ثبوت الشفعة للجار أو عدم ثبوتها.


شرح حديث: (الجار أحق بشفعة جاره ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إن كان طريقهما واحداً) رواه أحمد والأربعة ورجاله ثقات] .
يأتي المؤلف بهذا الحديث بعد حديث أبي رافع، وهذا الحديث بلفظ: (الجار أحق بشفعة جاره) فهذا نص صريح في ثبوت الشفعة بين الجارين، والذين يمنعون الشفعة في الجوار بمعنى الملاصق أو المجاور، قالوا: الجار أحق بشفعة جاره.
بمعنى: الجار المشارك، واستدلوا بقول القائل: (أجارتنا بيني فما أنت بجارة) ، فهو طلق الزوجة وسماها جارة وقالوا: إن اللغة تطلق على كل ما كان قسيماً لشيء أنه جار، فلو جئت إلى دائرة وأخذت أقطارها من المركز الذي في الوسط إلى المحيط، فكل قسم من هذا مجاور للقسم الثاني وهكذا، فهي كلها في جزء واحد مشتركة في الدائرة ولكن كل ما بين قطبين يعتبر مجاوراً للقطب الثاني أو للقسم الثاني مع أنها مشاركة له في عين الدائرة، فقالوا: كذلك كل ما كان شريكاً في شيء فهو مجاور له، وعلى كل هذا كما يقال: من التأويل والنص هنا صريح، ولذا فإن من اختيارات ابن تيمية رحمه الله: أن هذا الحديث مخصص لعموم الجار؛ لأنه قيده: (الجار أحق بشفعة جاره إذا كان طريقهما واحداً) أي: مشتركاً، فهذا يخصص الشفعة التي جاءت في: (الجار أحق بصقبه) ففي هذا الحديث عموم الجار، فقال: لكن عموم الجار قد خصص هنا؛ لأن وجود بعض شراكة في مرافق العقار تدل نوعاً ما على المشاركة، والشفعة وضعت لرفع المضرة، وقد يتضرر الجار من جار جديد، ولكن كما قدمنا أنهم يحددون الجار هنا في الطريق غير النافذ، أما إذا كان طريقاً عاماً فليس أحد أولى من أحد؛ لأن الطريق العام يمر به الجار وغير الجار، أما إذا كان الطريق غير نافذ وعليه بيتين من اليمين وبيتين من اليسار وبيت في الرأس في الآخر؛ فإن المرور من هذا الطريق محدود محصور ولا ممدوحة لأحد من هؤلاء الجيران عن أن يمر من هذا المكان، فقد يكون الشافع بالجوار في هذا المحل يؤذي بعض جيرانه الآخرين، فقالوا: ترفع المضرة عنه بالشفعة، والآخرون قالوا: مضرة الجار مع جاره أقل نسبياً من مضرة الشريك مع الشريك في الرقبة وفي عين العقار، والله أعلم.


شرح حديث: (الشفعة كحل العقال)
قال المصنف رحمه الله: [وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشفعة كحل العقال) رواه ابن ماجة والبزار وزاد: (ولا شفعة لغائب) وإسناده ضعيف] .
إسناده ضعيف لا يقاوم إسناد غيره.
وقوله: (الشفعة كحل العقال) يعني: إذا أبقيت العقال على البعير أمسكته، وإذا حللت العقال انفلت عليك، فكذلك الشفعة إن أنت طالبت بها عقلتها ولك الحق في مطالبتك بها، وإذا تركتها أو أفلت عقالها انطلقت عنك، وقد قدمنا بأن البعض يقول: يعفى في ذلك الوقت الضروري، فإذا علم وقت القائلة وشدة الحر فليس بملزم أن يكلف نفسه ويذهب إلى المشتري ويقول: شفعت عليك، وإذا بلغه الخبر وهو يتناول الطعام فليس عليه أن يترك طعامه ويذهب يطلب الشفعة بل يتم أكل طعامه، بل قال الحنابلة: ويستريح بعد الطعام إلى أن يهضم ثم يذهب ويطلب الشفعة، هذا الذي عليه الجمهور في المبادرة وإن كان الصنعاني أو غيره يقول: الأصل ثبوت الشفعة، وأما التعجل بها أو الفورية فليس هناك دليل، ولكن الآخرون يقولون: إن لم يكن في المسألة دليل شرعي ففيها دليل عقلي، وهو: إذا كنت شريكاً والمشتري قد اشترى وشريكك قد ذهب وأنت تريد أن تشفع؛ فإن لم يكن هناك توقيت للشفعة فإنك تستطيع أن تلحق ضرراً بالمشتري؛ لأنه حينما يشتري هو لا يعلم أتشفع أو لا تشفع؟ إذا أراد أن يعمر أو أن يغرس أو أراد أن ينمي ما اشتراه توقف؛ لأنه لا يدري أيثبت له ما اشتراه أم ينتزع منه بالشفعة؟ فتكون فيه مضرة أكثر، فقالوا: ليس تحديد الزمن بأولى من زمن، فتكون على الفور.
وبعضهم يقول: إن كان غائباً فيعطى مهلة ثلاثة أيام إن كان سفره قريباً، أما إذا كان بعيداً فليس بملزم أن يقطع سفره ويأتي ويعلن الشفعة، ويقول مالك رحمه الله: إذا كان مسافراً سفراً بعيداً، فإنه حينما يعلم في غيبته بالبيع يشهد أنه شافع، فإذا رجع إلى بلده تقدم بطلب الشفعة وقدم الإثبات على أنه قد طالب بالشفعة منذ علم، وحينئذ يكون له الحق ولو طال الزمن، فإذا طال الزمن والمشتري قد بنى وغرس فماذا يكون حكم البناء والغرس الجديد؟ قالوا: يأخذ الشافع الأرض بقيمتها التي اشتراها المشتري ويقدر ما عليها من البناء والغرس الذي أقامه المشتري؛ لأنه حقه فلا يظلم فيه؛ فإن استعد ودفع ثمن الأرض وما لحقها من بناء وغراس فله الحق، ونكون بهذا قد حفظنا على المشتري حقه، ورددنا عليه قيمة الأرض ورددنا عليه ما أنفق في غرس وبناء فلم يقع عليه ظلم.
وبقي هنا أبحاث في باب الشفعة لأنها كما أشرت سابقاً واسعة، منها: إذا كان الشركاء متعددين، أو كان المشترون من الشريك الواحد متعددين، فمثلاً: الدار لخمسة أولاد ورثوها من أبيهم، فكل واحد له الخمس، فجاء واحد من الخمسة وباع سهمه، فكيف يكون حظ الشفعة للأربعة؟ لو قام واحد من الأربعة ليشفع على مشتري الخمس فالطريق واضح، فله أن يأخذ بالثمن الذي بيع به ويضمه إلى خمسه الأول ويصير له خمسان، والثلاثة الإخوة الآخرون لكل واحد منهم الخمس.
لكن لو قام الأربعة يطلبون الشفعة في الخمس الذي باعه أخوهم، فلمن نعطيه منهم؟ قالوا: نعطيه للأربعة؛ لأنهم كلهم متساوون في الحق، فإذا أعطيناهم الشفعة، ورددنا الخمس إليهم وهم أربعة فكم لكل واحد منهم في هذا الخمس؟ قالوا: نقسم الخمس الذي بيع على الموجودين بحصصهم، وأصبح الملك الآن لأربعة؛ لأنهم أربعة أشخاص لكل واحد منهم ربع الخمس الذي بيع.
وإذا كان العكس: اثنان مشتركان بالنصف وباع أحد الشريكين نصيبه على أربعة أشخاص، فجاء الشفيع صاحب القسم الثاني وشفع، أيشفع على واحد من الأربعة أم على الجميع؟ الجواب: على الجميع، فلو شفع على واحد فقط فيقال له: لا، إن فيه مضرة، والمبيع جزء واحد، فاشفع في هذا المبيع كله بصرف النظر عن المشترين، فإذا قال: لا، أنا آخذ حصة واحد فقط، فيقال له: لا، إما أن تأخذ كامل الشقص الذي بيع بصرف النظر عمن اشتراه، واحد أو اثنان أو أربعة وإما أن تتركه كله، فحينئذ إن أراد بأن يشتري الشقص كاملاً من الأربعة يلزم أن تكون الشفعة عليهم جميعاً.


حكم المطالبة بالشفعة، وهل تورث؟
وهنا السؤال: هل القيام والمطالبة بالشفعة واجب أم جائز؟ المطالبة بالشفعة جائزة؛ فإن شاء قام وطالب بها وإن شاء تركها، بل بعض العلماء يقول: الأحسن أن يتركها، لكن إن علم الشريك القديم من المشتري ما يضره في دينه بأن كان يجاهر بالمعصية وسيأتي إلى حصته في الدار ويسكن ويجاهر بما حرم الله، فهل يتركه يأتي ويدخل عليه بهذا الشر أم يتعين عليه أن يشفع ويدفع عن نفسه المضرة في دينه؟! وإذا كانت المطالبة بالشفعة على الجواز، فهل هذا الحق بالمطالبة يورث، وهل الورثة يستحقونه أو لا يورث ما دام مجرد جواز؟ وقالوا: إذا كان الشريك الأول وهو الذي يستحق المطالبة بالشفعة مات بعد أن باع شريكه حصته، فهل لأولاد الشريك الأول أن يقوموا مقام أبيهم ويطالبون بالشفعة؛ لأنهم حلوا محله في الملك أو ليس لهم ذلك؟ وبعض من يقول: إنها جائزة قالوا: هذا حق لا يملك بالميراث، وهؤلاء متملكون جدد ليس لهم الأسبقية، وآخرون يقولون: لهم الشفعة، والقول الوسط: إن كان أبوهم أو مورثهم حينما علم بالبيع في حياته سكت عن الشفعة فيكون قد أسقطها؛ لأنه هو الأصيل، فلا حق للورثة بالمطالبة بها؛ لأن صاحب الحق الأصلي قد ترك، أما إذا كان قد علم في حال حياته فطالب بالشفعة وفي أثناء المطالبة والمفاهمة توفي، فحينئذ يكون صاحب الحق الأصلي قد طالب به؛ فورثته أحق بها تبعاً لمورثهم، فيرثون مطالبة المورث بالشفعة.


الشفعة في مدة الخيار
ويقولون: من شروط الشفعة: أن ينتقل الجزء المبتاع للشافع بنفس ثمن المبايعة، وأن يستقر البيع ويستقر الملك للمشتري، فإذا باع الشريك حصته على إنسان واشترط المشتري الخيار.
فهل للشريك القديم أن يقوم ويطالب بالشفعة قبل مضي الشهر أو ليس له ذلك؟ هنا يقولون: إن كان اشتراط الخيار للمشتري والبائع قد أسقط حقه في الخيار، فهل يكون البائع قد أمضى البيع أم لا؟ من جانبه أمضاه؛ فحينئذ يكون للشريك الحق في القيام بالمطالبة بالشفعة؛ لأنه يشفع على الشريك والشريك قد أمضى البيع وأصبح في حقه لازماً، أما إذا كان البائع هو الذي اشترط الخيار والمشتري أمضى البيع فإنه لا يحق للشريك أن يطالب بالشفعة؛ لأن الشفعة مبناها على إتمام البيع، وإتمام البيع متوقف على المالك وليس على المشتري وهنا البيع لم يتم.


الإقالة في الشفعة
وهنا مسألة أخرى: الشريك باع والمشتري استلم، والشريك القديم لم يطالب، ثم إن المشتري وجد في نفسه أنه غبن، ووجد عيباً أو جد شيئاً ندم بسببه على الشراء، فرجع إلى البائع وقال: أقلني بيعتي، وطلب الإقالة، فقام الشريك الأول حينما تمت الإقالة ورجع الشقص لصاحبه كما كان، هل يحق له أن يشفع عقد الإقالة الجديد أو لا يحق؟ سنأتي ونقول: هل الإقالة فسخ أو بيع؟ الجمهور على أن الإقالة فسخ للعقد الأول، والمالكية يقولون: هي عقد من جديد؛ ولذا يجوز له أن يقيله بزائد على الثمن أو بأنقص؛ لأنه بيع.
والجمهور يقولون: لا.
إذا أقاله لا يأخذ منه درهماً ولا ينقصه من حقه شيئاً، فإذا اشتراها بألف وقال له البائع: أنا أقيلك وأرد لك تسعمائة فأنقص من حقك مائة فلا.
وبموجب ماذا ينقص؟ قالوا: لأنه عقد بيع ومساومة، فإذا جاء البائع وطلب الإقالة، وقال: أنا ندمت أني بعتك، أنت اشتريت مني بألف، أنا أعطيك ألف ومائة ورده عليّ، فهنا الزيادة والنقص في عقد الإقالة يجعلها بيعاً.
فإذا حكمنا بأن الإقالة فسخ للعقد الماضي، إذاً: لم ينتقل الملك انتقالاً جديداً فلا شفعة.
وإذا حكمنا على الإقالة بأنها بيع ووقعت في صورة البيع بزيادة أو بنقص، مساومة من جديد قلنا: فيه الشفعة، والله تعالى أعلم.
وأوصي الإخوان أن يراجعوا هذا الباب في تلك المراجع التي ذكرناها سابقاً، وهناك رسالة ماجستير لرجل مغربي عمل مقارنة في الشفعة بين المذاهب الأربعة وفي القوانين، فلو اطلع إنسان عليها فهي مفيدة؛ لأنه تعمق في البحث تعمقاً كبيراً.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.